التقانات النانوية
تقانات نانويه
Nanotechnologies -
إبراهيم الغريبي
التقانة النانوية nanotechnology تقانة تتعلق بدراسة الأشياء ذات الأبعاد النانومترية والخواص الغريبة لهذه الأشياء مقارنة بخواصها الجسمية المحسوسة، لذلك يسميه بعض الباحثين علم النانو nanoscience، ويترك مصطلح التقانة لطرائق الحصول على هذه الأشياء مع أن المفهومين متداخلان.
تتشابه لفظة النانو في أغلب اللغات اللاتينية، فيطلق عليها nano باللغة الإنكليزية وnain باللغة الفرنسية. وكلمة نانو مشتقة من كلمة نانوس nanos الإغريقية أو nanus اللاتينية، وتلفظ ναννοσ: naNNo مع مضاعفة النّون باللغة اليونانية القديمة ونون واحدة في اللغة اللاتينية، ويبدو أن معناها في اللغة العربية القزم، أو كل ما هو ضئيل الحجم دقيق الجسم والصغير جداً، وهذا مأخوذ من كلمة النانوكوسم nanocosm التي تجمع بين لفظتين من الإنكليزية والعربية نانو ــ قزم.
وفي مجال العلوم والفيزياء يعني النانو جزءاً من المليار. وعند إضافة كلمة نانو- التي يرمز إليها بـ n - إلى المتر m تصبح وحدة قياس الأبعاد، فالنانومتر هو واحد من ألف مليون من المتر (أي )، فهو وحدة لقياس الأشياء الصغيرة جداً التي لا ترى إلا تحت المجهر الإلكتروني؛ إذ إن أصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها نحو عشرة آلاف نانومتر. ويمكن تمثيل موقع النانو متر على سلَّم الطول الموضح في الشكل (1). على سبيل المثال يقع قطر الذرَّة الواحدة بين 0.1 nm (قُطر ذرّة الهدروجين) و0.4 nm (قُطر ذرّة الذهب)، ومن ثمّ يعادل النانومتر الواحد المسافة التي تشغلها قرابة عشر ذرات مصطفة جنباً إلى جنب، في حين يقدر عرض جُزيئة الحمض الأمينيّ الـدنا (double-helix DNA) بـ 2.5 nm تقريباً؛ أما طولها فيصل إلى 10 أمتار، ويقع قُطر ڤيروس الإنفلونزا بين 80 و120 nm، أما قطر بكتريا الميكوبلاسما فيقدر بـ 200 nm، ويقع قطر كريات الدم الحمراء عند الإنسان بين 6000 و 8000 nm، أما متوسط سمك شعرة الإنسان فيقع بين50 000 و100 000 nm.
الشكل (1) سلم الطول: يوضح هذا المقياس اللوغاريتمي الأحجام النسبية للجزيئات والخلايا والكائنات متعددة الخلايا. |
يمتد السلَّم النانوي nanoscale من نانومتر واحد إلى غاية 100 نانومتر، وهو بذلك يمثل المنطقة الوسطى بين السلَّم المكرومتري والسلَّم الجُزَيئي. وبمعنى آخر يشمل كل المقاييس عند المستويين الجزيئي والذرّي، فكل شيء تقلّ أبعاده عن النانومتر هو مجرّد ذرّة حرّة أو جُزِيء صغير، ولمّا كانت خصائص الذرّات والجُزيئات المتناهية في الصِّغر محدّدة بقوانين فيزياء الكم فإن النانو ليس خطوة على طريق التصغير فحسب، بل هو سلَّم مقاسات جديدة يهيمن فيه الميكانيك الكمومي كلياً على سلوك المادّة. والنانومتر من المقاييس التي يمكن دمج أعداد وأنواع مختلفة من الذرّات لاستخدامها في توليف أشكال جديدة من المادّة، وهذا هو ميدان عمل التقانة النانوية، فهي تهتم ببناء موادّ وأجهزة مع القدرة على التحكّم في شكلها ووظيفتها عن طريق التحكّم في مقياس أبعادها بدءاً من مستوى الذرّات والجُزيئات الفردية. وتختلف -عند هذا المستوى الدقيق- الخواصّ الطبيعية والكيميائية والبيولوجية للمادّة جوهرياً عن تلك الموادّ الكبيرة الموازية لها، كما يمكن هندستها -وغالباً بطريقة غير متوقعة- لتعطي خواص فريدة.
يُعدُّ وضع تعريف محدد لتقانة النانو أمراً مثيراً للجدل؛ إذ ليس لها تعريف محدد ومتفق عليه ومَحل إجماع حتى هذا الوقت؛ وذلك نظراً لتشعبها ودخولها في العديد من المجالات التطبيقية؛ إذ إن كلاًّ من هذه المجالات ينظر إليها من منظور خاص به، لذا فإن تعريفها يمكن أن يختلف باختلاف طبيعة التعامل معها ومع المجال الذي تطبق فيه، فهناك منظمات وهيئات وعلماء كُثر عرّفوا هذه التقانة بحسب رؤيتهم أو بحسب خلفيتهم العلميّة.
عموماً يمكن تعريف تقانة النانو بأنَّها "التقانة التي لها القدرة على التحكّم المباشر في تصنيع ومراقبة ودراسة خواص المواد في مستوى مقياس النانو"، وبعبارة أُخرى هي: "علم وهندسة تكوين مواد وبُنَى وظيفية وتجهيزات تقع أبعادها في سلَّم النانومتر". ويقال: إن التقانة النانوية هي: "مجال العلم والهندسة الذي سوف يتمخَّض عنه معظم فتوحات الغد العلمية والتقانيّة". ويذهب آخرون إلى تعريف تقانة النانو بأنها "تقانة تتعامل مع أبعاد نانومترية، ولها تطبيقات عملية ومواصفات تتعلق بهذه الأبعاد، وهذا التعريف هو الأكثر شمولاً وقبولاً في الأوساط العلمية. وقد أطلق عليها أيضاً "تقانة المُنَمْنَمات"، وعُرِّفت أيضاً أنها فرع لـ "هندسة المواد الدقيقة"، أو"القدرة على التلاعب في بنية المادة والتحكم التام والدقيق في بنائها وإنتاجها؛ عن طريق تفكيك الذرات والجزيئات وإعادة تنظيمها وترتيبها"، وهو ما يعرف بالتصنيع الجزيئيmolecular manufacturing الذي قد ينتج من التجميع الذاتي self-assembly، لذلك يطلق عليها بعض الباحثين تقانة التصنيع الجزيئي أو التقانة الجزيئية molecular technology. فما دامت المواد جميعها مكونة من ذرات مرصوفة وفق تركيب معين؛ فيمكن أن توضع ذرة عنصر وترصف مكان ذرة عنصر آخر؛ لصنع شيء جديد ومن أي شيء مرغوب تقريباً، ويمكن أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تصنيع معظم المكونات والمنتجات المعقدة بدقة متناهية؛ بما في ذلك الأجسام الكبيرة وصولاً إلى تصنيع الآلات.
إن إنتاج أعداد كبيرة من هذه الآلات الصغيرة يتطلب من بعضها على الأقل أن تكون قادرة على تقديم نسخ مطابقة من نفسها؛ بمعنى قدرتها على الانتساخ الذاتي. وهذا لا يوجد عادةً إلا في الطبيعة والبرمجيات والآلات النانوية المصممة بوساطة الإنسان، وفقاً لذلك يمكن أن تطلق تسمية أُخرى على تقانة النانو هي: "تقانة النسخ الذاتي self-replication، وهذا ما دعا بعض الباحثين إلى تسميتها تقانة اصطناع المواد. وقد قدمت أيضاً منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Organisation for Economic Co-operation and Development (OECD) تعريفاً واسعاً ودقيقاً للتقانة النانوية بأنها: "مجموعة من التقنيات التي تمكن من التلاعب أو الدراسة أو استغلال الهياكل والنظم الصغيرة جداً (عادةً أقل من 100nm"(. ويقول الفيزيائي ريتشارد فاينمان Richard Feynman:" إن مبادئ الفيزياء- حسبما أرى- لا تتعارض مع إمكان التلاعب بالأشياء ذرة بذرة". ولتفادي هذا الاختلاف والجدل الدائر حول ماهية تقانة النانو وتعريفها أُنشئت في أمريكا لجنة سميت المبادرة الوطنية لتقانة النانوNational Nanotechnology Initiative (NNI) وأطلقت على هذه التقانة اسم الثورة الصناعية القادمة، وقد طُبِعت هذه التسمية على سطح أصغر من قطر شعرة الإنسان وبأحرف عرض كل منها 50 نانومتراً. ولتوحيد مفهوم مصطلحات التقانة النانوية خرجت تلك المبادرة بالتعاريف التالية:
- تشمل تقانة النانو الأبحاث والتطورات التقنية في مجال أقل من 100 نانومتر.
- تقانة النانو تصنع وتستخدم التركيبات التي لها خصائص فريدة نظراً لصغر حجمها.
- تستند تقانة النانو إلى القدرة على التحكّم أو التلاعب بالمادّة على مستوى الذرّة.
يعدّ العالم الياباني تانغوشي Norio Taniguchi أول من وضع عام 1974 مصطلح تقانة النانو وعرَّفها بأنها: "مجموعة عمليات الفصل والتكوين والدمج للمواد على مستوى الذرات أو الجزيئات ورصفها بدقة فائقة لبناء مواد جديدة لم يسبق تصنيعها وذات إمكانات لا مثيل لها وبمواصفات فريدة".
يفضل علماء الفيزياء والكيمياء استعمال مصطلح علم النانو عوضاً عن تقانة النانو، ويشددون على التمييز بين علم النانو وتقانة النانو بهدف الحفاظ على قيم الانضباط بعيداً عن القيم الربحية والنفعية البحتة التي تحققها التقانة، وبذلك تكون تقانة النانو هي الوسيلة لعلوم النانو. ويرى جواكم شومر Joachim Schummer في كتابه عن تأثير علوم النانو بأنها "ستفتح حقولاً واسعةً من المعرفة ومشاريع علمية جديدة لأنها ستسمح بإعادة النظر في قوانين الفيزياء التي نعرفها اليوم"، إضافةً إلى إعادة تقديم المبادئ الأساسية في الفيزياء الكمومية عن طريق إجراء اختبارات جديدة على مستوى الجزيء الفرد. ومادامت المبادئ الأساسية لفيزياء الكمّ صالحة عند المستوى النانومتري، فستكون عندئذٍ قادرة على تفسير عمل آلاته الجزيئية. وفي حال حدوث ظاهرة جديدة تعجز قوانين الكمّ عن تفسيرها؛ عندئذٍ سيظهر علم جديد؛ علم بمقياس النانومتر. وفي ضوء هذا عُرِّف علم النانو على أنَّه: "مجموعة المحاولات الجوهرية لفهم العلاقة بين المادة وخواصها، وإيجاد الأدوات اللازمة التي تمكِّن من تجميع المكوِّنات النانوية وتوصيفها" أو هو: "دراسة المبادئ الأساسية وتوصيف المواد ومعالجتها عند الحيز الذرّي- الجزيئي وإيجاد تطبيق مناسب لها في شتى مجالات الحياة، ليشمل بذلك مجالات العلوم جميعها، مثل الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء والطب وعلوم المواد والهندسة"، فهو "علم التخصصات المتعددة "، ويضم أغلب العلوم الأساسية، لذا يمكن أن يطلق عليه "العلم الموحد للعلوم" أو "علم إحياء العلوم". عرَّفه عُلماء الإدارة والاقتصاد بأنَّه "علم تكوين الثروة". أمّا كتاب الخيال العلمي فأطلقوا عليه اسم "العلم الخيالي أو الافتراضي".
تعرّف الموادّ النانوية nanomaterials بأنها تلك الفئة المتميزة من المواد المتقدمة التي يمكن إنتاجها بحيث تقع مقاييس أحد أبعادها أو أبعاد حبيباتها في حيز النانو الصغير. فالمواد النانوية البُنية تعطي صفات وخواص فيزيائية وكيميائية فريدة، فقد تكون أقوى من الجسمية وأخف وأقسى وأسرع وأشد أماناً وذاتية الإصلاح، واستغلت هذه الظواهر في إنتاج مواد وأجهزة وأنظمة فريدة في خواصها بوساطة التحكّم في شكلها وحجمها في الحيز النانوي. ويمكن أن تُصنَّف البُنى المكرويّة الفائقة الصِّغَر التي يقع مقاس الوسطي لحُبيباتها في مجال النانومتر أنها مواد نانوية البنيّة. يمكن أن تكون لتلك الموادّ وظائف متعدّدة يجري صنعها لأغراض محدّدة، كأن تكون قادرة على تحسُّس المحيط والاستجابة له. وقد تخيَّل الباحثون أيضاً موادّ يمكن أن تكون أقوى من الفولاذ بعشر مرات؛ أو أخفّ من الورق بعشر مرات؛ مؤقتة المغنطة أو فائقة الناقلية؛ ومقاومة لدرجات الحرارة العالية جداً، وربما شفّافة للضوء، لذا أطلق العلماء والباحثون على هذه المواد اسم "المواد المتدرّجة وظيفياً Functionally Gradient Materials (FGMs)" أو "المواد الفائقة"، ذلك أن أي تغيّر في بُنيتها أو تركيبها سيقود إلى تغيّر مرافق في خواصها وتحسين أدائها الوظيفي وظهور وظائف جديدة لها، لذا يقول أنصار التقانة النانوية إن ثَمَّة الكثير من الفرص المتاحة للمواد المهندَسة جُزَيئياً والتي تُبنى واحدة تلو الأخرى لتشكَّل بُنى جُزَيئية ثلاثية الأبعاد. وتتمركز أهمية النانو حول فكرة أنَّ بناء مواد من لبنات صغيرة يؤدي إلى مواد خالية من الشوائب وبمستوى عالٍ جداً من الجودة والتشغيل، وتتغير خصائص الموادّ بصورة مدهشة عندما تصل إلى درجة النانو وتُظهر خصائص غير متوقعة ولم تُعرف من قبل؛ أي غير موجودة في خصائص المادّة الخام. ويعزى سبب ذلك إلى عدد من المبادئ والتأثيرات والصفات التي تتصف بها الموادّ النانوية من دون غيرها من الموادّ التقليدية منها:
· تأثير الأبعاد :dimensions effect نظراً إلى أن الأبعاد في المستوى النانوي تقترب من البُنى فوق الذرية وتقل كثيراً عن البُنى المكرويّة؛ فإنها تؤدي دوراً مهماً في تحديد خواص المادة كاللون -الشكل (2)- ونقطة الانصهار والخواص الميكانيكية والمغنطيسية والضوئية. على سبيل المثال: عندما تكون أبعاد جزيئات السليكون النانوي تقريباً nm1 فإنها تشع باللون الأزرق عند إضاءتها بضوء فوق بنفسجي؛ في حين إذا كانت أبعاد جزيئاته nm3 فإنها تشع في المنطقة الحمراء على خلاف المواد المقابلة لها في حالتها الجسمية bulk حيث الأبعاد فيها غير مهمة، لا تتغير خواصّها باختلاف أبعادها.
الشكل (2) كأس ليكورجوس Lycurgus Cup كوب زجاجي روماني متغير اللون 300 م. يظهر الزجاج باللون الأخضر أو الأحمر حسب اتجاه مصدر الضوء، وذلك بسبب إضافة جزيئات نانوية من الذهب والفضة إلى الزجاج.
|
· التأثير الذرّي atomic effect: يعدّ الجدول الدوري للعناصر لغزاً وكنزاً ضخماً من المواد الصلبة الجديدة، فكل مادة معروفة ستنتج في عالم النانو مجموعة جديدة من الخواص معتمدة على مقاسها. ووفقاً لهذا التأثير يمكن أن تصنف الموادّ النانوية تبعاً لأبعادها النانوية: أحادية، ثنائية، ثلاثية. يوجد الكربون على سبيل المثال؛ في المجال الجسمي ببنيتين بلورتين معروفتين: بنية الغرافيت وبنية الألماس وتتصف كلتاهما بوجود زوايا حادة. أما في المجال النانوي فيمكن أن يوجد على شكل أنابيب أو صفائح أو كرات (البكيبول Buckyballs) تخلو من الزوايا الحادة.
· التأثير الإلكتروني electronic effect: للتأثيرات الإلكترونية دور مهم في التغيُّرات الحاصلة في خواص الموادّ في السلَّم النانوي؛ إذ يتغير معدل الشحن الكهربائي وحركة حوامل الشحنة الكهربائية وقابلية المادّة للاستقطاب الكهربائي وثابت العزل الكهربائي وعملية تحفيز التفاعلات الكيميائية، مما يقود إلى إنتاج نظم توزيع طاقة كهربائية أقل استهلاكاً للطاقة وأسرع في الأداء؛ من دون إحداث تغيير يذكر في التركيب الكيميائي للمادة. كما أن تصغير أبعاد المادة يقود إلى إنقاص عدد الإلكترونات التي تشارك في نقل الإشارة الكهربائية، ونتيجةً لذلك يمكن أن تعمل أداة بإلكترون واحد.
· التأثير السطحي surface effect: للموادّ النانوية مساحة سطحية كبيرة جداً، وندرة في الشوائب والعيوب السطحية والبين سطحية، إضافةً إلى طاقتها الترموديناميكية السطحية العالية، وهذا ما يجعل منها مواد مثالية لاستعمالها محفِّزات أو ماصَّات أو مسرعات في التفاعلات الكيميائية، ومن ثمّ سوف تكون مفيدة أيضاً لبناء مواد مركَّبة قوية جداً. ويدل التأثير السطحي للمادة النانوية على مدى نشاطها الكيميائي؛ إذ إنَّ ازدياد المساحة السطحية للمادة يقود إلى تناقص في عدد الذرات الموجودة داخلها وزيادة كبيرة في عدد الذرات الخارجية التي تسهم على نحو أساسي في تفاعلات المادة مع الوسط المحيط بها. والعلاقة بين أبعاد حبيبات المادة ومساحة سطحها علاقة عكسية. وتعدّ بذلك نسبة السطح إلى الحجم للمواد النانوية واحدة من أهم المعاملات التي تميزها من المواد التقليدية؛ أي تصبح المادة بأبعادها النانومترية سطحاً بالكامل تقريباً. وبالنتيجة فإن نسبة سطح المادة إلى حجمها عندما يصبح أحد أبعادها من رتبة النانومتر تُحدد أداء المادة وسلوكها ومواصفاتها؛ والتي تُدعى غالباً بالمواصفات السطحية (مثل اللون والتحفيز والنشاط الكيميائي والناقلية الحرارية والكهربائية ومقاومة الشد الميكانيكية). يظهر الشكل (3- أ) تغير امتصاصية الضوء في حالة جسيمات نانوية منفصلة مقارنة بجسيمات نانوية عنقودية. ويظهر في الشكل (3 - ب) تغير معامل الانطفاء لمادة معلقة مع الطول الموجي بوجود جسيمات نانوية محسوباً وفق ميكانيك الكم وتجريبياً. ويقود هذان التغيران إلى ظهور المادة بألوان مختلفة عن المادة الجسمية (الشكل 4)، وينطبق هذا على جسيمات الذهب النانوية حيث يتغير لون الذهب من لونه المألوف إلى اللون الأحمر أو البرتقالي أو الأزرق.
(أ): تغير امتصاص الضوء لجسيمات نانوية منفصلة مقارنة بجسيمات نانوية عنقودية. |
(ب): تغير معامل الانطفاء لمادة نانوية معلقة في سائل مع الطول الموجي مقيساً تجريبياً ومحسوباً نظرياً بطريقتين. الشكل (3) |
الشكل (4) جسيمات نانوية معلّقة في محلول عند النظر إليها: (أ) بعد نفاذ الضوء (ب) بالضوء المنعكس. |
تأثير الحصر الكمومي quantum confinement effect: تَحدُّ الآثار الكموميّة في السلَّم النانوي مواصفات حركة الإلكترونات وآلياتها، حيث يمكن أن تتحرك في بعدين فقط (كما هي الحال في البئر الكمومي) أو في بعد واحد (السلك الكمومي) أو يمكن أن تكون مقيدة تماماً (النقطة الكموميّة). ويمكن أن تسلك الحبيبات النانوية سلوك جسيمات كموميّة لها خاصّية مزدوجة (موجة وجسم)، فقوانین نيوتن التقليدية التي تصف حركة الأجسام الكبيرة وتفاعلاتها وسلوكياتها الواقعية المتمثلة بالإيقاع المنتظم وحتمية المصير؛ تقف عاجزة عن وصف تلك السلوكيات عند المستوى النانومتري لتحل محلها قوانین فيزياء الكمّ والاحتمالية والنسبية. إن الأثر الكمومي الحجمي quantum size effect يغيّر لون المادة الأصلي إلى مادة متعددة الألوان ناتجة من تغير في طاقة التكميم، فيصبح كل شيء في المادّة النانومترية نسبياً.
يمكن إدراج الطرائق المُستخدمة في إنتاج الموادّ النانوية وتكوينها بمختلف فئاتها وأشكالها في نمطين أساسيين، الأول يبدأ بتصغير المادّة الكبيرة الحجم والنزول بأبعادها من الأعلى إلى الأسفلtop-down approach وصولاً إلى حبيبات فائقة النعومة أو ما يطلق عليه بالمسلك النزولي؛ إذ ينطلق من الحجم المحسوس من المادّة ويجري تصغيرها شيئاً فشيئاً وصولاً إلى الحجم النانوي. يُعد هذا الأسلوب الأكثر شيوعاً لإنتاج كميات كبيرة من مساحيق وحبيبات الموادّ النانوية بمختلف أنواعها، ولكن في الوقت نفسه لا يعد مناسباً تماماً لتحضير مواد نانوية متجانسة وصغيرة الحجم؛ إضافة إلى الزيادة في نسبة الشوائب ضمن المادة والناتج من المواد الخارجية، وكذلك الزيادة في نسبة التشوهات السطحية والإجهادات الداخلية للموادّ النانوية المنتجة بهذا النمط، ومن المعلوم أنَّ نقاوة أسطح الموادّ النانوية ومساحتها مهمتان جداً وتؤثران مباشرة في خواص هذه المواد. ومن التقنيات المستخدمة في هذا النمط من التحضير الحفر الضوئي والقطع والقشط والطحن الميكانيكي والطباعة الحجرية والتفريغ بالقوس الكهربائية والاستئصال بالليزر والبلازما والقذف بالحزم الإلكترونية والترذيذ والتبخير والانصهار.
أما النمط الثاني فيعتمد تجميع البُنى النانوية وبناءَها ابتداءً من مكوِّنات صغيرة مثل ذرات المادة وجُزيئاتها ثم الصعود بمقاييس أبعادها إلى الأعلى bottom-up approach أو ما يطلق عليه بالمسلك الصعودي، وقد تبدأ الذرات أو الجُزيئات فرادى وتُجمّع تدريجياً ذرة ذرة أو جُزيئاً جُزيئاً من تلقاء نفسها لبناء مادة نانوية محددة الحجم، ففي الطبيعة -على سبيل المثال- تتبلور حبيبات الثلج من تلقاء نفسها في أثناء العاصفة الثلجية، ويُعدّ هذا النمط الأكثر ملاءمةً لتوليد مواد نانوية متجانسة وذات حجوم وأشكال وبنى مميزة وصغيرة؛ إضافة إلى قلة الهدر للمادة الأصلية والحصول على قوة ترابط بين الجسيمات النانوية الناتجة، بيد أنه من الصعوبات التي تواجه هذا النهج بطؤه وعدم إمكان إنتاج مواد نانوية بكميات تجارية؛ مع أن تكلفتها منخفضة نوعاً ما مقارنةً بالمسلك النزولي. ويتطلب اتباع هذا النمط في تصنيع المواد النانوية توفر عنصرين رئيسيين: جزيئات المادة التي يُطلق عليها "لبنات البُنية الجُزيئية"؛ والطرائق الملائمة والدقيقة التي يمكن بواسطتها التعامل مع اللبنات الأساسية للمادّة. وغالباً ما يستخدم في هذا النمط الطرائق الكيميائية الرطبة كالترسيب باستعمال الحمام الكيميائي أو المحلول الكيميائي والهلام، والتوضيع من البخار الكيميائي، والترسيب الكهركيميائي، والتنضيد بالحزم الجزيئية، والترسيب بالطبقة الذرية، والتجميع الذاتي، والغزْل الكهربائي، والبخ الكهربائي، والرش الحراري، والرش بالأمواج فوق الصوتية، والترسيب الفيزيائي لبخار المادة. ويتمتع كل نمط من النمطين المذكورين بعدد من المزايا الخاصة ونقاط القوة والضعف، ممّا لا يرجح اتباع نمط واحد في التحضير، حيث يعتمد اختيار النمط ومن ثمّ طريقة التحضير على الخواص المطلوب توفرها في المنتج النهائي للمادة؛ والمجال التطبيقي الذي سوف يتم به توظيف المُنتج. وبوجه عام تبعاً لذلك يمكن إدراج أكثر الطرائق شيوعاً واستخداماً لإنتاج مواد نانوية في ثلاث طرائق رئيسية: التحضير بطرائق فيزيائية والتحضير بطرائق كيميائية والتحضير بطرائق ميكانيكية، ويندرج تحت كل منها مسمى أحد الأنماط النزولية أو الصعودية، وعند اتباع أحد الأنماط أو الطرائق المذكورة يحصل على أشكال مختلفة للمادة النانوية- جزيئات ضخمة أو ألياف أو أنابيب أو طبقات أو أغشية رقيقة- التي يمكن استعمالها مباشرةً منتجاً صناعياً أو إضافتها إلى مادة أخرى، ومن ثمّ يمكن تصنيفها في ثلاث فئات بحسب مجال التطبيق:
· المواد المقوّاة أو المعزّزة بمواد نانوية: حيث تدمج المادة النانوية في مادة ما بهدف إعطاء وظيفة جديدة لهذه المادة؛ أو لتغيير خواصها الميكانيكية والفيزيائية (الضوئية والمغنطيسية والحرارية).
· المواد النانوية المهيكلة في السطح: حيث تُكْسَى مادة ما أو تُغَشَّى بطبقة أو عدة طبقات نانوية لإعطاء سطح هذه المادة وظائف وخواص جديدة كاللون والصلابة والتنظيف الذاتي ومقاومة التأكل والأكسدة والاحتراق والتبقيع.
· المواد النانوية المهيكلة في الحجم: هي مواد تتمتع بخواص ميكانيكية وفيزيائية فريدة نظراً لبنيتها الداخلية على المستوى النانومتري.
مراجع للاستزادة: - مارك راتنر، دانيال راتنر، التقانة النانوية: مقدمة مبسّطة للفكرة العظيمة القادمة، ترجمة حاتم النجدي، المنظمة العربية للترجمة، لبنان 2011. - M. F. Bertino, Introduction To Nanotechnology, WSPC, 2022. - C. Durkan, Size Really Does Matter: The Nanotechnology Revolution, World Scientific Publishing Europe, 2019. - W. Sanders, Basic Principles of Nanotechnology, CRC Press, 2018. - L. Will, Nanotechnology And Its Applications, Independently published, 2022.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :