تسخين (منظومات)
Heating systems & technologies -

 التسخين

التسخين (منظومات-)

محمد زهير مسالخي

استخدامات منظومات التسخين

أنواع  منظومات التسخين

 

منظومات التسخين heating systems هي أجهزة لتسخين الماء أو الهواء أو أي مادةٍ أخرى باستخدام أحد مصادر الطاقة المعروفة.

عرف الإنسان منظومات التسخين منذ أن عرف استخدام الحرارة للتدفئة أو للطهو أو تشكيل المعادن، وكان يستخدم الخشب لأغراض التسخين في أول الأمر، ثم تحوَّل إلى الفحم. ولما اكتشف الفحم الحجري، وبدأ باستخدامه وقوداً؛ صنع أولى منظومات التسخين التي تعتمد عليه، واستخدمه في أغراض التدفئة وتسخين المياه وفي الصناعة على نطاقٍ واسع؛ ولا سيما لأغراض صناعة النسيج وصبغه، وفي الصناعات الغذائية، وغيرها. يبيِّن الشكل (1) بقايا منظومة تدفئة بالهواء الساخن من العهد الروماني.

الشكل (1) منظومة تدفئة من العهد الروماني.

يجري الهواء المسخَّن بوساطة فرن في ممرات تحت أرضية السكن، وكانت هذه المنظومة تسمّى التسخين المخفي hypocaust. وقد طوَّر العرب المسلمون في العصر الأموي هذه المنظومات؛ حيث تضمنت منظومة تدفئة تحت الأرض وأنابيب تدفئة رأسية من السيراميك داخل الجدران (الشكل 2).

الشكل (2) أنابيب التدفئة في العهد الأموي.

استخدامات منظومات التسخين

تنوعت استخدامات منظومات التسخين عبر العصور، فقد كانت تستخدم في صهر المعادن لصناعة الأسلحة والأدوات التي يستخدمها الإنسان كالمحراث والسكين والأواني المختلفة، واستجدت بعد ذلك استخدامات أخرى مع تقدم الرفاهية، فاستخدمت في التدفئة وتسخين مياه الاستحمام، واستخدمت في الصناعة منذ أن عرف الإنسان معالجة الخيوط وصبغها، كما استخدمت فيما بعد في صناعات معدنية وغذائية ودوائية.

أنواع منظومات التسخين

1- المنظومات التي تعتمد على حرق الوقود fuel heating systems

تنوعت منظومات التسخين التي تعتمد على الوقود بأشكاله الثلاثة (صلب، سائل، غاز). حيث بدأ الإنسان باستخدام منظومات تسخين بحرق الوقود في توليد الحرارة سواءً للتدفئة أم لأغراض صناعية أم لتوليد الكهرباء بعنفات بخارية، وكان أولها الفحم الحجري؛ لأنه كان الوقود الأول الذي اكتشفه الإنسان، وتحوَّل بعدها إلى الوقود السائل (الفيول) الأنظف، ثم إلى الوقود الغازي.

أ- المنظومات التي تستخدم الوقود الصلب solid fuel heating systems

تعتمد هذه المنظومات على الوقود الصلب لتوليد الحرارة، سواء كان الفحم الحجري أم الخبث أم الفضلات البيولوجية أم النفايات. وكان الاعتماد في البدء على استخدام المراجل التي تسخن بحرق الفحم الحجري. وشاعت في أوربا خاصةً في القرن العشرين منظومات التدفئة المركزية الجماعية التي توفر التدفئة لقطاع من الأحياء السكنية باستخدام الفحم الحجري وقوداً. يظهر الشكل (3) تجربة حرّاق للفحم الحجري في مصنع قبل تصديره. يُطحن الفحم الحجري بوساطة مطحنة خاصة، ويُذَرَّر كما في الشكل (4) الذي يُظهر مرجلاً يعمل على الفحم الحجري، ثم يُنقَل الفحم بعد ذلك عبر أنبوب إلى الحرّاق، الذي يحوي مراوح لدفع الهواء إلى داخل المرجل من أجل إتمام عملية الاحتراق. ويبيّن الشكل (5) مرجلاً صناعياً ضخماً يعمل على الفحم الحجري.

الشكل (3) تجربة حراق فحم.

الشكل (4) طحن الفحم وسوقه للحراق.

الشكل (5) منظومة تسخين الفحم الحجري.

تطوَّرت فيما بعد هذه المنظومات، وأصبحت تستخدم الخث (البقايا النباتية peat)، أو المخلفات البيولوجية biomass، ويبيّن الشكل (6) مرجلاً حديثاً يعمل على البقايا النباتية والنفايات (القمامة garbage) في توليد الحرارة. وتمتاز هذه المنظومات بتدني كلفة تشغيلها؛ ولا سيما تلك التي تعتمد على حرق القمامة، وقد انتشرت انتشاراً واسعاً في البلدان الصناعية والمناطق الباردة. ولكن تلويثها للبيئة بغازاتها الضارة وبقايا الاحتراق دفعت معظم تلك البلدان إلى التخلي عنها تدريجياً لمصلحة منظومات تستخدم الوقود السائل أو الغازي.

الشكل (6) مرجل يعمل على النفايات النباتية.

ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين منظومات تعتمد على حرق الوقود النووي الصلب، وتضم مفاعلاً نووياً يقوم بتوليد الحرارة nuclear heating systems. تستخدم محطات التوليد النووية وقود اليورانيوم لتوليد كمياتٍ هائلة من بخار الماء لإدارة عنفات بخارية تدير مولّداتٍ للتيار الكهربائي. ويبيّن الشكل (7) رسماً تخطيطياً لمحطة توليد الكهرباء بالطاقة النووية. ويجري التفاعل النووي ضمن حيِّزٍ محكم الإغلاق، ويُتحكم بسرعة التفاعل بوساطة قضبان (غالباً ما تكون من الغرافيت). وتنقل الحرارة الناجمة عن التفاعل إلى الصوديوم المصهور أو الماء السائل المضغوط (منعاً لتبخُّرِه)، ومنه إلى دارة ماء أخرى منخفضة الضغط (لكي يتحوَّل الماء إلى بخارٍ محمَّص)، يوجَّه البخار الناتج إلى عنفات بخارية تدير مولدات للطاقة الكهربائية.

الشكل (7) منظومة تسخين بالطاقة النووية.

تُعدّ هذه المنظومات غير ملوثة للبيئة، ولكنها لا تخلو من أخطار؛ إذ مازالت كارثتا تشرنوبل وفوكوشيما ماثلتين في الأذهان، كما أن التخلص من النفايات النووية مسألة غاية في الصعوبة.

ب- المنظومات التي تستخدم الوقود السائل liquid fuel heating systems

هي منظومات تتألف من مرجل وحراق يحرق الوقود السائل (فيول أو مازوت) بحقنه عبر نوافث معايرة الثقوب تحت ضغط عالٍ لتذريره، ويقوم محرِّك كهربائي بإدارة مضخة الوقود ومروحة لدفع الهواء بغزارةٍ مناسبة، فيختلط الهواء مع الوقود المذرَّر لإتمام عملية الاحتراق. يبدأ الاحتراق بتوليد شرارة كهربائية، ويزود الحرّاق بعين كهرضوئية لمراقبة استمرار اللهب لقطع الوقود إذا ما انطفأ. يبيٍّن الشكل (8) حراقاً صناعياً للوقود السائل يركب داخل مرجل مناسب.

الشكل (8) حراق صناعي يعمل على الوقود السائل.

تستخدم هذه المراجل لتسخين الماء أو الهواء لأغراض التدفئة أو للأغراض الصناعية، أو لتوليد الكهرباء. تمتاز هذه المنظومات بسهولة تشغيلها ومردودها الجيد إضافة إلى أنها أقل تلويثاً للبيئة من سابقاتها (الشكل 9).

الشكل (9) مرجل تسخين بالوقود السائل.

ج- المنظومات التي تستخدم الوقود الغازي gas fuel heating systems

تستخدم هذه المنظومات مراجل شبيهة بالسابقة، ولكنها تُزوَّد بحراقات مختلفة تناسب الوقود الغازي. يبيّن الشكل (10) حرّاقاً يعمل على الغاز الطبيعي المضغوط Compressed Natural Gas (CNG) أو غاز البوتان. تمتاز هذه المنظومات بقلة تلويث البيئة؛ ولكن تشغيلها يتطلب الحذر بسبب احتمال تسببها بحريق عند أي تسريبٍ للغاز.

الشكل (10) حراق غاز.

2- منظومات التسخين الكهربائية electric heating systems

تعتمد هذه المنظومات على استخدام مقاومات كهربائية يمر فيها تيار كهربائي، فتتولَّد الحرارة بفعل جول، وتستخدم لتسخين المياه المنزلية وفي المخابر وبعض التطبيقات الأخرى. يبيّن الشكل (11) نموذجاً لهذا النوع من المنظومات مزوداً بحسّاس لدرجة الحرارة يقطع التيار الكهربائي عنها عند بلوغ درجة الحرارة القيمة المرادة.

الشكل (11) منظومة تسخين كهربائية.

ظهرت في بدايات القرن الواحد والعشرين منظومات تسخين منزلية تعتمد على التيارات الإعصارية eddy current (تيارات فوكو Foucault currents) (الشكل 12)، ولهذه الأجهزة وشيعة تحرِّض تياراً إعصارياً عالي التردُّد في قعر الإناء المراد تسخينه. تمتاز هذه التقانة بمردودها الكبير؛ حيث تنحصر الطاقة التي تولِّدها في قعر الإناء، ولا يتبدَّد أي جزءٍ منها للجو الخارجي إلا عبر الإناء ذاته، على عكس طريقة التسخين بالغاز أو بالمقاومة الكهربائية التي تضيِّع جزءاً ملموساً من الطاقة للجو الخارجي.

الشكل (12) جهاز تسخين يعتمد على التيارات الإعصارية.

3- منظومات المضخات الحرارية heat pumps systems

اخترع الإنسان المضخات الحرارية منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومنها أجهزة التبريد والتجميد المختلفة. واستخدم المبدأ نفسه في التسخين بعكس الدارة، حيث يوضع مبخِّر الدارة في الهواء الطلق، أو يطمر داخل الأرض (حيث درجة الحرارة ثابتة 16°س)، ويُركَّب المكثِّف ضمن الحيِّز المراد تسخينه. يقوم محرِّكٌ كهربائي بإدارة ضاغط المنظومة، فيسحب المبخِّر الحرارة من الهواء الجوي أو باطن الأرض؛ ليطرحها المكثِّف ضمن الحيز المحيط به. يبيّن الشكل (13) مبدأ عمل هذه المضخة. وقد تبين أن سحب الحرارة من الأرض (16°) أجدى من سحبها من الهواء (6.5°-). لم تلاقِ هذه الطريقة في التسخين الانتشار لحاجتها إلى محركات كهربائية باستطاعات كبيرة من أجل تدفئة منزلٍ كامل.

الشكل (13) مبدأ عمل المضخة الحرارية.

4- منظومات التسخين الشمسية solar heating systems

استخدم الإنسان طاقة الشمس لأغراض التجفيف من القديم، وقد استغلها أرخميدس في تسليط أشعة الشمس المركزة على مراكب الأعداء الخشبية لحرقها وتوليد دخان باستخدام مرايا كبيرة. ولكن أول من استغلها طاقة تسخين هو الفيزيائي السويسري الفرنسي هوراس دي سوسور Horace de Saussure عام 1767، حيث كان يحضر الطعام باستخدام الطاقة الشمسية. وتوالت بعدها النجاحات في استغلال هذه الطاقة النظيفة قليلة الكلفة لمختلف أغراض التسخين.

صنع الإنسان مرايا التسخين الشمسية على شكل قطع مكافئ دوار يقوم بتجميع أشعة الشمس المتوازية في محرقه، حيث يوضع الجسم المراد تسخينه. ثم صنعت منظومات تسخين المياه بالطاقة الشمسية التي تعتمد على لوح معدني مطلي بمادة سوداء تمتص معظم الطاقة الشمسية الساقطة عليها، وتنقلها إلى أنابيب يجري فيها الماء أو سائل آخر ينقل الحرارة بدوره إلى مياه الاستحمام عبر مبادلٍ حراري (الشكل 14). وتطوَّرت هذه المنظومات اليوم، وأصبحت تتألف من أنابيب زجاجية مفرغة من الهواء في داخلها أنابيب نحاسية أو من الألمنيوم معبأة جزئياً بمادة سريعة التبخر، فتكتسب الحرارة من الشمس، وتتبخَّر لتصعد إلى أعلى الأنبوب وتنقل الحرارة المكتسبة إلى الماء الموجود في خزان أعلاها. وتتكاثف هذه المادة بعد ذلك، وتعود إلى أسفل الأنبوب؛ لتسخن من جديد، وهكذا دواليك (الشكل 15). توضع هذه المنظومات على أسطح المنازل موجهة نحو الشمس (الشكل 16). وتوصل إلى شبكة مياه الحمامات من أجل الاستحمام. وتُعدّ فعالةً جداً في المناطق المشمسة ومتوسطة الشمس، حيث يمكن أن تصل درجة حرارة المياه فيها حتى 95°س في الصيف أو أكثر من ذلك، ويمكن أن تصل في بعض أيام الشتاء الباردة التي تسطع فيها الشمس جزئياً حتى 45 °س.

الشكل (14) منظومة طاقة شمسية بلوح أسود.

الشكل (15) منظومة طاقة شمسية بأنابيب مفرَّغة من الهواء.

الشكل (16) منظومة طاقة شمسية على سطح منزل.

مراجع للاستزادة: 

- D. Ibrahim, Z. Calin, Advanced Power Generation Systems, Elsevier. 2014.

- J. P. Guyer, An Introduction to Solar Water Heating Systems (Solar Energy Systems Engineering), ‎ Independently published, 2018.

- D. L. Steeby, Hydronic Heating: Systems and Applications, ‎ Goodheart-Willcox; Lab Workbook 2021.

 


- التصنيف : العلوم الهندسية وتقاناتها - النوع : العلوم الهندسية وتقاناتها - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1