احياء دقيقه تطبيقيه
Applied microbiology - Microbiologie appliquée

الأحياء الدقيقة التطبيقية

                              كمال الأشقر 

     البلمرات الحيوية الميكروبيولوجيا الطبية
ميكروبيولوجيا الغذاء الميكروبيولوجيا الصيدلانية
الميكروبيولوجيا البيئية الميكروبيولوجيا الزراعية
الميكروبيولوجيا والبيئة والإنسان الميكروبيولوجيا الصناعية

 

 

تنتشر الأحياء الدقيقة في الهواء والمياه والغذاء والتربة وفي جذور الكثير من النباتات، وفي جسم الإنسان والحيوان وعلى جلده، وتقوم بدور أساسي في بنية النظم البيئية المختلفة بسبب انتشارها الكبير وقدراتها الكيميائية التي تسمح لها بإحداث تغيرات كبيرة في الأوساط التي تحيا فيها. يشبه بعض الباحثين الأحياء الدقيقة بمصانع صغيرة، فبعضها قادر على تفكيك المخلفات العضوية بمختلف أشكالها وإعادة تدويرها، وبعضها قادر على التوسط في إنتاج بعض الأغذية بما فيها منتجات الحليب وحموض أمينية وبعض المواد البروتينية وإنتاج الكحول والخل والصادات الحيوية. كما أن بعضها ينتج النفط وبعضها الآخر يفككه، فيفيد في حالات التلوث النفطي، كما أن بعضها يستطيع تفكيك المبيدات. ولكن بالمقابل بعضها الآخر ممرض للإنسان والنبات والحيوان.

يدرس علم الأحياء الدقيقة (العلم التطبيقي)- أو ما يعرف باسم الميكروبيولوجيا التطبيقية applied microbiology - العلاقة بين الأحياء الدقيقة  microorganisms  المنتشرة في العالم وتفاعلات بعضها ببعض، من حيث نشاطها ومنتجاتها الحيوية وتأثيرها السلبي أو الإيجابي في مختلف مناحي الحياة. كما يهتم هذا العلم بتطويع الممكن من تلك الأحياء الدقيقة لخدمة الإنسان.

تزداد أهمية تلك الأحياء يوماً بعد يوم باستخدام التقانات الحيوية biotechnology من خلال التطبيقات المهمة للهندسة الوراثية، وكل ذلك على علاقة وثيقة بعلم بيئة الأحياء الدقيقة microbial ecology الذي يدرس مدى انتشار  الأحياء الدقيقة وتنوعها في البيئات المختلفة من ماء وهواء وغذاء وتربة ودورها، بما فيها دورات العناصر المختلفة والاستصلاح الحيوي bioremediation.

تهتم الميكروبيولوجيا التطبيقية بدراسة الخمائر والتخمرات بأشكالها المختلفة، وإنتاج الكحول الإتيلي والإنزيمات والڤيتامينات والحموض الأمينية والبروتينات التي تركبها وحيدات الخلية، أو ما يسمى بروتينات وحيدات الخلية single- cell protein، والصادات الحيوية واللقاحات، وعمليات التفكيك الحيوي، وسموم الأحياء الدقيقة، وسلامة الماء، والأغذية بأنواعها والحليب والألبان وتطوير إنتاجها، كما يهتم بأمراض النبات، وعزل سلالات من الأحياء الدقيقة تكون فاعلة في تحسين الإنتاج الزراعي والصناعي واصطفائها، وإنتاج الوقود الحيوي، وتحسين المستوى الصحي للإنسان والحيوان. وهكذا فإن مجالات الميكروبيولوجيا التطبيقية واسعة جداً، تميز فيها فروع عدة، ويقتصر هذا البحث على استعراض المجالات التي تهتم بالفروع الرئيسة، والتي منها: الطبية والصيدلانية والزراعية والصناعية والغذائية والبيئية.

الميكروبيولوجيا الطبية:

يهتم هذا الفرع بالتعامل مع الأحياء الدقيقة - بما في ذلك البكتريا والڤيروسات والفطريات ذات الأهمية الطبية - لأنها تسبب للإنسان الأمراض المختلفة. ويُعَد هذا الفرع من أكثر الفروع أهمية، ويستقطب أكثر الدراسات الحالية لأهميته للإنسان وسلامته. فهو يهتم بالمتعضيات المسببة للأمراض وانتشارها، ويشمل أيضاً دراسة الإمراض البكتري microbial pathogenesis  وعلم الوبائيات epidemiology، كما أن له علاقة وثيقة بالمَرَضِيات disease pathology والمناعيات immunology.

يقدم هذا الفرع معلومات عن طبيعة مولدات المرض pathogens والدراسات المناعية التي تُطبَّق في مجال مكافحة الأمراض والوقاية منها، من خلال تطوير اللقاحات ضد المتعضيات الممرضة، مثل الصادات الحيوية واللقاحات ضد الجدري والسل وشلل الأطفال polio وغيرها، وما إذا كان المرض قد قُضِيَ عليه أم لا، أو ما إذا كان بالإمكان معالجته. ويضم أيضاً علم البكتريات الطبية medical bacteriology وعلم الڤيروسيات السريرية clinical virology والفطريات الطبية medical mycology والطفيليات الطبية medical parasitology، علماً أن بعض الطفيليات لا تعد من الميكروبات بسبب حجمها وبنيتها.

ومن المعضلات التي تعالجها الميكروبيولوجيا الطبية مواضيع التلوث الذي يصيب الماء والهواء والتربة بالمتعضيات الدقيقة، وخطرها على الإنسان، ووسائل مكافحتها والتخلص منها. مثلاً يتم الحصول في غالبية الأحيان على مياه الشرب من المياه السطحية كالأنهار والبحيرات التي تكون عرضة للتلوث بمياه المجاري ومخلفات المنازل والمصانع، وبالتالي يمكن لهذه المياه أن تحمل بكتريا مرضية كالتيفوئيد والكوليرا، وڤيروسات شلل الأطفال والالتهاب الكبدي الوبائي وغيرها؛ لذلك وجب معالجة مياه المخلفات قبل أن تصل إلى المياه السطحية من جهة، وتنقية مياه الشرب من جهة ثانية، ويتطلب الكشف عن الأحياء الدقيقة الممرضة في المياه عملاً وجهداً كبيرين، فقد توجد بأعداد قليلة يصعب الكشف عنها وتمييزها من البكتريا غير الممرضة.

توجد الآن تطبيقات كثيرة للمتعضيات الدقيقة يمكن أن تصبح في المستقبل في حيّز التطبيق التجاريّ، فقد كشفت الدراسات على سبيل المثال أنّ البكتريا الزرقاء كالجنس Spirulina أو خلاصتها ذات أهميّة في التأثير ضدّ مرض السّرطان وضدّ بعض الڤيروسات كفيروس مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وفي زيادة مناعة الجسم بتحريضه على إنتاج كريّات دم حمراء وبيضاء جديدة. وقد تمكن العلماء من عزل مركّبين من الأحياء الدقيقة البحريّة التي توجد في الأعماق السحيقة، يتّصفان بقدرة جيّدة على مقاومة فيروس الإيدز، إلا أنّ زرع مثل هذه البكتريا لم ينجح بعد.

الميكروبيولوجيا الصيدلانية:

هو الفرع من الميكروبيولوجيا الذي يهتم بصناعة الأدوية وإنتاجها، كالصادات الحيوية   antibiotics  التي تبدو كمستقلبات ثانوية  secondary metabolites من نواتج التمثيل الغذائي لأحياء دقيقة مختلفة، تعمل على إيقاف نمو البكتريا أو الفطريات أو قتلها. ويُعد الباحث لويس باستور  Louis Pasteur أول من اكتشف ظاهرة الصادات عندما لاحظ عام 1877م أن الحيوانات المحقونة ببكتريا الجمرة الخبيثة  Bacillus anthracis المصحوبة ببعض البكتريا العصوية توقف الإصابة بهذا المرض. وعموماً تقسم الصادات الحيوية بحسب الكائنات المنتجة لها إلى المجموعات الآتية:

أ- صادات حيوية بكتيرية تنتجها البكتريا  مثل الباسيتراسين  bacitracin.

ب- صادات حيوية فطرية تنتجها الفطريات كالبنسيلين  penicillin. 

ج- صادات حيوية تنتجها البكتريا الشعاعية مثل الستريبتومايسين  streptomycin والتيرامايسين  terramycin والأوريومايسين  aureomycin.

د- صادات حيوية تنتجها الطحالب كالكلوريلين  chlorellin.

هـ- صادات حيوية تنتجها الأشن   Lichens مثل حمض الأُسنيك  .usnic acid  

يمكن لبعض الأحياء الدقيقة أن تنتج أكثر من صاد حيوي مثل فطر  Aspergillus fumigatus الذي ينتج الصادات غليوتوكسين  gliotoxin وفوميغاتين  fumigatin وفوميغاسين  fumigacin، وبالمقابل يمكن للصاد نفسه أن يُنتجه أكثر من كائن حي دقيق مثل الـبنسيلين الذي يُنتجه كل من  Aspergillus flavus وPenicillium notatum  و P. chrysogenum. ولابد من إخضاع جميع الصادات للدراسة المعمقة قبل دفعها للاستخدام، سواء أخذت عن طريق الفم أم الحقن، وذلك بإشراف مؤسسات رسمية حكومية توافق على طرحها للاستخدام البشري.

الميكروبيولوجيا الزراعية:

هو الفرع الذي يتعامل مع البكتريات التي تسبب الأمراض للنباتات والحيوانات، ودراسة الخيطيات مما يتطفل على النباتات، وكذلك ديدان الأرض وبعض الحشرات ومفصليات الأرجل والقوارض، والأحياء الدقيقة من بكتريا وفطريات وطحالب، وبعض الأوالي الحيوانية والڤيروسات، إضافة إلى الدراسات المتعلقة بالطب البيطري  veterinary medicine.

كما يهتم بالمتعضيات الدقيقة التي تمنح التربة خصوبتها، مثل بكتريات تعمل على تفكك المواد العضوية وتَدَرُّكها  degradation وتحولات المغذيات في التربة؛ لذا يهتم هذا الفرع بميكروبيولوجيا التربة  soil microbiology خاصة، التي يعدها بعض الباحثين جزءاً من الميكروبيولوجيا البيئية. وهي تدرس طرائق تحول المغذيات، وتفكك بقايا النسج النباتية والحيوانية ودور المتعضيات الدقيقة في ذلك، وكذلك تشكل الدبال  humus الذي ينشأ من تفكك البقايا النباتية والحيوانية بفعل الأحياء الدقيقة الموجودة فيها، ومن مواد عضوية جديدة تصنعها الأحياء الدقيقة أيضاً، وتكوين التربة وتحسين نوعيتها، وتأمين التوازن البيولوجي فيها.

تدرس الميكروبيولوجيا الزراعية أيضاً دورة الكربون  carbon cycle، حيث تقوم الأحياء ذاتية التغذية، مثل النباتات والطحالب والجراثيم الزرقاء وبعض الجراثيم غيرية التغذي بتثبيت غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2، فينتقل جزء من هذا الكربون إلى الحيوان من خلال السلاسل الغذائية، وعند موت الحيوانات والنباتات فإن الكربون الموجود في أجسامها ينتقل بدوره إلى التربة من خلال تفكيك المواد العضوية التي تصل إليها بفضل النشاط الميكروبي، لينطلق هذا الغاز من جديد في الجو والتربة، ويصل جزء منه إلى المياه.

كما يدرس هذا الفرع دورة الآزوت  nitrogen cycle، إذ يُلاحظ عنصر الآزوت  في الأحياء النباتية والحيوانية، وفي الأشياء غير الحية. ولا تبقى ذرات الآزوت ثابتة في مكان واحد، بل تتحرك ببطء بين الأحياء والأشياء غير الحية، وتسمى هذه الحركة بدورة الآزوت. تستطيع بعض البكتريا تحويل الآزوت إلى شكل يمكن أن تفيد منه النباتات من خلال تثبيته حيوياً، وعلى نحو تكافلي بوساطة البكتريا الجذرية كالريزوبيوم  Rhizobium والآزوتوباكتر Azotobacter والكلوستريديوم   Clostridium التي تتعايش مع جذور النباتات البقولية، أو على نحو لا تكافلي كما في البكيتريا الزرقاء (الزراقم)    Cyanobacteria والبكتريا الحرة في التربة.

الميكروبيولوجيا الصناعية:

وتسمى أيضاً التقانة الحيوية الميكروبية  microbial biotechnology، وهي تضم دراسة المتعضيات الدقيقة المستخدمة في الصناعات الغذائية والمنتجات الصناعية وأسلوب تطبيقها في ذلك، وفي علم البلمرات الحيوية biopolymers والمعالجة الحيوية للفضلات waste biotreatment وغيرها. ويتم الحصول على المتعضيات الدقيقة المستخدمة في تلك المجالات، إما على شكل عَزْلات طبيعية وإما الحصول على أنواع تم تطفيرها في المختبرات باستخدام طرائق الهندسة الوراثية.

تعتمد الميكروبيولوجيا الصناعية على استخدام الأحياء الدقيقة في ظروف محددة لإنتاج مواد مفيدة ذات أهمية اقتصادية مثل خميرة الجعة والخل وحمض اللبن والأسيتون والحموض الأمينية والبروتينات وحمض الليمون والكثير من الإنزيمات، وكذلك اللقاحات. وتُعدّ الأحياء الدقيقة بفضل ما تفرزه من إنزيمات مصانع كيميائية يمكن أن تحدث تغيرات مهمة في الأوساط التي تعيش فيها، فتحول تلك الأوساط زهيدة الثمن إلى نواتج مفيدة غالية الثمن وذات أهمية اقتصادية منها:

1 - التخمر الكحولي:

 يتوسط إنتاج الكحول الإيتيلي خميرة الجعة  Saccharomyces cerevisiae في ظروف لا هوائية وفق المعادلة التالية:

                           

                                                                  

يمكن جمع غاز ثنائي أكسيد الكربون الناتج وضغطه في أسطوانات أو تحويله إلى ثلج جاف ليستخدم في صناعة المياه الغازية، أو في طفايات الحريق، أو في عمليات التجميد. أما السكاكر المستخدمة في التخمر فيمكن الحصول عليها من مخلفات معامل العصائر والمولاس molasses (الدبس)، وهي مواد رخيصة الثمن. تستعمل خميرة الجعة أيضاً في صناعة الخبز، ويعزى سبب نضج العجين وأخذه القوام الأسفنجي إلى غاز ثنائي أكسيد الكربون

2 - إنتاج الخل

يتألف الخل  vinegar من حمض الخل CH3COOH بنسبة لا تقل عن 4 %، مع بعض المواد الأخرى كالغليسيرول  glycerol والإسترات esters وبعض الزيوت الطيارة التي تكسبه النكهة المميزة. وله أنواع، فهناك خل التفاح وخل العنب وخل التمر وغيرها، ويعتمد ذلك على المادة المستخدمة في التصنيع. يمر إنتاج الخل في مرحلتين: المرحلة اللاهوائية التي يتم فيها إنتاج الكحول باستخدام خميرة الجعة، والمرحلة الهوائية التي تتضمن أكسدة الكحول الناتج في المرحلة الأولى إلى حمض الخل بوساطة بكتريا حمض الخل، التي تعود لأنواع من  Acetobacter و Gluconobacter.

3 - إنتاج حمض اللبن:

 يتحقق الإنتاج من مواد كربوهدراتية متنوعة كالمولاس ونشاء البطاطا والذرة، وهنا لا بد من تحويل المواد الكربوهدراتية إلى سكاكر مثل الغلوكوز والغالاكتوز، ثم تتحول هذه السكاكر بفعل إنزيمات البكتريا إلى الحمض البيروفي الذي يتحول بدوره إلى حمض اللبن   lactic acid.

البلمرات الحيوية:

يدرس علم البلمرات الحيوية الجزيئات الضخمة مثل عديدات السكريد polysaccharides والبولي إسترات polyesters وعديد الأميدات polyamides التي تنتجها المتعضيات الدقيقة لدى معالجاتها الجينية، حيث أصبح بالإمكان إنتاج الكزانتانات xanthans والألجيناتات alginates والسلولوز وقليلات السكاريد  oligosaccharides وعديدات السكاريد والحمض الهيالوروني hyaluronic acid وحمض غاما غلوتاميك gamma-glutamic acid والحموض العضوية وغيرها.

ويهتم فرع المعالجة الحيوية للفضلات بالمتعضيات الدقيقة التي تسهم في تفكيك الفضلات وتقويضها وتحويلها إلى مواد مفيدة، وتصميم التقنيات techniques والآليات التي تُنجَزُ بها.

ميكروبيولوجيا الغذاء:

تعد ميكروبيولوجيا الغذاء food microbiology من أهم الفروع لعلاقتها بصحة الإنسان والحيوان، ولأنها تدرس المتعضيات الدقيقة التي تستخدم في صنع الغذاء. ويحتوي الغذاء على بعض الأحياء الدقيقة، ويكون مصدرها الحقل والهواء والمياه والحيوانات ومخلفات المجاري، ولكن قد يزداد هذا المحتوى في أثناء الحفظ والتداول والتصنيع، حيث تتكاثر بشكل كبير فتسبب فساد الغذاء وتحلله، وبالتالي يحدث المرض، أو التسمم الغذائي food  poisoning لمن يتناوله. فمثلاً تتلوث الفواكه والخضراوات ببعض البكتريا المسببة للعفن الطري، سواء في الحقل أم في أثناء النقل والتخزين، كما تتلوث اللحوم ببكتريا Pseudomonas و Enterococcus و Staphylococcus و Cladosporium و Salmonella وغيرها (الشكل 1). لذلك لابد من إيجاد  طرائق للمحافظة على مختلف الأغذية من التلوث وحفظها كي لا يتسمم بها الإنسان وذلك بتعقيمها سواء بالصاد الموصد أم بالتشعيع أم بالحرارة الجافة أم بالتبريد أم بالتمليح أم بالسكريات كما في صنع المخللات والمربيات، أم بالتجفيد lyophilization  أم بالتدخين. وتستعمل أحياناً بعض المواد الحافظة مثل بنزوات الصوديوم وحمض السوربيك والبروبيونيك، لكن يجب احترام الحدود التي تسمح بها القوانين النافذة فيما يتعلق باستخدام هذه المواد.

 Clostridium botulinum الشكل (1) بكتيريا
مأخوذة من اللحم الملوث

ومع ذلك لا تعد جميع الأحياء الدقيقة الموجودة  في الغذاء ممرضة أو ذات تأثير سلبي، فمثلاً تستخدم بعض الفطريات كخميرة الجعة أو الخبز لصنع المعجنات، وتستعمل بعض أنواع فطر الـ Penicillium لصنع الجبن، إضافة إلى الاستعمالات الأخرى الخاصة بإنتاج اللبن والخبز والخل والمشروبات الكحولية والبروتينات التي تنتجها وحيدات الخلية باستخدام بعض الخمائر التي منها  Candida tropicalis و Pseudomonas sp.

ومن ضمن مواضيع الأغذية والأحياء الدقيقة يمكن التعرف إلى بعض جوانب الإنتاج الغذائي وخاصة في مجال ميكروبيولوجيا الألبان  : dairy microbiology 

أ- تصنيع اللبن:

يتم ذلك من خلال عملية تخمر يتحول فيها سكر الحليب إلى حمض اللبن بتأثير بكتريا البادئ المنتجة للحموضة مثل أنواع من جنسي Streptococcus و Lactobacillus، حيث يُحضن الحليب الملقح بالبادئ بدرجة 37 ْم عدة ساعات. وللبن أنواع وأسماء مختلفة تختلف بحسب الحليب والبادئ، والطريقة المستخدمة في التصنيع. ومع ذلك يجب أخذ الحيطة والحذر لدى التصنيع ولاسيما أن الحليب يُعد وسطاً غذائياً غنياً ومناسباً لنمو العديد من الأحياء الدقيقة وتكاثرها. فقد تتسرب إليه من الحيوان السليم بعض البكتريا التي تكون غالباً غير ممرضة مثل Micrococcus, Streptococcus، ولكن المشكلة تكمن عندما يكون الحيوان مريضاً فعندها يمكن أن يحتوي الحليب على كميات من البكتريا الممرضة التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان.

ب- تصنيع الجبن:

 يُعد الجبن من أهم مشتقات الحليب، ويتم تصنيعه من خلال تخمير الحليب بفعل بكتريا حمض اللبن أو بفعل المنفحة التي هي خلاصة إنزيمية تحوي الإنفحة rennin المستخرجة من معدة العجول الصغيرة، وبعد تخثر الحليب يتم تخليص الخثرة من الشرش، ثم يضاف الملح، ويُترك الجبن فترة من الزمن للإنضاج، حيث تنمو بعض الجراثيم والخمائر والفطريات محدثة تغيرات في الطعم والنكهة.  

الميكروبيولوجيا البيئية

تدرس تركيب جماعات البكتريات الموجودة في البيئة ووظائفها الحيوية. ويقصد هنا بالبيئة عملياً التربة والماء والهواء والترسبات التي تغطي الأرض، ويمكن أن تشمل أيضاً الحيوانات والنباتات التي تقطنها. لذا تُمَيَّزُ ميكروبيولوجيا الماء، وميكروبيولوجيا الهواء، وميكروبيولوجيا التربة.

تهتم ميكروبيولوجيا الهواء بمعرفة كل ما يتعلق بالميكروبات الهوائية، علماً أن الهواء لا يمكن عدّه وسطاً مناسباً لنمو الأحياء الدقيقة وتكاثرها؛ وإنما وسط حامل وناقل لها رغم أن معظم هذه الميكروبات رُمِّي، ولكن المُمْرض منها غالباً ما يصل عن طريق الرذاذ المنتشر من الأشخاص المرضى خلال السعال والعطاس، أو من رذاذ الري عند السقاية بمياه ملوثة بمياه المجاري أو بمياه مخلفات المصانع، أو بمياه تحتوي على مبيدات زراعية مثلاً. وتأتي الخطورة أيضاً من الأحياء الدقيقة الموجودة في الهواء ومن مصانع الأغذية والمواد الطبية كالأدوية والضمادات واللقاحات والأمصال، ومن المستشفيات.

ومن الإجراءات التي تُتَّخَذ للتخفيف أو التخلص من الأحياء الدقيقة المنتشرة في الهواء؛ تهوية الغرف المغلقة، والتعريض لأشعة الشمس والترشيح والغسيل، واستخدام مواد مطهرة بشكل رذاذ كالغليكولات glycolate ، أو بالأشعة فوق البنفسجية المستخدمة في المشافي والمصانع.

أما عن ميكروبيولوجيا التربة فغالباً ما تُعامل على أنها جزء من الميكروبيولوجيا الزراعية، في حين تبحث ميكروبيولوجيا المياه في مصادر تلوث المياه، ومنها الممرض مثل الإشريكية القولونية Escherichia coli التي تعد من الدالات الحيوية bioindicators على تلوث المياه.

كما تشمل ميكروبيولوجيا البيئة أيضاً المتعضيات الدقيقة التي توجد في البيئات الصناعية، مثل المفاعلات الحيوية bioreactors.

الميكروبيولوجيا والبيئة والإنسان:

تمكن الإنسان من التحكّم النسبي بأنشطة الأحياء الدقيقة بإجراء التعديلات الوراثيّة ونقل المورّثات، على نحو يخدم حاجاته في ثورة التقانات الحيويّة، الأمر الذي فتح أمامه آفاقاً كبيرة في المجالات المختلفة.

1 - إنتاج الطاقة البديلة

أخذت عمليّات التحويل الحيويّ للمخلّفات العضويّة باستعمال المتعضيات الدقيقة، وإنتاج طاقة بديلة، تكتسب أهميّة كبيرة في كثير من البلدان الصناعيّة، ومن أمثلتها:

* غاز الميتان: يعدّ مصدراً مهمّاً للطاقة، وينتج من تفكيك المخلّفات العضويّة (روث الحيوانات وبقايا النباتات) بفعل بعض الأحياء الدقيقة اللاهوائيّة. وهكذا تقوم بعض البكتريا كالجنس Bacillus بتحليل أوليّ للموادّ العضويّة في الظروف الهوائيّة فتتكوّن حموض عضويّة مختلفة وكحولات وغازات مثل الهدروجين وثنائي أكسيد الكربون. ثمّ تنشط البكتريا المنتجة للميتان ضمن ظروف لاهوائيّة مثل : Methanobacterium Methanococcus، في تحويل المركّبات الانتقاليّة السابقة إلى غاز الميتان الذي يستعمل في أغراض الإنارة والطهو والتدفئة وتوليد الكهرباء، أما المخلّفات الصلبة والسائلة الناتجة من التخمر فتستعمل أسمدة.

* غاز الهدروجين: يُنظر إليه اليوم بوصفه مصدراً مهماً للطاقة في المستقبل، إذ توجد أحياء دقيقة متنوّعة قادرة على إنتاجه، ومن بينها تلك الفعّالة بعمليّة التركيب الضوئيّ. وتُعدّ الطحالب الخضراء الدقيقة مثل Scenedesmus وChlorella مهمّة في هذا المجال، فهي قادرة على شطر الماء وإطلاق غاز الهدروجين في ظروف معيّنة، وربّما سيستعمل الماء في المستقبل القريب وقوداً، فهو مصدر متجدّد، وتؤكّد التجربة فاعليّة غاز الهدروجين وأمانه في المركبات العامّة وفي إنتاج الحرارة والطاقة الكهربائيّة، وتجري الأبحاث اليوم للاستفادة من الطحالب الخضراء في إنتاج غاز الهدروجين على نحو قابل للاستثمار.

* الكهرَباء: يمكن إنتاجها بالأكسدة المباشرة للغلوكوز بفعل المتعضيات الدقيقة، وتستخدم الآن بعض أنواع من البكتريا، مثل: Rhodoferax ferrireducens التي تستطيع أكسدة الغلوكوز إلى ثنائي أكسيد الكربون  مع إمكان نقل الإلكترونات إلى إلكترودات كربونيّة خاصّة، ويرافق ذلك إنتاج طاقة كهربائيّة.

* إنتاج النفط: يتم باستخدام بعض أنواع من الأحياء الدقيقة مثل الطحلب Botryococcus braunii الذي يعمل خلال نموه على تصنيع مركّبات هدروكربونية hydrocarbons طويلة السلسلة (30-36 ذرة كربون)، حيث تصل هذه المركبات إلى 30 % من الوزن الجاف للطحلب المذكور.

* إنتاج الوقود الحيوي: ويتحقق ذلك باستخدام طحالب تقوم بالتركيب الضوئي الذي ينتج السكريات، وتتحول هذه السكريات بتفاعلات استقلابية إلى شحوم وزيوت تُفصل وتُخلَط مع الكحول الإتيلي لتصبح وقوداً للسيارات يفوق في نوعيته ومردوده وتكاليفه مثيله المستخرج من قصب السكر أو الذرة (الشكل 2). ويشار في هذا المجال إلى أهمية خفض التلوث البيئي الناجم عن ثنائي أكسيد الكربون المنبعث في الطبيعة من مصادر مختلفة.

الشكل (2) تقانة إنتاج الوقود الحيوي من الطحالب

 2 - إنتاج اللدائن البكترية:

يزداد استخدام اللدائن في الوقت الحالي بعد انتشار استعمال الأدوات اللدائنية كالأكياس والأطباق والكؤوس، الأمر الذي يتطلب تفككها وتحللها بعد استخدامها؛ لذا يجري الآن إنتاج ما يسمى اللدائن البكتيرية، ومنه نوع يسمى poly-b-hydroxyalkanoate، ويرمز له اختصاراً (PHA) ، تفوق مواصفاته اللدائن الصنعية المنتجة من المواد النفطية؛ إذ يمكن أن يتفكك خلال أسابيع أو بضعة أشهر بتأثير الأشعة فوق البنفسجية

ومن أجناس البكتريا المنتجة للدائن يُذكر:  Pseudomonas و Clostridium Syntrophomonas، ولكنّ  النوع الأهمّ هو Alcaligenes eutrophus الذي يمكنه إنتاج ما يزيد على 80 % من الوزن الجافّ من هذه اللدائن باستعمال مصادر مغذّية رخيصة الثمن، حيث تستخلص اللدائن من خلاياها وتحوّل إلى مسحوق أو أقراص تستعمل في صناعة الموادّ اللدائنية المختلفة القادرة على التفكّك والزوال بسهولة من البيئة خلال مدّة تراوح بين بضعة أسابيع وبضعة أشهر بتأثير الأشعة فوق البنفسجية. ويجري الآن إدخال المورّثات المسؤولة عن إنتاج اللدائن البكتيرية إلى بكتريا غير قادرة على إنتاجها مثل E. coli، باستخدام التقانات الحيوية، فهي تنتجها ابتداءً من مركّب أسيتيل كوأنزيم -A بكفاءة جيدة وإنتاج مرتفع

3 - منع تشكل الصقيع على الأوراق النباتيّة:

 يمكن تفادي تدمير الصقيع  frost للمحاصيل الزراعيّة عند تكوّنه على أسطح الأوراق في فترات البرودة القاسية، وذلك بنشر أنواع بكترية، مثل : Pseudomonas syringae على النباتات، حيث يتكوّن الصقيع حولها فتنجو الأوراق من التجمّد.

4 - تفكيك الهدروكربونات:

يعدّ النِّفط من أخطر الملوّثات للبيئة ولاسيّما في المناطق البحريّة، فكثيراً ما تتسرّب كميّات كبيرة منه عند غرق الناقلات، الأمر الذي يقضي على الحياة النباتيّة والحيوانيّة في البحار والمحيطات، وتكون تكاليف تطهير المناطق الملوثة باهظة جداً. وتُجرى الأبحاث لإنتاج وتطوير سلالات من البكتريا ذات قدرة كبيرة على تفكيك الهدروكربونات المعقّدة بهدف استعمالها لإزالة التلوّث بالبقع النفطيّة.

5 - تفكيك المبيدات:

تعدّ المبيدات الزراعيّة مركّبات سامّة كفيلة بالقضاء على الأعشاب والحشرات والفطريّات في أغلب الأحيان، وتستعمل حاليّاً استعمالاً مكثّفاً. وهي تتراكم في الطبيعة مشكِّلة خطراً كبيراً على البيئة. ويهتمّ الباحثون بالتفكيك الحيويّ للمبيدات بفعل المتعضيات الدقيقة؛ إذ تمتلك بعض البكتريا القدرة على استعمال هذه المبيدات مصدراً للغذاء والطاقة في ظروف معيّنة، مثل: درجة الحرارة والأس الهدروجيني pH والتهوية ومحتوى التربة من الموادّ العضويّة. فمثلاً يتمكن الجنس Pseudomonas من تفكيك المبيدات وتحويلها إلى ثنائي أكسيد الكربون، فتختفي بذلك من التربة، وينتهي خطرها السمّي.

6 - تنقية المياه:

 تُستعمل حالياً أنواع من البكتريا، مثل: Thiobacillus ferrooxidans ذات القدرة على تنقية المياه الملَوَّثة كمياه الصرف الصحّي، وهناك أنواع من البكتريا قادرة على النموّ في ظروف لاهوائيّة وحرارة عالية، والتغذّي بالغلوكوز، وتتميّز بخصائص مغنطيسيّة يمكن استعمالها في تكثيف العناصر الثقيلة من المياه الملوّثة وفصلها، وفي تطهير المناطق الملوّثة بالعناصر المشعّة كاليورانيوم. كما تستطيع بكتريا Pseudomonas halodenitrificaans تخليص المياه الملوثة بالنترات، كما تشير الأبحاث إلى قدرة بعض الفطريات الخيطية مثل Rhizopus, Mucor, Aspergillus, Penicillium على تنقية المياه الملوثة بالعناصر الثقيلة. وتستخدم بعض الطحالب في التنقية الحيوية للمياه كبعض أنواع الـ Chlorella, Scenedesmus من الطحالب الخضراء، وبعض أنواع البكتريا الزرقاء مثل Nostoc, Anabaena, Phormidium, Oscillatoria, Lyngbya. 

7 - استخدامات أخرى:

* يمكن لبعض المتعضيات الدقيقة من الفطريّات والبكتريا استخلاص بعض المعادن من خاماتها، كالنحاس واليورانيوم والذهب، ولاسيّما عندما تكون كميّاتها قليلة واستخلاصها بالأساليب التقليديّة غير مجدٍ.

* يمكن استعمال أنواع من بكتريا الجنس Halobacterium في إنتاج بروتينات تستجيب للتيّار الكهربائيّ وتفسح مجالاً لاستعمالها في إنتاج شرائح صغيرة تدخل في صناعة الحواسيب الآليّة.

* يمكن استعمال بعض الأنواع  من البكتريا مثل: Acetobacter xylinum في إنتاج ألياف سلولوزيّة عالية الجودة، مما يفيد في صناعة النسج والورق.

* هناك أنواع من البكتريا المضيئة التي تتحسّس لتلوّث المياه بالسموم، مثل Photobacterium phosphoreum، حيث تصدر إشعاعات ضوئيّة ترتبط شدتها بمدى تلوّث المياه بالسّموم.

مراجع للاستزادة:

- ابتسام حمد، ميكروبيولوجيا الهواء والتربة، منشورات جامعة دمشق، 2004.

- نجم الدين الشرابي، منير هابيل، مصطفى البلخي، الأحياء الدقيقة، منشورات جامعة دمشق، 2003.

- حسن خالد العكيدي، التقنية الحيوية والمايكروبايولوجي الصناعي، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان 2000.

 - عدنان علي نظام وكمال الأشقر. بيولوجيا الأحياء الدقيقة، منشورات جامعة دمشق، 2007.

- عدنان علي نظام، ميكروبيولوجيا المياه، منشورات جامعة دمشق، 2004.

- Th. H. Nash III , Lichen Biology, Cambridge University Press, 2008.                        

- K. P. Talaro, Foundations in Microbiology, McGraw-Hill, 2008.

 


- التصنيف : الأحياء الدقيقة - النوع : الأحياء الدقيقة - المجلد : المجلد الأول - رقم الصفحة ضمن المجلد : 368 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1