logo

logo

logo

logo

logo

الألم والمسكنات

الم ومسكنات

-

 الألم والمسكنات

الألم والمسكنات

تصنيف الألم من الناحية السريرية علم العقاقير الخاص بالأدوية الأفيونية الفردية:
تقييم الألم اختيار الدواء الأفيوني:
المعالجة الدوائية Pharmacotherapy المسكنات المشاركة Co-analgesics / adjuvant analgesics
 

يتضمن هذا الفصل لمحة عن الألم وتصنيفه وتقييمه من الناحية السريرية يتلوها تذكير بالمبادئ الرئيسية للعلاج الدوائي للألم ومن ثم استعراض الأدوية المسكنة للألم غير الأفيونية والأفيونية وكذلك شادات المستقبلات الأفيونية لينتقل البحث إلى بعض العلاجات النوعية للألم العصبي المنشأ وللآلام العظمية وللشقيقة.

تعريف الألم: بحسب الجمعية العالمية لدراسة الألم يمكن تعريف الألم بأنه «تجربة حسية وعاطفية غير سارة» ترافق أذية نسيجية حالية أو كامنة، أو توصف بتعابير تشير إلى مثل هذه الأذية. ويلمح هذا التعريف إلى أن درجة الألم وشدته التي يعانيها المريض قد لا تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدرجة شدة الأذية النسيجية المسببة وامتدادها وأن العوامل المسببة للشدة العاطفية والانفعالية أو الروحية يمكن أن تشارك الأسباب العضوية للألم في زيادة معاناة المريض الألم وتدفعه للانسحاب من النشاطات العملية والاجتماعية ومعاناة الاكتئاب مع تراجع مطّرد في نوعية الحياة quality of life يتوافق وازدياد شدة الألم.

ويركز هذا الفصل على الأدوية التي تسكن من شدة الألم، ويوضح طرائق استخدام كثير من الأدوية المسكنة للألم التي تصادف في الممارسة السريرية، وفي كل الأحوال لا بد للطبيب المعالج من أن يعلم أن المعاناة من الألم تتأثر بكثير من العوامل النفسية والعاطفية وأن العلاج الدوائي المضاد للألم ما هو إلا جزء من التدبير الناجح للألم الذي لا بد من أن يأخذ في الحسبان العوامل الأخرى؛ مما يحول علاج الألم إلى «مقاربة شاملة» يمكن أن يشترك فيها إضافة إلى الطبيب المعالج المختصّ بالمعالجة النفسية والمعالجة الفيزيائية.

حس الألم Nociception: للألم وظيفة أساسية حيوية لبقاء الإنسان وضرورية للحفاظ على سلامة العضوية؛ لأنه ينبه الإنسان على وجود تلف قائم أو كامن في نسيج ما. وتُعرَف العملية الفيزيولوجية التي تشتمل على الشعور بالألم باسم nociception، ويُسمَّى العامل المحدث للألم nociceptive. لا بد من القول: إن السبل التي تتحكم بالشعور بالألم معقدة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعوامل الحيوية العصبية التي تتواسطها؛ ولكن معرفة هذه السبل وهذه النواقل العصبية تسمح بفهم أفضل للإحساس بالألم ومن ثم مقاربة مفيدة وعملية للمسكنات وكيفية استعمالها.

ويُنبَّه الجهاز العصبي على وجود أذية نسيجية حالية أو كامنة قيد التطور من خلال تفعيل المستقبلات المحيطية للألم، وهي مستقبلات عالية التخصص تُسمَّى مستقبلات الألم nociceptors تكون موصولة بمحاوير عصبية تنقل حس الألم، وتكون من النوع غير النخاعيني (غير مغلفة بغمد النخاعين) وتُسمَّى ألياف C؛ أو محاوير عصبية محاطة بغمد نخاعين قليل الثخانة وتُسمى ألياف ، وتكون سرعة الناقلية على هذه الألياف بطيئة نسبياً ٥-٣٠ م/ ثا (ألياف ) أو بطيئة جداً بحدود ٥,٠– ٤,١م/ ثا (ألياف C)، وتنقل حس الألم من الجلد. تتوضع (الأجسام العصبونية) لهذه المحاوير التي تنقل حس الألم من الأطراف والجذع في العقد الجذرية الظهرية DRG المجاورة للنخاع الشوكي، في حين تتوضع الأجسام العصبونية للمحاوير التي تنقل حس الألم من الوجه والبلعوم والأذن في العقدة مثلثة التوائم أو في العقدتين العلوية (الوداجية) والسفليّة (الصخرية) لحس الألم الوارد عبر ألياف العصب البلعومي اللساني. وتُعدّ مستقبلات الألم نوعاً من (المحولات transducers) لكونها تحول التنبيه المؤلم إلى سيالة عصيبة وكمون فعل Action Potential، ويتعلق كمون الفعل بنشاط قنوات الصوديوم ذات الانفتاح المتعلق بالطاقة. وتبين وجود أنواع مختلفة من المستقبلات الألمية تستجيب للحرارة العالية (أعلى من ٤٦ درجة مئوية) أو للبرودة (درجة أخفض من ١٠ درجات مئوية) أو للمواد الكيميائية المخرشة مثل الكابسايسين أو للضغط.

تمتد المحاور الدانية لعصبونات العقد الجذرية الظهرية لتدخل القرن الخلفي للنخاع الذي يحوي سبع صفيحات تُسمّى Rexed laminae لكل منها وظيفة مميزة؛ تتشابك المحاوير غير النخاعينية من النوع C وعصبونات الصفيحتين الأولى المحيطية والثانية (المادة الجيلاتينية)، في حين تتشابك الألياف من النوع مع عصبونات الطبقتين الأولى والخامسة.

يرتبط بهذا التوزع الخاص والمميز جداً وظائف متعددة، منها فيما يخص السيالات الألمية: تسهيل عبور هذه السيالة الألمية أو تثبيط انتشارها إضافة إلى كثير من الارتكاسات المرافقة للشعور المؤلم.

وتنقل المحاور العصبية من النوع C حس الألم القليل التمايز بسرعة ناقلية بطيئة جداً في حين تنقل المحاور العصبية حس الألم الدقيق بسرعة أكبر، وهذا يفسر إحدى أهم المعطيات الفيزيولوجية المتعلقة بالألم والتي تؤكد أن للإحساس بالألم زمنين: الأول سريع (يُنقَل بالألياف ) وهو الذي يؤدي إلى الارتكاسات الأولية كسحب الطرف وإبعاده عن مصدر الأذى، والثاني بطيء؛ ولكنه مديد ومستمر يُنقَل بالألياف C، ويهدف إلى إنذار الشخص بوجود خطر أو أذية لا بد من تدارك أسبابها.

يشكل الغلوتامات الناقل العصبي المحفز الرئيسي المصادف في مشابك عصبونات القرن الخلفي من النخاع، ويمكن تثبيط إطلاقه بآليات تثبيط قبل مشبكية تمارس تأثيرها المثبط في النهاية المركزية للألياف المحوارية الناقلة لحس الألم، وهذه النقطة مهمة؛ لأن هذا التثبيط قبل المشبكي هو الذي يفسر آليات تأثير الغابا والأدوية الأفيونية والقنبيات Cannabinoids وكذلك الأدوية مثل غابابانتين والبريغابالين.

ويمارس الناقل العصبي المثبط غابا وكذلك الأفيوينات تأثيراً إضافياً مثبطاً لنقل حس الألم بتأثيرهما المباشر في العصبونات بعد المشبكية في القرن الخلفي للنخاع حيث يقومان بتحفيز فتح قنوات البوتاسيوم والكلور مع ما يرافق ذلك من فرط استقطاب عصبوني يثبط فعالية العصبون بعد المشبكي.

وإضافة إلى ما سبق تتعرض السيالات الألمية الصادرة عن القرن الخلفي للنخاع لتعديلات في النشاط ناجمة عن سيالات عصبية مثبطة هابطة تصدر عن عصبونات تتوضع فوق مستوى النخاع الشوكي، وتكون بصورة خاصة في المنطقة الرمادية حول القناة المركزية periaqueductal gray وفي القسم العلوي من الجزء الإنسي للنخاع، وتصل هذه السيالات المثبطة إلى عصبونات حس الألم في القرن الخلفي للنخاع وإلى عصبونات بينية مثبطة موجودة في النخاع مهمتها خزن الأفيونيات الداخلية ومن ثم إطلاقها، وقد أوضحت الدراسات أن تنبيه هذه المناطق فوق النخاعية سواء بالتيار الكهربائي أو بإعطاء مواد أفيونية يترافق هو وغياب حس الألم لدى الإنسان. بينت الدراسات أيضاً أن هذه الناقلية الهابطة المثبطة لحسّ الألم تصبح أقوى بتداخل بعض النواقل العصبية وحيدة الأمين مثل النواربنفرين والسيروتونين.

ختاماً لا بد من الإشارة إلى أن عصبونات القرن الخلفي للنخاع ترسل أيضاً سيالات صاعدة موجهة إلى المراكز فوق الشوكية في جذع الدماغ والوطاء والمهاد تتشابك وعصبونات وصل وسيطة، ومنها تُرسَل سيالات إلى القشر الحسي حيث تجري عملية التعرف إلى إحساس الألم بتفاصيله المتعددة.

عند حدوث أذية ما (حرق – جرح – تخرش بمواد كيميائية) تُحفَّز المستقبلات الألمية النوعية المختصة بهذا النمط من الأذيات، ويرافق ذلك إطلاق للبروستاغلاندينات (مثل PGE2) والسيروتونين (5 -HT) والعامل المنمي للعصب NGF وغيرها من العوامل التي تطلقها الخلايا المتأذية كما يُطلَق البراديكنين من الأوعية الدموية والمادة P من المستقبلات الألمية، وتقوم هذه العوامل بتحفيز مباشر للمستقبلات الألمية أو تساهم في تحسيس هذه المستقبلات لما سوف يرد لاحقاً من تنبيهات. وبعد ذلك تُرسَل السيالات الألمية الأولية الواردة بوساطة الألياف C أو العائدة لعصبونات العقد الجذرية الخلفية DRG، وتصل هذه السيالات إلى القرن الخلفي للنخاع حيث تتشابك وعصبونات الخط الثاني الموجودة في القرن الخلفي للنخاع، وفي هذا المستوى بالذات تُطلق الغلوتامات والمادة P من النهايات العصبية قبل المشبكية؛ مما يفعّل ويحفز المستقبلات الغلوتاماتيرجية NMDA وكذلك AMPA و M Glu الموجودة على النهايات العصبية بعد المشبكية، وتُفعَّل أيضاً مستقبلات النوروكينين ١.

وتخضع هذه المشابك الموجودة في القرن الخلفي للنخاع إلى تأثيرات «مثبطة» تأتيها من عصبونات بينية موجودة في القرن الخلفي من النخاع تطلق الناقل العصبي الغابا أو الانكيفالين كما تمارس تأثيرات مثبطة لنقل حس الألم عبر سيالات «نازلة» تتداخل على النهايات العصبية للألياف الحسية الناقلة لحس الألم في المستوى قبل المشبكي، وتتداخل أيضاً عبر تفعيل العصبونات البينية المثبطة، وهذه السيالات النازلة تكون نورادرنرجية أو سيروتونيرجية، وتنشأ من جذع الدماغ والدماغ.

الشكل(١) صورة تمثل طرق انتقال الألم.

تصنيف الألم من الناحية السريرية:

يعتمد العلاج الدوائي المنطقي للألم في الممارسة السريرية على تفهم أسباب الألم ومدته وطبيعته وعلى الحالة الصحية العامة للمريض والإنذار العام للمرض الذي يعانيه. ومن الناحية العمليّة من المناسب تصنيف الألم بصورة أولية ضمن مجموعتين: الألم الحاد والألم المزمن؛ ومن ثم يمكن إجراء تصنيف ثانٍ يعتمد على الآلية المرضية للألم أو للسبب الأولي (مثال ألم اعتلال الأعصاب أو الألم المرتبط بالخباثات).

١- الألم الحاد: في الحالات التي يُصاب فيها الشخص بالرضوض أو بعد تداخل جراحي يعاني المصاب ألماً حاداُ يتراجع سريعاً مع تراجع الأذيات النسيجية، ويمكن تدبير مثل هذا النوع من الآلام بصورة جيدة باستعمال الأدوية المناسبة. وفي الحالات التي لا يكون فيها التحكم الجيد بالألم بعد الجراحة يُلاحَظ تشارك استمرار الألم مع حدوث مضاعفات (ذات رئة - احتشاء عضلة قلبية – إنتان – شلل أمعاء – خثار وريدي عميق) ويرافق ذلك أيضاً خطر التحول إلى ألم مزمن، وفي مثل هذه الحالات يكون للتدبير الجيد للألم فائدتان رئيسيتان: الأولى هي تخفيف معاناة المريض والحد من قلقه، والثانية هي الحد من شدة الارتكاسات الانعكاسية الذاتية Autonomic والجسدية، ويرافق تسكين الألم الفعال تحرك المريض بصورة أبكر واسترجاعه لشهيته وعودته إلى تناول الطعام، ويسهل ذلك استرجاع المريض لقدراته، ويحسن الإنذار العام لمرحلة ما بعد الجراحة. ولقد بينت الدراسات أن إعطاء المريض العلاج المسكن للألم قبل التداخل الجراحي الباضع يمكن أن يخفف الألم التالي للتداخل، ويجري حالياً تطوير هذه الاستراتيجية الاستباقية pre-emptive analgesia.

٢- الألم المزمن: يعرف بأنه الألم الذي يستمر لفترة أطول من الفترة المتوقعة للشفاء، أو هو الألم المصحوب بمرض مزمن مترقٍّ غير خبيث. ويمكن أن ينجم الألم المزمن عن تنبيه مستمر لمستقبلات الألم في المنطقة التي تحدث فيها أذية نسيجية مستمرة (مثلا الأذيات الالتهابية الناجمة التهاب مفاصل رثياني)، ولكن في كثير من حالات الألم المزمن يُلاحظ استمرارية الشعور بالألم لفترة طويلة تالية لشفاء النسيج المتأذي، وفي بعض الأحيان يستمر الألم بصورة مزمنة على الرغم من عدم إمكان تعرّف أي أذية نسيجية حالية أو حتى في السوابق.

٣- ألم الاعتلال العصبي Neuropathic pain: ينجم ألم الاعتلال العصبي عن أذية الجهاز العصبي الحسي الجسدي Somatosensory nervous system حتى من دون وجود أذيات نسيجية مرافقة، وله أشكال كثيرة، منها ما هو معزول وصرف، ومنها ما يرافقه تشوش حس Dysesthesia، ويمكن لبعض الأشكال أن يظهر فيها الألم نتيجةً لمنبه غير ألمي (مثال اللمس العادي البسيط يتحول إلى حس ألم) ويُسمَّى هذا الألم Allodynia. ويمكن للألم العصبي المنشأ أن يكون مستمراً أو انتيابياً صرفاً أو الاثنين معاً (ألم دائم يُصحب بآلام بارقة انتيابية). ويُصادَف مثل هذا الألم بعد تأذي الألياف العصبية الحسية الواردة الناقلة لحس الألم كما هو الحال في اعتلالات الأعصاب السكرية أو اعتلال الأعصاب الحاد المزيل للنخاعين وفي الألم العصبي التالي للإصابة بالحلأ post-herpetic neuralgia أو في الآلام الجذرية القطنية أو الرقبية، كما يمكن أن يُصادَف أيضاً في حالات تأذي السبل الحسية المركزية كما يُصادَف في اعتلالات النخاع الشوكي أو الأذيات المهادية التالية للسكتات الدماغية أو إصابة السبل الحسية المركزية في سياق التصلب اللويحي المتعدد. وما تزال الآليات التي تتحكم بمثل هذه النوع من الألم الاعتلالي العصبي تخضع للدراسات المعممة لكشف أسرارها.

٤- الألم المرتبط بالخباثات: هو الألم المصادف في سياق الخباثات سواء أكان سببه الارتشاح الموضعي بسبب النمو الورمي أم الأذيات التالية للنقائل أو للتأثيرات السمية للعلاجات الكيميائية أو للتشعيع، وأشيع هذ الأسباب هو اعتلالات الأعصاب التالية للعلاج بأدوية مضادة للأورام ذات سمية عصبية.

تقييم الألم:

يعتمد التدبير الدوائي الأمثل للألم على نمط الألم وسببه وعلى الحالة النفسية والجسدية للمريض؛ ومن ثم فإن المقاربة الشاملة ضرورية لعلاج المريض بصورة فعالة وآمنة. ولا بد قبل أخذ القرارات المناسبة من التحقق من احتمال وجود مرض قابل للعلاج أو مرض كامن خلف الصورة الألمية التي تشغل بال المريض، ولا بد في هذه الحالات من علاج مثل هذا المريض مع الانتباه إلى تجنب الاستقصاءات غير الضرورية والتي تعطي الإحساس الوهمي للمريض بوجود خلل ما يزال فعالاً؛ مما يؤهبه لعدم التلاؤم، ويعوق العودة إلى حياة ووظائف طبيعية.

ولا بد عند تقييم الألم المستمر من تحديد دقيق لموضع الألم وانتشاراته وصفاته (حارق - ممزق) وشدته ومدته وسيره السريري (مستمر أم متقطع، مع فترات هوادة أو من دونها) وتوقيت ظهوره (منتظم - ساعات محددة)، ويتضمن ذلك تواتر حدوث الهجمات الألمية وفترات الهجوع وتحديداً دقيقاً للتغير في الصفات والشدة Fluctuations. ومن الضروري معرفة العوامل التي تفاقم الألم وتلك التي تخفف من شدته أو تواتر حدوثه ومعرفة الأمراض المرافقة والتركيز بصورة خاصة على الاضطرابات النفسية الممكنة التشارك أو التي سبق للمريض أن عاناها (اكتئاب - قلق - رهاب). إضافة إلى كل ذلك لا بد من معرفة السوابق الدوائية للمريض والتأثيرات الجانبية أو الفعالية لأدوية سبق له أن استعملها أو التي يستعملها حالياً. ومن المفيد دوماً التحقق من احتمال وجود مشكلة قانونية أو مشكلة تتعلق بالعمل (دعاوى- مطالبات بتعويض مادي - تهرب من مسؤولية ما) قد تؤثر في سير الشكاوى واستمراريتها. والسوابق الشخصية أو العائلية لألم مزمن يمكن أن يفيد في معرفة السبب والتدبير الأنسب في بعض الحالات.

عموماً من المفيد دوماً الحصول على المعلومات المتعلقة بنوعية قيام المريض بوظائفه الاعتيادية ومستواه وهل تأثرت بالشكوى الألمية والتحقق أيضاً من العلاقات الشخصية والعائلية (بما فيها النشاط الجنسي ونوعيته وتواتره) والنشاطات الاجتماعية وكيفية تأدية المريض لمهامه في العمل وكيف يقضي إجازته وهل من تغير طرأ على أي من هذه النشاطات. يتضمن الاستجواب سؤالاً يتعلق بماذا يعني الألم لهذا المريض بالذات، وهل هو مصدر للقلق وللاكتئاب أم أنه مجرد شعور سوف يزول، وباستطاعته الحديث عنه بالتفصيل، في حين أن شخصاً آخر يجد أنه من المعيب إظهار ألمه؛ ومن هنا لا بدّ من التفريق ما بين الألم وبين المعاناة Suffering؛ لأنهما ليسا بالضرورة متساويين وما بين الألم كشعور أو ما يمثله من خطر، ومثل هذا التباين يُصادَف لدى المرضى الذين لديهم خباثة والذين ترتبط معاناتهم بعدد من العوامل كالخوف من النكس أو من فقد الوظائف أو من التطور السريع نحو الوفاة؛ وليس فقط بالألم كعرض مسبب للمعاناة.

بعد الاستجواب المعمق يأتي دور الفحص السريري الذي لا بد من أن يكون شاملاً، ومن ثم يسمح بمعرفة السبب الكامن المحتمل وبتحديد دقيق للعجز الوظيفي، ويساعد الفحص العصبي وفحص الحس بصورة خاصة على التفريق ما بين الألم العضوي الجهازي، وألم الاعتلال العصبي والذي يمكن أن يرافقه اضطرابات حسية متعددة الأشكال (نقص حس Hypoesthesia – شواش حس Paraesthesia (مذل) - شواش حس الألم Dysesthesias- فرط حس الألم Hyperalgesia أو وجود حس مؤلم بتنبيه غير مؤلم Allodynia).

المعالجة الدوائية Pharmacotherapy:

يُعرَّف مسكن الألم analgesic بأنه الدواء الذي يخفف من الإحساس بالألم. وللمسكنات نوعان: مسكنات أفيونية Opioids ومسكنات غير أفيونية (مثل مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية NSAIDS). المسكنات المشاركة Co-analgesics أو المساعدة هي أدوية تتمتع بفعالية دوائية أولية لا علاقة لها بالألم؛ ولكنها تتمتع بفعالية مضادة للألم في بعض الحالات، ومثال عليها الأدوية المضادة للاكتئاب والأدوية المضادة للاختلاج التي تساهم في تثبيط السيالات الألمية في حالات اعتلالات الأعصاب المؤلمة. وتختلف فعالية مسكن الألم وقدرته على تخفيف الألم اختلافاً كبيراً من شخص إلى آخر، وللمسكنات عموماً نافذة علاجية ضيقة نسبياً، مما يحد من إمكان زيادة الجرعات عند ظهور التأثيرات الجانبية؛ مما يستوجب إجراء معايرة دقيقة للدواء المسكن للألم لدى كل مريض حتى الوصول إلى توازن مقبول بين إحساس المريض الشخصي بتراجع شدة الألم وبين التأثيرات الجانبية للدواء.

١- مسكنات الألم غير الأفيونية Non-opioid analgesics:

أ- مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية NSAIDS:

آليات التأثير المسكن للألم: يرافق حدوث الأذيات في النسج والأغشية البطانية ارتكاس التهابي في النسيج المصاب، وتُطلق الخلايا المتضررة محتوياتها داخل الخلوية مثل الأدينوزين ثلاثي الفوسفات وشوارد الهدروجين والبوتاسيوم. وتنتج الخلايا الالتهابية التي استُدعيت إلى منطقة الأذية السيتوكينات وعوامل النمو، وكل هذه العوامل تسبب تغيرات كبرى في الوسط الكيميائي المحيط بالمستقبلات الألمية، ويمارس بعض هذه العوامل الكيميائية تأثيراً مباشراً محفزاً على مستقبلات الألم؛ مما يسبب الشعور بالألم في حين يؤدي التعرض للعوامل الأخرى إلى زيادة تحسس مستقبلات الألم لما سوف يحدث لاحقاً من تنبيهات، وتُعرَف هذه الحدثية باسم التحسيس المحيطي peripheral sensitization. ويُعدّ البروستانويد Prostanoid من المحسسات الرئيسية التي تُنتَج في موقع الأذيات، وتمارس NSAIDS تأثيراتها المضادة للألم من خلال تثبيطها إنزيم السيكلواوكسيجيناز Cyclooxygenase التي تتداخل في عملية إنتاج البروستانويد وفي إنتاج أنواع أخرى من البروستاغلاندينات. ولإنزيم السيكواوكسيجيناز عدة أنماط شكلية، أكثرها دراسة هما الشكلان الأول والثاني COX-1 وCOX-2، ويزداد إنتاج الشكل الثاني بفعل الأذيات النسيجية، وتثبط الأدوية NSAIDS فعالية هذين الإنزيمين وبصورة خاصة ونوعيةٍ فعاليةَ الشكل الثاني COX-2؛ مما دعا إلى تسميتها بالأدوية المثبطة النوعية للكوكس COXIBS.

الاستخدامات السريرية: تُعدّ الأدوية NSAIDS من أكثر الأدوية المسكنة استعمالاً، وهي- في حال لا مضاد استطباب لاستعمالها – فعالة في علاج الألم الالتهابي الحاد. وهناك كثير من الإثباتات التي تدعم فعاليتها في الألم المرافق للخباثات. وفي المقابل يبدو أن فعالية هذه الأدوية شبه معدومة في الألم الاعتلالي العصبي ومحدودة في علاج الألم المزمن غير المرتبط بالخباثات فيما عدا حالات الآلام الهيكلية العضلية الالتهابية المزمنة وخاصة في حالات التهاب المفاصل (الروماتوئيدي). وفي كل الأحوال لا بد من إجراء تقييم موضوعي قبل البدء بالعلاج بالـ NSAIDS يأخذ في الحسبان التناسب بين الفعالية والخطورة في كل الحالات التي تتطلب علاجاً طويل الأمد.

اختيار الدواء NSAIDS وطرق إعطاء الدواء: تشير الدراسات إلى أن اختلاف الفعالية المسكنة للألم بسيط عند مقارنة دواء بدواء آخر من زمرة NSAIDS نفسها؛ ولكن هناك كثير من الاختلافات المتعلقة بالحراك الدوائي، والتأثيرات الجانبية هي التي تحدد بالدرجة الأولى أي دواء هو الأنسب لهذا المريض؛ ولاسيما في الحالات التي تتطلب العلاج لفترة طويلة. وإذا أُخذ كمثال أحد الأدوية من زمرة الأوكسيكام (بيروكيسكام أو تينوكسيكام) سيتضح أن لها استقلاباً بطيئاً ونصف عمر طويلاً، وتكون بتراكيز عالية في الدوران الهمضي؛ ومن ثم فإن ميزة نصف العمر الطويل (تناول الدواء مرّة واحدة في اليوم) يقابلها تأثيرات جانبية أكثر وأشد على المستويين المعدي المعوي والكلوي. ويُفضَّل إعطاء الأدوية NSAIDS عبر الفم عندما يكون ذلك ممكناً؛ ذلك أن للجرعة نفسها سواء أُخذت فموياً أم أُعطِيت حقناً عضلياً التأثير نفسه والفعالية والتأثيرات الجانبية نفسها في حين أن التطبيق الموضعي للأدوية NSAIDS في الآلام العضلية الهيكلية له تأثيرات مفيدة مع نسب حدوث أقل للتأثيرات الجانبية.

التأثيرات الضارة: تأثير NSAIDS في البروستاغلاندينات الأخرى هو المسؤول عن التأثيرات الضارة الشائعة لهذه الزمرة الدوائية. ومن بين المهام المنوطة بالبروستاغلاندينات التي يتحرض إنتاجها بالسيكواوكسيجيناز مهمة حماية مخاطية المعدة والحفاظ على صبيب طبيعي للدم الوارد إلى الكلية وعلى وظائف طبيعية للصفيحات؛ وبالتالي فإن تثبيط انتاج البروستاغلاندينات يمكن أن يسبب تخرش مخاطية المعدة مع إمكان حدوث تقرحات صغيرة وأذية كلوية وزيادة في خطر حدوث النزوف. وتُعد التأثيرات الضارة معتمدة على الجرعة، ويمكن للجرعات العالية أن تسبب نزوفاً هضمية وقصور كلية وبعض المضاعفات القلبية أيضاً. إمراضية الاضطرابات الهضمية التالية للعلاج بالـ NSAIDS عالية، وتعادل تقريباً ٥ حالات من بين كل ١٠٠٠ شخص في سنة علاج، وتكمن الخطورة في إمكان حدوث نزيف هضمي خطر ومفاجئ دون أي أعراض منبئة، ولهذا السبب يوصي جميع الذين يُعالَجون بهذه الأدوية لمدة طويلة بتناول دواء واقٍ لجدار المعدة. تتميز الأدوية النوعية المثبطة للكوكس ٢ بكونها توفر درجة جيدة من تسكين الألم مع خطر منخفض لحدوث نزف هضمي أو معوي؛ ولكنها للأسف لها التأثير السمي في الكلية نفسه؛ وما يزال موضوع المضاعفات القلبية موضع تساؤلات؛ ولاسيما تحديد ما هو الدواء المسؤول عن مثل هذه المضاعفات القلبية، وهل هي مضادات الالتهاب الانتقائية أو فقط غير الانتقائية. وفي كل الأحوال تركز التوصيات الحالية على عدّ أن كل الأدوية المثبطة للسيكواوكسيجيناز مصدر خطر كلوي وقلبي، ولا بد من استعمال هذه الأدوية مع توخي الحذر بأقل جرعة فعالة ممكنة ولأقصر فترة ممكنة خاصة لدى المرضى الحاملين لعوامل خطورة وعائية والذين في سوابقهم سكتة دماغية أو احتشاء عضلة قلبية.

ب- الأسيتامينوفين Acetaminophen (الباراسيتامول): إن الميزة المهمة التي يتميز بها الأسيتامينوفين من الأدوية NSAIDS هي خلوه النسبي من التأثيرات الضارة؛ مما يسوّغ استخدامه مسكناً للألم خطأً أول، ومن الممكن الاكتفاء به وحده أو مشاركته – مع فعالية تآزرية – مع الأدوية NSAIDS والمسكنات الأفيونية. الأسيتامينوفين هو أيضاً خافض حرارة مع خواص مضادة للالتهاب ضعيفة جداً. تتراكم البينات على أن التأثير المثبط للألم يكون عبر آلية مركزية يفعّل بوساطتها سبل تثبيط الألم السيروتونيرجية النازلة، ولكن يبقى موقع التأثير الأساسي المضاد للألم هو تثبيط إنتاج البروستاغلاندينات (عبر تثبيط كوكس -٣). للأسيتامينوفين نقطة سلبية مهمة هي إمكان تسببه بسمية كبدية عند تناول جرعة كبيرة منه، وأظهرت الإحصاءات أن سمية الباراسيتامول احتلت المركز الأول بين أسباب القصور الكبدي الحاد، وسبقت التهابات الكبد الفيروسية. تنجم هذه السمية الكبدية عن عجز سبيل الغلوتاتيون عن التعامل مع مستقلب الأسيتامينوفين البنزوكينون الذي يتراكم في الكبد مسبباً السمية. وتُعدّ الجرعة الحادة سمية عندما تتجاوز ٨ غرامات لدى البالغ (١٥٠-٢٠٠ ملغ/ كغ لدى الطفل الأصغر من ٦ سنوات)؛ الاستخدام المديد للباراسيتامول بجرعات عالية يمكن أن يرافقه ارتفاع خفيف في خطر حدوث احتشاء عضلة قلبية أو نزف هضمي أو قصور كلية.

ج- نيفوبام Nefopam (Acupan ): النيفوبام دواء مختلف من الناحية الكيميائية والدوائية عن بقية المسكنات المعروفة السيروتونية المفعول. واستُخدم الدواء في أوربا أولاً عبر الفم أو تسريباً وريدياً منذ عام ١٩٧٦. وما تزال آليات تأثيره غير معروفة ولكن يُعتقَد أنه يزيد من فعالية السبل السيروتونية المفعول Serotonergic والنورادرنرجية النازلة المثبطة للألم بوساطة تثبيط قنص الدوبامين والنورابنفرين والسيروتونين من المشابك. وميزته بالمقارنة بـ NSAIDS والأدوية الأفيونية أنه لا يؤثر في وظائف الصفيحات إلا بحد ضعيف وأنه لا ترافقه تأثيرات مركنة sedative لغياب تأثيره في الجهاز العصبي المركزي؛ ولكن على الرغم من ذلك ترافق استخدام الدواء عبر الفم بجرعات عالية وحالات وفاة نادرة تميزت بحدوث نوب اختلاجية ولا نظمية قلبية. ويتمتع الدواء بخواص مقلدة للودي؛ مما يجعله مضاد استطباب لدى المرضى الذين لديهم تضيقات إكليلية أو التهاب موثة أو زرق. يرافق تناول الدواء تأثيرات جانبية خفيفة مثل الغثيان والإحساس باضطراب التوزان وفرط التعرق لدى ١٥-٣٠٪ من الأشخاص. واستُخدم الدواء بصورة غير شرعية للحصول على التأثيرات المحفزة النفسية والتي سببها على الأغلب تثبيط عودة قنص الدوبامين.

٢- مسكنات الألم الأفيونية Opioid analgesics:

الأفيون هو العصير المجفف لبذور الخشخاش، واستُعمِل منذ غابر الزمان لخواصه المسكنة للألم والنفسية، وقد أظهرت بعض الاكتشافات أنه استخدمه إنسان النياندرتال قبل أكثر من ٣٠ ألف سنة كما أكدت المخطوطات القديمة أن استخدام المواد المخدرة ذات التأثير النفسي يعود إلى عصور ما قبل التاريخ والعصر الحجري الحديث (٨٥٠٠ -٤٠٠٠ قبل الميلاد). وبدأت القصة بأخذ منحى علمي أكثر جديةً في عام ١٨٠٤ عندما قام Friedrich Serturner بعزل المادة الفعالة من الخشخاش وتجربتها أولاً على الحيوانات، وأطلق على المادة المشتقة من الخشخاش اسم مورفيوم Morphium، وبعد أكثر من عشرة أعوام عُدِّل الاسم إلى مورفين. الأفيونيات مصطلح عام يُطلَق على المواد الطبيعية أو الصنعية التي ترتبط بمستقبلات أفيونية نوعية في الجهاز العصبي المركزي محدثةً تأثيراً شاداً Agonist، وهي تُستخدَم حالياً في استطبابات كثيرة تشمل إضافة إلى علاج الألم تدبير السعال والإسهالات.

آلية تأثير الأفيونيات: أصبح من المعروف الآن أن المورفين والأدوية الأفيونية الأخرى تمارس تأثيراتها بوساطة تأثيرها في سبل أفيونية داخلية Endogenous opioidergic system لا تقتصر تأثيراتها على وضع حد لعتبة الألم والتحكم في السيالات الناقلة لحس الألم؛ ولكنها أيضاً تمارس تأثيرات معدلة لوظائف الجهاز الهضمي والغدد الصماء والجهاز العصبي المستقل إضافة إلى دور محتمل على الإدراك والمشاعر. وتنجم تأثيرات الأفيونيات بأنواعها عن ارتباطها وتفعيلها للمستقبلات النوعية المقرونة بالبروتين G والمتوفرة في الدماغ والنخاع الشوكي وفي الجهاز العصبي المحيطي. وثمة أربع فئات رئيسية من المستقبلات الأفيونية سُميِّت بحسب المواقع التشريحية الرئيسية والمركّبات الدوائية التي تمارس تأثيرها فيها؛ مما يفسر التسميات المتعددة لكل نوع من المستقبلات. وهذه المستقبلات الأفيونية هي:

أ- مستقبلات دلتا δ نسبة للقناة الدافقة التي تنقل النطاف الناضجة Vas deferens، وتسمى حالياً مستقبلات DOP أو DOR أو OP1.

ب- مستقبلات كابا ƙ نسبة إلى ketocyclazocine (وهو مركب أفيوني صنعي)، وتُسمَّى حالياً مستقبلات KOP أو KOR أو OP2.

ج- مستقبلات ميو mu نسبة إلى المورفين، وتُسمى حالياً MOP أو MOR أو OP3، وهي أهم المستقبلات لعلاج الألم.

د- المستقبل الرابع المكتشف حديثاً هو مستقبل النوسيسبتين (NOFQP) nociception orphanin FQ Peptide receptor والمسمى حالياً NOP أو OP4 والذي يمارس تأثيراً معدلاً وضابطاً لكثير من الأنشطة الدماغية؛ والسلوكيات الغريزية والعاطفية خاصة. والأفيونيات عموماً لها تأثير شاد في المستقبلات دلتا وكابا وميو.

تؤدي الفعالية الشادة للأفيونيات على مستوى المستقبلات الأفيونية إلى فتح قنوات البوتاسيوم ومنع انفتاح قنوات الكلسيوم ذات بوابات الجهد Voltage-gated، ويقود ذلك إلى الحد من الاستثارة العصبونية؛ ومن ثم يثبط إطلاق النواقل العصبية الألمية. وإضافة إلى تعديل الألم تشارك المستقبلات الأفيونية على نطاق واسع في مختلف الأنشطة الفيزيولوجية والفيزيولوجية المرضية، ومن ذلك تنظيم التوزان الشاردي الغشائي ووظائف الجهاز التنفسي والقلبي والأوعية الدموية.

المستقبلات الأفيونية ميو MOP هي أهمها من ناحية تثبيط الألم، وذلك على الرغم من أن تفعيل الأنماط الأربعة من المستقبلات يرافق تأثيرات مسكنة للألم، ولكن يبقى تأثير تفعيل المستقبلات ميو هو الأهم من الناحية السريرية. ولا تقتصر وظائف المستقبلات الأفيونية على تثبيط نقل (السيالة الألمية)، وإنما تشمل كثيراً من الوظائف حيث تتوزع مستقبلات MOP في جميع أنحاء الجهاز العصبي المركزي في المناطق التشاركية (التي تحلل وتدمج الوظائف الحسية ووظائف الحواس مع الوظائف الحركية). وفيما يخص التأثير المثبط للألم يُعدّ وجود مستقبلات MOP في النهايات العصبية قبل المشبكية التي تتشابك وعصبونات القرن الخلفي للنخاع هي المسؤولة عن تثبيط انتقال حس الألم؛ لأنها تمنع إفراز الغلوتامات ومن ثم انتقال حس الألم الذي تنقله الألياف C وδ A. بينت الدراسات الحديثة أن تفعيل المستقبلات الأفيونية MOP وDOP وKOP الموجودة في الكريات البيضاء يساهم في آليات تخفيف الألم بعد إصابة الأعصاب (تجارب على الفئران)، ويُعتقد أن هذا التأثير المثبط لحس الألم يكون على المستوى المحيطي حيث يرافق تنبيه هذه المستقبلات الأفيونية إطلاق الببتيدات الأفيونية من الخلايا المناعية؛ الذي يؤدي لاحقاً إلى تفعيل المستقبلات الأفيونية MOP وDOP وKOP الموجودة على النهايات العصبية.

تشمل التأثيرات الجانبية الرئيسية المرتبطة بتحفيز مستقبلات MOP بوساطة الشادات الأفيونية كلاً من التثبيط التنفسي الذي ينجم عن إضعاف حساسية المستقبلات الكيميائية المركزية والطرفية لفرط تراكيز ثاني أكسيد الكربون، وأعراض تثبيط حركية الجهاز الهضمي وإفرازاته مما يسبب الإمساك.

تصنيف الأدوية الأفيونية: صُنفت الأدوية تقليدياً بحسب درجة تأثيرها المضاد للألم ودرجة إحداثها للإدمان (الاعتماد) في قوية التأثير ومتوسطة التأثير وضعيفة التأثير، ولكن يتضمن هذا التصنيف احتمال الاستنتاج الخاطئ حيث يمكن أن يكون الدواء الأفيوني الضعيف مثل الكودئين دواءً أقل فعالية على الألم؛ ولكنه دواء آمن، وهذا غير صحيح بالمطلق، حيث إنه من الصحيح أن تأثير الكودئين المخفف للألم أقل وأضعف من تأثير المورفين؛ ولكنه قد يسبب تثبيطاً تنفسياً إن أُعطِي بجرعات عالية خاصة عند إشراكه مع مثبطات الجهاز العصبي المركزي الأخرى مثل الكحول والبنزوديازيبينات؛ كما أن الكودئين قابل لإحداث الإدمان مثله مثل بعض الأدوية ذات التأثير المشابه. ويمكن أن تُصنَّف الأدوية المورفينية بحسب تركيبها وبنيتها أو بحسب خواصها التي تتعلق بموقع ارتباطها بالمستقبلات؛ ولكن يبقى التصنيف الوظيفي هو الأنسب من الناحية السريرية، وهو موضح في الجدول (١).

الجدول (١) التصنيفات المختلفة للأدوية الأفيونية.

التصنيف التقليدي traditional

قوي

متوسط

ضعيف

المورفين

الديامورفينDiamorphine

الفنتانيل Fentanyl

الشادات الجزئية، الأدوية ذات التأثير المشترك شادة مناهضة.

الكودئين

التصنيف البنيوي Structural

Morphinans

المورفين

الكودئين

Phenylpiperidines

ميبيريدين Meperidine

فنتانيل

Diphenylprophylamines

ميتادون Methadone

ديكستروبربوكسيفين Dextropropoxyphene

Esters

ريميفينتانيل Remifentanil

التصنيف الوظيفي Functional

أدوية شادة صرفة

شادة جزئية

تأثير مختلط

تأثير مناهض

مورفين

كودئين

بوبرينورفين Buprenorphine

بنتازوسين Pentazocine

نالبوفينNalbuphine

بوتورفانول Butorphanol

نالوكسون Naloxone

حراك الأدوية الأفيونية: من الناحية الطبية تُستعمل الأدوية الأفيونية للتخفيف من شدة الألم والانزعاج الناجم عنه، وتنجم التأثيرات الجانبية الشائعة لهذه الأدوية عن الارتباط بالمستقبلات المورفينية المختلفة، وليس بنوع واحد فقط من هذه المستقبلات. وتتضمن التأثيرات الجانبية التركين (التهدئة) والإحساس بالفرح والنشوة (الشمق) euphoria أو الانزعاج dysphoria إضافة إلى الإمساك وجفاف الفم والحكة والغثيان والإقياء وإمكان حدوث تثبيط تنفسي؛ ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من هذه التأثيرات الجانبية يميل إلى التراجع والاختفاء مع الاستمرار بالعلاج بسبب تطور ظاهرة التحمل للأفيونيات Tolerance إلا فيما يخص الإمساك وجفاف الفم التي لا تتأثر كثيراً باستمرار تناول الدواء، ويمكن أن تسبب كثيراً من المضاعفات مثل تسوس الأسنان والشق الشرجي. ويمكن للاستعمال المديد لهذه الأدوية أن يتداخل مع وظائف الوطاء Hypothalamus ويثبطها مسبباً غياب الرغبة الجنسية والعجز الجنسي والعقم. يمكن تدبير التأثيرات الجانبية المرتبطة باستخدام الأفيونيات في علاج الألم الحاد - وفي بعض الأحيان في علاج الآلام المزمنة غير المرتبطة بالخباثات – من خلال تخفيض جرعة الدواء مع استعماله بتواتر أكبر أو باستخدام دواء أفيوني آخر. وفي المقابل وفي حالات العلاج الملطف للألم المرافق للخباثات يمكن تدبير التأثيرات الجانبية المرتبطة بالاستعمال المديد للأدوية الأفيونية بصورة استباقية، ويمكن اللجوء إلى الملينات لعلاج الإمساك وإلى الميثيل فينيدات Methylphenidate أو الديكستروامفيتامين لتدبير التركين (التهدئة) الزائد.

التأثيرات الجهازية للأدوية الأفيونية المسكنة للآلام:

١- التأثيرات في الجهاز العصبي المركزي: يذكر المرضى الذين يتناولون الأدوية المورفينية أن معاناتهم الضيق تخف على الرغم من بقاء الإحساس بالألم. ويرافق عادة البدء بالعلاج بهذه الأدوية شعور بالتهدئة والتركين؛ ولكنه يتراجع عادة مع متابعة العلاج. في بعض الحالات التي تتطلب اللجوء إلى جرعات عالية غالباً ما يستمر إحساس المريض بالتركين بصورة مزعجة؛ وهذا أحد الأسباب الرئيسية لإيقاف العلاج في حالات الألم المزمن. وتتضمن التأثيرات الجانبية الخطرة التأثير المثبط للوظائف التنفسية؛ ذلك أن الأدوية الأفيونية تضعف حساسية المراكز التنفسية في جذع الدماغ لفرط ثاني أكسيد الكربون ونقص الأكسجة في الدم، ومن الممكن أن يعاني المريض نقص التهوية Hypoventilation الناجم عن نقص معدل الحركات التنفسية ونقص سعة حركات الشهيق والزفير. ويُثبَّط السعال أيضاً عبر التأثير في المراكز العصبية في جذع الدماغ كما أنه من الممكن حدوث حالات من انقطاع التنفس المديد؛ مما يفاقم من التأثيرات الجهازية لدى المرضى المصابين بالآفات الرئوية الانسدادية المزمنة COPD وانقطاع النفس النومي الانسداديApnea ومن ارتفاع الضغط داخل القحف.

في الممارسة السريرية تُصادَف التأثيرات الجانبية التنفسية المثبطة بشدّة أكبر في حالات علاج الألم الحاد، وتقل مصادفتها في الحالات التي يُعالَج فيها المريض بالأفيونيات منذ فترة طويلة، ويعود ذلك إلى تطور ظاهرة التحمل لدى هؤلاء في حين يرجع السبب في التثبيط التنفسي في الحالات الحادة إلى ارتفاع تراكيز الأفيونيات في الدم، والذي يمكن أن يكون بسبب استعمال جرعات عالية استعمالاً غير مناسب لوضع المريض وحالته الصحية (يختلف تأثير الجرعة نفسها عند استعمالها لدى شاب عن تأثيرها عند إعطائها لمريضٍ مسنٍ أو مصابٍ بصدمة ناقصة الحجم بسبب الرض) كما يمكن أن يكون ارتفاع التراكيز المصلية بسبب عدم قدرة المريض على طرح الدواء بصورة فعالة (مريض قصور الكلية)، ومثل هذا الاحتمال يستوجب الانتباه إليه في حال ظهرت مؤشرات تثبيط تنفسي وتركين شديدين لدى مريض يُعالَج بالأفيونيات منذ فترة طويلة حيث قد يكون التفسير أنه أصيب بقصور كلوي حاد أدى إلى زيادة حادة في تراكيز الدواء الأفيوني في المصل. وتكثر مصادفة الغثيان والقياء لدى المرضى المعالجين بالأفيونيات بسبب تطور ألم حاد لديهم، ويُعتقَد أن السبب هو التأثير المحفز للمستقبلات الأفيونية الموجودة ضمن المراكز البصلية المتحسسة للتبدلات الكيميائية وعلى نحو أكثر تحديداً ضمن منطقة الزناد Trigger zone لهذه المستقبلات الكيميائية، ولكن هذا لا يمنع وجود تأثير مشارك للأفيونيات في السبيل الهضمي وفي الجهاز الدهليزي يساهم في ظهور الغثيان، وغالباً ما تُوصَف الأدوية المضادة للإقياء في نفس الوقت مع الأدوية الأفيونية للوقاية من حدوث غثيان شديد مزعج.

ويحدث نتيجة لإعطاء الأدوية المورفينية بالجرعات العلاجية التقليدية تقبض حدقة ثنائي الجانب معتدل القياس ناجم عن التأثير المحفز للأفيونيات على الأعصاب نظيرة الودية المعصبة للحدقة، ويشير حدوث تضيق شديد دبوسي للحدقتين pin-point pupils إلى الانسمام الحاد بالأفيونيات؛ ومن ثم يوجه نحو السبب المحتمل للسبات.

٢– التأثيرات في الجهاز القلبي الوعائي: تؤدي الأفيونيات إلى توسع وعائي محيطي، وتثبط المنعكسات الوعائية الودية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى هبوط ضغط انتصابي؛ ولكنه نادراً ما يكون من الشدة بحيث يستوجب إيقاف الدواء، ويتراجع مثل هذا التأثير مع الاستمرار في العلاج لفترة طويلة، ويُكتفَى عادة بلفت انتباه المريض إلى مثل هذا الاحتمال وتجنب الوقوف السريع؛ كيلا يحدث غشي. ويمكن لإعطاء الأدوية الأفيونية بالطريق الوريدي للمرضى المصابين بنقص الحجم أو الذين لديهم قصور عضلة قلبية أو ضعف الاحتياطي القلبي أن يتسبب في حالة هبوط شديد في الضغط الشرياني؛ ولكن هذا لا يمنع أن التسريب الوريدي المدروس للمورفين سواء من حيث الجرعة أم سرعة الإعطاء يفيد المريض المصاب باحتشاء عضلة قلبية وقصور حاد في وظائف البطين الأيسر؛ لأن المورفين يخفف من الفعالية الودية التي تظهر كارتكاس للألم وللقلق، ويخفف أيضاً من الحمل القبلي Preload من خلال إحداثه للتوسع الوريدي، وهذا يخفف من الجهد المطلوب من العضلة القلبية، ويساهم في حماية المريض من تفاقم الحالة؛ إضافة إلى تخفيف ألم الاحتشاء.

٣ - التأثيرات في السبيل الهضمي المعدي المعوي: يؤدي إعطاء الأدوية الأفيونية إلى زيادة توتر العضلات الملساء Muscle tone على طول السبيل الهضمي المعدي المعوي ، ويؤدي نقص الحركات الحوية وتباطؤ الإفراغ المعدي إلى حدوث الإمساك الذي يزيد من شدته الامتصاص الأشد للماء من بطانة الأمعاء خلال المكوث الطويل الأمد للغائط، ومثل هذا التأثير قد يكون مفيداً في حالات الإسهال. ويُعدّ الإمساك من المضاعفات الشائعة عند العلاج المديد الملطف (في الخباثات خاصة)، ويمكن تدبيره بشرب كمية أكبر من الماء والسوائل وإضافة الألياف إلى الوجبات الطعامية (أكثر من ١٠ غرام في اليوم) إلا في حال وجود انسداد أمعاء؛ وبوصف أدوية ملينة للبراز مثل دوكوسات الصوديوم Docusate ١٠٠ ملغ مرتين أو ثلاث مرات في اليوم مع إمكان إضافة مواد مُسهِلة من النوع المحرض للحركات الحوية مثل السنامكي Senna أو حبوب بيساكوديل bisacodyl (Dulcolax ) أو تحاميلها مع البدء بجرعات خفيفة وزيادة تدريجية عند الضرورة. وفي حالات الإمساك الشديد والمعند من الممكن اللجوء إلى مُسهلات تناضحية Osmotic laxative مثل ستيرات المغنيزيوم تُعطَى مرّة كل يومين أو ثلاثة أو إلى إعطاء اللاكتولوز يومياً بحدود ١٥ مل كل ١٢ ساعة، وفي حال عدم التحسن من الممكن اللجوء إلى ميثيلنالتركسون Methylnaltrexone (Relistor )، وهو دواء ضاد لمستقبلات ميو الأفيونية، وشكله الرباعي لا يسمح له بعبور الحاجز الوعائي الدماغي؛ ومن ثم لا يعاكس التأثير المضاد للألم للدواء الأفيوني المسبب للإمساك، ويُعطى هذا الدواء حقناً تحت الجلد مرّة كل يومين، وذلك تحت إشراف طبيب خبير باستعماله.

يمكن للأفيونيات أن تسبب تشنج مصرة أودي؛ مما يرفع الضغوط ضمن القنوات الصفراوية كما أن بعض المرضى قد يشكو ألم بطن تشنجياً قولنجيّاً، ويتحسن المريض بإعطاء حقنة صغيرة من النالوكسون؛ مما يساعد أيضاً على تشخيص سبب الألم القولنجي. كان الميبيريدين Meperidine (Pethidine ) يُستعمَل في علاج آلام التهاب المرارة بسبب الاعتقاد أنه يسبب تشنجاً أقل حدة في مصرة أودي، وكان الاعتقاد لسنوات أنه الدواء المختار لعلاج الآلام المعثكلية وآلام الطرق الصفراوية؛ ولكن تبين أنه عند استعمال الجرعات الفعالة العليا الضرورية لتخفيف الألم سوف يكون تأثيره في مصرة أودي مشابهاً لتأثير بقية الأدوية المورفينية.

٤- التأثير في السبيل البولي التناسلي: تسبب الأفيونيات تقلصات في الحالب غالباً ما تكون غير ذات قيمة سريرياً؛ ولكن في بعض الحالات قد يعاني المريض احتباساً بولياً حادّاً ينجم عن ازدياد مقوية عضلة النافصة المثانية Detrusor المتشارك مع تشنج المصرة الخارجية للإحليل وتثبيط منعكس الإفراغ المثاني.

٥- تأثيرات أخرى: من التأثيرات التي يمكن أن تُصادَف بعد إعطاء الأدوية الأفيونية ظهور هبات ساخنة مع احمرار في الوجه والعنق والصدر Flushing، ويعود السبب إلى توسع الأوعية الجلدية، ويغلب أن يكون أحد الأسباب إطلاق الهيستامين. ومن الممكن أيضاً أن يعاني المريض المعالج بالأفيونيات بالحقن حول الجافية أو ضمن القراب السحائي Intrathecal حكة سببها على الأغلب تحفيز المستقبلات الأفيونية؛ ذلك لأنها تتراجع عند إعطاء النالوكسون.

حراك الأدوية الأفيونية: تختلف حالة التوفر الحيوي للأدوية الأفيونية عند تناولها عبر الفم بين مستحضر ومستحضر دوائي آخر؛ ولكن التوفر يبقى عموماً ضعيفاً (٢٠-٣٠٪ لغالبية الأدوية) فيما عدا الميثادون والترامادول اللذين يصل توفرهما الحيوي إلى ٨٠٪ والجدول (٢) يوضح هذه النسب لأشيع الأدوية استعمالاً.

الجدول (٢) التوفر الحيوي التقريبي لأشيع الأدوية الأفيونية وأهمها.

الدواء الأفيوني

نسبة التوفر الحيوي التقريبي بعد تناول الدواء عبر الفم

هيدرومورفون Hydromorphone

٢٠٪

مورفين Morphine

٢٠٪

ديامورفينDiamorphine

٣٠٪

ميبيريدين Meperidine

٣٠٪

كودئين Codeine

٦٠٪

أوكسي كودون Oxycodone

٦٠٪

ليفورفانول Levorphanol

٧٠٪

ترامادول Tramadol

٨٠٪

ميتادون Methadone

٨٠٪

لمعظم الأفيونيات حجم توزع واسع، وتتساوى من حيث نصف العمر فيما عدا alfentanil وremifentanil اللذين لهما نصف عمر قصير نسبياً. والميثادون به تصفية منخفضة مع حجم توزع واسع؛ مما يمنحه نصف عمر طويلاً جداً، ويمكن أن يتعرّض المريض الذي يتناول الميثادون لسمية متأخرة؛ لأن الوصول إلى استقرار حالة الثبات في المصل “plateau” يتطلب عادة ٤ – ٥ مرات مدة نصف العمر الطويل أصلاً، ويصل الأمر إلى عدة أيام للوصول إلى حالة استقرار الثبات. وتتعلق مدة التأثير المسكن للألم للدواء بنصف عمره إلا إذا كان لهذا الدواء مستقلب فعال (المورفين) أو في الحالات التي يكون فيها للدواء قوة انجذاب (ألفة) قوي مع المستقبلات الأفيونية (بوبرينورفين Buprenorphine). وأخيراً لا بد من الأخذ في الحسبان وجود فروقات فردية في الحركية الدوائية تختلف من شخص إلى آخر، فمثلاً تزداد الحساسية للدواء لدى الوليد ولدى المسن. وكل هذه المعطيات مقرونة بالنافذة العلاجية الضيقة تجعل من الضروري مراقبة تأثيرات كل دواء على كل مريض وإجراء المعايرات المصلية عند الضرورة، وفي الحالات التي يكون فيها المريض لم يتعرض سابقاً للأفيونيات، ويراجع بألم حاد يتطلب اللجوء إليها تصبح المراقبات الروتينية المتكررة للتأثير المضاد للألم وللتركين وللنظم التنفسي والأكسجة وأرقام الضغط الشرياني ضرورية لتعديل الجرعات.

طرق إعطاء الأدوية المورفينية: يُفضَّل إعطاء الأدوية عبر الفم؛ لكون هذا الطريق أسهل وأبسط (لا يتطلب أجهزة لتمريره)، ولا يتضمن أي رضوض وميسوراً نسبياً، وهو يتطلب مراقبة طبية بسيطة، ولكن النقاط السلبية للطريق الفموي تتعلق بتأخر ظهور فعاليته - وهو أمر غير محبذ في حالات الألم الشديد الحاد- وفي عدم مناسبته للأشخاص الذين يعانون إقياءات أو عسر بلع أو سوء امتصاص أو انسداداً في السبيل المعدي المعوي أو في حالات الصدمة الرضية التي تُصحَب بتأخر في إفراغ المعدة، وفي مثل هذه الحالات يُفضَّل اللجوء إلى إعطاء الأفيونيات بطريق الحقن، وهنا يُفضَّل اللجوء إلى الحقن عبر الوريد، وليس الحقن العضلي؛ لضرورة تكرار الحقن الدفعية boluses ولأن الحقن الوريدية أقل إيلاماً ولأن الحقن العضلية والحقن تحت الجلد تتضمن خطورة في الحالات التي تحدث فيها تقبضات وعائية (مثال المريض الذي يعاني رضوضاً حادة)؛ لأن امتصاص الدواء يكون محدوداً في البدء، ولكن مع عودة الصبيب الدموي المحيطي إلى طبيعته بعد إنعاش المريض تحدث حالة امتصاص كتلي ووصول الدواء بكميات كبيرة إلى الجهاز العصبي المركزي. وفي الحالات التي يُشك فيها بإمكان حدوث تأثير سمي مرتبط بإعطاء الدواء المتكرر بصورة دفعات «bolus effect» عند وصول التراكيز الدوائية المصلية إلى ذروتها وكذلك في الحالات التي يعود فيها الألم إلى الظهور عند انخفاض التراكيز الدوائية يُفضَّل اللجوء إلى تسريب الدواء المنتظم المستمر بالطريق الوريدي أو تحت الجلد. يُلجأ حالياً إلى أجهزة تضمن إعطاء جرعة إضافية من الدواء تُضاف إلى الجرعة التي تُمرر بصورة تسريب، وتُحدَّد الحاجة إلى هذه الجرعة الإضافية من قبل المريض نفسه الذي يتحكم بتواتر إعطاء هذه الجرعات الإضافية المحددة مسبقاً، وتُسمى هذه الطريقة PCAS؛ أي نظام تسكين الألم الذي يتحكم به المريض. وقد أثبتت التجارب أنه فعال وآمن ويمكن استعماله في المشفى وكذلك في المنزل بعد شرح الطريقة المناسبة للمريض ومضار زيادة الجرعات؛ ولكن تبقى هذه الطريقة غير مستطبة لدى الأشخاص الذين يعانون التركين الزائد ولدى المصابين بالتخليط الذهني والذين لا يمكن الاعتماد على تعاونهم.

يحتاج تمرير الأدوية الأفيونية في المسافات حول الجافية ضمن القراب السحائي إلى خبرة خاصة، ولهذه الطريقة فوائد كثيرة، أهمها أنه بالإمكان الوصول إلى تسكين ممتاز للألم من خلال إعطاء جرعات خفيفة نسبياً؛ وذلك لكون القرن الخلفي للنخاع الشوكي غنياً بالمستقبلات الأفيونية؛ ومن ثم تصبح التأثيرات الثانوية الجهازية أقل بكثير، ولكن في الحالات التي يتسرب فيها الدواء باتجاه الأعلى يمكن أن يعاني المريض تثبيطاً تنفسياً في فترة تمرير الجرعة؛ مما يستوجب الحذر والخبرة. هذه الطريقة مكلفة وتتطلب الخبرة من قبل الطبيب المخدر أو المختص بعلاج الألم وكذلك الفريق الطبي الذي سوف يضمن المراقبة والمتابعة؛ مما يحد من استخدامها استخداماً واسعاً. وأخيراً يمكن اللجوء إلى إعطاء المورفين بالحقن ضمن البطينات الدماغية في بعض الحالات الخاصة من الألم المعند المصادف في خباثات الرأس والعنق وفي الأورام التي تجتاح الضفيرة العضدية (كارسينوما الثدي أو أورام الثلم العلوي وقمة الرئة).

علم العقاقير الخاص بالأدوية الأفيونية الفردية:

أولاً- الأدوية الشادة للمستقبلات الأفيونية Opioid agonist drugs:

١- المورفين: ما يزال المورفين الأشيع استعمالاً من بين الأدوية الأفيونية لعلاج الألم الشديد، وهو الدواء المرجعي الذي تُقارن تأثيرات بقية الأدوية المسكنة بتأثيراته. ويمكن إعطاء المورفين عبر الفم أو حقناً عضلياً أو وريدياً كما يمكن إعطاؤه عبر الشرج أو حقناً في الحيّز فوق الجافية أو في السائل الدماغي الشوكي. وبخلاف أغلب الأدوية الأفيونية فإن المورفين ينحل بالماء، ويُستقلَب في الكبد (بآلية الاقتران)، ونصف عمره قصير من ساعتين إلى أربع ساعات؛ مما يجعل فترة التسكين الفعال تراوح بين ثلاث ساعات وست، وهي تختلف من مريض إلى آخر وبحسب طريقة تحضير الدواء والسبيل الذي أعطِي عبره. ويتميز المورفين بأن أحد أهم مستقلباته - وهو المورفين -٦- غلوكورونيد M6G- له تأثير شاد لمستقبلات ميو وكذلك للمستقبلات الخاصة به M6G receptor، وهو أقوى تأثيراً من المورفين نفسه، ويُطرَح في البول. وفي الحالات التي يعاني فيها المريض القصور الكلوي فإن تراكم الدواء سوف ترافقه مع زيادة في شدة تأثيراته ومدتها؛ ومن ثمّ ومع تكرار إعطاء المورفين فإن M6G سوف يكون هو المسؤول عن نسبة كبيرة من النشاط والتأثيرات الدوائية.

٢- الديامورفين: هو الهيروئين، وهو مشتق من المورفين (٣،٦ دي أستيل مورفين) وهو دواء نصف صنعي أُنتج لأول مرّة عام ١٨٧٤ في مشفى سانت ماري في لندن، ويُعدّ تصنيع الديامورفين أو الهيروئين – حتى لو بهدف الاستعمال الطبي - غير شرعي في جميع بلدان العالم فيما عدا إنكلترا. وليس للديامورفين تأثير مباشر في المستقبلات ميو، ولكنه يتحول إلى المورفين وإلى «٦ مونو أستيل مورفين (وهو مستقلب لكلا الدواءين) خلال دقائق من إعطائه، وغالبية تأثيرات الديامورفين تعود إلى تأثيرات المورفين و٦ مونو أستيل مورفين» 6-Mono Acetylmorphine في المستقبلات ميو وبدرجة أقل في المستقبلات كابا. وللديامورفين نصف عمر يعادل ثلاث دقائق عند تمريره بطريق الحقن، أما عند تناوله عن طريق الفم؛ فإنه يخضع لعملية استقلاب كاملة منذ المرور الأول؛ ومن ثمّ لا يصل إلى الدوران الجهازي إلا المورفين والمستقلبات الأخرى للديامورفين، ولهذا السبب يُعدّ الديامورفين عبر الفم طليعة دواء prodrug، وفي الواقع لا فوارق ملموسة في الحركية الدوائية وفي التأثيرات بين الديامورفين والمورفين عند إعطائهما لعلاج الألم الحاد، وذلك على الرغم من الاعتقاد الشائع أن الديامورفين له تأثير مبهج أشد وتأثير أضعف محرض للغثيان وللإقياء؛ لكونه قابلاً للانحلال في الدهون، وبسبب تأثيره القوي المسكن للألم فإنه من المستطب إعطاء الدواء بالتسريب المستمر تحت الجلد عبر المضخة، وذلك للتحكم بالآلام الشديدة المرافقة لبعض الخباثات (علاج ملطف) والتي لم يعد بالإمكان تدبيرها بالطرق البسيطة عبر الفم أو عبر الشرج., يُستطَبّ إعطاء الديامورفين في حالات الألم الشديد التالي للجراحة وفي بعض حالات احتشاء العضلة القلبية؛ ولكنه لم يحصل على الموافقة على الاستعمال في الولايات المتحدة بسبب قابليته الشديدة لإحداث الإدمان.

٣- الكودئين: يمكن الحصول على الكودئين بوساطة عملية إضافة ميثيل إلى المورفين، وهو موجود في الطبيعة. يتمتع الكودئين درجة منخفضة الألفة للمستقبلات الأفيونية؛ ومن ثمّ فإن تأثيراته المضادة للألم تنجم عن استقلاب جزء منه إلى المورفين (لا يتجاوز ١٠٪) والإنزيم المتعدد الأشكال CYP2D6 هو المسؤول عن هذا الاستقلاب، وهو قد لا يكون موجوداً لدى بعض الأشخاص (تقريباً ٧٪ من الأشخاص)؛ مما يفسر ضعف التأثير المضاد للألم أو غيابه لديهم. عموماً يُعدّ الكودئين عندما يُعطَى وحده ضعيف الفعالية؛ ولكنه يصبح من مسكنات الألم الخفيف أو المتوسط الشدة عند إشراكه مع الأسيتامينوفين. ويفيد الكودئين في تدبير بعض حالات السعال الحاد وبعض حالات الإسهال التي تتطلب علاجاً قصير الأمد؛ ذلك أن استعماله لفترات طويلة يرافقه حدوث الإمساك المزمن وخاصة في الحالات التي تتجاوز فيها الجرعة اليومية ٣٠ ملغ كل ٦ ساعات.

٤- دي هيدرو كودئين: له تأثيرات مشابهة للكودئين سواء من حيث تأثيره الخفيف المضاد للألم أم من حيث تأثيره الأقوى نسبياً عند مشاركته مع الأسيتامينوفين. وتُعزى تأثيراته المضادة للألم جزئياً إلى مستقلباته الفعالة وكذلك إلى تأثيره الخاص المضاد للألم؛ مما يجعله أقوى فعالية ًعلى الألم من الكودئين ويُستطَب في علاج الألم المتوسط الشدة والألم المزمن.

٥- أوكسي كودون: هو دواء أفيوني نصف صنعي استعمل لأول مرة في عام ،١٩١٧ وتأثيره المضاد للألم يعادل ضعف تأثير المورفين. ويوصف الأوكسي كودون (مضغوطات تحرير مضبوط CR) حالياً لعلاج الألم المرافق للخباثات والألم المزمن غير المرافق للخباثة، في حين يوصف الشراب والأقراص ذات التحرر الفوري في علاج الألم الحاد وفي حالات عودة ظهور الألم بصورة حادة في أثناء فترات الضبط المديد للألم. ويمكن إعطاء الأوكسي كودون بطريق الحقن في الحالات التي لا يمكن فيها إعطاء الدواء عبر الفم. إضافة إلى كونه أقوى من المورفين للأوكسي كودون خواص حركية دوائية أفضل منه حيث إن توفره الحيوي عند تناوله عبر الفم والذي يعادل ٨٠٪ أكبر بكثير من توفر المورفين، وهذا يسمح بالحد من الفوارق في التراكيز المصلية بعد تناول الدواء عبر الفم من شخص لآخر. وللدواء تأثيرات جانبية مشابهة لتأثيرات المورفين مع تأثيرات نفسية وتأثيرات دماغية أخف نسبياً. ولقد رُكِّب دواء يتضمن الأوكسي كودون المُشرك مع النالوكسون اسمه تارغيناكت Targinact يُتناول عبر الفم بجرعة ثابتة، ويفيد لدى الأشخاص الذين يستفيدون من العلاج بالأفيونيات؛ ولكن مع إمساك شديد يمنعهم من متابعة العلاج حيث تبين أن إضافة النالوكسون - وهو مناهض تنافسي على مستوى المستقبلات الأفيونية - يمارس تأثيراً معاكساً لتأثير الأوكسي كودون في المستقبلات المعوية؛ مما يخفف من الإمساك. ولأن التوفر الحيوي للنالوكسون ضعيف عند تناوله عبر الفم (٣٪ فقط)؛ فإن تأثيراته سوف تبقى محصورة في مستوى الجهاز الهضمي، ولا تعاكس تأثيرات الأوكسي كودون المضادة للألم. الجرعة القصوى التي يوصى باستخدامها من دواء تارغيناكت هي ٨٠ ملغ أوكسي كودون هيدروكلورايد و٤٠ ملغ نالوكسون هيدروكلورايد تُعطَى بشكل مضغوطة مديدة التأثير (٤٠ ملغ أوكسي كودون + ٢٠ ملغ نالوكسون) مرة كل ١٢ ساعة.

٦- هيدرومورفون Hydromorphone (Dilaudid  ): هو دواء أفيوني نصف صنعي استُخدم على نحو رئيسي في علاج حالات الألم المرتبط بالخباثات، ومن الممكن إعطاء الدواء عبر الفم أو عبر الشرج أو بوساطة الحقن الوريدي. ويعد التأثير المسكن للألم للهيدرومورفون أقوى من المورفين بخمسة أضعاف عند إعطاء الدواء عبر الفم وبثمانية أضعاف إلى تسعة عند إعطائه بالطريق الوريدي مع مدة تأثير معادلة للمورفين. ويستقلب الدواء في الكبد، وبخلاف المورفين فإن المستقلب الرئيسي هو هيدرومورفون ٣ غلوكورونيد (وليس ٦ غلوكورونيد) وبعض المستقلبات فعالة؛ ولكنها موجودة بكميات محدودة جداً لا قيمة سريرية لها إلا في حالة القصور الكلوي الذي قد يؤدي إلى تراكمها ومن ثم ظهور فعاليتها.

٧- ميثادون Methadone: الميثادون (Dolophine ) هو دواء صنعي يستعمل بصورة شائعة كدواء صيانة لدى المدمنين على الأفيونيات ضمن خطة فصام تدريجي مضبوط؛ ذلك أنه يقلل من أعراض الانسحاب لدى الأشخاص المدمنين على الهيرويين أو المخدرات الأخرى دون التسبب بالشعور المرتبط بإدمان المخدرات. وأصبح الدواء يستعمل حالياً بصورة واسعة في علاج الألم لدى مرضى السرطان والألم المزمن غير المرتبط بالخباثة. ويمتص الدواء بسرعة عند تناوله عبر الفم كما يستقلب على نحو كبير ولكن ببطء إلى عدة مستقلبات تطرح في البول. الميزة الرئيسية للميثادون هي تأثيره الطويل الأمد الناجم عن استقلابه البطيء وارتباطه العالي النسبة بالبروتينات؛ مما يجعل نصف عمره نحو ٢٠– ٤٥ ساعة، ولا يصل الدواء إلى حالة الثبات في التراكيز المصلية إلا بعد عدة أيام، ويوصى بإجراء تعديل الجرعات بصورة بطيئة وحذرة. ويُعدّ نصف العمر الطويل مفيداً في التدبير الخاص بمخطط الانسحاب التدريجي للأفيونيات كما يفيد في علاج الألم المزمن؛ ولكنه غير مفيد في حالات الألم الحاد؛ ومن ثم فإن ظهور ألم عابر خلال مراحل علاج الألم المزمن بالميثادون لا يفترض معه زيادة جرعة هذا الدواء، بل اللجوء إلى أدوية أفيونية ذات نصف عمر قصير يفيد في كبح هذا الألم الحاد قصير المدة وتثبيطه. وللميثادون تأثيرات جانبية مشابهة لتأثيرات الأفيونيات ولا يستطب وصفه للمرضى الذين يعانون ربواً أو قصوراً تنفسياً أو داء انسدادياً معوياً كما أنه قد يسبب اضطرابات في النظم القلبي ويوصى باستعماله بحذر لدى المرضى الذين يعانون تطاول QT.

٨- بوبرينورفينbuprenorphine : هو دواء نصف صنعي له خواص مضادة للألم؛ ولكنه يستخدم خاصة للتخفيف من الأعراض الانسحابية للأفيونيات؛ لكونه يعمل كمناهض لهذه المستقبلات في الدماغ، ويؤخر ظهور أعراض انسحاب المواد الأفيونية، ويخفف من الرغبة الشديدة في العودة تعاطي المخدرات القوية مثل الهيروئين، وقد لجأ كثير من مراكز علاج الإدمان إلى استخدام هذا الدواء في حالات الإدمان؛ مما دفع منظمة الصحة العالمية لإجازة استخدامه في حالات الإدمان على الأفيون والهيروئين. ويمكن أن يُعطَى تحت اللسان، وهناك شكل يمكن استخدامه للحقن العضلي أو الوريدي.

ملاحظة تتعلق بالفارق بين الميثادون والبوبرينورفين: يتميز الميثادون بطول فترة عمره النصفي؛ لذا يمكن تناول الجرعة مرة واحدة في اليوم أو مرة كل يومين، كما أنه يمنع احتياج المريض لتناول المخدر، ويزيل معظم أعراض انسحاب المخدر كالهياج والرعشة، ولكن هناك مشكلة في تعاطي هذا العقار تتمثل بأنه بعد تناوله لفترة ثم عند العدول عنه قد تظهر أعراض انسحاب؛ لذا يحتاج الدواء إلى مخطط خفض تدريجي بطيء نسبياً في جرعته حتى يتجنب الفرد حدة أعراض الانسحاب، كذلك فإن تعاطي جرعات زائدة منه يؤدي إلى حدوث هبوط وظائف التنفس. أما البوبرينورفين فقد  أظهرت الدراسات أنه بديل أكثر أماناً من عقار الميثادون فيما يتعلق بخطر هبوط وظائف التنفس، وتلك الميزة في هذا العقار تأتي بسبب طبيعته كمحاكٍ ومضاد مزدوج لمستقبلات الأفيونات في جسم الإنسان، وأيضاً فترة عمر نصف البوبرينورفين  طويلة  أكثر من الميثادون، فقد تراوح بين  ٢٤ حتى ٦٠ ساعة؛ مما يسمح بتناول الجرعة على أساس مرة يومياً أو كل يومين أو أكثر، غير أنه توجد من البوبرينورفين صور دوائية مذهلة وآمنة إلى حد كبير، وهى تعمل كلصقات على الجلد لعلاج الآلام المزمنة كالآلام الناجمة عن مرض السرطان.

٩- فنتانيل Fentanyl: هو أحد أوائل الأدوية الأفيونية ذات نصف العمر القصير التي استخدمت في التخدير، ويعد أقوى تأثيراً بمئة مرة من المورفين؛ يستقلب كبدياً، ومستقلباته غير فعالة. وعند استعمال الجرعات الصغيرة من الدواء يُلاحَظ أن فترة التأثير قصيرة نسبياً، ويعود السبب في ذلك إلى التوزع الواسع للدواء، ولكن تبقى مدة تأثيره طويلة نسبياً مع نصف عمر انتهائي يراوح بين ساعة ونصف وحتى ٦ ساعات ولكن بالجرعات العالية يحدث إشباع مواقع الارتباط في الأنسجة؛ مما يؤدي إلى تطاول كبير في مدة التأثير. للفنتانيل خاصية الانحلال بالدهون والمقرونة بنصف العمر الطويل تسمح باستعماله بشكل لصاقات تمرر الدواء عبر الجلد، وتُستعمَل لعلاج الألم المزمن لدى الأشخاص المتوقع أن يعانوا الألم بصورة متكررة كثيراً أو مستمرة سواء أكان الألم المزمن مرتبطاً أم غير مرتبط بالخباثة. ويمنح الفنتانيل الذي يُمتص عبر مخاطية الفم أو تحت اللسان طريقة فريدة لعلاج حالات الألم الحاد حيث إن مدة بداية التأثير قصيرة تراوح بين ٥ و١٥ دقيقة مع الوصول إلى ذروة التراكيز المصلية بعدد ٢٢ دقيقة من إعطاء الدواء مع توفر حيوي بحدود ٥٠٪.

١٠- الألفينتانيل Alfentanil (Rapifen ): هو أقل فعالية ونصف عمره أقصر من الفنتانيل، وانحلاله في الدهون أقل؛ ولكنه أسرع تأثيراً من الفنتانيل، ويعود ذلك إلى أن نسبة كبيرة من الدواء غير المرتبط تكون غير متشردة unionized وقابلة للانتشار بحرية عبر الحاجز الوعائي الدماغي؛ مما يفسر التأثير السريع في الدماغ.

١١- ريميفنتانيل Remifentanil (Ultiva ): هو شاد (ناهض) لمستقبلات ميو الأفيونية مع تأثير مسكن للألم معادل لتأثير الفنتانيل وسرعة تأثير مساوية للألفنتانيل؛ يُعطى الدواء بشكل تسريب وريدي، ونصف عمره قصير جداً بحدود ٥ دقائق، وهو لا يتأثر في حال وجود اضطراب في وظائف الكبد أو الكلية أو في حال وجود عوز في الكولينستراز. وما يميز هذا الدواء هو أن نصف عمره المصلي يبقى ثابتاً حتى بعد التسريب المستمر لمدة طويلة؛ وهو ما يفسر أنه الدواء المفضل لتخدير المرضى الذين من المحبذ استعادتهم لوعيهم بسرعة كما في التداخلات الجراحية على الدماغ حيث يرافق إبطاء التسريب وتخفيض الجرعة عودة سريعة إلى الوعي.

١٢- بابافيريتوم Papaveretum أو (Omnopon Pantopan) هو مزيج من أملاح الهيدروكلورايد لعدة أفيونيات قلوية يشكل المورفين القسم الأكبر منها (أكثر من ٥٠٪) إضافة إلى الكودئين والبابافيرين (حوالي ٥٪ لكل منهما) تراجع استخدامه حالياً إلا أنه ما يزال يُستخدم لتخفيف الألم المعتدل إلى الشديد وللتخدير قبل الجراحة. وفي الظروف السريرية عادة ما يعطى الدواء للمرضى عبر الحقن (تحت الجلد أو في العضل أو في الوريد).

ثانياً- الأدوية المسكنة ذات التأثير الشاد الجزئي للمستقبلات الأفيونية:

١- بوبرينورفين Buprenorphine: فعالية هذا الدواء أقوى بثلاثين مرة من المورفين، وله ألفة عالية وشديدة؛ مما يعني أنه يفترق عن المستقبل ببطء شديد؛ ومن ثم فإن ذروة تأثيره تحدث بعد ٢–٣ ساعات من إعطاء الدواء، وتمتد فترة التأثير حتى عشر ساعات. وفي حال تناوله عبر الفم يخضع الدواء لاستقلاب واسع عند المرور الأول؛ ومن ثم يوصى بإعطائه تحت اللسان (يُمتص عبر المخاطية) أو بطريق الحقن العضلي أو بالطريق الوريدي البطيء كما أن نصف عمره الطويل وقابليته للانحلال في الدهون تسمح باستعماله بشكل لصاقة تمرر الدواء عبر الجلد. وتكمن أهمية هذا الدواء في كونه قليل الإحداث لظاهرة الاعتياد والإدمان؛ مما دفع إلى استعماله في حالات الانسحاب من الإدمان على الأفيونيات وفي علاج حالات الألم المزمن غير المرتبط بالخباثة.

٢- ميبتازينول Meptazinol: هو دواء شاد جزئي للمستقبلات الأفيونية عالي الفعالية، وله فعالية كولينرجية مركزية تساهم في دعم تأثيره المضاد للألم. يستطب في علاج حالات الألم الحاد أو المزمن المتوسط الشدة حيث إن توفره الحيوي بعد تناول الدواء عبر الفم وتأثيره الشاد جزئياً يجعلان منه غير مستطب لعلاج الألم الشديد. ويُعتقد أن قابليته لإحداث التخليط الذهني أو الاعتياد محدودة.

ثالثاً- الأدوية المسكنة ذات التأثير المختلط «شاد – ضاد» (مناهض) في المستقبلات الأفيونية: تتضمن هذه الفئة من الأدوية البنتازوسين Pentazocine وبوتورفانول butorphanol ونالبوفينnalbuphine وتمارس هذه الأدوية تأثيراتها كشادة جزئية لمستقبلات كابا ضادة ضعيفة لمستقبلات ميو وكنتيجة لذلك يمكن أن تسبب أعراض انسحاب لدى المرضى المدمنين على أدوية أفيونية أخرى، هذه الأدوية ليس لها قوة التأثير المضاد للألم الذي تضمنه الأدوية الأفيونية الشادة الصرفة نفسها لمستقبلات ميو؛ لكنها بالمقابل تسبب إدماناً أقل مقارنةً بالمورفين كما أنها تسبب أعراضاً نفسية مشابهة للأعراض الذهانية psychotomimetic (بوساطة تأثيرها في المستقبلات كابا) وتأثيراً مركناً ومثبطاً للوظائف التنفسية أقل. توصف هذه الأدوية لعلاج الألم المتوسط الشدة أو الشديد؛ ولكن الاضطرابات النفسية وخاصة الشعور بخلل في الأحاسيس والانزعاج dysphoria تحد من استعمالها.

تأثير البنتازوسين المسكن للألم يعادل ١/٦ من تأثير المورفين في حين أن النالبوفين له تأثير أقوى خمسة أضعاف تأثير المورفين إلى تسعة. وتتضمن التأثيرات الجانبية الغثيان والإقياء واضطراب التوازن والتعرق وفرط الضغط الشرياني والخفقان وتسرع النبض وأعراض تعكس اضطراب الوظائف الدماغية مثل الشعور بالنشوة والانزعاج والأعراض المشابهة للأعراض الذهانية (مثل الأوهام والهذيان). وللبنتازوسين تأثيرات في القلب والجهاز القلبي الوعائي، فهو يزيد من الضغط الشرياني الانقباضي والضغط الرئوي، ولا بد من تجنب استخدامه في احتشاء العضلة القلبية.

رابعاً– الأدوية الأفيونية التي تمارس تأثيرها على أجهزة أخرى:

١- ميبيريدين Meperidine (بيثيدين Pethidine): الميبيريدين هو شاد أولي لمستقبلات ميو، وعلى الرغم من عدم التشابه البنيوي مع المورفين؛ فإن الميبيريدين يشارك المورفين في كثير من الخواص، ومن ذلك التأثير الضاد للنالوكسون. ويستقلب الدواء استقلاباً واسعاً في الكبد، ويُطرح هو ومستقلباته في البول. ويمكن للدواء أن يسبب فرط استثارة الجهاز العصبي المركزي وأحياناً نوباً اختلاجية، ويحدث ذلك في حالات فرط الجرعة. وللدواء تأثيرات مشابهة لتأثيرات الأتروبين، وتتظاهر سريرياً بجفاف فم وتشوش رؤية مع احتمال شلل القزحية، والأغلب أن يحدث تقبض حدقة. ويمكن أن يسبب الميبيريدين الشعور بالنشوة ويتسبب في حدوث الاعتماد، يُعد الميبيريدين أضعف من المورفين بنحو ٨-١٠ أضعاف، ويندر استعماله عند توفر الدواء الأفيوني البديل.

٢- ترامادول Tramadol: الترامادول هو مسكن ألم مركزي التأثير مع نشاط ضعيف على مستوى مستقبلات ميو الأفيونية؛ ولكن يقوم الترامادول بتثبيط عودة قنص النورابنفرين، ويزيد من إطلاق جزيئات السيروتونين، ومن المعتقد أن هذه الخواص تفسر بعض تأثيراته المثبطة لناقلية حس الألم. يُعد الترامادول مساوياً من حيث الفعالية للميبيريدين في علاج الألم التالي للجراحة. ويتميز الترامادول بأنه أقل إحداثاً للتثبيط التنفسي وللإمساك مقارنة ببقية الأفيونيات ولكنه يسبب الغثيان واختلال التوازن أكثر وبدرجة أشد.

٣- تابنتادول Tapentadol (Nucynta ): هو مثل الترامادول يمارس تأثيراته المسكنة للألم بتأثير مركزي ونشاط مركز على مستوى مستقبلات ميو؛ ولكنه يختلف عنه بثلاثة فوارق؛ أول هذه الفروق أنه لا يوجد مستقلب فعال للتابنتادول، وثانيها أن تأثيره الشاد لنشاط مستقبلات ميو أقوى بعدة أضعاف من تأثير الترامادول (وهو فارق مهم)، وأخيراً يُعد التابنتادول مثبطاً انتقائياً لعودة قنص النورابنفرين. وقد أظهرت الدراسات السريرية أن التأثيرات الجانبية الهضمية أقل مقارنة بالتأثيرات الجانبية للأفيونيات الأخرى عند استعمال جرعات معادلة التأثير فيما يتعلق بتخفيف الألم (مقارنة مثلاً بالأوكسي كودون أو الترامادول). ويحدث التأثير المضاد للألم خلال نصف ساعة تقريباً من إعطاء الدواء، وهو يستعمل خاصة لعلاج الألم الحاد (عدا الجراحة خاصة).

خامساً- مناهضات الأفيون Opioid antagonists:

مناهضات الأفيون هي الأدوية أو المركبات التي تمارس تأثيراً ضاداً على أحد المستقبلات الأفيونية opioid receptor antagonist، وأهمها النالوكسون.

١- نالوكسون Naloxone (Narcan): هو مضاد تنافسي غير انتقائي على مستوى المستقبلات الأفيونية جميعها (ميو ودلتا وكابا وكذلك مستقبلات النوسيسبتين NOP)؛ يستطب استطباباً رئيسياً لعلاج حالة التثبيط التنفسي الناجم عن جرعة زائدة من المواد الأفيونية ومعاكستها. يمكن أيضاً دمج النالوكسون مع دواء أفيوني آخر في الحبة نفسها للتقليل من خطر إساءة استخدام المواد الأفيونية (الاعتياد ثم الإدمان). وعندما يُعطى من طريق الوريد تبدأ تأثيرات النالوكسون في غضون دقيقتين. أما عندما يُحقن في العضلات؛ فيتأخر ظهور التأثير حتى خمس دقائق. ويمكن أن يعطى الدواء أيضاً بوساطة رشه في أنف الشخص. وتستمر تأثيرات النالوكسون نحو ثلث ساعة إلى نصف ساعة، ونادراً ما تستمر ساعة، ومن ثم قد تكون هناك حاجة إلى جرعات متعددة؛ لأن مدة تأثير معظم المواد الأفيونية أطول من النالوكسون؛ مما يستوجب المراقبة المستمرة للمريض ووضعه التنفسي على مدى ساعات قبل الاطمئنان إلى زوال الخطر. والجرعة الموصى باستعمالها لدى شخص لم يسبق له أن تعاطى الأفيونيات وأصيب بتثبيط تنفسي بسبب جرعة زائدة هي ٠.٤ ملغ تعطى حقناً وريدياً، وتُكرر كل ٢–٣ دقائق حتى ظهور التأثير المرغوب (عودة النظم التنفسي أو الوظائف الدماغية إلى الطبيعي)؛ أما فيما يتعلق بالمرضى المعالجين بالأفيونيات لمدة طويلة فيقتصر استطباب استعمال الدواء على معاكسة التثبيط التنفسي، وفي هذه الأحوال لا بد من تسريب الدواء بحذر أكبر لتجنب ظاهرة الانسحاب المفاجئ (والتي تتضمن الأرق والاستثارة والغثيان والإقياء وتسرع ضربات القلب والتعرق، والجرعة الأولية المنطقية هي ٠٤,٠ (٠.٤ محلولة في ١٠ مل محلولاً ملحياً) تعطى وريدياً، وتُكرّر كل ٢–٣ دقائق حتى تحسن النظم التنفسي مع متابعة مراقبة المريض وتكرار الجرعة مع عودة التثبيط التنفسي.

٢- نالتركسون naltrexone  (Depade / Trexan) : يستطب في علاج حالات الإدمان على الأفيونيات وكذلك الإدمان على الكحول، ويمكن تناوله عبر الفم (٥٠ ملغ في اليوم) أو بوساطة الحقن (Vivitrol هو شكل ذو تأثير مديد، ويعطى حقناً عضلياً ٣٨٠ ملغ مرة في الشهر). وآلية تأثير الدواء مختلفة عن كل من الميثادون والبوبرينورفين اللذين ينشطان المستقبلات الأفيونية في حين أن النالتركسون يرتبط بهذه المستقبلات الأفيونية، ويحصرها؛ مما يفسر أنه يخفف أو يمنع ظهور التأثيرات المثيرة للبهجة والحبور والتأثيرات المهدئة للأدوية الأفيونية مثل الهيروئين والمورفين والكودئين. وهناك من يؤكد أنه يقلل من الرغبة الشديدة في تناول المواد الأفيونية.

اختيار الدواء الأفيوني:

يُختار الدواء الأفيوني الأنسب بناء على عدد من العوامل المختلفة التي تتضمن درجة تسكين الألم التي يضمنها هذا الدواء وتوفره وسعره (الميثادون هو الأرخص)، ويعتمد أيضاً على خبرة الطبيب المعالج في استعمال هذا الدواء أو ذاك وطريقة الإعطاء وسرعة ظهور التأثير ومدة هذا التأثير.

أكثر الأدوية الأفيونية الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة لعلاج الألم الحاد هي الأوكسي كودون Oxycodone والهيدروكودون Hydrocodone وبنسب أقل الكودئين Codeine والترامادول Tramadol.

وكقاعدة عامة وتماشياً مع التوصيات والمبادئ التوجيهية؛ فإنه من الأنسب استخدام أقل جرعة أفيونية توفر السيطرة الكافية على الألم مع أقل درجة ممكنة من التأثيرات الجانبية الضارة؛ ومن ثم فإنه من المناسب البدء بجرعة منخفضة نسبياً عند أخذ القرار باللجوء إلى الأدوية الأفيونية مع زيادة الجرعة تدريجياً حتى الوصول إلى تسكين الألم مع متابعة دقيقة لمدى ملاءمة المواد الأفيونية. ولا بد من الاعتراف بأن كثيراً من العوامل تساهم في تجربة الفرد الشخصية للألم، ولا بد من أخذ جميع هذه العوامل- الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية والروحية والصيدلانية والسلوكية للمريض – في الحسبان، وهي قاعدة يُطلق عليها اسم «التغيير والتبديل أو العلاج المفصل على القياس». وأخيراً، فيما يتعلق بالمرضى الذين يرى الطبيب أن الوقت أصبح مناسباً لإيقاف العلاج لديهم يوصى بالقيام بذلك بصورة تدريجية؛ لأن السحب السريع يمكن أن يكون له عواقب سلبية.

القاعدة الرئيسية المتبعة هي البدء بعلاج الألم الحاد بدواء أفيوني نصف عمره قصير (مثل المورفين أو ديامورفين)، ويصبح من الضروري استبدال دواء نصف عمره طويل وتأثيره مديد بهذا الدواء في الحالات التي يستمر فيها الألم، ويتحول إلى مزمن. يعد من الضروري معرفة الجرعات التي تعطي تأثيرات مسكنة للألم متساوية؛ وذلك عند الرغبة في تغيير دواء ما أو الانتقال إلى طريق إعطاء مختلف لا يوفره الدواء الأول، ويوضح الجدولان (٣) و(٤) الفعالية الكامنة والمعادل المسكن للألم للأدوية الأفيونية.

الجدول (٣) قوة التأثير النسبية للأدوية الأفيونية.

الدواء

نسبة قوة الفعالية بمقارنة تأثير الجرعة الفموية وتأثير الجرعة عبر الحقن

نسبة قوة الفعالية عن طريق الحقن مقارنة بالمورفين *

المورفين

١:٦

١.٠

الكودئين

٢:٣

٠.١

هيدرومورفون

١:٥

٦.٠

ميبيريدين

١:٤

٠.١٥

اوكسي كودون

١:٢

١.٠

ميثادون

١:٢

ملحوظة: يوضح الجدول نسبة قوة الفعالية لدواء أفيوني معين مقارنة بفعالية المورفين في الحالتين الرئيسيتين لإعطاء الدواء؛ الأولى بالطريق الفموي والثانية عند إعطاء الدواء بطريق الحقن. ويُلاحظ من الجدول وجود اختلاف في درجة الفعالية بين الطريقتين حيث يبدو واضحاً أن الفعالية أقوى بأضعاف عند إعطاء الدواء حقناً كمثال فإن الهيدرمورفون هو أقوى بستة أضعاف من جرعة معادلة من المورفين، وفعاليته المسكنة للألم أقوى بخمسة أضعاف عند إعطاء الدواء بطريق الحقن مقارنة بإعطائه بالطريق الفموي.

وتختلف قوة تسكين الألم من دواء أفيوني إلى دواء أفيوني آخر ومن المفيد المقارنة بدواء مرجعي، وقد اعتُمد المورفين على أنه الدواء المرجعي الأنسب؛ ومن ثم لا بد عند وصف دواء أفيوني من معرفة شدة تـأثير جرعة وحيدة من هذا الدواء وماذا يقابلها من جرعة المورفين التي تعطي التأثير المسكن للألم نفسه؛ وهو ما يسمى المعادل التسكيني للألم. والجدول (٤) يوضح أهم المعلومات المتعلقة بالمعادل التسكيني لأشيع الأدوية الأفيونية المستخدمة في الممارسة السريرية، وذلك للجرعات الفموية من الأدوية المختلفة.

الجدول (٤) التأثير المعادل المسكن للألم عند تناول الدواء الأفيوني من طريق الفم.

مسكن الألم

جرعة وحيدة single dose

المعادل التسكيني للألم من المورفين المعطى عبر الفم

الكودئين

٦٠ ملغ

٥ ملغ

ديهيدروكودئين

٦٠ ملغ

٨ ملغ

ترامادول

٥٠ ملغ

١٠ ملغ

ميبتازينول

٢٠٠ ملغ

٨ ملغ

بوبرينورفين (تحت اللسان)

٢٠٠ ميكروغرام

١٠ ملغ

هيدرومورفون

١.٣ ملغ

١٠ ملغ

ميثادون

١ ملغ

١٠ ملغ

أوكسي كودون

٥ ملغ

١٠ ملغ

إن ظاهرة التحمل المتصالب بين الأدوية موجود؛ ولكنه غير تام؛ ومن ثم فإنه عندما يتم استبدال دواء آخر بدواء أفيوني رافقه حدوث التحمل (الذي يُعرف بتراجع تأثيراته الدوائية مع استمرار المريض بتناول الدواء والحاجة لزيادة الجرعة للحصول على الفائدة) يصبح من الضروري تخفيض الجرعة المفترض أن تعطي التأثير المسكن للألم نفسه بمقدار النصف، والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو الميثادون الذي ينبغي أن تخفض جرعته بحدود ٧٥- ٩٠٪. وهذا التبديل في الأدوية الأفيونية شائع الاستعمال في حالات العلاج التلطيفي التي يكون فيها معدل البقيا محدوداً، وتخفيف معاناة المريض هي السبيل العلاجي الوحيد المتاح؛ ومن ثم يساهم تغيير الدواء في تخفيف التأثيرات الجانبية وفي الحد من تطور ظاهرة التحمل. إن الاستعمال المديد للأدوية الأفيونية في علاج حالات الألم المزمن غير المرتبط بالخباثة يخضع حالياً لإعادة فحص وتقييم؛ ذلك أن الممارسات السريرية غير الصحيحة لوصف هذه الأدوية رافقها ارتفاع مقلق في معدلات الوفاة سواء أكان بسبب فرط الجرعة أم سوء الاستخدام ويزداد القلق لدى القيّمين على الأمور من أن الراحة التي توفرها الأدوية الأفيونية المسكنة للألم لا تُترجَم بتحسن في الوظائف الجسدية والحالة النفسية والانفعالية، وبالعكس هناك ازدياد في الإمراضية المرتبطة بالتأثيرات الجانبية لهذه الأدوية والتي تتضمن اضطراب الوظائف الغدية الصماء والمناعية مع زيادة في خطر حدوث اضطرابات قلبية وعائية، وبصورة مثيرة للحيرة لُوحظ حدوث نزوف معدية معوية يعادل خطر النزوف عند تناول الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيروئيدية، وتبين أن هذه التأثيرات الجانبية الخطرة مرتبطة بالجرعة، ويزداد احتمال حدوثها عند جرعة أعلى من ١٢٠ملغ من المورفين في اليوم (أو ما يعادلها من جرعات تعطي التأثير نفسه). ولهذا السبب يوصى بحصر كتابة وصفات لأدوية أفيونية لعلاج الألم المزمن بأطباء ذوي خبرة في هذا النوع من العلاج، ويشكلون جزءاً من فريق طبي متكامل متعدد الاختصاصات بالشكل الذي يسمح بتدبير التأثيرات الجانبية وباللجوء إلى تدابير غير دوائية لعلاج الألم. ويُوصى بتخفيض الجرعات العلاجية للأفيونيات بصورة تدريجية – وحتى لأي دواء مسكن للألم- في حالات الألم المزمن التي يصبح فيها العلاج الدوائي غير فعال أو غير مفضل الاستمرار به أو عندما يتراجع الألم، ولا تعود هناك حاجة لمتابعة العلاج.

ظاهرة التحمل والاعتماد والإدمان:

على الرغم من أن استعمال الأدوية الأفيونية القوية في علاج الألم الناجم عن الخباثات مستطب وراسخ في ذهن الأطباء، يُلاحَظ الكثير من التردد في استعمال هذه الأدوية عندما يتعلق الأمر بعلاج الألم الحاد أو الألم المزمن غير الناجم عن خباثة، ويتقاسم هذا القلق من استعمال الأدوية الأفيونية كلٌّ من المريض وعائلته ومحيطه، والسبب في هذا القلق يعود إلى رسوخ فكرة احتمال حدوث الاعتماد والإدمان على المركبات الأفيونية. وفي هذا المجال يُلاحظ تشوش واضح في ذهن المرضى وأسرهم وحتى لدى غالبية الأطباء فيما يخص التعابير الطبية المتعلقة بظاهرة التحمل والاعتماد والتي تعني في ذهنهم الإدمان؛ ومن هنا لا بد من إيضاح المعنى المرتبط بكل من التحمل والاعتماد وكذلك مفهوم الإدمان.

١- ظاهرة التحمل Tolerance:

يُقصد بالتحمل تراجع في تأثير دواء ما والحاجة إلى زيادة جرعة هذا الدواء- بعد فترة من تكرار تناوله يومياً- وذلك بهدف الحصول على التأثيرات الأولية نفسها التي رافقت إعطاءه (مثال: تسكين الألم في حالة الأفيونيات المسكنة للألم وتسكين القلق في حالة البنزوديازيبينات وكذلك تأثير شرب الكحول الذي يتراجع مع الاستمرار في تعاطيه). وقد تؤدي زيادة جرعة الدواء بهدف عودة الحصول على التأثيرات الأولية نفسها إلى تسريع التحمل وتفاقمه؛ أي تراجع أكبر في تأثيراته المرغوبة. ويعد ظهور ظاهرة التحمل لدواء ما دليلاً على وجود خطر الاعتياد فالاعتماد فالإدمان؛ ولكنه لا يرتبط بالضرورة بمثل هذا الخطر (الاعتماد أو الإدمان)؛ لأن ظاهرة التحمل «عكوسة» عند تدبيرها بالصورة المناسبة، وتسمى طرائق العلاج هذه «الإجازة الدوائية drug holiday». يرجع السبب في حدوث ظاهرة التحمل إلى «حالة تأقلم فيزيولوجي مع الدواء»؛ أي إلى تأقلم المستقبلات. وفي كل الأحوال من الضروري التفريق – في حالة علاج الألم- بين تفسير عودة ظهور الألم وهل هي ناجمة عن ظاهرة التحمل؟ وبين أنها تالية لتغير في حالة المرض المسبب أو بسبب ظهور اضطراب مرضي إضافي؛ مما يستوجب إعادة التقييم السريري. إضافة إلى ما سبق لوحظ حدوث حالة تناقضية عند الاستخدام المديد للأفيونيات بجرعات عالية، وسُميت هذه الحالة «فرط الألم المحدث بالأفيونيات opioid-induced hyperalgesia» يزداد فيه الألم بصورة متناقضة مع زيادة جرعات الأدوية الأفيونية (أكثر من ١٨٠ ملغ من المورفين يومياً أو ما يعادل هذه الجرعة من الأفيونيات الأخرى) ومع زيادة في شدة الألم كلما رُفعت جرعة الدواء الأفيوني؛ وتراجع في شدة الألم وتحسنه بصورة بطيئة وتدريجية مع التخفيض التدريجي للدواء.

٢- الاعتماد dependency:

تُعرف ظاهرة الاعتماد بأنها التظاهرات الجسدية لظاهرة التحمل، وتتجلى بظهور سريع لأعراض الانسحاب عند خفض جرعة الدواء أو إيقافه بعد أن كان المريض يتناوله لفترة طويلة من الزمن. وتختلف شدة أعراض الانسحاب اختلافاً كبيراً بحسب عدد من العوامل تتضمن حالة المريض ونوع الدواء والمدة التي كان المريض يتناول خلالها الدواء. والأعراض متنوعة، وتشمل الزكام وسيلان الأنف والرجفان والتعرق والآلام القولنجية البطنية والآلام العضلية والتشنجات العضلية والإقياءات والإسهال. ويمكن للإيقاف المفاجئ للدواء أن يرافق أشد درجات من الأعراض، وتخفف شدة هذه الأعراض عادة بتخفيض بطيء ومتدرج للجرعات الدوائية في حالة المريض الذي تناول الدواء لفترة طويلة أو بتخفيض متكرر لنصف الجرعة كل يومين في الحالات الحادة التي تراجعت فيها الحاجة لمسكن الألم. وفي الحالات التي تناول فيها المريض الأدوية الأفيونية لفترات طويلة يوصى بتجنب إعطاء أدوية من النوع المشترك «شادات ومناهضات»؛ لأنها يمكن أن تسرع في حدوث أعراض الانسحاب.

٣- الإدمان addiction:

يعد الإدمان مشكلة سلوكية تتميز بسلوك يهدف إلى طلب الدواء واستعماله بهدف الحصول على المشاعر النفسية والجسدية نفسها التي يعدّها المريض سارة ومريحة. وغالباً ما يستمر مثل هذا السلوك الباحث عن الدواء على الرغم من إدراك المريض للآثار المدمرة على المستويات النفسية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية لمثل هذا السلوك. ويعد الإدمان التالي لاستخدام الأدوية الأفيونية بعد ألم حاد (جراحة - رضوض) ضعيف الحدوث؛ وكذلك الحال في علاج الألم الناجم عن خباثات، وفي المقابل يكون الاحتمال أقوى لدى المرضى المعالجين بالأدوية الأفيونية لتدبير الألم المزمن غير المرتبط بخباثات حيث تصل نسبة انتشار (اضطراب استعمال الأفيونيات) إلى ٨– ١٢٪ من الأشخاص المعالجين. وفي غياب سوابق الإدمان وعندما تتم متابعة مرضى الألم المزمن متابعة صحيحة مع التحقق من كل الاحتمالات المتعلقة بالتحمل والاعتماد؛ فإن احتمال حدوث الإدمان يبقى ضعيفاً حتى في حالات العلاج المديد.

تدبير الألم لدى المريض المدمن على الأفيونيات: يمكن للمريض المدمن على الأفيونيات أن يعاني الألم، ويخطئ الأطباء - وهم عادة أطباء عاملون في المشافي - عندما لا يجرؤون على وصف الأدوية الأفيونية المسكنة للألم لدى هؤلاء المرضى الذين يراجعون بقصة «ألم حاد»، ويحدث ذلك بسبب اعتقادهم أن هذا العلاج سوف يفاقم حالة الإدمان لديهم أو بسبب شكهم بأقوال المريض وبأنها تهدف إلى الحصول على هذه الأدوية، وفي بعض الحالات بسبب قناعتهم بضرورة سحب الدواء الأفيوني لدى هذا المريض وشفائه من إدمانه.

قبل البدء بعلاج مريض مدمن على الأفيونيات لا بد أولاً من أن يحصل الطبيب على معلومات دقيقة تخص الاستهلاك اليومي للأدوية الأفيونية من قبل المريض قبل أن تظهر لديه الآلام الحادة الحالية، ومن ثم توفر الجرعة الدوائية نفسها أو جرعة معادلة من دواء أفيوني آخر خلال فترة القبول في المستشفى، وقد تصادف الطبيبَ في هذه الحالة صعوبات تتعلق بتقدير درجة فعالية المواد التي يحصل عليها المريض «من الشارع» وبصورة غير نظامية وتأثيرها؛ وعليه من ثمّ أن يبني أحكامه على خبرته ومعرفته بهذه المواد أو على نوعية الاستجابة السريرية للمريض بإعطائه جرعة متوسطة من دواء أفيوني له معرفة بتفاصيله وتأثيراته، وفي هذا السياق يكون من الأنسب والأكثر أماناً أن يصف الطبيب أولاً دواء أفيونياً قصير مدة التأثير وبجرعة مناسبة مع تكرار الجرعة كلما استدعت الحاجة حتى يصل إلى قناعة محددة تتعلق بالحاجة اليومية إلى الأفيونيات قبل أن يغير الدواء، ويستبدل به دواء أفيونياً تأثيره طويل. في الحالات التي يحتاج فيها المريض المدمن على الأفيونيات إلى علاج مسكن للألم الحاد إضافة إلى جرعة الصيانة للدواء الأفيوني التي حسب معادلها، ويمكن في هذه الحالة اللجوء إلى الأدوية غير الأفيونية التي تُعد علاجاً مساعداً فعالاً في هذه الحالات، ولكنها لا يمكن أن تحل محل الأفيونيات التي يتناولها المريض لعلاج ألمه المزمن.

المسكنات المشاركة Co-analgesics / adjuvant analgesics:

تعد مسكنات الألم المشاركة مهمة في تدبير حالات الألم المرافق للخباثات وكذلك الألم المزمن غير المرتبط بخباثات. وهذه الأدوية لها تأثير علاجي خالٍ من الأفيونيات ومن تأثيراتها الجانبية، وتعد فعالة بصورة خاصة في علاج «ألم اعتلال الأعصاب» المرافق لكثير من الخباثات، وتستعمل أيضاً خطاً علاجياً أولياً في اعتلالات الأعصاب المؤلمة غير الناجمة عن خباثة (مثل اعتلال أعصاب الداء السكري)، وتعد أساسية في علاج هذا الداء على المدى الطويل؛ لكون معظمها اعتلالات أعصاب مزمنة.

١- مسكنات الألم المساعدة متعددة الاستعمالات Multipurpose adjuvant analgesic:

- الستيروئيدات القشرية Corticosteroids: تعد هذه الأدوية أشيع استعمالاً من بين الأدوية المساعدة المسكنة للألم عند تدبير الألم بعلاج تلطيفي Palliative. وتحسن هذه الأدوية من نوعية حياة المريض المصاب بالخباثة ليس فقط بتخفيف شدة الألم، بل بسبب تأثيراتها المفيدة في الشهية للطعام والغثيان والمزاج وحس الدعث malaise وكذلك تأثيرها المضاد للوذمة التي تحيط بالنقائل، أو تصيب الضفائر العصبية. عادة ما يستجيب المرضى في مرحلة متقدمة من تطور الخباثة والذين يعانون الألم من جرعات صغيرة من الديكساميتازون تعادل ١–٢ ملغ كل ١٢ ساعة.

- حالّات الأعصاب (مضادات الذهان) Neuroleptics: تأكد أن لبعض الأدوية الحالة للأعصاب فائدة ملموسة في علاج الأعراض والاضطرابات الكثيرة التي تصادف في سياق الخباثات، ومن أكثر هذه الأدوية فائدة الميتوتريميبرازين Methotrimeprazine والمعروف أيضاً باسم Levomepromazine (Nozinan)، وهو من زمرة الفينوتيازينات والذي تأكد تأثيره المضاد للألم لدى المصابين بالخباثة وطريحي الفراش المصحوب بتأثير مخفف للقلق والضجر والهياج وللغثيان، ونظراً لوضع المريض وعدم قدرته على مغادرة السرير؛ فإن التأثيرات الجانبية للدواء مثل هبوط الضغط الانتصابي تصبح غير ذات قيمة سريرياً. ويمكن البدء بجرعة ٦ – ٢٥ ملغ في اليوم توزع على ثلاث جرعات تُتناول مع الطعام مع زيادة تدريجية بطيئة حتى الحصول على النتائج المرجوة أو المقبولة، وفي بعض الحالات يمكن الاكتفاء بإعطاء جرعة وحيدة ليلية ١٠–٢٥ ملغ.

- البنزوديازيبينات Benzodiazepines: فيما عدا الكلونازيبام clonazepam المتفق على استعماله بصورة شائعة في الألم الناجم عن بعض اعتلالات الأعصاب؛ لا يستطب إعطاء البنزوديازيبينات لعلاج الألم لعدم تمتعها بتأثيرات مهمة في هذا المجال؛ ولكنها تستخدم عادة في علاج الآلام الحادة العضلية التشنجية، ويكون ذلك لفترة قصيرة فقط، وفي كل الأحوال لا بد من الأخذ في الحسبان التأثيرات الجانبية لهذه الأدوية (تركين وأحياناً تخليط ذهني) وموازنتها مع الفائدة المتوخاة قبل أخذ القرار باستعمالها، وغالباً ما توصف لعلاج القلق والأرق المرافقين للألم.

٢- مسكنات الألم المساعدة المستعملة في علاج ألم اعتلال الأعصاب:

أ- مضادات الاكتئاب:

حتى اليوم ما تزال الأدوية الثلاثية الحلقة الثلاثية الأمين المضادة للاكتئاب هي أقوى فعالية في علاج الألم وتضم هذه المجموعة من الأدوية الأميتريبتيلين والدوكسيبين والإيميبرامين خاصة، ويفضل استعمال الديزيبرامين ونورتريبتيلين، وهي من الأدوية مضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقة الثنائية الأمين؛ لأن تأثيراتها الجانبية أخف شدة، ويُفضل استخدامها لدى الأشخاص الذين لديهم سوابق قلبية أو لا يتحملون التركين أو التأثيرات الكولينرجية. وفي الحالات التي لا يتحمل فيها المريض ثلاثيات الحلقة سواء ثلاثية الأمين أو ثنائيته رغم تحسن ألمه يصبح اللجوء إلى مضادات الاكتئاب من النوع المثبط المزدوج لعودة القبط SNRIs مثل فينلافيكسين ودولوكسيتين ممكناً. وقد حصل الدولوكسيتين (Cymbalta) على موافقة FDA على الاستعمال في حالات اعتلالات الأعصاب السكرية المؤلمة وفي ألم الليف العصبي fibromyalgia، وأثبت فعاليته في هذه الحالات. وتُعد الجرعة الفعالة من الدولوكسيتين Duloxetine ٦٠–١٢٠ ملغ يومياً، وهي فعالة أيضاً في علاج الأعراض الاكتئابية، وتظهر تأثيرها في اعتلال الأعصاب خلال فترة أقصر (أسبوع أو أسبوعين) من الفترة اللازمة لبدء تحسن الأعراض الاكتئابية.

يوصى دوماً بالبدء بجرعات ضعيفة للتقليل من شدة التأثيرات الجانبية (مثلاً ١٠ ملغ من الأميتريبتيلين مساء لدى المريض المسن و١٠ – ٢٥ ملغ مساء لدى الأصغر سناً)، ولا بد من إعطاء المريض المعلومات والنصائح الضرورية والتي تتضمن آليات تأثير الدواء والفترة اللازمة لبدء التحسن والتي قد تتأخر لعدة أسابيع والتأثيرات الجانبية المحتملة وضرورة التقيد بتناول الجرعات بدقة وبحسب الوصفة مع تجنب استخدام الدواء استخداماً متقطعاً وبحسب درجة الألم كما لو كان الدواء مسكناً للألم عادياً (وهو ما يفعله كثير من المرضى)، ويفيد شرح كل هذه النقاط في الحصول على تعاون المريض وتقيده بالعلاج، وهو أمر ضروري للتحسن. ولا بد أيضاً من تجنب الإيقاف المفاجئ للدواء المضاد للاكتئاب الذي يرافق عادة كثيراً من الأعراض المزعجة التي تعزَى إلى «ارتداد عنيف» للفعالية الكولينرجية التي كانت مثبطة والتي تتضمن الأحلام الحية المُعاشة والتوتر والهياج والإسهالات وزيادة إفراز اللعاب، ويمكن تجنب حدوث مثل هذه الأعراض بالتخفيض المتدرج البطيء (تخفيض ربع الجرعة كل ٥–١٠ أيام مثلاً).

ب- مضادات الاختلاج:

بدأت حقبة استخدام الأدوية المضادة للاختلاج عملياً منذ أن ذكر تروسو Alfred Trousseau - الذي كان يرأس العيادات في مشفى أوتيل ديو في باريس – أن الآلام الانتيابية التي يعانيها مريض ألم العصب مثلث التوائم لا بد من أن تكون ناجمة عن انفراغات (تفريغات) Discharge انتيابية في العصب مثلث التوائم مشابهة من حيث الطبيعة للانفراغات العصبونية المسببة للصرع. وبعد ذلك قام Bergouignan بالتحقق من هذه النظرية بعلاج أحد مرضى ألم عصب مثلث التوائم بالفينيتوئين بنجاح، ومن ذلك الحين اعتمدت الأدوية المضادة للاختلاج لعلاج هذا النوع من الألم، وأصبحت شائعة الاستعمال في اعتلالات الأعصاب المؤلمة وخاصة تلك التي تتظاهر بألم بارق أو طاعن. ولكن الوحيد منها الحاصل على الموافقة للاستعمال في علاج ألم العصب مثلث التوائم في بريطانيا هو الكاربامازيبين. ويرافق العلاج بمضادات الاختلاج عدد من التأثيرات الجانبية كالتركين والدوخة Dizzinessواضطراب التوازن والنعاس. وتبين أن للغابابانتين gabapentin (Neurontin) والبريغابالين pregabalin (Lyrica) - وهما من الأدوية الحديثة المضادة للصرع - فائدة ملموسة في علاج ألم اعتلال الأعصاب. ويعد الغابابانتين أفضل تحملاً مقارنة بالأدوية المضادة للاختلاج من الجيل الأول، لا يتداخل وبقية الأدوية وهي ميزة مهمة لدى المرضى المسنين المعالجين بعدد كبير من الأدوية عادة، ويوصى بالبدء بجرعات صغيرة تُؤخذ مساءً (١٠٠ ملغ لدى المسن أو ٣٠٠ ملغ لدى الشاب) مع زيادة تدريجية بحسب تحمل المريض ومن الممكن الوصول إلى جرعة ٦٠٠ – ١٢٠٠ ملغ كل ٨ ساعات كحد أقصى لدى بعض المرضى.

ج- الأدوية المخدرة موضعياً:

طُورت الأدوية المخدرة موضعياً لضمان تخدير موضعي وناحي يفيد في بعض التداخلات الجراحية خاصة، وقد اقتُرح استعمال هذه الأدوية الموضعية في علاج الألم العصبي الاعتلالي لأول مرة في عام ١٩٥٠؛ ليصبح من العلاجات الشائعة الاستخدام في اعتلالات الأعصاب السكرية المؤلمة خاصة. وثمة لصاقات جلدية موضعية من الليدوكائين (ضمادة لاصقة مملوءة بمستحضر يحتوي على ٥٪ ليدوكائين) تفيد في علاج الألم العصبي التالي للحلأ وفي بقية اعتلالات الأعصاب المحيطية الموضعية المؤلمة وتفيد هذه اللصاقات في تخفيف حدة الألم إلى حد معقول مع امتصاص جهازي بالحد الأدنى؛ مما سوف يوسع من استطبابات العلاج بهذه اللصاقات.

- كابسايسين Capsaicin: يُستخرج الكابسايسين من الفلفل الحار ويمارس تأثيراته بوساطة تفعيله للمستقبلات النوعية المشابهة للفانيليا vanilloid receptors الموجودة في المستقبلات الألمية المتواصلة مع ألياف نقل الألم C. ويرافق التطبيق الموضعي للكابسايسين في بادئ الأمر شعور حارق عابر، ومع تكرار التطبيق الموضعي تحدث إزالة تحسس لمستقبلات الألم؛ ومن ثم يتراجع الألم عن المريض؛ مما يسمح بتكرار استخدامه على المدى الطويل. وأظهرت التجارب السريرية ظهور التأثيرات المفيدة لتخفيف الألم – سواء آلام القدمين في اعتلال الأعصاب السكري أم الألم العصبي التالي للعقول- باستعمال كريم يحوي ٠.٠٢٥–٠.٠٧٥٪ يطبق موضعياً كل ست ساعات ولكن يتأخر ظهور النتائج أحياناً عدة أسابيع؛ مما يقلل من التزام المريض ومطاوعته. وقد طورت لصاقة موضعية تحوي ٨٪ كابسايسين وتبين أنها تضمن تأثيراً مسكناً للألم أطول مدة (نحو ٣ أشهر) بعد تطبيق موضعي وحيد يستمر ٣٠–٦٠ دقيقة؛ ولكن هذا التطبيق بهذا التركيز يسبب آلاماً موضعية شديدة حارقة؛ مما يستوجب أن تُحضَّر منطقة التطبيق الموضعي أولاً بوساطة استعمال مخدر موضعي.

- كلونيدين: للكلونيدين فعالية شادة (ناهضة) على مستوى مستقبلات ألفا ٢ ومستقبلات الإيميدازولين imidazoline، وتبين أن له تأثيراً جيداً مثبطاً لحس الألم عندما يُعطى بوساطة التسريب الوريدي أو داخل القراب السحائي Intrathecal أو حول الجافية، وله شكل محضر دوائياً؛ ولكن بتأثير مسكن للألم أضعف، وتحدث الفائدة الكبرى عندما يُعطى الدواء بطريقة الحقن ضمن القراب السحائي؛ مما تشير إلى أنه بالإمكان الحصول على فائدة من جرعات خفيفة وبتأثيرات جانبية محدودة بهذه الطريقة. وأثبت إعطاء الكلونيدين أنه يقوي من التأثير المسكن للألم للأدوية المخدرة الموضعية التي تُعطى حول الجافية وللمسكنات الأفيونية، كما أثبت فعاليته في علاج الألم المزمن حتى الناجم عن الخباثة. والتأثير الجانبي الأشد إزعاجاً هو هبوط الضغط والتركين، ويمكن أن يرافق هبوط الضغط تباطؤ القلب، ويكون السبب تأثيراً مركزياً حالاً للودي. ويوصى بتجنب الإيقاف المفاجئ للدواء بعد استخدام مديد بسبب خطر حدوث نوبة فرط ضغط شرياني ارتدادي.

- كانابينوئيد (القنبيات) Cannabinoids: للمشتقات الخشخاشية أشكال كثيرة، ويُعد المشتق دلتا – ٩ – تتراهيدروكانابينول THC الوحيد من بين هذه المشتقات الذي يتميز بخواص مسكنة للألم ذات أهمية سريرية. ولهذا المشتق فعالية شادة جزئية على مستوى المستقبلات الكانابينوئيد (القنبية) من النمط الأول CB-١r وهي التي تتواسط تأثيره المسكن للألم؛ ولكن هذه المستقبلات موجودة على نطاق واسع في مناطق متعددة من الجهاز العصبي المركزي ومنها الدماغ؛ مما ترافقه تأثيرات سلوكية نفسية. تؤكد الدراسات المجراة أن للكانابينوئيد THC تأثيرات مسكنة للآلام في حالات الألم المزمن المعند على العلاج والآلام المركزية المصادفة في التصلب اللويحي وآلام الخباثات وكذلك مرض نقص المناعة المكتسب HIV؛ إضافة إلى تأثيره المفيد في تخفيف شدة الغثيان والقياء وفي تحسين الشهية للطعام.

توجد المستحضرات الدوائية التي تتضمن THC بصورة مضغوطات، يمكن تناولها عبر الفم، وهي مستحضرات نقية وصنعية ومحضرات أخرى تُمتَص من مخاطية الفم وتحت اللسان (Sativex)، وهي مشتقة من النبات، وتتضمن THC إضافة إلى كانابيديول cannabidiol CBD بتراكيز متساوية، ويضاف الكانابيديول رغم عدم تميزه بتأثير مسكن للألم بسبب قدرته على التخفيف من التأثيرات النفسية للـ THC بتأثير مضاد للقلق وللتوتر. وقد مُنح دواء Sativex الموافقة على الاستخدام في كندا كعلاج عرضي مسكن للألم في حالات اعتلال الأعصاب والتصلب اللويحي والخباثات. والتوفر الحيوي للدواء THC بعد تناوله عبر الفم ضعيف، ويختلف كثيراً من شخص إلى آخر، ويمكن أن تتحسن ذروة التراكيز المصلية في حال عدم تناول الطعام مع الوصول إلى ذروة التركيز بعد ٢–٤ ساعات من تناول الدواء. ويتميز الشكل الذي يمتص عبر المخاطية بعدد من النقاط، أهمها سرعة تأثيره؛ لأنه يتجنب استقلاب المرور الكبدي الأول؛ مما يسمح بتوفر حيوي أفضل، ويمكن للمريض أن يعدل بنفسه الجرعة من دواء Sativex حتى الوصول إلى تأثير مسكن للألم مناسب وأعراض جانبية يتحملها المريض.

- زيكونوتيد Ziconotide: كان يُسمى سابقاً SNX-111 وهو شكل صنعي من الذيفان الببتيدي conopeptide الموجود في سم الحلزون الباسيفيكي الصائد للأسماك Conus magus. آلية التأثير المسكن للألم تنجم عن الارتباط المتين والعكوس مع تحت فئة من مستقبلات الكلسيوم الحساسة للجهد الكهربي Voltage- sensitive. وارتباط الزيكونوتيد بهذه المستقبلات يثبط قنوات الكلسيوم؛ مما يحد من الناقلية عبر المشابك على مستوى القرن الخلفي للنخاع. وتُلفى هذه المستقبلات بصورة واسعة في الجهاز العصبي المركزي؛ مما يفسر التأثيرات الجانبية للدواء والتي تتضمن خلل التوازن والغثيان والتخليط الذهني والصداع وأهلاسات وأفكاراً انتحارية؛ مما يفسر أنه مضاد استطباب لدى الأشخاص الذين في سوابقهم أي اضطرابات ذهانية أو فصام صريح.

ويعطى الدواء فقط من طريق الحقن ضمن القراب السحائي للتخفيف من تأثيراته الجانبية الدماغية، ويُوصل إلى الجرعة المثلى من خلال رفع بطيء ومتدرج للجرعة خلال أسابيع حتى الوصول إلى الجرعة الداعمة التي تُعطى بصورة تسريب منتظم بحاقن، وهذه الطريقة العلاجية مكلفة ومعقدة وراضة؛ ومن ثم لا يمكن اقتراحها إلا في حالات محددة محصورة في الألم المزمن المعند على العلاجات الأخرى. ولا تحدث ظاهرة التحمل في هذا النوع من العلاج؛ ومن ثم فإن أعراض الانسحاب محدودة حتى بعد تسريب الدواء لفترات طويلة.

- كيتامين Ketamine: الكيتامين هو مناهض غير تنافسي للمستقبل الغلوتاماتيرجي NMDA يعمل من خلال ارتباطه بالموقع المخصص للفينيسيكلين PCP، وأظهرت الدراسات أنه مفيد في علاج الآلام الناجمة عن اعتلال أعصاب محيطية أو أذيّة مركزية للسبل الحسية أو في حالات آلام الليف العضلي والألم الناجم عن نقص التروية المزمن. ويمكن أن يعطي الدواء بوساطة عدة طرق، ولكن الأشيع استعمالاً هو الطريق الوريدي الدفعي Boluses بتسريب سريع لجرعة ٠.١ – ٠.٤٥ ملغ لكل كغ يمكن أن يتلوها تسريب داعم بجرعة ٥-٧ ميكروغرام لكل كغ في الدقيقة. ويرافق إعطاء الدواء تأثيرات جانبية تتضمن أحلاماً غير سارة وأهلاسات واضطرابات وظيفية بصرية وسمعية.

٣- الأدوية المسكنة المساعدة المستعملة في علاج آلام العظام:

بيوفوسفونات Biophosphonates: كانت تعرف سابقاً باسم ديفوسفونات، وهي نظير Analogue مضاهٍ للبيروفوسفات غير العضوية التي تثبط الفعالية الهادمة للعظم؛ ومن ثم تحد من عملية ارتشاف العظم التي تصادف في كثير من الحالات المرضية. ويغلب أن يكون هذا التأثير الذي يحد من تأكّل البنية العظمية هو الذي يفسر التأثير المسكن للألم الذي تتميز به البيوفوسفونات والمقتصر على تسكين الألم في أمراض العظام. وحالياً تشير الدراسات إلى أن التأثير الأفضل المسكن للألم هو الأقوى مع الباميدرونات Pamidronate، ولم يثبت حتى الآن وجود تأثيرات متعلقة بالجرعة أو خطورة أو فائدة محددة ما عند الاستعمال المديد لهذه الأدوية لدى مرضى الخباثات، ويوصى فقط بمراقبة تراكيز الكلسيوم والفوسفات والمغنيزيوم والبوتاسيوم والفوسفاتاز القلوية عند الاستخدام المديد لهذه الأدوية.

٤- العلاجات الدوائية لصداع الشقيقة الحاد:

الشقيقة هي اضطراب عصبي يتميز بحدوث هجمات طورية من الصداع المتوسط الشدة أو الشديد والذي يتصف بكونه نابضاً عادة والذي يمكن أن يرافقه عدة أعراض مثل الغثيان أو الإقياء ورهاب الصوت أو الضوء؛ لكونهما يزيدان من شدة الألم. وفي الحقيقة الشقيقة ليست مجرد ألم نوبي، بل هي تمر بمجموعة من الأطوار المتتالية، أكثرها وضوحاً هو المرحلة الألمية. ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى مرحلة البوادر Prodromes، ويتلوها مرحلة النسمة (لدى ثلث المرضى فقط)، ومن ثم مرحلة الألم، وأخيراً مرحلة ما بعد النوبة الألمية والتي يمكن أن تستمر أعراضها لساعات حتى ٤٨ ساعة. وتعد الآليات الإمراضية للشقيقة معقدة جداً، ويغلب أن يكون الاضطراب الرئيسي هو إطلاق ببتيدات ذات نشاط وعائي vasoactive من نهايات الشعب المحيطية للعصب مثلث القوائم التي تعصب السحايا والأوعية السحائية؛ مما يسبب حدثية التهابية موضعة حول الأوعية تتركز في السحايا يرافقها توسع وعائي للأوعية وخاصة الشرايين السحائية ويرافق ذلك زيادة في فعاليات السبل الألمية المركزية. واعتماداً على هذه المعطيات الإمراضية يمكن القول: إن العلاج المناسب يتضمن تضمناً رئيسياً أدوية مضادة للالتهاب (التهاب السحايا والالتهاب حول الأوعية) وأدوية مضادة للاختلاج تفرمل آليات فرط التفعيل العصبوني وأدوية تتحكم بالمقوية الوعائية. وعموماً يمكن أن يقسم علاج الشقيقة إلى قسمين رئيسيين: الأول هو العلاج الدوائي الذي يتضمن علاج نوبة الألم الحاد، والثاني هو العلاج الوقائي الذي يتضمن كثيراً من النشاطات والتدابير العلاجية غير الدوائية.

أ- العلاج الدوائي:

- علاج نوبة الألم الحاد ويسمى أيضاً العلاج المجهض للنوبة abortive treatment:

يتضمن هذا العلاج عدداً من الأدوية المسكنة للألم غير النوعية تستعمل في علاج الحالات الخفيفة وأدوية أخرى نوعية للشقيقة يُلجأ إليها لعلاج الصداع الشديد غير المستجيب للعلاج البسيط.

- العلاج البسيط للحالات الخفيفة والمتوسطة الشدة:

يُعطى المريض باراسيتامول ١٠٠٠ ملغ أو حمض الساليسيليك (الأسبرين) ٩٠٠ ملغ في اليوم المشاركة مع الكافيئين أو من دونها، ومن المفيد إضافة أدوية مضادة للغثيان ومضادة للقياء مثل دومبيريدون Domperidone ١٠ ملغ فموياً أو ميتوكلوبرامايد Metoclopramide ١٠ ملغ فموياً أو بروكلوربيرازين prochlorperazine (Stemetil) ٥٠ ملغ فموياً، وهي يمكن أن تساهم في إجهاض النوبة، وتعطى حتى في غياب الغثيان. وفي الحالات المتوسطة الشدة يفيد إعطاء المريض NSAIDS فموياً أو بوساطة تحاميل شرجية أو حقن عضلية، والأفضل بحسب الخبرة المحلية هو دواء ديكلوفنياك ٧٥ ملغ حقناً عضلياً في حين يفضل بعض الأطباء أدوية أخرى مثل النابروكسين ٥٠٠-١٠٠٠ ملغ يومياً والأبيوبروفين ٤٠٠-٨٠٠ ملغ أو حمض تولفنياميك Tolfenamic acid ٢٠٠ ملغ، ويفضل مشاركة هذه الأدوية مع وقاية للمعدة (مثبطات PPI) ومضاد غثيان وقياء. وفي جميع هذه الخيارات لا بد من البدء الباكر للعلاج؛ لأنه يأتي بأفضل النتائج. ولا بد من لفت الانتباه إلى أن الاستعمال الكثير التواتر لهذه الأدوية يمكن أن يرافقه ظهور نمط آخر من الصداع يتميز بكونه يومياً ومتفاوت الشدة خلال ساعات النهار يخف عند تناول الأدوية ليعود إلى الظهور عند تراجع مفعولها، ويصبح الصداع «مزمناً ومعنداً على العلاجات»، ويسمى هذا «صداع الإسراف الدوائي»، أو الصداع اليومي المزمن المتشارك مع استخدام المسكنات Analgeics-associated chronic daily headache. وأكثر ما يصادف هذا النوع من الصداع هو عند استخدام حبوب الباراسيتامول والكودئين ولكن من الممكن أن يصادف مع أي مسكنات بسيطة أو نوعية أخرى؛ مما يتطلب الانتباه إلى تغير صفات وتواتر الصداع؛ ولا بد من معاملة مثل هذا الصداع معاملة الإدمان (أي إيقاف كل الأدوية المسؤولة) مع الاستبدال بها أدوية مسكنة ذات آلية تأثير مختلفة والتركيز على العلاجات الوقائية والنفسية.

- علاج النوبة الألمية الشديدة:

عند فشل الأدوية السابقة الذكر يصبح من المناسب تجربة أحد الأدوية النوعية الخاصة بالشقيقة والتي تتضمن التريبتانات خاصة، وهي شادات انتقائية لمستقبلات 5-HT1 (٥- هيدروكسي تريبامين ١)، إضافة إلى مركبات الإرغوت.

- التريبتانات Triptans: تبين أن التريبتانات تمارس تأثيراتها في مستقبلات السيروتونين المنتشرة في عدة مواضع في الدماغ سواء على مستوى السحايا حيث يحصر السيروتونين إطلاق الوسائط الالتهابية الكيميائية أم على مستوى جذع الدماغ حيث يثبط سيالات نقل الألم. وفي الواقع ثمة عدة أنماط من مستقبلات السيروتونين (وأهمها 5-HT1 المثبط و 5-HT2 المحفز و5-HT3)، ولمركبات التريبتان تأثير شاد انتقائي في مستقبلات 5 هيدروكسي التريبتامين من النمط الأول مع ألفة قوية للمستقبلات 5-HT1B و 5-HT1D. ويرافق التأثير في 5-HT1B الكائنة على جدر الأوعية الدموية تقبض وعائي؛ ومن ثمّ يثبط التوسع الوعائي المساهم في إحداث الألم النابض. أما تأثيراتها في مستقبلات 5-HT1D فتسبب الحد من إطلاق الببتيدات الوعائية التأثير والسيتوكينات المحرضة للالتهاب؛ مما يفسر الفعالية المضادة للألم في أثناء النوبة. وأوضحت الدراسات أن معدل تسكين الألم للتريبتانات معادل لما تقدمه مضادات الالتهاب NSAIDS؛ ولكن مع خطورة أقل؛ مما يفسر توجه بعض الأطباء لاستعمالها خطاً علاجياً أولياً في حالات الصداع متوسط الشدة أو الشديد أو خطاً علاجياً ثانياً في حال فشل بقية الأدوية، وتكون النتائج أفضل كلما أُعطي العلاج أبكر؛ ومن ثم يوصى باستعمالها قبل تحول الصداع إلى شديد. سلامة التريبتانات نسبية، وهناك تحذيرات تتعلق باستعمالها قبل تحول الصداع إلى شديد. وهناك تحذيرات تتعلق باستعمالها لدى مرضى الحوادث الوعائية القلبية خاصة حيث تعد مضادة استطباب. ومن التأثيرات الجانبية للتريبتانات حدوث شعور بالتوهج والإحساس بضيق في الصدر وشد في العنق، وهذه الأعراض نادراً ما تعني وجود تقبض وعائي إكليلي. عموماً يبدأ مفعول التريبتانات بعد ٢٠-٦٠ دقيقة من تناول الدواء عبر الفم، ويكون التأثير أسرع مع سوماتريبتان (نحو ١٠ دقائق)، ويسمح للمريض أن يكرر تناول الجرعة ثانية بعد ساعتين حتى ٤ ساعات. وفي حال كان الدواء غير فعال أو أن له تأثيرات جانبية لم يتحملها المريض فبالإمكان الاستبداله به دواء آخر من زمرة التريبتانات نفسها؛ لأن التأثيرات ليست متشابهة على مستوى المستقبلات. ولا مانع من مشاركة التريبتانات مع المسكنات وNSAIDS ومضادات القياء. وأخيراً لا بد من التنويه باحتمال حدوث تشوهات جنينية في حال تناول الدواء من قبل الحامل؛ لذلك لا يوصى باستخدامها خلال الحمل إلا بصورة استثنائية وعند الضرورة القصوى. وهناك كثير من التريبتانات المقترحة في علاج الشقيقة، وأكثرها استعمالاً هو السوماتريبتان.

- سوماتريبتان Sumatriptan (Imitrex): هو أول دواء طُرح في الأسواق من زمرة التريبتانات في أوربا عام ١٩٩١، وما يزال الأكثر استعمالاً والأقوى تأثيراً. وللدواء تأثير شاد في مستقبلات ٥-HT١ الأربعة. ويتوفر الدواء بشكل مضغوطات أو بخاخ أنفي أو حقن تحت الجلد، وسُوِّق حديثاً مركّب Treximet الذي يتضمن السوماتريبتان مع نابروكسين لزيادة الفعالية. ويُمتص الدواء عند تناوله عبر الفم امتصاصاً كبيراً وسريعاً، ويصل إلى ذروة التراكيز المصلية خلال ساعة. ويُقدر نصف عمره بنحوالي ساعتين ونصف. الجرعة الفموية الوسطية ٢٥-٥٠ ملغ، وينبغي ألا تتجاوز ٢٠٠ ملغ في الأربع والعشرين ساعة. ومن الممكن اللجوء إلى البخاخ الأنفي لدى الذين يعانون الإقياءات الباكرة، ويعطى بجرعة ٥-٢٠ ملغ (يترك مذاقاً غير مستحب)، ومن الممكن تكرار هذه الجرعة عبر الأنف بعد نحو ساعتين مع تجنب تجاوز جرعة ٤٠ ملغ في اليوم. في الحالات التي تتطلب سرعة التأثير يمكن اللجوء إلى إعطاء الدواء حقناً تحت الجلد حيث يكون التوفر الحيوي أعظمياً، ويعادل ٩٦٪ مع بدء التأثير خلال ١٠-١٥ دقيقة، ومن الممكن تكرار هذه الجرعة مرة ثانية خلال اليوم. ومن التأثيرات الجانبية – عدا المذكورة أعلاه- حس تعب ودعث واضطراب توزان ودوار وتركين، ويُصادف الغثيان بصورة خاصة بعد الجرعة الفموية أو بعد الحقن تحت الجلد.

بقية التريبتانات المتوفرة إيليتريبتان Eletriptan (Relpax) وزولميتريبتان Zolmitriptan (Zomig & Zomitan) والموتريبتان Almotriptan (Axert & Almo) وFrovatriptan (Frova) و (Naratriptan (Amerg و Naramig وRizatriptan (Maxalt)، وهناك اعتقاد قوي أن التأثيرات الدوائية وكذلك التأثيرات الجانبية غالباً ما تكون ذات صفة فردية idiosyncratic، وقد يضطر المريض لتجربة عدة أشكال دوائية قبل اعتماد دواء يكون الأفضل له من حيث الفائدة والأقل إزعاجاً. مع الأسف أظهرت الدراسات أن ٣٠٪ فقط من مرضى الشقيقة يُجهض الألم تماماً لديهم pain free خلال ساعتين من تناول التريبتان.

- مركبات الأرغوتامين: الإرغوتامين من المركبات المفيدة في علاج الشقيقة إلا أن تأثيراته الجانبية تمنع اللجوء إليه خطاً علاجياً أولياً، وحالياً لم يعد يوصى باستعماله. يعد دواء ديهيدروارغوتامين DHE الذي يمكن أن يعطى بشكل بخاخ أنفي (Migranal) أو بشكل حقن عضلي من الأدوية الفعالة في الحالات المعندة ويستعمل في الحالة الشقيقية status migrainosus خاصة.

- أدوية أخرى: يستفيد بعض المرضى من الديكساميتازون الذي يُعطى حقناً عضلياً أو في الوريد كما يمكن أن يرافق إعطاء الليدوكائين عبر الأنف إرذاذاً أو بدهن مركّب هلامي خاص إجهاض النوبة الألمية.

ب- العلاجات الوقائية:

في الحالات التي لا يستطيع فيها المريض الوصول إلى درجة مقبولة من تسكين الألم باستعمال العلاجات المذكورة أعلاه وفي الحالات التي تتكرر فيها نوب الشقيقة بتواتر مرتفع (مرتين في الأسبوع أو ست نوب في الشهر) يصبح من المستطب اللجوء إلى العلاجات الوقائية. ومن الاستطبابات المقبولة أيضاً للمعالجة الوقائية ظهور تأثيرات جانبية مزعجة أو مقلقة بالاستعمال المتكرر للعلاجات المجهضة للنوبة الألمية والحالات الخاصة من الشقيقة التي يرافقها خطر بقاء عقابيل. والأدوية المقترحة في الوقاية من الشقيقة كثيرة، وتتضمن خصوصاً الأدوية الحاصرة لمستقبلات بيتا الأردينية والأدوية المضادة للاكتئاب والمضادة للاختلاج وكذلك الأدوية المناهضة لقنوات الكلسيوم، وهي التي تُستخدَم في علاج اعتلال الأعصاب المؤلم. وتبين الدراسات أن أكثر هذه الأدوية فعالية هي حاصرات بيتا ومضادات الاختلاج (فالبروات الصوديوم والتوبيرامات)؛ ولكن الفائدة المرجوة تختلف من مريض إلى آخر، ويمكن القول: إنها تخفض بصورة وسطياً تواتر النوب بمعدل ٥٠٪ لدى ٤٠– ٤٥٪ من المرضى، ومع الأسف فإن تقيد المرضى بهذا العلاج على المدى الطويل محدود، وغالباً ما يتوقف المريض عن تناول أدويته بسبب التأثيرات الجانبية. وعموماً يعتمد اختيار الدواء الوقائي الأمثل للمريض بناء على فعاليته وتأثيراته الجانبية المحتملة والأمراض التي يمكن أن تكون لدى المريض والتي تُحدَّد تحديداً دقيقاً من الخيارات العلاجية في بعض الحالات. ويُوصَى دوماً بالبدء بجرعات خفيفة من الدواء مع زيادة تدريجية حتى الوصول إلى الجرعة الفعالة أو إلى الحد الأقصى المسموح من هذا الدواء، وعادة ما يحتاج الدواء إلى شهرين حتى ستة أشهر أحياناً للوصول إلى الفعالية المرجوة. بعد تراجع تواتر نوب الشقيقة وشدّتها لعدة أشهر من الممكن تخفيض الجرعة اليومية، وفي بعض الحالات يمكن إيقاف الدواء ومراقبة التطورات حيث إن بعض المرضى يبقى مرتاحاً من النوب لفترات طويلة بعد إيقاف الدواء الوقائي.

- حاصرات مستقبلات بيتا الأدرنرجية:

أظهرت الدراسات المقارنة فعالية متعادلة مع مضادات الصرع؛ ولكن مع تحمل أفضل للعلاج من قبل المريض. والتأثيرات الجانبية لحاصرات بيتا متعددة، وأشيعها التعب والتركين واضطراب التوازن وتشوش الرؤية، وتُعدّ هذه الأدوية مضادة استطباب في حالة الربو وفي حصارات القلب وفي الداء الوعائي المحيطي المضيق. ويُعدّ البروبرانولولPropranolol الدواء المرجعي مع البدء بجرعة خفيفة ١٠ ملغ يومياً وزيادة تدريجية بطيئة حتى ٤٠ ملغ يومياً، ومن الممكن رفع الجرعة حتى ٨٠ – ٢٤٠ ملغ في اليوم؛ ولكن التأثيرات الجانبية تصبح مزعجة للغاية مع إمكان حدوث هبوط الضغط والميل للغشي عند الوقوف. ولا يفضل كثير من المختصيّن استعمال حاصرات بيتا لدى المرضى الذين يعانون نسمة شقيقة متطاولة زمنياً.

- الأدوية المضادة للاختلاج:

يمكن فهم آلية عمل هذه الأدوية بالعودة إلى تأثيراتها المثبطة للانفراغات الكهربية القشرية الشاذة. أكثر الأدوية المستخدمة للوقاية هما الفالبروات Valproic acid والتوبيرامات.

الفالبروات Depakine: هو دواء يعزز فعالية مستقبلات الغابا، ويُستعمَل في العلاج الوقائي للشقيقة منذ عام ١٩٨١، ونتائجه جيدة (تخفيض ٥٠٪ من عدد النوب لدى نصف المرضى)؛ ويُتناوَل الدواء عبر الفم، وجرعة البدء ٢٥٠ ملغ يومياً ليلاً مع زيادة تدريجية بطيئة حتى الوصول إلى جرعة فعالة (يغلب أن تكون بحدود ٥٠٠ – ٦٠٠ ملغ تُوزَّع على جرعتين). وتتضمن التأثيرات الجانبية الشائعة التركين واضطراب التوازن وزيادة الوزن وتساقط الأشعار مع احتمال تأذي الخلية الكبدية وقصور المعثكلة، ويُمنَع استخدامه خلال الحمل.

توبيرامات Topiramate: هو من مضادات الاختلاج التي لها عدة آليات تأثير، من بينها التأثير الشاد لمستقبلات الغابا والمثبط لقنوات الصوديوم والكلسيوم ذات الانفتاح المعتمد على الطاقة، وتتجلى المحصلة النهائية لهذه الآليات بنقص الناقلية العصبية الغلوتاماتيرجية المحفزة وزيادة في الناقلية العصبية الغابائيرجية المثبطة؛ مما يفيد في الوقاية من نكس النوب الصرعية وكذلك نوب الشقيقة. وجرعة البدء هي ٢٥ ملغ ليلاً عبر الفم مع زيادة تدريجية حتى الوصول إلى الجرعة الفعالة التي يُتوقَّع أن تكون بحدود ١٠٠ ملغ، ويظهر التحسن عادة خلال شهر. التأثيرات الجانبية للدواء كثيرة ولكنها خفيفة الشدة عموماً، وتتضمن شواش الحس والتعب واضطراب التوازن وصعوبات في التذكر والتركيز، وبخلاف غالبية الأدوية الوقائية الأخرى فإن التوبيرامات يسبب نقصاً في الوزن، ويُختار لدى الشخص البدين أو السيدة التي ترغب بفقد الوزن خطاً علاجياً أولياً. ويمكن أن يسبب التوبيرامات تشوهات لدى الجنين؛ لذا ينبغي إيقاف الدواء عند الحمل أو اللجوء إلى وسائل أخرى لمنع الحمل، وهو الأنسب.

- أدوية أخرى مستعملة في العلاج الوقائي للشقيقة:

نُشرت دراسات متعددة لأدوية يدعي من أجرى الدراسة أن لها تأثيراً وقائياً فعالاً؛ ولكن قلة من الأدوية أثبتت فعلاً فائدة وقائية مثبتة. ومن بين هذه الأدوية يُذكر مضادات الاكتئاب وخاصة الأميتريبتيلين Amitriptyline والميلاتونين. ومؤخراً كثر استعمال حقن الذيفان الوشائقي Botox في مواضع مختلفة من عضلات الوجه وفروة الرأس- أكثرها فائدة في العضلة الصدغية في الجهتين – وعلى الرغم من أن الفائدة كانت محدودة نسبياً (نقص عدد الأيام التي يعاني خلالها المريض الشقيقة)؛ فإن الدواء حصل على موافقة FDA وبعدها موافقة NICE في عام ٢٠١٢ مع التشديد على أن الاستطباب هو للحالات التي عجزت فيها بقية الأدوية الوقائية عن تحقيق فائدة تُذكَر. إضافة إلى ما سبق هناك نشرات متعددة من هنا ومن هناك تؤكد وجود فائدة وقائية من إعطاء الفيتامين ب ٢ الريبوفلافينRiboflavin بجرعة عالية نسبياً تعادل ٤٠٠ ملغ يومياً وكذلك بإضافة المغنيزيوم (٣٠٠ – ٥٠٠ ملغ يومياً) أو باللجوء إلى علاجات عشبية وخاصة عشبة Butterbur أو أزهارPetasites أو الأقحوان Feverfew أو حتى الناردين Valerian الذي يساعد على النوم.

العلاجات الوقائية غير الدوائية: أهم التدابير المفيدة تتعلق بمعرفة العوامل المحرضة للنوب وتجنب ما يمكن تجنبه منها (العوامل المحرضة كثيرة، وتضم شدة نفسية وتبدلات هرمونية وحبوب منع الحمل وشرب الكحول وأطعمة معيّنة وخاصة الشوكولاته والجبنة المعتقة والتعرض للأضواء اللامعة ومضادات احتقان الأنف). ومن التدابير الوقائية المفيدة أيضاً النوم الجيد والمنتظم والانتظام في تناول الوجبات واختيار وجبات صحية طازجة لا تحوي مواد حافظة وشرب الماء بكميات جيدة وتخفيف الوارد من الكافئين وممارسة الرياضة بانتظام. ويمكن أن يستفيد المرضى من العلاجات النفسية السلوكية والمعرفية السلوكية والتي تتضمن تعليم المريض تقنيات الاسترخاء والتلقيم الحيوي الراجع سواء الحروري أم الكهربي العضلي.

زياد بيطار

 

التصنيف :
المجلد: المجلد السابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58491934
اليوم : 64448