logo

logo

logo

logo

logo

المناعة وزرع الأعضاء

مناعه وزرع اعضاء

-

 المناعة وزرع الأعضاء

المناعة وزرع الأعضاء

المستضدات في زراعة الأعضاء الوقاية والعلاج في رفض الطعم
تحريض الاستجابات المناعية ضد الطعوم المزروعة زرع خلايا الدم والخلايا الجذعية المكونة للدم
الآليات المناعية لرفض الطعم الخلاصة
 

حدثت أبكر محاولات الزرع التي أجريت في التاريخ من أجل استبدال أنسجة سليمة بأخرى متأذية خلال الحرب العالمية الثانية عندما عولج بعض الطيارين الذي تعرضوا بعد تحطم طائراتهم لحروق جلدية واسعة بزرع جلد أشخاص آخرين لكنهم سرعان ما رفضوا الطعم الجلدي. وينجم الرفض عن ارتكاس التهابي يتسبب بأذية الأنسجة المزروعة. بيّنت الدراسات منذ أربعينيات القرن الماضي وخمسينيّاته أن الجهاز المناعي التلاؤمي Adaptive immune system هو الذي يتواسط عملية رفض الطعم نظراً لأن حدثية الرفض تدل على نوعية وذاكرة معينة، ويكون الرفض معتمداً على الخلايا اللمفاوية (الشكل ١).

الدليل

الخلاصة

التعرض المسبق لجزيئات مركب التوافق النسيجي الكبير الخاصة بالمتبرع يؤدي إلى رفض متسارع للطعم.

رفض الطعم يبدي نوعية وذاكرة معينة، وهما ظاهرتان أساسيتان من مظاهر المناعة التلاؤمية .

يمكن نقل المقدرة على الرفض السريع لطعم إلى شخص لم يسبق له أن تعرّفه من خلال نقل لمفاويات له تعود إلى أشخاص سبق لهم وتعرفوا الطعم وطوروا حساسية تجاهه.

رفض الطعم متواسط بالخلايا اللمفاوية.

يؤدي نضوب اللمفاويات التائية أو إزالة تفعيلها بوساطة الأدوية أو الأضداد إلى تناقص في حالات رفض الطعم.

رفض الطعم يتطلب لمفاويات تائية

(الشكل ١): الدلائل على أن رفض الأنسجة المزروعة هو ارتكاس مناعي. وتشير الأدلة السريرية والمخبرية إلى أن رفض الطعوم هو نوع من ارتكاس جهاز المناعة التلاؤمية.

يعود الكثير مما يُعرف اليوم عن مناعيات زراعة الأعضاء إلى التجارب التي أجريت على الذراري المغلقة Inbred strains من القوارض ولاسيما الفئران. يكون كل أعضاء ذرية مغلقة متطابقين وراثياً فيما بينهم، ولكنهم يختلفون بطبيعة الحال عن الذراري الأخرى. وبيّنت هذه الدراسات أن نقل الطعوم بين أعضاء ينتمون إلى ذرية مغلقة واحدة يتم تقبلها على عكس الطعوم التي تنقل بين ذريتين مختلفتين والتي يتم رفضها؛ مما يؤكد أن مفهوم الرفض هو حدثية يتم ضبطها من قبل جينات الحيوان. تم لاحقاً تحديد طبيعة هذه الجينات التي تضبط إيقاع رفض الطعم وتبين أن نتاج العديد من هذه الجينات يكون موجوداً ومُعبّراً عنه في كل الأنسجة. تسمى الجينات الأكثر مساهمة في حدوث عملية رفض الطعوم بين فئران تعود إلى ذراري مغلقة مختلفة جينات «معقد التوافق النسيجي الكبير» Major Histocompatibility Complex أو MHC. وقد تطورت اللغة المناعية في زراعة الأعضاء من خلال التجارب على الحيوانات. يسمى الشخص الذي يقدم الطعم بالمتبرع (المعطي) Donor والشخص الذي يغرس فيه الطعم بالمتلقي Recipient أو المضيف Host. وعندما يتم نقل الطعوم بين حيوانات متطابقة فيما بينها تسمى هذه الحيوانات متجانسة Syngeneic، وعندما يتم نقل الطعوم بين حيوانات مختلفة ولكنها تنتمي إلى النوع ذاته Species تسمى هذه الحيوانات بالغيرية (الخيفية) Allogeneic، وعندما يتم نقل الطعوم بين حيوانات لا تنتمي إلى النوع ذاته تسمى أجنبية Xenogeneic. وتسمى الطعوم في الحالتين الأخيرتين طعوماً غيرية (خيفية) Allograft وطعوماً أجنبية Xenograft على التوالي. وفي كلتا الحالتين يكون مصير الطعم على الدوام الرفض من قبل المتلقي ذي الجهاز المناعي الطبيعي. تسمى المستضدات التي تستهدف بعملية الرفض بالمستضدات الغيرية Alloantigens والمستضدات الأجنبية Xenoantigens على التوالي، كما تسمى الأضداد والخلايا التائية التي ترتكس ضد هذه المستضدات بـ ارتكاسية خيفية Alloreactive وارتكاسية أجنبية Xenoreactive على التوالي. أما في زراعة الأعضاء السريرية فيتم عادة نقل الطعوم بين أشخاص غيريين Allogeneic، وهم أعضاء ذراري غير مغلقة من النوع ذاته (البشري) والذين يختلفون بعضهم عن بعض باستثناء حالة التوأم الحقيقي. ومعظم ما سيتم نقاشه لاحقاً سوف يتعلق بالاستجابات المناعية للطعوم الغيرية Allografts.

المستضدات في زراعة الأعضاء:

المستضدات في الطعوم الغيرية والمستهدفة في عملية الرفض هي أساساً بروتينات مرمَّزة في معقد التوافق النسيجي الكبير MHC. وتكون جينات وجزيئات معقد التوافق النسيجي الكبير MHC عند كل الثدييات متماثلة، ويسمى معقد التوافق النسيجي الكبير عند الإنسان بمعقد «مستضد الكرية البيضاء البشري» HLA. وتطلب الأمر من الباحثين عشرين عاماً منذ اكتشاف معقد التوافق النسيجي الكبير حتى تم اكتشاف وظيفته الفيزيولوجية، وهي أن يكون مسؤولاً عن عرض المستضدات الببتيدية ليتم تعرفها من قبل اللمفاويات التائية. إن جينات MHC متعددة الأشكال بشدة مع وجود ما يزيد على ١٣٠٠٠ أليل لـ HLA عند كل البشر ترمز لعدة آلاف من البروتينات. ولما كان يمكن أن يتم توارث هذه الأليلات وإعادة ظهورها بأي تركيبة ممكنة فإنه من المرجح لكل شخص أن يعبِّر عن بعض بروتينات الـ MHC-peptide complex بشكل مختلف عن بروتينات شخص آخر، ومن ثمّ تبدو بروتيناته غريبة عن الجهاز المناعي لأي شخص آخر باستثناء حالة التوأم الحقيقي.

إن الاستجابة ضد مستضدات MHC الموجودة على خلايا شخص آخر هي واحدة من أقوى الاستجابات المناعية المعروفة. تطورت مستقبلات اللمفاويات التائية لتصبح قادرة على تعرف جزيئات MHC، وهو أمر ضروري لمراقبة الخلايا التي تؤوي الجراثيم المحدثة للأخماج. ونتيجة لعملية الاصطفاء الإيجابي للخلايا التائية التي تحدث في التيموس (التوتة) تبقى وتستمر بعض الخلايا اللمفاوية الناضجة التي لديها بعض الألفة تجاه جزيئات MHC الذاتية، وسيصبح لدى العديد من هذه الخلايا ألفة قوية نحو MHC الذاتي الذي يظهر ببتيدات غريبة. ويمكن لجزيئات MHC الغيرية الحاوية ببتيدات مستمدة من خلايا غيرية أن تبدو كأنها جزيئات MHC ذاتية ومعها ببتيدات غريبة مرتبطة بها (الشكل٢). ومن ثم يعد تعرف جزيئات MHC الغيرية في الطعم الغيري مثالاً عن الارتكاس المناعي المتصالب Immunologic cross-reaction.

(الشكل ٢): تَعرّف جزيئات MHC الغيرية بوساطة الخلايا التائية: يعتقد أن حدثية تعرف جزيئات MHC الغيرية هي ارتكاس متصالب تقوم من خلاله الخلايا التائية المقيدة بمعقد جزيئات MHC الذاتية - ببتيدات غريبة. (أ) بتعرف - أيضاً - جزيئات MHC الغيرية التي تتشابه في بنيتها مع معقد «جزيئات MHC ذاتية - ببتيدات غريبة. (ب وج) الببتيدات القادمة من الطعم أو المتلقي (المسماة ببتيدات ذاتية) قد لاتساهم في حدثية تعرف المستضدات الغيرية(ب)، أو قد تشكل جزءاً من المعقد الذي تقوم الخلية التائية بتعرّفه . ويكون نمط تعرف الخلايا التائية الموضح في (ب و ج) ومن نوع التعرف المباشر للمستضدات الغيرية.

وهنالك العديد من الأسباب التي تفسر قوة ارتكاس الخلية التائية عند تعرف جزيئات MHC الغيرية. ويمكن للعديد من نسائل الخلايا التائية المتخصصة بببتيدات غريبة مرتبطة بجزيئات MHC الذاتية أن تتفاعل بشكل متصالب مناعياً مع أي من جزيئات MHC الغيرية مادام هذا الجزيء الغريب مشابهاً لمعقدات ببتيدات MHC الذاتية - الغريبة. ونتيجة لهذا فإن العديد من الخلايا التائية المتخصصة حصرياً بجزيئات MHC الذاتية يمكن لها أن تتعرف أياً من جزيئات معقد MHC الغيرية. أيضاً فإن عملية الانتقاء السلبي في التوتة تؤدي إلى استبعاد الخلايا التي تتعرف بقوة MHC الذاتي؛ ولكن ليس هناك من آلية لاستبعاد انتقائي للخلايا التائية التي لديها مستقبلات على سطحها (TCR) ذات ألفة عالية نحو جزيئات MHC الغيرية؛ والسبب أن هذه الخلايا غير موجودة على الإطلاق في غدة التوتة. وعلاوة على ذلك إن خلية واحدة من طعم غيري يمكن أن تعبّر express عن آلاف من جزيئات MHC، وكل واحدة من هذه الجزيئات يمكن تعرفها جزيئاً غريباً من قبل الخلايا التائية لمتلقي الطعم. وبالمقابل في حالة الخلايا المصابة بالخمج فإن جزءاً صغيراً فقط من جزيئات MHC الذاتية الموجودة على سطح الخلية سوف يحمل ببتيداً جرثومياً غريباً تم تعرّفه من قبل الخلايا التائية للمضيف. والمحصلة النهائية لكل هذه الملامح الخاصة بتعرّف المستضدات الغيرية هو أن ما نسبته ٠.١٪ حتى ١٪ من كل الخلايا التائية عند الإنسان الطبيعي يمكن لها أن ترتكس ضد جزيء MHC الغيري، وهي نسبة أكبر بكثير من تلك التي تحدث في حالة الخمج حيث تبلغ ما نسبته خلية واحدة من كل مئة ألف حتى مليون خلية تائية ترتكس لتعرُّف أي من المستضدات الجرثومية.

على الرغم من أن بروتينات MHC هي المستضدات الكبرى التي تحرض الرفض المناعي؛ فإن ثمة بروتينات أخرى متعددة الأشكال يمكن لها أيضاً أن تؤدي دوراً في الرفض. وتسمى المستضدات الأخرى غير العائدة إلى مركب MHC - والتي تحرض رفض الطعم- بمستضدات التوافق النسيجي الصغير، وهي بمعظمها بروتينات خلوية طبيعية تختلف أيضاً في تسلسلها بين المتبرع والمتلقي. لايكون عادة ارتكاس الرفض المحدث عبر هذه المستضدات (مستضدات التوافق النسيجي الصغير) وبقوة الارتكاس ضد بروتينات MHC الغريبة. وهنالك حالتان سريريتان تصبح فيهما المستضدات الصغرى أهدافاً مهمة للرفض هما: نقل الدم وزرع الخلية الجذعية المكونة للدم وسيتم مناقشتهما لاحقاً.

تحريض الاستجابات المناعية ضد الطعوم المزروعة:

يتطلب حدوث استجابة مناعية ضد الطعم انتقال المستضدات الغيرية من الطعم نحو العقد اللمفاوية الناحية بوساطة الخلايا التغصنية Dendritic cells، وفي داخل هذه العقد يتم تعرف المستضدات الغيرية من قبل الخلايا التائية المرتكسة للغير alloreactive T cells (الشكل ٣). تقوم الخلايا التغصنية المسؤولة عن تقديم المستضدات الغيرية بدور محفز مشارك، إذ تحرض كلاً من الخلايا التائية المساعدة والخلايا التائية السامة للخلايا CTLs استجابة لتعرف المستضدات الغيرية. وتتوجه كل الخلايا التائية المستجيبة نحو الطعم حيث تتواسط عملية الرفض.

(الشكل٣): الاستجابة المناعية ضد الطعوم المزروعة. تنتقل مستضدات الطعم المحمولة على الخلايا التغصنية للمتبرع أو تلك التي يتم التقاطها من قبل الخلايا التغصنية العائدة إلى المتلقي إلى الأعضاء اللمفاوية المحيطية حيث تتفعل الخلايا التائية المتخصصة بالمستضدات الغيرية (مرحلة التحسيس ). تهاجر الخلايا التائية عائدة إلى الطعم لتقوم بتدمير خلايا الطعم (الرفض). الأضداد أيضاً يتم إنتاجها ضد مستضدات الطعم، وهي تساهم أيضاً في عملية الرفض (غير مبينة بالشكل). المثال الذي يظهره الشكل يعود إلى كلية مزروعة، لكن المبادئ العامة ذاتها تطبق على الأعضاء المزروعة كلها.

يمكن للخلايا التائية أن تتعرف داخل الطعم جزيئات MHC الغيرية المقدمة من قبل الخلايا التغصنية الخاصة بالمتبرع بالطعم؛ أو أن يتم تقديم المستضدات الغيرية من قبل الخلايا التغصنية للمضيف بعد التعامل معها (الشكل ٤). ثمة ملامح وأسماء مختلفة لكل من هذين السبيلين المتبعين في تقديم مستضدات الطعم.

(الشكل ٤): التعرف المباشر وغير المباشر للمستضدات الغيرية. (أ) يحدث التعرف المباشر للمستضدات الغيرية عندما ترتبط الخلية التائية مباشرة بجزيئات MHC الغيرية بحالتها السليمة على الخلايا المقدمة للمستضدات في الطعم الموضح في الشكل (ب). يحدث التعرف غير المباشر عندما تقوم الخلايا المقدمة للمستضدات APCs الخاصة بالمتلقي بأخذ جزيئات MHC الغيرية في الطعم والتعامل معها وتحويلها إلى فتات من الببتيدات الغيرية يتم تقديمها من قبل جزيئات MHC الذاتية الخاصة بالمتلقي. يمكن للخلايا المقدمة للمستضدات الخاصة بالمتلقي أن تقوم أيضاً بالمعالجة والتعامل مع بروتينات الطعم الأخرى غير تلك العائدة إلى جزيئات MHC الغيرية.

• التعرف المباشر للمستضدات الغيرية Direct allorecognition. تحتوي معظم الأنسجة على خلايا تغصنية، وعندما تزرع الأنسجة تكون هذه الخلايا التغصنية محمولة ضمن الطعم. وعندما تتعرف الخلايا التائية الخاصة بالمتلقي جزيئات MHC الغيرية على خلايا الطعم التغصنية تتفعل الخلايا التائية؛ وتدعى هذه العملية بالتعرف المباشر Direct recognition (أو التقديم المباشر) للمستضدات الغيرية. يحرض التعرف المباشر على نشوء الخلايا التائية الارتكاسية للمستضدات الغيرية alloreactive T cells، ومنها على سبيل المثال الخلايا التائية السامة للخلايا CTLs التي تتعرف خلايا الطعم وتهاجمها.

• التعرف غير المباشر للمستضدات الغيرية Indirect allorecongnition. إذا تم التقام ingest خلايا الطعم (أو مستضداته الغيرية) من قبل الخلايا التغصنية الخاصة بالمتلقي فإنه يتم التعامل مع مستضدات الطعم الغيرية ومعالجتها ثم تقديمها بوساطة جزيئات MHC الذاتية على الخلايا المقدمة للمستضدات APCs الخاصة بالمتلقي. وتسمى هذه الحدثية بالتعرف غير المباشر للمستضدات الغيرية (أو التقديم غير المباشر)، وهي حدثية مشابهة للتقديم المتصالب للمستضدات الورمية. وإذا تم تحريض الخلايا التائية الارتكاسية للمستضدات الغيرية من خلال السبيل غير المباشر تكون هذه الخلايا نوعية تجاه مستضدات المتبرع الغيرية المعروضة على الخلايا المقدمة للمستضدات APCs الخاصة بالمتلقي ومن ثمّ تكون غير قادرة على تعرف خلايا الطعم وقتلها (والذي يعبر بطبيعة الحال عن جزيئات MHC الخاصة بالمتبرع). وعندما يتم تعرف مستضدات الطعم الغيرية بوساطة السبيل غير المباشر يرجح أن يكون رفض الطعم التالي لذلك متواسطاً أساساً بالخلايا التائية الارتكاسية من نوع CD4 T cells. ويمكن لهذه الخلايا التائية أن تدخل الطعم جنباً إلى جنب مع الخلايا المقدمة للمستضدات APCs الخاصة بالمضيف حيث تتعرف مستضدات الطعم التي تم التقاطها وتقديمها من قبل هذه الخلايا APCs ذاتها، ثم تقوم بإفراز السيتوكينات cytokines التي تحدث أذية في الطعم ناجمة عن الارتكاس الالتهابي.

لا يُعرف بالضبط ما هي الأهمية النسبية للسبيل المباشر وغير المباشر لتعرف المستضدات الغيرية في رفض الطعوم. قد يكون السبيل المباشر أكثر أهمية في الرفض الحاد الذي يتواسطه تفعيل الخلايا التائية القاتلة؛ في حين قد يحقق السبيل غير المباشر دوراً أكبر في الرفض المزمن والذي سيتم مناقشته لاحقاً.

يتطلب ارتكاس اللمفاويات التائية للطعم الغيري تحريضاً مشاركاً، ولكن من غير الواضح أي من هذه المحرضات الكامنة في الطعم التي تقوم بتعزيز تعبير المحرضات المشاركة على الخلايا المقدمة للمستضدات. وكما هو الحال في الأورام يمكن لخلايا الطعم أن تصاب بالتنخر وربما يحدث ذلك في فترة انقطاع التروية التي تسبق انتهاء عملية الزرع؛ وعندها يمكن للمواد التي تتحرر عادة من الأنسجة المتأذية والخلايا الميتة بانقطاع التروية أن تفعِّل الخلايا المقدِّمة للمستضدات APCs عبر آليات المناعة الخلقية innate immune system. وكما سيتم مناقشته لاحقاً يعد حصار التحريض المشارك إحدى الطرائق العلاجية التي تهدف إلى تعزيز بقيا الطعم.

وعلى الرغم من أن معظم الاهتمام المتعلق برفض الطعم يقع على الدور الذي تؤديه الخلايا التائية فإن من الواضح أن الأضداد المضادة للطعم الغيري تساهم هي أيضاً في حدوث الرفض. ومعظم هذه الأضداد الغيرية alloantibodies هي أضداد ذات ألفة عالية ومعتمدة على الخلايا التائية المساعدة. ومن أجل أن يتم إنتاج هذه الأضداد الغيرية تقوم الخلايا البائية الخاصة بالمتلقي بتعرف المستضدات الغيرية للمتبرع ومعالجتها، ومن ثم تقوم بتقديم ببتيدات هذه المستضدات إلى الخلايا التائية المساعدة ومن ثمّ البدء بحدثية إنتاج الأضداد، ويعدّ هذا مثالاً جيداً عن التقديم غير المباشر للمستضدات الغيرية، وفي هذه الحالة يكون التقديم عبر اللمفاويات البائية.

الآليات المناعية لرفض الطعم:

يصنف رفض الطعم في أنماط منها: فوق حاد (مفرط الحدة)، وحاد، ومزمن استناداً إلى الملامح السريرية والتشريحية المرضية (الشكل ٥). السريريون هم بالواقع من وضع هذا التصنيف التاريخي مستندين فيه إلى رفض الكلية المزروعة. قد صمد هذا التصنيف على نحو لافت للنظر طوال الوقت الذي انقضى عليه وما يزال ساري المفعول حتى الآن. من الواضح أن كل نمط من أنماط الرفض تلك بحسب هذا التصنيف يتم تواسطه وفق نمط خاص من الاستجابة المناعية.

(الشكل ٥): الآليات والتشريح المرضي في رفض الطعم. في الجانب الأيمن يوجد المظهر النسيجي الذي يمثل كل نمط من الرفض.

أ- في الرفض فوق المفرط الحدة: ترتكس الأضداد المتشكلة مسبّقاً مع المستضدات الغيرية على البطانة الوعائية للطعم الغيري وتفعِّل المتممة، وتطلق خثار الأوعية سريعاً وتحدث النخرة في جدر الوعاء.

ب- في الرفض الحاد: تتفاعل اللمفاويات التائية من نوع CD8+ مع المستضدات الغيرية على الخلايا البطانية للطعم والخلايا البرانشيمية، أو تقوم الأضداد بالتفاعل مع الخلايا البطانية وتسبب حدوث أذية لهذه الأنماط المختلفة من الخلايا. يسمى الالتهاب الذي يصيب البطانة بالتهاب بطانة الأوعية endothelialitis . دراسة الأنسجة تظهر وجود رفض خلوي حاد في الصورة (أ) ورفض خلطي (متواسط بالأضداد) في الصورة (ب).

ج- في الرفض المزمن مع تصلب أوعية الطعم: يؤدي تفاعل الخلايا التائية مع المستضدات الغيرية للطعم إلى إنتاج السيتوكينات التي تحدث التهاباً وتنمياً في خلايا العضلات الملس البطانية، مما يؤدي في النهاية إلى انسداد لمعة أوعية الطعم.

الرفض فوق الحاد: (مفرط الحدة) يحدث خلال دقائق من إجراء الزرع، ويتميز بحدوث خثار في أوعية الطعم ونخرة في الطعم ناتجة من انقطاع التروية الدموية. يتواسط هذا النوع من الرفض أضداد جائلة في الدوران تكون نوعية ضد مستضدات الخلايا البطانية لهذا الطعم وتكون موجودة قبل إجراء الزرع. ويمكن لهذه الأضداد مسبّقة الوجود أن تكون أضداداً طبيعية من نوع IgM، ونوعية ضد مستضدات الزمر الدموية، أو تكون أضداداً نوعية ضد جزيئات MHC الغيرية والتي تم تحريض تشكيلها بعد التعرض لخلايا غيرية نتيجة لنقل دمٍ أو حملٍ أو زراعة أعضاء بالسابق. وتتحد هذه الأضداد على نحو شبه فوري بعد الزراعة مع المستضدات الموجودة على سطح البطانة الوعائية للطعم وتقوم بتفعيل أجهزة المتممة والتخثر؛ مما يتسبب بحدوث أذية بطانية وتشكل خثرة. ومن غير الشائع في الممارسة السريرية لزراعة الأعضاء مصادفة الرفض فوق الحاد، ويعود السبب في ذلك إلى الطريقة التي يتم من خلالها اختيار المتبرع بحيث يكون متوافق الزمرة الدموية مع المتلقي والذي يجرى له قبل الزراعة اختبار للبحث عن الأضداد الموجهة ضد خلايا المتبرع المحتمل (يسمى هذا الاختبار باختبار التوافق cross-match). وعلى الرغم مما تقدم يبقى الرفض فوق الحاد العقبة الأساسية التي تقف حيال زراعة أعضاء الحيوان للإنسان (الزرع الأجنبي) Xenotransplantation والذي سيتم مناقشته لاحقاً.

الرفض الحاد: يحدث بعد أيام أو أسابيع من الزرع، ويعدّ السبب الرئيسي للفشل المبكر للعضو المزروع. يتواسط الرفض المبكر كل من الخلايا التائية والأضداد النوعية الموجهة ضد المستضدات الغيرية في الطعم. ويمكن للخلية التائية هنا أن تكون خليَّة لمفاوية قاتلة CD8+ والتي تقوم بتدمير خلايا الطعم مباشرة، أو أن تكون من نوع CD4+ التي تفرز السيتوكينات وتحرض الالتهاب مما سيتسبب أيضاً بدمار الطعم. ويمكن أيضاً للخلايا التائية أن ترتكس ضد خلايا أوعية الطعم مسببة أذية وعائية. وتساهم الأضداد في الأمر ولاسيما في المكوِّن الوعائي للرفض الحاد. وتنجم الأذية الوعائية المحدثة بالأضداد أساساً عن تفعيل السبيل الكلاسيكي للمتممة. صممت المعالجات الحديثة المثبطة للمناعة في زراعة الأعضاء أساساً لدرء حدوث شدة الرفض الحاد أو خفض شدته من خلال إعاقة تفعيل الخلايا التائية الارتكاسية الغيرية.

الرفض المزمن: شكل بطيء من أذية الطعم يحدث خلال أشهر أو سنين ويتسبب بضياع تدريجي في وظيفة الطعم. وقد يتظاهر الرفض المزمن بتليف الطعم وتضيق تدريجي في لمعة أوعيته الدموية؛ وهو ما يعرف بتصلب شرايين الطعم. وفي كلتا الحالتين يعتقد أن الخلايا التائية هي التي تقف خلف ما يحدث حيث ترتكس ضد مستضدات الطعم الغيرية وتفرز السيتوكينات التي تحرض على تكاثر كل من الخلايا المولدة للِّيف fibroblasts وخلايا العضلات الملس للأوعية في الطعم وعلى تفعُّلها. وتساهم الأضداد الغيرية alloantibodies أيضاً في حدوث الرفض المزمن. على الرغم من التحسن الكبير والمطّرد في العلاجات المتوفرة حالياً للوقاية من الرفض الحاد أو لعلاجه عند حصوله - والتي أدت إلى تحسن ملحوظ في بقيا الطعم بعد سنة من الزراعة - لكن الرفض المزمن ما يزال معنداً على معظم هذه المعالجات، ولهذا السبب يعدّ الرفض المزمن هو السبب الرئيسي لفشل وظيفة الطعم.

الوقاية والعلاج في رفض الطعم:

تعد مثبطات المناعة حجر الزاوية في كل من الوقاية والعلاج للرفض في زراعة الأعضاء، وتصمم هذه الأدوية أساساً من أجل منع تفعيل الخلايا التائية وكل ما يترتب على تفعيلها من تبدل بالوظائف (الشكل ٦). انطلقت فعلياً حقبة زراعة الأعضاء في العصر الحديث منذ أن تمكن الباحثون من تطوير الأدوية المثبطة للمناعة التي جعلت الأمر ممكناً؛ بحيث يمكن أن يُزرع عضوٌ للمتلقي من متبرع غير متوافق الأنسجة NOT HLA - matched with recipient معه ولاسيما في الحالات التي يكون فيها تحقيق التوافق غير عملي كما هو الحال في زرع القلب أو الرئة أو الكبد.

الدواء

آلية العمل

السيكلوسبورين والتاكروليموس.

حصار إنتاج الخلايا التائية للسيتوكينات من خلال تثبيط إنزيم كالسينورين فوسفاتاز؛ ومن ثم منع تفعيل عامل نسخ NFAT.

مايكوفينولات موفتيل

mycophenolate mofetil.

حصار تكاثر proliferation اللمفاويات من خلال تثبيط تصنيع نوكليوتيد الغوانين في الخلايا اللمفاوية.

الرابامايسين rapamycin

حصار تنمي اللمفاويات من خلال تثبيط mTOR وIL-2 signaling.

الستيروئيدات القشرية.

تقلل من الالتهاب من خلال تأثيرها على العديد من أنماط الخلايا.

الغلوبولين المضاد لخلية التوتة ATG.

يرتبط بالخلايا التائية ويسبب نضوبها من خلال تحفيزه للبلعمة الخلوية أو انحلال الخلايا المتواسط بالمتممة (يستعمل في علاج الرفض الحاد).

أضداد مستقبلات IL-2 (CD25).

تثبط تكاثر الخلايا التائية من خلال حصار ارتباط IL-2؛ ويمكن أيضاً أن تطهو وتساعد على إزالة الخلايا التائية التي تحمل express مستقبلات IL-2 الفعالة.

CTLA4-Ig (belatacept).

تثبط تفعيل الخلايا التائية بوساطة حصار ارتباط المنبه المشارك B7 المرتبط على الخلايا التائية من نوع CD28.

أضداد CD52 (alemtuzumab).

نضوب الخلايا اللمفاوية بوساطة الانحلال المتواسط بالمتممة.

(الشكل ٦): علاج رفض الطعم. الأدوية المستخدمة في علاج رفض الأعضاء المزروعة وآليات عمل كل منها.

وتعد مثبطات الكالسينورين calcineurin ومنها السايكلوسبورين والتاكروليموس Tacrolimus واحدة من أكثر أصناف مثبطات المناعة التي ثبتت فائدتها في سريريات زراعة الأعضاء، وهي تعمل من خلال حصار إنزيم كالسينورين فوسفاتاز؛ وهو إنزيم ضروري من أجل تفعيل عامل نسخ يدعى»NFAT العامل النووي للخلايا التائية المفعلة» (Nuclear Factor of Activated T- Cells)، ومن ثم من خلال حصار هذ الإنزيم يتثبط نسخ جينات السيتوكين في الخلايا التائية. كان دواء السيكلوسبورين الأول من مجموعة مثبطات الكالسينورين الذي أظهر فوائد سريرية بوصفه مثبطاً مناعياً من خلال تثبيطه للخلايا التائية والوسائط الكبرى في رفض الطعم. أما الرابامايسين rapamycin فهو واحد من الأدوية الأخرى الواسعة الاستعمال؛ وهو مثبط لإنزيم كيناز يسمى mTOR، وهو ضروري لتفعيل الخلايا التائية. وهنالك العديد من الأدوية الأخرى المثبطة للمناعة قيد الاستعمال؛ وهي أدوية رديفة أو بديلة لمثبطات الكالسينورين و mTOR (الشكل ٦).

المشكلة في كل هذه الأدوية المثبطة للمناعة أن تثبيطها للمناعة يكون غير نوعي، بمعنى أن تثبيطها للاستجابة المناعية لا يقتصر فقط على الاستجابة الموجهة للطعم، ومن ثمّ يصبح مرضى زراعة الأعضاء قيد المعالجة بهذه الأدوية عرضة للإصابة بالأخماج ولاسيما الناجمة عن المكروبات داخل الخلوية، ويبدون زيادة في حدوث السرطان ولاسيما الأورام المحدثة بالفيروسات المسرطِنة oncogenic viruses.

في الفترة التي سبقت استعمال السيكلوسبورين كان للتوافق في أليلات HLA بين المتبرع والمتلقي من خلال التنميط النسيجي دور مهم في الممارسة السريرية من أجل الإقلال من حدوث رفض الطعم، وعلى الرغم من أن تحقيق مثل هذا التوافق ما يزال إلى اليوم يعدّ أمراً على غاية من الأهمية من أجل نجاح زراعة بعض الأنماط من الأنسجة (مثال ذلك زرع الخلية الجذعية المكونة للدم)، إضافة إلى دور التوافق النسيجي في تحسين بقيا باقي الأعضاء التي يمكن زرعها (مثال ذلك زرع الكلية)؛ بيد أن مثبطات المناعة الحديثة تعدّ فعالة جداً إلى درجة أنه لم يعد هذا التوافق النسيجي في HLA من الأمور الضرورية في العديد من أنماط زراعة الأعضاء (مثال ذلك زراعة القلب والكبد)، والسبب الرئيسي وراء ذلك يعود إلى محدودية عدد المتبرعين في الوقت الذي غالباً ما تكون فيه حالة المتلقين سيئة إلى درجة لا تسمح بانتظار توفر الأعضاء التي تحقق توافقاً نسيجياً جيداً.

إن نجاح تحريض حالة التحمُّل Tolerance المناعي عند المتلقي ولاسيما تجاه المستضدات الغيرية الخاصة بالطعم هو الهدف البعيد المدى للطبيب المختص بمناعة زراعة الأعضاء، وفي حال تحقق ذلك فسوف يسمح بتقبل المتلقي للطعم من دون الحاجة إلى إطفاء (إغلاق) كل وسائل الاستجابات المناعية عند المضيف. إن الأبحاث والتجارب السريرية الهادفة إلى تحريض التحمل النوعي للطعم graft-specific tolerance هي على قدم وساق.

يعدّ النقص في عدد المتبرعين بالأعضاء المناسبين واحداً من المشاكل الكبرى التي تعتري زراعة الأعضاء، ولهذا السبب توجهت الأنظار نحو زراعة أعضاء الحيوانات Xenotransplantation انطلاقاً من أنها قد تساعد على إيجاد مخرجٍ لهذه المشكلة. خلصت دراسات عديدة إلى نتيجة مفادها أن الرفض فوق الحاد هو سبب شائع لضياع الطعم الحيواني المنشأ. أما عن أسباب الحدوث المرتفع للرفض فوق الحاد للطعوم الحيوانية فيعود إلى أنه غالباً ما يكون لدى الأشخاص أضدادٌ موجهةٌ ضد الخلايا العائدة إلى أنواع أخرى غير الجنس البشري؛ وكذلك إلى افتقاد خلايا الطعم الحيواني للبروتينات المنظمة التي من شأنها أن تكبح تفعيل جهاز المتممة عند الإنسان. هذه الأضداد شبيهة بالأضداد الموجهة ضد مستضدات الزمر الدموية وتدعى بالأضداد الطبيعية استناداً إلى أن تشكلها بالأصل لا يتطلب تعرضاً مسبّقاً للمستضدات الأجنبية xenoantigens. ويعتقد أن هذه الأضداد قد أنتجت بالأصل ضد الجراثيم التي تستوطن الأمعاء عادة، ومن ثم يمكن لها أن تتفاعل بشكل متصالب ضد الأنواع الأخرى غير الجنس البشري. تتعرض طعوم الحيوانات xenografts أيضاً للرفض الحاد تماماً كما هو عليه الحال في الأعضاء البشرية؛ ولكن على الأغلب يكون الرفض أكثر شدة ضد الأعضاء الحيوانية. تعدّ مشكلة رفض الطعوم الحيوانية ويضاف إليها الصعوبات الكبيرة في توفير أعضاء حيوانات تكون قريبة من الناحية التطورية من البشر من الأسباب الرئيسية التي تجعل حتى الآن الزراعة من أعضاء حيوانية خياراً بعيد المنال.

زرع خلايا الدم والخلايا الجذعية المكونة للدم:

يعدّ زرع خلايا الدم أو ما يعرف بنقل الدم أقدم أشكال الزراعة في الطب السريري. العقبة الكبرى التي تقف أمام نقل الدم هي وجود مستضدات الزمر الدموية الغريبة وهي الأنماط المختلفة لمستضدات ABO (الشكل ٧). تتوضع هذه المستضدات على سطح خلايا الدم الحمراء إضافة إلى سطح الخلايا البطانية والعديد من أنواع الخلايا الأخرى. تتكون مستضدات ABO من كربوهيدرات على غشاء من الغليكوبروتين أو الغليكوسفينغوليبيدات؛ وتحتوي على لب من الغليكان الذي قد يحتوي على نهاية إضافية من السكر. وتحتوي مستضدات الزمر الدموية A وB على نهايات سكرية مختلفة (N-acetylgalactosamine وغالاكتوز على التوالي)؛ يحمل الأشخاص أصحاب الزمرة الدموية AB كلتا النهايتين السكريتين على مختلف جزيئات الدسم السكرية glycolipid؛ أما الأشخاص ذوو الزمرة O فيكون لب الغليكان لديهم من دون أي من النهايات السكرية.

(الشكل٧): مستضدات الزمر الدموية ABO شكل يبين المستضدات والأضداد الموجودة لدى البشر وفقاً لزمرهم الدموية الكبرى ABO.

يتقبل الأشخاص الذين يملكون مستضدات خاصة بزمرة دموية معينة نقل الدم الذي يحمل هذه الزمرة ذاتها؛ ولكنهم يملكون أضداداً ضد باقي الزمر الدموية. وأصحاب الزمرة الدموية O مثلاً يمتلكون أضداداً ضد كل من المستضد A و B. ويعود سبب تشكل هذه الأضداد لديهم إلى المستضدات التي تملكها الجراثيم الموجودة في الأمعاء والتي تتفاعل بشكل متصالب مع مستضدات الزمر الدموية ABO. وهذه الأضداد المشكلة مسبّقاً تتفاعل ضد خلايا الدم المنقول التي تحمل المستضدات المستهدفة، ونتيجة كل ذلك قد يحدث ارتكاس شديد لنقل الدم. يمكن تلافي هذه المشكلة من خلال نقل الدم المتوافق الزمر الدموية بين المتبرع والمتلقي، ويعدّ هذا الأمر واحداً من المبادئ الأساسية في ممارسة الطب، ونظراً لأن مستضدات الزمر الدموية سكرية الطبيعة فهي لا تحرض ارتكاس الخلايا التائية.

زرع الخلية الجذعية المكونة للدم Hematopoietic stem cell transplantation يستعمل الآن على نحو متزايد من أجل تصحيح عيوب تشكُّل الدم واستعادة قدرة نقي العظام على توليد الدم بعد أن تأذت هذه القدرة نتيجة للعلاج الكيميائي أو الشعاعي للسرطان، أو بوصفه جزءاً من علاج ابيضاض الدم. وتؤخذ الخلايا الجذعية من نقي العظم أو- وهو الأغلب- من دم المتبرع، ثم تحقن في جهاز دوران المتلقي، ويتلو ذلك توجهها لتسكن نقي العظام الخاص بالمتلقي. ويطرح موضوع زرع الخلية الجذعية المكونة للدم العديد من المشاكل الخاصة. وقبل إجراء زرع نقي العظم يجب تدمير جزء من نقي العظم الخاص بالمتلقي من أجل خلق مساحة لاستقبال الخلايا الجذعية المزروعة. وسوف يتسبب هذا النضوب المحدث في نقي المتلقي حتماً بإحداث عوز في خلايا الدم ومن ضمنها الخلايا المناعية، ومن ثم احتمال تسبب هذا النضوب المحدث في خلق حالة عوز مناعي قد تكون خطرة. يرتكس الجهاز المناعي بقوة ضد الخلايا الجذعية الغيرية المكونة للدم، وبالتالي فإنه يشترط لأي زرع نقي عظم ناجح أن يحقق توافقاً مختاراً بعناية في HLA بين المتبرع والمتلقي. يفيد هذا التوافق أيضاً في الوقاية من حدوث رفض الخلايا الجذعية المزروعة على يد الخلايا القاتلة الطبيعية Natural Killer Cell التي يتم تثبيطها. وفي حال تمت زراعة خلايا تائية ناضجة مع الخلايا الجذعية عندها يمكن لهذه الخلايا التائية الناضجة أن تهاجم أنسجة المتلقي نفسه وتتسبب في حدوث ارتكاسٍ سريريٍ يعرف بـ «داء الطعم ضد المضيف» graft-versus-host disease. ولما كان هذا التوافق فيHLA من الناحية العملية محققاً دوماً في كل حالات هذا النوع من الزراعة، فغالباً ما يكون هذا الارتكاس السريري في حال حصوله موجهاً ضد مستضدات التوافق النسيجي الصغير. ويتم استغلال هذا الارتكاس ذاته في قتل خلايا الابيضاض، ولهذا السبب أصبح الآن زرع الخلية الجذعية المكونة للدم مستعملا بكثرة في علاج ابيضاضات الدم التي لم تستجب للعلاج الكيمياوي. ويمكن للخلايا القاتلة الطبيعية الموجودة في نقي العظام المزروع أن تساهم في تدمير خلايا الابيضاض.
لا يعني تكلل زرع نقي العظم بالنجاح أن المشاكل قد انتهت بل غالباً ما يصبح المتلقون في حالة من العوز المناعي الشديد وذلك طوال الوقت الذي تكون فيه أجهزتهم المناعية ما تزال قيد إعادة الهيكلة والتشكل من جديد. ولكن على الرغم من كل هذه المشاكل يعد زرع الخلية الجذعية المكونة للدم علاجاً ناجحاً لمجموعة واسعة من الأمراض التي تصيب كلاً من الجهاز المكون للدم والجهاز اللمفاوي.

الخلاصة:

- يقوم الجهاز المناعي برفض طعوم الأنسجة الغريبة، وتعد جزيئات MHC المستضد الأكبر المستهدف في عملية الرفض.

- مستضدات الطعم التي تقوم الخلايا التائية بتعرفها هي جزيئات MHC غيرية تشابه جزيئات MHC ذاتية محملة بالببتيدات التي اختيرت الخلايا التائية كي تقوم بتعرفها. وتُقدم مستضدات الطعم إلى اللمفاويات التائية للمتلقي مباشرة؛ أو أنها تُلتقط وتعالج ثم تقدم من قبل الخلايا المقدمة للمستضد الخاصة بالمتلقي.

- يمكن للطعم أن يتم رفضه بآليات عدة. الرفض فوق الحاد تتواسطه الأضداد المشكلة مسبّقاً ضد مستضدات الزمر الدموية أو جزيئات HLA والتي تسبب أذية بطانية وخثاراً في الأوعية الدموية الخاصة بالطعم. والرفض الحاد تتواسطه كل من الخلايا التائية التي تؤذي خلايا الطعم وبطانته الوعائية وكذلك الأضداد التي ترتبط بالبطانة. وينجم الرفض المزمن عن الخلايا التائية التي تنتج السيتوكينات التي تحرض هي أيضاً نمو كلٍ من خلايا العضلات الملس في الأوعية والنسيج المكون للِّيف.

يقوم علاج رفض الطعم على كبت استجابات الخلية التائية والالتهاب. وتعدّ الأدوية المثبطة للمناعة بمنزلة العمود الفقري لعلاج الرفض، وتتضمن الستيروئيدات القشرية والسيكلوسبورين؛ إضافة إلى العديد من الأدوية الأخرى قيد الاستعمال السريري حالياً.

يثير زرع الخلية الجذعية المكونة للدم ارتكاسات رفض قوية تحمل معها خطر حدوث «داء الطعم ضد المضيف»؛ وغالباً ما تؤدي إلى حالة عابرة من العوز المناعي.

بسام سعيد

 

التصنيف : علم المناعة
النوع : الجهاز المناعي
المجلد: كتاب علم المناعة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58492108
اليوم : 64622