امواج مكرويه
Microwaves - Micro-ondes

الأمواج المكرويّة

خالد يزبك

الطيف الكهرطيسي للأمواج المكرويّة

 ظاهرة الأثر القشريّ للأمواج المكرويّة

انتشار الأمواج المكرويّة

 تطبيقات الأمواج المكرويّة

 

الأمواج المكرويّة عموماً هي أمواج راديويّة، تنتشر عبر الهواء أو في وسط مادي، وهي أمواج كهرطيسيّة تشغل حيِّزاً من الطيف الكهرطيسي يمتدّ من التردّد (التواتر) 300 MHz (الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1007833.jpg) حتّى التردّد 300 GHz الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image292.jpgأي لها أطوال موجة تمتدّ من متر واحد الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1023724.jpgحتى ملّيمتر واحد الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image309.jpgحيث يمثِّل الرمز الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1013772.jpgطول الموجة، وc سرعة انتشار الموجة في الفراغ الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image324.jpg، و الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1017828.jpgتردّد الموجة.

ويطلق عادة تسمية أمواج ملّيمتريّة millimetric waves على الأمواج العاملة ضمن المجال التردّدي من 30 GHz حتى 300 GHz، حيث يصبح طول الموجة أقلّ من سنتيمتر واحد (من رتبة الملّيمتر)، لكنّها تبقى جزءاً من الطيف الكهرطيسي للأمواج المكرويّة.

لمحة تاريخية:

تقع أطوال الأمواج المكرويّة بين الأشعة تحت الحمراء وأمواج بث الراديو، أي إن طول الموجة المكرويّة لا يقلّ عن 1 mm. لكنّ التسمية “أمواج مكرويّة” أُطلقت تجاوزاً عندما اكْتُشفت أوّل مرّة موجة بطول يقل كثيراً عن تلك المستخدمة في بث الراديو، أو تلك التي استخدمت في الرادار خلال الحرب العالميّة الثانية. واستُخدم مصطلح الأمواج المكرويّة أوّل مرّة استخداماً موثَّقاً في العام 1931م، ثم استعمل عام 1946م أوّل مرّة في علم الفلك.

تطوّرت المفاهيم الأساسيّة للأمواج الكهرطيسيّة، وخطوط النقل، والدارات المكرويّة مع بدايات القرن العشرين. وحظي الرادار- الذي يُعدّ من أوائل تطبيقات التقانات المكرويّة- بالاهتمام والتطوير منذ الحرب العالميّة الثانية. كما شهدت هندسة الأمواج المكرويّة تطوّرات كبرى خلال القرن العشرين، تمثّلت في منابع الحالة الصلبة للتردّدات العالية، والدارات المتكاملة المكرويّة المتآلفة (MMIC) Monolithic Microwave Integrated Circuit  التي فتحت المجال لتطبيقات عديدة.

أمّا فكرة نقل الطاقة مكروياً فقد تصوّرها ثمّ جرّبها نيكولا تسلا Nikola Tesla عام 1899م. لكنْ تأخّر الاهتمام بها حتّى اختراع منابع الطاقة العالية للأمواج المكرويّة بأطوال موجة قصيرة تسمح بتركيز الطاقة في حزمة ضيّقة وتوجيهها بهوائيّات وعواكس صغيرة الأبعاد.

ففي الثلاثينيات من القرن العشرين أثمرت الجهود المبذولة مولِّدات أمواج مكرويّة ذات طاقات عالية، باختراع الماغنترون magnetron والكلايسترون klystron، ثمّ صمَّام الموجة الراحلة (TWT) traveling wave tube  في بداية الخمسينيات. في حين شهدت الستّينيات نمواً واسعاً لعناصر الحالة الصلبة المكرويّة وداراتها.وجرى تصنيع ترانزستور الأثر الحقلي المكروي microwave GaAs FET، وهذا ما سمح لاحقاً بتطوير الدارات المتكاملة المكرويّة المتآلفة MMIC، التي استمرّ العمل على تطويرها بتوجّهات أكثر تعقيداً، وتحتوي على وظائف متعدّدة، وباستطاعات أعلى، وتعمل عند تردّدات أعلى، وتَعِد بكلفة أخفض، وأداء أفضل، وحجم أصغر.

الطيف الكهرطيسي للأمواج المكرويّة:

تعتمد المنظّمات الدوليّة المعنيّة بإدارة الطيف الكهرطيسي مجالات تردّديّة frequency bands فرعية متنوِّعة للأمواج المكرويّة، تختلف في توزّعها (عريضة أو ضيّقة)، وفي تسميتها، وبحسب تطبيقاتها واستخداماتها. يظهر الشكل (1) الحيِّز الذي تشغله الأمواج المكرويّة ضمن الطيف الكهرطيسي بكامله، وفق ما تتّفق عليه معظم المنظّمات الدَّوليّة.

الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\55-1.jpg

الشكل (1): الأمواج المكرويّة ضمن الطيف الكهرطيسي

فالاتّحاد الدَّوْليّ للاتصالات (ITU) International Telecommunication Union  يعتمد ثلاثة نطاقات تردّديّة عريضة للأمواج المكرويّة مبيَّنة في الجدول (1)، مع أهم الاستخدامات ضمن كل منها. ويعتمد معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) Institute of Electrical and Electronics Engineers  النطاقات الفرعية التخصّصيّة المبيّنة في الجدول (2)، وهي مجالات تردّديّة frequency ranges ضيّقة، يجري عادة استخدامها لتوصيف الأنظمة أو الأجهزة وفقاً للمجال التردّدي الذي تعمل ضمنه.

الجدول (1): مجالات الأمواج المكرويّة وفقاً للاتّحاد الدَّوْليّ للاتصالات (ITU) وأهم الاستخدامات

اسم النطاق

الاختصار

رقم النطاق

المجال التردّدي

وطول الموجة

أهم الاستخدامات

Ultra high frequency

UHF

9

300 - 3000 MHz
1 m – 100 mm

البث التلفازي، الأفران المكرويّة، الاتصالات المكرويّة، الاتصالات الخلويّة، علم الفلك الراديوي radio astronomy، الشبكات المحليّة اللاسلكيّة wireless LAN، بلوتوث Bluetooth، زيغبي ZigBee، نظام تحديد الموقع العالمي GPS، الوصلات المكرويّة، راديو الهواة amateur radio.

Super high frequency

SHF

10

3 - 30 GHz
100 – 10 mm

الاتصالات المكرويّة، الشبكات المحليّة اللاسلكيّة wireless LAN، أنظمة الرادار الحديثة، الاتصالات الفضائيّة، الإرسال التلفازي الفضائي المباشر direct broadcast satellite (DBS)، راديو الهواة amateur radio.

Extremely high frequency

EHF

11

30 - 300 GHz
10 – 1 mm

علم الفلك الراديوي، وصلات التتابع العالية التردّد المكروي high-frequency microwave radio relay، الاستشعار من بعد بالأمواج المكرويّة microwave remote sensing، راديو الهواة.

الجدول: (2) نطاقات الأمواج المكرويّة وفقاً لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)

النطاق

Band

المجال التردّدي

Frequency range

 

النطاق

Band

المجال التردّدي

Frequency range

L

1 to 2 GHz

 

K

18 to 27 GHz

S

2 to 4 GHz

 

Ka

27 to 40 GHz

C

4 to 8 GHz

 

V

40 to 75 GHz

X

8 to 12 GHz

 

W

75 to 110 GHz

Ku

12 to 18 GHz

 

mm 

110 to 300 GHz

ظاهرة الأثر القشريّ للأمواج المكرويّة:

تكمن خصوصيّة الأمواج المكرويّة في التردّدات العالية جدّاً وأطوال الموجة القصيرة جدّاً، وما يرتبط بذلك من ظواهر فيزيائيّة من جهة، واعتبارات كهربائيّة من دارات وتقانات وتقنيّات من جهة أخرى. فالدارات الخاصّة بالأمواج المكرويّة تتطلّب عناصر موزَّعة distributed elements لعمل الدارة بسبب ظاهرة الأثر القشريّ للتردّدات المكرويّة microwave skin effect، حيث ينتقل التيّار الكهربائي المتناوب عبر سماكات صغيرة جداً (قشرة) من سطح الناقل عند هذه التردّدات. وتتناقص سماكة القشرة كلّما ازداد التردّد، بسبب التحريض المغنطيسي المتولّد داخل الناقل والمتزايد مع التردّد، وهذا ما يدفع التيّار نحو سطح الناقل. تعطى سماكة القشرة بدلالة التردّد بالعلاقة (1):

الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1061246.jpg

حيث الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1075138.jpgثابت نفوذيّة الفراغ، و الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1063792.jpgناقليّة الناقل، و الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1065942.jpgتردّد التيّار.

ممانعة الأنظمة المكروية:

يمكن وصف الدارات والتقانات والأجهزة نوعيّاً بالمكرويّة عندما تكون أبعادها الفيزيائية من رتبة طول الموجة المكرويّة. كما يجب أن تعمل في نظام ممانعته المعيارية الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1087025.jpg، ما عدا نظام الفيديو والتلفاز الذي يتمتّع بممانعة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1090378.jpg. تاريخياً جرى اختيار هذه القيمة للممانعة حلاُ وسطاً بين فاقد الاستطاعة في خطوط النقل المحوريّة، الذي يكون أصغرياً في حالة الممانعة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image10903781.jpg(لذلك جرى اعتماد هذه القيمة لنظام الفيديو والتلفاز)، وبين إمكانية نقل الاستطاعة power handling capability، التي تكون أعظميّة في حالة الممانعة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1093823.jpg.

انتشار الأمواج المكرويّة:

تنتشر الأمواج المكرويّة وفق خط نظر line of sight، ويتأثَّر انتشارها عبر الهواء أو قرب سطح الأرض بظواهر الانعكاس reflection (الشكل 2)، والانكسار refraction (الشكل 3)، والانعراج diffraction والانتثار أو التبعثر scattering والتخامد attenuation. كما يتأثَّر- في حالة تردّدات أعلى من 10 GHz- بظاهرة الامتصاص في الغلاف الجوّي المكوّن من غازات مختلفة وبكثافة متغيِّرة مع الارتفاع عن سطح البحر، كما هو مبيّن في الشكل (4). لاستقطاب الموجة أيضاً (أفقياً أو شاقولياً أو دائرياً) أثر في انتشار الموجة.

الشكل (2): ظاهرة انعكاس الأمواج المكرويّة

الشكل (3) ظاهرة انكسار الأمواج المكرويّة

الشكل (4) ظاهرة امتصاص الأمواج المكرويّة في الغلاف الجوّي بدلالة التردّد (استقطاب أفقي)

يتأثّر أداء أنظمة الاتصالات والرادار عملياً بظواهر انتشار الأمواج المكرويّة عبر الهواء أو قرب سطح الأرض تأثراً كبيراً. والأهمّ من ذلك أنّه لا يمكن تقدير التأثيرات تقديراً دقيقاً، وإنّما يمكن توصيفها أو تقديرها إحصائيّاً. ويُضاف تأثير كل ظاهرة مقدَّرة إحصائيّاً على شكل فَقْد في الاستطاعة، إلى الفَقد الناجم عن الانتشار في الفضاء الحّر لمسافة d، المعروف باسم فَقد الفضاء الحرّ (FSL) free-space loss – ، الذي يُعطى بالعلاقة العمليّة (2):

الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image248770.jpg

الناتجة من معادلة فريس Friis formula الشهيرة، التي تعطي الاستطاعة المستقبلة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image564.jpgبهوائي استقبال ربحه الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image575.jpgبدلالة الاستطاعة المرسلة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image590.jpgوربح هوائي الإرسال الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image597.jpg، والمسافة d بين المرسل والمستقبل (العلاقة 3):

الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image250644.jpg

تطبيقات الأمواج المكرويّة:

تتيح الصعوبات الناجمة عن التردّدات العالية جدّاً وأطوال الموجة القصيرة جدّاً للأمواج المكرويّة في تصميم الأنظمة والدارات المكرويّة وتحليلها فرصاً فريدة لتطبيقات واستخدامات في مجالات عدّة. يعود ذلك للأمور التالية:

تناسب ربح الهوائي مع بعده الكهربائي (وهو البعد الفيزيائي منسوباً إلى طول الموجة). فعند التردّدات العالية، وفي حالة هوائي بأبعاد فيزيائيّة محدَّدة يزداد ربح الهوائي، وهذا ما يسمح بالحصول على هوائيات صغيرة الأبعاد، ومن ثمّ تنفيذ أنظمة ودارات مكرويّة منمنمة.

اتساع عرض الحزمة bandwidth (أو ازدياد سعة حمل المعلومات information- carrying capacity)، عند التردّدات الأعلى. حيث يكسب عرض الحزمة أهمّية حاسمة بسبب ندرة النطاقات التردّديّة المتاحة من الطيف الكهرطيسي.

انتشار الأمواج المكرويّة وفق خط النظر Line of Sight، وعدم عكسها من طبقة الإيونوسفيرionosphere العليا من الغلاف الجوي كما في حالة التردّدات المنخفضة. وهذا ما يتيح إمكانيّة تحقيق أنظمة اتصالات أرضيّة وفضائيّة بسعات مرتفعة جداّ، وإعادة استخدام التردّدات نفسها في مناطق مجاورة.

تناسب المنطقة العاكسة الفعّالة effective reflection area، أو المقطع العرضي للرادار radar cross section، لهدف راداري مع البعد الكهربائي للهدف. وهذا ما يجعل الأمواج المكرويّة هي المفضَّلة لأنظمة الرادار.

حدوث ظواهر رنين resonance جزيئيّة وذريّة ونوويّة متنوّعة عند التردّدات المكرويّة.

تُستخدم الأمواج المكرويّة في أنظمة الاتصالات والرادار والاستشعار من بعد، والأنظمة الطبيّة. كما تُستخدم التقانة المكرويّة في الاتصالات الخلويّة العاملة ضمن النظام التردّدي UHF، إذ بلغ عدد المشتركين 200 مليون في العالم عام 1997م، لكونها تزوّد المشتركين بالصوت والصورة والمعطيات عن طريق تغطية واسعة ومنتشرة.

تعمل معظم أنظمة الاتصالات الفضائيّة ضمن النطاقات التردّدية C, X, Ku من الطيف الكهرطيسي للأمواج المكرويّة. لقد أخفقت أنظمة الهاتف النقّال الفضائي تقنيّاً واقتصاديّاً مثل إيرديوم Iridium وغلوبلستار Globalstar، على حين نجحت الأنظمة الفضائية الأخرى مثل نظام تحديد الموقع GPS، ونظام البث المباشر DBS نجاحاً منقطع النظير. ويتزايد الطلب على الشبكات المحلية اللاسلكية WLAN باستمرار؛ لأنها تزوّد بتشبيك عالي السرعة بين الحواسيب على مسافات قصيرة.

ومن تطبيقات الأمواج المكرويّة الحديثة تقانة النطاق الفائق العرض (UWB) Ultra Wide Band, ، حيث تشغل الموجة المكرويّة المرسلة نطاقاً تردّدياً عريضاً بمستوى استطاعة منخفض جداً، لمنع حدوث التداخل مع الأنظمة الأخرى العاملة على النطاق التردّدي نفسه. وأفضل مثال على هذا الاستخدام هو تقنية (WiMax) Worldwide Interoperability for Microwave Access  لتراسل المعطيات مكروياً.

وللتقانة المكرويّة تطبيقات مهمة في القياس الإشعاعي microwave radiometry، وهو استشعار سلبي passive للطاقة المكرويّة التي يشعّها جسم ما. يُستخدم القياس الإشعاعي في الغلاف الجوّي والأرضي، وكذلك في علم الفلك، وفي التشخيص المرضي والتصوير المكروي microwave imaging، وفي تطبيقات أمنيّة security.

نقل المعطيات مكرويّاً:

ينتشر في العالم كثير من أنظمة الاتصالات التي تعتمد نقل المعطيات مكرويّاً، فمنها ما يُستخدم لنقل المعطيات على سطح الأرض، أو بين الأرض والفضاء مثل أنظمة الاتصالات الفضائيّة عبر السواتل، أو في عمق الفضاء.

لكن تعاني الأمواج المكرويّة من انتشارها المحدود بخط نظر بين المرسل والمستقبل، فلا يمكنها تجاوز العوائق الطبيعيّة من تلال وجبال كما هو حال أمواج الطيف الراديوي الأدنى. وينخفض نطاق انتشارها في المناطق المأهولة بسبب المباني، أو في الغابات الكثيفة.

تُستخدم الأمواج المكرويّة استخداماً واسعاً لنقل المعطيات من نقطة إلى نقطة point-to-point (P2P) communications، بفضل طول الموجة القصير الذي يسمح بتوجيه تلك الأمواج في حزم ضيِّقة بوساطة هوائيات بحجوم متناسبة مع طول الموجة، يمكن توجيهها مباشرة باتجاه هوائي الاستقبال، وهذا يتيح استخدام التردّدات نفسها في مناطق مجاورة من دون حدوث أي تداخل. والميزة المهمة الأخرى للتردّدات العالية للأمواج المكرويّة أنها تتمتَّع بسعة حمل معلومات عالية جدّاً، إذ يمثل عرض الحزمة بالنسبة للأمواج المكرويّة 30 ضعفاً من عرض الحزمة الممكن للطيف الراديوي الأدنى.

وبفضل التطوّر التقاني استُخدمت الأمواج المكرويّة لنقل المعطيات من نقطة إلى نقاط متعدّدة point-to-multipoint (P-MP) communications، حيث تُرسل المعطيات من المحطّة القاعديّة (نقطة الإرسال) إلى نقاط الاستقبال على القناة الراديويّة نفسها.

تستخدم المحطّة القاعديّة في هذه الحالة هوائيات تشعّ بجميع الاتجاهات omnidirectional أو موجَّهة directional لتغطية منطقة جغرافياً وطيفيّاً وفق الطيف الراديوي المخصّص، إذ يمكن للمشتركين استقبال المعطيات المرسلة على القناة الراديويّة نفسها.

وتبعاً لمتطلبات الكثافة ومعدَّل الإرسال للمشتركين في قطّاع محدّد يمكن تخصيص عدّة قنوات راديويّة. أمّا فيما يخص الاتجاه الصاعد- من المشتركين باتجاه المحطّة القاعديّة- فتكون هوائيات المشتركين عالية التوجيهيّة. ومن الأنظمة العاملة بهذا المبدأ: الشبكات المحلّيّة اللاسلكيّة (WLAN) wireless local area network  الواسعة الانتشار التي تعمل ضمن منطقة محدودة (32 متراً داخل المباني، 95 متراً خارجياً)، وبمعدّل إرسال منخفض نسبيّاً. وهناك أيضاً تقانة WiMax التي هي أقل انتشاراً من سابقتها، لحداثة عهدها من جهة، ولكلفتها العالية من جهة أخرى، كما أنها تُستخدم لنقل المعطيات بمعدَّلات إرسال عالية (تصل حتى 70Mbit/s) ولمسافات كبيرة (تصل حتى 70 كم)، لكن عندما تزداد المسافة ينخفض معدَّل الإرسال، والعكس صحيح.

تُستخدم وصلات التتابع المكرويّة الأرضيّة terrestrial microwave radio relay links لنقل المعطيات الرقميّة والتماثليّة من نقطة الإرسال إلى نقطة الاستقبال من دون أي تغيير في المعلومات المرسلة، تختلف الغاية من استخدام هذه الوصلات، فإمّا أن تُستخدم لتجاوز العوائق الطبيعيّة، وإما لتغيير الاتجاه، وإما للتغلّب على فَقْد الاستطاعة الناجم عن وسط الانتشار بين المرسل والمستقبل، وإما لكلّ هذه العوامل مجتمعةً.

تُستخدم وصلات التتابع لنقل المعطيات باتجاه واحد- كتلك المستخدمة لنقل الإرسال التلفازي من نقطة إلى نقطة- أو باتجاهين كما هو الحال في معظم شبكات الاتصالات. فتعتمد شبكات الاتصالات الهاتفيّة الأرضيّة على وصلات التتابع لتحقيق الاتصال بين المدن إضافة إلى الألياف البصريّة، أو بين المناطق التي يصعب وصلها عبر الألياف أو الكبال. وتعتمد شبكات الاتصالات الخلويّة على ربط مختلف المحطّات العاملة في بنيتها عبر هذه الوصلات المكرويّة.

ونظراً إلى التردّدات العالية المستخدمة في الوصلات المكرويّة يجب توفير خط نظر- يقارب الخط البصري- بين هوائيّي الإرسال والاستقبال. وإضافةً إلى ذلك يتطلّب توفير خط النظر أن تكون منطقة فرينل الأولى first Fresnel zone خاليةً من العوائق، بحيث تنتشر الأمواج المكرويّة عبر مسار لا يعترضه أي عائق؛ لذا يجري عادة اختيار القمم العالية لتثبيت هوائيات وصلات التتابع المكرويّة (الشكل 5).

الشكل (5): أبراج تحمل هوائيّات لوصلات التتابع المكرويّة الأرضيّة

عند التخطيط للوصلات المكرويّة يجب مراعاة بعض القضايا المهمة، مثل العوائق، وانحناء الأرض الكرويّة الشكل، وجغرافيّة المنطقة وتضاريسها، وقضايا الاستقبال الناجمة عن استخدام منطقة مجاورة. لذلك تستلزم إجرائيّة التخطيط رسم المسار، متضمِّناً تضاريس المنطقة ومنطقة فرينل الأولى التي تؤثِّر في مسار الإرسال. إضافة إلى تلك القضايا تؤثّر العوامل الجويّة من أمطار وتغيّرات مناخيّة في استطاعة الاستقبال مسبِّبة فَقد الاتصال أحياناً، خاصة في حالة الأمطار الغزيرة؛ لذلك يجري عادة تطبيق تقنيّات مختلفة للتغلّب على هذه الصعوبات وزيادة معدَّل الإرسال، أي تحسين نوعية الخدمة (QoS) quality of service . ومن هذه التقنيّات: التعديل التكيُّفي adaptive modulation لاختيار التعديل وطريقة تصحيح الخطأ المناسبة تبعاً لنوعيّة الإشارة المستقبلة، ومنها تقنيّات التنوُّع بأنواعه الفضائي والتردّدي space and frequency diversity schemes. ففيما يتعلق بالتنوُّع الفضائي يجري عادة استخدام أكثر من هوائي في الإرسال والاستقبال ينجم عنها مسارات مختلفة، وفيما يتعلق بالتنوُّع التردّدي يجري استخدام أكثر من تردّد للإرسال، بحيث يختار المستقبل التردّد الذي يحقق الاتصال بشروط أفضل.

نقل الطاقة مكرويّاً:

خطوط نقل الطاقة الكهربائيّة هي الوسيلة الفعّالة والمناسبة لنقل الطاقة الكهربائية من المنبع إلى الحمل، بفَقْدٍ قليلٍ وتكلفة منخفضة وتركيب سهل. وبالمقابل ثمة تطبيقات يستحيل استخدام خطوط نقل الطاقة فيها؛ لذلك من الممكن تصوُّر نقل الطاقة الكهربائيّة لاسلكيّاً، عبر حزمة مركَّزة من الأمواج المكروية.

وتُعدّ الفعّاليّة العاملَ الحاسم في نقل الطاقة مكرويّاً، فيجب أن تصل معظم الطاقة المرسلة من محطة التوليد إلى المستقبل أو المستقبلات لجعل النظام اقتصاديّاً.

يتحقّق عادة نقل الطاقة مكرويّاً بالتحريض المباشر direct induction، ثم يتبعه التحريض المغنطيسي الرنّان resonant magnetic induction.

جرى اقتراح توفير منبع دائم للطاقة من محطة طاقة شمسية محمولة بالساتل، حيث تستخدم صفيفات مداريةorbiting arrays ضخمة من الخلايا الشمسية solar cells لتوليد الطاقة الكهربائيّة، وترسل مكرويّاً إلى محطّات استقبال أرضية. ومن ثمّ يمكن تزويد المحطّة الأرضيّة بمنبع لا ينضب من الطاقة، ولا يتأثَّر بالظلام أو الغيوم أو الأمطار، كتلك المشاكل التي تواجهها صفيفات الخلايا الشمسيّة الأرضيّة.

لكن للحصول على منبع طاقة منافس اقتصاديّاً يجب أن تكون المحطة الفضائية ضخمة الأبعاد، من رتبة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1118612.jpg، تغذّي صفيفات هوائيّة بقطر الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1121394.jpg، بحيث تكون استطاعة المحطة الأرضية المستقبلة من رتبة الوصف: الوصف: D:\المجلد 3 تقانة اخراج\390\Image1124583.jpg. ومن المؤكَّد أنّ هذا المشروع ضخم بتكلفته وتعقيده، إضافة إلى قضايا متعلِّقة بالأمان وخطر الإشعاعات، والمخاطر الناجمة عن سوء عمل النظام. فكلّ الأمور السابقة، إضافة إلى قضايا سياسيَّة وفلسفيّة جعلت مستقبل هذا المشروع الطموح مشكوكاً فيه.

ثمة مشروع آخر مشابه في التصميم، ولكن بحجم أصغر بكثير، هو نقل الطاقة مكرويّاً من الأرض إلى مركبة في الهواء مثل «الهليكوبتر» أو الطائرة. يمتاز هذا المشروع بأنَّ المركبة ستحلِّق في الجوّ بلا توقُّف ضمن منطقة محدودة.

ومن التطبيقات الأخرى الممكنة لنقل الطاقة مكرويّاً مراقبة أرض المعركة وتوقعات الطقس، وذلك باستخدام طائرة من دون طيار. وبالمقابل يمكن أن يكون مبدأ نقل الطاقة مكروياً سلاحاً فعّالاً في الحروب. فاستخدام منبع مكروي نبضي بطاقة عالية جدّاً وهوائيات عالية الربح يسمح بإرسال رشقة من الطاقة الهائلة إلى الهدف، ويمكن أن تُحدث ضرراً فيزيائيّاً (تدميريّاً)، أو يمكن أن تسبب حملاً كهربائيّاً فائقاً overload يدمِّر الأنظمة الإلكترونيّة الحسَّاسة.

مراجع للاستزادة:

- أسامة حرفوش، نمذجة وتصميم وصلة اتصال مكرويّة رقميّة وطرق تحسين الأداء من حيث التنوّع، أطروحة دكتوراه، جامعة دمشق، 2009.

- R. J. Fontana, Recent System Applications of Short-pulse Ultra Wideband (UWB) Technology, IEEE Transactions on Microwave Theory and Techniques, vol. 52, no. 9, pp. 2087-2104, 2004.

- L. Harte, Introduction to Wireless Systems, 2nd Ed. Althos 2006.

- E. Holzman, Essentials of RF and Microwave Grounding, Artech House, 2006.

- H. Lehpamer, Microwave Transmission Networks: planning, design, and deployment, 2nd Ed. McGraw-Hill Professional Engineering 2010.

- J. G. Proakis, M. Salehi, Digital Communications, 5th Ed. McGraw-Hill 2008.

- D. M. Pozar, Microwave Engineering, 3rd Ed, Wiley 2005.

- K. Ramrakhyani, S. Mirabbasi, M. Chiao, Design and Optimization of Resonance-Based Efficient Wireless Power Delivery Systems for Biomedical Implants, IEEE Transactions on Biomedical Circuits and Systems, vol. 5, no. 1, pp. 48 – 63, 2011.

- P. Russer, Electromagnetics, Microwave Circuit and Antenna Design for Communications Engineering, 2nd Ed. Artech House 2006.

- C. Salema, Microwave Radio Links: from Theory to Design, Wiley 2002.

 - J. S. Seybold, Introduction to RF Propagation, Wiley 2005.


- التصنيف : هندسة الاتصالات - النوع : هندسة الاتصالات - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1