بلح بحر
Mussel -

بلح البحر

محمد منصور بكر

صفاته

تكاثره

بيئته وتوزعه

فوائد بلح البحر وأهميته

اهميته الاقتصادية

استزراع بلح البحر

 

بلح البحر mussel حيوان بحري يتميّز بقوقعة مؤلفة من مصراعين يرتبطان معاً من ناحيتهما الظهرية، وبقَدَمٍ بشكل الإسفين، ومن هنا أتى اسم الصف الذي ينتمي إليه، وهو ثنائيات المصاريع Bivlavia، والتي تسمى أيضاً إسفينيات القدم Pelecypoda.

ينتمي بلح البحر إلى شعبة الرخويات Mollusca صف ثنائيات المصاريع، رتبة البلحانيات Mytiloida، فصيلة البلحيات Mytilidae وقد أخذت هذه الحيوانات اسم البلح لتشابه شكل الصدفة مع ثمرة البلح. والكثير يرى أن تسمية بلح البحر تعود إلى الجنس Mytilus الشائع الانتشار، بيد أن هناك أجناس أخرى يمكن أن تُجمَع مع الجنس المذكور في الفصيلة نفسها، منها آكل الصخر Lithophaga وModiolus وBrachidontes وبلح البحر الوحشي Dreissena. ويطلق كذلك على بلح البحر اسم البيت المدرّع بسبب حمايته بالقوقعة القوية، لكن ثمة أنواع تعيش في المياه العذبة، ينتمي معظمها إلى رتبة Unionoida.

صفاته

يعيش الحيوان ضمن صدفة مكونة من مصراعين متطابقين يجتمعان من ناحيتهما الظهرية برباط مفصلي مطاطي يسمح بانفراجهما من الناحية البطنية، وينغلقان بوساطة عضلات مُقَرِّبة تعمل مضادة للرباط المفصلي. أجسامها الرخوة مغلقة كلياً بثنية مكونة من غشاء يسمى الرداء mantle أو البُرْنُس الذي يفرز الصدفة التي تأخذ ألواناً عديدة أهمها العسلي والبني والأسود، وتُزَيِّنها من الخارج خطوط متوازية تسمى خطوط النمو لأنها تدل على عمر الحيوان.

تتكون الصدفة من ثلاث طبقات: خارجية قرنية، ومتوسطة خزفية أو كلسية، وطبقة داخلية رقيقة تتركب من كربونات الكلسيوم ومادة الكونكيولين conculin، وهي التي تشكل اللؤلؤ (الشكل 1).

الشكل (1) الشكل الخارجي لبلح البحر.

يتألف جسم الحيوان من قدم بطنية الموقع ومن كتلة حشوية ظهرية. يقع جوف الجسم في أقصى المنطقة الظهرية للكتلة الحشوية، ويتمثل بجوف صغير هو الجوف التاموري peritoneal cavity حيث يقع القلب. ويوجد بين الجسم وفصي الرداء شفع من الغلاصم صفيحية الشكل، وعند قاعدة القدم ومن جهة البطن تنتشر خيوط لاصقة تسمى الرَسَن (النسّالة) byssusتسمح للحيوان بالتثبت على مُرتَكَزات.

لا يملك بلح البحر رأساً محددة مميّزة، وله فتحة فم محاطة بلامستين. تغطي سطح الغلاصم أهداب مهتزة تسمح بدوران مستمر للمياه لتسهيل تبادل الغازات؛ وبوصول الجزيئات الغذائية إلى الفم لأنه يتغذى بالترشيح filter feeder. وتكون القدم نامية في كائنات المياه العذبة، وصغيرة أو ضامرة جداً في الأنواع البحرية (الشكل 2).

الشكل (2) رسم لوجه بطني مفتوح لبلح البحر.

تكاثره

الجنسان منفصلان، وتختلف الذكور عن الإناث عند البلوغ الجنسي حيث يكون لون الرداء برتقالياً عند الذكور وأبيض عند الإناث. وتضع الأنثى آلاف البيوض، يجري تخصيبها خارجياً عند الأنواع البحرية، في حين يكون داخلياً عند معظم أنواع المياه العذبة، وتعطي بيوضها المخصبة (الملقحة) يرقة تسمى غلوكيديوم glochidium، وهي يرقة طفيلية تتعلق فترة من الزمن بعائل قبل سقوطها إلى القاع. أما الأنواع البحرية فتكون يرقاتها الناتجة من الإخصاب حرة ومُهَدَّبَة، وتمثل جزءاً من العوالق الحيوانية قبل هبوطها إلى القاع للتثبت. وتختلف فترة التكاثر من نوع إلى آخر، ولكن معظمها يتم خارج الفصل البارد (الشكل 3).

الشكل (3) دورة حياة بلح البحر.

بيئته وتوزعه

تعد البحار البيئة الطبيعية لبلح البحر، لكن بعض أجناسه يمكنه العيش في مصبات الأنهار، وفي البحيرات والجداول؛ ماعدا المناطق القطبية، ويعيش ملتصقاً بالصخور والحصى بفضل (الرَسَن)، وبعضه يتحرك في الرسوبيات باستعمال قدمه العضلية التي تستخدم كالمرساة.

تغزر أفراده في المنطقة الشاطئية الوسطى mediolittoral والدنيا infralittoral في البحار المعتدلة، وفي المنطقة الشاطئية الدنيا في البحار الاستوائية، لكن بعضها -كالنوع Brachidontes variabilis- يغزر حتى في المناطق القليلة الغمر بالماء، وبعض أنواعه يعيش في أعماق تصل إلى 1300م، وبعضه الآخر يعيش في المستنقعات المالحة.

يعدّ النوع مَيْتيلوس الطَعام Mytilus edulis الذي يسمى بلح البحر الأزرق؛ الأكثر شهرة في العالم من حيث الاستزراع، وينتشر في العديد من شواطئ العالم وخاصة في الشواطئ الأوربية، كما يُعَد النوع
M. galloprovincialis (مَيْتيلوس الغالِيّ، نسبة إلى مقاطعة الغال في فرنسا) من أكثر الأنواع المعروفة في البحر المتوسط وخاصة في جزئه الغربي (الشكل 4).

الشكل (4): أ- نوع بلح البحر Mytilus edulis، ب – نوع بلح البحر M. galloprovincialis

فوائد بلح البحر وأهميته

أهميته البيئية: إضافة إلى الدور المهم لأنواع البلح في السلاسل الغذائية المائية؛ فإنها تقوم بدور كبير في تخليص المياه من الملوثات وخاصة المعادن الثقيلة، وبالتالي يُعِدها بعض الباحثين مُرَشِّحات حيوية للتخلص من تلوث المياه؛ مع بعض الشكوك حول ذلك الدور بالنسبة إلى الأنواع التي تُستَهلَك من قِبَل البشر. وقد استُخدِم بعضُها حديثاً لمراقبة تلوث المياه في البحر المتوسط بالمعادن الثقيلة وغيرها، وذلك من خلال طرائق سريعة وفعالة؛ كاستعمال النوع M. galloprovincialis في غربي المتوسط والنوع Brachidontes variabilis في شرقي المتوسط.

سَبَّب بعض هذه الحيوانات -مثل بلح البحر الوحشي Dreissena polymorpha- مشاكل بيئية واقتصادية في بعض البحيرات تتمثّل بالتأثير في محطات توليد الكهرباء ومحطات تنقية المياه وفي محركات المراكب وذلك بتثبتها على السطح الداخلي للأنابيب في هذه المؤسسات، فتعرقل مسار المياه فيها. ويمكن أن تكون لبعض أنواع بلح البحر أضرار تتمثّل في مشاركتها في تشكيل «الحشف البحري» marine fouling -وهو الطبقة التي تغطي السطح الخارجي للمراكب والمنشآت البحرية والمؤلفة من مجموع هذه الكائنات مع الطحالب والأشنيات البحرية- الذي يضر بالمراكب والمنشآت المذكورة.

أهميته الاقتصادية

1- قيمته الغذائية: يمثل بروتين بلح البحر الجزء الأساسي المستَهلَك من البلح، تتبعه السكريات ومن ثم الدهون. وهو مصدر ممتاز للفيتامين والسيلينيوم والتوتياء وأملاح حمض الفوليك (الفولات folate). ومن أنواع البلح ذات الدور الغذائي المهم للإنسان البلح الأزرق وغيره في الكثير من دول العالم وخاصة في أوربا وشرقي آسيا.

2- إنتاج اللؤلؤ: يُعَدّ إنتاج اللؤلؤ من بعض أنواع بلح البحر أحد أهم الموارد الاقتصادية لكثير من سكان المناطق الشاطئية، كما تدخل أصداف الكثير من أنواعه في صناعة أزرار الملابس وفي علف الدواجن.

3- أهميته الطبية: تتمثل الأهمية الطبية الكبيرة من خلال استخراج مواد يمكن استخدامها علاجاً لمرض التهاب المفاصل وإعادة بناء غضاريفها وإزالة الألم الناتج من تآكلها. كما تستخرج منه مادة لاصقة هي مجموعة بروتينات لاصقة تمنع التسرب وتساعد على علاج العيوب التي تصيب الغشاء النسيجي المحيط بالجنين البشري التي تنتج عن الجراحة بالمنظار.

استزراع بلح البحر

تم العثور على أصداف بلح البحر الأزرق فى مخلفات مطابخ يعود تاريخها إلى 6000 سنة قبل الميلاد. وحتى القرن التاسع عشر كان يتم حصاد البلح من مواطنه الطبيعية في أوربا لاستهلاكه طعاماً أو طعماً لصيد الأسماك أو سماداً، ويعود استزراع بلح البحر إلى القرن الثالث عشر في فرنسا. وقد شهدت بدايات السبعينيات من القرن العشرين تحسناً في أساليب الاستزراع التقليدي بتطوير تقنيات جديدة تعتمد استخدام الاستزراع المعلق. ويعد بلح البحر الأزرق الأوسع انتشاراً في هذا المجال، ويرجع ذلك إلى تحمله التغيرات الكبيرة في الملوحة (4- 35%) والجفاف ودرجة الحرارة (5-29˚س) وتركيز الأكسجين. ويمكن أن تصل سماكة تجمعاته إلى نحو 1.2 متر، وتصل الأفراد إلى أحجام كبيرة خلال فترة قصيرة، كما يمكن أن تعيش الأفراد حتى 18-24 سنة. ويتجمع البلح في الطبيعة في تكتلات في الفراغات المفتوحة، فهي تبني تجمعات بسرعة كبيرة يطلق عليها «المهاد».

تُظهِر دورة تكاثر بلح البحر تفاوتاً زمنياً ومكانياً، ويمكن أن تختلف دورة التكاثر هذه مع خطوط العرض، إضافة إلى إمكانية حثها مباشرة بتوفير الغذاء والحرارة، وقد ساهمت الخصوبة العالية والقدرة الكبيرة لتحرك اليرقات في نمو استزراعه.

المَفرَخات: يُعَدّ الإمداد بالزريعة (يرقات البلح) واحداً من أساسيات نشاط استزراع بلح البحر، وكانت بداية استخدام الزريعة المُنْتَجَة من المَفرَخات الاصطناعية في الصين. وتتيح تلك المفرخات إنتاجاً منتظماً وثابتاً من الزريعة، إضافة إلى إنتاج أنواع وسلالات منتقاة. ويعتمد التفريخ الاصطناعي على أقلمة أفراد بالغة من بلح البحر باستخدام التغذية بالطحالب وضبط درجة الحرارة، حيث تتم محاكاة دورة النضج الطبيعية. ويحدث التبويض بإحداث صدمة حرارية أو بالاستحلاب، وعقب الإخصاب تستغرق اليرقات نحو 24 ساعة للوصول إلى مرحلة المفصل المستقيم.

تتم تغذية اليرقات بحسب الحاجة، وتُترَك لتنمو حتى تصبح جاهزة للتثبت على الحبال ويكون ذلك عندما يصبح عمرها 13-15 يوماً، وبعد إعدادها في أحواض التجهيز يتم نقلها إلى الحضّانة عندما يصبح طولها
1 مم، وتترك اليرقات هناك لتصل إلى 6-10 مم، ثم تُنقَل إلى وحدات التربية.

تستخدم تقنيات متعددة للتربية، أهمها:

أ- الاستزراع على القوائم الخشبية (الأوتاد): وتتم بتثبيت القوائم الخشبية في صفوف على تربة قاع منطقة المد tide area (الشكل 5)، ويبلغ طول القائم الخشبي 4-7 م، يظهر منه 2-3 م فوق القاع، وقطره 15-25 سم. وتستخدم في ذلك حالياً أنواع مختلفة من الخشب مثل البلوط والصنوبر.

الشكل (5) تربية بلح البحر على القوائم الخشبية.

يبلغ طول منشآت التربية 50-60م، يوضع فيها 120-130 قائماً خشبياً في صف واحد أو صفين لجمع اليرقات، و80-90 قائماً للتربية. ويجب أن تُترَك مسافة قدرها 25 متراً على الأقل بين كل تجمع وآخر.

تتجمع اليرقات بكثافة كبيرة خلال الربيع وتلتصق مباشرة على القوائم الخشبية أو على حبال ليف جوز الهند الممتدة بين القوائم، وتُنقَل الزريعة بعد ذلك في الصيف إلى شباك منسوجة بشكل أنبوبي يتم تثبيتها حول قوائم التربية. ونتيجة لذلك تنتشر زريعة بلح البحر لتغطي سطح القائم الخشبي كله، ويُنتِج كل قائم نحو 60 كغ منه.

ب- الاستزراع المعلق: يُجرى في المناطق التي يكون فيها المد والجزر ضعيفين كالبحر المتوسط؛ أو في المناطق العميقة ولو كانت في بحار شديدة المد والجزر. يتم في هذه التقنية استخدام طوق طوله نحو 12 م بحيث يبقى البلح المستزرَع بعيداً عن القاع ويُنتِج كل طوق نحو 45 طناً من البلح خلال دورة تربية مدتها 18 شهراً (الشكل 6). وتعد هذه التقنية الأحدث في أساليب تربية بلح البحر.

الشكل (6) الاستزراع المعلق لتربية بلح البحر.

تم استحداث نظام الخطوط الطويلة المغمورة في فرنسا بغرض مقاومة أثر العواصف والأمواج، وهو نظام يُطَبَّق بصفة خاصة في المناطق شديدة المد والجزر. وتُتيح هذه التقنية إنتاج نحو 18-20 طن/هكتار/سنة.

ج- الاستزراع الأفقي القاعي: طُوِّرَت هذه الطريقة من السابقة، وتقوم على نظام متعدد الخطوط الطويلة، تُستخدَم فيها 7-9 حبال رئيسية. وتُعَد حبال بلح البحر مؤقتةُ الغمرِ جزءاً من معاملات الاستزراع التي تشمل إنزال المحصول تحت سطح الجليد في شهور الشتاء. ويُعَد التحكم في الطفو أحد ضروريات هذا النظام، حيث يتم توصيل العوامات بعضها مع بعض بوساطة حبال أفقية، يتدلى منها عدد كبير من الحبال الرأسية التي ينمو عليها البلح (الشكل 7).

الشكل (7) طريقة الاستزراع الأفقي القاعي لبلح البحر.

وفي كل الطرائق المتبعة يجب على المُرَبّي التخلص من المُفتَرِسات والحشائش المائية في أثناء دورة التربية.

مراجع للاستزادة:

-S. M. Aypa, Mussels culture In Selected papers on mollusk culture- FAO, Fisheries and Aquaculture Department, 1990.

-B. L. Bayne, Marine Mussels: Their Ecology and Physiology. Cambridge University

Press.1976.

-Fiches FAO, d’identification des espèces pour les Besoins de la pêche, Rome 1987.

- A. G. Landis, Immersion: The Science and Mystery of Freshwater Mussels, Island Press 2017.

-A. Llamas, I. Sánchez . Mussels: Hard-Shelled Mollusks. Gareth Stevens Pub., 1997.


- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1