تعاقب بييي
Ecological succession -

 التعاقب البيئي

التعاقب البيئي

محمد منصور بكر

مراحل نشو التعاقب البيئي

العوامل المؤثرة والمساعدة للتعاقب البيئي

أنواع التعاقب البيئي

التعاقب البيئي في الما العذب fresh water succession

التعاقب البيئي  الدقيق microsuccession

 

التعاقب البيئي ecological succession هو الانتقال المنظَّم من مجتمعات حيوية معينة biotic communities إلى مجتمعات حيوية أخرى. يمكن أن تتعرض المناطق الطبيعية والأنظمة البيئية إلى اضطرابات أو تغيرات سلبية من أنواع شتى، قد لا تكون جميعها من فعل البشر؛ بل قد تكون طبيعية كالعواصف والحرائق وغيرها. وقد أثرت هذه التغيرات السلبية في البيئة منذ أزمان بعيدة بحيث تأقلمت أو تكيفت الكائنات الحية معها إلى المدى الذي يمكن للبيئة أو سطح الأرض أن تستفيد منها على المدى الطويل؛ فللحرائق الطبيعية مثلاً آثار عدة: منها أن الأشجار في الغابات التي لم تتعرض للحرائق قد تضعف فتصبح معرضة للآفات الحشرية والأمراض؛ في حين تزداد مقاومة النباتات المتبقية بعد الحرائق تجاه تلك الآفات. وفي كلِّ الحالات تتغلب الطبيعة على مثل هذه التغيرات البيئية السلبية بحدوث التعاقب البيئي وما يحدث خلاله هو أن يحلَّ مجتمع حيوي محلَّ آخر تدريجياً مع الزمن، وهذا الثاني يحل محله مجتمع ثالث، حتى إنه يمكن أن يحلّ مجتمع رابع محلّ الثالث.

يكمن سبب حدوث التعاقب البيئي في التغير الذي يطرأ على البيئة الطبيعية بفعل نمو المجتمع الحيوي نفسه، بحيث تصبح المنطقة مناسبة لعيش مجاميع جديدة من الأنواع. وفي الوقت نفسه تصير أقل تناسباً مع المجتمع الحيوي الحالي. ولا يستمر التعاقب في الأنواع إلى ما لا نهاية، إذ ينتهي المطاف بحالة من الاستقرار، يتم فيه التوازن بين الأنواع الموجودة والبيئة الطبيعية. تدعى هذه المرحلة النهائية نظام الذروة البيئي climax ecosystem، وتسمى التجمعات الحيوية المستقرة أو الناضجة بمجتمعات الذروة climax communities.

مراحل نشو التعاقب البيئي

1- مرحلة التعرية والتجريد nudation stage: يحدث التجريد أو التعرية لأي نظام بيئي نتيجة للكوارث البيئية مثل البراكين والفيضانات والحرائق، فضلاً عن الأنشطة البشرية كالحفر والحرق والتعدين، والتي تسبب تجريد الأرض أو تعريتها من الكائنات الحية.

2- مرحلة الاجتياح invasion stage: يتمُّ خلالها وصول أجزا التكاثر إلى أنواع مختلفة من النباتات ونجاحها في الإنبات في البيئة الجديدة، وتمر عملية الاجتياح بثلاث مراحل هي:

آ- الهجرة migration: وتعني وصول أجزا التكاثر (البذور) إلى الأرض الجديدة بواسطة الهوا أو الما أو الحيوانات.

ب- التوطن ecesis: نجاح البذور في الإنبات والتكاثر في الأرض الجديدة.

جـ - التجمع aggregation: وصول الكائنات إلى أعداد كبيرة في الأرض الجديدة. وهكذا يستمر الاجتياح معتمداً على قابلية الكائن الحي للاستمرار بالنجاح والتكاثر في الظروف البيئية الجديدة.

3- مرحلة التفاعل والتنافس: يحدث خلالها تنافس بين أفراد النوع الواحد بسبب الزيادة العددية في الأفراد، وقد يحدث التنافس بين أفراد الأنواع المختلفة سوا التي وصلت إلى البيئة الجديدة أم تلك التي توجد فيها أصلاً.

4- مرحلة الاستقرار والذروة: عند نهاية التعاقب يصل المجتمع إلى مرحلة الاستقرار حيث تنشأ بين الكائنات الحية علاقات منسّقة متوازنة تُبقي تركيب المجتمع ثابتاً إلى حدٍّ ما، ولا يُعدّ هذا الاستقرار مرحلة سكون؛ بل إنه مرحلة توازن حركي مع المحيط.

العوامل المؤثرة والمساعدة للتعاقب البيئي

من أهمها توفر المياه والحرارة والرطوبة والضو وعناصر المناخ المناسبة ونوع التربة وطبوغرافية الأرض والتنافس.

أنواع التعاقب البيئي

هناك نوعان للتعاقب البيئي هما:

أ- التعاقب البيئي الأولي primary succession: وهو التعاقب الذي يحدث على أرض لم يسبق أن سكنها أي نبات أو حيوان، وتكون خالية من المواد العضوية، وإذا كانت المنطقة غير مأهولة بالحياة سابقاً فإن عملية ظهور أولى الكائنات الحية أو عملية الغزو الأولية initial invasion  للمنطقة ثم الانتقال progression من مجتمع حيوي إلى المجتمع التالي؛ تدعى التعاقب البيئي الأولي، مثال ذلك غزو الأنواع النباتية التدريجي منطقةً صخريةً جردا حتى تصبح في النهاية مغطاة بغابة تتبع نظام بيئة الذروة. وتعد الصخور الجردا بيئة غير مناسبة للحياة لعدم وجود التربة المناسبة ولعدم إمكان استقرار البذور وتلقيحها، وحتى لو تمَّ ذلك فإن البذور تموت بسبب ندرة الما أو التعرض للرياح وأشعة الشمس الساقطة مباشرة على سطح الصخور الجردا ؛ غير أن الأشُن lichens وبعض أنواع الحزازيات mosses من النباتات البدائية يمكن أن تتكيّف مع تلك الظروف الصعبة.

تسمى الأنواع الأولى التي تظهر في المنطقة الأنواع الطليعية pioneer species . وتمتاز الأشنات والحزازيات بامتلاكها حبوب طلع صغيرة جداً يمكن أن تستقر وتلقّح في الشقوق الضّيقة للصخور، وهي سريعة النمو وقادرة على تحمل الجفاف إذا دخلت في حالة السبات. ومع هطل الأمطار أو وصول ولو كمية قليلة من المياه؛ تنمو الحزازيات مثلاً وتشكل حصيرة mat خضرا تعمل على تجميع حبات التربة المتكوِّنة من تجوية الصخور, كما أنها تفرز حموضاً عضوية تعمل على تفتيت الصخور تحتها وتحويلها تدريجياً إلى تربة. وعند موت تلك النباتات البدائية ينتج من تفككها مواد عضوية تساهم في تكوين التربة، وبذلك تتكون طبقة رقيقة من التربة تعمل الحزازيات على تثبيتها فوق سطح الصخور، وهذه التربة بدورها تعدُّ مكاناً مناسباً لتجمع بذور النباتات الكبيرة والاحتفاظ بالمياه اللازمة لنموها، ثم تظهر أعشاب أكثر ثباتاً (الأعشاب ثنائية الحول) بعد أن تكون أجزا من الصخور قد تفتت وتناثرت واختلطت بالتربة المحيطة. وفي هذه المرحلة تظهر الديدان والحشرات حيث تجد في الحشائش أماكن للتكاثر وحماية يرقاتها. ومع نمو الحشائش الكبيرة ثم تحلّلها بعد موتها تتوفر المادة العضوية اللازمة لتكوّن طبقة أسمك من التربة، تتمكن الشجيرات من النمو فيها، ويصاحب ذلك ظهور حيوانات فقارية كالقوارض والزواحف والأرانب.

يلي ذلك تهيؤ الظروف المناسبة لنمو الأشجار الكبيرة مشكّلةً في النهاية الغابة التي تتبع نظام الذروة (الشكل 1). وتتنوع الحيوانات فتظهر أنواع عديدة من الطيور والزواحف والثديّيات والبرمائيات واللافقاريات (حشرات، عناكب، عقارب، ديدان)، ويكون هذا هو مجتمع الذروة الذي يستطيع البقا فترةً طويلةً إذا لم تتدخل الكوارث الطبيعية أو الأنشطة البشرية.

الشكل (1) التعاقب البيئي الأولي.

