تعدين الأذرة
تعدين اذره
powder metallurgy -
تعدين الأذرّة
غسان موسى
طرائق الحصول على أذرّة المعادن
طرائق تشكيل منتجات أذرّة المعادن
تطبيقات استخدام تقانة تعدين الأذرّة
تشمل تقانة تذرير المعادن powder metallurgy إنتاج الأذرّة وتشكيلها تحت تأثير الضغط والحرارة عند درجة حرارة أقل من درجة الانصهار لأي من تلك المكونات. استخدمت منذ بداية التاريخ أذرّة معادن كثيرة مثل الذهب والنحاس والبرونز، وكذلك استخدم العديد من أذرّة الأكاسيد في أعمال الزخرفة والتزيين (الديكور) أساساً للدهان والحبر ومواد التجميل. وقد استخدم الذهب منذ القديم في تذهيب بعض المخطوطات، ومن المحتمل أن استحصال هذه الأذرّة يجري بتحبيب مصهور المعادن، وقد شجع على ذلك درجة انصهارها المنخفضة ومقاومتها التأكسد؛ ولا سيما أذرّة الذهب.
استخدم المصريون القدماء الحديد الإسفنجي لتصنيع الأدوات منذ 3000 سنة أو أكثر، كما استخدم شعب الإنكا أذرّة البلاتين لتشكيل بعض الأدوات باستخدام مواد رابطة قبل وصول كريستوفر كولومبوس إلى أمريكا في عام 1492م، واستخدموا مواد رابطة بطريقة شبيهة لتشكيل الكربيدات الملبدة. وقد تطورت عمليات تحضير أذرّة البلاتين وتشكيلها في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ووجد وليم لويس William Lewis في عام 1758م أنه عند أكسدة سبيكة من البلاتين والرصاص عند درجة حرارة عالية تتبقى كتلة إسفنجية من البلاتين قابلة للتشكيل، حيث يمكن تحطيم البنية الإسفنجية وإعادة أجزائها؛ لتلتحم تحت تأثير الضغط، كما استخدم فرانز كارل أشارد (أخارد) Franz Karl Achard (1821-1753) أيضاً سبيكة من البلاتين والزرنيخ تحتوي على 86% بلاتين، ودرجة انصهارها 600°س للحصول على الكتلة الإسفنجية، ومن ثم تشكيلها بالضغط. وطبقت هذه الطريقة للحصول على خامات من البلاتين لاستخدامها في تصنيع أوعية للصناعات الكيميائية. واستخدم الزئبق لاحقاً بدلاً من الزرنيخ، كما حُصل على أذرّة البلاديوم باستخدام الكبريت بدلاً من الزرنيخ؛ والإريديوم مع الفسفور.
تُعدّ أعمال وليم وولاستون William Hyde Wollaston (1828-1766) في أوائل القرن التاسع عشر البداية الحقيقية لتشكيل الأذرّة الحديثة؛ إذ أدرك الصعوبات بتشكيل الأذرّة. استخدم وولاستون المراحل التسع المبينة أدناه لتصنيع معدن البلاتين المضغوط:
1- ترسيب كلوريد الأمونيوم - بلاتين من محلول ممدد.
2- تجميع كلوريد الأمونيوم - بلاتين مجزأ بشكل ذرور إسفنجي.
3- طحن الذرور الإسفنجي من دون تطبيق ضغط عالٍ للحفاظ على الطاقة السطحية للحبيبات.
4- نخل الذرور الإسفنجي.
5- غسل الذرور بالما لإزالة بقايا الأملاح.
6- فصل الحبيبات الناعمة عن الخشنة.
7- كبس الكتلة التي تحتوي على الحبيبات الناعمة بشكل كعكة أسطوانية.
8- تجفيف الكتلة الرطبة ببطء.
9- تطريق الكعكة وهي ما تزال ساخنة.
بهذه الطريقة نجح وولاستون في الحصول على بلاتين مضغوط، وعند درفلته إلى صفائح رقيقة يغدو خالياً من الغازات عملياً. ظلت هذه الطريقة مطبقة عشرين عاماً، ثم حلت محلها طريقة صهر البلاتين ودمجه fusion التي طورها هنري سانت - كلير ديفيل Henri Sainte-Claire Deville للحصول على البلاتين؛ وما تزال أفضل طريقة حتى اليوم. كما أدخلت طريقة تعدين الأذرّة لتشكيل الأجسام المعقدة بالضغط والتلبيد؛ إذ تُوصِّل إلى سك قطع النقود المعدنية من أذرّة النحاس التي تستحصل من ترسيب كربونات النحاس. أما أهم تطور تجاري كبير في تطبيقات تعدين الأذرّة فهو استخدامها لتصنيع شعيرات مصابيح الإنارة من الكربون أولاً ثم من الأسميوم والزركونيوم والفاناديوم والتانتاليوم والتنغستين.
طرائق الحصول على أذرّة المعادن
تستحصل أذرّة المعادن بطرائق ميكانيكية أو كيميائية، وأكثرها انتشاراً:
- التذرير بالغاز والماء.
- الطحن.
- التسبيك الميكانيكي.
- التحليل الكهربائي.
- المعالجة الكيميائية.
يتوقف اختيار الطريقة المناسبة على معدل الإنتاج المطلوب والخواص الكيميائية والفيزيائية المطلوبة. تستخدم الطرائق الكيميائية والكهربائية عند الحاجة إلى أذرّة عالية النقاوة، في حين تستخدم الطرائق الميكانيكية لتذرير المعادن القاسية والأكاسيد، وهي محدودة الاستخدام للمعادن الطرية. وأكثر هذه الطرائق شيوعاً للحصول على أذرّة المعادن هي التذرير atomization؛ كالألمنيوم والنحاس الأصفر والحديد والفولاذ المنخفض الخلائط والفولاذ المقاوم للصدأ وفولاذ العدة والسبائك الخارقة وسبائك التيتانيوم وغيرها، وهذه الطريقة المستخدمة حالياً هي نتيجة التطوير المستمر خلال ثمانين عاماً خلت؛ منذ إنتاج أذرّة الحديد خلال الحرب العالمية الثانية. وقد تجاوز وزن الأذرّة المصنعة بطريقة التذرير في أواخر القرن العشرين أكثر من 60% من الوزن الإجمالي لجميع أنواع الأذرّة المنتجة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدر الإنتاج العالمي المحضر بطريقة التذرير بنحو مليون طن في العام الواحد، وغدت طريقة التذرير أكثر الطرائق انتشاراً بسبب معدل الإنتاج المرتفع وانخفاض التكلفة وإمكان الحصول على أذرّة من خلائط معدّة مسبّقاً.
تتلخص عملية التذرير بتحطيم المعدن المصهور إلى قطرات صغيرة تتجمد عند تبريدها، وتتحول إلى ذرور يقل حجم حبيباته عن 150 مكرومتر.
تشمل الطرائق الصناعية المتبعة لتذرير المعادن العمليات التالية:
- التذرير بسائلين: حيث يُحطَّم المعدن المصهور إلى قطيرات بصدمه بتيار من الغاز أو الماء أو أي مائع (الشكل 1- أ، ب). وينتج بهذه الطريقة نحو 95% من الإنتاج العالمي.
- التذرير بالقوة الطاردة المركزية: حيث ينثر المصهور قطيرات بالقوة الطاردة المركزية باستخدام قرص دائر أو كأس أو إلكترود (الشكل1-ج).
- التذرير بالتخلية أو بالغاز المنحل: حيث يجري إشباع المعدن المصهور بالغاز، فيتسبب بتذرير المعدن في الخلاء (الشكل 1- د).
- التذرير بالأمواج فوق الصوتية: حيث تثار طبقة رقيقة من المعدن المصهور عن طريق اهتزازات تولدها أمواج فوق صوتية (الشكل 1- هـ).
|
الشكل (1) طرائق التذرير المختلفة: (أ) بالماء، (ب) بالغاز، (جـ) بالقوة الطاردة المركزية، (د) بالفراغ، (هـ) بالأمواج فوق الصوتية. |
تتميز طريقة التذرير من باقي طرائق التشكيل الأخرى بشكل الأذرّة الناتجة وكثافتها، ويمكن القول: إن الأذرّة التي يُحصَل عليها بالتذرير خالية من المسامات الدقيقة ومضغوطة نسبياً وذات كثافة مرتفعة ومساحة سطح منخفضة مقارنة بالطرائق الأخرى، وهذا يعني أن لها خصائص جريان أفضل وقابلية انضغاط جيدة ونشاط تلبيد أفضل من الطرائق الأخرى.
تُشكَّل الأذرّة بطرائق مختلفة أوسع من استخدام التشكيل ضمن قالب؛ مع ضغط مرتفع أو من دون ضغط؛ مثل طريقة السكب الانزلاقي. ويعدُّ التشكيل بالضغط المرتفع الأكثر انتشاراً حيث ترتفع الكثافة، وتأخذ الأذرّة الشكل المطلوب. تستخدم أيضاً في التشكيل الضغوط المنخفضة مع الاعتماد على مواد رابطة للحفاظ على الشكل، وتتلاحم الأذرّة في عمليات لاحقة بالتلبيد، كما يمكن الحصول على الشكل النهائي أيضاً بتطبيق ضغط مرتفع وحرارة عالية في وقت معاً للحصول على منتجات بمواصفات تقترب من تلك التي يُحصل عليها بالتطريق؛ أو قد تكون أعلى منها، وأخيراً يمكن الحصول على أذرّة عن طريق البخ لتشكيل منتجات عالية الكثافة. يعتمد اختيار الطريقة المناسبة على عدة عوامل تشمل ما يلي:
- نوع الأذرّة المستخدمة (كروية، رقائق، وإسفنجية وغيرها).
- كيميائية الأذرّة (مسبكة مسبّقاً، ومزج أولي وغير ذلك).
- نوع الأدوات المستخدمة.
- استخدام مادة رابطة أو مادة تشحيم.
- بخ مباشر لتحقيق ترابط الأذرّة بمجرد توليدها.
تستخدم الطرائق التالية لتشكيل أذرّة المعادن:
طرائق تشكيل منتجات أذرّة المعادن
- الكبس على البارد في قالب جاسئ: هي أكثر الطرائق انتشاراً، وتجري بصورة مباشرة حيث توضع الأذرّة في القالب، ويتحرك السنبك من الأعلى، وتطبق عليه قوة المكبس. في الطريقة البسيطة يستخدم سنبك واحد، ويلاحظ هنا أن كثافة المعدن متغيرة وأعلى من طرف السنبك بسبب تأثير الاحتكاك في جدار القالب. ويستخدم القالب العائم المتحرك لزيادة الكثافة، حيث يخفف من تأثير الاحتكاك، وتزداد الكثافة من الطرفين، وتكون أقل في الوسط. وتراوح الكثافة التي يحصل عليها بهذه الطريقة بين 75% و85% من كثافة المعدن. يعتمد الضغط اللازم للحصول على الكثافة المطلوبة على شكل الأذرّة وأبعادها وتوزعها البعدي وكيميائيتها والتشحيم المستمر، ويكون الضغط المطبق لتشكيل أذرّة الفولاذ في حدود 400 ميغا باسكال للحصول على كثافة بين 80-85% من الكثافة الكلية. تمتاز هذه الطريقة بالحصول على أبعاد دقيقة، وإنتاجية عالية، وتكرارية في المنتجات.
- الكبس الساخن: تجري العملية بكبس الأذرّة في قالب جاسئ عند درجة حرارة متوسطة وبإضافة مادة بوليمرية تنصهر عند درجة الحرارة المطبقة، حيث تقوم هذه المادة بدور التشحيم مع جدار القالب وبين الأذرّة، فتخفف من قوى الاحتكاك. ويمكن بهذه الطريقة الحصول على كثافة أعلى من 92% من الكثافة الكلية.
- الكبس الحار: يجري عند درجة حرارة مرتفعة في قالب مسخن، وتسمح درجة الحرارة المرتفعة وإطالة زمن العملية بالحصول على كثافة أكبر من 95%، يساوي الضغط اللازم في هذه العملية ثلث الضغط اللازم في الكبس على البارد. ويُحصَل على كثافة أعلى باستخدام هذه الطريقة للحصول على خامات يجري تشكيلها لاحقاً بعمليات أخرى.
- الكبس عند درجة حرارة ثابتة: يكون باستخدام قالب مرن؛ فتتعرض الأذرّة لضغط من جميع الجهات؛ وتجرى العملية على البارد أو على الساخن. ويجب أن تكون الأذرّة كروية ونظيفة وخالية من الشوائب، ويمكن الحصول على أشكال معقدة شبيهة بالتي يجري الحصول عليها بالكبس على الساخن. وعندما تُجرى العملية على البارد يُحصل على دقة عالية في الأبعاد. في الطريقة الحارة تصل درجات الحرارة إلى 1500°س بحسب المادة التي يجري تشكيلها.
ثمة طرائق أخرى للتشكيل مثل البثق والتطريق، وقد تستخدم أحياناً عملية الكبس الدوراني لزيادة الكثافة حيث يكون معامل الضغط مرتفعاً، وتطبق القوة على مساحة صغيرة.
التلبيد هي عملية معقدة تنفذ عند درجة حرارة مرتفعة، وتسبب ترابط الأذرة الحرة أو المضغوطة وزيادة متانتها؛ لتشكل جسماً كثيفاً مترابطاً. تحدث خلال عملية التلبيد عملية الترابط بتقليص المسامات. تتكون عملية التلبيد عموماً من ست مراحل، هي:
- ترابط أولي بين الأذرّة.
- نمو الأعناق.
- إغلاق قنوات المسامات.
- زيادة الكثافة أو انكماش المسامات.
- إقلال عدد المسامات.
