التريتيوم
تريتيوم
Tritium -
التريتيوم
مزين الداغستاني
التريتيوم tritium هو النظير الأثقل والمشع للهدروجين، أتى اسمه من اليونانية tritos بمعنى الثالث رمزه الكيميائي أو H-3، رمزه الشائع T وتدعى نواته أحياناً تيترون، عدده الذري 1، وصيغته الجزيئية ، تم اكتشافه عام 1934. يعد الفيزيائي الأمريكي ألفارز Luis W. Alvarez والفيزيائي المهندس الأمريكي كورنوغ Robert Cornog أول من برهن على كونه عنصراً مشعاً عام 1939.
تبلغ كتلته الذرية واحدة كتلة ذرية. تتكون نواة ذرة التريتيوم من بروتون ونترونين، لذا هي غير مستقرة، وتتفكك بإصدارها إشعاع الضعيف نسبياً، وتبلغ طاقته الحركية 5.7 كيلو إلكترون فولط، وينتقل في الهواء مسافة 2 ميلي متر قبل أن يفقد قدرته على التأيين، لذا تكون الحدود المسموح بها لوجوده في الهواء أعلى بمئة مرة من الحدود المسموحة لوجوده في الماء وفق الوكالة الدولية للحماية من الإشعاع International Commission on Radiation Protection (ICRP) (وتعرف أيضاً بالهيئة الدولية للحماية الإشعاعية وبالاختصار نفسه International Commission on Radiological Protection).
يتشكل التريتيوم في الطبيعة نتيجة اصطدام الأشعة الكونية بغازات الغلاف الجوي ولا سيما النترونات ، كما يبينه التفاعلان (1 و2):
وسرعان ما يتحول إلى ماء تريتيوني tritiated water HTO يهطل مع الأمطار، ويدخل في الدورة الهدرولوجية، لذا يوجد في الجو والتربة والمياه السطحية والعميقة. ولذرات التريتيوم المتشكلة طبيعياً طاقة حركية عالية، وتتفاعل مع الأوزون الجوي عند ارتفاعات أقل من 4 كيلو مترات معطية الذي يتفكك بسرعة متحولاً إلى HTO، أما بالارتفاع من 10 إلى 40 كيلومتراً فهو يرتبط بالهدروجين ويتشكل HT، وتبقى تراكيز التريتيوم صغيرة ولا يتراكم في الطبيعة لأن عمر النصف له قصير سنة. بيّنت الدراسات الأولية لتحليل المياه السطحية أن هناك ذرة تريتيوم واحدة مقابل ذرة هدروجين، وسميت هذه النسبة وحدة التريتيوم tritium unit (اختصاراً Tu تساوي 0.118 بكرل/كيلو غرام). ويتم قياس التريتيوم أيضاً بوحدة الـ TR الإنكليزية التي تعبر عن قياس الفاعلية النوعية specific activity، يكون تركيزه في أعماق البحار ومياه الآبار العميقة أصغر من وحدة تريتيوم Tu واحدة، في حين يرتفع تركيزه إلى مئات من Tu في مياه الأمطار الناجمة عن التفجيرات في أثناء إجراء تجارب الأسلحة النووية. يصادف التريتيوم في الصخور البركانية بسبب اصطدام بعض حممها في أثناء النشاط البركاني بجسيمات الأشعة الكونية، وتم إثبات وجوده في مواد الأقمار الصناعية بعد استعادتها من الفضاء وإعادة تدوير أجزائها.
استحضاره
إن أول من قام بتحضيره مخبرياً الفيزيائي البريطاني رذرفورد Ernest Rutherford، والفيزيائي الأسترالي أوليفانت M.L.Oliphant، والكيميائي الألماني المختص بالكيمياء الفيزيائية هارتيك Paul Harteck بقذف ذرات الديتريوم المرتبطة بحمض الفسفور deuterophosphoric acid بديترونات مسرّعة (التفاعل 3):
ينتج التريتيوم صناعياً وفق أحد التفاعلات التي تتم في المفاعلات النووية:
أ- يتم إنتاجه بقذف هدف من الليثيوم، أو نوى ذرات الهليوم بنترونات مسرعة، وهو تفاعل ناشر للحرارة (التفاعلين 4 و5):
ب - يحضّر باكتساب بعض نوى ذرات العناصر الخفيفة (مثل البور) في الجدول الدوري للنترونات، والتفاعل ناشر للحرارة (التفاعل 6):
أو من التقاط نوى الديتريوم في الماء الثقيل نتروناتٍ مسرّعة (التفاعل7).
ج - تفاعلات الانشطار:
يعد التريتيوم ناتجاً ثانوياً لتفاعلات انشطار اليورانيوم، ويكون مردود 10000 انشطار هو ذرة أو ذرتين من T وذلك وفق سلسلة التفاعلات الواردة في الشكل (1):
الشكل (1) آلية انشطار اليورانيوم لتوليد التريتيوم. |
يكون التريتيوم الناتج من طرائق الاصطناع السابقة مصحوباً بنواتج ثانوية، يتم فصله عنها بإحدى الطرائق التالية:
-
بالتحليل الكهربائي للماء الناتج من إمرار غاز التريتيوم فوق أكسيد النحاس.
-
تقطير الماء عند الدرجة 25 كلفن ليتسنى فصله عن الهدروجين والديتريوم.
-
بالتقطير بالخلاء لفصل مزيج من حيث يغلي الماء العادي عند درجة حرارة °55-°52س تحت الضغط 100-120 مليمتراً زئبقياً ويتبخر ليبقى الماء الثقيل، ثم يتم رفع تركيزه - بعد عمليات الفصل السابقة إما بالكروماتوغرافيا الغازية باستخدام أعمدة أكسيد الألمنيوم المنشط، وإما بالتحليل الكهربائي الذي يرفع تركيز التريتيوم 20 مرة.
الخواص الفيزيائية:
يوجد التريتيوم بالحالة الغازية ، أو السائلة. والتريتيوم المرتبط بالماء أكثر ثباتاً من غاز التريتيوم. واللف الذاتي (السبين) spin لنواة ذرة التريتيوم ، أي إن له خصائص الهدروجين نفسها، إضافة إلى خواص أخرى نتيجة تحوله إلى نظائر الهدروجين الأخرى كما تبينه تجارب الرنين (التجاوب) المغنطيسي النووي (الجدول 1).
الجدول (1) خصائص الرنين النووي المغنطيسي لنظائر الهدروجين. العزم المغنطيسي
جول/
تواتر الرنين
ميغا هرتز
السبين
النظير
25.8995
100.56
1/2
H
7.9513
15.36
1
D
27.625
104.68
1/2
T
الخواص الإشعاعية:
يتفكك التريتيوم مطلقاً أشعة ، ويعطي الهليوم (الشكل 2) وفق التفاعل (8):
الشكل (2) التفكك الإشعاعي للتريتيوم. والطاقة الوسطى المحررة من التفاعل هي 5.6 كيلو إلكترون فولط، أما الطاقة العظمى له 18.6 كيلو إلكترون فولط، وينتج إلكترون من اضمحلال أحد نترونات النواة. يبيّن الجدول (2) بعض خواص التريتيوم الإشعاعية:
الجدول (2) الخواص الإشعاعية للتريتيوم (T). عمر النصف
سنة 12.26
ثابت التفكك
ثا-١
متوسط طاقة بتا
5.7 كيلو إلكترون فولط
الفعالية النوعية العظمى
29.16 كوري/ملي مول
الفعالية الجزيئية
58.3 كوري/مول
الخواص الكيميائية:
يقوم التريتيوم بالتفاعلات الكيميائية نفسها التي يقوم بها الهدروجين، ومن المعلوم أن ازدياد الكتلة الذرية للنظير يؤدي إلى ارتفاع طاقة تحطيم الرابطة الكيميائية له، وإلى انخفاض سرعة التفاعلات التي يدخل فيها، ولكن هذا لا ينطبق على التفاعلات التي تشارك فيها النظائر المشعة وذلك للدور التحريضي للإشعاع، فمعدل سرعة التفاعلات التي يدخل فيها التريتيوم أكبر من تلك التي يقوم بها الهدروجين أوالديتيروم (D) بسبب فعل الحث والتأيين لأشعة ذات الشحنة السالبة الناتجة من تفككه، فتفاعل أكسدة التريتيوم يجري عند درجة حرارة الغرفة ومن دون حفاز (وسيط)، (التفاعل 9):
في حين يكون تفاعل أكسدة الهدروجين أو الديتيريوم بطيئاً جداً. يقوم التريتيوم بتفاعلات الاستبدال، فهو يتفاعل مع غاز الهدروجين بالتسخين وفق التفاعل (10):
ويقوم باستبدال إحدى ذرات هدروجين الماء معطياً الماء التريتيوني وفق التفاعل (11):
ويتفاعل مع حمض كلور الماء معطياً TCl كما في التفاعل (12):
وقد برهن الكيميائي الأمريكي ويلزباخ Kenneth E.Wilzbach عام 1957 على أن للتريتيوم القدرة على استبدال ذرة الهدروجين الفعال في المركبات العضوية بعد تعريضها لغاز HT، وتزداد سرعة تفاعلات التبادل بتحريض غاز التريتيوم بأشعة، أو الأشعة فوق البنفسجية، أو بطاقة الأمواج القصيرة أو أشعة -X (رونتجن). كما يتم التبادل على مراكز الـO,N في البروتينات، وهدروجين الماءات في السلولوز. وتم نتيجة لذلك وسم المئات من المركبات العضوية به سواء البسيطة مثل الميتان أم المعقدة مثل الإنسولين. وقد استخدم تفاعل التبادل لتحديد الوظائف الكيميائية في بعض المركبات العضوية مثل الوظيفة الكربوكسيلية في بوليمر (متماثر) البولي إتلين ترفتالات polyethylene terephthalate أو poly ((ethylene terephthalate، (الشكل 3).
(الشكل 3). وتكمن خطورة تفاعل الاستبدال في التريتيوم الذي يدخل جسم الإنسان عن طريق الشم أو الجلد، إذ يتم تمثله خلال ساعتين في سوائل الجسم ويحل محل الهدروجين الطبيعي في المتعضية مولداً الأورام السرطانية. ويمكن الكشف عن آثار التريتيوم بتراكيز تصل إلى مكرو كوري/ ملي لتر بسهولة لكونه مشعاً، وهناك العديد من التجهيزات للكشف عنه:
- حجرة التأين ionization chamber: التي تعتمد مبدأ تأيّن الغاز فيها من تأثير أشعة السالبة الشحنة والناجمة من تفكك الـ T مولداً تياراً كهربائياً يمكن تحريه بكاشف الجهاز، وتستخدم هذه التقنية للكشف عن التريتيوم بالحالة الغازية.
- مقياس طيف الكتلة mass spectrometer الذي يستخدم لتحليل شظايا الهدروجين ثنائية الذرة مثل HD,HT,DT.
- المسعر calorimeter الذي يعتمدعلى قياس الحرارة الناتجة من تفكك (تحلل) التريتيوم والتي تتناسب طرداً مع ازدياد تركيزه.
- عدّاد الوميض السائل liquid scintillation counter، وقد حلت هذه الطريقة محل باقي التقنيات التحليلية لدقتها وسرعتها، وتعتمد على حل العينة الـحاوية التريتيوم في محل يومض عند تعرضه للإشعاع، ويتم إحصاء عدد الومضات بكاشف خاص. تستخدم هذه التقنية لتحري التريتيوم في حالته السائلة خاصة في مجال الطب لدراسة العينات الموسومة.
للتريتيوم العديد من المركبات الطبيعية مثل غاز التريتيوم ، أو الماء التيتروني و، والكثير من المركبات الصنعية الناتجة من تفاعلات الاستبدال. من أهم مركباته:
غاز التريتيوم : غاز لا لون له، طاقة الرابطة هي 4.588 إلكترون فولط، والحرارة النوعية هي 29.2 كيلو جول/مول، نسبة تحول غاز التريتيوم الطبيعي إلى ماء بفعل أشعة وبالجو العادي أقل من 1%/يوم فهوقابل للتخزين، يتحول الـ الناتج من التفجير النووي إلى ماء بنسبة 100% نظراً لاكتسابه فعالية كبيرة من طاقة التفجير الهائلة.
يكون جزيء التريتيوم تحت الدرجة -°268س في الحالة بارا para tritium بنسبة 100% في حالة التوازن، وعند درجات الحرارة العالية قرابة °100س يكون التركيز التوازني 75% أورتو ortho tritium و25% بارا، وفي الطور الصلب يكون تحول جزيء التريتيوم إلى حالة توازن أورتو- بارا أسرع من تحول جزيء الهدروجين بمقدار 210 مرات، ويلخص الجدول (3) خصائص التريتيوم.
الجدول (3) الخصائص الفيزيائية للتريتيوم. القيمة
درجة حرارة الانصهار (كلفن تحت ضغط 21.6 كيلو باسكال)
20.62
درجة حرارة الغليان (كلفن، 1جو)
25.04
درجة الحرارة الحرجة (كلفن، 1جو)
40.44
الضغط الحرج (ميغا باسكال)
1.850
الحجم الحرج (سم3/مول)
57
كمية حرارة التسامي ) التصعد(،كيلو حريرة/مول
6.855
كمية حرارة التبخر (كيلو حريرة/ مول)
5.81
الكثافة الجزيئية للسائل (25 كلفن)، مول/ لتر
42.65
الماء التريتيوني : سائل لا لون له ولا رائحة، ينتج من استبدال إحدى ذرتي هدروجين الماء الطبيعي بذرة تريتيوم (التفاعل 13):
أو من تفاعل التريتيوم مع الأكسجين بوجود حفّاز، أو نتيجة إرجاعه لأكسيد النحاس، ويتحلل أكسيد التريتيوم معطياً HT والأكسجين، ويستمر هذا التحلل ولو أصبح الماء بحالة تجمد عند الدرجة 77 كلفن، ويشع هذا الماء بمعدل 10 ميغا غراي/يوم، ويلخص الجدول (4) أهم خواص الماء التريتيوني.
الجدول (4) الخصائص الفيزيائية للماء التريتيوني. الوزن الجزيئي
22.03
درجة حرارة الغليان، سْ
101.51
كتلة واحدة الحجم عند الدرجة 296 ْس ،غرام/سم3
1.2138
ضغط بخار السائل عند الدرجة 25 ْس، وبالضغط الجوي
0.193
ثابت التأين عند الدرجة 25 ْس
يستخدم التريتيوم عنصراً دافعاً في الأسلحة النووية لزيادة قوة انفجار الرؤوس الحربية (الشكل 4 - أ)، وهو وقود المستقبل للمفاعلات النووية الاندماجية (الشكل 4 - ب)، يتفاعل مع الديتريوم (التفاعل 14):
الشكل (4) التفاعلات الانشطارية ضمن المفاعل النووي. ويعد هذا التفاعل مصدر طاقة هائلة. تستخدم هذه الطاقة في القنابل الهدروجينية؛ لذا يسمى التفاعل البدئي (أو المحرِّض) initial reaction في المفاعلات النووية. يدخل التريتيوم في العديد من التفاعلات التي تعد مصدراً للنترونات والديترونات والبوزترونات وجسيمات (التفاعلات 15، 16، 17، 18):
ويدخل أيضاً لتعيين النظائر في العلوم الحيوية، ولتقدير عمر المياه الجوفية، تستخدم خاصة الفلورة الناتجة من تأثير إشعاعاته في ذرات مثل الفسفور في الدهانات لجعلها مضيئة، ويدخل في تركيب العديد من الأجهزة ذاتية الإضاءة ليلاً مثل عقارب الساعات ولوحات الإرشادات المرورية في الطرقات وفي المطارات (الشكل 5).
الشكل (5) الأجهزة ذاتية الإضاءة.
مراجع للاستزادة:
- K. Heinrich, Lieser, Nuclear and Radiochemistry: Fundamentals and Applications, Wiley,VCH, 2008.
- J. Lehto, X. Hou, Chemistry and Analysis of Radionuclides , CRC, 2011.
- A. Perevezentsev, M. Rozenkevich, Tritium Technologies for Thermonuclear Fusion Reactors, Academic Press 2021.
- R. Voges, et al., Preparation of Compounds Labeled with Tritium and Carbon 14 ,Wiley, 2009.
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :