الإشعاع بيتا ب-النترونات المتأخرة
اشعاع بيتا بنترونات متاخره
Beta-delayed neutron emission - Rayonnement Bêta à neutrons arriérés
الإشعاع بيتا بالنترونات المتأخرة
علي حينون
إصدار النترونات neutron emission
النترونات المتأخرة delayed neutrons
إصدار النترونات neutron emission
تسعى النوى غير المستقرة - سواء الطبيعية أم الصنعية - إلى الوصول إلى حالة أكثر استقراراً من خلال عملية التفكك الإشعاعي التلقائي؛ مصدرة على مراحل متتابعة جسيمات نووية من أنماط مختلفة تشمل النترونات والبروتونات والإلكترونات والبوزيترونات (الإشعاع β بيتا) وجسيمات ألفا (نواة الهليوم) وأشعة غاما. وعلى عكس النوى النشطة طبيعياً يجري توليد النوى النشطة صنعياً بإجراء تفاعلات نووية معينة تترافق مع إضافة طاقة أو جسيمات نووية إلى بنياتها النووية. علماً أن كلا النوعين من النوى يخضع لقانون التفكك الإشعاعي الذي يعرّف ثابتة تفكك أو عمر نصف مميز لكل نظيرٍ مشع.
تحوي نوى العناصر المستقرة الطبيعية جميعها عدداً من النترونات يساوي في حده الأدنى عدد البروتونات أو يفوقه كثيراً في حالة النوى الثقيلة. ويعزى ذلك إلى أن الفائض النتروني هنا يساهم بزيادة تأثير القوى النووية التجاذبية قصيرة المدى، و من ثم يساعد على تعديل التأثير التنافري بين البروتونات الناشئ من القوى الكهربائية الكولونية المتوسطة المدى. وتستمر هذه الحالة الناظمة لبناء النوى المستقرة إشعاعياً ما بقيت نسبة النترونات إلى البروتونات أصغر من القيمة 1.56. وعند تجاوز هذه القيمة يصبح الفائض النتروني (من وجهة نظر ميكانيك الكم) سبباً في عدم استقرار النوى، فتسعى بموجبه هذه النوى إلى الوصول إلى حالة مستقرة إما بالتخلص من جزء من نتروناتها (التفكك بإصدار النترونات)؛وإما بزيادة عدد البروتونات على حساب عدد النترونات نتيجة حدوث تحول داخلي ضمن النواة.
يمكن توليد النترونات وفق مجموعة من التفاعلات وضمن شروط محددة، من أكثرها شيوعاً قذف نوى بعض العناصر الخفيفة بجسيمات مشحونة من نمط ألفا أو بالبروتونات أو بأشعة غاما. ويشترط في النوى الهدف أن تكون ذات عدد شحنات صغير(عدد البروتونات)؛ إذ تكون شدة الحقل الكولوني متدنية من جهة؛ وكذلك طاقة الارتباط للنكليون الواحد nucleon binding energy، ما يساعد على فصل النترون عن النواة الأم. فعلى سبيل المثال: قذف نوى البريليوم-9 بجسيمات ألفا طاقتها تقرب من 5.75 (ميغا إلكترون ڤولط) MeV، لينتج من ذلك نترون ونواة الكربون-12 وفق التفاعل. أيضاً يتولد من قذف الهدروجين الثقيل (الديتريوم) بأشعة غاما طاقتها تفوق 2.23 MeV ما يسمى بالنترونات الضوئية photoneutron وفق التفاعلبيد أن المثال الأهم لتوليد النترونات يتمثل بتفاعلات الانشطار النووي nuclear fission التي تحدث عند قذف بعض النوى الثقيلة ( مثل نظائر اليورانيوم والبلوتونيوم والثوريوم) بنترون لتنشطر منتجة عدداً جديداً من النترونات يزيد على (2) دائماً.
تتفاعل النترونات مع المادة وفقاً لأنماط مختلفة من التفاعلات التي تتعلق بطاقة النترون ونوعية الهدف المستخدم، ويُميّز عموماً بين تفاعلات التبعثر neutron scattering وتفاعلات الامتصاص .neutron absorption ففي حين تتشابه الجسيمات الناتجة من التفاعل مع تلك الداخلة في التفاعل في حالة تفاعلات التبعثر؛ لا يتحقق الأمر ذاته في تفاعلات الامتصاص حيث تمتص النواة المتفاعلة النترون وتصدر بعد ذلك أشعة غاما أو جسيمات نووية جديدة (بروتون، ألفا، عدة نترونات) أو تنشطر من جراء ذلك إلى شظيتين (نواتين) منتجة كميات كبيرة من الطاقة إضافةً إلى عدد وفير من النترونات يفوق وسطياً 2.3 نترون. وكمثال على ذلك يذكر انشطار اليورانيوم-235 بالنترونات الحرارية (التي طاقاتها من مرتبة الطاقة الحرارية، أي بضعة إلكترون فولط) وفق الاحتمال الآتي (المعادلة 1):
وينجم عن هذه الظاهرة إمكانية إحداث تفاعل متسلسل chain reaction وتشكيل توضعات انشطارية حرجة تستعمل في المفاعلات النووية nuclear reactors لإنتاج الطاقة كما في مفاعلات الطاقة؛ أو تكرس لإنتاج النترونات واستخدامها في مجالات بحثية متعددة كما في مفاعلات البحث.
النترونات المتأخرة delayed neutrons
يلاحظ لدى إمعان النظر بتفاعلات الانشطار أن النترونات الناتجة تتشكل وفق مرحلتين زمنيتين؛ يطلق على النترونات التي تتشكل مباشرة إثر عملية الانشطار النترونات اللحظية prompt neutrons، وهي تصدر عن شظايا الانشطار بعد قرابة ثانية من عملية الانشطار، وتتوزع طاقتها وفق طيفٍ معين تصل قيمته الأكثر احتمالاً إلى نحو MeV 0.7 لليورانيوم-235. أما النترونات التي تصدر بعد تشكل نواتج الانشطار فتسمى بالنترونات المتأخرة، ويعود سبب تشكلها إلى أن نواتج الانشطار غير مستقرة وتمتلك فائضاً نترونياً يتجلى بنسبة نترونات إلى بروتونات يفوق القيمة الحدية 1.56 المقابلة للنوى المستقرة. وتسعى هذه النوى إلى خفض عدد نتروناتها وزيادة عدد بروتوناتها بالاستعانة بتفككات بيتا التي يتحول بموجبها أحد النترونات إلى بروتون وفق تفاعل نووي داخلي. وتمر نواتج الانشطار هذه بسلسلة تفكك متوالية ينجم عنها إصدار (2) إلى (4) جسيمات بيتا للوصول إلى الحالة المستقرة. ولكن يحدث في بعض الحالات وباحتمال معين أن تكون إحدى نوى سلاسل التفكك في حالة تهيّج طاقي مرتفع ما يجعل إمكان الانتقال إلى الحالة المستقرة بإصدار نترون أكثر احتمالاً من تفكك بيتا.
تتوزع النترونات المتأخرة في الحالة العامة على ست مجموعات تبعاً لعمر نصف ناتج الانشطار المصدر لها ولنسبة وجودها بين مجموع النترونات المتأخرة. وتأخذ في حالة اليورانيوم-235 أعمار نصف تُراوح بين 0.8 ثانية و55 ثانية مع نسبة وجود تراوح بين 0.03 و 0.4 من المجموع الكلي للنترونات المتأخرة. وتصل حصة النترونات المتأخرة إلى مجموع نترونات الانشطار إلى نحو 7.0% في حالة اليورانيوم- 235مقارنة بنحو 2.0% للبلوتونيوم-239. ومع أن حصتها متدنية من مجموع النترونات الانشطارية فإن النترونات المتأخرة ذات أهمية قصوى للتحكم بالتفاعلات النووية الانشطارية والسيطرة عليها؛ إذ إن غيابها يجعل التحكم بعمل المفاعلات الانشطارية صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً.
وبالعودة إلى مفهوم التحول الداخلي للنوى النشطة التي تحوي فائضاً نترونياً عالياً؛ يلاحظ أن التفاعل النووي الناظم لهذه العملية يأخذ الشكل التالي (المعادلة 2):
وبموجب هذا التفاعل يتحول أحد نترونات النواة إلى بروتون وإلكترون (أشعة بيتا السالبة) ونيوترينو مضاد anti-neutrino. وينجم عن هذا التحول تراجع عدد النترونات مع زيادة عدد البروتونات وإطلاق إلكترون إلى الوسط المحيط محدثاً بذلك تفكك بيتا المعروف. ويحدث إصدار بيتا لحظة حدوث هذا التحول بالنسبة إلى النترون، وكمثال مهم على ذلك يُذكر تفكك بيتا لنظير الفسفور-32 المشع وتحوله إلى نظير السيليسيوم-32 المستقر وفق التفاعل التالي الذي ازداد فيه عدد الشحنات (العدد الذري) بمقدار واحد مع بقاء عدد الكتلة ثابتاً (المعادلة 3):
بالمقابل يمكن لبعض النوى النشطة إشعاعياً والتي تظهر نقصاً في عدد النترونات أن تحدث تفاعلاً نووياً معاكساً يتحول بموجبه أحد البروتونات إلى نترون مع إطلاق بوزيترون (أشعة بيتا الموجبة) ونيوترينو وفق التفاعل (4):
ونظراً لصغر شحنة جسيمات بيتا وكتلتها فهي تمتاز بنفوذية عالية وتفاعل أضعف مع الوسط المحيط مقارنةً بجسيمات ألفا أو البروتونات. وتدل التجربة أن طاقة إصدار جسيمات بيتا لدى تفكك عنصر معين لا تمتلك قيمة محددة دائماً، بل تخضع لتوزع طاقي يُظهر قيمة عظمى مميِزة لهذا العنصر. وتدل الدراسات أن عمر النصف لمصدرات بيتا يتناقص كلما ازدادت الطاقة العظمى لجسيمات بيتا. وتجدر الإشارة إلى أن وجود الطيف الطاقي لإصدار بيتا هو السبب وراء اقتران تفكك بيتا مع إصدار النيوترينو. وتراوح الطاقة الحركية لجسيمات بيتا الصادرة بين 18 (كيلو إلكترون ڤولط) keV و3.5 MeV. وبالنسبة إلى الجسيمات التي تمتلك طاقة حركية تقرب من 3 MeV فإن سرعتها تقارب سرعة الضوء، ومن ثم تظهر في سلوكها آثار نسبية تتمثل بتغير كتلتها مع تغير سرعتها.
وبوجه عام تتفاعل جسيمات بيتا الصادرة بشكل معقد مع المادة؛ إذ يمكنها أن تصطدم بأحد إلكترونات الذرة المجاورة وتفقد معظم طاقتها، لكن تفاعلات التبعثر مع الوسط المحيط هي الأكثر احتمالاً حيث تغير جسيمات بيتا مسارها باستمرار تاركةً وراءها مساراً متعرجاً ما يجعل إمكانية تحديد مدى اختراقها للمادة أصعب مما هو عليه في حالة جسيمات ألفا مثلاً. وتبين الدراسة التجريبية بالاعتماد على معاملات الامتصاص الكتلية أن مدى الاختراق يتعلق بالطاقة الحركية لجسيمات بيتا، حيث يأخذ في حالة الطاقات العالية تابعية خطية في حين تنزاح عن هذه الخطية عند طاقات منخفضة (أقل من 1 MeV) وذلك بسبب ازدياد الضياعات الناجمة عن عمليات التأين والتبعثر.
مراجع للاستزادة: - علي حينون، هندسة المفاعلات النووية، هيئة الطاقة الذرية، دمشق 2008. - T. Jevremovic, Nuclear Principles in Engineering, Springer Science, USA, 2009. -K. Wirtz, Grundlagen der Reactortechnik, Teil 1 Kernphysikalische Grundlage. Karlsruhe, 1966 (in German). |
- التصنيف : الفيزياء النووية - النوع : الفيزياء النووية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :