logo

logo

logo

logo

logo

الفيروسات والسرطان

فيروسات وسرطان

Viruses and Cancer -

 الفيروسات والسرطان Viruses and C

الفيروسات والسرطان Viruses and Cancer

ماهر سيفو

خصائص الخلايا السرطانية

التحكم بالدورة الخلوية

الجينات المهمة المشاركة في تكوين السرطان

الفيروسات المسببة للأورام

ملخص

 

مقدمة:

يسبب السرطان نحو ٨ ملايين وفاة سنوياً في العالم. تُعدّ الفيروسات مسؤولة عن نحو ١٥٪ من حالات السرطان، وهي مسببات رئيسية لسرطانات عنق الرحم والكبد والفم. تؤدي الفيروسات دوراً في الآليات الجزيئية لتكوين الأورام Oncogenesis.

أولاً- خصائص الخلايا السرطانية:

السرطان مرض سببه انقسام غير مضبوط يطرأ على الخلية الورمية وينتج منه تكاثر شاذ للخلايا مع غزو للأنسجة المجاورة وانتشار للأماكن البعيدة. يشتمل نحو ٥ -١٠٪ من السرطان على طفرات وراثية inherited تؤهب لحدوث السرطان، في حين ترتبط باقي الأورام بطفرات جسمية مكتسبة somatic تؤدي إلى عمليات تكاثر خلوية شاذة.

يتم تطور الورم عبر عدة مراحل بدءاً من الإشارة الخلوية. إن الطفرات المُحدَثة في الجينات المسؤولة عن تكاثر الخلية تؤدي إلى تكاثر خلوي غير منتظم، إذا تمكنت الخلية من ضبط هذا التكاثر عند حدّ ما تتشكل كتلة محددة الحجم تسمى ورماً حميداً benign، بالمقابل إذا لم تستطع الدورة الخلوية أن توقف هذا التكاثر العشوائي سيتحول هذا التكاثر إلى ورم خبيث malignant يغزو الأنسجة المجاورة والأعضاء القريبة. تبدأ فيما بعد مرحلة استحداث الأوعية Angiogenesis، وهي تتم عن طريق تشكل أوعية دموية جديدة تزيد من تغذية الورم وتنتقل هذه الخلايا بالنهاية Metastasizes إلى أماكن أخرى في الجسم. تصبح الخلايا السرطانية مهدِّدة للحياة، وتنافس الأنسجة الطبيعية على الغذاء وتتدخل في الوظائف المطلوبة للأعضاء المصابة.

العوامل المُسرِطنة Carcinogens هي مواد تُحدث طفرات في الدنا DNA تؤدي إلى تطور الخلية السرطانية. يمكن أن تصنف العوامل السرطانية في عوامل فيزيائية مثل الأشعة الأيونية ionizing أو الأشعة فوق البنفسجية؛ أو عوامل كيميائية مثل المواد المكونة لدخان السجائر؛ كما يمكن تصنيف العوامل الخمجية عوامل مسرطنة أيضاً. في عام ١٩٦٠م أظهرت الأبحاث المجراة على بعض مستعمرات الخلايا المصابة بالفيروسات أنّ فيروسات محدَّدة تستطيع إحداث تغّيرات في الخلية تعرف بالاستحالة transformation والتي تعني إحداث تغيرات في شكل الخلية ونموها. إن الاستحالة هي تغير شكلي في خصائص الخلايا ينتج من تغيرات جينية - مثل الخلايا السرطانية- تزيد الخلايا المتحولة معدل تكاثرها وتصبح خالدة. يتم إعادة تفعيل التيلوميراز telomerase، وهو إنزيم يعيد بناء التيلومير (القسيم الطرفي) الذي يقصر في الحالة الطبيعية للخلية عندما يحدث تضاعف الصبغيات. تصبح الخلية المتحولة أقل اعتماداً على خصائص بيئة المستعمرة الخلوية وتنتج عوامل النمو الخاصة بها، ويعرف ذلك بالنهي بالتماس contact inhibition حيث إنه في الحالة الطبيعية يتوقف تكاثر الخلية عندما تصبح على تماس مع الخلية المجاورة، لكن الخلية التي طرأ عليها استحالة سرطانية تستمر في الانقسام والنمو فوق بعضها. هذه الاستحالة في الخلية تُكسبها القدرة على الاعتماد الذاتيanchorage independence والذي يعني أنها قادرة على النمو من دون الحاجة إلى الارتكاز على ركائز substrate معينة والتي تكون مطلوبة عادة للخلية الطبيعية. تكتسب الخلايا الورمية المتحوَّلة هذه الميزة أيضاً.

أخيراً إن استحالة الخلايا يمكن أن تكون استحالة ورمية بسبب الفيروسات وتسبب أوراماً عندما تزرع داخل حيوانات التجربة، وثمة سبعة فيروسات بشرية مُصنفة في أنها قادرة على تحويل الخلية أو حث العوامل الورمية وتفعيلها، تتضمن فيروس التهاب الكبد B (HBV)، وفيروس التهاب الكبد C (HCV)، والفيروس الحليمي البشري human papillomavirus (HPV)، وفيروس إيبشتاين بار (EBV)، وفيروس الهربس المسبب لساركوما كابوزي (KSHV)، وفيروس خلية ميركل التورامي Merkel cell polyomavirus (MCPYV)، والنمط الأول من الفيروسات البشرية ذات الانجذاب للمفاوياتHTLV-1)T).

ثانياً- التحكم بالدورة الخلوية:

كما هو الحال في كل العوامل المسببة للسرطان لا تستطيع الفيروسات وحدها إحداث الخباثات، كذلك الأمر عند الأشخاص الذين تعرضوا لهذه الفيروسات فإن الخلايا المخموجة بهذه الفيروسات تحتاج إلى تبدلات حيوية وعوامل مساعدة أخرى لتطور الورم. في عام ٢٠٠٠م اقترح كل من Douglas Hanahan وRobert A. Weinberg ست علامات حيوية مميزة تكتسبها الخلايا الخبيثة تدريجياً لتتحول إلى سرطان فعال. في عام ٢٠١١م أضافوا أربع سمات أساسية للوصول إلى معرفة العملية التي يتكون فيها الورم ليصبح عددها الكلي عشر سمات. يتضمن (الجدول١) عدداً من هذه السِمات في عدم الانتظام في آليات التحكم بالدورة الخلوية في الخلايا السرطانية.

الجدول (١) السمات العشر المميزة للسرطان كما تم تحديدها من قبل Hanahan& Weinberg.

العلامة المميزة

التوصيف

علامة استمرار التكاثر

تُوازِن الخلايا الطبيعية بين نواتج الانقسام وما ينتج من العوامل المنبِهة للنمو، أما الخلايا السرطانية فيحدث فيها طفرات تضمن لها استمرارية التكاثر.

تجنب العوامل المثبّطة للنمو

تملك الخلايا الطبيعية مثبطات للنمو الورمي تتضمن PRB-P٥٣ والتي تنظم الدورة الخلوية، أما في الخلايا السرطانية فتكون هذه المثّبطات غير فعالة.

تنظيم التكاثر طويل الأمد

للخلايا الطبيعية عمر محدد، أما الخلايا السرطانية فلها قدرة غير محدودة على التكاثر، وغالباً من خلال مرحلة إعادة تفعيل التيلوميراز.

عدم انتظام الطاقة الخلوية

تقوم الخلايا الطبيعية بعملية التنفس الخلوي اللاهوائي في مستويات منخفضة من الأكسجين، أما الخلايا السرطانية فهي تحول استقلابها على نحو أساسي إلى تحلل السكر حتى مع وجود أكسجين.

الطفرات والتبدل في الجينات

تتعرض الخلايا الطبيعية للموت الخلوي المبرمج في حال حدوث الطفرات، أما الخلايا السرطانية فإنها تكتسب الطفرات التي تعود عليها بالمنفعة بسبب تبدلات الجينات.

مقاومة موت الخلايا

تستجيب الخلايا الطبيعية للعوامل المنبهة للنمو، وكذلك للموت الخلوي المبرمج. أما الخلايا السرطانية فتصبح أكثر مقاومة لذلك من خلال اكتسابها لطفرات انتقائية.

تشكل الأوعية الدموية

تؤدي الخلايا الورمية إلى نمو أوعية دموية جديدة لتأمين الدعم الكافي من الغذاء والأكسجين والقدرة على التخلص من نواتج الاستقلاب وثنائي أكسيد الكربون.

الغزو الفعال والنقائل

تبقى أغلب الخلايا الطبيعية في أماكنها الطبيعية في الجسم، أما الخلايا السرطانية فإنها تبدل جيناتها من خلية لأخرى لكي تشكل الطفرات وتؤدي إلى حدوث الغزو والانتقالات.

تجنب التدمير بالجهاز المناعي

يقضي الجهاز المناعي قضاءً تاماً على الخلايا السرطانية المحاطة بكمية كبيرة من الخلايا المناعية. أما الخلايا السرطانية المتبقية فإنها تكون أقل استمناعاً مما يسمح لها بالاستمرار في التكاثر واكتساب الطفرات، ومن ثمّ يجنبها تأثير الجهاز المناعي.

الحدثية الالتهابية الناشئة من الورم

يزيل الجهاز المناعي الخلايا السرطانية طبيعياً، وعندما تكتسب هذه الخلايا طفرات فإن ذلك يؤدي إلى تدفق تلقائي للخلايا المناعية الغريزية للمساعدة على احتواء البيئة المكونة للورم.

تحتوي الخلية على شبكة من البروتينات التنظيمية التي تحدد ما إذا كانت الخلية ستتقدم خلال مراحل الدورة الخلوية. وثمة ثلاث نقاط مراقبة Checkpoints لدورة الخلية التالية، إما أن تمنع دخول الخلية في المرحلة التالية، وإما أن تقوم بانتساخ الجينات المسؤولة عن بدء المرحلة التالية.

تقوم بروتينات الخلية المسماة سايكلينات Cyclins والكينازات المعتمدة على السايكلين CDKS Cyclin-dependent kinases بتنسيق تطور الخلية عبر نقاط المراقبة هذه.

يعتمد تنظيم دورة الخلية على تنظيم التواليف المختلفة للسايكلينات والكينازات المعتمدة عليها وذلك بإشراف نقاط المراقبة. إن الخلايا ذات DNA المتخرب لن تخضع للانقسام، في هذه الحالة يثبط العديد من البروتينات التنظيمية السايكلين والكينازات، وتتوقف دورة الخلية حتى إصلاح DNA. تكسب الخلايا الخبيثة طفرات في السايكلينات وCKDS، وفي بروتيناتها المنظِّمة ويؤدي ذلك إلى اضطراب التقدم في دورة الخلية السرطانية، في حين يستمر التقدم في دورة الخلايا الطبيعية. تساهم الفيروسات المسرطنة في عدم تنظيم دورة الخلية معزِزة بذلك البيئة التي من خلالها تكون الخلية أكثر قابلية لتصبح خبيثة.

ثالثاً- الجينات المهمة المشاركة في تكوين السرطان:

ثمة نمطان أساسيان للجينات التي تؤدي دوراً في تطور السرطان: الجينات الورمية oncogenes والجينات الكابحة للورم tumor suppressor genes. إن طلائع الجينات الورمية proto-oncogenes هي جينات خلوية طبيعية تعزز انقسام الخلية. لكن عندما تصيبها الطفرة أو عندما تنفعل تفعيلاً عنيفاً، تصبح طلائع الجينات الورمية جينات مسرطنة تقود انقسام الخلية. يحدث التسرطن عبر اكتساب طفرات زيادة الوظيفة gain-of-function mutations تزيد التعبير عن البروتين أو تزيد فعالية البروتين، النتيجة هي زيادة فعالية البروتين؛ وإجبار الخلية على التقدم في الدورة الخلوية. إنّ غالبية الجينات المسرطنة التي يمكن أن تحدث في الجين ذاته أو في منطقة التنظيم قاهرة، ويعد Myc وRas نموذجين لطلائع الجينات الورمية المهيَّئة ليصيبها طفرات زيادة الوظيفة. تشفٍّر فيروسات عديدة جينها المسرطن الخاص لإنقاص التكاثر، في حين تنغرز جينومات فيروسات أخرى في الصبغيات البشرية فيفعل الجينوم الفيروسي المعزاز Promoter القوي ليتم التعبير عن الجينات المسرطنة البشرية.

إنّ الجين الكابح للورم هو معاكس لطلائع الجينات الورمية. يشرف البروتين الكابح للورم على بروتينات تنظم دورة حياة الخلية على نحو طبيعي، في حال أصبح البروتين الكابح للورم معطَّلاً يختل تنظيم دورة حياة الخلية وتتكاثر الخلية في نمط غير متحكَّم به. تستطيع عدة بروتينات فيروسية أن تحيد البروتين الكابح للورم. هناك جينان يشفران لبروتينين كابحين للورم مهمين هما: بروتين الورم الأرومي الشبكي retinoblastoma protein (pRB) والبروتين p53.

يثبط pRB البروتينات التي تعيد تشكيل الكروماتين لتسمح بتعزيزه ليصبح قادراً على نسخ العوامل، لذلك عندما يُحصَر pRB ويصبح هناك عدم تنظيم للدورة الخلوية وتستمر الخلية من دون مراقبة عبر نقطة المراقبة. يعد الـ RB جيناً كابحاً للورم لأن التكاثر يحدث عند تعطيله. تمتلك فيروسات عديدة بروتينات تحصر pRB مما يؤدي الى حث الخلية على التكاثر.

يشفِر جين آخر لبروتين كابح للورم مهم هو p53، وهو الجين الأكثر تواتراً وارتباطاً بالسرطانات البشرية. p53 هو بروتين رابط للـ DNA، يصبح مفسفراً عندما تحمل الخلية DNA مخرَّباً أو عندما تتنبه بشدة، عند هذه النقطة يرتبط بـ DNA ويحثُّ التعبير عن الجينات الهدف؛ متضمِنة الجين الذي يشفر البروتين p21. يرتبط البروتين p21 بـ CDK1 وCDK2 ويثبِطهما ويمنع تطور الدورة الخلوية. يعدُ البروتين p53 كابحاً للورم؛ لأن نتيجة تفعليه هو توقيف الدورة الخلوية.

إن نتيجة تفعيل الجينات الورمية هو تقدم الدورة الخلوية؛ في حين يكون عمل كابحات الورم إيقافها، كما في PRB فإن العديد من الفيروسات المسبِبة للأورام تتدخل في الوظيفة التنظيمية للجينات الكابحة للورم P53، مما يؤدي إلى عدم التحكم في الانقسام الخلوي.

رابعاً- الفيروسات المسببة للأورام:

ثمة سبعة فيروسات بشرية مرتبطة بتطور أورام معينة (كما هو موضح في الجدول ٢) إن أغلب هذه الفيروسات لا علاقة لها ببعضها، ولكن طرائق تأثيرها في الخلية متشابهة فيما يخص ظاهرة التهرب من الاستجابة المناعية. تشارك هذه الفيروسات سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة بتطور الخلية الورمية على نحو ثانوي إضافة إلى تأثيرها الخمجي.

الجدول (٢) الأورام المرتبطة بالفيروسات المسببة للورم.

الفيروس

الورم

الفيروسات القهقرية

الفيروس نمط 1 الموجه للمفاويات التائية البشرية (HTLV-1).

ابيضاض الدم بالخلايا التائية عند البالغين.

الفيروسات الورمية ذات الحمض النووي RNA.

فيروسات التهاب الكبد C (HCV).

كارسينوما الخلية الكبدية.

الفيروسات الورمية ذات الحمض النووي DNA الصغير.

فيروسات التهاب الكبد B ((HBV.

كارسينوما الخلية الكبدية.

الفيروسات التوارمية لخلية ميركل MEREKL Cell Polymav.

كارسينوما خلية ميركل.

الفيروسات الحليمية البشرية.

سرطان عنق الرحم، سرطان الفرج، سرطان القناة الشرجية، سرطان القضيب، سرطان الفم.

الفيروسات الورمية ذات الحمض النووي DNA الكبير.

فيروس إيبشتاين - بار (EBV).

لمفوما هودجكن، ولمفوما لاهودجكن، ولمفوما بوركيت، كارسينوما البلعوم الأنفي، الكارسينوما الهضمية.

الفيروسات الهربسية المرتبطة بساركوما كابوزي (HHV-8).

ساركوما كابوزي، اللمفوما الجلدية الأولية، اللمفوما الأولية في الانصبابات.

ببساطة إن لخصائص الفيروسات المحرِضة للنمو نتائج تحث على حدوث الأورام. تشترك هذه الفيروسات المسرطِنة البشرية بأنها لا تحدث الخمج الناتج منها في الخلايا الورمية، في الواقع فإن العديد من هذه الفيروسات غير قادرة على التضاعف في الخلية السرطانية بسبب التغيرات التي تحدث على هذه الخلية. وثمة أربعة أصناف للفيروسات: الفيروسات المسرطنة القهقرية Oncogenic retrovirus، فيروسات الرنا الورمية RNA Tumor Virus، فيروسات الدنا الصغير الورمية Small DNA Tumor Virus، وفيروسات الدنا الكبير الورمية Large DNA Tumor Viruses.

١- الفيروسات المسرّطنة القهقرية Oncogenic Retroviruses:

هي فيروسات تملك RNA وتقوم بالانتساخ العكسي لجينومها إلى DNA قبل أن يندمج هذا الجينوم في صبغي الخلية المضيفة. تتشارك هذه الفيروسات ببنية شائعة في جينومها تتميز بالتكرارات النهائية الطويلة (Long-terminal reapets) LTRS التي تجاور على الأقل الجنيات الثلاثة التالية: env وPol وgag التي ترمَّز لعديدات البروتينات التي تنشطر إلى بروتينات بنيوية وإنزيمات وبروتينات سكرية (الشكل١). إن LTRS مطلوبة لاندماج جينوم الفيروس في صبغي الخلية المضيفة بطريقة عشوائية. إن أول الفيروسات المسرطِنة المكتَشفة هي فيروسات ابيضاض الدم الطيري avian leukemia viruses وفيروسات ساركوما روس Rovs sarcoma virus (RSV). اكتشف العالم Rouy Oyton في عام ١٩١١م عاملاً راشحاً Filterable agent من ساركوما الدجاج chicken sarcoma، وهو ورم يصيب النسيج الضام؛ قادر على إحداث أورام في الدجاج السليم. كما اكتشف بعدها أن الفيروس القهقري RSV يحتوي على جين إضافي، وسميّ Src (sark) لقدرته على إحداث الساركومات (الشكل٢)، وقد كان هذا الجين أول جين ورمي تم اكتشافه. أدَّت الأبحاث على الـ src الفيروسي إلى اكتشاف أن البشر لديهم أيضاً الجين src الذي يحمل وظيفة طليعة جين ورمي Proto-oncogene، وللتمييز بينهما يُشار إلى الجين الفيروسي بـ V-src وإلى الجين الخلوي بـ c-src. إن src هو كيناز يعزّز تكاثر الخلية وغزوها ونجاتها، وبوصفه جيناً ورمياً فإنه يسبب خللاً في تنظيم الانقسام الخلوي في العديد من السرطانات مثل سرطان القولون وسرطان الثدي وسرطان الرئة.

الشكل (١) تشارك السايكلينات وCDKS في تقدم دورة الخلية وتنظيمها. تنظم مجموعة من السايكلينات والكينازات المعتمدة عليها في أثناء التقدم خلال الدورة الخلوية. يتم التعبير عن CDKS على نحو أساسي عندما تصل السايكلينات إلى مستوى معين. تنظمّ السايكلينات والـ CDKS تقدم الخلية من خلال نقاط مراقبة دورة الخلية.

تصنف الفيروسات القهقرية الورمية في صنفين: الفيروسات القهقرية الاستحالية الحادة acute transforming retorevirus، والفيروسات القهقرية غير الحادة (أو بطيئة الاستحالة) nonacute retroviruses. إن الفيروسات القهقرية الاستحالية الحادة مثل RSV تُرمِز لجينات ورمية مماثلة للجينات الورمية البشرية. تصبح هذه الفيروسات ورمية عبر اندماجها على نحو غير مقصود في الجينوم الخلوي ضمن المناطق التي تحوي جينات طليعة ورمية، وتنسخ جنباً إلى جنب مع الجينوم الفيروسي في أثناء التضاعف لإنتاج مكوَّن جديد في الجنيوم الفيروسي. غالباً ما تشفَّر الجينات الورمية الفيروسية لمستقبلات عوامل النمو والكينازات مثل src الذي يفعّل سبل التكاثر داخل الخلية، وعوامل الانتساخ التي تشغِّل جينات متعلَّقة بتكاثر الخلية. لا تعدّ الجينات الورمية من متطلبَات التضاعف الفيروسي لكنها تزيد فوعة الفيروسات.

