الأغذية المحورة وراثياً
اغذيه محوره وراثيا
Genetically modified foods - Aliments génétiquement modifiés
أسامة عارف العوا
تكوين النباتات المحوَّرة وراثياً
سلامة الأغذية المحوَّرة وراثياً
اهتم الإنسان منذ القدم بتوفير الغذاء الكافي، ونشأت الزراعة وتطورت عبر آلاف السنين مع نشوء المدنية وتطورها، وفي القرون القليلة المنصرمة استخدم الإنسان طرائق علمية متطورة لتحسين النباتات التي يزرعها والحيوانات التي دجَّنها. وفي خمسينيات القرن العشرين استنبِطت مواد كيميائية جديدة لمقاومة الحشرات والطفيليات والأعشاب والأمراض النباتية. وفي الوقت ذاته أنتج المربون سلالات جيدة الصفات والإنتاج من القمح والذرة والرز وغيرها، ومن ثم فإن تلك السلالات المحسَّنة والكيميائيات الجديدة أدت إلى زيادة الإنتاج ووفرته في كثير من البلدان في أمريكا الوسطى والجنوبية وإفريقيا وآسيا، وسُّمّي ذلك «الثورة الخضراء»Green Revolution التي ظهرت للوجود في زمن كان عدد سكان العالم يتزايد فيه على نحو ملموس؛ مع تزايد الخوف من حدوث مجاعات كثيرة، لكن الثورة الخضراء وفَّرت كميات جيدة من الغذاء في كثير من البلاد، ففي الهند مثلاً بلغت كميات القمح المنتج في المساحات ذاتها ثلاثة أضعاف إنتاجها السابق.
منذ عدة عقود بدأت أسعار الأغذية في الارتفاع ووصلت إلى قيم مذهلة، وأدى ذلك إلى تزايد أعداد الجياع؛ سواء من حيث كمية الغذاء أم نوعيته، وساعد على ذلك تناقص الإنتاج بسبب التغيرات البيئية العالمية وفي مقدمتها ارتفاع درجات الحرارة؛ وازدياد أعداد الفقراء في كثير من البلدان.
ومن جهة أخرى تبين للعلماء منذ الربع الأخير من القرن العشرين أن للثورة الخضراء آثاراً سيئة من حيث الإفراط في استعمال المبيدات والأسمدة ما أضر بالأرض والحياة البرية والمياه والبيئة، إضافة إلى أن تلك الثورة لم تعد كافية لتوفير ما يلزم سكان العالم من الغذاء؛ والذين يُقدر أن يبلغ عددهم 9 مليارات نسمة نحو عام 2050.
لم يستفد كثير من فقراء العالم من الثورة الخضراء لأنها لم تحل مشكلتهم الأساسية المتمثلة بالفقر، ولم يتمكن كثير من المزارعين من استعمال البذار المحسَّن والكيميائيات المتطورة بسبب عدم قدرتهم على شرائها، حتى هذا اليوم، مايزال كثير من الناس يعيشون على طبق من الرز فقط، ولا يعرفون الطريق إلى محلات بيع الخضار والفواكه والمنتجات الغذائية؛ أو إلى الحصول على البروتينات والڤيتامينات وغيرها من المستلزمات الغذائية اللازمة، مما يدل على أن تلك الثورة لم تعد صالحة في القرن الحادي والعشرين، وأنه لابد من توفير بديل لها يتمثل في ثورة جينية توفر الغذاء للجميع وتحمي البيئة؛ مستعينة بوسائل التقانات الحيوية biotechnologies الحديثة بغية تكوين محاصيل غذائية محوَّرة وراثياً genetically modified تُوفر الغذاء بنوعية جيدة، ولا تقتصر على الحبوب النشوية grains؛ بل توفر أيضاً الخضر والفواكه وصولاً إلى بعض المنتجات الحيوانية.
يتطلب التحوير الوراثي genetic modification استخدام تقنيات الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا) المأشوب recombinant DNA لتعديل جينات كائن حي (كائنات دقيقة، نبات، حيوان)، فمثلاً يمكن إدخال جينات معزولة من نبات ما في بكتريا معينة لتنقل إلى نبات معين بغية إكسابه صفةً مرغوباً فيها.
قدَّرت بعض الدراسات أن توفير الغذاء لسكان العالم عام 2020 يتطلب زيادة قدرها 60 % في موارد الغذاء، وزيادة لاتقل عن 200 % من اللحوم ومنتجات الألبان، ويجب أن تأتي كل من هاتين الزيادتين من الحبوب والأعلاف. ويزيد الأمر تعقيداً أن الزيادة المطلوبة يجب ألا تتطلب زيادة في المساحات المزروعة؛ بل من زيادة إنتاجية وحدة المساحة المزروعة فعلاً ووحدة الحجم المستعملة من المياه لري المزروعات، ومن ثم فإن توفير متطلبات النمو السكاني السريع؛ وإنقاص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الواسعة ضمن الدول وفيما بينها؛ والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية في العالم تحديات مهمة ومعقدة تواجه العاملين في مواجهتها، وهذا ما سبَّب تزايد الدعوات نحو استخدام المنتجات الزراعية المحوَّرة.
تكوين النباتات المحوَّرة وراثياً
يعيش كثير من النباتات في بيئات معادية لها؛ فالحيوانات تقضمها والحشرات والفطريات تعتدي عليها، والأعشاب تزاحمها على غذائها، لكنها مع ذلك ليست معدومة المقاومة، فمثلاً تستطيع بعض النباتات تكوين زيوت وروائح وسموم لمقاومة أعدائها، وعلى سبيل المثال، يمكن بالفحص المجهري لأوراق البندورة (الطماطم) مشاهدة الشعيرات الصغيرة التي تغطيها، والتي تفرز مواد كيميائية تعمل عمل الأوراق اللاقطة للحشرات الصغيرة.
يُستعمل التحوير الوراثي للمحاصيل الزراعية لأسباب متعددة منها الآتي:
1 - إكسابها القدرة على مقاومة الحشرات والأمراض والأعشاب.
2 - تحسين تأقلمها مع العوامل البيئية.
3 - تحسين صفاتها الإنتاجية الكمية ومواصفاتها الغذائية وطعمها.
4 - التحكم في موعد نضجها وتحسين تحملها للنقل.
5 - إطالة فترة بقائها سالمة خلال مدة تسويقها.
وعلى سبيل المثال يبين الشكل التخطيطي (1) تكوين بندورة (طماطم) غنية بالبيتا كاروتين beta carotene بنقل جين من نباتات الجزر إليها، وذلك باستخدام بكتريا الأجرعية المورِمة (الأغروبكتريوم) Agrobacterium tumefaciens.
الشكل (1) |
الرز الذهبي
استخدم العالم إنغو بوتريكوس Ingo Potrykus النبات في أبحاثه الجينية، وبدأ دراساته في عام 1971 عندما حاول تحويل أزهار البطنيةPetunia البيضاء إلى قرنفلية بنقل جين من نبات إلى خلايا نبات آخر، لكن دراسته هذه أخفقت ولم تُنشر نتائجها. وفي ذلك الوقت تأكد معظم العلماء - نتيجة حالات إخفاق مماثلة كثيرة - أنه لا يمكن تحقيق تبادل جينات بين النباتات على النحو الممكن في البكتريا، وأشاروا إلى أن التأبير pollination هو الوسيلة الوحيدة الممكنة لنقل الجينات النباتية. استمر ذلك الرأي لعدة سنوات حتى أمكن في عام 1983 إثبات أن بكتريا الأجرعية المورِمَة توفر وسيلة مختلفة وجيدة لنقل الجينات من نبات إلى آخر، وكان التبغ Tobacco هو النبات الذي استعمله بوتريكوس في دراسته، وكان هذ العمل البحثي المهم نقطة الانعطاف المؤذنة بعهد واعِد من التطبيقات الجديدة.
أشار بوتريكوس إلى أنه وزملاءه يعتقدون أن هذه التقنية الجديدة ستساهم في توفير الأمن الغذائي في كثير من البلاد النامية، وبدأ دراسات هادفة إلى زيادة إنتاجية القمح والذرة والشعير والشوفان بجعلها أكثر مقاومة للأمراض النباتية. وأقنعه عالمان هنديان ألا يكتفي بتحسين إنتاجية الرز فحسب؛ بل أن يهتم أيضاً بتحسين صفاته الغذائية؛ ذلك أن الرز هو غذاء الفقراء ويجب توفيره لهم بأفضل كمية وصنف ممكنين.
بين عامي 1990 و1999 استمر بوتريكوس وزملاؤه في مختبرهم في بازل في سويسرا يدرسون نقل الجينات التي تعطي نبات النرجس البري daffodilsلونه الأصفر الفاتح إلى الرز، وهي الجينات اللازمة لصنع البيتا كاروتين beta carotene، ذلك أن صنع البيتاكاروتين في النبات يتطلب إضافة أربعة جينات والتآثر بين منتجاتها البروتينية. وكان ذلك العمل بالغ الصعوبة وتطلب تعاون نحو 60 عالماً من سويسرا وألمانيا وبولندا والهند واليابان والصين على مدى عشر سنين، واستُعملت بكتريا الأجرعية لإدخال الجينات الجديدة ضمن خلايا الرز، وتمكنوا بعد محاولات طويلة من مشاهدة أول نباتات رز حبوبها ذهبية اللون (الشكل 2) وسُميت الرز الذهبي golden rice وهي غنية بالبيتا كاروتين الذي يُعدّ طليعة ڤيتامين أ (A) الذي يحتاج إليه مئات ملايين الفقراء الذين يمثل الرز وجبتهم الرئيسة، ولربما الوحيدة، وحيث يعلم المختصون أن أكثر من 250 مليون نسمة في العالم يعانون نقص ڤيتامين أ، وأن نحو نصف مليون طفل أو أكثر يصابون بالعمى سنوياً، ولهذا السبب يموت أكثر من نصفهم في بضعة أشهر.
الشكل (2) الرز الذهبي والرز العادي |
يدرس بعض الباحثين إمكانية تكوين سلالات من الرز المقاوم للحشرات باستخدام نماذج متعددة من جين بي تي Bt gene، فالحشرات تتلف سنوياً نحو 25 مليون طن من هذا المحصول، وإذا أمكن إنقاص هذه الخسارة السنوية فإن ذلك سيوفر الرز لنحو 120 مليون نسمة.
كما يحاول باحثون آخرون زيادة إنتاجية الرز بتنشيط التركيب الضوئي photosynthesis في نباتاته. فالرز ينتمي إلى نباتات تكونت عندما كان جو الأرض أغنى بثنائي أكسيد الكربون عما هو عليه الآن، على عكس نباتات أخرى - مثل الذرة - التي كان الجو في أثناء تكونها أفقر إلى هذا الغاز، ولكن نباتات الذرة تستعمل CO2 على نحو أفضل باستعمالها نوعاً من مضخة ثنائي أكسيد الكربون، وعندما وضع الباحثون جينات بروتينات هذه «المضخة» في الرز؛ نما بسرعة أكبر وزاد إنتاجه من الحبوب بنحو 35 %. وهنالك نباتات أخرى مثل البطاطا والقمح والشوفان قليلة الكفاءة في استخدام CO2، ولربما يتمكن الباحثون من زيادة إنتاجيتها لإطعام مليارات الناس الجدد.
البندورة Flavr Savr
كانت ثمار هذه النباتات (الشكل 3) أول ما عرضته الأسواق الأمريكية في عام 1994 من المواد الغذائية المحوَّرة وراثياً وسُميت Flavr Savr، وتميزت ثمارها بإمكان حفظها طازجة فترة أطول على رفوف المحلات مقارنة بالبندورة غير المحوَّرة، كما أن المزارعين كانوا يتركون الثمار على أغصانها فترة أطول قبل قطافها مما أعطاها مذاقاً وقواماً أفضل.
الشكل (3) بندورة Flavr Savr |
لم يستمر إنتاج هذه النباتات المحوَّرة سوى فترة قصيرة توقف بعدها بسبب الخوف الذي ساد البلاد آنذاك من الأضرار الممكنة من النباتات المحوَّرة وراثياً.
إنتاج لقاحات من النبات
يعمل الباحثون على تطوير نباتات محورة وراثياً transgenic تستطيع إنتاج اللقاحات (الڤاكسينات) vaccines بكفاءة عالية، ويمكن من ثم توفيرها بأسعار رخيصة وخاصة في الدول الفقيرة. وتوجه الجهود في الوقت الراهن نحو إنتاج لقاحات ضد المسببات البكترية والڤيروسية للإسهالات ونقص المناعة المكتسب، وضد داء الكَلَب والتهاب الكبد ب hepatitis B. وقد أمكن إنتاج بروتينات مهمة مثل هرمون النمو والإنسولين والتربسين وغيرها في هذه النباتات؛ لكنها ماتزال بحاجة إلى مزيد من البحوث والتطوير قبل استعمالها على نطاق واسع، وإذا أمكن ذلك فلا بد من اتخاذ الحيطة الدقيقة لمنع انتقال جينات هذه النباتات إلى نباتات عادية، وبالتالي منع وصولها إلى الإنسان الذي لا يحتاج إليها.
تحسين الأعلاف الحيوانية
يسبب زرق الدواجن الحاوي كميات وفيرة من الفسفور مشكلة بيئية مهمة، وإذا أضيفت إلى علف الحيوانات فإن إنزيم الفيتاز phytase يستطيع إنقاص هذا الفسفور إلى نحو الثلث. وقد تمكن باحثون من تكوين نباتات فصة alfalfa محوَّرة وراثياً تملك معدلات مرتفعة من هذا الإنزيم.
منتجات الألبان
ليست هذه المنتجات الحيوانية محوَّرة وراثياً بحد ذاتها، لكنها قد تحوي مكوِّنات وإضافات أُنتجت من كائنات دقيقة محوَّرة وراثياً. فمثلاً كان الرينين renin يستعمل منذ القدم في صناعة الجبن، ويُحصل عليه من المعدة الرابعة للمجترات، أما الآن فإن كثيراً من منتجي الجبن يستعملون إنزيم كيموزين chymosin المنتج من فطور fungi محوَّرة وراثياً، وهو الإنزيم ذاته الذي تنتجه معدة العجول الرضيعة في الرينين، لكن المصدر الأخير يحتوي على نحو 4 – 8% من الإنزيم الفعال فقط.
إضافات غذائية
إن غالبية منتجات الألبان تحوي إضافات additives أُنتجت غالباً من كائنات دقيقة محوَّرة وراثياً، ومنها:
• تلوين البيتا كاروتين (E160a) التي تُستَعمل صبغة صفراء في صناعة الزبدة في الشتاء وكذلك في تصنيع اللبن الرائب (yoghurt) وبعض حلويات الألبان.
• تلوين الريبوفلافين (E 101: Vitamin B2) : تستعمل في تلوين بعض أصناف الجبن ومنتجات القشدة cream.
• مواد حافظة preservatives: مثل الناتاميسينNatamycin (E235)، والليسوزوم Lysozome (E1105)، والنيسين Nisin (E234) التي تستعمل في صناعة الجبن.
سمك السلمون
قامت إحدى الشركات الأمريكية بتحوير السلمون salmon وراثياً وسمَّت المنتج أكوا أدڤانتِج Aqua Advantage، وهو أول حيوان محوَّر وراثياً يُسمح بتداوله في أسواق الغذاء الأمريكية.
السلمون المذكور(الشكل4 ) أطلسي Atlantic يمتلك هرمون نمو growth hormone من نوع شِنهوك Chinhook، وهو نوع أطلسي من السلمون أكبر حجماً لكنه مهدد بالانقراض، كما يمتلك جيناً «مضاداً للتجمدantifreeze « من الـبوت pout، وهو من الأقارب البعيدة للسلمون. ومن ثم فإن سلمون الأكوا أدڤانتِج ينمو بمعدل ضعف معدل نمو السلمون الأطلسي العادي، ويساعد الجين المنقول من البوت في تكوين هرمون نمو في الشتاء، في حين أن السلمون العادي لاينتج هذا الهرمون في فصل الشتاء، ما يؤدي إلى وصول السلمون المحوَّر وراثياً إلى حجم التسويق في 18 شهراً بدلاً من ثلاث سنوات.
الشكل (4) السلمون العادي والمحور وراثياً |
تحمل الملوحة
من المعلوم أن إيونات الصوديوم سامة للنبات لأنها تتداخل مع استقلابها، وقد تمكن علماء كنديون من تكوين نباتات بندورة (طماطم) قادرة على العيش في ماء تبلغ ملوحته نصف ملوحة المحيط، وتم لهم ذلك بإدخال جين في تلك النباتات قادر على تجميع أيونات الصوديوم ضمن الفجوات vacuoles الكبيرة لخلايا الأوراق من دون الثمار، مما يجعل هذه الثمار طبيعية الشكل والمذاق مماثلة لمثيلاتها غير المحوَّرة وراثياً.
