تصنيف غريم للموائل
تصنيف غريم موايل
Grime's habitat classifcation -
نذير خليل
نظرية استراتيجية التكيف العامة
تصنيف غريم للموائل Grime’s habitat classification طريقة وضع من خلالها غريم مخططاً لبيان أنماط موائل الكائنات الحية اعتماداً على مواردها البيئية، ومستوى الاضطراب (أو الاستقرار) فيها، مع تحديد الاستراتيجية المناسبة لحياة الأنواع النباتية.
تهدف عملية التصنيف إلى وصف الأشياء أو الكائنات وتسميتها وترتيبها، وتعد شرطاً أساسياً لهيكلة المعرفة للعالم الطبيعي. وتأتي هنا لإظهار أنماط الموائل وحالتها، وبيان الموائل المُهدَدة للعمل على وقف تدهورها.
يعرف الموئل أو الموطن habitat بأنه البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الكائن الحي، أو البيئة المحيطة بالنوع التي يؤثر فيها ويتأثر بها. وقد تتشابه هذه المنطقة بالظروف البيئية. أما مساحتها فهي مختلفة الأبعاد، ابتداءً من الموائل الدقيقة (مثل جذوع الأشجار)، وانتهاءً بالموائل الكبيرة (مثل الصحارى والمحيطات لبعض الأحياء).
ويعد جون فيليب غريم John Philip Grime -الباحث في جامعة شِفيلد Sheffield بالمملكة المتحدة- من أبرز الباحثين البيئيين المشهورين الذين عملوا في مجال البيئة لسنوات طويلة. ووضع نظرية الثلاثية: تنافس وإجهاد وتآلف: (CSR) Stress Ruderal Competition حول استراتيجيات النبات، وفرضية الاضطراب المتوسط، والتصنيف الثلاثي DST للأنواع (المسيطرة Dominants، والتابعة أو الثانوية Subordinates، والعابرة Transients). ووضع مع سيمون بيرس Simon Pierce -الباحث في جامعة ميلانو بإيطاليا- نظرية استراتيجية التكيف العامة، كما أوضح العلاقة بين الغنى النوعي وإنتاجية الموقع، وربط تركيب المجمعات بالحركية التطورية البيئية.
صنَّف غريم في سبعينيات القرن الماضي الموائل اعتماداً على حالة النباتات بالتركيز على عاملين، هما: المواردresources، ومستوى الاضطراب disturbance أو الاستقرار stability.
أ- الموارد: هي كل ما يتوفر في الطبيعة من مصادر تؤمن بقاء الكائن الحي. وتختلف درجة توفرها في الطبيعة عموماً، لكن يلاحظ تراجعها نتيجة الاستغلال المفرط والإهمال. وتنقسم إلى:
1- موارد غير حية: تتضمن الماء والهواء وطاقة الشمس الحرارية والضوئية، والمعادن وغيرها.
2- موارد حية: تتضمن الكائنات الحية كالنباتات والحيوانات.
يتعرض النبات لتغيرات كثيرة نتيجة العوامل البيئية المحيطة سواء كانت يومية أم موسمية، وبالتالي تتأثر العمليات الفيزيولوجية بهذه التغيرات، ويحدث ما يعرف بالإجهاد الذي تزداد درجته مع قلة الموارد. وقد اعتمده غريم في تصنيفه للموائل.
يعرِّف بعض الباحثين الإجهاد بأنه تغير فيزيولوجي يحدث عندما تتعرض الأنواع لظروف غير عادية وغير مرغوبة، تسبب ضرراً، ربما لا تهدد حياتها، بل قد تكون حافزاً للتأقلم مع هذه الظروف.
وينجم عن الإجهاد أضرار مباشرة، تؤدي إلى موت النبات بعد فترة قصيرة، مثالها عندما يتعرض النبات لدرجة التجمد فجاءة. وقد تحدث أضرار غير مباشرة، مثالها عند تعرض النبات لدرجة حرارة منخفضة لا تسبب التجمد يؤدي ذلك إلى نقصٍ في معدل العمليات الكيميائية والفيزيائية داخل النبات مما يؤدي في بعض الأحيان إلى عدم اتزان في العمليات الاستقلابية، وقد تتراكم بعض المركبات السامة، وإذا طالت مدة التعرض يمكن أن يسبب ذاك ضرراً للنبات قد يؤدي إلي موته. كما ينجم أحياناً ضرر ثانوي عند التعرض للإجهاد، فمثلاً عند تعرض النبات لدرجة حرارة مرتفعة يحدث إجهاد لا يضر النبات مباشرة ولكنه يسبب إجهاداً آخر يضر به هو الإجهاد الجفافي نتيجة زيادة البخر على معدل الامتصاص.
ب- الاضطراب: هو الفقد الجزئي أو الكلي للكتلة الحيوية في النبات ينشأ من نشاطات الإنسان أو الحيوانات نباتية التغذية أو العوامل الممرضة، أو ينشأ من العوامل المحيطة مثل الرياح والجفاف وانجراف التربة والحرائق، مما يسبب تغيرات سلبية في المناطق الطبيعية.
يمكن التغلب على هذه التغيرات البيئية بحدوث التعاقب البيئي ecological succession الذي يتضمن الانتقال المنظم من مجمعات حيوية biotic community معينة إلى مجمعات حيوية أخرى، حيث يحل مجمع حيوي محل آخر تدريجياً مع الزمن، وهذا الثاني يحل محله مجمع ثالث، ويمكن أن يحل مجمع رابع محل الثالث. فمثلاً إذا تركت قطعة أرض مغطاة بالتربة من دون زراعة وحظيت بكمية كافية من الأمطار تبدأ الأعشاب بالنمو أولاً، وبعد بضع سنوات تغزوها الشجيرات، ثم بعد سنين عدة تبدأ الأشجار بالسيطرة على المكان. ولا يستمر هذا التعاقب إلى ما لا نهاية، إذ ينتهي بحالة من الاستقرار، حيث يتم الاتزان بين جميع الأنواع والوسط المحيط، وتدعى هذه المرحلة بنظام الذروة البيئية climax ecosystem، وتسمى التجمعات الحيوية المستقرة بمجمعات الذروة climax community. ولكن يجب التركيز أنه حتى مجمعات الذروة قد تتعرض للتغير إذا ما حدثت تغيرات جذرية في المناخ، أو دخول أنواع جديدة أو إزالة أنواع قديمة من النظام البيئي، لكن التغير فيها يكون بطيئاً إذا ما قورن بالتغير في المراحل الأولى من التعاقب البيئي.
قسَّم غريم الموائل إلى ثلاثة أنماط؛ وأوضح الاستراتيجيات المناسبة لحياة الأنواع النباتية في كل منها (الجدول1)، وهي:
الجدول (1) المحوران الأساسيان لتصنيف غريم للموائل، واستراتيجيات النبات في الموائل | |||||||||||
|
أ- الموائل المعتدلة: تكون فيها الموارد وافرة والاضطراب نادراً، وتأخذ الأنواع باستراتيجية التنافس competitor، ليصير الموئل مزدحماً ومشغولاً بالنباتات الكبيرة المنافسة التي تأخذ الحيز الكبير من المكان.
ب- الموائل في المناطق الباردة والجافة أو ذات الموارد الشحيحة: يكون الاضطراب فيها نادراً لكن الموارد قليلة أو الشروط قاسية، ويسلك النوع هنا استراتيجية التحمل (تحمل الإجهاد stress toleration)، فالنباتات المعمرة قليلة النمو ويتباطأ نموها حتى تتوافر الشروط المناسبة.
ج- الموائل المضطربة: تمنح الموائل المضطربة نمواً موجهاً لظهور الأعشاب الضارة، والنباتات سريعة النمو، وغالباً سريعة الزوال، وتنتج أعداد كبيرة من البذور. فالشروط في هذه الموائل معتدلة، والموارد وافرة، لكن الاضطراب فيها شائع، ويلجأ النوع إلى استراتيجية التآلف.
نظرية استراتيجية التكيف العامة
هي إحدى النظريات التي طورها غريم بالتعاون مع بيرس، وتصف الحدود العامة للبيئة والنشوء والارتقاء تبعاً للمفاضلة التي تواجهها الأحياء عندما يتم تخصيص الموارد التي تستفيد منها، وتعرف هذه النظرية باسم المفاضلة الثلاثية العامة التي تعمل على تقييد استراتيجيات للتكيف، تسهل البقاء على قيد الحياة من خلال ثلاث استراتيجيات، هي: التنافس، وتحمل الضغط (الإجهاد)، والتآلف (الشكل 1).
الشكل (1) استراتيجيات النبات في الموائل تبعاً لتصنيف غريم. |
التنافس:
بقاء الأفراد على قيد الحياة باستخدام الصفات التي تزيد من الحصول على الموارد والتحكم بها باستمرار في بيئات تكون ذات إنتاجية ثابتة. فالنباتات المتنافسة أنواع تعيش في مناطق ذات إجهاد واضطراب منخفضين، وهي لديها القدرة على منافسة النباتات الأخرى لاستغلال غالبية الموارد المتاحة من خلال امتلاكها لمجموعة من الخصائص بما في ذلك معدل النمو السريع والإنتاجية العالية، وقدرتها الكبيرة على المرونة الظاهرية في التشكل وضبط موضع الموارد عبر الأجزاء المختلفة من النبات وفق حاجته على مدار موسم النمو.
تحمل الإجهاد:
بقاء الأفراد على قيد الحياة عن طريق المحافظة على أداء التركيب الغذائي نفسه في بيئات متغيرة. فالنباتات التي تتحمل الإجهاد تعيش في مناطق فيها إجهاد عالٍ والقليل من الاضطراب. وتتسم بوجه عام بانخفاض معدلات نموها، وتعيش أوراقها طويلاً مع معدلات عالية من الاحتفاظ بالمواد الغذائية، وانخفاض المرونة الظاهرية.
وتستجيب هذه النباتات للضغوط البيئية من خلال التغير الفيزيولوجي. وهذه الأنواع غالباً ما توجد في البيئات التي فيها إجهاد، مثل جبال الألب، أو الأماكن القاحلة، أو التربة التي فيها نقص في المواد الغذائية، أو شديدة الحموضة.
التآلف:
الانتشار والاكتمال السريع لدورة حياة الأفراد والتجدد في البيئات التي كثيراً ما تكون مميتة لها، وغالباً في المناطق غير المأهولة، فالنباتات المتآلفة مع النفايات هي أنواع تنمو في أماكن فيها اضطراب عالٍ وإجهاد منخفض. وهذه الأنواع تنمو بسرعة وتكمل دورة حياتها سريعاً، وبوجه عام تنتج كميات كبيرة من البذور، وتكون في الغالب من النباتات الحولية.
مراجع للاستزادة: - E. N. Horsford, Report on the Phrenological Classification of J. Stanley Grimes, Wentworth Press 2016. - L. L. Rockwood, Introduction to Population Ecology. Blackwell Publishing. 2006. - G. P. Stamou, Populations, Biocommunities, Ecosystems: A Review of Controversies in Ecological Thinking. Bentham eBooks, Greece. 2012. |
- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :