أثر أوجيه ومطيافيته
اثر اوجيه ومطيافيته
Auger effect and spectroscopy - Effet Auger et sa spectroscopie
أنس خوام
أثر أوجيه Auger effect هو الظاهرة الفيزيائية التي يتسبب فيها إصدار إلكترون من ذرة بإصدار إلكترون آخر. بعد اكتشاف الفيزيائي الإنكليزي تومسون في نهاية القرن التاسع عشر الإلكترون، أثبتت التجارب أن الإلكترونات موجودة في الذرات كلها، وأنها موزعة في كل ذرة على طبقات مدارية يرمز إليها بحسب قربها من النواة بـ K ,L ,M . . . إلخ. تكون الإلكترونات الواقعة في المدارات الخارجية أقل ارتباطاً بالنواة، ولذا فإن إعطاءها مقداراً صغيراً من الطاقة يكون كافياً لفصلها عن الذرة. وتسمى هذه الإلكترونات المفصولة بالإلكترونات الحرة free electrons. إن عدد هذه الإلكترونات ودرجة حرية حركتها في مادة ما يحدد طبيعتها من حيث كون المادة ناقلة أو نصف ناقلة أو عازلة. وفي حالة الذرة المعزولة يحتل الإلكترون مستوى طاقة معيناً، في حين تكون ذرات المادة قريبة جداً بعضها من بعض في حالة الجسم الصلب، وهذا ما يجعل الإلكترون الواحد يخضع لتأثير نوى عديدة، ولهذا تحل نظرية عصابات الطاقة energy bands محل مستَوَيات الطاقة.
تدعى ظاهرة إخراج الإلكترونات من سطح المادة بالإصدار الإلكتروني. يمكن إحداث الإصدار الإلكتروني بطرائق مختلفة، أهمها:
الإصدار الحراري: يأتي أصل التسمية من كون طاقة الاقتلاع ذات أصل حراري، إذ يعتمد مبدؤه على تسخين ناقل إلى درجة حرارة معينة، فتزداد الطاقة الحركية لبعض إلكتروناته السطحية زيادة كبيرة تمكِّن الإلكترون من تخطي حاجز الكمون.
الإصدار بالحقل الكهربائي: يحدث اقتلاع الإلكترونات من ناقل بجعل سطحه خاضعاً لتأثير حقل كهربائي شديد، كما هو الحال في الأنابيب الإلكترونية ذات المهبط البارد.
الإصدار الكهرضوئي: يتحقق الإصدار الإلكتروني بتعريض سطح المادة لفوتونات (أشعة ضوئية) ذات طاقة كافية لاقتلاع إلكترون أو أكثر.
الإصدار الثانوي: يحدث نتيجة صدم سطح الناقل بإلكترونات سريعة أو إيونات، مما يؤدي إلى اكتساب إلكترونات سطح الناقل قسماً من الطاقة الحركية للإلكترونات الواردة، فتنفصل الأولى تاركة الناقل.
عندما ينفصل إلكترون من طبقة عميقة في الذرة تاركاً مكانه شاغراً، فإن إلكتروناً من مستوى طاقيٍّ أعلى يملأ المكان الشاغر مسبباً تحرر طاقة. ومع أنه في بعض الأحيان تتحرر هذه الطاقة بإصدار فوتون، فإن الطاقة قد تنتقل إلى إلكترون آخر مسببة اقتلاعه من الذرة. يسمى الإلكترون الثاني المقتلع إلكترون أوجيه.
اكتشف إلكترونات أوجيه كل من الفيزيائية النمساوية ليز مايتنر Lise Meitner عام 1923م والفرنسي بيير فكتور أوجيه Pierre Victor Auger عام 1925م منفصلين، لكن جمعية العلماء الناطقين بالإنكليزية أطلقت اسم أوجيه على ذلك الأثر. ويبيّن الشكل (1) المخطط الطاقي للانتقالات الإلكترونية مبيناً في (أ) الحالة الابتدائية وترميز الطبقات الإلكترونية ... K, L, M , وما يقابلها من الحالات الإلكترونية ... 2s, 2p, 3s,. ويبين في الشكل(1- ب) اقتلاع إلكترون من الطبقة الداخلية Kبصدمه بإلكترون خارجي أو امتصاصه لأشعة X ، فيترك مكانه ثقباً لتصبح الذرة غير مستقرة، وهذا ما يؤدي إلى قفز إلكترون آخر من طبقة أخرى L1 مثلاً، ليملأ الفراغ الذي أحدثه خروج ذلك الإلكترون وليعطي طاقة يمكن أن تتبدد إما بإصدار أشعة X (الشكل 1- جــ) وإما باقتلاع إلكترون ثانٍ من طبقة ثالثة L2 وفقاً لأثر أوجيه وبمساهمة ثلاثة مستَوَيات طاقية، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى نشوء فجوتين إلكترونيتين في الذرة كما هو مبين بالشكل (1- د)
الشكل (1) : مخطط الانتقالات الطاقية للإلكترون : ( أ) الأولية , (ب) اقتلاع إلكترون من الطبقة K , (جـ ) أشعة X نتيجة ملء الفراغ الطبقة K بإلكترون من المستوى L1 , (د) إصدار إلكترون أوجيه |
وفي الواقع تصدر ذرة معينة فيها ثقب في أحد المدارات الداخلية أشعة X، كما يمكن أن تصدر إلكترون أوجيه في الوقت نفسه، وتحدث كلتا الظاهرتين متواقتتين، إلا أنه في حالة الذرات الخفيفةء (الصغيرة العدد الذري atomic number) يكون احتمال إصدار إلكترون أوجيه أكبر، على حين ينعكس هذا الاحتمال لمصلحة إصدار أشعة X في حالة الذرات الثقيلة. ففي ذرة الزنك ء(التوتياء Zn ) ء ذات العدد الذري 30 يتساوى احتمال إصدار أشعة X من الطبقات الداخلية مع احتمال إصدار إلكترونات أوجيه تقريباً.
يرمز عادة لانتقالات أوجيه بدلالة المستَوَيات الطاقية الثلاثة المشاركة في عملية إصدار إلكترون أوجيه. ففي حالة الذرات الخفيفة تشارك الانتقالات KLL و LMM، على حين تشارك الانتقالات MML و NNM في حالة الذرات الثقيلة، كما هو مبين في الشكلءءءءءء (2)
لا تعد طريقة الترميز لانتقالات أوجيه بدلالة المستويات الطاقية الثلاثة المشاركة في عملية الإصدار صحيحة دائماً من وجهة نظر المطيافية الذرية، فهي لا تعطي دائماً العدد الدقيق من الانتقالات التي يمكن أن تجري فعلياً. فالسلسلةKLL التي يساهم فيها أربعة مستويات طاقية (K,L1,L2,L3) يمكن أن تقود إلى 6 انتقالات منفصلة هي : KL1L1 , KL1L2 , KL1L3 , KL2L2 ,KL2L3 , KL3L3 إذ توافق تلك الانتقالات العناصر الخفيفة أو الثقيلة، وفي حالة العناصر ذات العدد الذري المتوسط يمكن أن يلاحظ ثلاثة انتقالات تجريبية أخرى إضافية، ولذا يجب إضافة اعتماد الدلالة المحددة للحد الطيفي الموافق، وتكتب مثلاً: KL1L1 (1s0) كما هو موضح بالشكل(3) الذي يبين تسمية الحالات لأنماط الربط المختلفة لانتقالات أوجيه KLL.
الشكل (3):الطاقات النسبية لانتقالات أوجيه KLL المحصورة بين الانتقالات (1S0)ء KL1L1 و KL3L3 (3P2) بدلالة العدد الذري مع ذكر الحدود الطيفية المقابلة | الشكل (2) :انتقالات أوجيه و الطاقات الاساسية لإلكترونات أوجيه للعناصر |
تعطى طاقة أحد إلكترونات أوجيه بالعلاقة :
EKLL = EK – EL1– EL2 = EK – EL2 – EL1
وتبين هذه العلاقة عدم الفصل بين الانتقالات KL1L2و KL2L1. و لإلكترونات أوجيه طاقات مميزة للذرات التي صدرت عنها وهي محصورة تقريباً بين 280 eV – 2.1 keV. وبهذه الطاقات المنخفضة نسبياً يمكن لإلكترونات أوجيه أن تُقتلع فقط من سطح العينة المدروسة، ومن ثَم يمكن تحديد مكونات سطح المادة من قياس طاقة إلكترون أوجيه الصادر عنها. ويعدّ هذا الإجراء حجر الأساس لمطيافية إلكترونات أوجيه.
تعد المطيافية الذرية للإلكترونات الداخلية الأساس للعديد من تقنيات التحليل العنصري، كمطيافيات الإلكترون الضوئي المحثوث بأشعةX X-ray photoelectron spectroscopy (XPS)،
وإلكترونات أوجيه (AES) ء Auger electron spectroscopy، والتبعثر الطاقي لأشعة X (EDX)ء X-ray energy dispersiveو وغيرها.
يعدّ وجود فراغ أو ثقب في طبقة إلكترونية داخلية شرطاً أساسياً لإصدار إلكترون أوجيه. يمكن التمييز بحسب طريقة إحداث الثقب الإلكتروني الداخلي بين نوعين لمطيافية أوجيه، هما: مطيافية إلكترونات أوجيه المحرّضة بأشعةX X-ray Auger electron spectroscopyى ء (XAES)، ومطيافية إلكترونات أوجيه ( AESو ) ولمطيافية إلكترونات أوجيه تطبيقاتها التحليلية في عدة مجالات في الفيزياء والكيمياء، إذ تُعد تقنيةً مهمة جداً لدراسة حالات العناصر والجزيئات والعناقيد المتشاركة، وبوجهٍ خاص في دراسة السطوح والأغشية الرقيقة. إذ تمكِّن مطيافية أوجيه من التحديد النوعي والكمي لعناصر سطح الجسم المدروس، إلا إنها نادراً ما تكشف عن آثار الوسط الكيميائي المحيط، وذلك بسبب قدرة الفصل الضعيفة للكواشف المستخدمة، غير أن شكل الإشارة المسجلة، وكذلك الانزياحات في قممها يمكن أن تشير إلى التغيرات البنيوية أو التغيرات الناجمة عن الوسط الكيميائي المحيط. لهذا تُعدّ مطيافية XAES الأكثر ملاءمة لهذا الكشف، إذ يبدو فيها تأثير الوسط الكيميائي المحيط للعناصر المصدرة أكثر وضوحاً وقابلية للكشف مما هو عليه في مطيافية ة AES، ويمكن أن يعطي على نحوٍ مميز معلومات مكملة لما يمكن الحصول عليه من الانزياح الكيميائي المستنتج من مطيافية ة XPS . لابد من الإشارة أيضاً إلى أنه عند استخدام مطيافية إلكترونات أوجيه المحرضة بأشعة X يكون هنالك حدود لمشاهدة انتقالات أوجيه، ففي حالة السلسلة KLL -على سبيل المثال- يمكن الكشف حتى عنصر الصوديوم عند استخدام المنبع ء Mg Ka، وعنصر المغنزيوم Mg عند استخدام المنبع Al Ka. أما في حالة السلسلة LMM فتصبح هذه الحدود موافقة لعنصري Ge و Se بالنسبة إلى المنبعين نفسيهما على التوالي.
تختص مطيافية AES في المقام الأول باستخدام حزمة إلكترونات مسرَّعة وذات طاقة ثابتة منبعَ تأيين أساسي (منبع تأيين حراري أو منبع تأيين بالحقل). وتُفصل الإلكترونات الصادرة بحسب طاقتها الحركية بمحلل ومنظومة كشف خاصة ضمن جهاز متكامل يعمل ضمن حجرة خلاء عالٍ من مرتبة (باسكال) . هذا المستوى العالي من الخلاء ضروري في المنظومة لتجنب التلوث السطحي الناجم عن عناصر مثل . ويوجِّه المدفع الإلكتروني حزمة مركزة من الإلكترونات بطاقة من مرتبة 2 keV إلى سطح العينة، ويجري مسح المنطقة المراد دراستها، يجري بعدها تسجيل طاقات إلكترونات أوجيه وتحليلها بكاشف (بمحلّل) نصف كروي من نوع الحقل المؤخِّر retarding field analyzer (RFA)، أو كاشف (محلّل) أسطواني من نوع “المرآة الأسطوانية” cylindrical mirror analyzer (CMA). يتميز هذا الكاشف الأخير بزاوية دخول كبيرة ونفوذية وحساسية عاليتين. يبين الشكل(4) مخططاً توضيحياً لجهاز مطيافية إلكترونات أوجيه AES. إن تحليل مجموعة الإلكترونات الواردة على الكاشف يمكِّن من التفريق بين الإلكترونات الصادرة نتيجة التصادم المرن وتلك الصادرة نتيجة انتقال أوجيه، ويفرق بينها بقمم طيفية مختلفة، إذ تكون القمم العائدة للتبعثر الراجع للإلكترونات الأولية على سطح المادة مفصولة بوضوح وذات شدة عالية، على حين تكون القمم الخاصة بإلكترونات أوجيه ذات شدة أخفض بكثير مقارنة بشدة التصادم المرن. ولِزيادة نسبة الإشارة إلى الضجيج يؤخذ غالباً تفاضل الإشارة المسجلة. ونظراً لكون مطيافية أوجيه مطيافية سطحية فغالباً ما يضاف إلى تجهيزاتها منابع إيونية مثل منبع Ar+ لاستخدامها في إزالة التلوث السطحي للعينات المدروسة، وذلك بالحَتِّ الإيوني لعدة نانومترات للطبقة السطحية. كما تمكِّن نوعية أخرى من المنابع الإيونية أيضاً - بمسح السطح وحتِّه طبقة بعد طبقة - من إجراء دراسة مخطط العمقdepth profiling المتعدد العناصر عبر سُمْك الغشاء الرقيق.
الشكل (4) : مخطط توضيحي لمطياف يحوي كلاً من AES . XPS |
يبيّن الشكل (5) طيف أوجيه للفلور، وذلك كمثال على التحليل باستعمال مطيافية أوجيه، وهو انتقال من السلسلة KLL حُصِل عليه بتعريض عينة صلبة من MgF2 لأشعة X من منبع AlKa. من المعلوم أنه في حالة العينات الصلبة بوجهٍ خاص يصعب كشف الانتقالات الممكنة جميعها تجريبياً. ففي حالة هذا المثال والعناصر الخفيفة أيضاً كالفلور يمثل الانتقال KL2L3 الموافق للحالة النهائية 2s22p4(1D2) الحالة الأكبر شدة إطلاقاً.
الشكل (5) : طيف أوجيه للفلور في MgF2 ضمن مجال طاقة حركية تقع بين 590 – 660 eV |
تمكِّن مطيافية أوجيه -إضافةً إلى التحليل العنصري- من إجراء تحليل كمي محدود للتراكيز الذرية المختلفة بالاعتماد على معايير قياسية خارجية، نظراً لضعف دقة برامج التحليل المتوفرة لأطياف أوجيه، التي لا تأخذ في الحسبان أطيافاً عيارية قياسية مقارنة بالبرامج المتوفرة لتحاليل EDX. وتستعمل العلاقة الرياضية التقريبية التالية على نطاق واسع لحساب التركيز الذري لعنصر A محدد ضمن مصفوفة من m عنصراً:
يمثل الحد Ii شدة خط أوجيه الطيفي i، حساسية أوجيه النسبية، وهي قيمة عددية محصورة بين ~ 0.02 و 1 تقريباً، وتتعلق بالعنصر المدروس وانتقال أوجيه المحدد وجهد تسريع حزمة الإلكترونات. ويكون عندها الارتياب في قيم C المحسوبة بهذه الطريقة مساوياً في أفضل الأحوال لعدد صغير من النسبة المئوية للذرات.
يمكن تحويل مطيافية AES للعمل مجهراً إلكترونياً ماسحاً scanning electron microscope (SEM)، وذلك بالمسح الخطي أو الشبكي بحزمة الإلكترونات لسطح العينة المدروسة، إذ تعطي صوراً لمورفولوجية السطح. فيمكن استنتاج خريطة التركيب العنصري للسطح وأماكن توزع العناصر المحددة عليها، وذلك بربط هذه الصور بطيوف أوجيه المسجلة، إلا أنها بخلاف خرائط التركيب العنصري الممكن الحصول عليها من منظومة EDX – SEM إذ لا يمكن أن تسبر إلا الطبقات الذرية العليا من السطح.
مراجع للاستزادة: -Auger Effect, The Internet Encyclopedia Of Science, http://www.daviddarling.info/encyclopedia/A/Auger_effect.html -Bernard Agius et al., Surfaces, Interfaces et Films Minces, Bordas, Paris, 1990. -Jean Grimblot, L’analyse de surface des solides Par spectroscopies électroniques et ioniques, Masson, Paris, 1995. -Milton Ohring, The Materials Science of Thin Films, Academic Press, INC., London, 1992. |
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الأول - رقم الصفحة ضمن المجلد : 203 مشاركة :