بحوث عمليات
Operations research -

بحوث العمليات

أديب كولو- قصي كنفاني

تعريف بحوث العمليات

فروع بحوث العمليات

المراحل الأساسية في بحوث العمليات

نماذج بحوث العمليات

 

تعود جذور هذا العلم إلى منتصف القرن السادس عشر مع بداية الثورة الصناعية، ولكن استعمال كلمة «بحوث العمليات operations research» ظهرت مصطلحاً مستقلاً في غضون الحرب العالمية الثانية في إنكلترا والولايات المتحدة للدلالة على البحوث الموجهة نحو العمليات الحربية أو البحوث التحضيرية للعمليات الحربية. فقام البريطانيون مع الإدارة العسكرية الأمريكية باستدعاء عدد كبير من العلماء والباحثين في جميع الاختصاصات: فيزياء ورياضيات وعلم أحياء وعلم نفس، وغير ذلك لحل المشاكل الاستراتيجية والتكتيكية، فأنشؤوا جيشاً للعمليات، هذه الفرق من العلماء كانت الأولى التي طورت الطرق الفعّالة لعمليات الجو والبحر والأرض المختلفة والنشاطات في كل عملية، وكان لها الدور الأبرز في فوز الحلفاء في الحرب.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عاد معظم العلماء الاختصاصيين في فرق بحوث العمليات إلى الحياة المدنية محاولين تطبيق بحوث العمليات لحل معضلات مدنية مشابهة، فاستفادت من تطبيقاتها مؤسسات صناعية وتجارية كثيرة في معالجة مشكلات كثيرة، مثل برمجة الإنتاج والتخزين والتوزيع والتجهيزات وغيرها. ومن أوائل تطبيقات بحوث العمليات ما جرى في المؤسسات الكبيرة ذات الأرباح العالية، إذ أخذت الشركات النفطية بتطبيق أسلوب البرمجة الخطية في تخطيط الإنتاج وبأوسع المستويات، كما استفادت من تطبيقات بحوث العمليات مصانع البتروكيمياويات، إضافة إلى المجالات التي تتطلب اتخاذ قرارات تستند إلى أسس علمية.

تعريف بحوث العمليات

يمكن تعريف بحوث العمليات عموماً بأنها تطبيق الطرق الرياضية والإحصائية في مشكلات الإدارة وغيرها، بهدف العثور على حلول مثلى لها. وثمّة تعاريف أخرى لمفهوم بحوث العمليات، منها: التعريف الذي اعتمدته جمعية بحوث العمليات البريطانية التي عرفت بحوث العمليات بأنها: «استخدام الأساليب العلمية لحل المعضلات المعقدة في إدارة منظومات كبيرة من القوى العاملة والمعدات والمواد الأولية والأموال في المصانع والمؤسسات الحكومية، وفي القوات المسلحة». أما جمعية بحوث العمليات الأمريكية فقد اعتمدت التعريف التالي: «ترتبط بحوث العمليات باتخاذ القرارات العلمية حول كيفية تصميم منظومات المعدات- القوى العاملة وعملها وفقاً لشروط تتطلب تخصيصاً في الموارد النادرة».

فروع بحوث العمليات

يمكن عموماً تقسيم بحوث العمليات إلى الفروع التالية:

1- البرمجة الرياضية mathematical programming: وتشتمل على:

  • البرمجة الخطية المستمرة continuous linear

    programming.

  • البرمجة اللاخطية non- linear.
  • البرمجة الخطية بالموسطات (البارامترات)parametric .
  • البرمجة الخطية في ظروف احتمالية stochastic.
  • البرمجة الخطية ذات المتغيرات الصحيحة integer.
  • البرمجة الخطية ذات المتغيرين صفر- واحد.
  • البرمجة اللاخطية، ومنها البرمجة التربيعية

    quadratic.

  • الجبر المنطقي ونظرية المعلومات.

    2- مشكلات الانتظار والمحاكاة.

    3- إدارة التخزين.

    4- نظرية التجهيزات أو الموثوقية.

    5- نظرية التخطيط الشبكي.

    6- البرمجة الديناميكية dynamic.

    7- نظرية السجال أو الألعاب الاستراتيجية.

    المراحل الأساسية في بحوث العمليات

    إن أول مرحلة في بحوث العمليات هي وضع نموذج أو صيغة للمشكلة قيد البحث، ويعرف النموذج بأنه عملية تمثيل لمكونات المشكلة والعوامل المؤثرة والظروف المحيطة بالمشكلة وكيفية الربط بينها. يمر تطبيق أي نموذج من نماذج بحوث العمليات بخمس مراحل:

    1- تعريف المسألة تعريفاً دقيقاً، ويشمل ذلك ثلاثة عناصر رئيسية من مسألة القرار: وصف بدائل القرار، تصميم هدف الدراسة، وصف القيود constraints التي تعمل تحتها هذه المسألة.

    2- بناء النموذج المطلوب، ويتم ذلك بتحويل المسألة إلى علاقات رياضية بحيث تُلائم أحد النماذج الرياضية الرئيسية كالبرمجة الخطية وغيرها، ويتم تبسيط العلاقات الرياضية المعقدة لتصميم حل تحليلي.

    3- إيجاد حلول هذا النموذج، وهي مرحلة سهلة؛ لأنه يتم تطبيق خوارزميات لتحقيق الأمثلية المطلوبة، ويتم أيضاً تحليل الحساسية sensitivity analysis عندما تكون بعض البارامترات غير محددة بدقة، وإيجاد الحلول القصوى عند البارامترات المخمّنة.

    4- اختيار الحلول الموافقة للنموذج، وهي مرحلة مراقبة سلوك النموذج باستخدام هذه الحلول، بحيث يكون ناتج الدراسة مقنعاً ولا يتضمن مفاجآت، أي إن النموذج مستند إلى الفحص الحذر للبيانات.

    5- تطبيق الحلول المثالية، وهذا يتضمن ترجمة النتائج إلى أوامر للتشغيل.

    نماذج بحوث العمليات

    أصبحت النماذج المتداولة في إطار بحوث العمليات كثيرة وغنية، ويصعب استعراضها كلّها. ومن هذه النماذج:

    1- نماذج التخزين

    بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي جلبت معها الدمار شبه الشامل للمعامل والمصانع ولمستودعات المواد الأولية وللمنتجات المصنّعة، برزت الحاجة الملحّة إلى تلبية متطلبات الملايين من المستهلكين للمواد الغذائية وغير الغذائية. وبالنظر إلى ضخامة حجم المواد اللازمة أعار العديد من الاقتصاديين أهمية خاصة للجوانب الاقتصادية في توفير هذه المواد، ومنهم الاقتصادي البريطاني ويلسون Wilson الذي ركّز جلّ اهتمامه على تحديد الحجم الأمثل للطلب، وعلى لحظة البدء بتلبيته.

    وتتوفر نماذج أخرى في التخزين عندما يوجد حسم على الأسعار بحسب الكميات المطلوبة ونحوها.

    2- نماذج البرمجة الخطية

    تُعدّ البرمجة الخطية linear programming من أهم النماذج المستخدمة في بحوث العمليات لبساطتها وانتشارها الواسع، وسميت بهذا الاسم لأن جميع العلاقات والمعادلات فيها خطية، فلا يوجد فيها متغيرات مرفوعة لأس ولا مضروبة ببعضها. وفي هذا المجال يُفرّق بين العلاقات التي تمثل التابع الاقتصادي (دالة الهدف)، أي التي تعبّر مثلاً في برامج الإنتاج عن الأرباح المتحققة من تبني برنامج إنتاجي معين، أو التكاليف الناجمة عن هذا التبني، وبين العلاقات التي تمثل القيود التقنية أو التجارية وغيرها التي تحدّ من الإنتاج (مثل الطاقات الإنتاجية للآلات والكميات القصوى الممكن تصريفها من السلع في الأسواق المعنية وغيرها).

    ومن أهم طرائق البرمجة الخطية الشهيرة طريقة سمبلكس simplex لمؤلفها جورج دانتزيغ George Dantzig، التي تسمح بإيجاد الحل الأمثل للبرامج الخطية، والتي انتشرت انتشاراً واسعاً، وظهرت أشكال عديدة منها نتيجة إدخال تطويرات مستمرة عليها.

    تتألف أي مسألة من مسائل البرمجة الخطية من ثلاث مراحل:

    1- تحديد المتغيرات في المسألة، وهي التي يجب حسابها.

    2- تعيين دالة الهدف، سواء أكان المطلوب أكبر ما يمكن أم أصغر ما يمكن.

    3- تحديد القيود التي تعبر عنها المسألة، بحيث لا يخرج الحل عنها.

    فإذا كانت المتغيرات عددها، وكان عدد القيود فإن المسألة تأخذ شكل المعادلة (1):

    والقيود: (المعادلات 2، 3، 4، 5)

    حيث إن دالة الهدف يطلب أن تكون أكبر ما يمكن maximize أو أصغر ما يمكن minimize، والمتغيرات في هذه الحالة ليست سالبة، ولكن في الحالة العامة قد تكون سالبة أو غير مقيدة بإشارة (سالبة أو موجبة)، أما القيود فهي كلها مترجحات أصغر أو يساوي، ولكن يمكن أن تكون أكبر أو يساوي أو مساواة. يمكن اختصار هذه المعادلات وكتابتها كما في المعادلات (6، 7، 8):

    أما الشكل المعياري (النظامي) للبرمجة الخطية فتكون فيه دالة الهدف أكبر ما يمكن، فإذا كانت أصغر ما يمكن تضرب بـ لتصبح أكبر ما يمكن، وتكون المتغيرات جميعها غير سالبة، فإذا كانت سالبة تضرب بـ ، أو غير مقيدة بإشارة يعوض عنها بطرح عددين ليسا بسالبين، مثل ، حيث إنّ . أما ما يخص الطرف الأيمن للقيود فيكون موجباً وإلا حوّل إلى موجب، وكل القيود أصغر أو يساوي، ويتم تحويلها إلى مساواة بإضافة متغيرات موجبة تدعى slack variable، مثل القيد يصبح ، أما إذا كانت القيود أكبر أو يساوي فتحول إلى مساواة بطرح الفائض surplus variable، مثل القيد يصبح ، فمثلاً لتحويل النموذج الآتي إلى الشكل النظامي (المعادلة 9):

    القيود

    غير مقيد بإشارة

    ويصبح الشكل النظامي (المعادلة 10):


    القيود

    فيصبح عدد المتغيرات الجديد دوماً أكبر أو يساوي عدد القيود .

    ولحل مسائل البرمجة الخطية بطريقة السمبلكس Simplex تفرض بداية متغيراً معدوماً، وتحل جبرياً المعادلات الـ الباقية بـ متغيراً، ولتوضيح طريقة السمبلكس يطرح المثال الآتي:

    مسألة: في منشرة لصنع المقاعد والطاولات والكراسي يمثل الجدول (1) ما يحتاج إليه كل منها:

    الجدول (1)

    المصدر

    المقعد

    الطاولة

    الكرسي

    الخشب

    8 ألواح

    6 ألواح

    لوح واحد

    ساعات التركيب

    4

    2

    1.5

    ساعات النجارة

    2

    1.5

    0.5

    فإذا كان هناك 48 لوحاً من الخشب، و20 ساعة للتركيب، و8 ساعات متاحة للنجارة فقط، وكان الربح في المقعد 60 وحدة نقدية، وفي الطاولة 30 وحدة نقدية، وفي الكرسي 20 وحدة نقدية، وكان الطلب على المقاعد والكراسي غير محدد، ولكن الطلب على الطاولات لا يتجاوز الـ 5، احسب الربح الأعظمي الذي تجنيه هذه المنشرة.

    الحل: بفرض أنّ هو عدد المقاعد المنتجة، وأنّ هو عدد الطاولات المنتجة، وأنّ هو عدد الكراسي المنتجة، فيكون المطلوب (المعادلة 11):

    القيود

    فيكون الشكل النظامي لهذه المسألة هو (المعادلة 12):

    القيود

    ترتب النتائج في جدول السمبلكس كما يلي (الجدول 2):

    (الجدول 2)

    تكرار 01

    المقاعد

    الطاولات

    الكراسي

               

    المتغيرات

    X1

    X2

    X3

    S1

    S2

    S3

    S4

    الحل

    النسبة

    S1

    8

    6

    1

    1

    0

    0

    0

    48

    48/8=6

    S2

    4

    2

    1.5

    0

    1

    0

    0

    20

    20/4=5

    S3

    2

    1.5

    0.5

    0

    0

    1

    0

    8

    8/2=4

    S4

    0

    1

    0

    0

    0

    0

    1

    5

    -

    Z(max)

    -60

    -30

    -20

    0

    0

    0

    0

    0

     

    حيث نقلت دالة الهدف إلى الطرف الثاني حتى تبدأ من القيمة المعدومة (المعادلة 13).

    لتحديد عمود الارتكاز يبحث عن أصغر قيمة سالبة في معاملات الدالة فيكون هو عمود العدد ، ثم تحسب النسب للطرف الأيمن للقيود (عمود الحل) على عناصر هذا العمود بالتوافق بحيث لا يقسم على صفر ولا تكون النتيجة سالبة، ثم تختار القسمة الصغرى بينها لتحديد سطر الارتكاز، وهي هنا القيمة 4، فتقاطع السطر مع العمود في عنصر الارتكاز وهو هنا العدد ، وهذا هو التكرار الأول . في التكرار الثاني يدخل متغير العمود مكان متغير السطر ، ثم يجعل عنصر الارتكاز مساوياً للواحد بتقسيم عناصر سطره على أمثاله 2، ثم تجعل عناصر عمود الارتكاز ما عدا عنصر الارتكاز معدومة، وذلك بضرب سطر الارتكاز بـ وجمعه مع السطر الأول، ثم ضرب سطر الارتكاز بـ وجمعه مع السطر الثاني، أما السطر الثالث فهو صفر فلا يتغير، وأما سطر الدالة فيضرب سطر الارتكاز بـ 60 ثم يجمع معه، ويكون الحل (المعادلة 14):

    .

    لتحديد عمود الارتكاز يبحث عن أصغر قيمة سالبة في معاملات الدالة فيكون هو عمود العدد ، ثم تحسب النسب للطرف الأيمن للقيود على عناصر هذا العمود بالتوافق بحيث لا يقسم على صفر ولا تكون النتيجة سالبة، ثم تُختار القسمة الصغرى بينها لتحديد سطر الارتكاز، وهي هنا القيمة 8، فتقاطع السطر مع العمود في عنصر الارتكاز وهو هنا العدد (الجدول 3).

    الجدول (3)

    تكرار 02

    المقاعد

    الطاولات

    الكراسي

               

    المتغيرات

    X1

    X2

    X3

    S1

    S2

    S3

    S4

    الحل

    النسبة

    S1

    0

    0

    -1

    1

    0

    -4

    0

    16

    -

    S2

    0

    -1

    0.5

    0

    1

    -2

    0

    4

    4/0.5=8

    X1

    1

    0.75

    0.25

    0

    0

    0.50

    0

    4

    4/0.25=16

    S4

    0

    1

    0

    0

    0

    0

    1

    5

    -

    Z(max)

    0

    15

    -5

    0

    0

    30

    0

    240

     

    في التكرار الثالث يدخل متغير العمود مكان متغير السطر ، ثم يُجعل عنصر الارتكاز مساوياً للواحد بضرب عناصر سطره بـ 2، ثم تجعل عناصر عمود الارتكاز ما عدا عنصر الارتكاز معدومة، وذلك كما جرى في التكرار الثاني تماماً، ويكون الحل (المعادلة 15) (الجدول 4):

    الجدول (4)

    تكرار 03

    المقاعد

    الطاولات

    الكراسي

               

    المتغيرات

    X1

    X2

    X3

    S1

    S2

    S3

    S4

    الحل

    النسبة

    S1

    0

    -2

    0

    1

    2

    -8

    0

    24

     

    X3

    0

    -2

    1

    0

    2

    -4

    0

    8

     

    X1

    1

    1.25

    0

    0

    -0.5

    1.5

    0

    2

     

    S4

    0

    1

    0

    0

    0

    0

    1

    5

     

    Z(max)

    0

    5

    0

    0

    10

    10

    0

    280

     

    ولتحديد عمود الارتكاز يبحث عن أصغر قيمة سالبة في معاملات الدالة Z فلا يوجد منها شيء، وبذلك تنتهي طريقة السمبلكس بثلاثة تكرارات. ويكون الحل (المعادلة 16):

    وبربح أعظمي قدره 280 = Z وحدة نقدية.

    ويمكن استخدام طريقة السمبلكس ذات الأوزان الكبيرة في حالة الأصغر ما يمكن، أو كانت القيود ليست جميعها أصغر أو يساوي، كما يمكن استخدام طريقة السمبلكس ذات المرحلتين للغرض نفسه.

    3- نماذج البرمجة الخطية بالمُوسِطات

    يبقى الاستخدام الفعلي لنتائج البرمجة الخطية محدوداً بفعل تغيّر المعطيات المرتبطة بالقضايا المعالجة مع الزمن، وبسبب صعوبة الحصول على معطيات تتمتع بموثوقية عالية أساساً.

    من هنا كان لا بدّ من اللجوء إلى استخدام البرمجة الخطية بالموسطات (البارامترات) التي تسمح بإضفاء مرونة كبيرة على المعطيات سواء الداخلة على مستوى التابع الاقتصادي أم على مستوى نظام القيود، مثل القيود التقنية والتجارية ونحوها. وبإدخال الموسطات يصبح القيام بدراسة حساسية النتائج بدلالة التغيرات التي تطرأ على المعطيات الخاضعة لعملية الموسطات أمراً متاحاً.

    4- بعض طرائق الحل في البرمجة الاقتصادية

    طرحت صعوبة تطبيق بعض طرق الحل (الخوارزميات) في بحوث العمليات- وخاصة في مجال برمجة عمليات الإنتاج والتسويق- مسألة إيجاد طرائق أبسط وأقل تعقيداً، ولا سيما أن عدد القيود التقانية في معظم قضايا الإنتاج والتسويق لا يتعدى القيد الأساسي الواحد، وذلك مهما بلغ عدد القيود التجارية (التسويقية) أو قيود التخزين أو التمويل.

    أدت هذه الوضعيات إلى صياغة خوارزميات سهلة الاستعمال سواء أكانت التوابع الاقتصادية من الدرجة الأولى أم الثانية، وهي تعتمد على مفهوم الأسعار الثنائية.

    5- نماذج التوزيع

    تعد هذه النماذج إحدى الحالات الخاصة من حالات مشكلات النقل، وهي في الحقيقة من أبسط البرامج الخطية، وتسهم في معالجة التوزيع الأمثل لعدد من العناصر على عدد من مواقع العمل وذلك ضمن فرضيات معينة، أو تحديد التوزيع الأمثل لطواقم طائرات على خطوط نقل. ويأتي في طليعة هذه الخوارزميات الطريقة الهنغارية التي أثبتت فعالية عالية في حل مشكلات التوزيع، سواء أكان التابع الاقتصادي يهدف إلى إيجاد القيمة العظمى أم الصغرى.

    6- مشكلات خطوط التنقل الدائرية

    تنطبق على تاجر جوال ينطلق من مدينة معينة ليعود إليها بعد أن يكون قد زار عدداً من مدن المنطقة ذات العلاقة، كما يمكن مصادفتها في الحالات التالية:

    - حالات التفتيش.

    - جمع تلامذة المدارس من بيوتهم ونقلهم جماعياً بحافلة مثلاً.

    - وصل شبكات تلفزة متعددة.

    تجدر الإشارة إلى أنه لا تُعرف حتى الآن طريقة تحليلية لحلّ مشكلات من هذا النوع. ومن الصعب جداً حساب كل الحلول الممكنة لاختيار الحل الأمثل، وذلك عندما يصبح عدد المواقع المعنية مرتفعاً.

    7- مشكلات النقل

    تسمح هذه النماذج بمعالجة قضايا، مثل تحديد مخطط النقل الأمثل لإنتاج عدد من المعامل تنتج السلعة نفسها على عدد معين من مراكز استهلاكها، بحيث تكون تكلفة مخطط النقل أقل ما يمكن. وثمّة طرائق رياضية عديدة تسمح بتحديد هذه المخططات، منها تلك التي تعود إلى عالم الرياضيات الأمريكي الشهير دانتزيغ، مؤلف طريقة السمبلكس الشهيرة، وتسمى حجر الدرَج stepping stone.

    8- مشكلات الانتظار والمحاكاة

    تعالج نماذج الانتظار قضايا كثيرة تهدف إلى إيجاد الحلول المثلى (القيم العظمى للتوابع الاقتصادية، أو القيم الدنيا لها بحسب الحالة)، مثل تحديد العدد الأمثل لمراكز الخدمة (صناديق الدفع أو القبض في مصرف ما) بحيث تكون فيه تكلفة تشغيل تجهيزات مركز الخدمة واهترائها وكلفة الوقت الذي يقضيه الزبون في انتظار دوره أمام مركز الخدمة (الصندوق) أقل ما يمكن. ومن الطرائق المستخدمة لحل مشكلات الانتظار الطرق التحليلية، أو استخدام طريقة مونت كارلو Monte Carlo.

    9- مشكلات إدارة التجهيزات والموثوقية

    في إطار نماذج التجهيزات تركّز قضايا التجهيزات أساساً على إيجاد العمر الاقتصادي لهذه التجهيزات أو الآلية قيد الدراسة، أي تحديد لحظة استبدال هذه الآلية بحيث يكون وسطي تكلفة امتلاك الآلية وتشغليها أقل ما يمكن. وتُقسم التجهيزات إلى فئتين لتسهيل معالجتها رياضياً:

    - تجهيزات ذات اهتلاك بطيء مثل السيارات والطائرات.

    - تجهيزات معرضة للاهتلاك المفاجئ مثل المصابيح الكهربائية.

    ولذا تبقى المشكلة العامة في إدارة التجهيزات هي اختيار لحظة التبديل سواء أكان التبديل للمجموعة كلها أم تبديل بعض أجزائها فقط.

    في حالة الفئة الثانية من التجهيزات تكون المعالجة الرياضية معقدة نسبياً، وتركّز أساساً على المقارنة بين تبديل جميع الأجهزة الراهنة (مثل المصابيح التي تضيء صالة رياضية مثلاً) وبين اللجوء إلى التبديل الإفرادي. وبمقارنة التكلفة المترتبة في الحالتين يمكن انتقاء الطريقة المناسبة.

    10-نظرية التخطيط الشبكي

    تُعدّ نظرية التخطيط الشبكي- أو كما يسميها بعض الباحثين نظرية التشعيب- حديثة العهد نسبياً، وناجعة جداً في معالجة العديد من المشكلات ذات الصفة التركيبية أو المختلطة combined problems. تظهر هذه المشكلات في مختلف المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التقانية أو العسكرية أو الهندسية. وهي تُعدّ أحد فروع نظرية المجموعات set theory في الرياضيات الحديثة التي أعطت تطبيقاتها حتى الآن أكبر النتائج في مختلف المجالات، وخاصة لمخططي المشاريع ومعدّي الاستراتيجيات.

    يمكن تمثيل عدد كبير من المشكلات المختلفة عن طريق التخطيط الشبكي، مثل:

    - المراحل المختلفة لتنفيذ مشروع صناعي أو سكني.

    - شبكة طرق في مدينة ما، أو شبكة طرق بين القرى والمدن.

    - شبكة خطوط كهربائية في المدينة.

    - مجموعة بشرية يُراد دراسة سير المعلومات بين عناصرها من الوجهة النفسية.

    - تطوّر التجمعات البشرية من ناحية علم السكان (الديموغرافية) على سبيل المثال تطور تلاميذ المدارس.

    - عمليات الفك والتركيب لمجموعة تقانية وغيرها.

    تسمح إذاً هذه النظرية بإيجاد الحلول الملائمة لمشكلات الجدولة scheduling، بأقل التكاليف أو بأقصر مدة إنجاز.

    تُعدّ نظرية التخطيط الشبكي بحق الأداة الفعّالة في إعداد البرامج التنفيذية للخطط المعتمدة في مختلف المجالات. يجري ذلك بالبحث عن المسار الحرج critical path الذي يسمح بالتفريق بين العمليات التي لا يمكن الشروع بتنفيذها إلا بعد إنجاز عمليات أخرى إنجازاً كاملاً. ولكن من ناحية أخرى يمكن تنفيذ بعض العمليات في آن واحد. يفرز إذاً المسار الحرج بين العمليات الواجب التقيّد بمواعيد إنجازها لتحقيق المشروع المعني في موعده المحدّد، وتلك التي تضمّ فترات سماح يمكن التحرك خلالها من دون أي انعكاسات سلبية على حسن إنجاز المشروع.

    تتوفر طرائق حلّ متعددة لتحديد المسار الأمثل (سواء أكان أعظمياً أم أصغرياً)، أهمها:

  • طريقة برت  Program Evaluation and Research Task (PERT)

    تعود في الحقيقة إلى مكتب المشاريع الخاصة التابع للبحرية الأمريكية في واشنطن، وهي تهدف إلى تقويم الفترات والتكاليف المتعلقة بتنفيذ برامج البحث والتطوير، أو برامج الاستثمار أو الإنتاج.

  • طريقة القدرة الكامنة «بوتانسييل» potentiel

    تشبه طريقة « بوتانسييل» الفرنسية إلى حدّ كبير طريقة برت من حيث أسلوب الحل، ولكنها تتميز عنها بقلب الأدوار التي تؤديها المهام tasks والمراحل steps.

  • طريقة برت/ التكلفة PERT/cost

    يمكن إدخال عامل التكلفة في الحسبان بواسطة طريقة برت / التكلفة التي تقود إلى تحديد المسار الحرج مع الأخذ بالحسبان تكلفة إنجاز كل عملية في الظروف الاعتيادية من جهة، وتكلفتها في الظروف الاستثنائية (بواسطة العمل الإضافي مثلاً للإسراع بإنجاز العملية ذات العلاقة) من جهة ثانية.

    11- البرمجة الديناميكية dynamic programming

    وهي إحدى الوسائل الفعّالة للبحث عن الحل الأمثل لتابع قيمة، عائد لظاهرة أو مشكلة اقتصادية. تقدّم بهذه الطريقة منذ أكثر من نصف قرن عالم الرياضيات الأمريكي الشهير ريتشارد بلمان Richard Bellman، وتتعدى الفائدة منها المجال الاقتصادي إلى مجالات الفيزياء أو الرياضيات البحتة.

    يأتي الأساس الذي ترتكز عليه الطريقة المقترحة من قبل بلمان مما يمكن تسميته بمبدأ الأمثلة optimization. وتُستخدم الطرائق المنبثقة من مبدأ بلمان في إيجاد الحلول المثلى للمشكلات المكوّنة من مراحل متعددة، كما هي الحال في الكثير من المشكلات الاقتصادية المتعددة المراحل. كما يمكن تطبيقها على النظم المتقطعة discrete وغير العشوائية.

    12- نظرية الألعاب الاستراتيجية

    تُعرض بعض المشكلات على شكل لعبة، إذ يتطلب الأمر اتخاذ قرار أو عدة قرارات حيال خصم (أو عدة خصوم) لا تُعرف – أو تُعرف معرفة جزئية – ردود فعله نتيجة القرارات المتخذة.

    ومثال ذلك حصول معركة جوية بين سربين من الطائرات المتعادية، أو الصراع بين فريقين، أو ظهور منافسة اقتصادية بين عدد من الشركات أو التجار، وغيرها من الأمثلة التي يقف فيها طرفان متخاصمان وجهاً لوجه أمام مشكلة تتطلب اتخاذ قرارات من كل جانب، وهذه القرارات لها انعكاسات على الفريق الآخر، وليسا عادةً على علم مسبق بها.

    تتيح نظرية الألعاب الاستراتيجية التي أخذت تتطور يوماً بعد يوم- انطلاقاً من أعمال بوريل Borel وفون نويمان Von Neumann- حلّ المشكلات المطروحة سابقاً. إن هذه النظرية قديمة جداً، وقد شغلت بال الكثيرين مثل كاردان Cardan وكبلر Kepler وغاليليو Galileo وهويغينز Huygens وباسكال Pascal وفرمات Fermat وبرنولي Bernoulli وغيرهم.

    لكن المشكلات الحقيقية- سواء أكان ذلك في مجال الاقتصاد أم في مجال الحرب- معقّدة ومركّبة لدرجة يستحيل معها تطبيق نظرية الألعاب الاستراتيجية لإيجاد حلول تحليلية مناسبة لها. ولكن تبقى الفائدة من هذه النظرية بالدرجة الأولى في تكوين الخبرة التي يمكن اكتسابها من هذه اللعبة في طريقة معالجة مشكلات الصراع العسكري أو المنافسة الاقتصادية أكثر من إعطاء حلول تصلح مباشرة لمعالجة هذه المشكلة أو تلك.

    تطوّرت نظرية الألعاب الاستراتيجية لتمسّ كذلك مجالات حسّاسة، مثل الصراعات الحربية الجوية التي تعالجها نظرية الألعاب التفاضلية differential games .

    مراجع للاستزادة:

    - C. Gupta, Optimization Techniques in Operations Research, I.K. Publishing, 2007.

    - F. S. Hillier, G. J. Lieberman, Inroduction to Operations Research, 10th edition, McGraw-Hill Education, 2015.

    - H. A. Taha, Operations Research: An Introduction, 10th edition, Pearson Education, Inc., June 5, 2016.


- التصنيف : العلوم الهندسية وتقاناتها - النوع : العلوم الهندسية وتقاناتها - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1