انهيار المنشآت
انهيار منشات
Collapse of structures - Effondrement des constructions
وهيب زين الدين
ميكانيكيات الانهيار collapse mechanisms
المنشأة structure هي تكوين إنشائي متكامل مؤلف من مجموعة من العناصر الإنشائية المترابطة فيما بينها ومع الوسط المحيط، وتحمّل القوى الخارجية المطبَّقة عليها مثل قوى الثقالة والقوى الجانبية الناجمة عن الرياح والزلازل وعن التغيرات الحرارية والمناخية وما إليها بأمان كافٍ واتزان كامل طوال عمرها الافتراضي.
العنصر الإنشائي structural element: هو عضو مصنّع من مادة إنشائية مثل الخرسانة أو الفولاذ أو أي مادة إنشائية أخرى، ويتميز بمقاومة ميكانيكية كافية لكلّ الأحمال المطبَّقة عليه، ويحقق شرطي الاتزان والديمومة durability and stability.
المواد الإنشائية sconstruction material: هي المواد المستعملة في تنفيذ العناصر الإنشائية والتي تكون خصائصها الميكانيكية محدَّدة بدقة كافية مثل المقاومة على الشد وعلى الضغط والتشوه تحت تأثير الأحمال المطبَّقة عليها؛ وكذلك مقاومتها للعوامل الطبيعية والمواد الكيميائية. وتُصنَّف المواد الإنشائية إلى نوعين، هما:
1- مواد مطاوعة: يرتبط الإجهاد المطبَّق على المادة مع تشوهها بعلاقة خطية. وعند وصول قيمة الإجهاد إلى حد المرونة elastic limit تبدأ المادة بالتشوه من دون انقطاع على الرغم من ثبات الإجهاد داخل المقطع (الشكل 1). وكلما كانت قيمة هذا التشوه أكبر كانت المادة أكثر مطاوعة، وازدادت كفاءتها. ومن أهم هذه المواد الفولاذ المطاوع والخرسانة المسلحة المعرّضة للشد أو الانحناء.
الشكل (1) السلوك المرن - اللدن والهش للمادة. |
2- مواد هشة: توجد علاقة خطية تربط الإجهاد بالتشوه، وعندما يصل الإجهاد إلى حد المرونة؛ فإن المادة في المقطع الحرج تبدأ بالانهيار بطريقة مفاجئة وهشة من دون سابق إنذار. ومثال ذلك مادة الحجر والعناصر المضغوطة من الخرسانة غير المسلحة وكذلك الخرسانة المسلحة الزائدة التسليح.
الجملة الإنشائية structural system: هي نظام (منظومة) إنشائي مركّب يُعتمَد في تصميم المنشآت، ويُلتَزَمْ تنفيذه بغية الحصول على المنشأة المطلوبة في التصميم.
استعمل الإنسان القديم في تشييد المنشآت مواد إنشاء توفرت في مكان التشييد مثل الطين والخشب والحجر الطبيعي؛ حيث تم قطع الأحجار ونقلها وتركيبها بطرائق بدائية، فبنيت المنشآت بيدٍ خبيرة توفرت فيها المهارة والحس الهندسي الفطري المتميز.
أمّا المنشآت القديمة التي لم تتوفر فيها الشروط الواردة أعلاه؛ فقد انهارت، واندثرت، ولا يُعلَم عنها إلاّ القليل. وبقي حتى الآن بعض الأوابد التاريخية كشاهد حي لتثبت كفاءتها الإنشائية؛ وتشهد على سلامة طرائق تنفيذها، فاحتفظت بشرطي المقاومة والديمومة حتى الوقت المُعاصِر.
وتُبين الوقائع أن انهيار العديد من المنشآت القديمة عندما تعرضت لكوارث طبيعية مثل الزلازل كان هشاً brittle failure؛ لأن المواد الإنشائية المستعملة كانت هشة مثل الطين والخشب والحجارة. أمّا بقاء القليل من هذه المنشآت صامداً حتى العصر الحديث؛ فتعود أسبابه إلى ما يأتي:
- استعمال مواد إنشاء ذات مقاومة وديمومة عاليتين مثل الحجارة الطبيعية القاسية كالبازلت.
- إشادة هذه المنشآت بطرائق تنفيذ ملائمة توفرت فيها الأسس الهندسية السليمة بفضل الحس الفطري لبنّائيها.
شهد تاريخ المنشآت في القرنين الأخيرين تغيراً نوعياً مميزاً فيما يتعلق بتحسين خصائص مواد الإنشاء والجمل الإنشائية وطرائق التنفيذ، كان منها:
- استعمال مواد الإنشاء المطاوعة بدلاً من مواد الإنشاء الهشة وتحسين خصائصها الميكانيكية.
- التخفيف من أوزان المنشآت وزيادة مقاومتها.
- استعمال جمل إنشائية جديدة ذات فاعلية وكفاءة عاليتين.
- تطوير طرائق التنفيذ وتحسين نقاط اتصال العناصر الإنشائية.
- تطوير طرائق الحساب مع الأخذ بالحسبان الأحمال المحتمل تطبيقها على هذه المنشآت كافة.
- لحظ مسارات متعددة وبديلة لنقل الأحمال في المنشآت وإكسابها طاقة احتياطية داخلية تُستثمر فقط عند تعرّض المنشأة لأحمال استثنائية.
ميكانيكيات الانهيار collapse mechanisms
لكل منشأة- مهما صغرت أو كبرت- جملة إنشائية مهمتها مقاومة الأحمال المطبَّقة عليها بأمان كافٍ في الحالات العادية. أمّا إذا تعرضت لأحمال استثنائية توصِل الإجهادات في مقاطعها الحرجة إلى حد مرونة المادة؛ فتبدأ بالانهيار. ويتعلق شكل انهيارها بطبيعة هذه المادة الإنشائية، ويسمى كل نمط لانهيار المنشأة بميكانيكية انهيار. وقد يكون هذا الانهيار جزئياً أو كلياً، وتسمى جميع الأنماط المتوقعة لانهيار المنشأة بميكانيكيات الانهيار. وتتعلق ميكانيكيات الانهيار هذه بطبيعة مادة الإنشاء وطبيعة ارتباط عناصر الجملة. ففي الجمل الإنشائية المقرَّرة تحدث ميكانيكية الانهيار على الفور عندما يصل الإجهاد في مقطعها الحرج إلى حد المرونة، ويكون انهيارها آني. أما الجمل الإنشائية غير المقرَّرة، فإنها تمتلك طاقة تحمّل احتياطية كبيرة بسبب عدم التقرير، تُستثمر عند تعرض المنشأة لأحمال استثنائية كالزلازل. ولتوضيح ذلك تُستَعرض الأمثلة التالية:
1- الجوائز المستمرة غير المقررة indeterminate continuous beams
كلما كان عدد فوائض الجائز أكبر؛ امتلكت الجملة مقاومة داخلية إضافية أكبر بسبب سلوكها اللامرن الذي يخفِّف بدوره من احتمالات الانهيارات الجزئية أو الكلية. ومثال ذلك الجائز المستمر المبيَّن في الشكل (2).
الشكل (2) جائز مستمر. إذا طُبِّقت على الجائز المستمر المبيَّن في الشكل (2) (غير مقرّر من الدرجة الثالثة) أحمال موزَّعة بانتظام شدتها P متزايدة باستمرار؛ فستتشكل مفاصل لدنة plastic hinges عند المساند أولاً، وتحول الجائز إلى مقرّر.
وبالاستمرار بزيادة الحمل p؛ فستتشكل مفاصل لدنة في مجازات الجائز، ومن ثَمَّ يتحول الجائز إلى ميكانيكية انهيار.
تدل الزيادة الأخيرة في التحميل على أن للجائز طاقة تحمّل احتياطية، بعد أن تحول إلى مقرر. وتُستثمر هذه الطاقة عندما يتعرض لأحمال استثنائية كتلك الناجمة عن الزلازل.
تزداد طاقة التحمل الاحتياطية الداخلية بازدياد درجة عدم التقرير. ويجدر بالذكر أن الشرط الأساسي لتوفر هذا الاحتياطي في مقاومة المنشأة هو أن تكون المادة الإنشائية مطاوعة كالفولاذ المطاوع أو الخرسانة المسلحة ذات الجودة العالية والتي تحتوي على كمية وتفاصيل تسليح محددتين.
2- الجمل الإنشائية غير المقرّرة indeterminate structural systems
تُستَعمَلْ الجمل الإنشائية غير المقرّرة على شكل جمل إطارية أو جوائز شبكية مكتّفة كما في الشكل (3) لمقاومة الأحمال الشاقولية والجانبية المطبَّقة عليها.
الشكل(3) جملة إطارية وجملة جوائز شبكية مكثفة. وتبعاً لدرجة عدم تقريرها تحدث فيها أنماط متعددة من ميكانيكيات الانهيار. ويزداد عدد هذه الميكانيكيات كلما زادت درجة عدم تقرير المنشأة، وفيما يلي أهم هيئات انهيار المنشآت:
أ- هيئة انهيار الجزء العلوي من إطار بسبب تحطم أعمدته العلوية. كما في الشكل (4)
الشكل (4) انهيار الجزء العلوي. ب- هيئة انهيار الطابق الأول اللين لبناء كما هو مبين في (الشكل 5).
الشكل (5) انهيار الطابق اللين. ج- هيئة الانهيار الكامل للمنشأة (ظاهرة تطبق البلاطات) (الشكل 6).
الشكل (6) ظاهرة تطبق البلاطات. د- هيئة انهيار المباني ذات الطابق المتوسط الضعيف (الشكل7).
الشكل(7) انهيار الطابق المتوسط الضعيف. هـ - هيئة انهيار الطابق الأول اللين بسبب الزلازل (الشكل 8):
الشكل(8) انهيار الطابق الأول اللين. 3- الجمل الإنشائية المقرّرة determinate structural systems مثل جدران القص وما شابهها:
عندما تتعرض هذه الجمل لتراكب الأحمال الشاقولية مع الأفقية؛ يصل المقطع الحرج إلى مرحلة الانهيار بعد تشكل مفصل لدن فيه. ومن ثمَّ تتعرض المنشأة لتشوهات كبيرة تؤدي إلى فقدان الاستقرار والانهيار بصورة مطاوعة؛ إذا كان هذا المفصل محققاً لشروط المطاوعة.
ومن الجدير بالذكر أن انهيار المنشآت مثل الصوامع مشابه لانهيار جدران القص. ومن المفيد التنويه أن مطاوعة هذه المنشآت قليلة، وهذا ما يفقدها ميزة القدرة العالية لتبديد الطاقة عند تعرضها لأحمال استثنائية كالزلازل.
4- الجمل الإنشائية الكتلية mass structural systems: يمكن أن تنهار هذه الجمل بسبب فقدان استقرارها في إحدى الحالات التالية:
أ- الانزلاق بسبب تعرضها لقوى زالقة أكبر من القوى المثبتة.
ب- الانقلاب عندما تكون عزوم القوى القالبة أكبر من عزوم القوى المثبتة.
ج- وصول أي مقطع حرج إلى حالة انهيار مادته الإنشائية على الضغط أو الشد.
عندما تتعرض المنشأة لتراكيب أحمال مطبَّقة عليها ناجمة عن أحمال الثقالة لعناصرها المختلفة والأحمال الأخرى مثل الزلازل أو الرياح أو التغيرات الحرارية وما شابهها؛ فإنه تتولد فيها قوى تكون أعظمية في المقاطع الحرجة للمنشأة. وإذا أدت هذه القوى إلى إجهاد يساوي حد مرونة مادة العنصر؛ يحدث انهيار في هذه المادة. وتتعلق طبيعة الانهيار بطبيعة مادة العنصر. ويكون هذا الانهيار جزئياً أو كلياً تبعاً لطبيعة ترابط العناصر المشكّلة للمنشأة فيما بينها من جهة وترابطها مع الوسط الخارجي من جهة أخرى. من أهم أسباب الانهيار:
1- انهيار المادة نتيجة تعرضها للشد أو الانعطاف أو القص: ويُميَّز بين مادة مطاوعة حيث تصل إلى حد مرونتها، تبدأ المادة بالتشوه مع ثبات الإجهاد المطبَّق عليها، مثل الفولاذ، أو تنكسر فجأة عندما تكون هشة مثل الحجارة والخرسانة العادية وغيرها.
2- انهيار المادة نتيجة الضغط: ويكون عادة هذا الانهيار مفاجئاً ويحدث انفجاراً مترافقاً مع الانهيار عند وصول الإجهاد في المقطع الحرج إلى حد مرونة المادة.
3- انهيار المادة بسبب التحلل الكيميائي: وذلك عند تعرضها لمواد ضارة تؤدي إلى تفتتها أو انهيارها مع الزمن مثل الصدأ للفولاذ أو تأكّل الخرسانة من الكبريتات أو الأملاح الأخرى.
4- انهيار عقد الاتصال بين العناصر الفولاذية
أو الخرسانة المسلحة: بسبب خطأ في تصميمها أو تنفيذها.5- انهيار العناصر الكتلية بسبب انزلاقها أو انقلابها.
6- فقدان الاستقرار للعناصر الخطية بسبب التحنيب buckling أو التحنيب الفتل الجانبي lateral torsional buckling أو زيادة نحافة العناصر، أو الانتفاخ للعناصر القشرية وما شابهها.
7- انهيار الأساسات أو رقبات الأعمدة.
يمكن تجنب الكثير من انهيارات المنشآت؛ إذا اتُّخِذَت الإجراءات التالية:
1- تصميم جميع العناصر الإنشائية وفق الأسس السليمة والاعتناء بدراسة كل التفاصيل بدقة مع تحليل إنشائي كامل، والأخذ بالحسبان تأثير كل الأحمال المتوقع أن تُطَبَّق على المنشأة بالدقة المطلوبة.
2- الإشراف على تنفيذ المنشأة بدقة عالية وفقاً لشروط مراقبة الجودة وبمعايير عالية مهنياً.
3- استثمار المنشأة على نحو مطابق لشروط التصميم.
4- المراقبة المستمرة للمنشآت ورصد حدوث عيوبها من فور تشكلها والقيام بصيانتها الدورية من دون أي تأخير.
مراجع للاستزادة:
- P. Hamburg, Progressive Collapse of Structures: Nomenclature and Procedures, Structural Engineering International 2/2006.
- E. Masoero, P. Vallini, A. Fantilli, and B. Chiaia, Energy- Based Study of Structures under Accidental Damage, Key Eng. Mater., 417, 557-560, 2010.
- K. Meguro and M. Hakuno, Simulation of Collapse Of Structures Due to Earthquake Using the Extended Distinct Element Method Earthquake Engineering. Tenth World Conference, Balkema, Rotterdam 1992.
- المجلد : المجلد الرابع مشاركة :