تريبانوزومات
Trypanosomidae -

 التريبانوزومات

التريبانوزومات

نذير خليل

 بنيتها العامة

التكاثر ودورة الحياة

أنواع التريبانوزومات وأهميتها الصحية

 

التريبانوزومات Trypanosomes أوليات حيوانية سوطية، وحيدات خلية، تتبع لجنس المثقبي Trypanosoma. تعيش متطفلة في دم كثير من الفقاريات أو في نسجها، فهي تصيب الإنسان والحيوانات المستأنسة والطيور والأسماك وغيرها. تعيش بين خلايا الدم أو السائل الدماغي الشوكي أو عضلة القلب، وبعض أنواعها يعيش على الغشاء المخاطي للجهاز التناسلي. تسبب أمراضاً عديدة، منها مرض الـنوم sleeping sickness، ومرض شاغاس Chagas disease، ومرض ناغانا Nagana، ومرض زهري الخيول dourine.

أصل كلمة التريبانوزوما مركّبة من الكلمة اليونانية trupanon ومعناها الثَقّاب، وsōma ومعناها جسم، وذلك لتشابه حركته مع فعل أداة فتح القوارير المغلقة بالفلين.

ثمة آراء عدة في مجال تصنيف الأوليات عموماً، ولهذا هناك أكثر من اجتهاد في نَسَب التريبانوزومات ضمن المراتب التصنيفية. منها ما جَعَل الحيوانات الأوالي Protozoa تحت مملكة في مملكة الأوليات Protista التي تضم أربع شعب، تُنسَب التريبانوزومات إلى إحداها. فهي تنتمي إلى فصيلة المثقبيات Trypanosomatidae من رتبة حاملات منشأ الحركة Kinetoplastida التابعة لصف حاملات السياط الحيوانية Zoomastigophorea في شعيبة حاملات السياط Mastigophora ضمن شعبة حاملات السياط اللحمية Sarcomastigophora. وقد كانت التريبانوزومات تُنسَب سابقاً إلى صف السوطيات Flagellata ضمن شعبة الحيوانات الأوالي.

بنيتها العامة

يتكون جسم التريبانوزوما من خلية واحدة مغزلية مذببة الطرفين، ذات شكل انسيابي متطاول، يراوح طولها بين 10-40 مكروناً (مكرومتر). وهي بسيطة البنية، تحتوي على سيتوبلاسما بداخلها نواة واحدة كبيرة مركزية بيضية الشكل. يبرز من الجسم سوط يصدر عن منشأ الحركة kinetoplast المتوضع في الطرف الخلفي للجسم، ثم يمتد خارج الجسم ليتصل بسطحه الخارجي بغشاء متموج وينتهي، بجزء حر في الطرف الأمامي من الجسم (الشكل 1).

الشكل (1) التبدلات الشكلية لدى التريبانوزومات وأجزاء الجسم.

يتغير الشكل الخارجي للتريبانوزومات بحسب موضع منشأ الحركة، ويميز فيها عموماً: الشكل المثقبي والشعروري crithidia والممشوق وعديم السوط.

يسبح التريبانوزوما في دم مضيفه بوساطة الحركة التموجية للسوط والغشاء المتموج، ويساعده أيضاً انقباض أجزاء الجسم وانبساطها بالتتابع. ويمتص غذاءه عن طريق سطح الجسم، ويستهلك كميات كبيرة من غلوكوز دم المصاب، كما يلتهم قطرات دقيقة من بلاسما الدم عند سطح جسمه في عملية تُعرَف بالرشف pinocytosis، ويُلقي بالمقابل مواد إطراحية ذات تأثير سام في المصاب.

التكاثر ودورة الحياة

تصيب التريبانوزومات الإنسان وبعضاً من الحيوانات الفقارية؛ بانتقالها بوساطة أنواع معيّنة من الذباب تعرف باللواسن أو ذباب تسي تسي Tsé-tsé، أو أنواع من البق المعروفة ببق الريدوفيد (أو الفُسفُس) Reduviid bugs (الشكل2). وبذلك تشتمل دورة حياتها على عائِلَين: أحدهما فقاري، والآخر لافقاري ماص للدم.

الشكل (2) من الحشرات الناقلة للتريبانوزومات.

وفي حالات نادرة يمكن انتقالها بطرائق آلية بوساطة القراد أو البعوض أو غيرها عن طريق أجزائها الفموية الملوثة بدم المصاب. وفي حالات أخرى عبر المشيمة أو الرضاعة أو نقل الدم.

يُلفى الطور المُعدي infective stage -وهو شكل صغير- في لعاب الحشرات الناقلة أو برازها، يدخل إلى العائِل النهائي ليتحول في المجال الدموي أو اللمفي إلى شكل مِثقَبي يكبر حجمه، ويتكاثر بالانشطار الثنائي الطولي، وقد يكون انفصال السيتوبلاسما أحياناً غير مكتمل، فيُلاحظ تريبانوزوما في أثناء انقسامه متعدد النوى والسياط.

عندما تلدغ الحشرة الناقلة مصاباً تنتقل إليها الأشكال المِثقبية مع الدم لتهاجر عبر القناة الهضمية وتستقر في غشاء المعي المتوسط؛ حيث تتكاثر، وتتحول إلى الشكل الشعروري الذي يهاجر إلى غددها اللعابية ليتحول إلى الشكل المُعدي (الشكل3). وفي بعض أنواع الحشرات الناقلة يصل إلى المعي الخلفي، وينقسم وهو في الطور الشعروري، ويتحول إلى الطور المُعدي، ويخرج مع برازها في أثناء مص الدم.

الشكل (3) دورة حياة المثقبي الغامبي .Trypanosoma brucei gambiense

أنواع التريبانوزومات وأهميتها الصحية

تضم التريبانوزومات عشرات الأنواع التي تصيب الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والأسماك، ومنها ما يصيب الإنسان. ومن أهمها:

1- تريبانوزوما بروسي Trypanosoma brucei: طفيلي يسبب مرض النوم الإفريقي للإنسان، ومرض ناغانا للحيوان. وأول من ربط بين المرض وذبابة تسي تسي الناقلة له هو الطبيب الإنكليزي ديفيد بروس David Bruce، لذا سُمِّيَ النوع باسمه (الشكل 4).

الشكل (4) الطفيلي تريبانوزوما بروسي.

ويميز فيه ثلاثة نويعات:

أ- التريبانوزوما الغامبي Trypanosoma brucei gambiense: سُجِّل هذا النويع في غامبيا عام 1901. يراوح طوله من 16-30 مكروناً. تنقله الذبابة المعروفة باللاسنـة اللامسة Glossina palpalis (من أنواع ذباب تسي تسي) إلى الإنسان، حيث تنتشر في الغابات الاستوائية، وقرب البحيرات وشواطئ الأنهار والمجاري، وتتغذى بامتصاص دم الزواحف الكبيرة كالتماسيح والسحالي وغيرها، وربما كانت الكلاب والخنازير خازنة له. ويُعَدّ الإنسان عائلها المفضل. كما تنقله اللاسنة
G. tachinoïdes المنتشرة في المناطق الجافة ذات درجة الحرارة المرتفعة؛ ولاسيما في جنوبي شبه الجزيرة العربية.

يسبب هذا الطفيلي مرض الـنوم الـغامبي في 36 بلداً جنوب الصحراء الكبرى، في غربي إفريقيا ووسطها، ويصيب ما يقارب نصف مليون إفريقي سنوياً. ويمثل أكثر من 95% من مجموع حالات مرض النوم المُبَلَّغ عنها. وقد يكون هذا المرض مزمناً ويستمر عدة سنوات. ويمكن ألا تظهر الإصابة في البداية على الشخص عدة أشهر أو عدة سنوات. وتكون الفترة الأولى للمرض هي انتشار الطفيلي في الدم، يليها العقد اللمفية، ومن علامات ذلك حمى متقطعة ورعشة وصداع، ويتضخم بعد ذلك الكبد والطحال، ثم اعتلال الغدد اللمفية خصوصاً خلف الرقبة. ويغزو الطفيلي بعدها الجهاز العصبي المركزي لتبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة النوم، ومن علاماتها زيادة الصداع والاعتلال والنعاس واضطراب الكلام والمشية، ويقع المريض في غيبوبة طويلة؛ يتبعها الموت إذا لم يُعالَج. ومن الأدوية التي تستعمل لعلاجه البنتاميدين pentamidine لعلاج المرحلة الأولى، والميلارسوبرول melarsoprol أو الإيفلورنيثين eflorinthine لعلاج المرحلة الأولى والثانية من المرض.

ب. التريبانوزوما الروديسي Trypanosoma brucei rhodesiense: نُوَيع سُجِّلَ في روديسيا (زيمبابوي حالياً) عام 1909. يراوح طوله من 18-30 مكروناً، تنقله اللاسنة العاضة G.morsitans على نحو أساسي. أما العائل النهائي فهو الإنسان والحيوانات المستأنسة. ويعدّ الوعل أو الظبي مستودعه الرئيس. ويسبب مرض النوم في مناطق محددة من السافانا شرقي إفريقيا وجنوبيها، ويُعَدّ أكثر شدة من المرض الذي يسببه النويع السابق، فقد يكون مميتاً خلال سنة واحدة من الإصابة قبل أن يصيب الجهاز العصبي المركزي. تُلاحَظ الأعراض الأولى بعد مضي عدة أسابيع أو أشهر من الإصابة بالعدوى. ومن أعراضه ظهور عُقدٍ في الجلد مكان مص الحشرة للدم مع حمى متقطعة وضعف وفقدان سريع للوزن والتهاب العضلة القلبية وأعراض عصبية، وحدوث هوس وتوهم، وخمول على نحو حاد يستمر 3-9 أشهر ينتهي بفترة النوم ثم الإغماء وهبوط القلب والوفاة؛ إذا لم يتم العلاج. ويستعمل السورامين suramin لعلاج المرحلة الأولى، والميلارسوبرول والإيفلورينيثين Ephlorinthine لعلاج المرحلتين.

ج. التريبانوزوما بروسي بروسي Trypanosoma brucei brucei: يراوح طوله بين 18 و42 مكروناً. يسبب هذا الطفيلي في الحيوانات ذات الظلف (كالأبقار، والأغنام، والجمال، والخيول) مرضاً شبيهاً بمرض النوم يعرف بمرض ناغانا، ومعنى كلمة ناغانا في لغة الزولو الاكتئاب. تنقله اللاسنة العاضة إضافة إلى
G. pallidipes وG. longipalpis. وتُعدّ الظباء والوعول وثدييات برية أخرى مخازنه الطبيعية. يتعرض الحيوان المصاب لحمّى متقطعة، وورم تحت الجلد وضعف عام نتيجة فقر الدم وضمور وشلل في الأطراف الخلفية، وينتهي المرض بالموت في الحالة الحادة، وقد يشفى بعد عام في الحالة المزمنة.

2- تريبانوزوما كروزي Trypanosoma cruzi: طفيلي طوله 15-24 ميكروناً، ويبدو في مسحات الدم بشكل حرف U وC (الشكل 5). سجَّلَه كارلوس شاغاس Carlos Chagas في البرازيل عام 1909، لذلك يسمى المرض الذي يسببه بمرض شاغاس، أو داء المثقبيات الأمريكي؛ لأنه ينتشر في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، وبدرجة أقل في أمريكا الشمالية، ويسبب سنوياً وفاة نحو 50000 مصاباً، وهناك نحو 50 مليون إنسان في خطر الإصابة بهذا الداء. وتنقله بقة الريدوفيد، ومن أهم أجناسها Triatoma التي تدعى ببق القُبَل؛ لأنها تتغذى من منطقة الوجه والعنق (الشكل2). فعندما تتغذى البقة قد تتبرز على جلد المضيف، ويحتمل احتواء البراز المطروح على مِثقَبيات مُعدية تدخل الجسم في أثناء اللدغ أو حك الجلد، أو عن طريق الأغشية المخاطية أو ملتحمة العين أو باطن الجفن في أثناء ملامسة الأصابع الملوثة ببراز الحشرة، حيث ينتفخ جفن العين، وتدعى هذه العلامة بعلامة رومان Romanas sign. وهناك أكثر من عشرة أنواع من الثدييات الخازنة لهذا الطفيلي، مثل الوعول والكلاب والقطط والخنازير والقوارض.

الشكل (5) الطفيلي تريبانوزوما كروزي.

يعاني المصاب ترفعاً حرورياً، ترافقه أحياناً اضطرابات في نبضات القلب وتضخم في الغدد اللمفية والطحال والكبد واضطرابات هضمية وأعراض عصبية، ويعاني -في الإصابات المزمنة- من اضطرابات قلبية شديدة قد تؤدي إلى الوفاة. لا معالجة شافية لداء شاغاس، فمعظم العقاقير غير فعالة أو شديدة السمية.

3- تريبانوزوما فيفاكس Trypanosoma vivax: يعيش في الدم واللمف والسائل الدماغي الشوكي. طوله 14-27 مكروناً (الشكل 6)، العائل النهائي هو الحيوانات المستأنسة ما عدا الكلاب والخنازير. وتنقله أنواع من اللواسن عن طريق لعابها إلـى الماشية، ويسبب مرض ناغانا.

الشكل (6) طفيلي تريبانوزوما فيفاكس.

4- تريبانوزوما إيكويبيردم Trypanosoma equiperdum: طوله 18-30 مكروناً، يعيش في الأغشية المخاطية المبطنة للأعضاء التناسلية. يصيب الخيول أو غيرها من فصيلة الخيليات، وينتقل بالاتصال الجنسي من دون الحاجة إلى حشرة ناقلة. ويسبب مرض زهري الخيول.

5- تريبانوزوما إيفانسي Trypanosoma evansi: طوله 18-34 مكروناً (الشكل 7)، ينتقل آلياً بوساطة ذبابة الإسطبل وذبابة الخيل (وأحياناً بوساطة الخفاش) إلى العائل النهائي وهو الجِمال والخيول والفيلة والكلاب، باستثناء حالة واحدة سجِّلَت إصابته للإنسان في الهند عام 2005. وهو يسبب مرض سورّا surra الذي تنتج عنه خسائر اقتصادية مؤثرة في مناطق توطنه خاصة في إبل آسيا وإفريقيا. يعاني المصاب في الحالات الحادة ارتفاعاً في درجة الحرارة والهزال والضعف العام والتهاب الملتحمة مع دموع غزيرة والتهاباً رئوياً وأعراضاً عصبية كالشلل السفلي أو الشلل الكامل. وتظهر - في الحالات المزمنة- حمى متقطعة وفقر في الدم وفقدان الشهية ونقص في الوزن.

الشكل (7) الطفيلي تريبانوزوما إيفانسي.

ويُذكَر من التريبانوزومات الأخرى النوع T.lewizi الذي يصيب الجرذان، وهو غير ممرض، وT.sinipercae الذي يصيب الأسماك، ومن الأنواع التي تصيب الطيور:
T.avium، ومن تلك التي تصيب البرمائيات النوع
T.hosei.

بذل العلماء جهوداً كبيرة في إيجاد وسائل عدة للتحكم في الأمراض التي تسببها التريبانوزومات، منها استخدام العقاقير المتنوعة ومكافحة الحشرات الناقلة. وما زالت الجهود متواصلة للعمل على منع تزايد الحالات الجديدة في البلدان المعنية والحد من انتشارها.

مراجع للاستزادة:

- K. Donald, Trypanosomiasis (Deadly Diseases and Epidemics). Chelsea House, New York. 2007.

- C. K. Jayaram Paniker, S. Ghosh, Paniker’s Textbook of Medical Parasitology. Seventh Edition. Jaypee Brothers Medical Publishers (P) Ltd. New Delhi, India. 2013.

- J. Telleria, M. Tibayrenc, American Trypanosomiasis: Chagas Disease One Hundred Years of Research. Elsevier, U.S.A. 2010.

 


- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1