تشابك كمومي
quantum entanglement -

 التشابك الكمومي

التشابك الكمومي

نضال شمعون

التشابك والمعلوماتيّة

صياغة التشابك ضمن إطار ميكانيك الكمّ

 

التشابك الكمومي quantum entanglement ظاهرة فيزيائيّة تتجلّى عندما يتآثر جسيمان كموميّان -إلكترونَان مثلاً- ولا يمكن توصيف الحالة الكموميّة المنفردة لكلّ واحد منهما على حدة، بل تُعطى الحالة الكموميّة الإجماليّة لمنظومة الجسيمين معاً، ثمّ يبتعد أحدهما عن الآخر من دون تأثير خارجيّ. فإذا ما أُثّر في واحد منهما -كإجراء قياس لإحدى خواصّه- انعكس ذلك على الفور على خواصّ الآخر، أي تكون نتائج القياسات المُجراة على الجسيمَين مترابطةً correlated بقطع النظر عن المسافة الفاصلة بينهما. لا يمكن التعبير عن الحالة الإجماليّة للجسيمين في هذه الحالة، كجداء لحالتَين منفردتَين، بل تكون تركيباً خطّيّاً من هذه الجداءات. قد يوحي هذا الأمر وجود تأثيراتٍ آنيّة عن بعد تتعارض مع النسبيّة الخاصّة ومبدأ السببيّة، كما في مفارقة (محيرة) أينشتاين وبودولسكي وروزن Einstein, Podolski and Roson paradox (EPR) ضمن قناعتهم النظرية حول وجود متغيّرات خفيّة hidden variables بديل التفسير الاحتمالي لميكانيك الكمّ الذي يقتضي وجودَ آثار التشابُك، فهم من مؤيدي وجهة النظر الحتمية.

بقي الخلافُ بين التفسيرَين فلسفيّاً لغاية الستينيّات عندما بيّن الفيزيائي الإيرلندي جون ستيوارت بيل
J. S. Bell وجودَ متراجحاتٍ (متراجحات Bell) تخضع لها قياساتٌ على جُسيمَي المنظومة المعزولة (كأن تكونَ قياساتٍ لمسقط سبين spin أحد جسيمَي المنظومة المعدومة السبين على محورٍ يُختار كيفيّاً) ضمن مفهوم أينشتاين لنظريّة المتغيّرات الخفيّة، في حين يجري معارضة هذه المتراجحات وفق ميكانيك الكمّ. أُجرِيت منذ أوائل سبعينيّات القرن العشرين تجارب عديدة لاختبار متراجحات بيل وقياس التشابك الكمومي، بدأها الفيزيائيان الأمريكيان جون فرانسيس كلاوزر J. F. Clauser وستيوارت فريدمان S.J. Freedman في مختبر لورنس الوطني في بيركلي، وذلك بقياس استقطابات polarizations أزواجٍ من الفوتونات تطلق في اتّجاهَين متعاكسَين، فيُحصل تجريبيّاً على ترابُطاتٍ لا يمكن تفسيرُها لو أن كلّ عنصرٍ من زوج الفوتونَين يسلك سلوكاً مستقلّاً عن الآخر، ومن ثمّ انتصر ميكانيك الكمّ تجريبيّاً.

ومع ذلك فقد بيّن الفيزيائي الفرنسي آلان أسبيه A. Aspect -من خلال تجاربِه- إمكان وجود ثغرات نسبوية loopholes يمكن معها -وإن بفرصةٍ ضئيلة- إيجادُ نوعٍ من التفسيرات غير الاحتماليّة (تتضمّن جوهرَ المتغيّرات الخفيّة من دون ميكانيك الكمّ) للنتائج التجريبيّة. أهمّ هذه الثغرات ما يُعرَف باسم «استقلاليّة الإعداد» setting independence (وتنصّ على أن المراقِب ليس حرّاً تماماً بإعداد كاشِف جهاز القياس، بل من الممكن وجود تآثر سببي في الماضي مع المراقِب حدَّد إعدادَ الكاشِف سلفاً). ويعمَل العديد من العلماء اليوم على إغلاق هذه الإمكانات؛ أي تصميم تجارب لا يمكن تفسير نتائجها مع أخذ الثغرات في الحسبان إلاّ بميكانيك الكمّ. إن الدراسة التفصيليّة -مع وجود تأثيرات التشابُك الآنيّة- تؤكِّد عدم تعارض ميكانيك الكمّ مع فكرة السببيّة؛ إذ لا يمكن إدراك الترابُط الآني بين القياسات الموافقة للجسيمَين إلاّ عن طريق نقل قيمِ النتائج من جسيم إلى آخر بسرعةٍ أقل من سرعة الضوء بما يتوافق مع النسبية الخاصّة.

يرجع السبب في وجود ظاهرة التشابُك في ميكانيك الكمّ إلى قاعدة انهيار التابِع الموجي collapse of wave function عند إجراء عمليّة القياس، فبينما تسمح معادلة شرودينغر Schrodinger equation بحساب التطوُّر الزمني للتابع الموجي على نحو حتميّ؛ فإن التابِع الموجي نفسه يتغيّر بعد إجراء عملية القياس ليغدو مطابقاً للـحالة الكمـوميّة quantum state المـوافقة للـقيمة الذاتيّة eigenvalue التي تعبّر عن نتيجة القياس، ومن ثمّ إذا أخذت منظومة أمّ معزولة قابلة للتفكك decay إلى منظومتَين ابنتَين فإن قوانين المصونيّة تقتضي ترابُطَ القياسات المُجراة على المنظومتَين؛ ومن ثمّ هناك إمكان أن تؤثِّرَ طريقةُ انهيار التابع الموجي للمنظومة البنت الأولى في انهيار التابع الموجي للمنظومة البنت الثانية. يرتبط مفهوم التشابك -وقد تمّ التحقّق تقريباً من صحّته - ارتباطاً وثيقاً بتفسيرات ميكانيك الكمّ interpretations of quantum mechanics وبفكرة اللاموضعيّة non-locality، وهنا يبرز السؤال عن «كيفيّة انهيار التابع الموجي للمنظومة الثانية على الرغم من عدم تآثرها الفيزيائي مع الأولى؟».

التشابك والمعلوماتيّة

ثمة مجالات عمليّة كثيرة يتجلّى فيها التشابُك، وأهمّها الحوسبة الكموميّة quantum computing وتطبيقاتُها في مجال المعلوماتية الكموميّة quantum information. تستخدم الحوسبة الكموميّة ظواهِر ميكانيك الكمّ، وخصوصاً التراكب الخطّي superposition للحالات والتشابُك entanglement لإنجاز عمليّات على المعطيات، وتُدعى المنظومات التي تقوم بهذه العمليّات بـالحواسِيب الكمومية quantum computers. ففي حين تُخزَّن المعلومات في الحاسوب الرقمي الحالي بشكل بِتّات bits باعتماد واحدةٍ من حالتَين (0 أو1)؛ فإن الحاسوب الكمومي يخزن المعلومات بشكل بِتّات كموميّة (quantum bits) qubits التي هي تركيبات خطّيّة لِبِتّات باحتمالات معيّنة.

ما تزال الحواسيب الكموميّة في بداياتِها وإن أجريت بعض الحسابات الكموميّة باستخدام عدد صغير جداً من البِتّات الكموميّة. ونظراً لكبر البتات الكمومية؛ فإن الحواسيب الكمومية قادرة على حلّ بعض المسائل - مثل مسألة تحليل الأعداد الصحيحة - على نحو أسرع من الحواسيب التقليديّة، وذلك باستخدام خوارزميّات كموميّة quantum algorithms خاصّة، مثل خوارزميّة شور Shor’s algorithm التي توفّر تسريعاً أسّيّاً في حالة تحليل الأعداد إلى عواملها الأولية؛ وهذا يجعل هذه الحواسيب ذات كمونٍ جبّار في مجالات التعمية cryptography وفكّها. في الواقِع يقال: إن التعمية الكمومية quantum cryptography أكثر أماناً بمقدارٍ كبير من التعمية التقليديّة التي تعتمد أساساً على رياضيّات نظريّة الأعداد number theory؛ من حيث تمكينها لشريكَين موصولَين عبر قناتَين غير آمنتَين: إحداهما تقليديّة، والأخرى كمومية (أي يمكن التنصّت eavesdropping عليهما) من تبادل مفتاحٍ سرّيّ secret key آمِن بقطع النظر عن إمكانات المتنصِّت، وذلك لأن ميكانيك الكمّ يمنع الأخير من أن يقيس الحالةَ الكموميّةَ المنتقلةَ عبر القناة بنجاح من دون أن يتسبّبَ باضطرابٍ عليها يمكن كشفُه. ويعود سببُ ذلك إلى مبدأ التزاوُج الأحادي الكموميّ quantum monogamy الذي يمنع منظومتَين كموميّتَين متشابكتَين تشابكاً أعظمياً من التشابُك مع منظومةٍ ثالثة؛ ومن ثمّ تسمح التعمية الكمومية بإنجاز مهامّ كان من المستحيل إنجازُها لو اقتصِر على استخدام قنوات اتّصال غير كموميّة. إلى جانب مجال التعمية يمكن القول: إن المعلومات الكموميّة القائمة على أساس البِتّات الكموميّة تختلف جذريّاً عن المعلومات التقليديّة القائمة على أساس البِتّات العادية، وهناك نظريّات عديدة تعالِج العلاقات بين نوعَي المعلومات، مثل نظريّة عدم النقل عن بعد no-teleportation التي تنصّ على عدم إمكان تحويل البِتّات الكموميّة إلى مجرّد بِتّات قابلة للقراءة بدقّة لا متناهية (مع ملاحظة إمكان نقل المعلومات الكموميّة عبر قناة تقليدية بوجود تشابُك كمومي سابِق بين المُرسِل والمستقبِل ضمن إجرائيّة procedure النقل الكمومي عن بعد quantum teleportation)، ونظرية عدم الاستنساخ الكمومي no cloning القائلة بعدم إمكان نسخ البِتّات الكموميّة أو تدميرها، وغير ذلك.

صياغة التشابك ضمن إطار ميكانيك الكمّ

يفترض وجود منظومتَين A وB غير متآثرتَين بفضاءَي هلبرت على الترتيب. يشكِّل الجداء التنسوري (الموتّري) tensor product فضاءَ هلبرت الموافِق لجملة المنظومتَين معاً. عندها يمكن كتابة أيّ حالة كموميّة صرفة pure quantum state للمنظومة الإجماليّة بالشكل:

حيث أساسان للفضاءين و على الترتيب.

وإذا وُجدت أعداد بحيث كان ، ويقال عن الحالة إنها قابلة للفصل separable، وإلاّ كانت متشابكةً entangled.

فمثلاً في حالة فوتونَين بسبين كلّي معدوم يمكن تحضير المنظومة الإجماليّة بالحالة حيث تعني حالةً يكون فيها مسقط سبين A (أو B ) على المحور z للأعلى (أو للأسفل). إذا رُمِز إلى الحالة الموافقة للمسقط على المحور x للأعلى ( أو للأسفل) بـ (أو) كان مع إشارة معاكسة (سالبة). يتّضح الآن فحوى التشابُك في أنّه إذا اختير قياسُ سبين A وفق z ووجدت قيمةٌ ما فإن المنظومة B تغدو مباشرةً بعد القياس بحالةٍ من الحالتَين: إحداهما موافقة لقيمةٍ معاكسةٍ لنتيجة القياس، ولكن كان بالإمكان كذلك اختيار قياس سبين A وفق x، ومن ثمّ فإن حالةَ B بعد القياس واحدةٌ من مع تبديل بين السبينين . يمكن تعميم مفهوم التشابُك إلى الحالة الكموميّة المختلطة mixed quantum state التي يُعبَّر عنها بـمصفوفة الكثافة density matrix ، حيث و، وتدلّ على توزيعٍ احتمالي probability distribution للمنظومة التي هي قيد الدراسة، أو على مجموعة (طاقم) إحصائيّة ensemble لنُظُم متطابقة موجودة بنسبة ps في الحالة (ومن ثمّ يمكنها كذلك توصيف الحالة الكمومية الصرفة حيث تكون ). عندها يقال عن الحالة المختلطة للمنظومة الإجماليّة التي تشمل A وB: إنها قابلة للفصل -وإلاّ كانت متشابكة- إذا أمكن كتابة مصفوفة الكثافة في الفضاء وفق الجداء بالشكل حيث قيم موجبة احتمالية، و() مصفوفة كثافة للمنظومة A (B) يمكن أخذُها -من دون فقدان أي عموميّة- ممثّلةً لحالة صرفة، أي إذا أمكن كتابة مصفوفة الكثافة الإجماليّة على شكل توزيع احتمالي لحالات جداء غير مترابطة. وبإدخال مفهوم مصفوفة الكثافة المختزلة reduced density matrix للمنظومة A المُعرَّف في حالة صرفة إجماليّة موافقة لمصفوفة كثافة إجماليّة وذلك بـ «أخذ الأثر» trace في المنظومة B وفق: . يمكن البرهان على أن الشرط اللازم والكافي لكي تكون الحالة الصرفة المُعبَّر عنها بمصفوفة الكثافة متشابكةً هو أن تمثِّل مصفوفاتُ كثافتها المختزلة حالاتٍ مختلطةً، وليست صرفة.

مراجع للاستزادة:

- J. Brody, Quantum Entanglement, ‎ The MIT Press, 2020.

- P. Kaye, R. Laflammeand M.Mosca, An Introduction to quantum computing, Oxford University Press, 2007.

- B. I. Życzkowski, Geometry of Quantum States. An Introduction to Quantum Entanglement. Cambridge University Press, 2006.

 


- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1