يؤدي سقوط الأوراق والأغصان في أثنا ظهور النباتات الكبيرة ونموها، إضافة إلى حجبها أشعة الشمس؛ إلى القضا على النباتات الطليعية والشجيرات الصغيرة. وبذلك يكون قد حدث تعاقب تدريجي للكائنات الحية بد اً من الحزازيات إلى الأعشاب ثم إلى النباتات الكبيرة التي تكوّن غابة تتبع نظام بيئة الذروة. ويمكن حدوث التعاقب البيئي الأولي في أماكن متعددة فوق سطح الأرض مثل سطح الصخور التي تندفع من باطن الأرض أو في الحمم البركانية التي بردت حديثاً أو في بعض المناطق الرملية التي تراجع البحر عنها أو حتى في الكثبان الرملية المتكوّنة من تجمعات الغبار التي تحملها الرياح وترسبها في منطقة ما، أو عند ارتفاع الرسوبيات في مستنقع أو بركة لتصل إلى سطح الما مشكلة مسطحاً من اليابسة، أو الزحف الجليدي، أو تكوّن الجزر البركانية. ويمكن أن يلاحَظ على بروز صخري جميع الأطوار التعاقبية داخل منطقة صغيرة نسبياً. وقد يكون مجتمع الذروة ممثلاً بغابات كما في المناطق الجبلية، أو بشجيرات كما في الصحرا . ويقدر علما البيئة أن مجتمع الغابة يتطلب 70-80 سنة ليقترب من النضوج النسبي ويصل إلى مجتمع الذروة خلال 80-100، سنة؛ فيصير مجتمعاً مستقراً يتمتع باكتفا ذاتي.

ب- التعاقب البيئي الثانوي secondary succession: إذا ما أزيل الغطاء النباتي من منطقة ما بفعل الحرائق أو الأعاصير أو الفيضانات، أو حتى بفعل البشر من خلال قطع الغابات، للحصول على الأخشاب أو الأراضي الزراعية أو السكنية أو حراثة الأرض أو نشاطات التعدين، وأصبحت المنطقة جردا إلا من التربة؛ فإن النظام البيئي المجاور للمنطقة يمكن أن يعاود غزوها تدريجياً خلال مراحل محددة ومتعاقبة؛ لكن ليس فجائياً، وتدعى هذه العملية بالتعاقب البيئي الثانوي.

يكمن الفرق بين التعاقب البيئي الأولي والثانوي في أن التعاقب الثانوي يبدأ بوجود طبقة من التربة المتكونة سابقاً، وبذلك لا يحتاج زمناً طويلاً لِتَكَوُّن التربة كما حدث في حالة التعاقب البيئي الأولي. وأول ما يظهر في المنطقة الخالية من الغطا النباتي هو أنواع تختلف عن التي كانت تعيش مباشرة قبل حدوث الحريق أو إزالة ذلك الغطا . وغالباً ما تكون من الحشائش المتحمّلة للجفاف، وتستطيع العيش مع قلة الما والظل ودرجة الحرارة المرتفعة. وبعد ذلك تظهر الأعشاب والحشائش الأطول لتحلَّ محلَّ الأنواع الأولى الأقصر. ويعقب ذلك ظهور الأشجار الأطول التي لا تستطيع أن تعيش في ظلها الأعشاب والحشائش بسبب حجب أشعة الشمس؛ ممّا يؤدي إلى تكوّن غابة من الأشجار تخلو من الأنواع النباتية الطليعية (الأعشاب) لتصل بذلك إلى مجتمع الذروة (الشكل 2).

الشكل (2) التعاقب البيئي الثانوي.

ومن الجدير بالذكر أنه خلال مراحل عملية التعاقب النباتي جميعها تصير إمكانات الموقع مختلفة بالنسبة إلى الحيوانات؛ فيحدث أيضاً تعاقب على أنواع الحيوانات يصاحب التعاقب النباتي, ابتداء ً من اللافقاريات إلى الثديّيات.

خصائص نظام الذورة

يتميّز نظام الذروة بالخصائص التالية:

1- المقاومة الجيّدة للتأثيرات السلبية.

2- التنوع الحيوي الكبير.

3- غناه بالمواد الغذائية والمواد العضوية.

4- إظهار درجة عالية من الانتظام؛ ولكن أنظمة الذروة ذاتها قد تتعرض للتغير إذا حدثت تغيرات جذرية في المناخ أو بسبب دخول أنواع جديدة أو إزالة أنواع قديمة من النظام البيئي؛ إلا أن التغير يكون بطيئاً في أنظمة الذروة إذا ما قورن بالتغير في المراحل الأولى من التعاقب البيئي حيث قلة التنوع الحيوي.

التعاقب البيئي في الماء العذب fresh water succession

تختلف أنماط التعاقب في المياه العذبة تبعاً لحجم المسطحات المائية وطبيعة حركة المياه فيها, وتؤدي عمليات التجمّع التدريجي للطين (عملية التغرين) دوراً مهماً في إحداث التعاقب؛ إذ إن تراكم المواد الطينية القادمة بواسطة الأنهار والجداول يسبِّب التناقص التدريجي لعمق الماء مع الارتفاع التدريجي لمستوى طين القاع، وعند ذلك يتعاقب ظهور النباتات المغمورة بالنباتات ذات الأوراق الطافية، والتي تستبدل بها مجتمعات المستنقعات التي تتميز بنباتات البرديّ ذات الأوراق والسوق الهوائية؛ في حين تكون جذورها مائية، وبعد عدة سنوات يمكن لهذا المجمّع المستنقعي أن يكوّن غابة (الشكل 3). وقد يتطلب التعاقب زمناً طويلاً يمتد إلى عشرات بل مئات السنين، كما في حالة البحيرات العميقة التي تتميّز بمياهها الصافية وقاعها العاري وغناها بالأكسجين وإنتاجيتها الضعيفة؛ فتبدأ الكائنات الحية بغزوها تدريجياً وعلى نحو متعاقب، حيث تظهر البكتريا في البد تليها عوالق نباتية فأوليات حيوانية ثم لافقاريات، ويستمر الغنى بالأنواع تدريجياً فتظهر الأسماك وتغزر النباتات، ويصبح القاع موحلاً تدريجياً، ويتناقص عمق البحيرة مع الزمن بسبب زيادة الترسبات، ومن ثمّ يتناقص سطحها فتختفي بعض الأنواع نتيجة هذه التغيرات في الوسط؛ كأن تختفي مثلاً الأنواع التي تتطلب قاعاً عارياً، وتبدأ البحيرة بالدخول في مرحلة الهرم، ولاسيما بعد ازدياد العناصر المغذية سوا كانت طبيعية أم نتيجة التلوث. وتستمر البحيرة في تحولاتها إلى أن تنتهي بتشكيل مخثات من طحالب المناقع، ولا تلبث أن تتحول إلى مرج ثم إلى غابة من الصنوبر ومن ثم السنديان وهذا ما يكوّن نظام الذروة.

الشكل (3) التعاقب البيئي في بحيرة.

التعاقب البيئي الدقيق microsuccession

ينطبق التعاقب الدقيق على المجتمعات الصغيرة جداً، ومن أبسط أشكاله ما يلاحظ عند إضافة ما بركة حاوياً خليطاً من الأوليات Protista إلى وسط غذائي مع ماء وتبن؛ فيشاهد استمرار التعاقب الدقيق للأحيا الأولية بدءاً من البكتريا ووحيدات الخلية النباتية والسوطيات Flagellata التي تصل بتكاثرها إلى الذروة، ثم ينخفض معدل تكاثرها إلى أن يظهر الباراميسيوم ثم تحتيات الأهداب Hypotrichia فالمتحولات (الأميبيا)، ويتطلب هذا التعاقب قرابة ثلاثة أشهر. وهناك تعاقب آخر يظهر في الجثث حيث تتعاقب فيها أنواع من الذباب والخنافس والعنكبوت.

الأهمية البيئية لدراسة التعاقب وتطبيقاته

أ - تحديد الأنواع المنافسة القوية وتشخصيها.

ب - إمكان تطوير نوعية السلاسل الغذائية عن طريق التعاقب الخلطي بإدخال الأنواع المقاومة نسبياً.

ج - إطالة عمر المسطحات المائية من خلال العمل على تثبيط عمليات التعاقب، وإزالة الأنواع سريعة الانتشار أو التحكم في محتويات القاع المائي.

د - تمكين الباحثين من تحديد أنواع الطفرات أو التغيرات البيئية والتركيبية والشكلية (المورفولوجية) على نحو دقيق من خلال معرفة العوامل البيئية المؤثرة.

هـ - إعطاء فكرة للباحث عن عمر المجتمع الحيوي والفترة الزمنية التي احتاجها للوصول إلى أي مرحلة من مراحل التعاقب.

و - العمل على زيادة انتشار الأنواع الطويلة العمر والعالية المقاومة البيئية، والاستفادة منها للمحافظة على استدامة النظم البيئية أمام الظروف البيئية الحرجة.

مراجع للاستزادة:

- M. Luzier, Ecological Succession, ‎ lulu.com 2017.

- J. Roughgarden, Perspectives in Ecological Theory, ‎ Princeton University Press, 2016.

- D. Vats, Biodiversity and Ecological Successions, ‎ LAP LAMBERT Academic Publishing, 2018.

 


- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1