النينو
Elnino - Elnino

إلنينو

رجاء الصالح

مفهوم ظاهرة إلنينو ونشوؤها

الآثار الناتجة من ظاهرة إلنينو

 

إلنينو El Nino كلمة إسبانية الأصل تعني طفل الميلاد، وترتبط هذه التسمية بتزامنها مع أعياد الميلاد في فصل الشتاء. ويُطلق عليها أيضاً اسم الطفل المذكر تميزاً لها عن الوجه الآخر للنينو الذي يدعى الطفل المؤنث (إلنينا) El-Nina، كما يطلق عليها أيضاً اسم الولد الشقي لكثرة ما تسببهُ من كوارث وتدمير في أنحاء العالم.

تعود ظاهرة إلنينو إلى آلاف السنين، ويذكر أن أول تسجيل موثق لها تم في القرن الخامس عشر في بداية اكتشاف المستكشف الإسباني (جيرونيموبنزوتي) أمريكا الجنوبية خلال المدة الواقعة بين عامي 1547 و 1550. عُرِّف إلنينو في بداية الأمر بأنهُ (تيار محلي دافئ ناتج من استبدال تيار بيرو البارد الذي يجري جنوباً على طول سواحل الإكوادور والبيرو في شرق المحيط الهادئ خلال أعياد الميلاد من كانون الثاني /يناير حتى نيسان /إبريل) ويبين الشكل (1) الموقع الجغرافي لظاهرة إلنينو. أما الآن فإن هذه التسمية لم تعد تستعمل للتعبير عن هذه التغيرات الموسمية الطفيفة فقط، بل تستعمل لوصف ظاهرة أكبر تعمل على تسخين شرق المحيط الهادئ الاستوائي بعد خط طول 80 ْغرباً ليصل إلى دائرة عرض 15 جنوباً أي تغطي ربع محيط الكرة الأرضية وقد اقترنت ظاهرة إلنينو بما يسمى بالتقلبات الجوية الجنوبية Southern Oscillatio واختصاراً (SO)؛ وهي تقلبات جوية على المقياس الكبير مظهرة تغير الضغط الجوي بصورة متناوبة ومتعاقبة، فتارة يكون عالياً فوق أستراليا ومنخفضاً فوق جنوبي المحيط الهادئ أو بالعكس. ويقابل هذه التغيرات في الضغط الجوي تغيرات في شدة الرياح والتيارات البحرية وحرارة سطح مياه المحيط ونظام الهطل في مناطق المحيط الهادئ، ولذلك يطلق عليه إلنينو التقلبات الجنوبية El-Nino Southern Oscillation واختصارها بالمصطلح ENSO.

الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\566\26-1.jpg

الشكل (1) الموقع الجغرافي لظاهرة إلنينو

مفهوم ظاهرة إلنينو ونشوؤها:

يقتضي فهم هذه الظاهرة المقارنة بين الظروف المناخية الملائمة لتشكلها بالحالة المناخية الطبيعية السائدة في منطقة المحيط الهادئ، كما هو موضح في الشكلين (2 و3):

تسود في منطقة المحيط الهادئ المدارية عند عدم حدوث إلنينو رياح تجارية شرقية trade winds بصورة دائمة، وتكون بقوة كافية لدفع المياه السطحية الدافئة نحو الغرب، مؤدية إلى رفع درجة حرارة المياه في غربي المحيط الهادئ ورافعة مستوى المياه قرب إندونيسيا نحو 40 سم (الشكل 2)، وباستمرار هبوب الرياح التجارية تعمل على تراكم المياه الدافئة عند سواحل غربي أستراليا وإندونيسيا مسببة تكون تيار داخلي من المياه الباردة متجهاً إلى الشرق ومندفعاً من الأعماق إلى الأعلى، وهذا ما يسمى بالتيارات الصاعدة upwelling؛ تعمل هذه التيارات على رفع المياه الباردة من الأعماق الغنية بالمواد الغذائية التي تتغذى عليها الأسماك، وتؤدي هذه التيارات الصاعدة والباردة أيضاً إلى خفض درجة حرارة المياه عند السواحل الشرقية للمحيط الهادئ بنحو o10س مقارنة بالسواحل الغربية. وبالنتيجة فإن الظروف الطبيعية في منطقة المحيط الهادئ المدارية وغياب إلنينو تعني توافر مياه أكثر دفئاً وعمقاً في غربي المحيط الهادئ يرافقها تولد المنخفضات الجوية واضطراب في الغلاف الجوي وسقوط الأمطار بغزارة في إندونيسيا وأستراليا. وبالمقابل: برودة، المياه وضحالتها في الشرق قرب الساحل من جنوبي أمريكا كما يرافقها قلة الأمطار وانحباسها في سواحل البيرو والإكوادور.

الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\566\26-2.jpg

الشكل (2) الظروف المناخية الطبيعية في منطقة المحيط الهادئ

يحدث إلنينو نتيجة استمرار هبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية وتجمُّع المياه الساخنة قرب إندونيسيا، لذا فإن تجمَّع هذه المياه بكثرة يجعل أي تغير بسيط في الدورة المناخية من شأنه إضعاف الرياح التجارية مدة كافية تتسبب في اندفاع المياه نحو الشرق عبر المحيط الهادئ، فترتفع بذلك حرارة سطح المحيط قرب أمريكا الجنوبية، وتقل سرعة الرياح التجارية أكثر لتختفي أخيراً، وينعكس اتجاهها وتبدأ بالاندفاع من الغرب باتجاه الشرق عاكسة بذلك اتجاه التيارات السطحية، ورافعة مستوى المياه ودرجة الحرارة السطحية عند سواحل أمريكا الجنوبية على بعد (4 كم) قرب ساحل بيرو، وقاطعة إمداد المياه بالغذاء من قاع المحيط إلى السطح مسببة عودة سطح البحر نحو اتجاه أفقي (الشكل 3)، مولدة موجة كلفن Kelvin wave التي تتكون في غربي المحيط الهادئ ووسطه لتتحرك شرقاً على طول خط الاستواء بسرعة عدة أمتار في الثانية فتصل ساحل أمريكا الجنوبية بعد عدة أسابيع، مرتبطة باختفاء التيارات الصاعدة في شرقي الهادئ ومؤدية إلى ظهور إلنينو، وينجم عن ذلك أمطار غزيرة في السواحل الشرقية للمحيط الهادئ وجفاف في أستراليا وإندونيسيا.

الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\566\26-3.jpg

الشكل (3) الظروف المناخية المرافقة لحدوث ظاهرة إلنينو

لا يوجد لهذه الظاهرة دورية ثابتة فقد تتكرر كل 2-7 سنوات، وأقلها كل 9 أشهر حتى سنتين، ووسطياً كل خمس سنوات، ويظهر الجدول التالي سنوات حدوث إلنينو للأعوام 1900-1998

وكان العام 1997-1998 من أكثرها قسوة وتأثيراً ويعادلها إلنينو عام 2015.

سنوات إلنينو

1914-1915

1911-1912 1905-1906

1902-1903

1930-1931 1925-1926 1923-1924

1918-1919

1951-1952

1941-1942 1939-1940

1932-1933

1969-1970

1965-1966 1957-1958

1953-1954

1986-1987

1982-1983 1976-1977

1972-1973

 

1997-1998 1994-1995

1991-1992

الآثار الناتجة من ظاهرة إلنينو:

تؤثر ظاهرة إلنينو في المناخ والزراعة والاقتصاد، وهذه التأثيرات تصل إلى حدود أبعد من مكان نشوء هذه الظاهرة وخصوصاً التأثيرات المناخية.

1- التأثيرات المناخية: تؤثر ظاهرة إلنينو في درجة الحرارة، ونظام الضغط الجوي، وسرعة الرياح، وبالتالي التباين في سقوط الأمطار؛ وتكون هذه الآثار متداخلة؛ فمثلاً لو أُخذ العام 1997-1998 لرصد التغيرات المناخية التي ترافقت وحدوث ظاهرة إلنينو يلاحظ أن ارتفاع حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ الأوسط والشرقي تجاوزت (2 - 5سْ) فوق المعدل، بل إنها تجاوزت أكثر من 5سْ قرب جزر جالاباجيوس وعلى طول سواحل بيرو الشمالية، وهذا ما أعقبه ارتفاع في درجة حرارة الهواء، إذ وُصف العام 1998 بالأكثر حرارة عالمياً. إن ارتفاع درجة حرارة سطح الماء ومن ثم رفع درجة حرارة الهواء يؤديان إلى زيادة كميه الأمطار الهاطلة؛ فمثلاً في تشيلي سُجلت درجات حرارة (30 - 40سْ) في الأشهر من أيار /مايو إلى تشرين الأول /أكتوبر عام 1997 مما جعلها تسجل هطلاً مطرياً (300-400 مم) في الشمال إلى (900-1000 مم) في الجنوب، وهذا يفوق المعدل الطبيعي بنحو 100-300 مم، وكذلك الحال في شمال شرقي بوليفيا وشمالي البيرو الإكوادور وكولومبيا وبنما وكوستاريكا ونيكاراغوا، حيث تسبب زيادة الأمطار حدوث فيضانات مدمرة وانزلاقات أرضية. أما في نصف الكرة الشمالي فقد سبب إلنينو هطلاً قليلاً فوق أمريكا الشمالية وفوق الهند حيث قلت الأمطار الموسمية الصيفية شمال غربي الهند، في حين سجلت هونغ كونغ هطلاً مطرياً تجاوز المعدّل بـ (700 مم)، وفي حزيران /يونيو وتموز /يوليو وآب /أغسطس من العام ذاته تجاوزت الأمطار (2400 مم) نتيجة لاستجابة جنوب شرقي آسيا لخمسة أعاصير استوائية أثرت في الصين بالقرب من هونغ كونغ فسببت إحداث فيضانات على السواحل الجنوبية الشرقية للصين، كما يرى الباحثون أن ظاهرة إلنينو تعد سبباً يحد من تطور العواصف المدارية في المحيط الأطلسي، ويُعتقد أن تأثير ظاهرة إلنينو لا يقتصر على حركة الجو بين المدارين؛ وإنما يتعدى ذلك إلى العروض الوسطى عند المستويات العلوية والسطحية، وتظهر آثاره واضحة في تقلبات الطقس في العروض الوسطى، كاستجابة مباشرة أو غير مباشرة لظاهرة إلنينو، وتتمثل عموماً بشدة الاضطرابات الجوية في العروض بين 40-60 درجة شمالاً وجنوباً (أمطار غزيرة وفيضانات)، وباضطرابات أقل في العروض شبه المدارية (جفاف). ويبين الشكل (4) مجمل التأثيرات المناخية لظاهرة إلنينو في فصل الشتاء.

الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\566\26-4.jpg

     الشكل (4) التأثيرات المناخية لظاهرة إلنينو في فصل الشتاء التي تعقب ظاهرة إلنينو

2 - التأثيرات الاقتصادية: تؤدي ظاهرة إلنينو إلى خسائر اقتصادية كبيرة على الصعيد المادي والبشري نتيجة الجفاف والحرائق والفيضانات والأمطار الغزيرة، وقدرت الخسائر الأمريكية الناتجة من ظاهرة إلنينو عام 1996-1998 بنحو 25 مليار دولار وقتل قرابة 1300-2000 شخص. كما تتأثر الحياة البحرية في المحيط الهادئ كثيراً بهذه الظاهرة، إذ تؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة جداً من أسماك الأنشوقة التي يعتمد عليها صيادو الأسماك في البيرو والإكوادور، وكذلك هروب أسماك القرش من نوع (أبو مطرقة) الذي يفضل المياه الباردة، وتناقص في أعداد الطيور والزواحف نتيجة فقدانها الغذاء، وهذا أثَّر في صناعة المخصبات العضوية (guano) التي تأتي عن طريق الطيور البحرية. كما تؤدي هذه الظاهرة إلى أضرار كبيره بالزراعة وإتلاف آلاف الهكتارات من المحاصيل، وأضرار بليغة بالطرقات والمدارس والمنازل وجميع البنى التحتية نتيجة الفيضانات والرياح والانزلاقات الأرضية وجرف التربة. كما تتكاثر الحشرات على شكل موجات تضر بالإنتاج الزراعي.

3 - التأثيرات الصحية: نتيجة للتغيرات الشديدة في المناخ التي تحدثها ظاهرة إلنينو، قد تنتشر العديد من الفطريات  والبكتريا والفيروسات، وبالتالي الأمراض المعدية، مثل التهاب الكبد الوبائي والتيفوئيد والكوليرا، والملاريا والالتهاب الدماغي الذي انتشر بشدة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة بعد حادثة إلنينو عام 1982-1983، وانتشار البعوض والفئران والثعابين حتى أسماك القرش التي تكرر هجومها على ساحل ولاية أوريغون Oregon في شمال غربي الولايات المتحدة، كما تكثر الآفات الزراعية مثل القوارض والحشرات.

4 - التأثيرات الإيجابية لظاهرة إلنينو: على الرغم من الآثار المدمّرة لهذه الظاهرة فقد توجد بعض الإيجابيات متمثلة في:

أ: انخفاض تكرار الأعاصير المدارية hurricanes والأعاصير الحلزونية المدارية tropical cyclones في شمالي المحيط الأطلسي.

ب: شتاء معتدل في جنوبي كندا وأمريكا الشمالية.

ج: توفر المياه في المناطق الجافة من أمريكا الجنوبية نتيجة للهطولات الغزيرة.

د: قلة انتشار الأمراض الوبائية نتيجة للجفاف في بعض المناطق، مثل مرض الملاريا في جنوب غربي أفريقيا.

مراجع للاستزادة:

- سحر شفيق، «ظاهرة إلنينو المناخية وتأثيراتها» ، مجلة العلوم، العدد97، 1998.

- عبد الحسن مدفون أبو رحيل الفتلاوي، ظاهرة إلنينو وآثارها البيئية والحياتية، مؤتمر العلوم الإنسانية، جامعة الكوفة، 2008.

- قصي عبد الحميد السامرائي، «ظاهرة إلنينو المناخية»، مجلة الآداب، جامعة بغداد، كلية الآداب، العدد 45، 1999.

- R .Y. Anderson, Long- Term Changes in the Frequency of Occurrence of El Nino Events. In: El Nino: Historical and Paleoclimatic aspects of the Southern Oscillation, H. F. Diaz and V. Markgraf ( eds.), Cambridge University Press, 1992.

- S. G. H. Philander, El Niño, La Niña and the Southern Oscillation. Academic Press, 1990..

 


- التصنيف : الغلاف الجوي - النوع : الغلاف الجوي - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1