تسبب هذه الفيروسات الاستحالية الحادة - كما يوحي اسمها- الأورام في مدة أيام. لهذا ليس ثمة فيروسات قهقرية استحالية تصيب البشر؛ إنما يوجد العديد منها في الطيور والفئران.

من ناحية أخرى تستطيع الفيروسات القهقرية البطيئة (or slow-transforming) nonacute retrovirus (أو غير الحادة) تحريض تشكيل الأورام عبر تطفير غرزي insertional mutagenesis لا يشمل الجينات الورمية الخلوية المماثلة للجينات الورمية الفيروسية. تحدث الطريقة الأولى عبر تفعيل جينات ورمية خلوية عند الاندماج في جنيوم الخلية المضيفة. تحتوي التكرارات النهائية الطويلة LTR للفيروسات القهقرية على تسلسل مِعزاز promoter، وتبدأ LTR بانتساخ الجينات الفيروسية التالية له بالاتجاه 5/ إلى 3/. إذا احتوى طليعة الفيروس Provirus على مناطق حذف كبيرة بعد LTR البعيدة يمكن للانتساخ أن يستمر من الدنا الفيروسي إلى طليعة الجين الورمي الخلوي بحيث يتم التعبير عنه من خلال قراءة المنتسخة الخاصة به، هذا ما يدعى التفعيل الغرزي insertional activation.

إن نتائج التطفير الغرزي الموصوفة في الأعلى هي أساس استخدام الفيروسات القهقرية والفيروسات البطيئة Lentivirus في المعالجة الجينية.

على الرغم من أن فيروس HIV فيروس قهقري فليس ثمة دليل قاطع على أن تنسّخ HIV يسبب السرطان عن طريق عملية الغرز، لكن تكثر السرطانات عند مرضى الإيدز بسبب العوز المناعي الناجم عن الخمج، وبسبب إصابتهم بفيروسات ورمية مثل لمفوما لا هودجكن (مسبب بالفيروس EBV) وساركوما كابوزي (KSHV) وسرطان الشرج (HPV)، في هذه الحالة يحدث التثبيط المناعي قبل أن يتنسّخ فيروسHIV عدة مرات كافية لحدوث الغرز العشوائي للجينات الورمية الخلوية.

لوحظ أن أحد الفيروسات القهقرية البشرية HTLV-1 يرافقه ابيضاض الخلايا التائية عند البالغين ATL، وهي خباثة نادرة وعدوانية جداً تحدث على حساب الخلايا التائية. تقدر نسبة الإصابة بـ HTLV-1 نحو ١٥-٢٥ مليون في جميع أنحاء العالم ويتطور (adult T cell lymphoma) ATL عند ١-٥ ٪ من هؤلاء بعد ٢٠- ٣٠ سنة على الأقل من الإصابة بفيروس HTLV-1.

الشكل (٢) البنية الجينية للفيروس القهقري Retrovirus gene Structure.

تحتوي جميع الفيروسات القهقرية على ٣ جينات أساسية على الأقل هي: gag وpol وenv. يُرمزّ الجين gag لبروتينات اللب والبروتينات البنيوية مثل بروتينات المطرس والقفيصة والقفيصة النووية، ويرمز الجين pol لإنزيمات المنتسخة العكسية والاندماج، في حين يرمزّ الجين env للبروتينات السكرية التي يستعملها الفيروس للارتكاز.

أ- تظهر أن الدنا المتممّ cDNA يخضع لانتساخ عكسي بدليل اثنتين من قطع LTR التي تصطف إلى جانب الجينات المجاورة. إن LTR مهمة للاندماج في صبغي الخلية المضيفة.

ب- يمكن للفيروسات القهقرية الورمية أن ترمز لجينات فيروسية ورمية تندمج أيضاً في صبغي الخلية المضيفة. ليس ثمة فيروسات قهقرية بشرية يمكن أن تحتوي جينات ورمية من منشأ خلوي.

٢- فيروسات RNA الورمية:

يرتبط فيروس آخر من فيروسات RNA البشرية ارتباطاً وثيقاً بالأورام هو فيروس التهاب الكبد C (HCV)، وهو فيروس حمضه النووي ssRNA+، مغلف من عائلة الفيروسات المصفًّرة Flaviviridae التي تصيب الخلايا الكبدية. تكون نحو ٨٠٪ من الإصابات غير عرضية، ولكن فقط ٥- ٢٥٪ من الأخماج الأولية يتم فيها التخلص من الفيروس من قبل الجهاز المناعي للمضيف، يؤدي الباقي إلى أخماج مزمنة، تتطور ١٥-٣٠٪ منها في نهاية المطاف في غضون ٢٠ عاماً إلى تشمّع غير عكوس، هناك ما يقدر ١٧٠ مليون حالة خمج HCV مزمن في العالم.

يرتبط التهاب الكبد المزمن C بنسبة تصل إلى ٥٠٪ من حالات سرطان الخلايا الكبدية (HCC)، وهو السرطان الخامس الأكثر شيوعاً عند الذكور؛ والسابع الأكثر شيوعاً عند الإناث في العالم (الشكل٣). يعد سرطان الخلايا الكبدية هو السبب الرئيسي الثاني للوفيات ذات الصلة بالسرطان عالمياً لجهة البُقيا ٥ سنوات بنسبة أقل من ١٢٪.

الشكل (٣) سرطان الخلايا الكبدية.

أ- امرأة تعاني بروزاً واضحاً في بطنها بسبب وجود سرطان خلايا كبدية كبير.

ب- مقطع عرضي لسرطانة خلية كبدية ممتدة في كبد متليف لشخص إيجابي HCV. التليف واضح فيها.

يرافق التشمع حكماً تطور السرطان، ويساهم HCV مباشرة بسرطان الخلايا الكبدية بسبب التهاب الخلية الكبدية المزمن الذي يؤدي إلى التشمّع (الشكل٣). يتم إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية التي تلحق الضرر بالحمض النووي في أثناء الالتهاب المزمن، مما يؤدي إلى حدوث طفرات تؤدي إلى تكوين خلية سرطانية. ويُعتقد أيضاً أن فيروس التهاب الكبد C يساهم مباشرة في تكوين الورم من خلال تأثيراته على العديد من البروتينات الخلوية للحث على التحول الخلوي.

لا يندمج جينوم HCV في جينوم المضيف لأنه فيروس حمضه النووي RNA، ولأن دورة حياة HCV سيتوبلازمية كلياً. بعد الارتباط بالخلايا الكبدية فإن الفيروس يدخل سيتوبلازما الخلية عن طريق الالتقام الخلوي endocytosis حيث يتم تحرير الجينوم ٦,٩ kb من قفيصة الفيروس، وتتم ترجمته بوساطة ريبوسومات المضيف إلى عديد ببتيد polypeptide مكون من نحو ٣٠٠٠ حمض أميني. تتم معالجة عديد الببتيد الفيروسي بوساطة بروتيازات فيروسية وخلوية لإنتاج ١٠ بروتينات فيروسية، تؤثر ٤ منها في المسارات التي تشارك في نشأة الورم، لذلك على الرغم من أن فيروس التهاب الكبد C يحث استجابة التهابية مزمنة تؤدي إلى تليف الكبد؛ والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور سرطان الكبد (HCC)؛ فإن الفيروس يشفّر أيضاً للعديد من الجينات التي من المحتمل أن تشجع حدوث الأورام بسبب تأثيرها في التكاثر الخلوي ومسارات موت الخلايا المبرمج.

٣- الفيروسات الورمية صغيرة الدنا Small DNA Tumor Viruses:

ترتبط ثلاثة فيروسات صغيرة الحمض النووي البشري بتطور السرطانات وهي: HBV،MCPyV وأنماط معينة من HPV المعروف بالفيروس الورميَ الحليمي HPVs «عالي الخطورة». تحتوي فيروسات DNA الورمية على الجينات المسرطنة. تؤلف هذه الفيروسات مجموعة متنوعة من فصيلة الفيروسات الهربسية والفيروسات التوارمية والفيروسات الحليمومية Hepadnaviridae، Polyomaviride، Papillomaviridae على التوالي؛ على الرغم من أنها تستهدف جميعاً مسارات مماثلة داخل الخلية لإحداث حالة خبيثة.

على الرغم من أن HBV يحتوي على العديد من الخصائص المختلفة عن HCV، بيد أنه يشترك في بعض أوجه التشابه مع HCV أيضاً. إن فيروس التهاب الكبد B هو فيروس يسبب أيضاً التهاب الكبد ويؤدي إلى التهاب الكبد المزمن وتشمع الكبد، ويسبب ما يصل إلى ٥٠٪ من حالات سرطان الخلية الكبدية HCC، لكن في حين أن عدوى فيروس التهاب الكبد C الحادة تتطور إلى عدوى مزمنة في غالبية الحالات؛ فإن نحو ٥٪ فقط من البالغين يصابون بعدوى مزمنة بفيروس التهاب الكبد B؛ حيث يتم التخلص من باقي حالات العدوى الحادة بوساطة مناعة المضيف. ترتفع نسبة الإزمان بفيروس HBV عند الأطفال المخموجين بعمر ١- ٥ سنوات إلى ٣٠-٥٠٪، وتصل إلى ٩٠٪ عند الأطفال بعمر أقل من سنة. ويُقدر عدد مرضى التهاب الكبد B المزمن في العالم بنحو ٣٥٠ مليون شخص. يملك فيروس التهاب الكبد B جينومِاً مكوناً من DNA مزدوج الطاق بشكل جزئي طوله 3.2kb، وهو واحد من قِلّة من الفيروسات غير القهقرية التي ترمز لإنزيم المنتسخة العكسية وتستعمله لإتمام دورة حياتها. يدخل HBV بعد ارتكازه على سطح الخلية إلى داخلها بالالتقام الخلوي ويتم نقل الجينوم الفيروسي إلى داخل النواة حيث يتم إكمال تضاعف DNA الفيروسي (يصبح الجينوم مزودج الطاق بشكل كامل وحلقي). ويُعرف بالدنا الحلقي المغلق التساهمي Covalently closed circular DNA (cccDNA)، ثم يتم انتساخه بوساطة RNA polymerase II خلوي. يشفّر الجينوم الفيروسي للبروتينات الفيروسية السبعة، ويسمى أحدها البروتين X (HBx) حيث يؤدي هذا البروتين دوراً في عمليات تكوين الورم.

كما هو الحال في HCV فإن HBV يسبب تليف الكبد وتشمعه الذي يؤدي إلى حالة سرطانية بسبب الالتهاب الذي يتسبب في تلف الحمض النووي للخلايا الكبدية. ومع ذلك يوجد أيضاً دليل على أن البروتين (HBx) يؤدي دوراً تآزرياً في هذه العملية. HBx هو بروتين تنظيمي فيروسي أساسي له تأثيرات متعددة الأشكال داخل الخلية، ويحفز مسارات تكاثر الخلايا ويتنافس مع آليات إصلاح الحمض النووي، كما أنه يقمع معزازp53 Promoter ويتنافس مع ارتباط p53 بأهدافه. بعد إتمام مضاعفة السلسلة المفردة في جينوم HBV يستمر الإيبزوم الفيروسي HBV cccDNA episome على شكل مكوَّنة مستقلة داخل النواة، لكن تبيَّن أن الجينوم الفيروسي يندمج في صبغي الخلية في ٨٠٪ من حالات سرطان الخلية الكبدية المرافق لخمج HBV، وهذا الاندماج غير ضروري لتضاعف الفيروس. يسبب هذا الاندماج عدم ثبات الجينوم الفيروسي، كما يسبب تفعيلاً غَرزياً لطلائع الجينات الورمية، أو يسبب اضطراباً في الجينات الخلوية الكاظمة للورم. يبدو أن اندماج HBV في صبغي الخلية يؤدي دوراً مهماً في تطور سرطان الخلية الكبدية HCC.

كان لقاح HBV أول لقاح مضاد للسرطان فعّال يتمّ تطويره. ولأنَه يمنع الإصابة بفيروس التهاب الكبد B فإنه يمنع أيضاً سرطان الكبد الناجم عن HBV. يتم تلقيح جميع الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية ضد فيروس التهاب الكبد B بسلسلة من ثلاث جرعات، يتم إعطاء أولها عند الولادة.

تم اكتشاف الفيروسMCPyV في عام ٢٠٠٨م وهو أول فيروس توارمي Polyoma مرتبط قطعياً بتطور السرطان البشري، تم الكشف عن DNA MCPyV في حوالي ٨٠٪ من خزعات سرطان خلايا ميركل Merkel Cell carcinoma وهو نوع نادر وشديد من سرطان الجلد. يحدث MCC في الغالب في المرضى الأكبر سناً والذين يعانون من نقص المناعة؛ على الرغم من أن MCPy V فيروس بشري شائع، ويصيب ما يصل إلى ٨٠٪ من البالغين في سن الخمسين.

الفيروس الصغير DNA الأخير المرتبط بحدوث السرطان هو الفيروس الحليمي البشري HPV human papillomavirus، وهو المسؤول عن أكثر أنواع العدوى المنقولة جنسياً في الولايات المتحدة الأمريكية.

فيروسات الورم الحليمي هي فيروسات صغيرة غير مغلفة (الشكل٤- أ) مع جينومات دنا مضاعف الطاق ds DNA حلقية، تصيب الطبقة القاعدية من الخلايا في الجلد أو الظهارة المخاطية وتسبب أوراماً حليمية أو نمواً يشبه الثؤلول. تم وصف أكثر من ٢٠٠ نمط مختلف من فيروس الورم الحليمي البشري وتصنيفها في «منخفضة الخطورة» أو «عالية الخطورة» بناء على إمكاناتها الورمية. يسبب فيروس الورم الحليمي البشري منخفض الخطورة - مثل النمطين ٦ و١١- ثآليل تناسلية (الشكل٤-ب)، لكن فيروس الورم الحليمي البشري عالي الخطورة - بما في ذلك النمطين ١٦و١٨- يعد عاملاً مسرطناً وتم اكتشافه في ٩٩٪ من سرطانات عنق الرحم (الشكل٤-ج). تُعرف سرطانات الخلايا الظهارية بالكارسينومات Carcinomas. يسبب النمط ١٦ وحده ٥٠٪ من سرطانات عنق الرحم، في حين يسبب النمطان ١٦و١٨ معاً ٧٠٪ منها. تسبب الأنماط ٢١ و٣٣ و٤٥ و٥٢ و٥٨ الـ ٢٠٪ الإضافية من سرطانات عنق الرحم. يرتبط فيروس الورم الحليمي البشري عالي الخطورة أيضاً بأنواع السرطانات التناسلية الأخرى؛ بما في ذلك سرطان الفرج والمهبل والقضيب والشرج. كما أنه سبب رئيسي لسرطانات الرأس والعنق التي لا يسببها التدخين، مثل سرطان البلعوم (الشكل ٤- د). يتم التخلص من معظم حالات عدوى فيروس الورم الحليمي البشري الحادة من خلال استجابة مناعية فعالة، ولكن تؤدي نسبة صغيرة منها إلى أخماج مستمرة يمكن في غضون سنوات أو عقود أن تشكل أوراماً في ظهارية عنق الرحم (CINs) cervical intraepithelial neoplasias، وتحولات في خلايا عنق الرحم والتي يمكن أن تزول تلقائياً أو تتطور إلى سرطان عنق الرحم.

الشكل (٤) فيروس الورم الحليمي البشري.

أ- فيروس الورم الحليمي البشري هو فيروس صغير غير مغلف.

ب- تسبب أنماط فيروس الورم الحليمي البشري منخفضة الخطورة- مثل الأنماط ٦ أو١١، الثآليل التناسلية، مثل تلك التي لوحظت في المنطقة العجانية بين أرجل هذا الرجل.

ج- تكشف عينة عنق الرحم الخلوية هذه عن خلايا سرطان عنق الرحم التي تبدي تغيرات مرتبطة بفيروس الورم الحليمي البشري. وتشمل هذه التغيرات: النسبة الكبيرة لحجم النواة إلى السيتوبلازما، وعدم انتظام الغشاء النووي، والتغيرات في حجم النواة، والخلايا الخاضعة للانقسام، تشير الصبغة البرتقالية إلى الكيراتين.

د- الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري تسبب نسبة كبيرة من عدة أنواع من السرطان كل عام، بما في ذلك سرطان عنق الرحم؛ الشرج؛ الفرج؛ المهبل؛ القضيب؛ سرطانات الفم والبلعوم. من المتوقع أن يقلل لقاح فيروس الورم الحليمي البشري من هذه الأرقام كثيراً.

يشفِّر جينوم فيروس الورم الحليمي البشري ٨ جينات، في أثناء إصابة عنق الرحم بخمج يصيب فيروس الورم الحليمي البشري طبقة من الخلايا القاعدية للظهارة المخاطية المطبقة، ويشارك الجينين الاثنين المشفرين من المنطقة الباكرة من فيروس الورم الحليمي البشري في التحول عن طريق E6 وE7.

في أثناء عمليات التضاعف العادية يبقى جينوم فيروس الورم الحليمي البشري الحلقي كأنه إبيبزوم episome داخل النواة. في المقابل وجدت أنماط فيروس الورم الحليمي البشري عالية الخطورة مدمجة على نحو غير نوعي في جينوم المضيف في الأورام الخبيثة. وكما هو الحال مع الفيروسات الورمية ذات الحمض النووي DNA الأخرى يعمل هذا حدثاً نهائياً للفيروس، مما يمنع المزيد من التكاثر الفيروسي.

تمت الموافقة على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في عام ٢٠٠٦م، وهو ثاني لقاح مضاد للسرطان يتم إنتاجه، ويوصى به للمراهقين من الإناث والذكور. يقي اللقاح ثنائي التكافؤ من فيروس الورم الحليمي البشري من النمطين ١٦ و١٨، وهما نمطان عاليا الخطورة ومسؤولان عن ٧٠٪ من حالات سرطان عنق الرحم. يحمي اللقاح الرباعي أيضاً من الثآليل التناسلية ذات الأنماط المنخفضة الخطورة (٦، ١١)؛ إضافة إلى الأنماط (١٦، ١٨). في كانون الأول/ ديسمبر من عام ٢٠١٤، ثبت أن لقاح آخر لفيروس الورم الحليمي البشري HPV يحمي من تسعة أنماط من الفيروس HPV، المنخفضة الخطورة (٦، ١١) وعالية الخطورة (١٦، ١٨، ٣١، ٣٣، ٤٥، ٥٢، ٥٨). تتكون اللقاحات من تحت وحدات مأشوبة recombinant subunit تتضمن البروتين HPV L1 الذي يشكل القفيصية الفيروسية. تكون اللقاحات ممنعِّة كثيراً بعد ثلاث جرعات يطوّر ٩٩٪ من الذين تلقوها استجابة ضدية للفيروس الحليمي البشري ويتم منع سرطنة نحو ١٠٠٪ من الخلايا المحتملة للتسرطن في عنق الرحم عن طريق اللقاح.

تم إثبات الفعالية الكبيرة للقاحات في منع الأخماج وسرطانات عنق الرحم، والفرج، والمهبل، والشرج، والفم المرتبطة بفيروس HPV إذا تم تطبيقها باستمرار. يستطيع اللقاح تقليل الأخماج الجديدة المحُدثَة بفيروس HPV البالغ عددها سبعة ملايين كل سنة لدى الفئات العمرية (١٥-٢٤) سنة. من المتوقع أن يقلل اللقاح هذه الحالات بوضوح عند الملقحين. بدأت الجهود المبذولة من أجل التلقيح منذ أقل من عشر سنوات، ويحتاج تطور السرطانات إلى سنين، لذلك فإن الدراسات المجراة ستعطي دليلاً قاطعاً على أن منع الأخماج المحُدثَة بفيروس HPV ستمنع تطور السرطانات المرتبطة به حالياً.

٤- فيروسات DNA الورمية الكبيرة Large DNA Tumor Viruses:

إن فيروس إيبشتاين بار (EBV) والفيروس الهربسي المسبب لساركوما كابوزي Kaposi sarcoma herpes virus (KSHV) هما فيروسان مرتبطان بتطور الأورام لدى البشر، وهما فيروسان كبيران، حمضهما النووي DNA مزدوج الطاق كغيرهما من الفيروسات الهربسية، يرمز لنحو خمسين جيناً. السمة المميزة للفيروسات الهربسية أنها لا يتم التخلص منها تخلصاً تاماً من المضيف حيث تكمن في الخلايا التي أصيبت بالعدوى الأولية.

يسبب فيروس EBV الذي يصيب الخلايا اللمفاوية البائية والخلايا الظهارية ٩٠٪ من الإصابات بداء كثرة الوحيدات الخمجي، ويؤدي هذا الفيروس أيضاً دوراً في تطور لمفومات الخلية البائية والخباثات التي تنشأ في العقد والأنسجة اللمفاوية؛ بما في ذلك لفموما بوركيت Burkett’s lymphoma ولمفوما هودجكن؛ وأيضاً لمفوما لا هودجكن في الأشخاص ناقصي المناعة.

يسبب فيروس EBV أيضاً كارسينوما في الخلايا الظهارية للمعدة والبلعوم الأنفي وخلف التجويف الأنفي. لكي يصبح فيروس EBV كامناً فإنه يمر بمراحل متعددة من التعبيرات الجينية المعروفة باسم برامج الكمون Latency programs في الخلايا المصابة (الشكل ٥). في أثناء الإصابة الفعالة للخلايا البائية يدخل فيروس EBV في برنامج الكمون الثالث (Latency program III) ويعبَر عن العديد من الجينات الفيروسية التي تحث على التكاثر وتمنع الموت الخلوي المبرمج للخلية، ولكن هذا سينشط التعرف المناعي على الفيروس. يكون هذا الأمر سبباً لدخول الفيروس في برنامج الكمون الثاني (Latency program II) الذي يؤدي إلى تمايز الخلايا المتكاثرة إلى خلايا بائية ذاكرة. عند هذه النقطة تدخل في برنامج الكمون صفر (Latency program 0)

البرنامج صفر حيث يتوقف التعبير عن البروتينات الفيروسية، مما يمنع الكشف المناعي، هذا هو البرنامج الجيني الذي يجسد الكمون الفيروسي الحقيقي.

الشكل (٥) لمفوما بوركيت وبرامج كمون EBV.

أ- يسبب EBV سرطانات عديدة تتضمن لمفوما بوركيت وخباثات الخلايا البائية.

ب- طفل مصاب بلمفوما بوركيت في الجهة اليمنى للوجه.

ج- يمر فيروس EBV بمراحل عديدة من التعبير الجيني تعرف ببرامج الكمون. في أثناء الإصابة الأولية للخلايا البائية يحرض EBV العدوى الفعالة من خلال تعبيرات جينية في البرنامج III، ونتيجة لآلية التعرف المناعي ينتقل الفيروس إلى برنامج الكمون II الذي يحث على تمايز الخلايا إلى خلايا بائية ذاكرة. يقلل الفيروس بعدها من التعبير عن البروتينات الفيروسية مروراً ببرنامج الكمون 0 الذي يرافق كمون الفيروس.

برنامج الكمون III (Latency III program) ينتهي بإصابة فعالة في الخلايا البائية.

برنامج الكمون II (Latency II program) يؤدي إلى التمايز إلى الخلايا الذاكرة البائية.

برنامج الكمون 0 (Latency 0 Program) تبقى خلايا الذاكرة من دون إصابة فعالة.

برنامج الكمون I (Latency I program) تكاثر عارض لخلايا الذاكرة للحفاظ على التعداد.

في أثناء برنامج الكمون الثالث المرتبط بتكاثر الخلايا يتم التعبير عن مجموعة كبيرة من جينات EBV التي تحفز دورة الخلية وتمنع الموت الخلوي المبرمج، لأن برنامج الكمون الثالث مستمنع immunogenic بامتياز. تظهر السرطانات المرتبطة بفيروس EBV في هذه المرحلة فقط في المرضى المثبطين مناعياً مثل لمفوما لا هودجكن المرتبطة بالإيدز، والذي يحدث في ٤-١٠٪ من مرضى خمج HIV / الإيدز. يتم في الكمون الثاني التعبير عن مجموعة فرعية أصغر من جينات EBV. إن لمفوما هودجكن وسرطان البلعوم الأنفي من خلايا برنامج الكمون الثاني. من ناحية أخرى ترتبط لمفوما بوركيت بالخلايا في برنامج تكاثر خلايا الذاكرة في الكمون الأول عندما يتم التعبير عن المستضد النووي EBNA1 الذي يعمل لإبقاء جينومEBV كإيبزوم محاذٍ لصبغي الخلية. إن قطع الرنا الصغيرة MicroRNAs (miRNAs) هي قطع صغيرة من رنا الرامزة المعاكسة RNA antisense ترتبط مع جينات خلوية لتمنع تفعليها، ويقوم فيروس EBV بإنتاج miRNAS خاصة به في أثناء كمونه في البرامج I و II و III، وهذا يثبط الجينات الخلوية التنظيمية الكاظمة للورم، مما يمنع موت الخلية المبرمج، ويمنع الاستجابة المناعية، ويهيئ بيئة لتكوين الورم.

على الرغم من أن عدوى EBV مرتبطة بهذه السرطانات؛ بيد أنها ليست كافية للتسرطن كما هو الحال مع فيروسات الأورام الأخرى. تتطلب جميع السرطانات المُحدَثة بفيروس EBV حدوث طفرات خلوية أخرى، يمكن أن يحدث هذا من خلال عدم الاستقرار الجيني الناجم عن العدوى الفيروسية أو عن طريق العدوى بعوامل ممرضة أخرى.

على سبيل المثال: ٩٠٪ من حالات لمفوما بوركيت تبدي إزفاء (نقل لمواقع أو أجزاء) من الصبغيات ٨ و١٤ وتتضمن تفعيل الجينة الخلوية المسرطنة “Myc”. تزيد العدوى بالمتصورة المنجلية (الطفيلي المسبب للملاريا) من احتمالية تغيير المواقع الصبغية في الخلايا البائية المصابة بفيروس إيبشتاين بار.

تسبب الفيروسات الهربسية المسرطنة الأخرى- مثل فيروس الهربس المسبب لساركوما كابوزي- عادة أخماجاً تحت سريرية، لكن هذا الفيروس يساهم أيضاً في إحداث ساركوما كابوزي والذي يعد سرطان الخلايا البطانية، ويتظاهر على شكل مناطق من الجلد بلون أحمر وبنفسجي.

كما هو الحال بالنسبة للفيروسات الأخرى تتطلب الخلايا المخموجة بـ KSHV عوامل مساعدة إضافية لتصبح خبيثة، يكون نقص المناعة هو أحد وسائل تحقيق الاستجابات الفيروسية غير المنظمة. يكون خطر الإصابة بساركوما كابوزي لدى المرضى الخاضعين لزراعة الأعضاء أكثر بمقدار ٥٠٠-١٠٠٠ مرة من عامة السكان، والأفراد المصابون بـ HIV لديهم خطر بنسبة ٥٠٪ للإصابة بساركوما كابوزي طوال حياتهم. تُظهر غالبية الخلايا في سياق ساركوما كابوزي برنامج الكمون الجيني مع مظهر خلايا منحلة Lytic cells. يمكن أن توفر الخلايا المنحلّة عوامل النمو والإشارات التي تسمح للخلايا الكامنة داخل الورم بالتكاثر.

ملخص:

خصائص الخلايا السرطانية:

• يشير نشوء الأورام إلى تطور السرطان الذي يتسبب في وفاة أكثر من ثمانية ملايين إنسان في كل عام في جميع أنحاء العالم.

• يحدث السرطان بسبب انقسام الخلايا غير المنضبط الذي يؤدي إلى تكاثر الخلايا التي تغزو الأنسجة القريبة وتنتقل إلى مناطق أخرى من الجسم. إن الجينات الورمية هي أدوات تسبب السرطان.

• يمكن أن تؤدي الإصابة بفيروسات معينة إلى تحول الخلايا، تقوم الخلايا عند الاستحالة بإعادة تنشيط إنزيم تيلوميراز، وتتكاثر تكاثراً غير محدود، وتصبح خالدة.

• إن تحريض الورم الخبيث ليس شرطاً لتكاثر الفيروس، إنه منتج ثانوي لتأثيرات البروتينات الفيروسية التي تسبب تكاثر الخلايا، وتمنع موت الخلايا المبرمج، وتتجنب الاستجابات المناعية.

التحكم في الدورة الخلوية:

• العدوى الفيروسية ليست كافية لحدوث السرطان، يجب أن تحدث عوامل أخرى لخلق خلايا تكاثرية قادرة على التكاثر غير المحدود والغزو والنقائل.

• تنظم السايكلينات والكينازات المعتمدة على السايكلين (CDKS) Cyclin-dependent kinases التقدم في أثناء دورة الخلية؛ ومن خلال نقاط المراقبة التي تمنع المرور إلى المرحلة التالية أو تحفزه. عندما يصل مستوى السايكلين إلى مستوى عتبة معين فإنه يتفاعل مع CDKS الخاص به وينشط البروتينات الأخرى من خلال الفسفرة.

• تنظم مجموعات مختلفة من السايكلينات وCDKS التقدم خلال مراحل دورة الخلية.

• إن الجينات طليعة الورمية هي جينات خلوية تحفّز تكاثراً ورمياً عندما تطرأ طفرة أو تعديل عليها. تقوم الجينات الكابتة للورم بترميز البروتينات التي تنظم دورة الخلية. إن pRB وp53 هما مورثتان رئيسيتان مثبطتان للورم، وكلتاهما يثبطهما العديد من البروتينات الفيروسية.

الفيروسات المولدة للأورام:

• تقوم الفيروسات القهقرية الاستحالية الحادة- مثل فيروس ساركوما روس- بترميز مماثلات فيروسية للمورثات الورمية الخلوية التي تحفز السرطان. لم يتم اكتشاف فيروسات قهقرية استحالية حادة بشرية على الرغم من وجودها في الطيور وبعض الثدييات.

• تحفّز الفيروسات القهقرية غير الحادة على تكوّن الورم أثراً جانبياً للدمج. يمكن للمحفزات أو المعزازات الفيروسية تنشيط المورثات طليعة الورمية الخلوية؛ أو الاندماج في إحدى المورثات الكابتة للورم مما يمكن أن يمنع وظائفها.

• يرتبط HTLV-1 بسرطان الدم في الخلايا التائية البالغة. يرمز الجين الفيروسي tax بروتيناً يؤدي إلى فسفرة pRB، وتفعيل السايكلين D و6/4 CDK، وتثبيط p53.

• يرتبط فيروس التهاب الكبد C بتشمّع الكبد والتطور إلى سرطان الخلية الكبدية. إضافة إلى التأثيرات طليعة الالتهابية للعدوى الفيروسية تتورط البروتينات HCV Core وNS5a وNS5B وNS3 في إحداث تكاثر الخلايا المبرمج وتثبيط موتها.

• يعد فيروس التهاب الكبد B أيضاً سبباً رئيسياً لسرطان الخلايا الكبدية، ويحفز بروتين HBx تكاثر الخلية ويثبط نشاط p53. يتوفر لقاح يقي من فيروس التهاب الكبد B ومن ثم من السرطانات التي يسببها.

• يسبب فيروس خلية ميركل التوارمي (MCPyV) سرطان خلايا ميركل، وهو سرطان جلدي. يصبح MCPyV على غير العادة مدمجاً عشوائياً في الجينوم، ويؤدي مستضد T الكبير إلى تكاثر الخلايا في أثناء تثبيط pRB وp53.

• تعد أنواع فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) العالية الخطورة سبباً رئيساً لسرطان عنق الرحم والشرج والفرج والمهبل والقضيب والبلعوم الفموي. بروتين HPV E6 يحللp53، ويثبط البروتين E7 البروتين pRB لدعم تكوين الورم. يتوفر لقاح فيروس الورم الحليمي البشري الذي يقي من أنماط فيروس الورم الحليمي البشري المنخفضة الخطورة والعالية الخطورة.

• يرتبط الفيروس الهربسي EBV بلمفوما بوركيت ولمفوما هودجكن ولمفوما لا هودجكن، وسرطان البلعوم الأنفي وسرطان المعدة. يتقدم الفيروس من خلال العديد من برامج المورثات المعروفة باسم برامج الكمون ليصبح أقل استمناعاً ويؤسس أخيراً للكمون. يتم التعبير عن البروتينات الفيروسية ذات الخصائص طليعة الورميّة في أثناء برامج الكمون l,II,III، والسرطانات المرتبطة بـ EBV تعبر عن برامج المورثات التي تمثل أحد هذه البرامج، كما يتم التعبير عن miRNAs بوساطة الفيروس الذي يثبط المورثات الفيروسية والخلوية.

• يرتبط الفيروس الهربسي KSHV بساركوما كابوزي، وباللمفوما الأولية في الانصبابات، ومرض كاسلمان متعدد المراكز. يحتوي KSHV على العديد من البروتينات التي تحرّض التكاثر وتمنع موت الخلايا المبرمج، وتتداخل مع الاستجابات المناعية للمضيف بما في ذلك العديد من المماثلات الفيروسية للمورثات الخلوية.

 

التصنيف :
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1045
الكل : 58491573
اليوم : 64087