التخمر
تخمر
Fermentation -
التخمر
التخمر fermentation عملية استقلابية يتحول فيها السكر إلى حموض وغازات و(أو) كحول، وهو يحدث بوساطة الخمائر yeasts والبكتريا bacteria، وفي التفاعل الكيميائي الحيوي الذي تستخدمه الكائنات الحية للحصول على الطاقة الحيوية بتفاعلات الأكسدة اللاهوائية للمركبات العضوية والحيوية. كما يطلق مصطلح "عملية تخمر" عموماً ليدل على نمو المتعضيات الدقيقة microorganism في وسط خاص لنموها -على الأغلب- للحصول على ناتج كيميائي معيَّن.
تحتاج الكائنات الحية جميعها إلى الطاقة للقيام بالتفاعلات الكيميائية الحيوية التي تحقق لها وظائفها الحيوية، وتستخدم الكائنات الحية هذه الطاقة على شكل مركبات متعددة إما مركبات في حالة مرجِعة عالية الطاقة وإما روابط كيميائية عالية الطاقة مثل مشتقات الفسفوريل phosphoryl (النوكليوتيدات ثلاثية الفسفات، الفسفاجينات، NADH، FADH2)، وتحصل الخلايا على هذه المركبات عن طريق أكسدة المركبات الغذائية لديها بطريقة هوائية (التنفس) respiration أو بظروف لاهوائية (التخمر).
تصنف الكائنات الحية من حيث تآثرها مع الأكسجين في ثلاث مجموعات: الهوائيات الإجبارية، الهوائيات الاختيارية، اللاهوائيات الإجبارية.
إلا أن المعطيات العلمية تؤكد أن هذه المجموعات الحية جميعها في مرحلة ما من حصولها على الطاقة الحيوية؛ تستخدم تفاعلات التخمر اللاهوائية؛ فالتخمر هو الوسيلة البدائية لإنتاج الطاقة الحيوية عند الأحياء الأولى التي ظهرت على الأرض قبل أن يصبح الأكسجين الجزيئي بتراكيز كافية في الجو، ومن ثمّ يعد هذا التفاعل هو الشكل المبكر لإنتاج الطاقة في الخلايا فيما يسمى تفاعلات التحلل السكري glycolysis.
تاريخياً تعامل الإنسان في الحضارات القديمة جميعها مع تفاعلات التخمر في عمليات الصناعات الغذائية المختلفة من دون أن يحدد طبيعة هذه التفاعلات مثل صناعة الخبز وغيره من المعجنات والأنواع المختلفة من المشروبات الغولية.
وقد أدى تطور علم الكيمياء الحيوية والصناعية إلى توجيه الأنظار نحو تفاعلات التخمر كونها ظاهرة مستقلة لم تُربط بوجود الكائنات الحية، أو الإنزيمات الموجودة فيها. وفي القرن الثامن عشر بدأت المعطيات العلمية بالظهور؛ إذ أشار كلٌّ من الباحثين الطبيب المهندس الفرنسي كانيار- لاتور Cagniard-Latour والفيزيولوجي الألماني سوان Swann والصيدلاني كيوتيزينغ Kuetzing إلى وجود بنية خلوية حية تسهم في عملية التخمر.
وتتالت الدراسات عن دور الكائنات الحية الدقيقة المساهمة في عملية التخمر، ويعد الكيميائي الفرنسي لويس باستور Louis Pasteur أكثرهم مساهمة في هذا المجال؛ فخلال الأعوام 1850- 1860 أثبت أن عملية التخمر تحدث بوساطة كائنات حية عبر سلسلة من العمليات؛ إذ تتحول المركبات السكرية في مادة الحليب مثلاً إلى حمض لبن نتيجة عملية تخمر بخلايا خاصة (خلايا الخميرة)، وكذلك يتحول الغلوكوز وغيره من الكربوهدرات carbohydrates في النباتات إلى إتانول (كحول إتيلي) بوساطة خمائر خاصة.
بيَّن الكيميائي الألماني بوخنر Buchner عام 1897 أن هذه الخلايا التي تقوم بعملية التخمر تحتوي على إنزيمات خاصة، هي المسؤولة عن التفاعلات الكيميائية التي تتم في المركبات المتخمرة؛ إذ استطاع عزل هذه المكوِّنات من خلايا الخميرة على شكل سائل استخدمه في تحويل محلول سكري إلى إتانول، بعد أن كانت الفكرة السائدة عن هذا التفاعل أنه تفاعل كيميائي بحت.
وبيَّن باستور أن بكتريا التخمر قد تفسد النبيذ والجعة في أثناء تصنيعهما، محولة الإتانول الذي تنتجه الخميرة إلى حمض الخل (مادة الخل) vinegar. كما بيّن أيضاً أن تسخين شراب الجعة والنبيذ بغرض قتل البكتريا في الوسط يمنع هذا التحول. وقد سميت هذه العملية تكريماً له باسمه (البسترة)pasteurization ، وهي تستخدم على نطاق واسع للقضاء على البكتريا في بعض الخمور وكذلك في الحليب.
إن بكتريا التخمر كائنات لاهوائية، تستخدم الجزيئات العضوية مستقبِلاً نهائياً للإلكترونات لتشكيل نواتج التخمر النهائية؛ إذ يقوم كل من المتسلسلة Streptococcus والعصوية Bacillus والملبِّنة Lactobacillus بإنتاج حمض اللبن lactic acid؛ في حين تقوم الإشريكية Escherichia والسَّلمونيلا Salmonella بإنتاج الإتانول وحمض اللبن وحمض السوكسينيك وحمض الخل وثنائي أكسيد الكربون والهدروجين.
إن الأنواع المختلفة من بكتريا التخمر تتخصص بالتآثر مع أنواع معينة من المركبات الكربوهدراتية؛ فبكتريا النيسرية السحائية Neisseria meningitidis تخمِّر كلاً من الغلوكوز والمالتوز ولكنها لا تستطيع تخمير السكروز واللاكتوز؛ أي هي قادرة على تمثل بعض السكريات من دون غيرها، ويمكن استخدام هذه الفروق في معرفة البكتريا وتصنيفها.
إن متابعة الدراسة حول التفاعلات الكيميائية الحيوية الحاصلة في أثناء عملية التخمر أدت إلى ظهور الكثير من الحقائق حول هذا الموضوع المهم في المجالات المختلفة في حياة الإنسان؛ فعملية التخمر تحدث في الثمار وفي البكتريا والخمائر والفطور، إضافة إلى النسيج العضلي عند الثدييات Mammalia، مع العلم أن التخمر ليس من الضروري أن يجري في الظروف اللاهوائية، الأمر الذي تقوم به الخمائر التي تفضل التآثر مع المركبات العضوية لاستقبال الإلكترونات على الرغم من وجودها في وسط من الأكسجين؛ في حين تقوم الخلايا العضلية عند الثدييات بعكس عملية التنفس الهوائي وتحويلها إلى التخمر عند انخفاض إمداد هذه الخلايا بالأكسجين الجزيئي، ولاسيما عند النشاط العضلي الشديد مثل التدريبات الرياضية القاسية.
تستطيع الخلايا الحية جميعها اصطناع جزيئات أدينوزين ثلاثي الفسفات adenosine triphosphate اختصاراً أتب (ATP) بتفاعل أكسدة لاهوائية للكربوهدرات يطلق عليه اسم التحلل السكري؛ إذ تتشكل إلى جانب الـ ATP جزيئات البيروفات pyruvates التي يمكن أن تتابع تفككها في الظروف اللاهوائية بتفاعلات التخمر، كما يبيِّن الشكل (1).
الشكل (1) |
وهنا يلاحظ أن أكسدة جزيئات نيكوتيناميد أدنين ثنائي النيوكليوتيد nicotinamide adenine dinucleotide المختزل NADH التي تشكلت في أثناء التحلل السكري تعود لتتجدد في أثناء تخمر البيروفات وتسهم في تشكيل جزيئات جديدة من ATP ضمن تفاعل التحلل السكري. ويتم هذا التفاعل عبر مجموعة من التفاعلات المتسلسلة التي تلخصها المعادلة (1):
يترافق هذا باستخلاص كمية قليلة جداً من الطاقة الحيوية التي تعادل جزيئين من ال ATP الذي يحرر كل منهما 7.3 حريرة/ مول مقابل جزيء واحد من حمض اللبن.
مع أن تفاعلات التخمر المذكورة تُستَخدم للحصول على الطاقة؛ إلا أن المراحل الأولى منها تتم باستهلاك الطاقة، وذلك بتنشيط جزيء الغلوكوز glucose المعرَّض للتخمر، باستهلاك جزيئين من الـ ATP فيتحول الغلوكوز إلى مركب الفروكتوز 1-6 ثنائي الفسفات fructose-1,6-diphosphate (اختصاراً FDP)، ويسهم في هذا التفاعل ثلاثة بروتينات إنزيمية وفق التفاعلات (2 و3 و4):
ثم يتفكك المركب فروكتوز-1-6- ثنائي الفسفات عبر مراحل متعددة إلى جزيئين من حمض البيروفيك الذي يمكن أن يتابع تحولاته، بحسب الظروف السائدة في خلايا الكائن الحي؛ إما للأكسدة الهوائية وإما للتخمر اللبني (التفاعلان 5 و6).
بعد انتهاء تفاعلات التحلل السكري تتعرض البيروفات المتشكلة إلى عدة أنواع من التخمرات:
تتعرض البيروفات عند الإنسان والحيوانات في النسج التي يضعف فيها التزود بالأكسجين الجزيئي وعند قيامها بجهود عضلية كبيرة؛ للتحول إلى لاكتات، إضافة إلى أن هذه العملية يمكن أن تقوم بها بكتريا العِقْدية والعصوية والملبِّنة؛ إذ يتم إرجاع البيروفات الناجم عن تفكك الغلوكوز اللاهوائي إلى حمض اللبن بوساطة إنزيم دِهدروجيناز اللاكتات lactate dehydrogenase الذي يستخدم المكافئات المرجَعة (المختزلة) NADH، التي تشكلت في أثناء تفاعلات التحلل السكري كما توضح المعادلة (7):
يستخدم هذا النوع من التخمير للحصول على الإتانول بكميات تجارية وعلى النبيذ والجعة (البيرة) في تفاعلات تفكك فيها البيروفات الناتجة من تفكك الغلوكوز في أثناء التحلل السكري اللاهوائي إلى إتانول؛ وذلك عبر تفاعلين متعاقبين؛ أولهما نزع الكربوكسيل من البيروفات، وثانيهما إرجاع الأسيت ألدهيد الناتج إلى إتانول. تتحقق هذه التفاعلات بمساهمة خلايا الخميرة من أنواع الفُطْريَّة السُكريَّة Saccharomyces (المعادلتين 8 و9).
إلا أن تفاعلات التخمر الغولي تتعرض عادة لصعوبات عندما يتدخل فيها نوع آخر من البكتريا الخلَّالة Acetobacter الذي يرافق عادة خميرة الفطرية السكرية حيث يقوم بتحويل البيروفات إلى حمض الخل acetic acid بسرعة كبيرة عبر تفاعلين متعاقبين؛ أولهما نزع الكربوكسيل decarboxylation من البيروفات، وثانيهما أكسدة الأسيت ألدهيد الناتج إلى حمض الخل (المعادلتين 10 و11).
تُستخدم خلايا الخميرة الفطرية السكرية الجِعَوِية Saccharomyces cerevisiae أيضاً في صناعة الخبز والمعجنات؛ إذ يتم مزجها بالعجين قبل فترة من خبزه لتقوم بتخمير السكريات في طحين القمح، ثم تتعرض للموت في أثناء الخبز وإطلاق نواتج التخمر على شكل غازات خاصة مثل ثنائي أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى انتفاخ الخبز عند نضوجه، إضافة إلى تحرر بعض مكونات هذه الخميرة لتعطي الخبز رائحته اللطيفة المحبَّبة.
أحمد مالو
مراجع للاستزادة: - J. R. Dickinson, M. Schweizer, The Metabolism and Molecular Physiology of Saccharomyces cerevisiae, Taylor & Francis,1999. - S. E. Katz, Fermentation as Metaphor: Follow Up to the Bestselling &https://mail.arab-ency.com.sy/scitech/details/169707#39;The Art of Fermentation&https://mail.arab-ency.com.sy/scitech/details/169707#39;, Chelsea Green Publishing Company 2020. - D. W. Klein, M.Lansing. J. Harley, Microbiology, New York, McGraw-Hill, 2006. - D. L. Nelson, M. M. Cox, Principles of Biochemistry, W.H. Freeman, 2004. - P. F. Stanbury, A. Whitaker, S. J Hall, Principles of Fermentation Technology, Pergamon; 2013. - C. White, J. Zainasheff, Yeast: The Practical Guide to Beer Fermentation (Brewing Elements), Brewers Publications 2010. |
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد السابع مشاركة :