الأدينوزين ثلاثي الفسفات
ادينوزين ثلاثي فسفات
Adenosin triphosphate (ATP) - Triphosphate adénosine(ATP)
حسن حلمي خاروف
كيف يتشكل الأدينوزين ثلاثي الفسفات؟
الشكل (1) بنية الـ ATP والـ ADP |
الشكل (2-أ) دورة ATP في الخلية الحية، حيث تستخدم الطاقة المتحررة من تفكك المادة الغذائية في تكوين ATP من ADP و PI في تفاعل ماص للطاقة، وحلمهة ATP تحرر طاقة تُستَخدَم لبدء تفاعل ماص للطاقة. |
الشكل (2-ب) تركيب الـ ATP من الـ ADP بإضافة الفسفات |
الشكل (3) اقتران التفاعل المحرر للطاقة بالتفاعل الماص للطاقة |
الشكل (4) مرحلة التحلل السكري من التنفس الخلوي |
يتألف جسم الكائنات الحية -حيوانية كانت أم نباتية- من مواد عضوية وغير عضوية، يجب أن يتناولها الكائن في طعامه لسببين رئيسيين، الأول: لتعويض ما قد يفقد منها في أثناء حياته، والسبب الآخر: هو أن بعض هذه المواد يحتوي على طاقة يحتاج إليها الكائن لتصريف فعالياته الحياتية المختلفة. تُحَرِّرُ تفاعلاتُ الهدم catabolic reactions -التي تتم في الخلايا- هذه الطاقةَ وتستعملها المتعضية organism في تصريف فعَّالياتها، لكن يزيد بعض منها على الحاجة، مما يتطلب خزنها لحين اللزوم. يتم ذلك في مواد كيميائية تقوم بادخارها تسمى حوامل الطاقة energy carriers، تتمثل بمواد مختلفة، أهمها الأدينوزين ثلاثي الفسفات adenosine triphosphate، التي يُرمَزُ لها اختصاراً بـ ATP. تَستعِمل خلايا المتعضيات الطاقة التي تحملها هذه الجزيئات لتصريف الفعَّاليات المختلفة؛ لذا تُعرف أيضاً باسم “عملة الطاقة energy currency”، فهي لازمة لصنع المركبات العضوية كالكربوهدرات (السكريات) carbohydrates والبروتينات والشحميات، وتقديم طاقة التنشيط activation energy اللازمة للتفاعلات الكيميائية، ومن أجل النقل الفاعل active transport للمواد عبر الغشاء الخلوي، وللتحرك في البيئة، وللنمو، وغير ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مواد أخرى غير الـ ATP تنقل الطاقة الفائضة، تتمثل بما يُسمى حوامل الإلكترونات electron carriers لا مجال لذكرها هنا.
الأدينوزين ثلاثي الفسفات نوكليوتيد nucleotide يتألف من ثلاثة مُرَكبات هي: الأساس الآزوتي (الأدينين) والسكر خماسي الكربون (الريبوز)، ويشكلان معاً ما يسمى الأدينوزين الذي يكوِّن بالاشتراك مع ثلاث مجموعات فسفورية الأدينوزين ثلاثي الفسفات (الشكل 1)، حيث يُخزَن الكم الأكبر من الطاقة بين الروابط التي تربط مجموعات الفسفات الثلاث بعضها ببعض، إذ تُقدَّر الطاقة في كل من هاتين الرابطتين بنحو30,5 كيلوجول/مول 7,3)كالوري/مول)، في حين تقدر الطاقة الموجودة بين الأدينوزين ومجموعة الفسفات بنحو 14 كيلوجول/مول ( 3,4كيلوكالوري/مول)؛ لذلك تسمى هاتان الرابطتان عاليتي الطاقة، تنطلق منهما لدى حلمهة hydrolysis الأدينوزين ثلاثي الفسفات الذي يتحول نتيجة ذلك إلى أدينوزين ثنائي الفسفات (ADP) adenosine diphosphate وفسفات غير عضوية، رُمِزَ لها في التمثيل المبين في الشكل (2 -أ) بـ P1 :
ولأن الطاقة التي تحملها هذه الرابطة عالية، وكذلك الرابطة بين الحمضين الثاني والثالث، فإنه يُشار إليهما بالرمز ~ بدلاً من – الذي يشير إلى الرابطة بين الأدينوزين ومجموعة الفسفات الأولى، وقد مُثِّلَ الـ ATP في الشكل (1) بـ P ~ P – A ، في حين مُثِّلَ الـ ADP بـ P ~ P ~ P – .
كيف يتشكل الأدينوزين ثلاثي الفسفات؟
تتحرر في تفاعلات الهدم التي تتم في الخلية طاقة تُختَزَن في جزيئات الـ ATP، تمهيداً لاستخدامها في تفاعلات أخرى، وذلك بارتباط الفسفات بجزيئة الـ ADP، كما يبدو في التمثيل المبين في الشكل (2-ب):
ولتوضيح ذلك يشار إلى أن مرحلة التحلل السكري glycolysis (أولى مراحل التنفس الخلوي cellular respiration التي تتم في مراحل عدة وتطرأ عادة على الغلوكوز) تُنتِج جزيئاتٍ تُحَرِّر مجموعاتِ فسفات تعطيها إلى جزيئات الـ ADP، التي تتحول بدورها إلى ATP، كما ورد في الشكل (2)، فالفسفوإينول بيروفات مثلاً تضم مجموعة فسفات مرتبطة بالبيروفات، لكن هذا الارتباط ضعيف؛ لذا يتفكك الفسفوإينول بيروفات بسهولة، لتتحرر الفسفات التي ترتبط بالـ ADP لتتشكل الـ ATP، كما يلي:
Phosphoenolpyruvate + ADP → Pyruvate + ATP
وهكذا تتشكل مادة غنية بالطاقة هي الـ ATP، تُستَخدَم لتفعيل تفاعلٍ يحتاج إلى طاقة.
يُطلق على هذه الطريقة في تشكيل الـ ATP تعبير “الفسفرة على مستوى الركيزة substrate-level phosphorylation “، التي تحدث عندما يقوم إنزيمٌ بنقل الفسفات من جزيئة إلى أخرى، وفي المثال السابق نُقِلت الفسفات من الفسفوإينول بيروفات إلى الـ ADP.
ثمة طريقة أخرى لتكوين الـ ATP من الـ ADP ومجموعة الفسفات، تسمى التناضح (الحلول) الكيميائي chemiosmosis، تُخْزَن فيها الطاقة في مدروج الإيونات الإلكتروكيميائي ion electrochemical gradient وذلك بوساطة إنزيم هو الـ ATP سينثيتاز (ATP) synthetase ، إذ إن المدروج الإلكتروكيميائي لإيون الهدروجينH+ عبر الغشاء الداخلي للكوندريوم يعد مصدراً للطاقة. فعودة إيون الهدروجين إلى داخل مَطرِق matrix الكوندريوم هو عملية مُحَرِّرَة للطاقة. لكن غشاء الكوندريوم الفسفوشحمي المضاعف الطبقة phospholipid bilayer هو غشاء غير نفوذ نسبياً لـH+، ومع ذلك يمكن لـ H+ أن يعبر جزءَ الغشاء المُفعَم بإنزيم ATP سينثيتاز الذي يحجز بعض الطاقة التي تتحرر لدى انسياب الإيونات عبر هذا الجزء، لتتشكل جزيئة ATP من جزيئة ADP وفسفات.
المهمة الأساسية لهذه الجزيئة هي تجهيز التفاعلات الكيميائية بالطاقة اللازمة لها، إذ إن ربط الحموض الأمينية بعضها ببعض مثلاً لتركيب البروتين يحتاج إلى طاقة يؤمنها تفكك الـ ATP كما يمثل الشكل (3). ومن هنا أتت تسمية هذه الجزيئات بحوامل الطاقة. وبهذا المعنى يمكن القول إن العمل الأساسي للـ ATP هو أنه يوفر قَرْن coupling التفاعلات المحررة للطاقة بالتفاعلات الماصة لها (الشكل 3). فهو يأخذ الطاقة الناتجة من حرق الغلوكوز (تفاعل محرر للطاقة) وينقلها إلى تفاعل تركيب البروتينات (تفاعل ماص للطاقة).
كما أن المرحلة الأولى في التنفس الخلوي (مرحلة التحلل السكري) تتضمن فصم جزيئة الغلوكوز (سداسي الكربون) إلى جزيئتين من حمض البيروفي (حمض الحصرم) pyruvic acid الثلاثي الكربون. لكن لكي يبدأ هذا التفاعل يتوجب تنشيط الغلوكوز، ويتم ذلك بطاقةِ تنشيطٍ قدرها نحو جزيئتي ATP، لكن ينجم عن فصم الغلوكوز في النهاية أربع جزيئات ATP، وهكذا تكون النتيجة الصافية انطلاق جزيئتي ATP (الشكل 4). وينتج –إضافة إلى ذلك- جزيئتان أُخريان حاملتان للطاقة هما 2 NADH، ولكن من خلال حملهما الإلكترونات.
هذا ما يحدث في حالات التنفس الهوائي aerobic respiration، أما عند عدم توفر الأكسجين الكافي (حالة التنفس اللاهوائي anaerobic respiration) فإن حلقة كريبس وسلسلة نقل الإلكترونات (العمليتين التاليتين للتحلل السكري) لا تحدثان، ومن ثَم لا تتم أكسدة الـ NADH الذي ينتج أيضاً في التحلل السكري. تَحُلُّ معظم الخلايا الحيوانية هذه المشكلة بإرجاع حمض البيروفي إلى حمض اللبن lactic acid. وهكذا يتحول حمض البيروفي إلى مُتَقَبِّل نهائي للإلكترونات، وينتج في نهاية التحلل السكري حمض اللبن.
وفي التخمر الكحولي تتم الأمور كما في التحلل السكري، لكن تتحرر ذرات الكربون هنا بشكل ثنائي أكسيد الكربون CO2 الذي يُرْجَع إلى الكحول الإتيلي، فيعاد تشكل الـ NAD.
يمثل التنفس اللاهوائي جزءاً من ثمانية أجزاء فقط من مردود الأكسدة الكاملة للغلوكوز، لكنه يمثل مُتَنَفَّساً لا بأس به لبعض الحيوانات عندما لا يتوفر الأكسجين الكافي لها. فكثير من المتعضيات الدقيقة تعيش في مواقع قليلة الأكسجين، كالتربة المشبعة بالماء أو في طين قيعان البحار والبحيرات أو في الجثث المتعفنة. كذلك تقوم عضلات الفقاريات بفعاليات أكثر من المعتاد، مُتَطَلِّبَةً كمياتٍ كبيرة من الأكسجين لا يستطيع جهاز التنفس توفيرها، فتلجأ عندها لتأمين الطاقة اللازمة إلى التنفس اللاهوائي. كما يلجأ كثير من الحيوانات إلى التنفس اللاهوائي في نشاطاتها الطبيعية. فالطيور والثدييات التي تغطس مثلاً تلجأ إلى التنفس اللاهوائي لتأمين الطاقة اللازمة لغطسها. ولا يستطيع سمك السلمون القيام بالهجرة الطويلة اللازمة له للوصول إلى مكان وضع بيوضه لولا لجوؤه إلى التنفس اللاهوائي. كما أن كثيراً من الطفيليات تتعرض لقصور حاد في الأكسجين في مواقع حياتها، فتلجاً إلى إنتاج مركبات مُرجَعَة في جهازها الكوندري، مثل حمض الخل acetic acid وحمض البروبيون propionic acid وحمض السكسينيك succinic acid، فتحصل بذلك على كميات من جزيئات الـ ATP أكثر مما يؤمنه حمض اللبن.
عموماً هناك ثلاث فعاليات تحتاج فيها الخلية إلى طاقة تستمدها عادة من الـ ATP، تكون مجموعة الفسفات فيها كلها هي الجملة المسؤولة: فعاليات كيميائية، بمعنى تنفيذ تفاعل كيميائي، وفعاليات نقل للمذابات solutes ، وفعاليات ميكانيكية، بمعنى إجراء عمل.
ففيما يتعلق بطريقة تنفيذ تفاعلات كيميائية يوضح الشكل (5) مساهمة الـ ATP بتركيب الحمض الأميني الغلوتامين glutamine (Glu-NH2) بدءاً من حمض الغلوتامي glutamic acid ( Glu) والنشادر (NH3). في البداية يقوم الـ ATP بفسفرة حمض الغلوتامي (المرحلة 1) فيحوله إلى مادة وسط مُفَسفَرَة phosphorylated intermediate هي حمض الغلوتامي المُفَسفَر (Glu-P) الأقل استقراراً، و ADP، ثم تنفصل الفسفات من حمض الغلوتامي المفسفَر لتقوم الطاقة المتحررة من ذلك بربط حمض الغلوتامي بالأمونيا ليتشكل الغلوتامين (المرحلة 2).
الشكل (5) توسط الـ ATP بالتفاعلات الكيميائية بفسفرة المواد |
الشكل (6) تمثيل الفعاليات الميكانيكية وفعاليات النقل التي يسهم فيها الـ ATP |
أما طريقة نقل المواد والطريقة الميكانيكية فيوضحهما الشكل(6)، ففيما يتعلق بنقل المواد يبينها المخطط (أ) من الشكل (6). تتم هذه الفعاليات نتيجة حلمهة الـ ATP، الذي يسبب تغير شكل البروتين الناقل ومن ثَم قدرته على الارتباط بجزيئة أخرى، الأمر الذي يتم أيضاً -كما ذُكِرَ سابقاً- من خلال مادة وسط مُفَسْفَرَة فيغير البروتين الناقل للمواد transport protein في الغشاء الخلوي شكله ليقوم بنقل المواد إلى الجهة الأخرى من الغشاء بعملية نقل فعالة active transport. والمثال النموذجي لذلك هو محافظة غشاء الخلية على مدروج التركيز في الخلية، إذ من المعروف أن تركيز إيونات البوتاسيوم داخل الخلية الحيوانية أعلى مما هو عليه خارجها، بعكس إيونات الصوديوم. فيقوم غشاء الخلية بالمحافظة على هذا الاختلاف بضخ إيونات الصوديوم نحو الخارج وضخ إيونات البوتاسيوم نحو الداخل، وذلك بنقل فعال يحتاج إلى طاقة، تستمدها الخلية من الـ ATP بتفككه إلى ADP وفسفات، وارتباط هذا الأخير بما يُعرَف بمضخة الصوديوم- البوتاسيوم sodium-potassium pump التي تَتَفَعَّل بالطاقة التي تتحرر لدى انفكاك الفسفات وتحرر الـ ADP ثانية، ومن ثَم تؤمِّن النقل المتبادَل بين الصوديوم والبوتاسيوم. وهذه المضخة ما هي إلا البروتين الغشائي الذي يمكن أن يغير شكله ليؤمن التبادل.
أما الطريقة الميكانيكية فتتمثل بنقل العُضَيّات على طول الهيكل الخلوي في الخلية، كما يبدو في المخطط (ب) من الشكل (6)، حيث يقوم الـ ATP بالارتباط بالبروتينات المُحَرِّكَة motor proteins (يُفَسْفِرُها) فيُفَعِّلُها لتتحرك العضية، هي في الشكل حويصلة مستخِدمة الطاقة التي تنتج من حلمهة الـ ATP إلى ADP و فسفات.
أخيراً يؤمن الـ ATP تنظيم درجة حرارة الجسم، فإذا برد الإنسان مثلاً تقلصت العضلات الملس في جدار أوعيته الدموية، فيقل ورود الدم إلى سطح الجسم، فيحافظ الجسم على حرارته الداخلية ليتسنى للأعضاء الداخلية القيام بفعالياتها الحيوية المختلفة. فإذا كان البرد شديداً بدأ الجسم بالارتعاش، الأمر الذي يتم بالتقلص السريع للعضلات الهيكلية من خلال العصبونات الموجودة في الوِطاء hypothalamus من الدماغ التي تتحسس بالحرارة. وهذه التقلصات تحتاج إلى طاقة تستمدها عادة من تفكك الـ ATP.
يتصلب الجسم عادة بعد الموت بنحو 3 – 4 ساعات، فيما يعرف بتصلب الموت rigor mortis. ولهذه الحادثة علاقة بالـ ATP أيضاً. فلكي تسترخي العضلة تحتاج إلى طاقة، تستمدها الخلايا عادة من الـ ATP، لكن بعد الموت يتوقف تشكل هذا المركب، وتبقى الألياف العضلية متقلصة وصلبة.
|
- التصنيف : الكيمياء الحيوية - النوع : الكيمياء الحيوية - المجلد : المجلد الأول - رقم الصفحة ضمن المجلد : 468 مشاركة :