تصوير سينمايي
Cinematography -

 

التصوير السينمائي

ظافر موسى

كاميرات التصوير السينمائي وعدساتها

تحريك الكاميرات السينمائية

أفلام التصوير السينمائي

أجهزة العرض السينمائي

التطورات الحديثة في التصوير السينمائي 

 

يقوم التصوير السينمائي cinematography على مبدأ تسجيل سلسلة صور ضوئية متتابعة زمنياً على فيلم حساس للضوء باستخدام كاميرا سينمائية، ومن ثم معالجتها وطباعتها لكي يجري إسقاطها فيما بعد على شاشة screen عرض بجهاز إسقاط سينمائي movie projector بحيث يتوهم المشاهد أن الصور تتحرك. وبالتالي فإن التصوير السينمائي يتألف من مرحلتين: تشمل الأولى التقاط الصور وفق تقنيات معينة بوساطة كاميرا سينمائية، وتشمل الثانية عرض تلك الصور بوساطة جهاز الإسقاط.

تلتقط الكاميرا الحركة في سلسلة من الصور المتتالية بفواصل منتظمة، ويتولى جهاز الإسقاط عرض تلك الصور على الشاشة بالتواتر نفسه، وبذلك يتوهم المشاهد أن الأخيلة تتحرك. وسبب هذا التوهم هو ديمومة أثر الرؤية على شبكية العين البشرية، ذلك أنه على الرغم من أن الصور تضيء الشاشة فترة قصيرة من الزمن فإن الناظر لا يراها صوراً متتابعة، وإنما تبدو له صوراً متحركة متصلة.

تطور التصوير السينمائي بعد ظهور التصوير الضوئي بوقت قصير، وأول محاولة تصوير للحركة قام بها المصور إدوارد مويبريدج E. Muybridge عام 1877 عندما رتب 24 كاميرا تصوير ضوئي لتصوير حركة حصان يعدو في سباق للخيل، بحيث تفتح غوالقها (ج. غالق shutter)- الواحد بعد الآخر- كلما خطا الحصان خطوة، وتمكن بذلك من التقاط حركة أطراف الحصان وخطواته بوضوح (الشكل 1).

الشكل (1) صورة حركة قوائم الحصان.

شهدت ثمانينيات القرن التاسع عشر عدة محاولات في هذا الاتجاه، منها ما قام به العالم الفرنسي إتيين جول ماري E. J. Marey في دراسته المعمقة للحركة، إذ تمكن من تصوير 12 حركة متتابعة لأحد الرياضيين خلال ثانيتين على لوح تصوير ضوئي زجاجي واحد، غير أن التطور الرئيسي كان عام 1877 عندما اخترع البريطاني هانيبال غودوين H.Goodwin فيلماً جافاً من طبقة حساسة للضوء على شريط لدن (ركيزة base) من نترات السلولوز، اشترى حقوق اختراعه جورج إيستمان مؤسس شركة Kodak، التي سوقت أول كاميرا سينمائية KODAK Brownie في العام 1888، وكانت قادرة على تصوير فيلم متحرك من 100 صورة، غير أنه كان يتوجب إرسال الكاميرا إلى الشركة لتظهير develop الفيلم وطبعه وتعبئة الكاميرا من جديد وإعادتها إلى الزبون.

وفي عام 1891 عرض العالم توماس إديسون T. Edison أول كاميرا سينمائية وجهاز إسقاط سينمائي، وبنى أول استوديو للتصوير السينمائي في العام 1892. وفي عام 1895 عرض الأخوان لوميير Lumière في باريس أول فيلم على شاسة عرض سينمائي أمام الجمهور. غير أن فكرة مونتاج montage الأفلام السينمائية (اختيار المشاهد المصورة سينمائياً وإعادة ترتيبها ولصقها تمهيداً لعرضها) لم تظهر إلا في بداية القرن العشرين، وفي العام 1926 بدأ استخدام الصوت في السينما.

كاميرات التصوير السينمائي وعدساتها

تلتقط كاميرا التصوير السينمائي صوراً متتالية زمنياً، بمعدل 24 صورة في الثانية الواحدة، وبمعدل قدم واحدة (30~ سم) في الثانية الواحدة من طول الشريط السينمائي، ويجب أن تكون أبعاد الصور المتتالية وموقعها بالنسبة إلى العدسة الجسمية متطابقة تماماً، ويتطلب ذلك دقة عالية في عملية تحريك الفيلم وتثبيته، وتناسقاً بين أجزاء الكاميرا، وهي العدسة والغالق والبوابة وعبوة الفيلم وآلية السحب (الشكل 2). وتقوم هذه الأجزاء بالمهمات التالية:

الشكل (2) الأجزاء المختلفة للكاميرا السينمائية.

  • إسقاط خيال حقيقي للمشهد على المستوي الذي يوجد فيه الفيلم.

  • تحريك الفيلم السينمائي خطوة خطوة (أي إزاحة الشريط مسافة محددة، ثم إيقافه مدة تعريضه للضوء، ثم معاودة تحريكه بالمقدار السابق نفسه وهكذا).

  • تعريض الفيلم الحساس للضوء مدة محددة بعد توقف الفيلم مباشرة ثم حجبه بشكل متناغم مع عملية التحريك. وضع الفيلم الخام في حاوية مظلمة عازلة للضوء، وحاوية أخرى ينتقل إليها الفيلم بعد تعريضه للضوء ليعالج فيما بعد في مخابر التظهير (الشكل 3).

  • الشكل (3) نموذج من الكاميرات السينمائية.

  • كان تشغيل الكاميرا يجري يدوياً في بدايات صناعة السينما، وذلك بمعدل دورتين في الثانية، وبمعدل 8 صور لكل دورة (الشكل 4). 

  • الشكل (4) تسلسل العمليات المتتالية في أثناء عمل الكاميرا السينمائية.

    حيث أ- نهاية فتح الغالق، الظفر ينسحب والمخلب يتعشق مع الشريط، ب- الغالق مغلق والمخلب يبدأ سحب الشريط، ج- الغالق مغلق ومتابعة سحب الشريط، د- الغالق مغلق، انتهاء سحب الشريط، هـ- بدء فتح الغالق، دخول ظفر الثبيت، انسحاب المخلب من مقره في الشريط، و- الغالق مفتوح، ظفر التثبيت في مقره في الشريط، تقدم المخلب استعداداً لسحب الشريط من جديد، ز- بدء إغلاق الغالق، ظفر التثبيت في مقره في الشريط، تقدم المخلب استعداداً لسحب الشريط من جديد، ح: الغالق مغلق، دخول المخلب إلى مقره وانسحاب ظفر التثبيت.

    تنقل العدسة الجسمية objective lens تفاصيل المشهد وألوانه وظلاله بدقة وأمانة إلى الشريط السينمائي، تماماً كما في التصوير الضوئي، إذ إن مهمتها الأساسية هي تجميع أشعة الضوء المنتثرة على الممثلين والمشهد وإسقاطها على الفيلم عندما يفتح الغالق. وتتميز عدسات الكاميرات السينمائية ببعدها المحرقي focal length، ويقاس بالمليمتر ويراوح بين 30 و50 مم في الكاميرات 35 مم الأكثر شيوعاً، ومنها العدسات ذوات الحقل الواسع wide-angle (14.5 حتى 25مم)، وأخرى كبيرة البعد المحرقي (60 حتى 250 مم). يضاف إلى ذلك عدسات التصوير عن بعد telephoto ذوات البعد المحرقي 300-1000مم، والعدسات متغيرة البعد المحرقي (الزوم) zoom.

    توسم العدسات الجسمية السينمائية بأسماء الشركات المصممة لها، والتي تتنافس على تزويد عالم التصوير السينمائي بأحدث منتجاتها التي تجمع بين الميزات التقنية والميزات الفنية المتطورة بما يتفق مع رغبات المصورين، وخصوصاً من حيث الحدة sharpness والتباين contrast والسرعة. كما تحرص الشركات على ألا تتغير هذه الخصائص ما أمكن ضمن مجموعتها من العدسات الجسمية كلها، وألا تتغير هذه الميزات في عدسات الزوم عند تغيير بعد التركيز البؤري لها. ومن أشهر الشركات المنتجة للعدسات الجسمية شركة زايس Zeiss الألمانية وشركة كوك Cooke البريطانية وشركة بانافيجن Panavision الأمريكية. يبين الشكل (5) تفاصيل بنية العدسة زوم والعدد الكبير من العدسات المستخدمة في صناعتها.

     

    الشكل (5) عدسة تركيز بؤري متغير (زوم).

    استخدام عمق الحقل والتركيز البؤري والإضاءة في التصوير السينمائي:

    تتميز العدسات الجسمية في كاميرات التصوير السينمائي بعمق الحقل depth of field، ويقصد به مقدار تغير المسافة المسموح به بين الغرض موضوع التصوير object والجسمية في الكاميرا، بحيث تكون الصورة واضحة تماماً (الشكل 6). ويتعلق ذلك -إضافة إلى جودة العدسة ونوعها وبعدها المحرقي- بنعومة حبيبات الفيلم المستخدم في التصوير. ويتغير عمق الحقل بحسب الجسمية وفتحتها ومسافة الغرض موضوع التصوير، وثمة جداول لها لتحديد ذلك. وكما هو شائع في الأعمال السينمائية يتحكم المخرج بالجسمية وبمسافة تصوير المشهد، بحيث يمكنه تغيير التركيز البؤري focus بين أجزائه وإخراج بعضها خارج حقل الوضوح لأغراض الإخراج.

     
    الشكل (6) عمق الحقل.

    كما أن الإضاءة lighting من العناصر المهمة في التصوير السينمائي. وللإضاءة هدفان؛ الأول تقني للحصول على صور واضحة بتفاصيلها، والثاني فني يمكّن المخرج من تغيير إضاءة المشهد ليعطي المشاهد انطباعات فنية مختلفة بحسب الفكرة المراد إيصالها إليه. وتستخدم لهذه الغاية منابع إضاءة متعددة تناسب أماكن التصوير الخارجية والداخلية. كما تستخدم شاشات عاكسة ناثرة للضوء لتخفيف الظلال، أو شاشات سوداء للتخفيف من إضاءة المشهد موضعياً، كما في الشكل (7).

     
    الشكل (7) تستخدم منابع إضاءة مختلفة، كما تستخدم شاشات سوداء للتخفيف من الإضاءة.

    وفي أثناء التحضير للّقطات يقوم فريق التصوير بإجراء قياساته للتأكد من أن الإضاءة مناسبة باستخدام أجهزة قياس مختلفة، منها مقياس الضوء الوارد incident- light meter الذي يحتوي على حساس ضوئي مع قبة كروية من مادة بيضاء ناثرة للضوء لمكاملة الضوء الوارد على العناصر في المشهد، ومقياس السطوع spot meter الذي يقيس درجة سطوع بقعة من المشهد بشكل مطابق للضوء الساقط على الفيلم. كما توجد أجهزة مركبة تجمع بين المقياسين (الشكل 8).

     

    الشكل (8) مقياس إضاءة مزدوج الوظيفة: القبة البيضاء لقياس الضوء الوارد والمنظار لقياس السطوع.

    كذلك تستخدم في التصوير مرشحات ضوئية توضع أمام عدسة الكاميرا لتغيير السطوع أو لتغيير التباين أو إضافة تغييرات إلى نصوع الألوان أو تغييرها. والهدف الحصول على صور أفضل أو إضافة بعد نفسي للصورة (مثل استخدام تدرجات اللون البني للدلالة على أن الأحداث قد حدثت في الزمن البعيد، أو تدرجات اللون الأزرق وتباينات الأخضر للدلالة على أجواء مستقبلية).

    تحريك الكاميرات السينمائية

    اعتمد التصوير السينمائي في البدايات على الكاميرات الثابتة، ولكن التطور التقني والفني جعل حركة الكاميرا جزءاً مهماً من الفن السينمائي، ويُلجأ إليه لإضفاء الحيوية على القصة، أو لإعطاء انطباعات ومشاعر مختلفة للمشهد، أو لجذب انتباه المشاهد إلى تفصيل مهم في المشهد.

    ومن الحركات الأساسية للكاميرا الحركة الأفقية pan من اليمين إلى اليسار أو بالعكس، وكذلك حركة الدوران الشاقولية للكاميرا من دون تغيير موضعها، كما يمكن تحريك الكاميرا إلى الأمام move-in أو إلى الخلف move-out، إضافة إلى إمكان الدوران حول الغرض الجاري تصويره ربع دورة أو نصف دورة. كما يعد تغيير بؤرة العدسة (الزوم) من حركات الكاميرا لتقريب المشهد أو إبعاده.

    ولكي تجري هذه الحركات بسلاسة من دون اهتزاز تجهز الكاميرا بعدد من التجهيزات التقنية الضرورية، كالسكة rail التي تتحرك العربة (dolly (chariot عليها أفقياً وإلى الأمام والخلف (الشكل 9)، والرافعة crane لتقريب الكاميرا ورفعها أو خفضها (الشكل 10)، ورأس الحمل head الذي يسمح بدوران الكاميرا أفقياً وميلاناً (الشكل 11). وقد تستخدم رؤوس كاميرا كروية مائعية fluid head (الشكل 12) أو مسننة geared أو مزودة بمحركات يتم التحكم بها عن بعد remote head، أو أخرى معلقة underslung تسمح بالتصوير من زوايا صعبة ومنخفضة، أو رؤوس عقدية مركزية nodal point head (الشكل 13) تسمح بدوران الكاميرا من دون أن تتغير مسافتها عن المشهد، وخصوصاً في اللقطات القريبة close-ups.

    الشكل (9) السكة التي تتحرك عليها العربة الحاملة لكاميرا التصوير.
    الشكل (10) الرافعة وهي هنا من دون مكان للمصور أو مساعده.

    الشكل (11) رأس الحمل.

    الشكل (12) رأس كاميرا مائعي.

    الشكل (13) رأس كاميرا عقدي مركزي.

    ثمة تقانات عديدة أخرى تستخدم في حمل الكاميرات وتحريكها، منها ما هو مبرمج ويتحكم به حاسوب، ويسمح بتنفيذ حركات سلسة ودقيقة تؤدي الغرض الفني منها، وخصوصاً في أفلام التشويق action movies. كما تستخدم حوامات مسيرة drones عن بعد لتصوير لقطات صعبة المنال.

    أفلام التصوير السينمائي

    يسجل الفيلم السينمائي film stock المشهد بوساطة الكاميرا. والفيلم بأبسط حالاته أسود وأبيض، ويتكون من ركيزة لدائنية شفافة تتميز بمتانة ميكانيكية تسمح بتحريكها في أثناء التصوير مطلية بطبقة حساسة للضوء (الشكل 14) مكونة من حبيبات هالوجينات الفضة متوزعة بانتظام ضمن مادة غروية colloidal كالجيلاتين. يرتبط قطر الحبيبات بسرعة الفيلم وحساسيته، أي قدرة الفيلم على تسجيل صور واضحة بأقل مقدار من الضوء.

     

    الشكل (14) بنية الفيلم الاسود والأبيض.

    بقي التصوير بالأبيض والأسود سائداً حتى منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، وهو الوقت الذي بدأ يشيع فيه استخدام الأفلام الملونة. ولهذه الأفلام بنية أكثر تعقيداً من الأفلام العادية (الشكل 15)، إذ تتكون الطبقة الحساسة للضوء فيها من ست طبقات حتى اثنتي عشرة طبقة، منها ثلاث طبقات حساسة للضوء، الطبقة العلوية حساسة للضوء الأزرق ومكونة من ثلاث طبقات تختلف كل منها عن الأخرى بحجم الحبيبات الحساسة للضوء، وتسمح العلوية منها (السريعة)، والمكونة من حبيبات كبيرة الحجم بتسجيل الظلال الخفيفة، في حين تسجل البطيئة منها البؤر الساطعة، وتتكون من حبيبات صغيرة الحجم. وتحت الطبقة الحساسة للون الأزرق طبقة مرشح أصفر تسمح بتمرير الضوءين الأخضر والأحمر. تتألف كل طبقة من مزيج من حبيبات هالوجينات الفضة الحساسة للضوء في وسط من أساس صبغي، وعندما تسقط الفوتونات على حبيبات هالوجينات الفضة فإنها تحول عدداً صغيراً جداً منها إلى ذرات فضة لا ترى بالعين المجردة، علماً أنه يلزم أربع ذرات فضة حداً أدنى كي تظهر الصورة في كل حبيبة عند عملية التظهير. وعند إجراء عملية التظهير تتحول كل إيونات (شوارد) الفضة في الحبيبة إلى ذرات فضة، وهذه بدورها تتفاعل مع أساس الصباغ المحيط بها لتحوله إلى صباغ من اللون المناسب. وفي المرحلة التالية من عملية التظهير يتم التخلص من ذرات الفضة وتبقى الأصبغة الملونة. ويكون لون الأصبغة في الطبقة الحساسة للون الأزرق أصفر yellow، وفي الطبقة الحساسة للأخضر يكون الصباغ قرمزياً magenta، وسماوياً cyan في الطبقة الحساسة للأحمر. هذا ما يعرف بالألوان الماصّة (الطارحة للون) substractive. أما الركيزة فوظيفتها حمل الطبقة الحساسة للضوء، وتحمل جهد السحب الميكانيكي للفيلم ضمن الكاميرا وفي أثناء عمليات المعالجة اللاحقة. وقد استخدمت في البداية مادة نترات السلولوز cellulose nitrate التي استبدل بها في الخمسينيات خلات السلولوز cellulose acetate، التي تمتاز بمقاومتها النسبية للاحتراق بخلاف المادة الأولى. أما نسخ الفيلم المستخدمة في أجهزة العرض (الفيلم المطبوع بصيغته النهائية) فتتألف من ركيزة من البوليستر polyester، وتمتاز بديمومة تزيد بعشر مرات على خلات السلولوز، وتحتها طبقة تمتص الضوء الذي لا يمتصه الفيلم، ويمكن أن تسبب ظاهرة الضبابية أو التوهج، وتزال هذه الطبقة في عمليات المعالجة اللاحقة. وتتكون إما من هباب الفحم مع طبقة حاملة وإما من أصبغة داكنة. أما طبقة الحماية supercoat التي تعلو جميع الطبقات فهي طبقة شفافة من الجيلاتين المقسّى.

     

    الشكل (15) بنية الفيلم السينمائي الملون.

    تصنع الأفلام بمقاسات مختلفة ومتنوعة، سواء كانت للتصوير أم للمعالجة الوسيطة أم للعرض، وسواء كانت أسود وأبيض أم ملونة، ومنها ما يتماشى مع تطور التقانة، ومنها ما يلائم الاستخدامات المختلفة، أو لتخفيض التكاليف.

    أما عرض الفيلم الأساسي فهو 35 مم، بما فيه الجزء المستخدم للتصوير والثقوب اللازمة لتحريك الشريط. وثمة عدة مقاسات للأفلام بعرض 35 مم (الشكل 16). الأول هو 35mm super ، ولا يحوي مساراً للصوت، وقد استخدم في حقبة الأفلام الصامتة، واستخدم لاحقاً مع الصوت بوساطة أشرطة مغنطيسية مرافقة تشغل بالتزامن مع عرض الفيلم، وهو ما أتاح زيادة عرض شريط الفيلم. وبعد إدخال مسار الصوت على الشريط نفسه اعتمد المقاس القياسي 35، بنسبة العرض إلى الارتفاع 1.37:1. وفي الخمسينيات من القرن العشرين اعتمدت صور أكثر عرضاً. أما النمط اللامتناسق (عدم مراعاة نسبة العرض إلى الارتفاع) anamorphic فيستخدم لعرض صور نسبة عرضها إلى ارتفاعها أكبر، ولكن لدى تسجيلها على فيلم بمقاس عادي بوساطة عدسات جسمية من النمط اللامتناسق تنضغط الصورة عرضاً، وبعد إسقاطها بوساطة أجهزة إسقاط لامتناسقة أيضاً تعود الصورة إلى العرض القياسي. في كل هذه المقاسات يتقدم الفيلم بمقدار أربعة ثقوب لكل صورة، أي بما يعادل طول قدم أو نحو 30 سم لكل 24 صورة.

     

    الشكل (16) المقاسات المختلفة للفيلم عرض 35 مم.

    وأما الأفلام التي مقاسها من نمط VistaVision فيختلف عن المقاسات السابقة بكون الشريط يمر في الكاميرا من اليمين إلى اليسار (أفقياً) وليس شاقولياً كما في الكاميرات التقليدية. وتستغرق كل صورة مقدار ثمانية ثقوب، أي ضعف عرض الصور في المقاسات التقليدية، وهذا ما يسمح بعرض صور عريضة بأبعاد 37.62× 25.17 مليمتر وبنسبة عرض إلى ارتفاع 1.5: 1. ويستخدم هذا المقاس خصوصاً لتصوير لقطات المؤثرات الخاصة التي تحتاج إلى الكثير من عمليات المونتاج والمعالجة. ثمة أفلام سينمائية بعرض 70 مم لعرض الأفلام على الشاشات العملاقة IMAX، وبأبعاد صورة على الفيلم 48.5 × 70مم وبنسبة عرض إلى ارتفاع 1: 1.43، ويتقدم الفيلم بمقدار 15 ثقباً لكل صورة أي ما يعادل أربعة أضعاف الأفلام التقليدية. من جهة أخرى صنعت كاميرات تسمح باقتصاد استهلاك الأفلام وذلك بالتقدم بمقدار ثلاثة ثقوب للصورة الواحدة 3-perf أو بمقدار ثقبين للصورة الواحدة 2-perf، ومن دون خسارة في جودة الصور خصوصاً مع تقدم صناعة الأفلام.

    كذلك تستخدم أفلام بعرض 16 مم وخصوصاً لتصوير الأفلام التلفازية (ولا سيما في بدايات صناعة التلفاز عندما لم تكن وسائط تخزين الصور على شريط مغنطيسي متوفرة) ونسبة عرض الصورة إلى ارتفاعها 1: 1.37 و3: 4 مع مسار صوتي أو من دونه ( الشكل 17).

     

    الشكل (17) الأشكال المختلفة للفيلم 16 مم مع نسب العرض إلى الارتفاع.

    ومن أهم مواصفات الأفلام السينمائية قدرتها على تسجيل درجات مختلفة من السطوع بدءاً من الظلال shadows حتى المناطق الساطعة highlights والتدرجات اللونية المتوسطة midtones.

    ويعبر عن ذلك بمنحني الكثافة الضوئية للفيلم بحسب قيمة التعرض على أساس لوغاريتمي (الشكل 18). علماً أن مواصفات الفيلم هذه تعتمد على زمن التظهير. ويمكن للفيلم تسجيل التدرجات اللونية المتوسطة جيداً، غير أن استجابته للظلال الخفيفة أو المناطق الساطعة ليست بتلك الجودة، ويجب الانتباه إلى الجودة بتلك المناطق في أثناء التصوير.

     

    الشكل (18) مواصفات الكثافة الضوئية للأفلام.

