بنزين
Gasoline -

البنزين (الغازولين)

سامي كرم

التركيب الكيميائي

متطلبات الجودة الرئيسية

قابلية التطاير volatility

طرائق استحصال البنزين ومكوناته

المواد المضافة additives

ظاهرة الدق

عدد الأوكتان وقياسه

غازولين الطائرات aviation gasoline, Avgas

الغازوهول gasohol

الآثار البيئية لاحتراق الغازولين

 

البنزين benzine أو الغازولين gasoline أو gasolene (واختصاراً gas) -ويسمى أيضاً البترول petrol- مزيج سائل طيار من المشتقات النفطية البالغة الأهمية والمستخدمة لتوليد الطاقة. ولقد سبَّب هذا المزيج في مطلع القرن العشرين مشكلة كبيرة في وجه الصناعات النفطية التي كانت في بداية تطورها آنذاك، ولكنه سرعان ما تحوّل خلال بضع سنوات من منتج ثانوي غير مرغوب فيه إلى دعامة أساسية لا غنى عنها في الحياة المعاصرة، وخاصةً بعد تطور منظومات محركات الاحتراق الداخلي internal combustion engines التي تعتمد البنزين (الغازولين) مصدراً للطاقة، وتعمل وفق مبدأ شمعة الاحتراق spark plug.

يستخدم الغازولين وقوداً لوسائط النقل في محركات الاحتراق الداخلي، وأولها من نوع Otto engine، الذي وضع نموذجَه الأول العالمُ الألماني Nicolaus Otto عام 1876، والذي تفوّق على ما سبقه من تصاميم من حيث الوزن والطاقة والكفاءة. تعاظم الطلب على الغازولين بعد تطور المحركات التي تعمل على شموع الاحتراق spark - ignited engines، وذلك منذ مطلع عام 1890 بعد استثمارها في تصنيع وسائط النقل من قبل العالمين كارل بنز Carl Benz وغوتليب ديملر Gottlieb Daimler.

يتوقف أداء المحرك على المواصفات الفيزيائية والكيميائية للغازولين المستخدم مصدراً للطاقة، ولضمان جودة وقود يناسب متطلبات المحركات المختلفة لا بد أن تتوفر فيه معايير خاصة، ويدرج في الجدول (1) –على سبيل المثال- أهم المواصفات التقليدية لأهم أنواع الغازولين المستخدمة في أوربا:

الجدول (1) المواصفات الفيزيائية والكيميائية لأهم أنواع الغازولين المستخدمة في أوربا.

نوع الوقود

المواصفة الأوربية (EN 228)

وقود عادي

Regular

وقود ممتاز

Super

وقود ممتاز جداً

Super Plus

الكثافة عند الدرجة 15ºس (كغ/م3)

720-775

720-775

720-775

نقطة الغليان ( س)

210

210

210

ضغط البخار (كيلو باسكال)

الشتاء

60-90

60-90

60-90

باقي فصول السنة

45-60

45-60

45-60

الحد الأدنى لرقم (عدد) الأوكتان

رقم (عدد) الأوكتان البحثي RON

91

95

98

رقم (عدد) الأوكتان الحركي MON

82.5

85

88

محتوى الرصاص بالحد الأعلى (مغ/لتر)

13

13

13

محتوى الكبريت بالحد الأعلى (مغ/كغ)

50

50

50

محتوى الأكسجين بالحد الأعلى (% وزناً)

2.7

2.7

2.7

محتوى البنزن (% حجماً)

5

5

5

محتوى العطريات بالحد الأعلى (% حجماً)

35

35

35

محتوى الأوليفينات بالحد الأعلى (% حجماً)

21

21

21

محتوى المتانول بالحد الأعلى (% حجماً)

3

3

3

محتوى الإتانول بالحد الأعلى (% حجماً)

5

5

5

محتوى الإيزوبروبانول بالحد الأعلى (% حجماً)

10

10

10

التركيب الكيميائي

الغازولين مزيج سائل من الفحوم الهدروجينية الطيارة القابلة للاشتعال، المتفاوتة بأطوال سلاسلها (4-12 ذرة كربون)، التي تقع نقاط غليانها ضمن المجال الحراري 40 - 210 °س. ويعد كلٌ من البارافينات والنفتا والعطريات المكوّنات الرئيسية للغازولين، وهي تنتج من التقطير المباشر للنفط الخام، ولتحسين مواصفات القطفات الناتجة لا بد من إجراء معالجات لاحقة تعرف بعمليات التكرير refinery processes، أو أن يتم مزجها بنسب مختلفة بمركبات عضوية أخرى مغايرة للفحوم الهدروجينية مثل الكحولات والإترات.

يمكن تقطير النفط الخام بسهولة وبطريقة مباشرة للحصول على المشتقات النفطية المختلفة، بما فيها الغازولين، لكن كميات هذه المنتجات وجودتها لا تلبي الغرض المطلوب منها، إذ يعادل مردود المنتجات المستخدمة وقوداً للمحركات مثل الغازولين وزيت الديزل وغيره قرابة 50% فقط، في حين تتباين قيمة المردود الأخير وجودة القطفات الناتجة من هذه العملية تبعاً لنوع النفط الخام المستخدم في عملية التقطير. ويبيّن الشكل (1) المجالات الحرارية لنقاط غليان القطفات المختلفة الناتجة من عمليات التقطير، وعدد ذرات الكربون الموافقة لكل قطفة.

الشكل (1) المجالات الحرارية لنقاط غليان القطفات النفطية المختلفة الناتجة من عمليات التقطير، وعدد ذرات الكربون الموافقة لها.

متطلبات الجودة الرئيسية

تطورت عناصر الجودة الرئيسية للغازولين منذ سنوات عديدة مضت، ولكن معظمها يتمحور حول النقاط الثلاث التالية: (محتوى طاقة عالٍ، مكوِّنات مزج صديقة للبيئة، مواد مضافة عالية الكفاءة لتحسين المواصفات)، ومن أهم متطلبات الجودة المطلوبة حالياً في دول العالم المختلفة:

  • أعداد (أرقام) أوكتان عالية يرافقها محتوى طاقة عالٍ للوقود، مما يؤدي إلى عملية احتراق سَلسَة even.

  • متطلبات بنيوية دقيقة للمكونات الرئيسية: وتتمثل بزيادة نسبة البارافينات المتفرعة، وإرجاع محتوى العطريات إلى ( حجم/حـجم)، ومحتـوى الأوليفينات إلى ( حجم/حـجم)، ومحتـوى منخفض من البنزن ( حجم/حجم).

  • عوامل مزج اقتصادية وصديقة للبيئة، وتتميز بمحتوى مناسب من الأكسجين.

  • نسب ملائمة من المواد المضافة.

  • مجال مناسب لنقاط الغليان ولضغط البخار.

  • تشكيل نواتج احتراق صديقة للبيئة نسبياً: يجب أن تحتوي مركبات كبريتية بالحد الأدنى، وأن تكون خالية من الهالوجينات والمعادن ولاسيما معدن الرصاص.

  • توفير الطاقة من خلال المساهمة في خفض استهلاك الوقود ما أمكن.

  • أسعار مناسبة مع سهولة وأمان في الاستعمال.

    قابلية التطاير volatility

    يُعبر فيزيائياً عن قابلية الوقود للتطاير بطريقتين، هما ضغط بخاره وسلوكه خلال عملية التقطير، ويُعد هذا المعيار العامل الناظم لتشكل المزيج الانفجاري وقود/هواء في حجرة الانفجار من الناحية التطبيقية، ومن ثم التحكم بقابلية المحرك للتشغيل والبدء بالعمل في الشروط المختلفة من حر أو برد، كما تسهم قابلية الوقود للتطاير في ضبط انبعاث الغازات من العادم.

    تختلف قابلية الغازولين للتطاير باختلاف محتواه من الفحوم الهدروجينية؛ ولذلك يجب أن يكون للوقود بنية كيميائية محددة تحقق توازناً معيناً ما بين هذه المكونات الرئيسية المتباينة في أوزانها الجزيئية، وفي نقاط غليانها، فمثلاً لا بد من توفر المركبات الخفيفة في الوقود لتلافي مشاكل تشغيل المحرك عند درجات الحرارة المنخفضة، بيد أن زيادة نسبتها تتسبب في صعوبة استعمال الوقود بأمان في المناطق المعتدلة والحارة، كما أن وجود الفحوم الهدروجينية الثقيلة في الوقود بنسب محددة ضروري لتوفير الطاقة المناسبة لتشغيل المحرك، وتتسبب زيادة هذه النسب بتشكل ترسبات في أجزاء المحرك المختلفة، وتؤدي إلى تمديد المزلقات فتحفز عمليات التأكل.

    طرائق استحصال البنزين ومكوناته

    جرت أبحاث علمية كثيرة في مجال الهندسة البتروكيميائية مع الدعم المالي لها لتطوير عمليات تكرير النفط وإصلاحه، إضافة إلى معالجات كيميائية أخرى للحصول على الغازولين أو جزء من مكوناته، وتدرج أهم هذه الطرائق على النحو التالي:

    1- التقطير المباشر distillation: تبدأ عمليات تكرير النفط بالتقطير التجزيئي fractional distillation تحت الضغط الجوي النظامي ودرجة حرارة تصل حتى 400°س للحصول على قطفات مرتبة تبعاً لنقاط غليانها كما يلي: (الغاز المرافق - النفتا الخفيفة - النفتا الثقيلة - الكيروسين - زيت الديزل)، في حين يجري تقطير البقايا في الخلاء. لا يمكن استثمار نواتج التقطير المباشر على شكل غازولين لكونها لا تحقق المواصفات التسويقية المطلوبة؛ ولذلك لا بد من إجراء معالجات لاحقة لتغيير تركيبها الكيميائي، ومن ثم تحسين مواصفاتها.

    2- التكسير الحراري thermal cracking: من المعروف أن تسخين قطفات النفط الثقيلة يؤدي إلى تحطيم مركباتها إلى مزيج من الجزيئات الصغيرة إضافة إلى الفحم، وتطبّق مثل هذه المعالجة الحرارية على البقايا الثقيلة الناتجة من عمليات تكرير النفط للحصول على النفتا، ويجب أن تخضع لمعالجات مكثفة قبل استخدامها على شكل غازولين.

    3- التكسير الحفزي (الوساطي) catalytic cracking: يعد أكثر كفاءة من التكسير الحراري من حيث مردود المنتجات وجودتها، وكانت هذه العملية تجري بادئ الأمر بالمعالجة الحرارية بوجود حفاز من أكسيدي السليكون والألمنيوم ضمن مفاعلات من نوع خاص، ويجري حالياً استخدام الزيوليت zeolite بأنواع متعددة تختلف فيما بينها بمساحة السطح وحجم المسامات.

    4- الإصلاح الحفزي reforming catalytic: تطبق هذه المعالجة على قطفات النفتا الخام التي تغلي ضمن المجال الحراري (80-210°س)، وذلك بوجود حفاز من معدن البلاتين المحمل على أكسيد الألمنيوم مع كميات صغيرة من معادن أخرى مثل الرينيوم. ويجب أن تكون نسبة الكبريت والآزوت (النتروجين) والمعادن الثقيلة مثل الرصاص في اللقائم قبل إجراء عملية الإصلاح الحفزي بالحدود الدنيا لكون الوسيط المستخدم يحوي معادن نبيلة.

    5- الألكلة alkylation: وهي عملية كيميائية تجري بتحفيز حمضي قوي (حمض الكبريت - حمض فلوريد الهدروجين) لضم جزيئين من الفحوم الهدروجينية الخفيفة (بوتِن - بوتان) بهدف تشكيل مركبات متفرعة أثقل، على أن يتم ضبط اتحاد جزيئين فقط لا أكثر.

    6- التماكب (التماثل في التركيب) isomerization: وهي معالجة بنيوية حفزية لتحويل الألكانات الخطية إلى نظيراتها المتفرعة، وتجري عادةً على قطفات النفتا الخفيفة بوجود حفاز من معدن البلاتين المحمل على أكسيد الألمنيوم أو الزيوليت.

    7- المعالجة بالهدروجين hydrogen processing: يعد الهدروجين من أكثر المواد الكيميائية قدرةً على تحسين جودة لقائم عمليات تكرير النفط بسبب فعاليته في إزالة المركبات غير المرغوب فيها، والحاوية الكبريت والآزوت في كلٍ من الغازولين وزيت الديزل.

    المواد المضافة additives

    تضاف إلى الغازولين مواد بنسب مئوية من رتبة أجزاء من المليون، وذلك لتمييزها من المواد المستخدمة في عمليات المزج التي تضاف بنسب مئوية صحيحة، وتتمثل أهمية هذه المواد بجعل أداء الغازولين أفضل. تستخدم المواد المضافة إما بسبب خلل وإما بسبب نقص المكوِّنات الرئيسية (الفحوم الهدروجينية) في الغازولين، وإما بسبب الناحية الاقتصادية عندما تكون إضافة مواد بنسب ضئيلة أفضل مادياً من تغيير التركيب الكيميائي بإحدى الطرائق المذكورة آنفاً، ومن أهم هذه المواد المضافة:

    أ- معزّزات عدد الأوكتان octane enhancers: وهي مواد تضاف لمقاومة ظاهرة الدق knocking في المحركات، ويعد من أشهرها مركب رباعي إتيل الرصاص، ولكن حُظر استخدامه لتأثيره السمي العالي في الغازات الخارجة من العادم، واستبدلت به مركبات عضوية لم تسوق على نطاق واسع، مثل مشتقات الأنيلين الحاوية الآزوت. ويجري حالياً زيادة عدد الأوكتان بمزج الوقود بمكونات حاوية الأكسجين، وخاصة الإترات (ميتيل ثالثي بوتيل الإتر)، والكحولات (إتانول)، وفي بعض الأحيان فحوم هدروجينية ذات منشأ نفطي (تولوين).

    ب- مضادات التأكسد antioxidants: تستخدم لتحسين ثبات المنتج خلال عملية التخزين، وهي بالعموم إما مركبات ثنائية الأمين من النوع بارا - فنيلين ثنائي الأمين para-Phenylenediamines، وإما مشتقات ألكيلية للفينول معوقة فراغياً hindered alkylphenols. تضاف المواد السابقة بكميات كافية تناسب محتوى الغازولين من الألكِنات لمنع أكسدتها، وخاصة الألكِنات المترافقة الثنائية، لكونها المسؤولة عن تفاعلات البلمرة الجذرية بدرجات الحرارة المنخفضة.

    ج - مثبطات المعادن metal deactivators: تستخدم للتخلص من آثار المعادن المرافقة للغازولين ولاسيما معدن النحاس الذي له فعّالية حفزية عالية تسهم في زيادة معدلات تفاعلات الأكسدة؛ ولذلك يتم إضافة مرتبطات (عوامل ممخلبة) ligands - مثل مركب N,N´- disalicylidene-1,2-propanediamine، وبنسب مئوية تصل حتى 10 أجزاء من المليون - ترتبط بالمعدن وتثبط بالتالي تفاعلات الأكسدة.

    د - مثبطات التأكل corrosion inhibitors: غالباً ما ينتقل الماء إلى الغازولين خلال عمليات المعالجة أو النقل أو التخزين؛ ولذلك لا بد من إضافة نسب مئوية ضئيلة (5 أجزاء من المليون) من العوامل الخافضة للتوتر السطحي المنحلة بالزيوت، وتتألف عادةً من سلسلة كربونية كارهة للماء مزوّدة بزمرة وظيفية شغوفة بالماء، مثل: (أمين، حمض كربوكسيلي، إستر).

    هـ - عوامل التنظيف detergents: يمكن أن تتراكم الترسبات deposits في أجزاء المحرك جميعها التي تكون على تماس مباشر مع الوقود، فتؤدي بذلك إلى مشاكل كبيرة تؤثر سلباً في أدائه، ولا توجد حتى اليوم آليات معمقة تُفسر منشأ هذه الترسبات بدقة، كما يمكن أن تتسبب بعض الإضافات المستخدمة لإزالة ترسبات من أجزاء معينة من المحركات بتشكل ترسبات في مواقع أخرى، ولذلك تعدّ إضافة عوامل التنظيف عملية شائكة لكونها تتعلق بمعايير مختلفة، ومن أهم المركبات المستخدمة البوليمرات الأمينية أو الإيميدية، مثل: Polybutene succinimides, Polyisobutylene amines, Polyether amines.

    و - مانعات التجمّد anti-freeze additives: يستخدم هذا النوع من الإضافات في المناطق الباردة فقط لتجنب التجمد في مفحّم محرك السيارة carburetor، ويمكن إضافة مواد فعّالة سطحياً (أمينات، ثنائيات الأمينات، أميدات، إسترات الغليكول للحموض الدسمة)، أو مخفضات نقطة التجمد freezing point depressants، مثل المواد العضوية القطبية الحلولة بالماء (كحولات، غليكولات، ثنائي ميتيل فورم أميد). لا تلاحظ مشكلة التجمد في المناطق المعتدلة والحارة.

    ز - الأصبغة: استخدمت سابقاً أصبغة الآزو azo dyes بتراكيز مئوية منخفضة (أقل من عشرة أجزاء من المليون) لتمييز وقود الغازولين الحاوي الرصاص، وذلك لتجنب استخدامه في تطبيقات أخرى غير ملائمة (كأن يستخدم مذيباً على سبيل المثال)، إضافة إلى إمكان استثمارها في فرز أصناف الغازولين المختلفة في محطات الوقود. ولاتستخدم الأصبغة حالياً للأغراض السابقة، إذ اعتمدت طرائق أخرى مثل قياس الكثافة.

    ظاهرة الدق

    إن التركيب الكيميائي للوقود المستخدم، وتصميم محرك الاحتراق الداخلي هما العاملان الرئيسيان في تفسير ظاهرة الدق. وتحدث هذه الظاهرة نتيجة تفاعلات كيميائية غير مرغوب فيها ضمن حجرة الاحتراق، إذ يجب أن يبدأ احتراق الوقود في محركات الاحتراق الداخلي بفعل شمعة الاحتراق فقط للوصول إلى كفاءة عالية للمحرك، في حين يرافق عملية الاشتعال المبكر عند استخدام وقود سيئ (عدد الأوكتان منخفض) انفجار ما تبقى من مزيج (وقود/هواء)، ويؤدي هذا إلى حدوث ظاهرة الدق التي تتمثل بارتفاع حاد بدرجة الحرارة والضغط داخل حجرة الاحتراق، وتتسبب في حدوث أعطال بالمحركات.

    عدد الأوكتان وقياسه

    إن عدد الأوكتان هو المعيار الأكثر تداولاً للتعبير عن جودة الغازولين المستخدم وقوداً. ويمكن تعريفه: «أنه مقياس للتعبير عن مواصفات عملية احتراق الغازولين في محركات الاحتراق الداخلي، وعلى وجه الخصوص الاحتراق المبكر». ويجب أن يتمتع الغازولين بمعايير بنيوية محددة (مكونات رئيسية وإضافات) تكسبه جودة عالية بما يخص عدد الأوكتان، وذلك لإتمام عملية احتراق الوقود في محركات الانضغاط العالي من دون أن تحدث ظاهرة الدق، شريطة ألا يؤثر ذلك في مواصفاتٍ أخرى للوقود، مثل متطلبات الطاقة العالية. وعليه لا بد من وجود توازن ما بين عدد الأوكتان والخواص الأخرى للغازولين لكسب كفاءة مثالية في أداء المحركات.

    يُعد عدد الأوكتان قيمة نسبية يتم حسابها لوقود ما بتجارب مقارنة بسلسلة مزائج ثنائية مختلفة بنسبها الحجمية لمركبين مرجعيين، هما: نظاميّ الهبتان n-heptane ومركب إيزو الأوكتان 2,4-trimethylpentane اللذان لهما عدد أوكتان صفر و (100) على الترتيب كما هو موضح في الشكل (2).

    الشكل (2) المركبان المرجعيان لأعداد الأوكتان.

    تختبر مزائج الوقود مجهولة أعداد الأوكتان مع المزائج الثنائية المرجعية في نوع خاص من محركات الاحتراق الداخلي رباعية الأشواط single cylinder, four-stroke test engines، والتي طوّرت خصوصاً لإجراء هذه القياسات. يقدّر عدد الأوكتان للوقود على أنه النسبة المئوية الحجمية لمركب إيزو الأوكتان في المزيج الثنائي النظري الذي له مواصفات مماثلة تجاه ظاهرة الدق، يحدد عدد الأوكتان -على سبيل المثال- القيمة 90 للوقود المماثل لمزيج ثنائي يحوي 90% إيزو أوكتان و10% هبتان. يمكن أن يكون لبعض مزائج الوقود أعداد أوكتان أعلى من 100 كما هي الحال في مزائج إيزو الأوكتان الحاوية الرصاص بنسب مختلفة، أو بعض المزائج الحاوية التولوين بنسب عالية.

    يحدد في الاختبارات المرجعية نوعان من عدد الأوكتان ضمن شروط تجريبية مختلفة، هما:

    عدد الأوكتان البحثي Research Octane Number: يرمز إليه اختصاراً (RON)، ويجري اختباره في شروط معتدلة (600 دورة في الدقيقة من دون تسخين مسبق للمزيج، مع توقيت اشتعال ثابت)، وهو يصف سلوك الغازولين خلال عملية الدق عند السرعات المتوسطة والمنخفضة للمحرك.

    عدد الأوكتان الحركي Motor Octane Number: ويرمز إليه اختصاراً (MON)، ويتم وفق شروط أقسى من الاختبار السابق (900 دورة في الدقيقة مع تسخين مسبق للمزيج حتى 150°س، مع توقيت اشتعال متغير)، وهو يصف سلوك الغازولين خلال عملية الدق عند السرعات العالية للمحرك.

    يعدّ عددا الأوكتان البحثي والحركي كافيين لتوصيف سلوك أنواع الوقود المختلفة ومعدلات الدق في المحركات، إذ تكون قيم عدد الأوكتان الحركي أخفض من نظيراتها البحثية لكونها تجري في شروط قاسية، إذ يُعرف الفرق بين القيمتين بالحساسية sensitivity، وتكون هذه القيمة أعلى من الصفر في أنواع الوقود العادية، في حين تتناهى إلى الصفر في أنواع الوقود القياسية الأولية. وللبارافينات قيم حساسية منخفضة، على حين تصل هذه القيم حتى 10 أو أعلى من ذلك في العطريات والأوليفينات. ويمكن توضيح العلاقات ما بين التركيب الكيميائي لمكونات الغازولين معرّفةً بنقاط غليانها بدلالة عدد الأوكتان البحثي في الشكل (3):

    الشكل (3) الخطوط البيانية للعلاقات ما بين نقاط غليان مكونات الغازولين المختلفة بدلالة عدد الأوكتان البحثي.

    غازولين الطائرات aviation gasoline, Avgas

    استخدم الوقود الخاص بالطائرات في بادئ الأمر خلال الحرب العالمية الثانية لأغراض عسكرية بحتة، إذ استعملت القوى الجوية البريطانية زيت المحرك النفاث Jet engine oil، وهو كيروسين الإنارة الحاوي 1% زيت تزليق خفيف، في حين زودت محركات الطائرات الألمانية بمزائج من الغازولين وقطفات التقطير الأعلى، التي لها مجالات أوسع لنقاط الغليان. وبدئ باستخدام قطفات الكيروسين بالمجمل لتشغيل محركات الطيران المدني منذ عام 1953، عندما أدخلت محركات الدفع التوربيني (العنفي) turboprop في الخدمة، وما تزال هذه الأنواع تستعمل على الرغم من ظهور أنواع جديدة من محركات الطائرات النفاثة ذات الاستخدام المدني.

    اقتصر استخدام الغازولين في الملاحة الجوية على محركات الطائرات الخفيفة light aircrafts، وبعض أنواع الطيران المدني القديم فقط، ويتألف هذا النوع من الغازولين من مزيج فحوم هدروجينية ناتجة من عمليات الألكلة والإصلاح الحفزي، وتقع نقاط غليانها ضمن مجال حراري أخفض من المجال الحراري الخاص بغازولين محركات السيارات، ويراوح ما بين (40 و400°س)، وهو ضروري من أجل توزع أفضل لأبخرة الوقود ضمن منظومات التشغيل المعقدة في محركات الطائرات. ويعد ضغط بخار غازولين الطائرات معياراً مهماً يجب أن يُضبط بدقة، وتكون قيمته أخفض من غازولين السيارات لتلافي الغليان في خزانات الوقود وخطوطه وفي المفحّم، لكون الطائرات تعمل على ارتفاعات عالية، حيث يكون الضغط السائد أخفض من الضغط على سطح الأرض.

    الغازوهول gasohol

    نشأت الحاجة إلى مزج مشتقات النفط بمكونات جديدة لا أحفورية من أسباب عديدة، لعل من أهمها التقلص المتسارع لمنابع الوقود الأحفوري، إضافة إلى المتطلبات البيئية الحديثة الرامية إلى خفض انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الدفيئة العالمية، ومن ثم الحد من تلوث الهواء ومقاومة تغيّرات المناخ؛ ولذلك سارعت دول العالم إلى تطوير برامج بحثية جديدة تدرس إمكان تصنيع وقود بديل نظيف باستخدام عوامل مزج مختلفة، ويأتي الإتانول في مقدمتها، لكونه وقوداً حيوياً يمكن إنتاجه بسهولة وبثمن رخيص من مصادر زراعية طبيعية قابلة للتجديد، إضافة إلى تطبيقاته المعروفة بوصفه مادة معززة لعدد الأوكتان.

    يستخدم حالياً مصطلح الغازوهول للتعبير عن مزيج (غازولين-إتانول) بنسب متفاوتة، وتنتشر مزائج الإتانول المنخفضة في أوربا بنسب حجمية تراوح ما بين 5 و10%، في حين تصل حتى 15% في الولايات المتحدة الأمريكية، ويستخدم المزيج المتوسط للإتانول في الأرجنتين بنسب 27-18%، ويرمز إلى هذه المزائج بالحرف (E) بالإنكليزية ملحقاً بعدد يشير إلى النسبة المئوية الحجمية للإتانول اللامائي في المزيج، فمثلاً يعبر الرقم E15 عن مزيج إتانول-غازولين بنسبة مئوية حجمية 15%.

    الآثار البيئية لاحتراق الغازولين:

    تعد وسائط النقل التي تستخدم الغازولين مصدراً للطاقة الملوث الأضخم للهواء بأحادي أكسيد الكربون CO، وأهم مصادر التلوث بأكاسيد الآزوت NOx، إضافة إلى الفحوم الهدروجينية غير المحترقة Unburned Hydrocarbons (UHCs)، والفحوم الهدروجينية متعددة الحلقات العطرية Polycyclic Aromatic Hydrocarbons (PAHs). تُقدر وكالة حماية البيئة Environmental Protection Agency (EPA) في الولايات المتحدة الأمريكية انبعاثات غاز CO الناجمة عن محركات الغازولين بنحو 75%، في حين يصدر ما يقارب 24% من من إجمالي الإصدارات الناجمة عن النشاطات البشرية. وتصنف بعض مكونات الغازولين مواد سامة، مثل البنزن ومركبات المعادن الثقيلة، وفي مقدمتها معدن الرصاص الذي تدرج نواتج احتراق مركباته ضمن قائمة ملوثات الهواء، ويضاف إليها أكاسيد الكبريت الناجمة عن احتراق مركبات الكبريت (المركبتانات)، لكن المعايير العالمية الدقيقة الناظمة لجودة أصناف الوقود جعلت تأثير هذا النوع من الملوثات بالحدود الدنيا.

    ويجري تطوير منظومات محركات الغازولين للحد من تشكل ملوثات الهواء وانبعاثها مع غازات العادم، وذلك من خلال ضبط نسبة (هواء/وقود) للتحكم بنواتج الاحتراق، كما يجري مزج المركبات الغنية بعنصر الأكسجين بالغازولين لإتمام عملية احتراق الفحوم الهدروجينية، ومن ثم الحصول على غاز ثنائي أكسيد الكربون والماء بوصفهما نواتج احتراق، وذلك في محاولة للتخلص من نواتج الاحتراق غير الكامل، مثل أكسيد الكربون والفحوم الهدروجينية غير المحروقة. وتعد جميع الإجراءات السابقة غير كافية، إذ لا بد من وجود منظومات خاصة لمعالجة انبعاث الغازات الناجمة عن عوادم السيارات وضبطها catalytic exhaust aftertreatment، هذه المنظومات أثبتت أنواعها الحديثة مقدرة عالية على التخلص من قرابة 96% من الملوثات مقارنةً بتراكيزها قبل المرور ضمن هذه الأنظمة.

مراجع للاستزادة:

- W. Dabelstein et al., Automotive Fuels, Ullmann’s Encyclopedia of Industrial Chemistry, Wiley-VCH, Weinheim, Germany, 2016.

- J. Hancsök, Gasoline Fuels for Spark-Ignition Internal Combustion Engines, Kirk-Othmer Encyclopedia of Chemical Technology, Wiley Online Library, USA, 2016.

- F. Pradelle, et al., Gum Formation in Gasoline and Its Blends: A Review, Energy & Fuel (ACS), USA, 2015.


- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1