البابايا المحوَّرة وراثياً
تحتل زراعة البابايا Papaya في هاواي أهمية كبيرة، وقد كان عام1992 بالغ الأهمية بالنسبة إلى هذه الزراعة، ففيه اكتشِفت الإصابة بڤيروس البقعة الحلقية Papaya ringspot virus (PRSV) (الشكل 5)
الشكل (5) ثمرة بابايا مصابة بڤيروس البقعة الحلقية PRSV |
في جزيرة بونا Puna حيث كان يزرع نحو 95 % من أشجار البابايا، وقد كانت الإصابة بڤيروس البقعة الحلقية شديدة جداً بحيث انخفض إنتاج هذه الجزيرة من نحو 24 مليون كغ إلى نحو 12 مليون كغ. وكان الڤيروس المذكور قد انتشر بشدة في جزيرة أُواهو Oahu التابعة أيضاً لهاواي، وأقيم فيها حقل اختباري لدراسة مقاومة البابايا المأشوبة لهذا الڤيروس. وأمكن من هذه التجارب الحقلية - التي استعملت فيها سلالة مأشوبة تسمى 1-55 - تكوين صنفين اسميهما صن أب SunUp ورينبو (قوس قزح) Rainbow (الشكل 6)، وثبت في عام 1995 أن هذين الصنفين كانا مقاومين جداً لهذا الڤيروس، ثم منح الترخيص لهذه البابايا المحوَّرة وراثياً وزرعت على نطاق واسع في هاواي، وهي تسوّق في الولايات المتحدة الأمريكية.
الشكل (6) اثمار بابايا محورة وراثياً:الصنف رينبو (إلى اليمين) والصنف صن أب (إلى اليسار) |
الذرة Bt
تمتلك هذه الذرة جيناً مأخوذاً من بكتريا العصوية التُورِنجيّة Bacillus thuringiensis الذي يعمل مبيداً لبعض الحشرات فيساعد على حفظ البيئة من حيث الإقلال من استعمال المبيدات الكيميائية لمكافحتها. وقد استعمل ذلك الجين لأول مرة عام 1996 في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتل المركز الأول في العالم في التحوير الوراثي للمحاصيل المختلفة - بما فيها المحاصيل الغذائية - وترخص باستعمالها، وتَعُدُّ الذرة Bt معادلة للذرة العادية من الناحية الغذائية.
بذور اللفت Rapeseed
هنالك نسخة من هذا النبات كُوِّنت عام 1999 تنتج بذورها زيت الكانولا canola oil الواسع الانتشار في بلدان عدة. وقد عُثر على حبوب طلع pollen من هذه النباتات - كانت قد حُوِّرت وراثياً لتتحمل رش المبيدات - في خلية نحل تبعد نحو 5 كم من مصدرها. وإن انتقال حبوب الطلع وانتشار البذور يُمثلان مصدراً مهماً للقلق عند معارضي التحوير الوراثي للمحاصيل.
يصعب إدراج جدول يتضمن جميع المواد الغذائية المحوَّرة وراثياً، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يُقدر أن نحو 30 ألف منتج موجود في البقاليات ومحلات بيع الخضار والفواكه محوَّر وراثياً، وتعود أسباب ذلك جزئياً إلى أن كثيراً من الأغذية يحتوي على الصويا التي يتم تحوير أكثر من نصف المنتج منها وراثياً.
سلامة الأغذية المحوَّرة وراثياً:
كتبت ماري شيللي Mary Shelly (بعضهم يقول إن بيرسي شيللي Percy Shelley كان زوجها) في العام 1818 رواية، تُصنَّف ضمن الخيال العلمي، عن عالِم اسمه فرنكنشتاين كوَّن شخصاً شاذاً تحول فيما بعد إلى وحش، لكن معظم الناس ومشاهدي الأفلام التي صُنعت عنه في القرن العشرين صاروا يسمون الوحش فرنكنشتاين خطأً، وأصبح هذا الاسم إشارة إلى الأشخاص السيئين، ووصل الأمر إلى الأغذية المحوَّرة وراثياً والتي أطلق عليها كثيرون اسم الأغذية الفرنكنشتانية Frankenstein foods أو Frankenfoods، ومثلها الأغذية السريعة الغنية بالدهون كالهمبرغر hamburger والبيتزا pizza والدونت doughnut، وكثير غيرها (الشكل7 ).
الشكل (7) دعاية لهمبرغر«فرنكشتاني» |
شاعت هذه التسمية بعد بدء انتشار الأغذية المحوَّرة وراثياً واستند مناهضوها إلى حجج مختلفة من أهمها:
1 - التأثير السيئ المحتمل في البيئة، فالنباتات - مثلاً - تستطيع تبادل المادة الوراثية بوساطة التأبير الخلطي. على سبيل المثال: حُوِّرت نباتات كانولا وراثياً لمقاومة الآثار السيئة لأحد مضادات الأعشاب، وحدث بعد ذلك تهجين بينها وبين بعض الأعشاب التي يُفترض أن تتأثر بهذا المبيد، وكانت النتيجة أن المبيد المذكور لم يعد قادراً على قتل الأعشاب التي صارت محوَّرة وراثياً.
2 - لاتُعرف على وجه الدقة الآثار الممكن ظهورها في الإنسان والحيوان الذين يتناولون هذه الأغذية، والتي تُنتِج بعضاً منها شركات عالمية الانتشار يقول مسؤولوها إنها أغذية سليمة صحيَّاً، لكنه لم تُنفذ أبحاث كافية طويلة المدى لتأكيد هذا الادعاء.
قبول المجتمع
حاربت معظم دول أوربا الأغذية المحوَّرة وراثياً منذ نشوئها، ولكن هنالك بعض الأدلة على سلامتها، فمثلاً صرف الاتحاد الأوربي أكثر من 425 مليون دولار لتمويل دراسات عدة بشأن سلامة هذه الأغذية خلال ربع قرن، وأصدر تقريراً مطولاً يُشير إلى أن التحوير الجزيئي للحاصلات الزراعية ليس أكثر خطورة من الحاصلات المحوَّرة بوسائل أخرى، وتوصلت هيئات علمية مرموقة أخرى بما فيها الأكاديميات الوطنية للعلوم National Academies of Sciences الأمريكية والجمعية الملكية البريطانية British Royal Society إلى استنتاجات مماثلة.
تتفاوت الدول في قبول الأغذية المحوَّرة وراثياً، ففي معظم الدول الأوربية تركز اهتمام الحكومات والشعوب على الأخطار المحتملة من عملية التحوير الوراثي وما ينتج منها؛ والتي تتضمن احتمال تطور مقاومة للمبيدات والأعشاب والصادات وما إليها، وكذلك احتمال انتشار المُؤَرِّجات (مسببات الحساسية)allergens والإضرار بالبيئة وبصحة الإنسان والحيوان، ومن ثم فإن عدد المنتجات الغذائية المحوَّرة وراثياً في أوربا ما يزال محدوداً جداً والرقابة الحكومية عليها صارمة للغاية، ولابد لبائعيها من وضع لصيقات عليها تبين أنها محوَّرة وراثياً. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن معارضي هذه التقنية محدودون، واستخدامها منتشر في أغذية وصناعات غذائية مختلفة. وللأسف لاتُوجَّه معلومات إلى الشعوب العربية تدلها على فوائد هذه التقنية وأضرارها المحتملة، وتندر المراكز البحثية التي تهتم بها، وأغلب الظن أنها منتشرة على نطاق واسع في الوطن العربي فيما يُستوْرَد من بذار وثمار ونباتات وماإليها من دون وجود أي قيود عليها.
مراجع للاستزادة: -R. E. Evenson and V. Santaniello, International Trade and Policies for Genetically Modified. Products, CABI Publishing 2004. -NCR and National Academy of Science, Safety of Genetically Engineered Foods, National Academy Press, 2004. -H. Nigel, Genetically Modified Crops, Imperial College Press, 2011. -M. Ruse and D. Castle, Genetically Modified Foods: Debating Biotechnology, Prometheus Books, 2002. -R. C. J. Russel, Genetically Modified Food, VSD, 2012. |
- التصنيف : التقانات الحيوية - النوع : التقانات الحيوية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :