الأنتروبية
انتروبيه
Entropy - Entropie
مصطفى صائم الدهر
ظهر مفهوم الإنتروبية entropy وتابع الإنتروبية عند صياغة القانون الثاني الذي يحدد اتجاه انتقال الحرارة أو التحولات الترموديناميكية الطبيعية (أو التلقائية)، وكذلك الذي يحدد مردود الدورات الترموديناميكية في المحركات الحرارية. فقد مكنّت صياغة القانون الأول من التعبير عن انحفاظ الطاقة، في حين قدّم كلاوزيوس Clausius القانون الثاني في صيغتين؛ تنص الأولى على «استحالة وجود آلة تعمل ذاتياً – من دون مساعدة خارجية- أن تنقل الحرارة من جسم درجته أخفض إلى جسم درجته أعلى». أو «لا يمكن للحرارة أن تنتقل ذاتياً من جسم بارد إلى جسم أسخن منه، أي إن الحرارة تنتقل دائماً إلى الجسم الأبرد». ثم صاغ كارنوCarnot القانون الثاني اعتماداً على مردود الدورات الترموديناميكية فقال: «من المستحيل أن تُحوَّل حرارة من خزان حراري إلى عمل بالكامل عبر دورة ترموديناميكية، أي لا بد من تسليم جزء منها إلى خزان حراري أبرد من الأول». وقد تبيّن تكافؤ هذه الصيغ بتعريف تابع الإنتروبية في الترموديناميك، كما ظهر تعريف إحصائي لها عندما تطبق على الغازات وفق الميكانيك الإحصائي.
عرّف كلاوزيوس في بداية الخمسينات من القرن التاسع عشر الإنتروبية على نحو وصفي بناء على التجارب الترموديناميكية بتعريف تغيرها ،ΔS ، لخزان حراري كما في العلاقة (1):
حيث QΔ كمية الحرارة المستمدة من خزان حراري درجة حرارته T. وتمت كتابة القانون الثاني ليعبر عما يحدث في تحولٍ ما باستخدام الإنتروبية كما يأتي:
إذ يبرهن على أن تغير الإنتروبية سيكون موجباً في التحولات الطبيعية غير العكوسة، ومساوياً للصفر في حالة كون التحول قابلاً للعكس. فإذا حُسب تغير الإنتروبية لجملة مؤلفة من غاز مثالي (يُوصف بمعادلة الحالة P.V=n.R.T) فإن التغير يعطى بالعلاقة (2):
حيث:
n : عدد المولات من الغاز.
R: ثابت الغازات العام
عدد أفوكادرو جزيء/مول.
ثابت بولتزمان.
iV الحجم الذي يشغله الغاز في بدء التحول و fV الحجم الذي يشغله الغاز في نهاية التحول. ويلاحظ أن الإنتروبية لها واحدة الطاقة لكل درجة الحرارة Ko/J في الجملة الدولية.
مع ظهور النظرية الحركية للغازات التي هي النموذج الميكانيكي لسلوك الغاز المثالي، قادت العلاقة السابقة بولتزمان عام 1870 إلى تعريف الإنتروبية إحصائياً. فبدأ النظر في حالة بسيطة يتضاعف فيها الحجم في تحولٍ معينٍ، أي إن نسبة الحجم النهائي إلى البدائي يساوي 2، ثُم أدخل عدد الذرات N داخل اللوغارتم، وقال بوجود عدد كبير من الحالات المجهرية Ω التي تقابل حالة جهرية واحدة، يسمى الوزن الإحصائي، ثم أشار إلى أن الإنتروبية ليست إلا ما يربط الوصف الجهري (الماكروسكوبي) بالوصف المجهري (المكروسكوبي) للجملة الفيزيائية، ويُعبر عنها بعلاقة بولتزمان التالية (العلاقة 3):
وفيها k: ثابت بولتزمان.
وقد أكد أنه من أجل جملة معزولة يمكن تعريف الحالة المجهرية microstate: بالحالة التي تصف كامل الجسيمات المحتواة في الجملة وصفاً تاماً، أي معرفة جميع إحداثيات جسيمات الجملة واندفاعاتها في الحالة التقليدية، أو معرفة التابع الموجي للجملة في الحالة الكمومية. أما الحالة الجهرية macrostate فهي حالة الجملة الموصوفة باستعمال بضعة مقادير قابلة للقياس فقط. مثل: الحجم، درجة الحرارة، الضغط.
ففي حالة جملة ذات طاقة E وحجم V وعدد جسيمات N، يوجد عدد كبير جداً من الطرائق لتوزيع الجسيمات وإعطائها إحداثيات معينة واندفاعات التي تعطي الحالة الجهرية ذاتها. فمثلاً ليكن عدد الحالات المجهرية التي تقابل حالة جهرية (E,V,N) وحيث E محصورة في المجال . فإن الوزن الإحصائي رقم كبير جداً في العادة. وعموماً يكون الوزن الإحصائي أعظمياً في حالة التوازن، ليتفق مع زيادة الإنتروبية في التحولات الطبيعية.
من ثم يمكن إعادة صياغة القانون الثاني في الترموديناميك بأنه:
«من أجل التحولات الطبيعية تزداد الإنتروبية دوماً، حتى تأخذ الإنتروبية قيمة عظمى عند التوازن».
يتضح أن القانون الثاني في الترموديناميك يحدد اتجاه التحولات الطبيعية في أي جملة فيزيائية بحيث تتحقق العلاقة . فهناك اتجاه تحول مع الزمن فيه، في حين لا تلاحظ هذه الإمكانية في أي قانون فيزيائي آخر، مثل «قانون انحفاظ الطاقة». ويمكن القول إن الإنتروبية تعبر إحصائياً عن الفوضى أو عدم الترتيب في الجملة عبر الوزن الإحصائي.
يتبين هذا من خلال مثال الغاز المثالي المؤلف من N جزيئاً يشغل حجماً ابتدائياً ، تمدد هذا الغاز حتى شغل الحجم ، يعطى تغير الإنتروبية جهرياً بالعلاقة (2)، فإذا كان حجم الجزيء يكون موقع مكان يمكن أن يشغله الجزيء الواحد، ومن أجل N جزيء غير متفاعل يكون عدد الطرائق الممكنة لتوزيع الجزيئات إحصائياً ضمن الحجم هو: ، بالمثل من أجل الحجم النهائي الذي يشغله الغاز. وتكون نسبتهما كما في العلاقة (4):
بأخذ اللوغارتم الطبيعي للطرفين والضرب بـ k نحصل على (العلاقة 5):
أو العلاقة (6):
وبالتالي يمكن أن نكتب الفرق كما في (العلاقة ((7
بالمقارنة مع العلاقة (2) يُحصل على علاقة بولتزمان للإنتروبية (3).
وبصورة عامة يمكن البرهان على أن الإنتروبية تعطى بالعلاقة (8):
حيث ip احتمال وجود الجملة في الحالة المجهرية i.
قاد ذلك إلى القبول بإحدى مسلمات الفيزياء الإحصائية التي تنص على أنه من أجل جملة معزولة في حالة توازن يكون لكل حالة مجهرية ذات احتمال الحدوث أي: ، وتؤول العلاقة (8) إلى علاقة بولتزمان (3).
تبعاً لذلك فإن الإنتروبية هي مقياس للفوضى في الجمل الفيزيائية، وهي تتزايد باستمرار، والسؤال كيف إذن نحصل على درجة عالية من الانتظام عملياً مثل البنى البلورية في الأجسام الصلبة أو البروتينات أو الخلايا الحيوية؟
طوّر إيليا برغوغين Ilya Prigogineوآخرون إجابة هذا التساؤل من خلال دراسة الجمل البعيدة عن وضع التوازن وبيّنوا أن حصول هذا الترتيب في الكون وظهور الترتيب من اللاترتيب disorder-orderلا يتعارض مع القانون الثاني، وتحتاج مناقشة هذا الموضوع إلى توسعٍ كبير في الميكانيك الإحصائي.
جدير بالذكر أن نظرية المعلومات التي نشأت بدءاً من خمسينيات القرن العشرين تُعرف تابع يتعلق باحتمال حدوث خطأ في نقل المعلومة يأخذ الشكل الرياضي نفسه للعلاقة (8)، وتتشابه بعض المعالجات الرياضية في نظرية المعلومات مع الترموديناميك الإحصائي، عبر تعريف الإنتروبية.
إذا وجد مصدر للمعلومات يزود بـ n رمزاً ، موصوف باستخدام مجموعة من (0،1) على سبيل المثال. وكانت هذه الرموز تحصل باحتمالية على الترتيب، كما أن الحصول على أي من الرموز مستقل عن احتمال الحصول على رمز آخر. وإذا قيس حصول الرمز فإن مقدار المعلومات المستفادة منها في هذا القياس - وفق تعريف شانون C.Shannon- هو وعند ملاحظة سلسلة من المعلومات N، يتكرر الرمز في هذه السلسلة، وبالتالي يكون احتمال مرة، أي خلال N قياس مستقل يُحصل على معلومات كلية تحسب بالعلاقة (9):
والقيمة الوسطية للمعلومات تعطى بالعلاقة (10):
أي عُبّر عن مقدار «المعلومات» Information بدلالة الاحتمال فقط. وبصورة عامة إذا كان لدينا مجموعة من الاحتمالات (أو توزع احتمالي) تعرف إنتروبية التوزع الاحتمالي بالعلاقة (11):
إذن تعرف الإنتروبية في نظرية المعلومات بشكل شبيه للإنتروبية في الفيزياء الإحصائية (العلاقة 8) ولكن في نظرية المعلومات غالباً ما يُؤخذ اللوغارتم ذو الأساس 2، بسبب نظام العد الإثنائي.
مراجع للاستزادة: - ماندل، الفيزياء الإحصائية، ترجمة فوزي عوض وعمر دريرش وأحمد بغدادي، جامعة دمشق 1982. - R. Baierlein, Thermal Physics, Cambridge University Press, 1999. - W. Greiner, Thermodynamics and Statistical Mechanics, Springer Verlag, 1995. - P. Glansdorff and I. Prigogine, Thermodynamic Theory of Structure Stability and Fluctuations, John Wiley & Sons, New York, 1971. - C. Kittle, Thermal Physics, W. H. Freeman and Company, 1980. - J. M. Ruby, Does Nature Break the Second Law of Thermodynamics, Scientific American, 28 October. 2008. -Serway and Jewett, Physics for Scientists and Engineers, Brooks/ Cole, 2008. |
- التصنيف : الحرارة والترموديناميك - النوع : الحرارة والترموديناميك - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :