تكتونية الصفائح
تكتونية صفائح
-
جهاد حمزة البريدي
تكتونية الصفائح plate tectonics نظرية علمية تصف الحركة الواسعة النطاق للغلاف الصخري للكرة الأرضية وتشرحها. بُنيت هذه النظرية على مفهوم الانجراف (الانزياح) القاري continental drift في مطلع القرن العشرين، وتقبّلها المجتمع الجيولوجي العلمي بعد ظهور الأبحاث العلمية التي تتحدث عن المفاهيم الأساسية للجروف المحيطية ocean ridges في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين. وقد نُشرت دراسات عديدة في تلك الفترة تتحدث عن مفهوم الانزياح القاري وعلاقته بالتيارات الحرارية الحملانية thermal convection لوشاح (غلاف) mantle الكرة الأرضية، وكان جون توزو ولسون John Tuzo Wilson من أكبر المساهمين في توضيح هذه العلاقة من خلال أبحاثه المنشورة بين عامي 1963 – 1965. وقد اعتمدت نظرية تكتونية الصفائح براهين جيوفيزيائية لتوضيح حركة قاع المحيط ocean floor المترافقة بتوسعها seafloor spreading مشكلةً الجروف المحيطية، تبعه عدد من الجيوفيزيائيِّين الذين تحدثوا عن الانزياح القاري والتيارات الحرارية الحملانية لوشاح الكرة الأرضية.
المفاهيم الأساسية لتكتونية الصفائح
تصف نظرية تكتونية الصفائح كيفية تكسّر الغلاف الصخري للكرة الأرضية إلى مجموعة من الصفائح انجرفت على الجزء السفلي من الوشاح الخارجي للكرة الأرضية (الوشاح الأدنى) على نحوٍ بطيء جداً عبر الزمن. وتكون هذه الحركة إما متباعدة وإمّا متقاربة وإمّا متسايرة جنباً إلى جنب؛ ففي حالة تباعد هذه الصفائح بعضها عن بعض تتسبب بترقق القشرة الأرضية وانفصالها ممّا يساهم في تدفق المهل magma من الوشاح الأدنى للكرة الأرضية، ومن ثمّ تشكل قشرة جديدة عند حدود هذه الصفائح المتباعدة. ويظهر التدفق المهلي لوشاح الكرة الأرضية على شكل سلاسل جبلية تحت محيطية عند حدود الصفائح المتباعدة تسمى الجروف المحيطية. وبما أن السطح الخارجي للكرة الأرضية ثابت من حيث مقياسه؛ فيفترض أن يُهضم جزء من القشرة الصخرية يساوي الجزء الذي نما في قاع المحيطات، وتتم هذه الآلية عند حدود الصفائح المتقاربة؛ ممّا يتسبب بإعادة تدوير القشرة الصخرية ونمو قشرة جديدة عند حدود الصفائح المتباعدة وهضم القشرة الصخرية عند حدود الصفائح المتقاربة؛ وذلك من خلال غوص صفيحة تحت الصفيحة المجاورة. كما يمكن أن تنزلق إحدى الصفائح بجانب صفيحة أخرى من دون حدوث نمو أو هضم. بُنيت النظرية السابقة على جملة من المفاهيم الأساسية، وكان أولها المشاهدات التي أظهرت التشابه الكبير في شكل سواحل كلٍّ من القارتين الأمريكية والإفريقية بعد رسم خرائط لهما، حيث قام عالم المناخ الألماني ألفريد فيغنر Alfred Wegener عام 1915 بتركيب القارات على شكل قارة كبيرة سماها بانغايا Pangaea من أجل دعم فرضيته المتعلقة بالانزياح القاري؛ لكنه لم يستطع تفسير ميكانيكية الحركة على نحو مقنع لتوضيح فرضيته في حينها؛ إلى أن أظهرت الدراسات المتعلقة بالشاذّات المغنطيسية تباعد الجروف المحيطية. كما أن ظهور نظرية التيارات الحرارية الحملانية لوشاح الكرة الأرضية، إضافة إلى الدراسات الجغرافية القديمة (الباليوجغرافية paleogeography) للكرة الأرضية والدراسات المستحاثية كلها دعمت وحدة القارة الأم في غابر عهدها وانفصالها إلى أجزاء ببطء شديد مع الزمن، حيث تراوحت حركة الانزياح بين 10مم و40 مم سنوياً لتصل إلى 160 مم في قاع المحيط الأطلسي. وكانت هذه القارة العملاقة قد بدأت تتجزأ منذ 200 مليون سنة إلى أن صار الأمر على شكله الحالي.
