الانعراج في البلورات
انعراج في بلورات
Crystal diffraction - Diffraction crystalline
موفق رقية
تُعدّ ظاهرة الانعراج diffraction من الظواهر الطبيعية التي تحدث عند اصطدام موجة بعائق ما. وهي بالتعريف انحناء واضح للأمواج حول عوائق صغيرة أو انتشار الأمواج من خلال فتحات صغيرة. يحدث الانعراج مع كل الأمواج بما يشمل الأمواج الصوتية والأمواج الضوئية المرئية والأمواج الكهرطيسية مثل أشعة X- والأمواج الراديوية. وتحدث ظاهرة الانعراج أيضاً مع الجسيمات الأولية مثل الإلكترونات والنترونات حيث إن الجسيمات الأولية لديها خصائص موجية، كما يحدث أيضاً مع ذرات المادة حيث يُدرس طبقاً لميكانيك الكم. استخدِمَت تقنية الانعراج الإلكتروني وتقنية انعراج أشعة-X لدراسات البنى البلورية crystal structure، واستُخدمت تقنية الانعراج النتروني لتحديد مواقع ذرات الهدروجين في البلورات الجزيئية. كذلك يُشار إلى فعالية تقنية الانعراج النتروني في حالة البلورات المغنطيسية magnetic crystals.
يمكن أن توجد عيّنات المادة الصلبة في إحدى ثلاث حالات وفق بنيتها البلورية : بلورة أحادية، متعددة البلورات، مادة لابلورية.
• بلورة أحاديةsingle crystal : هي عيّنة مادة صلبة تتميز بامتداد الشبكة البلورية فيها من أولها إلى آخرها مكونة بلورة كبيرة منتظمة.
• متعددة البلورات polycrystalline أو مسحوق powder: هي عينات مواد مكونة من حبيبات بلورية كثيرة لها أحجام مختلفة وعشوائية التوزيع. تُعدّ معظم المعادن والسيراميك موادَّ متعددة البلورات، وكثيراً ما تسمى البلورات الأحادية الصغيرة فيها بالحبيبات. ويمكن تصور متعددة البلورات عند طحن بلورة أحادية، فكومة المسحوق تشكل مادة متعددة البلورات.
• مادة لابلورية: amorphous هي عيّنة مادة صلبة لا تتوزع فيها الذرات توزيعاً منتظماً على مدى بعيد، ويكون توزيع الذرات فيها عشوائياً؛ بمعنى أن توزيع الذرات فيها لا يتبع أي نظام من الأنظمة البلورية. وقد تتسم ببعض النظام على المدى القصير (حيز يحتوي بين 10-20 ذرة)، ولهذا تسمى أجساماً صلبة لابلورية. مثال على ذلك بنية الزجاج العادي والخشب والورق وكثير من البوليمرات.
تُعرّف البلورة المثالية بأنها ترتيب منتظم ومتكرر للذرات أو الجزيئات في الفضاء ثلاثي الأبعاد معيّن بانسحابات تكرارية، حيث يمكن وصف البنية البلورية الكاملة بشبكة lattice من النقط أو العقد في الفضاء الثلاثي، وذلك بربط كل عقدة بذرة أو مجموعة من الذرات أو الجزيئات والتي تسمى بالنقش motif أو القاعدة. أي إن البنية البلورية هي تكرار دوري ومنتظم للنقش ينجم عن انسحابات الشبكة. يلاحظ أن الشبكة البلورية لا تصف إلا دورية البنية أي الخواص التناظرية فقط، لذلك ليس لعقد الشبكة أي معنى فيزيائي ولا يجب الخلط بين العقد والنقش الذي يتكون من ذرة أو مجموعة ذرات (الشكل1). تدعى العملية التي يتم فيها تشكيل البلورات بالتبلورcrystallization ، كما يدعى العلم الذي يُعنى بدراسة خصائص البلورات وأشكالها بعلم البلورات crystallography.
الشكل(1): تمثيل ثنائي البعد للتمييز بين الشبكة والبنية. |
تكون مواقع الذرات في البنى البلورية الحقيقية غير محددة بشكل مطلق؛ وذلك بسبب الاهتزاز الحراري لهذه الذرات حول مواقع وسطية. كذلك يوجد في بعض البنى البلورية الحقيقية أيضاً حالة عدم الترتيب الكيميائي، حيث تحتل بعض المواقع أنواع أخرى من الذرات بشكل عشوائي أو تكون بعض المواقع خالية تماماً من الذرات؛ أي هناك ما يسمى بالعيوب النقطية (حشوة أو فجوة)، أو قد يكون هناك غياب كامل لبعض المستويات البلورية أو وجود مستوٍ بلوري إضافي؛ وهذا ما يسمى بالانخلاعات dislocations حيث يُعرّف الانخلاع بأنه الجزء الفاصل بين منطقتين بلوريتين باتجاهين مختلفين.
أ. الشبكة المباشرة direct lattice : يمكن تمثيل الشبكة البلورية في الفضاء الثلاثي بخلية واحدة unit cell؛ وهي متوازي سطوح parallelepiped مبني من ثلاثة أشعة تسمى بأشعة الواحدة unit vectors ، الزوايا بينها α, β, γ (الشكل2). يُقال عن الخلية الواحدة: إنها بسيطة إذا كانت لا تملك عقداً إلا على رؤوس متوازي السطوح؛ أي إن الخلية البسيطة simple or primitive هي الخلية الصغرى حجماً والتي تسمح بتوليد مجموعة العقد من انسحابات تامة في الشبكة. إذا وُجدت عقدة إضافية على القطع المستقيمة أو في داخلها أو على أوجهها؛ فإن الخلية تسمى مضاعفة multiple.
الشكل(2): خلية الواحدة. |
ب. الشبكة العكسية reciprocal lattice: ظهر مفهوم الشبكة العكسية على نحو صُنعي عند دراسة الانعراج عن المواد البلورية حيث أُدخل لتسهيل الحسابات الرياضية في علم البلورات والجسم الصلب، ففيها يمكن تمثيل اتجاهات انتشار الأمواج وتغيراتها. ويُمكن تعريف الشبكة العكسية بأنها الشبكة التي تكون أشعة الواحدة فيها معرفة بالعلاقات (1، 2، 3):
حيث V حجم خلية الواحدة المباشرة.
ج. النظم البلورية وشبكات برافيه: النظام البلوري في علم البلورات نظام يسهم في تصنيف البلورات بحسب تناظرها الهندسي في فضاء ثلاثي الأبعاد. يوجد سبعة نظم بلورية تتبعها البلورات عند التبلور:
• نظام بلوري مكعبي cubic
• نظام بلوري رباعي tetragonal
• نظام بلوري سداسي hexagonal
• نظام بلوري ثلاثي معيني rhombohedral
• نظام بلوري معيني قائم orthorhombic
• نظام بلوري أحادي الميلmonoclinic
• نظام بلوري ثلاثي الميلtriclinic
وتسمى الشبكة المثالية مع تناظراتها التي هي مجموعة لا نهائية من النقاط المنتظمة في الفراغ شبكات تبلور برافيه Bravais lattice، ويبين الجدول (1) شبكات برافيه الأربع عشرة، القائمة على النظم المختلفة السبعة.
الجدول(1): شبكات برافيه الأربع عشرة |
إن كيفية إشغال الخلية بالذرات هي كالآتي:
• أولية (P) primitive الذرات تشغل الزوايا فقط.
• مركزية الجسم (I) body centred ذرة ثانية تشغل وسط الخلية.
• مركزية الوجوه (F) face centred ثلاث ذرات إضافية تشغل مراكز أوجه الخلية.
• مركزية القاعدة (A, B or C) base centred ذرة إضافية تشغل قاعدة الخلية.
يمكن حساب حجم خلية الواحدة للأنظمة السبعة من الشبكات بالعلاقة (4):
حيث: هي أشعة الواحدة. ويعطي الجدول (2) حجم خلية الواحدة للأنظمة السبعة بدلالة أطوال أشعة الخلية والزوايا بينها.
|
التبلور أو (البَلْوَرَة) عملية تشكيل (طبيعية كانت أم اصطناعية) للبلورات الصلبة من المحلول أو الصهارة. تُعدّ عملية التبلور أيضاً من تقنيات الفصل في الأوساط الصلبة-السائلة، حيث تحدث عملية انتقال لجزيئات المادة من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة. تعتمد عملية التبلور على ضبط درجة حرارة الوسط وضبط الضغط وإعطاء النظام الوقت الكافي الذي يسمح بتكون البلورات الكبيرة. تُستخدم عملية التبلور في نوعين من التطبيقات الصناعية المهمة: إنتاج البلورات وتنقية المعادن والمركّبات. تُدرس وتُبتكر طرائق لتنمية البلورات في علم المواد والصناعة؛ وذلك لإنتاج بلورات كبيرة الحجم أو إنتاج بلورات على مستوى صناعي كبير ذات نقاوة عالية، منها إنتاج بلورات ذات روابط تساهمية مثل السليكون، وبلورات إيونية مثل إنتاج الملح. يلزم أحياناً إنتاج بلورات صغيرة مثل إنتاج المساحيق، ومؤخراً مساحيق تقنية النانو، كما تنتج عينات دقيقة لدراسة خصائصها في علم المواد، وطرق إعادة التبلور، وتبلور بلورات غريبة تُدرس عن طريقها بناء الجزيئات، وقوى ترابط الذرات في البناء البلوري.
تُستخدم طرق تعيين البنية البلورية بوساطة انعراج أشعة X وكذلك مطيافية الرنين المغنطيسي النووي nuclear magnetic resonance (NMR) spectroscopy لمعرفة الهياكل البلورية لأعداد كبيرة من المركّبات المعدنية والعضوية والمعدنية- العضوية، وكذلك دراسة بنية الجزيئات العضوية الكبيرة مثل البروتينات. تُعدّ تجربة لاوه M. V. Laue الشهيرة التي أعلنها عام 1912 انطلاقة بارزة في تطوير علم البلورات، وقد طوّرها بعده فريدريش وكنبينغ Friedrich و Knipping في جامعة ميونخ.
شرط حدوث الانعراج
تظهر آثار الانعراج عندما تجتاز حزمة أشعة X وسطاً منتظماً من الذرات المكونة للبلورة، تُبعثر كل ذرة جزءاً دقيقاً من قطار الموجة الواردة كقطار موجة ثانوي. إذا كانت هذه الموجات الثانوية متفقة بالطور؛ فإنها تقوي بعضها بعضاً؛ لتبني حزمة منعرجة. يكون هذا الاتفاق في الطور محققاً عندما يكون فرق المسير بين الحزمة الواردة والحزمة المنعرجة عدداً صحيحاً من طول الموجة. يعرف شرط حدوث الانعراج من أجل مجموعة من المستويات الشبكية المتباعدة بمسافة d بقانون براغ Bragg : (الشكل3).
الشكل(3): تمثيل هندسي مبسط لاستنتاج قانون براغ. |
حيث λ طول موجة الحزمة الواردة، θ زاوية الورود على السطح، n عدد صحيح يمثل مرتبة ذروة الانعراج.
الطرائق التجريبية لدراسة الانعراج في البلورات
تقسم تقنيات الانعراج في البلورات بحسب نوع الأشعة المستخدمة (أشعة-X، حزمة إلكترونية أو حزمة نترونية) أو بحسب طبيعتها (أشعة وحيدة اللون monochromatic أو مركّبة)؛ وكذلك بحسب طبيعة العينة [بلورة أحادية أو متعددة البلورات أو مسحوق].
أ. طريقة لاو Laue: استمرت تقنية لاو منذ اكتشفها العالم لاو Laue عام 1912 أهم طريقة في التحليل البلوري للمادة؛ لكن ليست أسهل طريقة من حيث المبدأ، وذلك بسبب استخدام أشعة-X المركّبة؛ أي التي لها طيف واسع من أطوال الموجة، وليس طول موجة وحيد. تسقط حزمة أشعة- X هذه على بلورة أحادية صغيرة، تتفاعل أشعة- X مع هذه البلورة الثابتة بحيث يتحقق شرط الانعراج من أجل بعض المستويات البلورية. تُشكل الأشعة المنعرجة بقعاً مضيئة في فيلم حيث يمكن معرفة الوسطاء البلورية والتناظر البلوري من هندسة هذه البقع، ويبين الشكل (4) مثالاً عن فيلم لاو للسليكون أشعة- X في الاتجاه البلوري [100].
الشكل(4): فيلم لاو Laue لبلورة السليكون في الاتجاه البلوري [100]. |
ب. طريقة المسحوق Powder method : تُعدّ هذه الطريقة أكثر استخداماً؛ وذلك لسهولة الحصول على عينة ذات حبيبات بلورية أبعادها أقل من mµ 10 . تسقط حزمة أشعة-X الوحيدة اللون على عينة مسحوق موضوعة في أنبوب شعري من الزجاج أو حامل خاص. تعرف هذه الطريقة أيضاً بطريقة ديباي وشيرر Debye-Scherrer. تُشكل الأشعة المنعرجة عن حبيبات المسحوق البلورية ذات الاتجاهات العشوائية زاوية θ مع حزمة الأشعة الواردة والتي تحقق قانون براغ. تتموضع هذه الأشعة المنعرجة ضمن مخاريط محورها المركزي هو الحزمة الواردة، وزاوية رأس المخروط هي θ2(الشكل5-أ). يعطي تقاطع المخاريط مع الفيلم سلسلة من الحلقات المتمركزة (الشكل5-ب). يمكن تمثيل هذه الحلقات على شكل منحني محور السينات؛ هو θ2، ومحور العينات عبارة عن الشدة (الشكل5-ج).
الشكل(5): مخطط انعراج المسحوق: (أ) مخاريط الانعراج. (ب) حلقات الانعراج التجريبية لـ O3 Al2 . (ج) التمثيل البياني لمخطط انعراج المسحوق لـ 3O 2Al . |
ج. طريقة البلورة الدوّارة: توضع بلورة أحادية في مركز حجرة أسطوانية الشكل يمكنها الدوران حول محورها. تسقط على هذه البلورة حزمة أشعة-X وحيدة اللون في الفيلم الحساس الموضوع على السطح الداخلي للغرفة الأسطوانية (الشكل6). بحساب بسيط يمكن قياس زاوية براغ والمسافة الشبكية لعائلة المستويات البلورية المنعرجة عنها هذه الحزمة.
الشكل(6): طريقة انعراج البلورة الدوّارة. |
تطبيقات الانعراج
إن التطبيق الأساسي لانعراج البلورات هو دراسة المواد البلورية، حيث تهدف تقنية انعراج البلورات الأحادية إلى تعيين البنى البلورية الكاملة بدايةً من البنى البسيطة لبعض المركّبات اللاعضوية حتى أعقد المواد كالبروتينات. تُعدّ تقنية انعراج المسحوق من أهم التقنيات المستخدمة من أجل معرفة هوية المواد البلورية المجهولة وتحديدها (فلزات، مركّبات لاعضوية، مركّبات عضوية ...إلخ) وأوسعها. يعدّ تحديد هوية الأجسام الصلبة المجهولة من الدراسات المعقدة والحرجة في علم الجيولوجيا وعلم البيئة وعلم المواد والهندسة حتى البيولوجيا. تلخص تطبيقات تقنية انعراج المسحوق في معرفة :
• أنظمة المواد البلورية.
• تحديد هوية الفلزات ذات الحبيبات الدقيقة مثل الغضارياتclay .
• تعيين أبعاد خلية الواحدة.
• قياس نقاوة المادة.
يمكن أيضاً باستخدام تقنيات خاصة أن يُحصل على المعلومات التالية:
• الاستنتاج الكامل للبنية البلورية لبعض المواد.
• تعيين البنى البلورية لمواد معقدة باستخدام تصفيات ريتفيلد Rietveld.
• التحليل الكمي.
• قياسات نسيج texture عينات متعددة البلورات أو مسحوقة.
• قياس درجة التبلور crystallinity.
• توصيف عينات الأفلام الرقيقة لتعرّف خواصها الإلكترونية والميكانيكية مثل:
o تحديد عدم التوافق بين الفيلم والرّكازة substrate وتحديد الإجهادstress strain.
o تحديد كثافة الانخلاعات density dislocation ونوعيتها في الأفلام باستخدام قياسات المنحني الهازّ rocking curve.
o قياسات الشبكات الفائقة superlattice في البنى المتنضدة epitaxial متعددة الطبقات.
o تحديد سماكة الأفلام وخشونتها وكثافتها باستخدام الورود المماسيglancing incidence لأشعة-X وقياسات الانعكاسية reflectivity .
مراجع للاستزادة: -L. Bragg, The Crystalline State: A General Survey . G. Bell and Sons, 1955. -Ch. Kittel & J. Wiley, Introduction to Solid State Physics. 1976. -J. Martin, A. George, Caractérisation expérimentale des matériaux II (TM volume 3). Analyse par rayons X, électrons et neutrons. Presses Polytechniques et Universitaires Romandes, 1998. -J. J. Rousseau. Cristallographie géométrique et radiocristallographie par Dunod, Paris, 2000.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :