الترب (فلزات-)
ترب (فلزات)
Soil mineralogy -
الترب
تمثّل الصخور النارية والرسوبية والمتحولة وفلزاتها المصدر الرئيس لفلزات التربة soil minerals المُختلفة التي تقسم بدورها إلى فلزات تربة أولية وأخرى ثانوية، وهي تشكل الجزء الأهم من الطور الصلب لمُعظم الترب، وتُؤدي دوراً مهماً وحاسماً في تحديد خواص التربة المُختلفة الفيزيائية والكيميائية والخصوبة وكذلك الحيوية، ومن المعروف أن هذه الخواص هي التي تحدد درجة مقدرة إنتاجية التربة، وكذلك طرائق إدارتها واستثمارها.
فلزات التربة الأولية primary soil minerals
تُعد فلزات التربة الأولية مواد مُتبقية تكوّنت نتيجة تفتت الصخور وفلزاتها وتهشمها وتفككها بفعل عمليات التجوية الفيزيائية مكونة ما يُسمى قشور التجوية، حيث تتوضع التربة على سطحها مُباشرةً، في حين تتكون فلزات التربة الثانوية نتيجة تجوية الصخور وفلزاتها تجوية كيميائية أو حيوية كيميائية.
يُوجد الجزء الأكبر من الفلزات الأولية في الحبيبات الخشنة من التربة كالحصى gravel والرمل الخشن coarse sand والمُتوسط medium sand والناعم fine sand، في حين تُوجد الفلزات الثانوية غالباً في الحبيبات الناعمة من التربة كالسلت silt والطين. وتسود الفلزات الأولية من الناحية الوزنية على الفلزات الثانوية في غالبية الترب ولا سيما الترب المتكونة في المناطق ذات المناخات الجافة كالترب الرملية الفتاتية المُفككة، في حين تسود الفلزات الثانوية في الترب المتكونة في المناطق ذات المناخات الحارة والرطبة، كالترب الحمراء red soils والقرميدية plinthosoils .
تتسم الفلزات الأولية عامّة بعدم ثباتها خلال مراحل تشكل التربة، نتيجة تأثير العوامل المناخية والمحاليل المائية والأحياء الدقيقة، فتتهدم تدريجياً مكونة فلزات ثانوية. يُستثنى من ذلك عدد قليل من الفلزات التي يُطلق عليها اسم الفلزات شديدة الثبات أو متناهية الثبات، وتتميز بثباتها الشديد ومُقاومتها العالية لعمليات التجوية المُختلفة، حيث تبقى في الترب فترات زمنية طويلة. تُؤدي نوعية الفلزات الأولية عادة دوراً مهماً في تحديد منشئها وطبيعة صخورها الأم (المصدر)، كما تُحدد نسبة هذه الفلزات في تُربة ما قِدَم هذه التربة أو حَداثتها، فمع مرور الزمن يتناقص عدد الفلزات الأولية ونسبها ليتشكل بدلاً منها فلزات ثانوية، وفي نهاية المطاف لا يتبقى في الترب القديمة جداً سوى الفلزات مُتناهية الثبات والمُقاومة جداً لعمليات التجوية المُختلفة.
- فلزات مجموعة الأوليفين olivine group: تُوجد فلزات الأوليفين في الصخور النارية فوق القاعدية والقاعدية، وتنتمي إلى الفلزات السليكاتية المتكونة من رباعيات الوجوه المُفردة «الأورثوسيليكاتية»، وتُشكل زمرة مُتماثلة الشكل isomorphic تبدأ بفلز الفورستريت الغني بعنصر المغنزيوم ، وتنتهي بفلز الفاياليت الغني بعنصر الحديد ، مروراً بحدود وسطية مُختلطة من عنصري المغنزيوم والحديد مكونة فلز الأوليفين . تتم تجوية فلزات الأولفين بسرعة كبيرة، ويتكون عن تجويتها فلزات غضارية غنية بالحديد كالننترونيت وفلزات مجموعة السربنتينيت، إضافة إلى تحرر أكاسيد الحديد والمغنزيوم، لذلك لا تُشاهد مجموعة فلزات الأوليفين إلا في أنواع الترب الفتية المتكونة على الصخور النارية فوق القاعدية والقاعدية التركيب نتيجة تهدمها وتجويتها بسرعة كبيرة.
- فلزات مجموعة البيروكسين pyroxenes group:
تُصادف فلزات هذه المجموعة في الصخور النارية القاعدية، وبمقدار أقل في الصخور فوق القاعدية أو المُتحولة، وتنتمي إلى الفلزات السليكاتية مُفردة السلسلة، وتضم مجموعة من الفلزات تتبلور إما في نظام التبلور المعيني القائم (مجموعة الأورثوبيروكسين)، وتضم كلاً من فلزات الإنستاتيت والهيبرستين والبرونزيت ، وإما في النظام أحادي الميل (مجموعة الكلينوبيروكسين)، وتضم كلاً من فلزات الأوجيت والديوبسـيد والهـدنبـرجيت والجـاديت والآيـجيرين . وتتهدم فلزات مجموعة البيروكسين نتيجة عوامل التجوية بسهولة، وتتحول إلى فلزات الأمفيبول والكلوريت وفلزات التالك talc والسربنتينيت.
- فلزات مجموعة الأمفيبول amphiboles group: تُشاهد فلزات هذه المجموعة في الصخور النارية المتوسطة، وبمقدار أقل في الصخور القاعدية وكذلك في الصخور المتحولة كالصخور الأمفيبوليتية، تنتمي فلزاتها إلى مجموعة الفلزات السليكاتية ذات رباعيات الوجوه السلاسلية المفتوحة والمُضاعفة، وتتألف من عدد كبير من الفلزات تتبلور إما في النظام المعيني القائم (مجموعة الأورثوأمفيبول)، وتضم فلز الأنتوفيليت ، وإما في النظام أحادي الميل (مجموعة الكلينوأمفيبول)، وتضم كلاً من: فلزات التريموليت والأكتينـوليت والريبكيت والغلوكوفان ، تجري تجوية مجموعة فلزات الأمفيبول بسرعة، لذلك لا تشاهد إلا في التُرب الفتية والمُتكونة على الصخور النارية المُتوسطة، وينجم عن تجويتها تشكل الفلزات الكربوناتية إضافة إلى فلزات أكاسيد الحديد والسليس.
- فلزات مجموعة الميكا micas group: توجد ضمن الصخور النارية حمضية التركيب مثل صخور الغرانيت والريوليت، وبمقدار أقل ضمن الصخور النارية متوسطة الحمضية كصخور التراخيت والأنديزيت، وكذلك الصخور المتحولة متوسطة السحنة مثل صخور البيوتيت شيست والبيـوتيت غنايـس. وتنتمي إلى الفلـزات السـليكاتية الصفائحية (الفيلوسليكاتية)، وتشتمل على الميكا البيضاء «المسكوفيت» والميكا السوداء «البيوتيت» إضافة إلى الميكا الليثيومية «الليبيدوليت» ، والفلوغوبيت . يتكون نتيجة تجوية فلزات مجموعة الميكا فلزات طينية «غضار» ثانوية جديدة كالكاولينيت والكلوريت والفيرموكوليت، مع تحرر إيونات البوتاسيوم والمغنيزيوم التي تُعد من العناصر المغذية للنبات.
- فلزات مجموعة الفلدسبات feldspat group: تُشاهد فلزات هذه المجموعة في جميع أنواع الصخور النارية، وكذلك في عدد كبير من الصخور المتحولة، وتُعد مجموعة الفلدسبات أكثر المجموعات الفلزية الأولية انتشاراً في صخور القشرة الأرضية والتُرب، وتقدر بنحو 55% من الوزن الكلي للقشرة الأرضية، وبين 10-15% من وزن التُرب. وتضم عدداً من الفلزات أهمها الفلدسبات الكلسي «الأنورتيت» والفلدسبات الصودي «الألبيت» والفلدسبات البوتاسي «الأورثوكلاز والمكروكلين» ، تتميز فلزات هذه المجموعة بثباتها حيال عمليات التجوية مُقارنةً مع الفلزات السليكاتية البسيطة، ويتشكل نتيجة تجويتها مُختلف فلزات الطين «الغضار» وذلك تبعاً لنوع الإيونات المُوجبة المتوفرة وكذلك درجة حموضة الوسط pH، كما تتحرر أكاسيد السيليسيوم (السليكون) والألمنيوم المائية والكوارتز وكربونات العناصر القلوية والقلوية الأرضية.
- مجموعة فلزات الفلدسبات الحديث new feldspat group: توجد في الصخور البركانية القلوية كصخور السيانيت والفونوليت. وتنتمي مجموعة الفلدسبات الحديث إلى مجموعة الفلزات الألوموسليكاتية القلوية، وتتألف من فلزين رئيسين هما فلز النيفلين وفلز اللوسيت ، يتهدم فلزا النيفلين واللوسيت نتيجة تأثرهما بعوامل التجوية ليتحرر كل من عنصري الصوديوم والبوتاسيوم وأكاسيد السيليسيوم والألمنيوم الغروية، ويُؤدي تجمع نواتج تجوية فلز النيفلين إلى تكوين فلز الغضار من نوع المونتموريولونيت.
تتسم بعض الفلزات كفلزات مجموعة الكوارتز وفلز الأباتيت والإيبيدوت والديستين والغارنت والزيركون والسليمانيت والشتاوروليت، والأندالوزيت والتورمالين بكونها شديدة الثبات حيال عمليات التجوية؛ لذلك يتم العثور عليها ومُشاهدتها في التربة الناضجة والهرمة.
- مجموعة فلزات الكوارتز quartz group: وتنتمي إلى الفلزات السليكاتية الهيكلية (التكتوسليكات)، تركيبها الكيميائي ، وتُساهم فلزات هذه المجموعة في التركيب الفلزي للصخور النارية والرسوبية والمتحولة بنسب مُتفاوتة، وتراوح نسب وجودها الوزنية في التُرب بين 40 و60%. وتُعد فلزات مجموعة الكوارتز من الفلزات الثابتة والمُقاومة لعمليات التجوية، ونتيجة ثبات الكوارتز الشديد يُحافظ على تركيبه الكيميائي مع أنه قد أصبح بحجم الغرويات، وهذا ما يُؤدي إلى وجوده غالباً في المجموعات الغروية من التربة. كما تُساهم زيادة فلز الكوارتز وسيادته في التُرب إلى انخفاض خصائصها الخصوبية وتدنيها إلى مستويات مُنخفضة. يُمثل فلز الكوارتز المُنتشر في الترب غير المنقولة (المحلية) وفي قشور التجوية فلزاً ثابتاً مُستقراً، يتراكم تدريجياً مع مرور الزمن، لهذا يُمكن الاعتماد على شكل حبيبات فلز الكوارتز (المورفولوجيا البلورية) ونسب وجوده لتقدير عمر الترب ومراحل نشأتها وشكل تطورها.
- فلز الأباتيت apatite mineral: ينتمي إلى مجمـوعة الفلـزات الفسـفاتية، صـيغته الكيميـائية ، يُساهم في التركيب الفلزي لبعض الصخور النارية والمتحولة، وعند تجويته تتحرر مُركبات عنصر الفسفور التي تُعد من أهم العناصر المغذية والضرورية لنمو النباتات.
- مجموعة فلزات الإيبيدوت epidote group: تتألف مجموعة فلزات الإيبيدوت من فلز الإيبيدوت وفلز الزيوسيت ، وتوجد ضمن الصخور النارية والصخور المتحولة، وكذلك ضمن التوضعات الهدروترمالية كفلزات ثانوية.
- مجموعة فلزات الغارنت garnet group: توجد غالباً في الصخور المتحولة، ونادراً في الصخور النارية البركانية، وتُصنف في مجموعتين رئيستين هما: مجموعة فلزات الغارنت غير الكلسية، وتضم كلاً من فلز الألماندين والبيروب والشبيسارتين، ومجموعة فلزات الغارنت الكلسية، وتضم كلاً من فلز الغروسولار والأندراديت والأوفاروفيت. تتهدم وتتفكك فلزات هذه المجموعة نتيجة تجويتها مكونة فلزات مجموعة الكلوريت إضافة إلى تحرر أكاسيد الحديد.
- فلز الزيركون zircon: يُعد فلز الزيركون أحد فلزات الصخور النارية والمتحولة الثانوية الشائعة، تركيبه الكيميائي .
- التورمالين tourmaline: ينتمي إلى مجموعة الفلزات السليكاتية رباعيات الوجوه السلاسلية المُغلقة، تركيبه الكيميائي ، ويُصادف بكثرة ضمن الصخور البغماتوئيدية، والصخور النارية الحمضية الغرانيتية أو ريوليتية التركيب.
- فلز الستاروليت staurolite: يوجد في بعض الصخور المتحولة على شكل أعمدة وإبر متطاولة، أو على شكل أعمدة ذات توائم مُتصالبة، تركيبه الكيميائي .
فلزات التربة الثانوية secondary soil minerals
تنتشر فلزات التربة الثانوية غالباً في الأجزاء الناعمة الطينية، وتنشأ نتيجة تأثير عوامل التجوية الكيميائية والكيميائية العضوية للصخور والفلزات الأولية، وتميز ترب المناطق الحارة والرطبة. وتتميز أغلب الفلزات الثانوية بسعة امتزاز عالية، وقدرة عالية على ادمصاص الماء وخصائصها الغروية، وتشتمل على أغلب الفلزات الأكسيدية والفلزات الغضارية.
تُقسم الفلزات الثانوية إلى المجموعات الرئيسة التالية:
1- فلزات ثانوية غير متبلورة «خفية التبلور» وذائبة بالماء: وتجدر الإشارة هنا إلى أن حالة عدم التبلور قد تُمثل مرحلة مؤقتة، يكتسب بعدها الفلز صفة التبلور، وتضم هذه المجموعة كلاً من:
- أكاسيد السيليس: كالهلامات السليسية المائية ، والأوبال والكالسيدوان أو الجاسب .
- أكاسيد الألمنيوم: كفلز الكوروند (الياقوت) والجبسيت أو (الهدراجيليت) والبيهميت والدياسبور .
- أكاسيد الحديد: كفلز الليمونيت والغوتيت والهيماتيت والماغنيتيت .
- أكاسيد المنغنيز: كالمانغتنيت والبسيلوميلان واالهاوسمانيت والبيرولوزيت (الواد)
- أكاسيد التيتانيوم: كالأناتاز والروتيل والإيلمينيت .
2- فلزات ثانوية مُتبلورة ذائبة بالماء: تتشكل هذه الفلزات في ترب المناطق الجافة وشبه الجافة الحارة، مع احتمال وجودها في ترب المناطق المُعتدلة، وتضم:
- مجموعة الفلزات الهاليدية: كفلز الهاليت والسيلفين والفلوريت والسيرارجيريت .
- مجموعة الفلزات الكربوناتية: وتضم كلاً من فلز الكالسيت والأراغونيت والدولوميت والسيديريت والماغنيزيت والسيروسيت والأنكيريت، وهو المُقابل الحديدي لفلز الدولوميت ، وفلز المالاكيت وفلز الآزوريت .
- مجموعة الفلزات الكبريتاتية: وتضم الجص (الجبس) والأنهيدريت والباريت والميرابيليت والتنارديت .
- مجموعة الفلزات الفسفاتية: كالأباتيت ، والتـوربيرنيت والأوتونيت والمونازيت والفيفيانيت .
3- فلزات ثانوية مُتبلورة وغير ذائبة بالماء: وتضم فلزات الغضار (الطين)، ويتباين توصيفها وتعريفها تبعاً لهدف الدراسة، فمن وجهة النظر الزراعية تُمثل الأجزاء الدقيقة الناعمة من التربة والتي تُصبح لدنة ولها قابلية للتشكل عند سويات رطوبة مُحددة. أما من وجهة النظر الكيميائية فتُمثل الأجزاء الدقيقة ذات الطبيعة الغروية والسطوح الكبيرة المشحونة بشحنات كهرسلبية غالباً. وأما عند تحديد نسيج (قوام) التربة فهي تُمثل جميع أجزاء التربة الدقيقة والتي تقل أبعادها عن ميكرونين. أما من الناحية الفلزية فتنتمي فلزات الغضار (الطين) إلى مجموعة الفلزات السليكاتية الشرائحية «الصفائحية»، تركيبها الرئيس مركبات ألوموسليكات مائية يدخل في تركيبها مجموعة من العناصر الكيميائية أهمها المغنيزيوم والحديد، وتُمثل النسبة بين أكسيد السيليسيوم (السيلكون) وأكسيد الألمنيوم- والتي تُراوح قيمها في فلزات الطين بين 2 و-5 إحدى القرائن التي تُميز الفلز الغضاري وتساعد على تحديد ماهيته، كما يقاس مقدار تطور فلزات الطين من تحديد نسبة أكسيد السليسيوم إلى مجموع أكسيد الألمنيوم وأكسيد الحديد ، فكلما اقتربت هذه النسبة من تم الاستدلال على نشاط عمليات التجوية والتطور وتشكل فلزات الطين في التربة، في حين يُشير الابتعاد عن تلك النسبة إلى ضعف عمليات التجوية وبالتالي عدم تطور عمليات تشكل فلزات الطين.
يشترك في بناء فلزات الطين رباعيات وجوه tetrahedral مع ثمانيات وجوه octahedral، مُرتبة وفق عدة طرائق.
تُمثل رباعيات الوجوه السليكاتية الوحدة البنائية الرئيسة لجميع الفلزات السليكاتية، ويشغل عنصر السليسيوم Si «الإيون المُوجب» الجزء المركزي لرباعي الوجوه، ويُحاط بأربعة إيونات سالبة الشحنة من الأكسجين تتمركز على رؤوس رباعي الوجوه tetrahedral (tet.)، وله التركيب الكيميائي (SiO4)-4، وتتوضع في هذه الوحدة البنائية ثلاثة إيونات من الأكسجين في مستوىً واحد، ويتوضع إيون الأكسجين الرابع في مستوىً أدنى أو أعلى مكونةً بذلك البنية الهرمية لرباعي الوجوه (الشكل 1).
الشكل (1) رسم توضيحي لرباعيات الوجوه. |
أما في ثمانيات الوجوه فتشغل إيونات الألمنيوم Al أو المغنيزيوم Mg أو الحديد Fe الجزء المركزي لثماني الوجوه، ويُحاط بستة إيونات سالبة الشحنة من الأكسجين تتمركز على رؤوس ثماني الوجوه octahedral (oct.) (الشكل 2)، وترتبط ثمانيات الوجوه المُتجاورة ارتباطاً قوياً بإيونات سالبة الشحنة مُشتركة من الأكسجين أو الهدروكسيل. وفي حال كان الإيون الموجب المركزي ثلاثي الشحنة فإن ثلثي مواقع الإيونات مُوجبة الشحنة ستكون مشغولة لمُعادلة الشحنة، ويُطلق على هذا البناء البلوري ثنائي ثماني الوجوه dioctahedral، أما إذا كان الإيون المُوجب المركزي ثنائي الشحنة فإن جميع مواقع الإيونات مُوجبة الشحنة ستكون مشغولة، ويُطلق على هذا البناء البلوري ثلاثي ثماني الوجوه trioctahedral.
الشكل (2) رسم توضيحي لثمانيات الوجوه. |
يقتصر الاستبدال الإيوني في البنية الهرمية لرباعي الوجوه على استبدال بالسيليسيوم الألمنيوم ويصبح تركيبه الكيميائي ، واستبدال إيونات الألمنيوم المركزية ثلاثية الشحنة Al+3 في ثمانيات الوجوه بإيونات المغنيزيوم أو الحديد ثنائي الشحنة والحديد ثلاثي الشحنة ، أو أيضاً بإيونات العناصر الفلزية ثنائية الشحنة النادرة كالزنك والمنغنيز والنحاس Cu+2، مما يُؤدي إلى تشكل أنواع كثيرة من فلزات الطين ذات الخصائص البنائية والكيميائية المتباينة.
الخصائص الكيميائية والكيميائية البلورية لفلزات الطين
1- البنية البلورية لفلزات الطين:
يمكن أن ترتبط صفيحة رباعيات الوجوه السليكاتية بصفيحة ثمانيات الوجوه الألومينية وفق ثلاثة أشكال لتشكل ثلاثة أنواع من الطبقات، وبالتالي ثلاث مجموعات رئيسة من فلزات الطين، وهي:
أ- صفيحة من رباعيات الوجوه سليكاتية ترتبط بصفيحة ثمانيات الوجوه ألومينية، وتتشكل فلزات طين ثنائية الصفيحة من النوع ، أي فلزات طين (الشكل 3)، ولا تزيد نسبة السيليسيوم إلى الألمنيوم على الواحد.
الشكل (3) رسم توضيحي للطبقة ثنائية الصفيحة tet-oct. tet-oct. |
تضم مجموعة فلزات الطين ثنائية الصفيحة كلاً من فلزي الكاولينيت والهالوزيت حيث تتوضع فيها رباعيات الوجوه السليكاتية فوق ثمانيات الوجوه، ترتبط إيونات الأكسجين المتوضعة على رؤوس رباعيات الوجوه الرأسية بثمانيات الوجوه، مكونةً مستوى ارتباط مُشترك ومُؤلف من إيونات الأكسجين، ويسهم ثلثاها في الربط بين إيونات السيليسيوم والألمنيوم، ويتم إشباع الشحنة الفائضة للثلث المُتبقي بضم إيونات مُوجبة من الهدروجين مكوناً مجموعات الهدروكسيل .
- فلز الكاولينيت: يُعد فلز الكاولينيت أكثر فلزات الطين ثنائية الصفيحة شيوعاً وانتشاراً. ويتميز ببعد قاعدي ثابت ، صيغته الكيميائية وكثافته 2.36 غرام/سم3، كما يتميز بتركيبه الثابت، لذلك تنعدم في فلزات هذه المجموعة ظواهر الإحلالات المُتماثلة، وبذلك لا تحدث إحلالات مُتماثلة في صفيحة السليكا (رباعيات الوجوه)، أو في صفيحة الألومينا (ثمانيات الوجوه)، وهذا يشير إلى أن الشحنات في فلزات مجموعة الكاولينيت تكون مُتعادلة كهربائياً. هذا من الناحية النظرية البحتة. أما من الناحية العملية فيمكن لفلزات مجموعة الكاولينيت أن تحمل شحنات كهربائية، تكون مُنتشرة وموزعة على الحواف البلورية، وذلك بسبب تحطم بعض الروابط البنائية في الشبكة البلورية وظهور تكافؤات غير مُشبعة على طول صفائح رباعيات الوجوه السليكاتية أو صفائح ثمانيات الوجوه الألومينية، وتُؤدي الروابط الهدروجينية في فلز الكاولينيت الدور الرئيس بربط الوحدات البنائية المُتتابعة على امتداد المحور الرأسي، وتكون قدرتها على امتصاص الماء مُنخفضة (الشكل4)، كما تفتقد لسطوح الادمصاص الداخلية، وتراوح سطوح ادمصاصها الخارجية بين 5-40 م2/غ.
الشكل (4) رسم توضيحي للطبقة ثنائية الصفيحة لفلز الكاولينيت. |
يتميز فلز الكاولينيت بسعة امتزاز مُنخفضة لا تتعدى 20 ملي مُكافئ/100غرام. ويوجد فلز الكاولينيت غالباً على هيئة صفائح سداسية مُتطاولة أو شرائح سداسية الأضلاع، قد تصل أبعادها إلى أو أكثر (الشكل 5)، لذلك يمكن لفلز الكاولينيت أن ينتشر أيضاً في التربة السلتية، وتنتشر مجموعة فلزات الكاولينيت انتشاراً كبيراً في التربة الناضجة تحت ظروف تجوية شديدة ولفترات طويلة في أوساط حمضية، تتوفر مثل هذه الظروف في التربة الحمراء والصفراء والقرميدية في المناطق الرطبة المدارية وشبه المدارية، وتتميز بفقرها إلى القواعد والقواعد الترابية، لذلك ينصح إضافة الأسمدة الغنية بتلك العناصر إلى هذه التربة.
الشكل (5) صورة مجهرية لصفائح فلز الكاولينيت kaolinite. |
تحتل إيونات المغنيزيوم مراكز ثمانيات الوجوه فيتكون فلز الأنتيغوريت . هذا وتتهدم فلزات مجموعة الكاولينيت عند تسخينها لمدة ساعتين، وتفقد ماءها البلوري عند درجة حرارة 500-550˚س، وذلك ما يميزها من فلزات مجموعة الكلوريت التي لا تتهدم في تلك الشروط الحرارية.
فلز الهالوزيت: يتماثل البناء البلوري لفلز الهالوزيت مع فلز الكاولينيت، وينتمي أيضاً إلى مجموعة فلزات الغضار ثنائية الصفائح ، والفرق الوحيد بينهما هو وجود طبقة من الماء تتوضع بين طبقات الهالوزيت المُتتابعة على امتداد المحور الرأسي فتصبح صيغته الكيميائية .
تحد جزيئات ماء الهالوزيت من تشكيل روابط بنائية ثابتة ومُستقرة بين مستويات الأكسجين والهدروكسيل من ناحية، كما تعمل على زيادة البعد القاعدي من ناحية أخرى، فيصل إلى ، تكون قوى ارتباط جزيئات الماء في فلز الهالوزيت ضعيفة نسبياً، لذلك فهو يفقدها عند التسخين بدرجات حرارة منخفضة نحو 100˚س، مما يُؤدي أيضاً إلى انكماش الفلز وتقلص بعده القاعدي إلى نحو ، يُسمى الفلز عندئذٍ بالميتاهالوزيت.
تنعدم في فلز الهالوزيت ظواهر الإحلالات المُتماثلة، وهذا يُشير أيضاً إلى أن الشحنات في هذا الفلز تكون مُتعادلة كهربائياً. ويتميز فلز الهالوزيت بسعة امتزاز منخفضة لا تتعدى 20 ملي مكافئ/100غرام. وبسطح ادمصاص يراوح بين 21- 42 م2/غ.
ب- صفيحتان من رباعيات الوجوه السليكاتية Tet. تحصران بينهما صفيحة واحدة من ثمانيات الوجوه الألومينية oct.، وتتشكل فلزات طين من النوع ، أي فلزات طين ثلاثية الصفيحة (الشكل 6)، وتُقسم بدورها إلى مجموعتين رئيستين:
الشكل (6) رسم توضيحي للطبقة ثلاثية الصفيحة tet.-oct.- tet. |
تُسمى المجموعة الأولى تجاوزاً مجموعة السمكتيت والمونتموريلونيت، وتتميز بعدم ثبات بعدها القاعدي. وتُسمى المجموعة الثانية مجموعة الميكا والإيليت، وتتميز بثبات بعدها القاعدي والروابط الإيونية القوية بين وحداتها الإيونية، مما يجعل فلزاتها غير قابلة للانتفاخ والانكماش، وهناك أيضاً فلزات الفيرميكوليت التي تحتل مكاناً وسطاً بين المجموعتين السابقتين من حيث الانتفاخ والانكماش.
في فلزات مجموعة السمكتيت والمونتموريلونيت (الشكل 7) تتم عمليات الاستبدال في ثمانيات الوجوه مكونةً مجموعة من الأنواع الفلزية، أهمها: البيديليت والبيديليت الحديدي والنونترونيت والهيكتوريت والسابونيت. وتتميز فلزات هذه المجموعة بسعة تبادل كاتيوني عالية تراوح بين 80-120ملي مكافئ/100غ، وخواصها الغروانية العالية مما يفسر درجة لدونتها العالية، ووضوح ظاهرتي الانتفاخ والانكماش المرتبطتين بالمحتوى الرطوبي للتربة.
الشكل (7) رسم توضيحي للطبقة ثنائية الصفيحة لفلز المونتموريلونيت montmorillonite. |
تُعد فلزات مجموعة السمكتيت والمونتموريلونيت أدق الفلزات الغضارية وأنعمها، وتوجد عادةً على هيئة حبيبات شرائحية، وبمقدار أقل على هيئة صفائح سداسية سيئة الوضوح (الشكل 8).
الشكل (8) صورة مجهرية لصفائح فلز المونتموريلونيت. |
تتميز فلزات مجموعة الفيرميكوليت بسعة انتشارها في التربة، وتشابه وحدتها البنائية البلورية فلزات مجموعة الميكا، وتعد ناجمة بشكل مباشر عن تجويتها، في حين تشابه البنية البلورية لفلزات مجموعة الإيليت البنية البلورية لفلزات مجموعة المونتموريلونيت، مع استبدال جزء من إيونات السيليسيوم المتمركزة في رباعيات الوجوه بعنصر الألمنيوم، وتعديل فارق الشحنة بإيونات عنصر البوتاسيوم مُوجبة الشـحنة (الشكل 9).
الشكل (9) رسم توضيحي للطبقة ثنائية الصفيحة لفلز الإيليت illite. |
ج- وجود صفيحتين من رباعيات الوجوه السليكاتية tet. متناوبتين مع وحدتين من ثمانيات الوجوه الألومينية oct.، وتتشكل فلزات طين من النوع الطبقي أو ، أي فلزات طين رباعية الصفيح، ومن أمثلتها فلزات مجموعة الكلوريت (الشكل 10)، وتفوق نسبة السيليسيوم إلى الألمنيوم الأربعة.
الشكل (10) صورة مجهرية لفلز الكلوريت chlorite. |
د- مجموعات فلزات طين أخرى: ومن أهمها فلز الأتابولغيت وهو الاسم القديم ويُطلق عليه حالياً اسم الباليغورسكيت، يشابه في بنيته فلز المونتموريلونيت مع استبدال إيونات الألمنيوم ثلاثية الشحنة بإيونات المغنيزيوم ثنائية الشحنة في ثمانيات الوجوه، وتأخذ بلوراته الشكل الإبري أو الليفي، ويتشكل عادةً نتيجة تجـوية فـلزات الصخور النـارية القـاعدية «البازلتية» القاتمة والغنية بالمغنيزيوم كالبيروكسين والأمفيبول في المناطق الجافة وشبه الجافة.
مع استمرار عمليات التجوية يتزايد محتوى التربة من الأكاسيد والأكاسيد المائية للحديد والألمنيوم والتيتانيوم، ويُعثر عليها على هيئة مكونات ثانوية عديمة التبلور أو يكون تبلورها خفياً أو دقيقاً، ومن أكثر تلك الفلزات انتشاراً في التربة:
- فلزات مجموعة الألوفان، وهي فلزات ألوموسليكاتية مائية ، تكونت نتيجة تجوية الرماد والفتات البركاني.
- الجبسيت: وهو هدروكسيد الألمنيوم ويشاهد بنسب مُرتفعة في التربة المغسولة والمنتشرة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية شديدة التجوية ذات الهطل المطري العالي، والتي تعرضت لغسل شبه كامل للسليكا.
- البهميت: وهو أكسيد الألمنيوم المائي ، ينتشر أيضاً بنسب مُرتفعة في ترب المناطق الاستوائية المغسولة ذات الهطل المطري العالي، والتي شهدت غسلاً شبه كامل للسليكا، ويرافقه مع فلز الجبسيت.
2- المسافة القاعدية basal spacing
وهي المسافة التي تفصل بين صفيحتين مُتجاورتين، والتي تعبر عن ثخانة «سماكة» الوحدة البنائية للطبقة، والتي تكون ثابتة في فلزات الطين ثنائية الصفيحة ، ومثالها فلزات مجموعة الكاولينيت التي تبلغ 0.7 نانومتر (1نانومتر=10 أنغستروم)، في حين تكون هذه السماكة متباينة في فلزات الطين ثلاثية الصفيحة tet.-oct.-tet.، حيث تراوح بين 1-2 نانومتر في فلز السمكتيت وذلك تبعاً لدرجة ادمصاص الماء أو المحاليل ضمن البناء البلوري لفلزات هذه المجموعة.
3- الإحلال والاستبدال الإيوني المتماثل في البناء البلوري لفلزات الطين
يتم الامتداد الجانبي باتجاه المحورين البلوريين و في خلية الوحدة مكوناً طبقات فلزات الطين المُختلفة، ويتم الامتداد الرأسي على امتداد المحور البلوري الثالث ، ويتم الارتباط بين الطبقات إما باتحاد إيونات الأكسجين المُنتشرة على السطوح الخارجية لإحدى الصفيحات مع جزيئات الهدروكسيل المنتشرة أيضاً على السطوح الخارجية للصفيحات الأخرى المجاورة لها والمُمتدة على المحور الرأسي، ويُطلق على هذه الرابطة رابطة إيون الهدروجين المُشترك. وقد يتم الارتباط بين الصفيحات عن طريق الشحنات الناتجة من عمليات الإحلال والاستبدال الإيوني المُتماثل في البناء البلوري لفلزات الطين، إذ يمكن استبدال إيون السليسيوم المركزي في رباعيات الوجوه بإيون الألمنيوم، كما يمكن استبدال إيون الألمنيوم المركزي في ثمانيات الوجوه بإيونات الحديد الثنائي أو ثلاثي الشحنة، أو قد يُستبدل أيضاً بإيون المغنيزيوم، وفي جميع الحالات السابقة تتشكل شحنات سالبة على السطوح الخارجية لصفيحات فلزات الطين التي يمكن مُوازنتها من خلال ادمصاص إيونات مُوجبة الشحنة تربط بين صفيحات فلزات الطين بعضها ببعض.
طرائق تشكل فلزات الطين genesis of clay minerals
تتشكل فلزات الغضار وفق الطريقتين الرئيستين التاليتين:
1- التشكل المتبقي: ويتم تشكل الفلزات وفق هذه الآلية بالتحول من فلز إلى فلز آخر مع المُحافظة على البنية البلورية الأولية، نتيجة عمليتي الاستبدال والإحلال «الإزاحة أو الإضافة» لبعض الإيونات أو الجزيئات من الفلزات السليكاتية الصفائحية الأولية، فمثلاً عند إزاحة إيونات الهدروجين جزءاً من البوتاسيوم الموجود في فلزات مجموعة الميكا فإنها يمكن أن تُشكل مجموعة من فلزات الطين وفق الترتيب المُوضح في الجدول (1):
الجدول (1) تشكل فلزات طين متنوعة بطريقتي الإضافة والإزاحة. |
|||||||||||||||||||||
|
2- التشكل الحديث: تتشكل الفلزات وفق هذه الطريقة نتيجة مجموعة الاتحادات الكيميائية التي تتم بين نواتج تجوية الفلزات أولية التشكل وتهدم بنيتها البلورية وتشكل فلزات غضار ذات بنيات بلورية مُغايرة. تتباين طبيعة الفلزات الغضارية المتشكلة تبعاً للمناخ السائد «جاف أو رطب»، ولدرجة حموضة الوسط المحيط، ونوعية الإيونات والجزيئات المتوفرة في المحلول الأرضي (الجدول 2).
الجدول (2) تنوع فلزات الطين المُتشكلة من تجوية الفلدسبات. | |||||||||||||||
|
كما تساهم التغيرات المناخية في تحديد نوع الفلز الغضاري المتشكل، فعلى سبيل المثال: يتكون فلز الباليغورسكيت (الأتابولغيت) في المناطق الصحراوية ذات المناخ الجاف أو شبه الجاف والحار، في حين يتشكل فلز الكاولينيت في ترب المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية الحارة الرطبة التي تعرضت لعمليات تجوية شديدة والمتميزة بالهطل المطري العالي، ويتشكل فلز المونتموريلونيت بشكل واسع في ترب المناطق المُعتدلة وعند توفر إيونات الكلسيوم والمغنزيوم في وسط التشكل، وتُصادف فلزات مجموعة الميكا في أغلب الترب باستثناء ترب المناطق الاستوائية، ويتكون فلز الإيليت نتيجة تجوية الفلدسبات البوتاسي.
تتميز الفلزات الغضارية بالخصائص العامة الرئيسة التالية:
- بلوراتها دقيقة الأبعاد، تقدر بالمكرون، تتركز غالباً ضمن الأجزاء الدقيقة والناعمة من التربة.
- تتميز بلوراتها غالباً ببنية شرائحية «صفائحية»، وبمقدار أقل ببنية إبرية أو أنبوبية.
- تتميز نتيجة صغر أبعادها وشحنتها الكهربائية بخصائص غروانية.
- تتميز أغلب الفلزات الغضارية بقدرتها على امتصاص الماء والمحاليل.
- تتميز بسعة امتزاز عالية للإيونات تصل إلى 150م.م/100غ تربة.
- تفقد ماءها البلوري عند تسخينها، وتتباين فلزات الطين بدرجات الحرارة اللازمة لفقدان مائها البلوري، ويعد ذلك مؤشراً محدداً لنوعية الفلز.
- تُصبح فلزات الغضار لدنة عند تشبعها بالماء، وقاسية صلدة عند جفافها.
- يتفاوت البعد القاعدي من فلز غضاري إلى آخر، ويُعد مُؤشراً محدداً لفلز الطين.
عبدالرحمن السفرجلاني
- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد السابع مشاركة :