يرى بعض الباحثين أن الغلاف الصخري للكرة الأرضية يتألف اليوم من سبع صفائح؛ في حين يرى آخرون أنه يتألف من ثماني صفائح، إضافة إلى صفائح أُخرى ثانوية. تتألف قشرة أغلب الصفائح من مزيج من القشرتين القارية والمحيطية، تتحرك الصفائح أُفقياً مشكلة فرجات فيما بينها وبحدود متحركة وغير ثابتة في شكلها، وتدرس تكتونية الصفائح هذه الحركة ومسبباتها. ويمكن إدراج المفاهيم السابقة كالتالي:
- تُقسم طبقة الغلاف الصخري للكرة الأرضية إلى مجموعة من الصفائح المتحركة يصل عددها إلى سبع صفائح رئيسة إضافة إلى صفائح أُخرى ثانوية.
- تصف نظرية تكتونية الصفائح توزع الصفائح الأرضية وحركتها.
- اعتمدت النظرية على فرضيات ومشاهدات جُمعت من الدراسات الاستكشافية، والمتعلقة بشكل النهايات الطرفية للقارات وتوسع قيعان المحيطات والشواهد الجيولوجية والأُحفورية والدراسات المتعلقة بالشاذات المغنطيسية لقاع المحيطات والدراسات الباليومغنطيسية والدراسات الباليوجغرافية للكرة الأرضية، إضافة إلى توزع النطاقات الزلزالية والبركانية النشطة وتوزع السلاسل الجبلية على مستوى الكرة الأرضية مسايرة حدود الصفائح المختلفة.
- تقسم طبقات الكرة الأرضية إلى ثلاثة أجزاء؛ وهي القشرة والوشاح -يتألف الوشاح من الوشاح الداخلي والوشاح الخارجي الذي يتكون من الوشاح الأعلى والوشاح الأدنى (الوشاح الواهن) asthenosphere- والنواة، ويختلف بعضها عن بعض من حيث التركيب الكيميائي والخواص الفيزيائية، وقُسِم الوشاح الخارجي والقشرة الأرضية تقسيمات جزئية من وجهة نظر فيزيائية ميكانيكية، حيث يُعدّ الجزء العلوي من الوشاح الخارجي (الوشاح الأعلى) والقشرة الأرضية وحدة سميت بالغلاف الصخري lithosphere، ويتوضع تحته الوشاح الأدنى (الوشاح الواهن). وقد ساهمت نظرية التيارات الحرارية الحملانية داخل الوشاح في دعم مصادر الطاقة اللازمة لحركة الصفائح وتفسيرها.
أنماط النهايات الطرفية لتكتونية الصفائح
توجد ثلاثة أنماط لحدود الصفائح، إضافة إلى نمط رابع، هو مزيج من أنماط مختلفة. وتتحدّد الأنماط بناءً على خواص الحركة النسبية للصفائح بعضها مع بعض، إضافة إلى خواص سطح هذه الصفائح. ويمكن أن تصنف هذه الأنماط تبعاً لمنظمة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) United States Geological Survey لعام 2010 كالتالي:
- نمط الحدود التماسية: تظهر هذه الحدود في أماكن التماس والانزلاق الجانبي للصفيحتين، وتقع في أماكن الفوالق الانزلاقية الناقلة، ولا يحدث اندساس أو هضم لإحدى الصفيحتين في هذه الحدود، وتكون الحركة جانبية أو يسارية أو يمينية (الشكل1)، وتترافق مع نطاقات زلزالية قوية على طول هذه الحدود، حيث يعد فالق سان أندرياس San Andreas fault في كاليفورنيا مثالاً لهذه الحدود وبانزلاق يميني الحركة.
الشكل (1) نمط الحدود التماسية التماسية. |
- نمط الحدود المتباعدة: تظهر هذه الحدود عندما تتباعد إحدى الصفائح عن الأُخرى (الشكل 2)، كما في نطاق الفالق المحيطي، ويتشكل عند هذه الحدود توسع لقاع المحيط وزيادة في مساحة الصفيحة المحيطية مترافقة مع براكين صغيرة وزلازل سطحية البؤرة. أما بالنسبة إلى النطاق القاري فإن هذا التباعد يشكل أحواضاً محيطية جديدة؛ متسبباً بانهيار الفالق المركزي للتباعد بين الصفائح، ومثالها فالق شمال إفريقيا وفالق البحر الأحمر.
الشكل (2) نمط الحدود المتباعدة. |
- نمط الحدود المتصادمة: تظهر هذه الحدود في أماكن تصادم الصفائح (الشكل 3)، حيث تتحرك الصفائح بعضها باتجاه بعض؛ فإذا تصادمت صفيحة محيطية بأخرى قارية- ومثالها الشاطئ الغربي لأمريكا الجنوبية ومنطقة جبال كاسكادCascade في غرب الولايات المحتدة- فإن القشرة المحيطية تنزلق تحت القشرة القارية الأقل كثافة منها، ويرافقها نطاق زلزالي في منطقة الاندساس للقشرة المحيطية، حيث تغرق الصفيحة المندسة في الوشاح الأدنى وتُهضم؛ ليرتفع المهل مشكلاً براكين في الصفيحة القارية. أما في حال تصادم الصفائح المحيطية -كما في جبال الأنديز Andes في أمريكا الجنوبية وجزر ماريانا Mariana وجزر القوس الياباني- فإن الصفيحة الأقدم ذات الكثافة العالية والباردة نسبياً تنزلق تحت الصفيحة الأقل كثافة، وتتسبب بحفرة محيطية مرافقة نطاقاً زلزالياً على طول مسار الانزلاق. ومن ثمَّ يقوم الوشاح الأدنى في نطاق الانزلاق بصهر الجزء المنزلق وهضمه وإخراجه على شكل سلسلة من الجزر البركانية، ويلاحظ هذا النطاق في الأخاديد أو الفوالق البحرية العميقة. كما يظهر انغلاق للمحيط في أماكن تصادم الصفائح القارية بعضها ببعض، ومثاله جبال هيمالايا Himalayas والألب Alps حيث يتكون في هذه المناطق نطاقات ضغط مسببة طي الجبال ونهوضها، وهذا ما يعرف بالحركات المولدة للجبال.
الشكل (3) نمط الحدود المتصادمة. |
- نمط الحدود المختلطة للصفائح: تظهر في مناطق نشاط مختلط الحركة، وتكون على طول أحزمة طويلة بحيث تنتمي إلى أنماط مختلفة عند حدودها، ويمكن أن تكون الحدود تصادمية تماسية أو تصادمية تباعدية أو تماسية تباعدية أو الأنماط الثلاثة معاً في آن واحد.
تصنف طبقات الكرة الأرضية في ثلاثة أنماط رئيسية (الشكل 4)؛ تتمثل بالقشرة والوشاح والنواة حيث يختلف بعضها عن بعض تبعاً لخواصها الفيزيائية والكيميائية، ويمثل الجزء الأعلى من الوشاح الخارجي والقشرة الصخرية الغلاف الصخري للكرة الأرضية، ويصل سمكه إلى 100 كم، ويقع أسفل الغلاف الصخري الجزء العلوي من الوشاح الخارجي وبسماكة تصل إلى 300 كم، ويسمى نطاق مور Moore الذي يتصرف برد فعل لدن حيال الطبقة السابقة (الشكل 5).
الشكل (4) طبقات الأرض المختلفة. |
الشكل (5) رسم تخطيطي للنطاقات المختلفة من طبقات الأرض العلوية. |
تتحرك الصفائح طافية على الوشاح العلوي للكرة الأرضية ضمن نطاق مور، ويكون هذا النطاق مصهوراً جزئياً وحرارته عالية نسبياً ويتدفق بسهولة؛ بيد أن الغلاف الصخري أكثر برودة بسبب مقدرته العالية على فقد الحرارة عن طريق التبادل الحراري، ويقوم غلاف مور بنقل الحرارة ضمنه عن طريق تيارات الحمل الحرارية (الشكل 6) بتدرج حراري ثابت نسبياً. تشابه الطبيعة الميكانيكية للحركة ضمن نطاق مور ما يحصل عند غليان السوائل؛ إذ تلاحظ حركة دورانية حرارية مستمرة تعطي القوة اللازمة لحركة الصفائح.
الشكل (6) حركة التيارات الحرارية الحملانية. |
تتكون أغلب الصفائح من مزيج من قشرة قارية ومحيطية معاً؛ فعلى سبيل المثال تتضمن الصفيحة الإفريقية أجزاء من قشرة المحيط الأطلسي وقشرة المحيط الهندي معاً. يُميَّز بين القشرة القارية والمحيطية اعتماداً على طريقة التشكل؛ إذ تتشكل القشرة المحيطية في قاع المحيط نتيجة تباعد الصفائح بعضها عن بعض وتدفق المهل، وتكون ذات كثافة عالية، وتحتوي على عناصر فوق أساسية ثقيلة. أما القشرة القارية فتتشكل من الاندفاع البركاني وتراكم التربة من خلال العمليات التكتونية والتحلل الكيميائي والحت والتعرية المختلفة بكثافة أقل من السابقة، وتكون ذات عناصر حامضية غنية بمركبات السليكا. وقد تحتوي القشرة القارية على معقد التوائي (أوفيوليتي) ophiolite عائد أصلاً إلى القشرة المحيطية؛ وذلك نتيجة اندساس الصفيحة المحيطية تحت الصفيحة القارية وخروج أجزاء من الصفيحة المحيطية ضمن الصفيحة القارية على شكل طيات إلتوائية. ونتيجة ما سبق فإن الصفائح تتحرك بسبب قساوة الغلاف الصخري النسبية والضعف النسبي لغلاف مور، حيث تعد ظاهرة التبدد الحراري للقشرة الصخرية وظاهرة الحمل الحراري للوشاح الخارجي من أهم الظواهر المسببة لحركة الصفائح الأرضية، كما يؤدي الاختلاف في البنية الفيزيائية لكل من القشرة الصخرية والغلاف الصخري ونطاق مور وسلوك الحمل الحراري داخل الوشاح الخارجي دوراً أساسياً ومهماً في حركة الصفائح الأرضية، ويضاف إليها قوى ثانوية لها صلة بالحركة وتوجيهها، وهي قوة الجاذبية وقوة المد والجزر للقمر والشمس ودوران الأرض وسطح الاحتكاك بين الغلاف الصخري ونطاق مور؛ حيثُ يعزى إلى الاحتكاك الناتج بين نطاق مور والغلاف الصخري الأكثر صلابة نقل حركة الحمل الحراري في نطاق مور إلى الغلاف الصخري، ويعزى إلى الجاذبية تغريق الصفائح الأكثر كثافة (الصفائح المحيطية) في نهاياتها الطرفية تحت الصفائح الأقل كثافة (الصفائح القارية) مسايرة حركة الحمل الحراري، متسببة بعملية جر قاعدية للصفائح الكثيفة المحيطية.
- قوة الحمل الحرارية: تتحرك الصفائح المختلفة بسبب انخفاض كثافة الغلاف الصخري النسبية والضعف النسبي لغلاف مور وارتفاع كثافته. وتعد ظاهرة الحمل الحراري المصدر الأساسي للطاقة اللازمة لدفع الصفائح من خلال عملية التبادل الحراري وتيارات الحمل الحراري واسعة النطاق.
- ديناميكية الوشاح الأدنى (المحيط الواهن): يحقق كلٌّ من الاحتكاك والجاذبية دوراً في هذه الحركة.
- القوة العائدة إلى دوران الأرض: أشارت الدراسات القديمة لحركة الصفائح إلى أن القوة المسبِّبة لهذه الحركة هي قوة دوران الكرة الأرضية؛ إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أن القوة الناتجة من دوران الأرض قوة ضعيفة وغير كافية للتسبب بحركة الصفائح؛ لكنها تتسبب بظهور قوى مهمة أخرى مثل المد والجزر وفقاً لتأثر الأرض بجاذبية القمر والشمس، إضافة إلى قوة إجهاد قصيّة ناجمة عن انضغاط الكرة الأرضية وفقاً للمحور شمال جنوب، وتعطي أيضاً قوة طرد مركزية نتيجة دوران الكرة الأرضية، إضافة إلى قوى أخرى تؤثر في الصفائح عند حركتها وتوجهها، تساهم القوى السابقة كلها بنحو أو بآخر في توجيه حركة الصفائح. وقد قدمت نتائج مور وبوستروم Bostrom في عام 1973 دليلاً على وجود انزياح للصفائح باتجاه الغرب خصوصاً، وكذلك وجود انزياح للغلاف الصخري للكرة الأرضية بالاتجاه نفسه عموماً، وخلصت إلى أن قوى المد والجزر الناتجة من دوران الأرض والقوة المؤثرة فيها من القمر هي قوى دافعة وموجهة لحركة الصفائح الأرضية؛ لأن الأرض تدور باتجاه الشرق وتتأثر بجاذبية القمر الذي يسحب بجاذبيته الطبقة السطحية للأرض باتجاه الغرب. وكان فيغنر في عام 1929 قد أشار إلى تلك النظرية، ودعمها في عام 2006 ريتشارد لوفت Lovett Richard بشروحات متعلقة بالمشاهدات في الكواكب الأخرى التي لايوجد فيها صفائح كالمريخ والزهرة، وعزا ذلك إلى عدم وجود أقمار حول الزهرة وصغر أقمار المريخ فلا تؤثر في الكوكب بظاهرة المد والجزر. تختلف الأهمية النسبية للقوى المحرِّكة للصفائح تبعاً للصفيحة المتحركة، ويسيطر الحمل الحراري على جزء كبير من هذه الأهمية، وتليه القوى الأُخرى التي يزيد تأثيرها في توجيه حركة الصفيحة أو ينقصها تبعاً للصفيحة المتحركة.
تطور نظرية تكتونية الصفائح وشواهدها
وصف فيغنر بإسهاب الانزياح القاري بدءاً من عام 1912، ونشر كتابه في عام 1915 بعنوان "أصل القارات والمحيطات". استمر النقاش حول هذه النظرية خمسين عاماً، وانتهى إلى أن اليابسة كانت تتمثل بقارة عملاقة تسمى بانغايا Pangaea منخفضة الكثافة ومؤلفة من الغرانيت، وتعوم على بحر من البازلت المرتفع الكثافة، وتَسبَّب انزياح القارات بانقسامها وإبعاد بعضها عن بعض، كما يحدث بحركة الجبال الجليدية. ثم جاءت الأدلة الداعمة لهذه النظرية من مطابقة للتكوينات الصخرية على طول كلٍّ من الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية والغربي لإفريقيا، إلى جانب الشواهد الأُحفورية لمستحاثة غانغاموبتيريس Gangamopteris وغلوسوبتيريس Glossopteris الموجودة في كلا الطرفين، وتشابه شكل الشاطئ العام لأمريكا الجنوبية ونظيره في إفريقيا، إضافة إلى وجود أحفورة therapsid المتوزعة على نطاق واسع في كلٍّ من أمريكا الجنوبية وإفريقيا والقارة القطبية الجنوبية والهند وأستراليا. وقد أعطى هذا التوزع دليلاً جيولوجياً مهماً على وحدة القارات في سابق عهدها بما يسمى قارة غوندوانا Gondwana، غير أن هذه الشواهد الدامغة على اتحاد القارات لم تكن كافية من دون تفسير لمصدر الطاقة المحركة وآليتها؛ إلى أن جاء العالمان تشارلز شوشرت Schuchert Charles وهارولد جيفريز Harold Jeffreys اللذان دعما نظرية الانجراف القاري باقتراح نظرية الحمل الحراري وتوسع قاع المحيط ونهوض الجبال؛ إذ سمحت هذه التطورات بظهور نظرية تكتونية الصفائح بشكلها النهائي. وطوّرت نظرية تكتونية الأعمدة العملاقة giant plume عام 1990 مفهوم الحمل الحراري للوشاح، والتي قضت بوجود أعمدة حمل حرارية عظيمة ترتفع من أعماق الوشاح تقود تيارات الحمل الحراري مسبّبة حركة الصفائح.
تأثير تكتونية الصفائح في تشوهات القارات وتكسرها
تقسم القشرة الأرضية نوعين؛ يسمى الأول سيال sial، ويعبر عن القشرة القارية ذات الكثافة المنخفضة، والتي تتكون على نحو رئيسي من الغرانيت؛ ويسمى النوع الثاني سيما sima معبراً عن القشرة المحيطية عالية الكثافة، والتي تتألف من البازلت، كما تقع طبقة بازلتية منصهرة تحت القشرة الأرضية تطفو عليها القشرة الأرضية. ويمكن تلخيص التشوهات المحيطية بنهوض الجبال كما هي الحال في جبال الأنديز في البيرو، حيث طفت الجبال الأقل كثافة على طبقة أكثر كثافةً ولم تنغمس فيها. وأوضح العالم آيري Airy نظرية جذور الجبال خلال القرن العشرين، وتمكّن العلماء من دراسة مراكز الأنشطة الزلزالية وتحديد النطاقات الزلزالية التي ارتبطت بمناطق معينة تمثل الحفر المحيطية، والتي حصلت نتيجة انزلاق الصفائح -بعضها تحت بعض- مئات الكيلومترات في قاع المحيط، وكذلك درست النطاقات البركانية المحيطية، حيث مثّلت أماكن التباعد وتشكل الجروف المحيطية ومناطق التوسع المحيطية، إضافة إلى التشوهات على القشرة القارية، والتي منها نهوض الجبال مرافقة نشاطاً زلزالياً.
الوضع الحالي لصفائح الكرة الأرضية
تسببت حركة الصفائح بتشوهات القارات عبر الزمن وانفصالها، حيث تشكلت القارة العملاقة نونا Nuna قبل 2000 إلى 1800 مليون سنة، وانفصلت بعضها عن بعض قبل 1500-1300 مليون سنة، تلاها تشكُّل القارة العملاقة رودينيا Rodinia قبل مليار سنة، والتي كانت تضم معظم قارات الأرض، ثم انقسمت ثماني قارات قبل 600 مليون سنة، وجُمعت القارات الثماني لاحقاً بقارة عملاقة سميت بانغايا التي انقسمت بدورها إلى قارة لوراسيا Laurasia المتمثلة بأمريكا الشمالية وأوراسيا وقارة غوندوانا التي شملت ما تبقى من القارة العملاقة بانغايا، وتشكلت جبال هيمالايا- التي يعبر عنها بسقف العالم- من تصادم البلاطات الرئيسية قبل أن تنهض، وكانت من قبل مغمورة بمحيط تيتس (طيطس) القديم Tethys Ocean، ثم انفصلت كلٌّ من القارتين العملاقتين بسبب حركة الصفائح إلى سبع أوثماني صفائح حالية اعتماداً على توصيفها وهي: الصفيحة الإفريقية، الصفيحة القطبية الجنوبية، صفيحة أُوراسيا، صفيحة أمريكا الجنوبية، صفيحة أمريكا الشمالية، صفيحة المحيط الهادئ، الصفيحة الهندية الأسترالية (الشكل 7). ترى بعض الدراسات أن الصفيحة الهندية الأسترالية تتألف من صفيحتين هما الصفيحة الهندية والصفيحة الأسترالية. وهناك إضافة إلى ذلك العشرات من الصفائح الصغرى يُمكن ذكر أكبر سبع صفائح منها هي: الصفيحة العربية؛ والصفيحة الكاريبية، وجزر خوان دي فوكا Juan de Fuca، وكوكس Cocos، ونازكا Nazca، وبحر الفيليبين Philippine Sea، وسكوتيا Scotia. تُراقَب الحركة الحالية للصفائح التكتونية (الشكل 8) باستخدام الأقمار الصناعية ووسائل الاستشعار عن بعد، وذلك بمعايرة القياسات بمحطات أرضية.
الشكل (7) التوزع الحالي لصفائح الكرة الأرضية. |
الشكل (8) الصفائح الحالية وحركتها سنويا. |
تكتونية الصفائح والكواكب الكونية الأخرى
ارتبطت قضية تكتونية الصفائح بكوكب الأرض، وذلك بسبب وفرة المياه والنشاط المائي ووجود السليكا وآلية الانصهار العميق. ويُعتقد وجود حركة للصفائح في الكواكب السماوية الضخمة؛ لكن لم يرصد على سطح الزهرة Venus مثل هذه الحركة. ويُعتقد أن سطح المريخ Mars المتجعّد قد تشكل بآلية تكتونية الصفائح، بيد أن العلماء في الوقت الحالي رفضوا هذه النظرية بسبب ثخانة قشرة المريخ السطحية، في حين يختلف الوضع في كوكب المشتري Jupiter، حيث يعتقد بأن سطحه تشكل نتيجة تكتونية الصفائح؛ ولكن مواد السطح مختلفة وآلية الحركة مختلفة عمّا هي عليه في كوكب الأرض.
مراجع للاستزادة: - W. Frisch, M. Meschede, R. C. Blakey, Plate Tectonics: Continental Drift and Mountain Building, Springer, 2022. - J. Maxlow, Beyond Plate Tectonics, Terrella Press, 2021. - N. Oreskes, Plate Tectonics: An Insider&https://mail.arab-ency.com.sy/scitech/details/1275#39;s History of the Modern Theory of the Earth, Westview, 2003.
|
- التصنيف : البيئة - النوع : البيئة - المجلد : المجلد التاسع مشاركة :