التحليل الكيميائي
تحليل كيميايي
Chemical analysis -
عصام القلق
أدت الحاجة إلى معلومات تتعلق بالتركيب الكيفي والكمي للمواد والعناصر الكيميائية، وأحياناً بتشكيلاتها الفراغية؛ إلى ظهور ما يسمى الكيمياء التحليلية analytical chemistry. ويقصد بالتركيب الكيفي والكمي للعينة تحديد هوية العناصر التي تتألف منها ومقدارها تماماً؛ في حين يقصد بالتشكيلة الفراغية للعينة الكيفية التي توجد فيها عناصرها في الفراغ.
إنّ طبيعة الجمل الكيميائية والفيزيائية المعقدة كلّفت المحلل الكيميائي وظيفة صعبة؛ إذ لا يستطيع أن يكون خبيراً في فروع الكيمياء جميعها. وإن أمكن -تاريخياً- تقسيم علم الكيمياء إلى الكيمياء التحليلية واللاعضوية والعضوية والفيزيائية والحيوية؛ إلا أنّه من الصعب في الوقت الحاضر اعتماد هذا التقسيم. وقد نمت الكيمياء التحليلية كأي فرع من فروع الكيمياء أو العلوم، وتطورت وامتزجت بفروع الكيمياء جميعها، وأصبحت ضرورية في مجالات العلم كافة، وأدى هذا إلى ظهور فروع جديدة مثل الفيزياء الكيميائية والفيزياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية.
خلال تطور الكيمياء التحليلية لاقت بعض طرائق التحليل الكيميائي chemical analysis نجاحات أكثر من غيرها، ولاسيما في المجالات العملية التطبيقية. ومن هذه الطرائق ما هو قديم ويدعى الطرائق التقليدية، وهي تعتمد على التفاعلات الكيميائية أكثر من اعتمادها على الخواص الفيزيائية، وتُعدّ كيمياء هذه التفاعلات هي الأساس في تطوير طرائق التحليل الكيميائي (الرطبة) والطرائق الآلية الحديثة وطرائق الفصل. وللسهولة يمكن تقسيم هذه التفاعلات إلى:
أ- تفاعلات الترسيب (بما فيها تفاعلات الطرائق الوزنية وتفاعلات معايرات الترسيب).
ب- التفاعلات الحمضية-الأساسية.
ج- تفاعلات الأكسدة والإرجاع.
د- تفاعلات تشكيل المعقدات.
أ- يعتمد فصل المركبات بعضها عن بعض بالترسيب على فارق في انحلالية مكوناتها، وتُعدُّ هذه الطريقة من أكثر الطرائق استعمالاً في الكيمياء التحليلية. وقد اُعتُمدت مجموعة من المراحل للفصل الكيفي للإيونات المعدنية وفقاً لمخطط فصل قديم يدعى مخطط كبريتيد الهدروجين، كما يمكن الاستفادة من تفاعل الترسيب واستخدامه في المعايرة الحجمية.
والفرق الرئيس بين معايرة الترسيب وغيرها من الطرائق الحجمية هو أن الراسب يتشكل في أثناء المعايرة؛ ولذا فإن تشكل راسب ستوكيومتري stoichiometric هو من متطلبات المعايرة، ومادام أنّ الراسب غير معزول فإن هذا سيؤدي إلى حصول أخطاء كبيرة، نظراً لطبيعة الراسب الامتزازية تجاه الكاشف، ولهذا السبب فإن التفاعلات التي تتشكل فيها رواسب عند معايرة إيونات المعادن بكواشف هدروكسيدية أو كبريتيدية غير صالحة للمعايرة. وإذا أضيف الكاشف بسرعة فإن التوازن ما بين الراسب وإيوناته في المحلول سيحدث بسرعة؛ في حين أن تحقيق التوازن ببطء يؤدي إلى إضافة فائض من الكاشف. أما العامل الأخير -ولعله الحاسم- فهو تحديد نقطة التكافؤ، مع أنه من الممكن استعمال عدة مشعرات مختلفة بصورة عامة، وتُعدُّ الطريقة المفضلة للكشف عن نقطة التكافؤ عند المعايرة بالترسيب هي الطريقة الآلية.
ب- تفاعلات حمض-أساس: أما تفاعل التعديل الستوكيومتري فيتضمن المرور من المحلول الحمضي إلى المحلول الأساسي، بفرض أن حمضاً يُعاير بأساس، لذا فإنّه من الممكن متابعة جريان التفاعل عن طريق تحديد درجة الحموضة (الباهاء) pH في المحلول بوصفه تابعاً لحجم محلول المُعايرة المضاف. والعلاقة البيانية مابين pH المحلول وحجم محلول المعايرة تدعى منحنى المعايرة، ومن هذا المنحنى يمكن انتقاء حجم محلول المعايرة اللازم لتعديل العينة. ولما كان تركيز محلول المعايرة معلوماً، فمن الممكن حساب كمية الحمض أو الأساس الموجودة في العينة. وبناءً على ذلك ولفهم معايرات التعديل واستعمالاتها في التحليل فمن الضروري أولاً معرفة كيف يتغير pH المحلول كمياً عند إضافة محلول المعايرة، وثانياً تحديد كيف يكشف عن نقطة التكافؤ لتفاعل التعديل.
جـ - تفاعلات أكسدة- إرجاع: وعند استعمال تفاعل الأكسدة والإرجاع (الاختزال) في المعايرة الحجمية لا بد من أن يكون التفاعل سريعاً وتاماً وستوكيومترياً، ولا بد من توفر وسيلة للكشف عن نقطة نهاية المعايرة. وهناك عدة مواد لاعضوية مختلفة توجد في أكثر من حالة أكسدة ثابتة واحدة، وغالباً ما تُعين هذه المواد بالمعايرة بالأكسدة والإرجاع. وكذلك يمكن أكسدة الزمر الوظيفية العضوية أو إرجاعها كيفياً ومن ثم تعيينها كمياً.
د- تفاعلات تشكيل معقدات: إن المعايرة الحجمية بتشكيل المعقدات هي المعايرة التي يتشكل فيها معقد منحل وغير متأين وستوكيومتري عند إضافة محلول المعايرة إلى محلول العينة، والتقنية التي تتم بوساطتها هذه العملية في المخبر ما هي إلا معايرة حجمية نموذجية. وقبل إجراء هذه المعايرة لا بد من تحديد الشروط الموافقة الآتية:
- انتقاء محلول المعايرة المناسب الذي يتمتع بخواص تمكنه من تشكيل معقدات.
- انتقاء أفضل الشروط التي يمكن أن تُؤثّر في المعايرة مثل pH المحلول المراد تعيين تركيزه ووجود مرتبطات ligands منافسة.
- انتقاء طريقة مناسبة للكشف عن نقطة نهاية المعايرة.
للمعايرة بتشكيل المعقدات محاسن ومساوئ؛ فعلى الرغم من أن ناتج التفاعل (المُعقَّد) complex غير متأين إلا أنه يعاني أخطاء الترسيب المشترك كما هو الحال عند المعايرة بالترسيب، وبالمقابل فإنّ تشكيل المادة المُعَقِّدة رابطة تساندية فقط مع بعض الإيونات المعدنية تعطي للمعايرة بتشكيل المعقدات ميزة الحصول على الانتقائية؛ إلا أنّ الستوكيومترية في هذا النوع من المعايرة لا تكون معروفة على نحو واضح كما هو الحال عند معايرة الأكسدة والإرجاع أو التعديل أو الترسيب. وإذا كان محلول المعايرة مادة عضوية فيجب الأخذ بالحسبان انحلالية هذا المحلول.
بدأ العلماء في باكورة القرن العشرين باستخدام ظواهر تختلف عن تلك التي تستعملها طرائق التحليل التقليدية وذلك للتخلص من بعض الصعوبات التحليلية؛ فاستخدموا الخواص الفيزيائية للمادة المراد تحليلها مثل قياس الناقلية الكهربائية وكمون الإلكترود وامتصاص الضوء وإصداره ونسبة الكتلة إلى الشحنة والفلورة، واستعملوا الاستشراب اللوني (كروماتوغرافيا) chromatography ذا الأداء العالي بدل التقطير والاستخلاص والترسيب، وذلك لفصل المركبات أو المزائج المعقدة قبل تعيينها كيفياً وكمياً. هذه الطرائق التحليلية الجديدة التي تفصل الأنواع الكيميائية وتُعيّنها تُعرف بطرائق التحليل الآلية، ويذكر منها طرائق التحليل الكهربائية والطيفية وطرائق الفصل.
1-الطرائق الكهركيميائية:
تهتم طرائق التحليل الكهركيميائي بقياس الكمون والتيار والشحنة في خلية كهركيميائية بصفتها إشارة تحليلية، وعلى الرغم من أن هناك ثلاثة مصادر أساسية للإشارة التحليلية فقط؛ إلا أنّ المتغيرات التجريبية المختلفة الممكنة لهذه الطرائق كثيرة؛ مما يجعل من الصعب تغطيتها كلية لذا سيتم التعرض فقط لطرائق القياسات الكمونية potentiometric methods والقياسات الكولونيةcoulometric methods والقياسات الفولطية voltammetry.
يرتكز التحليل بطريقة مقياسية الكمون على قياس كمون الخلايا الكهركيميائية من دون سحب تيار، وقد استعملت تقنيات مقياسية الكمون لتعيين نقطة نهاية المعايرة على مدى قرن من الزمن. والأكثر حداثة قياس تركيز الإيونات مباشرة من كمون إلكترود غشاء membrane لإيون انتقائي، بحيث تكون مثل هذه الإلكترودات خالية نسبياً من التداخل، وتوفر وسيلة سريعة وبسيطة ورخيصة لتقدير كميّ للعديد من الأنيونات والكاتيونات المهمة. كما أنّ التجهيزات اللازمة لطرائق مقياسية الكمون بسيطة ورخيصة الثمن، وتتضمن إلكتروداً مشعراً ووسيلة لقياس الكمون. يُستعمل في مقياسية الكمون كمون خلية كهركيميائية تحت شروط راكدة، حيث يقترب التيار المار في الخلية من الصفر. أما الطرائق الكهربائية الديناميكية مثل مقياسية الكولون ومقياسية الفولط أمبير ومقياسية الأمبير؛ ففيها يمر تيار في الخلية الكهركيميائية. وترتكز طرائق مقياسية الكولون على التحلل الكهربائي التام، والمقصود بكلمة تام هو أنّ المادة المراد تحليلها تُؤكسَدُ أو تُرجَعُ كمياً عند الإلكترود العامل أو المشعر. وثمة شكلان لمقياسية الكولون هما: مقياسية الكولون ثابتة الكمون: وفيها يطبق كمون ثابت على الخلية الكهركيميائية؛ ومقياسية ثابتة التيار: وفيها يمر تيار ثابت عبر الخلية الكهركيميائية. أما الشحنة الكلية المارة في أثناء التحلل الكيميائي والمعبر عنها بالكولون فترتبط بكمية المادة المراد تحليلها بقانون فراداي. وتشتمل مقياسية الفولط أمبير على مجموعة من الطرائق التحليلية توفر معلومات عن المادة المراد تحليلها، وذلك بقياس التيار بوصفه تابعاً لكمون مطبق تحت شروط تعزز استقطاب الإلكترود المشعر أو العامل، وعندما يقاس التيار عند كمون ثابت ويكون متناسباً مع تركيز المادة المراد تحليلها فإن هذه التقنية تدعى بمقياسية الأمبير. وعموماً يتعزز الاستقطاب عندما تكون مساحة سطح الإلكترود العامل في مقياسية الفولط أمبير بضعة ميليمترات مربعة على الأكثر أو أقل من ذلك في بعض التطبيقات.
هناك فروق أساسية بين مقياسية الفولط أمبير ومقياسيِّة الكمون والكولون؛ فمقياسية الفولط أمبير ترتكز على قياس التيار الذي ينشأ في خلية كهركيميائية تحت شروط يحدث فيها استقطاب للتركيز، والإلكترود المستقطب هو الإلكترود الذي يطبق عليه كمون يزيد على الكمون الذي تتنبأ به معادلة نرنست Nernst لكي يتسبب بحدوث تفاعل أكسدة وإرجاع؛ في حين أن في مقياسية الكمون تجرى القياسات عند شدة تيار تقترب من الصفر، بحيث لا يكون هناك استقطاب. وتختلف مقياسية الكولون عن مقياسية الفولط أمبير؛ فهي تقلص المؤثرات في استقطاب التركيز إلى حد أدنى أو تعدلها، كما أنّها تقوم بتحويل المادة المراد تحليلها تحويلاً كلياً إلى حالة أكسدة أخرى؛ في حين يكون استهلاك المادة المراد تحليلها في مقياسية الفولط أمبير في حده الأدنى.
2-الطرائق الطيفية:
الطرائق الطيفية :spectroscopic methods هي مجموعة كبيرة من الطرائق التي تعتمد على الطيف الجزيئي أو الذري، والطيفية spectroscopy هي تعبير عن العلم الذي يتعامل مع التأثير المتبادل بين المادة وأشكال أخرى من الطاقة. وقد كان اهتمام الطيفية -تاريخياً- محصوراً في الفعل المتبادل بين الأشعة الكهرطيسية والمادة؛ لكن الطيفية توسعت الآن وأصبحت تتضمن الفعل المتبادل بين المادة وأشكال أخرى من الطاقة مثل الأمواج الصوتية أو حزم من جسيمات مثل الإيونات والإلكترونـات. والمطيــافية والطرائق الطيفية spectrometry and spectrometric methods تعني قياس شدة الأشعة بوساطة محوّل كهرضوئي photoelectric transducer أو أنواعاً أخرى من الأجهزة الإلكترونية وطرائق هذا القياس. تعتمد أكثر طرائق المطيافية على الأشعة الكهرطيسية، وهي نوع من الطاقة تأخذ أشكالاً متعددة، وأكثرها وضوحاً هو الضوء والحرارة المُشِعة، وتظهر أيضاً على شكل أشعة X أو غاما أو على شكل الأشعة فوق البنفسجية والأمواج الميكروية وإشعاعات راديوية. تمثل الأشعة الكهرطيسية بحقول كهربائية ومغنطيسية تتقدم باهتزازات جيبية ويتعامد كل منها مع الآخر ومع اتجاه التقدم أيضاً. ويُعدُّ المكون الكهربائي للأشعة -أي الحقل الكهربائي- مسؤولاً عن معظم الظواهر المهمة، مثل النفوذية والانعكاس والانكسار والامتصاص؛ في حين يُعدُّ المكون المغنطيسي مسؤولاً عن امتصاص أمواج الراديو في الرنين النووي المغنطيسي.
توجد ثلاثة أنواع من الطرائق الطيفية الذرية تستخدم لتعريف العناصر الموجودة في العينة ولتعيين تركيزها وهي: المطيافية الضوئية ومطيافية الكتلة ومطيافية أشعة X؛ ففي المطيافية الضوئية تُحوّل العناصر الموجودة في العينة إلى ذرات غازية أو إيونات أولية بعملية تدعى الإذرار atomization. ويقاس بعدئذ امتصاص الأنواع الذرية في البخار أو إصدارها أو فلورتها في المجالين المرئي وفوق البنفسجي. وفي مطيافية الكتلة تذرر العينة؛ ولكن في هذه الحالة تُحَوّل الذرات الغازية إلى إيونات (عادة وحيدة الشحنة) وتفصل تبعاً لنسبة الكتلة إلى الشحنة، ويتم الحصول على المعطيات الكمية عند عَدِّ الإيونات المفصولة. ولا تحتاج مطيافية أشعة X إلى تذرير لأنّ أطوال الموجة التي تصف خطوط أشعة X تكون مستقلة عن الحالة الفيزيائية أو الكيميائية للعنصر نظراً لأن الإلكترونات التي تدخل في هذه الانتقالات لإعطاء الخطوط الطيفية هي إلكترونات لا علاقة لها بالروابط، ومن ثم فمواقع الخطوط الطيفية للموليبدنيوم لا تتغير، بقطع النظر عن كون الموليبدنيوم بشكله المعدني النقي أو على شكل كبريتيد أو أكسيد.
تعتمد مطيافية أشعة X على قياس شدة إصدار الأشعة الكهرطيسية أو امتصاصها أو فلورتها أو انعراجها أو تبعثرها scattering. تستخدم تقنيتا فلورة أشعة X وامتصاصها استخداماً واسعاً في التعيين الكيفي والكمي لعناصر الجدول الدوري جميعها التي تقع بعد الصوديوم. ويمكن باستخدام ترتيبات معينة تعيين العناصر التي يقع عددها الذري في المجال 10-5.
أشعة X هي أشعة كهرطيسية ذات أطوال موجة قصيرة تنتج من إلكترونات مسرَّعة ذات طاقة عالية، أو من انتقالات إلكترونية بين المدارات الداخلية للذرة. تقع أطوال الموجة لأشعة X بين و متر، وتنحصر أطوال الموجة المستخدمة في مطيافية أشعة X ضمن المجال:
، أنغستروم 2.5 - 0.1
تُولَّد أشعة X لأغراض تحليلية بأربع طرائق:
1- قذف المعدن الهدف بحزمة من الإلكترونات العالية الطاقة.
2- تعريض المادة لحزمة إشعاع أولي من أشعة X لتوليد حزمة أشعة ثانوية من أشعة X المفلورة.
3- استخدام منبع ذي نشاط إشعاعي يعطي تفككه أشعة X.
4- من منبع سينكروتروني synchrotron radiation.
وتجدر الإشارة إلى أنّ توليد أشعة X باستخدام المنبع الأخير يتم فقط في عدد محدود من المخابر، ولم يعمم هذا المنبع حتى اليوم.
تُعطي مصادر أشعة X - على غرار مصادر الأشعة فوق البنفسجية والمرئية- طيوفاً مستمرة إضافة إلى خطوط طيفية؛ إذ لكل نوع من هذه الخطوط أهميته التحليلية. تسمى الأطياف المستمرة الأشعة البيضاء white radiation أو bremsstrahlung وتعني الكلمة الأخيرة الأشعة التي تنشأ من إعاقة الجسيمات.
تتمتع طرائق أشعة X بعدد من الميزات التي قد لا توجد في طريقة طيفية أخرى؛ فالأطياف التي يمكن الحصول عليها بسيطة نسبياً وتكون تداخلات الخطوط الطيفية في حدودها الدنيا، كما أنّ هذه الطرائق غير إتلافية ويمكن استخدامها في تحليل الدهانات واللُّقى الأثرية والمجوهرات وعينات أخرى من دون إلحاق أذى بهذه العينات. يضاف إلى ذلك إمكان إجراء التحليل على العينات التي يراوح مقدارها بين بقع مرئية صغيرة وكتل كبيرة، والميزة الأخرى لهذه الطرائق هي السرعة في إنجاز تحليل عينات متعددة العناصر في زمن لا يتجاوز بضع دقائق، وأخيراً تفوق دقة نتائج هذه الطرائق وصحتها الطرائق التحليلية الموثوقة جميعها أو تكافئها. أما حساسية هذه الطرائق فهي ليست مثل حساسية الطرائق الطيفية الأخرى وتراوح
بين %0,01 و%100، كما أنّ طرائق فلورة أشعة X ليست مناسبة لتعيين العناصر الخفيفة ويصبح القياس أصعب عندما تصبح الكتلة الذرية للعنصر أصغر من 23 (الفاناديوم) بسبب فعل التنافس الذي يخفض الفلورة ويسمى إصدار أوغر Auger emission، ولأجهزة أشعة X الحالية حد كشف أصغري للكتلة الذرية لعناصر معينة وهي بين 5 (البور) و 6 (الكربون)، والعيب الأخير لأجهزة أشعة X هو الكلفة العالية لهذه الأجهزة.
تشبه طرائق امتصاص أشعة X طرائق مطيافية الامتصاص الضوئي المعروفة؛ إذ إن المتغير التحليلي فيها هو إضعاف الحزمة الطيفية أو الخط الطيفي لأشعة X، ويختار طول الموجة بوساطة موحِّد اللون monochromator أو بتقنية ترشيح من الزركونيوم توفر استخدام إشعاع وحيد اللون صادر عن منبع مشع. وبسبب عرض قمم امتصاص أشعة X تستخدم طرائق الامتصاص المباشر عندما يكون المطلوب تعيين عنصر واحد ذي كتلة ذرية كبيرة في حامل عينة sample matrix يتألف فقط من عناصر خفيفة. إن تطبيقات طرائق امتصاص أشعة X محدودة عند مقارنتها بطرائق إصدار أشعة X أو فلورتها، كما أن التقنيات اللازمة لهذه الطرائق مكلفة ولاسيما عند تقليص تأثير حامل العينة إلى الحد الأدنى وأحياناً يصعب تحقيق ذلك.
وعلى غرار الأنواع الأخرى من الإشعاعات الكهرطيسية عندما تمر أشعة X عبر عينة لمادة ما فإن المتجه الكهربائي electric vector للإشعاع سيتبادل الـتأثير مع إلكترونات ذرات المادة فيحدث تبعثراً، وعندما تتبعثر أشعة X في بنية بلورية منتظمة يحدث تداخل في وسط الأشعة المبعثرة، ونظراً لأن المسافة بين مراكز التبعثر تساوي تقريباً طول موجة الإشعاع فإن انعراجاً لأشعة X يحدث. ولقد قدَّم انعراج أشعة X معلومات قيمة للعلوم المختلفة والصناعة. وتُعدُّ الطرائق التحليلية باستخدام انعراج أشعة X من أهم الطرائق المستخدمة في تعيين بُنى بعض المواد الطبيعية المعقدة مثل الستيروئيدات والفيتامينات والمضادات الحيوية. وطريقة انعراج مسحوق أشعة X difraction X-rays powder هي الطريقة التحليلية الوحيدة القادرة على توفير معلومات كيفية وكمية تخص المركبات الموجودة في عينة صلبة؛ فعلى سبيل المثال تستطيع هذه الطريقة تعيين النسبة المئوية لكل من KBr وNaCl في عينة صلبة تحوي هذين المركبين.
يندر وجود طريقة تحليلية خاصة أو انتقائية تجاه نوع واحد من مكونات عينة، وفي أحسن الحالات قد تكون هناك طرائق تحليلية انتقائية لعدد معين من المكونات أو لمجموعة من العناصر المتشابهة في خواصها. لذلك فإنَّ عملية فصل بعض مكونات العينة التي يمكن أن تتداخل في تعيين المادة المراد تحليلها خطوة ضرورية لإنجاح عملية التحليل. ويُعدّ الاستشراب اللوني طريقة الفصل الأولى التي لاقت رواجاً واستخداماً في مناحي الحياة والعلوم جميعها. وتشمل الكروماتوغرافيا العديد من الطرائق التي تسمح بفصل المكونات المتشابهة جداً في خواصها في العينات المختلفة وتعيينها حيث تخفق طرائق الفصل الأخرى بهذه المهمة. وفي طرائق الفصل الكروماتوغرافية جميعها تذاب العينة في الطور المتحرك mobile phase، وقد يكون هذا الطور غازاً أو سائلاً أو مائعاً فوق حرج supercritical fluid. ويمرر الطور المتحرك خلال طور ساكن stationary phase في عمود أو سطح صلب. ويُختار الطوران (الساكن والمتحرك) بعناية شديدة؛ إذ تتوزع مكونات العينة بين الطورين بدرجات معينة، تتحرك مكونات العينة التي ترتبط بشدة بالطور الساكن ببطء في أثناء جريان الطور المتحرك، أما حركة المكوِّنات الأقل ارتباطاً بالطور الساكن فإنها تتحرك على نحو أسرع خلال العمود. ولما كانت حركة مكوِّنات العينة خلال العمود ليست واحدة فإنها ستتحرك بسرعات مختلفة مما يؤدي إلى فصل هذه المكونات ضمن العمود إلى مناطق وشرائط يخص كل منها مكوناً واحداً، لتخرج من العمود بأزمنة مختلفة مما يؤدي إلى سهولة فصلها وتعيينها كيفياً وكمياً باستخدام مكشاف detector مناسب.
مراجع للاستزادة: - D. Attwood, Soft X-Rays and Extreme Ultraviolet Radiation: Principles and Applications, Cambridge University Press, 2007. -B. Bultreckhoff, et al., Handbook of X-Ray Fluorescence Analysis, Springer, 2007. - D. C. Harris, Quantitative Chemical Analysis, W. H. Freeman 2015. - D.A. Skoog, et al., Principles of Instrumental Analysis, Thomson Brooks/Cole, 2007. - D.A. Skoog, et al., Fundamentals of Analytical Chemistry, Thomson Brooks/Cole, 2004. - R. Turton, J. A. Shaeiwitz, D. Bhattacharyya, W. B. Whiting, Analysis, Synthesis, and Design of Chemical Processes (International Series in the Physical and Chemical Engineering Sciences), Pearson 2018. |
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد السابع مشاركة :