    تنتج الشركات الصانعة أفلاماً بمواصفات مختلفة تناسب شروط التصوير المختلفة، كما تناسب نوع الإضاءة المستخدم (مثل ضوء النهار ويرمز إليه بالحرف D، أو مصابيح التنغستين ويرمز إليه بالحرف T). وتتنوع حساسيات الأفلام بحسب الغاية منها، ويعبر مؤشر التعرض (EI) Exposure Index عن هذا المقدار. يتغير مؤشر التعرض من 32 حتى 800 بقيم تتضاعف من درجة إلى أخرى بحيث يسمح بمعايرة فتحات العدسات بسهولة في أثناء التصوير. وتطبع على الأفلام معلومات زمنية keycode تسمح بترقيم الصور بشكل مقروء وبشكل مرمز (باركود) يمكن قراءته تلقائياً.

    تسجيل الصوت sound recording

    كانت الأفلام الأولى صامتة، ولكن في العام 1926 أدخل الصوت إلى عالم الصور المتحركة، والطريقة الأساسية هي تسجيل الصوت ضوئياً على جزء من مساحة الفيلم وذلك عن طريق تحويل الإشارات الصوتية إلى إشارات ضوئية مناسبة تسقط على مسار خاص من الشريط السينمائي وهو المسار الصوتي sound track (الشكل 19). يستعاد الصوت بالطريقة نفسها، فتتولى خلية كهرضوئية قراءة تغيرات الكثافة الضوئية على المسار الصوتي وتضخيمها وإرسالها إلى مكبرات الصوت في أجهزة العرض. يوجد المسار الصوتي المزدوج على يسار الجزء المخصص للصور، وقد أدرج حديثاً جزء خارج منطقة الثقوب يحتوي على معطيات صوت رقمية.

     

    الشكل (19) مسارات الصوت المسجل ضوئياً على الشريط السينمائي.

    المؤثرات الخاصة special effects

    تستخدم المؤثرات الخاصة في السينما لتنفيذ مشاهد غير واقعية، أو لتنفيذ مشاهد واقعية من دون أن تصور في ظروفها ومكان حدوثها. وتعد أفلام الخيال العلمي science fiction وأفلام الحركة action movies من الأفلام التي تحتوي على كثير من المؤثرات الخاصة. تعتمد المؤثرات الخاصة كثيراً على عمليات المزج (المونتاج) editing حيث يجري المزج بين مشاهد كثيرة مصورة على خلفيات زرقاء أو خضراء، والتصوير على نماذج مصغرة ومن ثم تكبيرها، إضافة إلى الاستعانة بتقانات الرسوم المتحركة لبعض المشاهد. وقد تطورت صناعة المؤثرات الخاصة تطوراً كبيراً بعد تطور التقانات الرقمية التي تسمح بتوليد مشاهد واقعية جداً باستخدام حواسيب ضخمة ثم مزج تلك المشاهد أو أجزاء منها مع الصور الملتقطة بالكاميرا بعد تحويلها إلى صور رقمية، ومن ثم متابعة المزج وإضافة المؤثرات الخاصة للحصول على نسخة رقمية من الفيلم. بعد ذلك تطبع هذه النسخة على شريط سينمائي عادي لإسقاطها في صالات العرض التقليدية، كما يمكن عرضها على أجهزة عرض رقمية.

    دور التقانات الحديثة

    استفاد التصوير السينمائي من التقانات الرقمية في التسجيل والتخزين، وهي تمتلك مزايا لا تمتلكها طرائق التصوير التقليدية، ولعل أهمها إمكان المزج اللاخطي nonlinear editing للأفلام المصورة باستخدام برامج تحرير قوية وحواسيب ضخمة. وساعد على ذلك توفر كاميرات تصوير سينمائية رقمية عالية الدقة (مقارنة بكاميرات التصوير التلفازي الرقمية)، وكذلك توفر طابعات ليزرية ملونة عالية الدقة لطباعة الأفلام على شريط سينمائي تقليدي. ويعود سبب إعادة الطباعة إلى وجود أعداد هائلة (عشرات الألوف) من دور السينما المجهزة بأجهزة عرض تقليدية عالية الكلفة، ولا يمكن استبدالها بسهولة. تبلغ الدقة في الكاميرات الرقمية السينمائية 2048x1080 بكسل، وهو ما يعرف بالكاميرات 2K، ويبلغ عدد البكسلات فيها 2.2 مليون بكسل، وهناك دقة 4096x2160 بكسل أيضاً تمتلكها الكاميرات 4K، وعدد البكسلات 8.8 ملايين بكسل.

    أجهزة العرض السينمائي

    تقوم أجهزة العرض بدور معاكس لعملية التصوير، وبنيتها مشابهة لبنية الكاميرا التقليدية من حيث وجود آلية لتحريك الفيلم وغالق لفتح الضوء وحجبه وعدسة جسمية لإسقاط الصورة المضاءة على شاشة العرض. والاختلاف بينهما كون الفيلم المعد للعرض صورة معكوسة للفيلم المصوَّر، ووجود شاشة بيضاء لنثر الضوء light scattering تتميز بنصوعها وتجانسها وعدم وجود انعكاسات مرآتية فيها. وهناك أيضاً منبع ضوئي عالي الاستطاعة يوضع خلف الفيلم مقابل العدسة لإضاءة الفيلم بضوء أبيض، وتستخدم لهذه الغاية مصابيح من نوع الزينون Xenon. وثمة أجهزة عرض رقمية تشبه في بنيتها أجهزة العرض التقليدية باستثناء وجود مصفوفة من البلورات السائلة الملونة مكان الشريط السينمائي، وهي التي تقوم بتحويل معلومات الصورة الرقمية إلى صورة يجري إسقاطها على الشاشة.

    التطورات الحديثة في التصوير السينمائي

    ظهرت مؤخراً سبعة اتجاهات تقانية حديثة في التصوير السينمائي. يتمثَّل الاتجاه الأول في استخدام الطائرات المسيرة ذاتية القيادة autonomous drones في التصوير السينمائي، الأمر الذي أتاح الحصول على لقطات ديناميكية من الأعلى، ومتابعة أجسام متحركة بسرعة. ويتمثَّل الاتجاه الثاني في استخدام تقانة التصوير 4K ثلاثية الأبعاد أو الواقع الافتراضي الذي تمثله بشكلٍ رائع كاميرا لوسيد Lucid Cam وتعتبر كاميرا الإنتاج الحي الأولى والوحيدة، من شركة Yi Halo الشكل (20). والاتجاه الثالث هو استخدام الهاتف الذكي كأداة تصوير ودعمه بحوامل ذاتية الاستقرار.

     
    الشكل (20) كاميرا الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد عالية الدقة.

    الاتجاه الرابع هو استخدام كاميرا مزدوجة العدسة Dual camera VR لتصوير الواقع الافتراضي كالعينين في وجوه البشر الشكل (21). والاتجاه الخامس هو استخدام منظار الطائرة المسيرة في التحكم بها، وهو منظار يظهر ما تصوره الكاميرا المثبتة على الطائرة، الأمر الذي يسهِّل التحكم بها بالأصابع «عن طريق جهاز التحكم» أو عن طريق تحريك الرأس. الاتجاه السادس هو تحرير الأفلام باستخدام الحاسوب، أو التحرير اللوغاريتمي. الاتجاه السابع هو استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد في تصنيع أدوات التصوير السينمائي.

     

    الشكل (21) كاميرا الواقع الافتراضي بعدسة مزدوجة.

    مراجع للاستزادة:

    - B. Brown, Cinematography: Theory and Practice: For Cinematographers and Directors, Routledge, 2021.

    - T. Hoser, Introduction to Cinematography: Learning Through Practice, Routledge, 2018.

    - KODAK, The Essential Reference Guide for Filmmakers, Eastman KODAK Company, 2007.


- التصنيف : التقانات الصناعية - النوع : التقانات الصناعية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1