تُعدّ درجة الحرارة وزمن التلبيد من أهم العوامل التي تؤثر في العملية، كما يؤثر حجم الحبيبات والمسامات ونوع الأذرّة في عملية التلبيد. ويراوح زمن التلبيد بين 20 و60 دقيقة في جو من غاز الحماية، ويستخدم الأمونيا أو الهدروجين أو مزيج الهدروجين والآزوت (النتروجين) أو الخلاء لمنع التأكسد. ومن مؤشرات عدم نجاح عملية التلبيد انخفاض المتانة والقساوة وعدم دقة الأبعاد. ويحتاج تلبيد الفولاذ إلى درجات حرارة مرتفعة، وتراوح درجات حرارة التلبيد للسبائك الحديدية بين 1100 و1300°س.
تطبيقات استخدام تقانة تعدين الأذرّة
بعد أن غدت قوالب سحب أسلاك التنغستين وشعيراته غير مُرضية، وتحدث فيها تأكلات كبيرة؛ صارت الحاجة إلى مواد أكثر قساوة وعالية التحمل أكثر إلحاحاً، وكان معروفاً أن حبيبات التنغستين تتحد مع الكربون لتشكل مركّبات قاسية جداً، هي الكربيدات، وكانت أساساً مناسباً للقم الكربيدية Carbide tips. وتُشكَّل هذه الكربيدات المترابطة بترابط أجزاء كربيد التنغستين الدقيقة والقاسية بوساطة معدن رابط، وأظهرت التجارب الأولية أنه يجب أن يتميز بالخواص المبينة أدناه؛ ليسمح بتصلب الجسم المعدني القاسي:
- توافق مع أجزاء الكربيد.
- درجة انصهار منخفضة.
- قابلية محدودة لتشكيل سبيكة مع الكربيد.
- ذو قابلية للاستطالة ductility عالية لا تتأثر بعملية الربط.
لقد حقق معدن الكوبالت هذه الشروط على نحو مرضٍ، نتيجة أبحاث كانت بدايتها الأولى في ألمانيا، وكان أهمها الأبحاث التي قامت بها شركة كروب Krupp -بين عامي 1923-1925م على المستوى التجاري- بتصنيع الأذرّة الكربيدية بعناية كبيرة ومزجها برابط معدني (بنسبة 3-13% من الكوبالت عادة)، ثم تجرى عملية التلبيد في درجة حرارة مناسبة لإحداث الترابط الجزيئي بين الكوبالت وكربيد التنغستين؛ ليعطي جسماً معدنياً يتمتع بمتانة وقابلية عالية للاستطالة؛ ليستخدم في تصنيع القوالب.
تستخدم الأجزاء المصنعة بطريقة تعدين الأذرّة على نطاق واسع في صناعة السيارات والآلات والأدوات المنزلية والطائرات والأجهزة الكهربائية ومنتجات صناعية أخرى. ومن الأجزاء المصنعة بهذه الطريقة المضاجع والمسننات والكامات والقارنات والبراغي من المعادن الخاصة وأجزاء المضخات الهدروليكية. يبين الشكل (2) مقارنة بين عملية التشكيل بالتطريق- التي تحتاج إلى عدة مراحل وإلى عمليات تشغيل إضافية- وعملية تشكيل ذراع التوصيل بتعدين الأذرّة التي تتميز بنعومة السطح والحصول على الشكل بالأبعاد النهائية مع توفير بالمادة الأولية.
|
الشكل (2). |
من التطبيقات المهمة في تعدين الأذرّة إنتاج اللقم الكربيدية، التي تصنّع من الكربيدات المترابطة، التي تستخدم على نطاق واسع في عمليات قطع المعادن. والتي تُعدّ القاعدة الأساسية في صناعة المركبات والآلات المختلفة والتجهيزات المنزلية. لقد استجابت هذه اللقم للحاجة المتزايدة لأدوات قطع ذات عمر طويل وكلفة منخفضة ومنتج ذي جودة عالية نتيجة التطور الكبير في الصناعات الميكانيكية. تمر عملية تصنيع اللقم الكربيدية بالمراحل المختلفة لتعدين الأذرّة؛ ابتداء من الحصول على الأذرّة المناسبة ومزجها وكبسها وتلبيدها حتى عمليات التلبيس والإنهاء المختلفة.
مراجع للاستزادة: - P. C. Angelo, R. Subramanian, Powder Metallurgy: Science, Technology and Applications, 2012. - R. M. German, Powder Metallurgy & Particulate Materials Processing, 2015. - A. Upadhyaya, G. S. Upadhyaya, Powder Metallurgy: Science, Technology, and Materials, Universities Press, 2018. - J. Veliz, Powder Metallurgy Technologies: Wide Applications Of Copper Powder In Today Engineering, Independently published, 2021. |
- التصنيف : التقانات الصناعية - النوع : التقانات الصناعية - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :