logo

logo

logo

logo

logo

أورام الجهاز الهضمي

اورام جهاز هضمي

digestive apparatus tumors - tumeurs de l’appareil digestif



أورام الجهاز الهضمي

 

سمير الحفار

سرطان المريء سرطان الخلية الكبدية
سرطان المعدة سرطان المرارة
سرطان المعي الدقيق سرطان الطرق الصفراوية
سرطان القولون والمستقيم سرطانة مجل (أمبولة) ڤاتر
سرطان الشرج سرطان المعثكلة
 

 

تختلف سرطانات الجهاز الهضمي بعضها عن بعض من وجهة استجابتها للمعالجة الجراحية والشعاعية والكيميائية بحسب مكان توضعها ودرجة انتشارها. يعتمد تدبير سرطانات الجهاز الهضمي على تضافر جهود أطباء من اختصاصات مختلفة تشمل أطباء الهضمية والجراحة وأطباء الأورام والأشعة والتشريح المرضي.

وفيما يلي مناقشة سرطانات الجهاز الهضمي بحسب مكان توضعها التشريحي.

أولاً- سرطان المريء  :esophageal cancer

تختلف نسبة وقوع سرطان المريء من بلد إلى بلد آخر. تزداد نسبة الوقوع في بعض المناطق في الصين وإيران (100 حالة لكل 100.000 نسمة في السنة)، في حين تكون نسبة الوقوع منخفضة في بلدان أخرى كالولايات المتحدة (10 حالات لكل 100.000 نسمة في السنة). ولوحظت زيادة واضحة في نسبة حدوث السرطانة الغدية في الثلث السفلي من المريء في الكثير من الدول المتقدمة في العقود الثلاثة الأخيرة. يكثر سرطان المريء حرشفي الخلايا مع التدخين وتناول الكحول في حين تكثر سرطانة المريء الغدية مع حدوث الجزر المعدي المريئي. توصي الكلية الأمريكية للأمراض الهضمية  American College of Gastroenterology بضرورة إجراء تنظير هضمي علوي للمرضى الذين يشكون من جزر معدي مريئي مزمن وخاصة في الرجال الذين يتجاوزون الخمسين سنة من العمر. ويعاد التنظير الهضمي العلوي كل 2-3 سنوات إذا لم يكشف الفحص النسجي للخزعات وجود خلل التنسج. ويجب تأكيد خلل التنسج شديد الدرجة من قبل مشرح مرضي ثانٍ مع إعادة التنظير الهضمي العلوي بعد 3 أشهر. ويجب معالجة المرضى المصابين بخلل تنسج شديد الدرجة مترافق مع إصابة مخاطية تنظيرية باستئصال مخاطي عن طريق التنظير endoscopic mucosal resection أو باستئصال جراحي.

الشكل (1) سرطان مريء شائك الخلايا
بالتنظير الهضمي العلوي

يشخص سرطان المريء بالتنظير الهضمي العلوي مع أخذ خزعات متعددة (الشكل 1). وتحديد المرحلة staging أساسي للتدبير من أجل اختيار نمط المعالجة وتحديد الإنذار. يعتمد تحديد المرحلة على الفحص السريري، والفحوص المخبرية، وتنظير القصبات في سرطان المريء حرشفي الخلايا، وعلى التصوير المقطعي المحوسب للصدر والبطن، والصدى (الإيكو) عبر التنظير والـ PET لكشف النقائل البعيدة. يفيد الصدى عبر التنظير - خاصةً عند المرضى المرشحين لعمل جراحي - في تحديد درجة انتشار الورم عبر جدار المريء والكشف عن وجود ضخامات عقدية منصفية تعد مشتبهة حين يتجاوز قطرها 10مم. والصدى عبر التنظير أكثر دقة من التصوير المقطعي المحوسب الحلزوني في تحديد المرحلة الموضعية للورم، كما يفيد في أخذ خزعات من ضخامات عقدية منصفية مشتبهة.

يعتمد تحديد مرحلة سرطانة المريء على تصنيف ورم - عقد - نقائل، المعروف اختصاراً باسم الـ TNM، المقترح من قبل اللجنة الأمريكية المشتركة للسرطان American Joint Committee on Cancer (AJCC) (الجدول رقم 1 و2). تختلف نسبة البقيا حسب مرحلة الورم. وتعتمد المعالجة كما في باقي الأورام الخبيثة على تقييم فائدة المعالجة بالمقارنة مع الخطر الناجم عن هذه المعالجة مع الأخذ بالحسبان الخبرة المحلية وتفضيل المريض لطريقة معينة في المعالجة.

تعد الجراحة المعالجة المفضلة في الأورام الموضعة. تستطيع المعالجة الشعاعية شفاء عدد قليل من المرضى واستعيض عنها بإشراك المعالجة الشعاعية والكيميائية. تعتمد المعالجة الكيميائية على الـ cisplatin والـ s5-fluorouracil، كما يمكن استخدام الأدوية الأكثر حداثةً كالـ irinotecan  والـ taxane. تفيد المعالجة الكيميائية قبل الجراحة في السرطانة الغدية. وتزيد مشاركة المعالجة الشعاعية والكيميائية قبل العمل الجراحي من نسبة البقيا.

معالجة المرض الموضع (المرحلة I): الجراحة هي المعالجة المفضلة للسرطانة الغدية والسرطانة حرشفية الخلايا خاصة عند عدم إصابة الطبقة تحت المخاطية والعضلية بالخاصة (T1-2-N0-1). يشمل العمل الجراحي استئصال المريء ومفاغرة المعدة مع المريء الرقبي أو استخدام قطعة من القولون لإعادة الوصل بين المريء والمعدة. هناك اختلاف حول معالجة السرطانة السطحية داخل المخاطية (Tis-T1a-N0) إذ يعتقد بعضهم أن المعالجة الجراحية هي المفضلة في حين يلجأ آخرون إلى الاستئصال المخاطي عبر التنظير. لا تستطب المعالجة الكيميائية والشعاعية في معالجة  الورم الموضع.   

معالجة المرض المنتشر (المرحلة II A- III): لا تعد الجراحة المعالجة المرجعية لعدم إمكان استئصال الورم استئصالاً كاملاً في عدد كبير من المرضى. تؤدي المعالجة الشعاعية والكيميائية قبل العمل الجراحي (معالجة ثلاثية) إلى أفضل احتمال للشفاء. والمعالجة الثلاثية هجومية وغالية الثمن. يمكن إشراك المعالجة الكيميائية والشعاعية في المرضى الذين لا يستطيعون تحمل العمل الجراحي. ويكتفى بالمعالجة الملطفة في المرضى الذين تكون حالتهم سيئة بعد الموازنة بين نسبة الشفاء المنخفضة والمراضة الناجمة عن المعالجة.

معالجة النقائل البعيدة (المرحلة IV): يلجأ في هذه الحالة إلى المعالجة الملطفة. وقد تزيد المعالجة المشتركة الشعاعية والكيميائية من نسبة البقيا مع الانتباه للتأثيرات الجانبية لهذه المعالجة.

المعالجة التلطيفية بالتنظير: تتوافر عدة طرق تنظيرية ملطفة لمعالجة سرطان المريء. يخفف توسيع المريء عبر التنظير من عسر البلع مؤقتاً. كما يخفف الإستنت (الدعامة) المعدني العادي والإستنت المعدني المغطى - وهو الأفضل - من عسر البلع على نحو ملحوظ. وحقن الكحول داخل الورم طريقة رخيصة الثمن ولكنه قد يؤدي إلى حدوث انثقاب مريء أو التهاب منصف كيميائي. يمكن فتح لمعة المريء باستخدام الليزر ياغ Nd: YAG laser أو التخثير بالأرغون argon plasma coagulation أو المعالجة الضوئية الحركية photodynamic therapy بعد حقن دواء حساس للضوء بالطريق الوريدي يتوضع في النسيج الورمي مما يسمح بتطبيق معالجة ضوئية على الأنسجة التي يتركز فيها الدواء وبالتالي تخريب النسيج الورمي.

تبلغ نسبة البقيا لخمس سنوات 35-60% في المرضى في المرحلة I أو A II، و15-25% في المرضى في المرحلة B II  أو III. والسرطان شائك الخلايا أسوأ إنذاراً من السرطان الغدي بسبب مكان توضعه وميله للانتشار اللمفاوي واشتراكه وسرطانات أخرى.

ثانياً- سرطان المعدة   :gastric cancer

سرطان المعدة هو ثاني سبب للوفيات الناجمة عن السرطان في العالم بعد سرطان الرئة. ينجم سرطان المعدة في 90% من الحالات عن سرطانة غدية adenocarcinoma. تناقصت نسبة وقوع سرطانة المعدة الغدية كثيراً في دول العالم المتقدم، وقد يكون ذلك ناجماً عن زيادة نسبة تناول الخضار والفواكه الطازجة وتناقص نسبة تناول الأطعمة المملحة والمحفوظة التي تحوي نسبة عالية من النيترات. هناك تباين كبير في نسبة وقوع سرطانة المعدة الغدية بحسب المناطق الجغرافية في العالم، فتشاهد أعلى نسبة وقوع في اليابان. وأظهرت دراسات وبائية متعددة وجود علاقة بين زيادة نسبة وقوع سرطان المعدة وانخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وقد يكون ذلك ناجماً عن زيادة نسبة الخمج بجرثومة الحلزونية البوابية. ومع انخفاض نسبة وقوع سرطان المعدة على نحو عام لوحظ في العقود الثلاثة الأخيرة زيادة نسبة وقوع سرطان المعدة الداني وسرطان الوصل المعدي المريئي اللذين يشتركان من الناحية السببية مع جزر معدي مريئي ومريء باريت Barrett.  

يقسم سرطان المعدة من الناحية التشريحية المرضية إلى نمطين: النمط المعوي intestinal type وهو النمط المسيطر في البلدان التي تكون فيها نسبة وقوع هذا السرطان عالية، والنمط المنتشر diffuse type الذي يشاهد في المرضى الأصغر عمراً وإنذاره أسوأ. كما يقسم سرطان المعدة إلى سرطان مبكر early stage cancer لا يصيب الطبقة العضلية دون النظر لإصابة العقد اللمفاوية، وسرطان متقدم advanced stage cancer. ينتقل سرطان المعدة بالطريق الدموي إلى الكبد، والرئة، والأعضاء الصلبة الأخرى، والسرة (عقدة الأخت ماري جوزيف)، والمبيض (ورم كروكنبرغ)، والعقد فوق الترقوة اليسرى (عقدة فيرشوف)، ورتج دوغلاس (رف بلومر). يشير وجود هذه الانتقالات البعيدة إلى صعوبة إجراء استئصال جراحي شافٍ.  

الشكل (2) قرحة معدية سليمة في الأيمن
وقرحة معدية خبيثة في الأيسر بالتنظير الهضمي العلوي

 توصي الجمعية الأمريكية الهضمية بإجراء تنظير هضمي علوي حين وجود عسر هضم حديث العهد في مريض يتجاوز الـ 55 سنة، أو حين وجود أعراض منبئة بالخطرalarm symptoms  قبل عمر الـ 55 كنقص الوزن، أو عسر بلع مترقٍ، أو نزف هضمي، أو وجع البلع، أو كتلة مجسوسة، أو يرقان. يعتمد تشخيص سرطان المعدة على تأكيد نسيجي من عينات مأخوذة بالتنظير الهضمي العلوي. يشمل التشخيص التفريقي لسرطان المعدة قرحة المعدة السليمة التي تتميز من قرحة المعدة الخبيثة بأنها أصغر حجماً مع حواف منتظمة وثنيات معدية منتظمة تحيط بالقرحة (الشكل 2). ينبغي عند وجود قرحة معدية في أثناء التنظير أخذ خزعات متعددة من حواف القرحة وليس من مركزها الذي يحوي على أنسجة متنخرة غير ورمية. تصل حساسية تشخيص قرحة المعدة الخبيثة إلى 99% عند أخذ 8 خزعات. كما ينبغي أخذ خزعات متعددة من مكان تندب القرحة المعدية إذ يمكن لقرحة معدية خبيثة أن تشفى على نحو جزئي.

وتحديد المرحلة أساسي لاختيار طريقة العلاج وتحديد الإنذار. يعتمد تحديد المرحلة بحسب اللجنة الأمريكية المشتركة للسرطان AJCC على تصنيف ورم - عقد - نقائل TNM (الجدول 3).  ويفيد الصدى مع التنظير في تقييم غزو الورم لجدار المعدة. 

يعطي التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغنطيسي نتائج مشابهة للصدى عبر التنظير باستخدام مواد ظليلة، كما يمكن لهاتين الطريقتين أن تقيّما وجود العقد والنقائل بالفحص نفسه. يوصى بإجراء تنظير بطن مع غسالة صفاقية لإجراء فحص خلوي لتقييم النقائل الصفاقية في المرحلة T3- T4.

يساعد تحديد المرحلة الشكلي إضافة إلى تحديد المرحلة وفق التصنيف TNM -  في السرطان ذي المرحلة المبكرة - على التنبؤ بالإنذار ونسبة الشفاء قبل المعالجة التنظيرية (الشكل 3).

الشكل (3)
التصنيف الشكلي لسرطان المعدة في المرحلة المبكرة

 تبقى الجراحة المعالجة المفضلة لسرطان المعدة غير المرافق للنقائل. يجرى استئصال معدة تحت تام قاصٍ للسرطان المتوضع في القسم المتوسط أو السفلي للمعدة، واستئصال معدة تحت تام دانٍ أو استئصال معدة تام مع استئصال مريء للسرطان المتوضع في الفؤاد. يجرى منوالياً استئصال مرافق للعقد اللمفاوية الناحية، ولكن ما زال هنالك خلاف حول مدى اتساع استئصال العقد الناحي وحدوث الشفاء.

تُعطى المعالجة الكيميائية قبل الجراحة neoadjuvant chemotherapy لتحديد انتشار الورم قبل الجراحة وبالتالي إنقاص حجم الاستئصال الجراحي، في حين تُعطى المعالجة الكيميائية المساندة بعد العمل الجراحي adjuvant chemotherapy لإنقاص نسبة نكس الورم بعد الجراحة. كما تُعطى المعالجة الكيميائية لإطالة فترة البقيا ومعالجةً ملطفة من دون جراحة. يستخدم الـ s5-FU في المعالجة الكيميائية. لا يوجد دواء واحد ناجع في إطالة نسبة البقيا في سرطان المعدة المتقدم؛ مما دعا إلى مشاركة عدة أدوية. تورد مؤسسة السرطان الوطنية National Cancer Institution الاحتمالات المرجعية التالية: الـ s5-FU وحده، والسيسبلاتين وحده، والسيسبلاتين مع الـ  (CF) 5-F، والـ etoposide واللوكوفيرين والـ s5-FU (ELF)، والـ s5-FU والدوكوروبيسن والميتوتريكسات (FAMTX). كما توجد طرائق علاجية قيد التقييم كاللوكوفيرين والـ  s5-FU والأوكساليبلاتين (FOLFOX)، أو حمض الفوليك والـ s5-FU والإرينوتيكان (FOLFIRI).

تشمل المعالجة التنظيرية لسرطان المعدة المخاطي السطحي الذي لا يتجاوز قطره 2سم إجراء استئصال مخاطي عبر التنظير endoscopic mucosal resection، أو ما يعرف اختصاراً بالـ EMR، بعد حقن مصل ملحي في الطبقة تحت المخاطية للتقليل من نسبة حدوث الانثقاب. كما تشمل المعالجة التنظيرية لسرطان المعدة المخاطي السطحي تسليخ تحت المخاطية  التنظيري endoscopic submucosal dissection، أو ما يعرف اختصاراً بالـ ESD، للأورام الأكبر حجماً إذ يمكن استئصال آفات يصل قطرها إلى 10سم. إن تسليخ تحت المخاطية التنظيري تقنية صعبة ويحتاج إجراؤها إلى وقت طويل وترافقها مضاعفات بنسبة عالية كالنزف الشديد أو الانثقاب.  

تبلغ نسبة البقيا مدة 5 سنوات في سرطان المعدة 20% مما يشير إلى صعوبة حصول شفاء في هذا السرطان. يشير وجود نقص وزن أو عسرة بلع أو كتلة بطنية مجسوسة إلى إنذار سيئ. يفضل تطبيق برنامج نخل لسرطان المعدة بإجراء تنظير هضمي علوي عند الأشخاص ذوي خطر الإصابة العالي لتحسين نسبة البقيا.

ثالثاً- سرطان المعي الدقيق  :small bowel cancer

سرطان المعي الدقيق نادر جداً ويمثل 1-2% من مجمل سرطانات الأنبوب الهضمي، مع أن المعي الدقيق يمثل 75% من مجمل طول الأنبوب الهضمي و90% من مساحة الغشاء المخاطي للأنبوب الهضمي. وقد يعود ذلك إلى قصر فترة التماس بين المعي الدقيق والعوامل المسرطنة المحتملة وزيادة تركيز المفرزات الصفراوية والمعثكلية ونقص تركيز الجراثيم ووجود جهاز مناعي متطور معتمد على أضداد الغلوبولين المناعي A. هناك 4 أنماط تشريحية مرضية لسرطان المعي الدقيق: السرطانة الغدية وتمثل 40-50% من مجمل السرطانات، والأورام الغدية الصماوية وتمثل 20-40% من مجمل الحالات وأكثرها شيوعاً ورم الكارسينوئيد الذي يتوضع في اللفائفي عادةً، واللمفوم الذي يمثل 15% من مجمل الحالات، والـ gastrointestinal stromal tumours (GIST) الذي يمثل 10-15% من مجمل الحالات. وسيقتصر فيما يلي على دراسة السرطانة الغدية.

تتوضع معظم سرطانات المعي الدقيق في الاثني عشري وخاصة حول مجل فاتر (50% من مجمل الحالات) ثم يليه الصائم (30%) وأخيراً اللفائفي (20%). تشمل عوامل الخطورة لحدوث سرطان المعي الدقيق داء كرون وداء المرجلات الغدي العائلي familial adenomatous polyposis وسرطان القولون والمستقيم غير المرجلي الوراثي HNPCC. تكون الأعراض السريرية غير نوعية عادةً وتشمل الألم البطني والغثيان والقياء وانسداد الأمعاء. تختلف الأعراض باختلاف حجم الورم ومكان توضعه في المعي الدقيق إذ تتظاهر أورام الاثني عشري بيرقان ناجم عن انسداد الطرق الصفراوية خارج الكبد، في حين تتظاهر الأورام التي تتوضع بعد رباط ترايتز بانسداد معوي أو نزف هضمي. يعد فقر الدم صغير الكريات وناقص الصباغ أكثر الموجودات المخبرية مصادفةً ويكون الدم الخفي بفحص البراز إيجابياً لدى معظم المرضى. يتأخر التشخيص في معظم الحالات بسبب عدم نوعية الأعراض والعلامات السريرية والفحوص المخبرية مما يسيء إلى الإنذار إذ تصادف النقائل في 50% من المرضى عند التشخيص.

هناك طرق متعددة لدراسة المعي الدقيق تشمل التصوير الظليل للمعي الدقيق والحقنة المعوية عبر التنظير enteroclysis، والتصوير المقطعي المحوسب متعدد الشرائح MSCT مع الحقنة المعوية عبر التنظير أو من دونها، والتصوير بالرنين المغنطيسي مع الحقنة المعوية أو من دونها، والتصوير المقطعي بإصدار البوزيترون positron emission tomography (PET) ، وتنظير المعي الدقيق بطريقة الدفع push enteroscopy، والتنظير المحفظي الڤيديوي video capsule endoscopy (VCE)، وتنظير المعي الدقيق ببالون واحد أو بالون مضاعف، وتنظير المعي الدقيق في أثناء العمل الجراحي. تختلف الطرق السابقة بعضها عن بعض بنسبة حساسيتها لتشخيص الورم وبنسبة المضاعفات الناجمة عنها. 

يعتمد تحديد مرحلة سرطان المعي الدقيق وفق اللجنة الأمريكية المشتركة للسرطان AJCC على التصنيف ورم - عقد - نقائل TNM (الجدول 4).

 إن الاستئصال الجراحي الواسع للسرطان المبكر هو المعالجة الشافية الوحيدة ولكنه غير ممكن إلا في حالات قليلة. تشير بعض التقارير إلى زيادة نسبة البقيا عند مشاركة الجراحة والمعالجة الكيميائية باستخدام الـ s5-FU وحده أو مع أدوية أخرى ولكن لا توجد تجارب سريرية معشاة تتناول هذا الموضوع، وبالتالي يعالج سرطان المعي الدقيق بالطريقة نفسها التي يعالج فيها سرطان القولون والمستقيم.        

رابعاً- سرطان القولون والمستقيم :colorectal cancer

يشخص كل سنة في العالم مليون حالة جديدة من سرطان القولون والمستقيم. وتمثل وفيات هذا السرطان 10% من مجمل الوفيات الناجمة عن السرطان في الولايات المتحدة الأمريكية. وتمثل السرطانة الغدية الغالبية العظمى من سرطانات القولون والمستقيم وهي التي سيتم مناقشتها فيما يلي.

تسبق الأورام الغدية adenomas حدوث سرطان القولون والمستقيم في الغالبية العظمى من الحالات. يتظاهر الورم الغدي عيانياً ببروز الغشاء المخاطي بروزاً سليلي الشكل، ويتظاهر نسيجياً بشكل أنبوبي tubular، أو زغابي villous، أو مختلط أنبوبي زغابي tubule-villous. يشمل الورم الغدي المتقدم advanced adenoma - الذي يعد أقرب إلى سرطان القولون - وجود آفة أكبر من 1سم، وخلل تنسج شديد الدرجة high grade dysplasia، ونمطاً نسيجياً زغابياً. تمثل الآفات المسطحة أو المنخفضة عيانياً 10% من مجمل الأورام الغدية، وتؤهب أيضاً لحدوث السرطان. تصعب معرفة  نسبة انتشار الورم الغدي القولوني على نحو دقيق، ويعتقد أن 25- 40% من الأشخاص الذي يخضعون  للتقصي screening بتنظير قولون منوالي لديهم ورم غدي. وسلائل فرط التنسج hyperplastic polyps الصغيرة والمتوضعة في القسم القاصي من القولون لا تعد مؤهبة لحدوث سرطان القولون، في حين يزداد خطر حدوث سرطان القولون حين تكون هذه السلائل كبيرة (> 1سم) وعديدة (أكثر من 30) وحين تحوي مكونة غدية مرافقة. تم التعرف مؤخراً إلى أورام غدية منشارية serrated adenomas قد تكون مؤهبة لحدوث سرطان القولون.

تتشارك حوادث جزيئية متعددة  في تحول الغشاء المخاطي الطبيعي إلى ورم غدي ومن ثم إلى سرطانة غدية. وقد تحدث طفرات في جينات متعددة: APC، DCC، K-ras، والـ p35. كما قد تحدث طفرات تؤدي إلى غياب إصلاح عدم التوافق الدنوي DNA mismatch repair مما يؤدي إلى عدم ثبات السواتل المجهرية microsatellite instability.

يزداد خطر حدوث سرطان القولون والمستقيم بتقدم العمر إذ تبلغ نسبة الوقوع 1:20 بعد عمر التسعين سنة. ونسبة إصابة النساء إلى الرجال أعلى في سرطان القولون الداني (أعور، قولون صاعد، قولون معترض) مقارنة بسرطان القولون القاصي (قولون نازل، سين، مستقيم). يزداد خطر حدوث سرطان القولون والمستقيم حين وجود قصة سابقة لورم غدي قولوني، أو وجود ورم غدي متقدم، أو استئصال سابق لسرطان قولون ولاسيما في السنوات الثلاث الأولى بعد الاستئصال. كما يزداد هذا الخطر في التهاب القولون التقرحي المزمن خاصة حين تتجاوز مدة الإصابة 10 سنوات أو حين وجود إصابة شاملة للقولون، أو وجود إصابة مرافقة لالتهاب الطرق الصفراوية المصلب الأولي. وينطبق ذلك أيضاً على داء كرون على نحو مماثل لما في التهاب القولون التقرحي. يزيد الداء السكري والبدانة في زيادة خطر حدوث هذا السرطان.

الشكل (4) تنظير القولون في الشكل التقليدي
لداء السلائل الغدي العائلي

تختلف نسبة وقوع سرطان القولون والمستقيم باختلاف المناطق الجغرافية مما يوحي بوجود عوامل بيئية مؤهبة. تحرض الحمية الغذائية من النمط الغربي westernized diet (غنية بالشحوم وفقيرة بالألياف والخضار والفواكه) على تشكل ورم القولون في التجارب المجراة على الحيوانات. ويزداد خطر حدوث سرطان القولون بمقدار 2-3 مرات عند المدخنين بعد فترة كمون تمتد لثلاثة عقود.

تصادف قصة عائلية لسرطان قولون ومستقيم عند 15-20% من مجمل المرضى. يزداد خطر الإصابة بمقدار 2-4 مرات حين وجود قريب من الدرجة الأولى أو أكثر مصاب بهذا السرطان. وصفت عدة متلازمات وراثية مترافقة مع سرطان القولون والمستقيم تشمل داء السلائل الغدي العائلي familial adenomatous polyposis (FAP) بأشكاله المختلفة (الشكل 4)  وسرطان القولون والمستقيم غير السليلي الوراثي hereditary nonpolyposis colorectal cancer (HNPCC) وداء السلائل المترافق مع الـ MYH (MYH-associated polyposis)، ومتلازمة بوتز- جيغر.

يبقى الكشف المبكر حجر الأساس لإنقاص خطر سرطان القولون والمستقيم. يبدأ التقصي screening بعمر 50 سنة على نحو عام ويمكن البدء بعمر أبكر عند الأشخاص ذوي خطر الإصابة العالي كالمدخنين (45 سنة). لا يتوجب إجراء تقصٍّ منوالي عند الأشخاص بعمر 75 - 85 سنة، كما يعد الأشخاص الذين يتجاوزون الـ 85 سنة مضاد استطباب للتقصي. ينبغي لأي اختبار تقصٍّ أن يكشف 50% على الأقل من الحالات وقت الاختبار. يتم التقصي بطرائق مختلفة تشمل اختبار الدم الخفي في البراز بالاعتماد على الغاياك guaiac-based fecal occult blood test (gFOBT) الذي ينبغي تكراره سنوياً وعدم استخدامه في العيادات وإنما وسيلة تقصٍّ لجمهرة كبيرة من السكان، واختبار الدم الخفي بالبراز بطريقة كيميائية مناعية (iFOBT) الذي ينبغي تكراره سنوياً، واختبار البراز المعتمد على الدنا الذي يكشف أكثر الطفرات الجينية شيوعاً في سرطان القولون لكنه اختبار مكلف مما يحد من استخدامه الواسع، والحقنة الباريتية بالتباين المضاعف التي قل استخدامها حالياً كوسيلة تقصٍ، وتصوير القولون المقطعي المحوسب CT colonography الذي ينبغي تكراره كل 5 سنوات، وتنظير المستقيم والسين الذي ينبغي تكراره كل 5 سنوات، وتنظير القولون الذي يعد المعيار الذهبي للتقصي والذي ينبغي تكراره  كل 10 سنوات لكنه قد يحدث بعض المضاعفات كالانثقاب والنزف التالي لاستئصال السلائل واضطراب النظم الناجم عن التركين. نشرت عدة جمعيات طبية عالمية تعليمات ناظمة لتقصي سرطان القولون والمستقيم. تختلف التوصيات المنصوح بها في هذه التعليمات الناظمة إذ يفضل بعضهم إجراء اختبار البراز المعتمد على الدنا وتصوير القولون المقطعي المحوسب، في حين يفضل آخرون استخدام الطرائق المدروسة على نحو أكبر كاختبار الدم الخفي في البراز وتنظير القولون. 

تعني الوقاية الكيميائية chemoprevention من سرطان القولون إعطاء أدوية تقي من حدوث التسرطن. تشمل هذه الأدوية مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية أو المثبطات الانتقائية للـ COX-2 أو الكلسيوم. لم يتم تطبيق هذه الوقاية الكيميائية من الناحية العملية بسبب تأثيراتها الجانبية غير المقبولة أو لعدم إثبات فعاليتها أو للأمرين معاً. 

أعراض سرطان القولون وعلاماته غير نوعية وتختلف بحسب حجم الورم ومرحلته ومكان توضعه في القولون. تشمل المظاهر السريرية البراز الزفتي والنزف من المستقيم والألم البطني وتبدل عادات التغوط ونقص الوزن والغثيان والقياء والتعب وفقر الدم. يتظاهر ورم القولون الداني بفقر دم بعوز الحديد بسبب النزف الخفي، في حين يتظاهر ورم القولون القاصي ببراز رفيع ونزف صريح وزحير برازي. ويتظاهر الورم في 20% من الحالات بانتقالات بعيدة كضخامة كبد أو طحال أو ضخامات عقدية مجسوسة.

يعد تنظير القولون الفحص المفضل للتشخيص؛ إذ يسمح بإجراء خزعات لتأكيد التشخيص واستئصال السلائل حين وجودها. ويعد تصوير القولون المقطعي المحوسب فحصاً مساعداً لتنظير القولون حين وجود صعوبة تقنية في إجراء تنظير قولون كامل أو حين وجود ورم ساد للمعة. يشمل التشخيص التفريقي لسرطان القولون والمستقيم الأورام الخبيثة التي تنتقل للقولون كالثدي والمبيض والموثة والرئة والمعدة. قد تنشأ اللمفومة أو الأورام القتامينية الخبيثة على حساب القولون أو تنتقل إليه. كما يمكن لبعض الأمراض السليمة كداء كرون والانتباذ البطاني الرحمي endometriosis، ومتلازمة قرحة المستقيم المفردة أن تقلد سرطان القولون ولكن يصحح التشخيص عادةً بالفحص النسيجي. يعتمد تحديد المرحلة قبل العمل الجراحي على إجراء تصوير مقطعي محوسب للصدر وللبطن والحوض، وصورة صدر بسيطة للبحث عن نقائل رئوية. يفيد الصدى عبر التنظير في سرطان المستقيم لمعرفة درجة غزو الورم للجدار ووجود إصابة في الضخامات العقدية الناحية. قد تعطي معايرة مولد الضد السرطاني الجنيني carcinoembryonic antigen (CEA) معلومات إنذارية إضافية من دون وجود اتفاق على فائدته في هذا المجال. وتحدد مرحلة الورم على نحو نهائي في أثناء الاستئصال الجراحي باستخدام التصنيف TNM وفق اللجنة الأمريكية المشتركة للسرطان AJCC (الجدولان 5 و 6).        

تعتمد معالجة سرطان القولون والمستقيم على تحديد مرحلة الورم وتشمل المعالجة الجراحية، والمعالجة الكيميائية أو الشعاعية أو كليهما معاً. المعالجة الجراحية أساسية إذا لم يكن هناك مضاد استطباب ناجم عن مرحلة الورم أو عن مراضات مرافقة، وينبغي استئصال 12 عقدة ناحية مع الورم البدئي من أجل الفحص النسيجي، ويمكن استئصال نقائل كبدية أو رئوية معزولة عند بعض المرضى لتحسين الإنذار. تستطب المعالجة الكيميائية المساندة (بعد العمل الجراحي) adjuvant في المرحلة III وفي بعض الحالات المنتقاة من المرحلة II باستخدام دواء واحد أو مشاركة عدة أدوية كالـ s5-FU مع اللوكوفيرين والأوكساليبلاتين oxaliplatin (المعروفة باسم FOLFOX) الذي يزيد نسبة البقيا لمدة 3 سنوات من 72%-78%. تتوافر عدة خيارات للمعالجة الكيميائية لسرطان القولون والمستقيم المنتقل من بينها الـ FOLFOX أو الـFOLFIRI  s5-Fu) واللوكوفيرين و  (irinotecan، كما يمكن الحصول على فائدة علاجية بإضافة دواء بيولوجي كالـ bevacizumab الذي يرتبط بعامل النمو البطاني الوعائي VEGF. تعد المعالجة المشتركة الشعاعية والكيميائية قبل العمل الجراحي neoadjuvant في سرطان المستقيم المتقدم (T3-T4 - نقائل عقدية) المعالجة المرجعية حالياً وتهدف إلى إنقاص مرحلة الورم، كما يكون قسم كبير من هؤلاء المرضى مرشحين لمعالجة كيميائية مساندة بعد العمل الجراحي adjuvant. يمكن إجراء معالجة شعاعية أو كيميائية ملطفة للمرضى الذين يشكون من انسداد معوي أو من مضاعفات أخرى ناجمة عن كبر حجم الورم أو عن وجود نقائل. ويمكن وضع استنت قولوني (دعامة) ملطف بالطريق التنظيري لمعالجة الانسداد المعوي. 

يتحدد إنذار سرطان القولون والمستقيم بمرحلة الورم حين التشخيص. تشمل العوامل التي تشير إلى سوء الإنذار بعد المعالجة وجود ورم متبقٍ، والغزو الوعائي اللمفاوي وارتفاع مستوى الـ CEA. يكون إنذار المرض ممتازاً في المرحلة المبكرة بالرغم من تعرض هؤلاء المرضى لخطر نكس الورم الأولي أو ظهور انتقالات.

خامساً- سرطان الشرج  :anal cancer

يصنف سرطان الشرج إلى سرطانة بشرانية (بشروانية) epidermoid carcinomas وخباثات غير بشرانية.

1- سرطانة الشرج البشرانية:

وصفت أنماط نسيجية متعددة  لسرطانة الشرج تشمل النمط حرشفي الخلايا squamous cell وهو الأكثر شيوعاً (75%)، والنمط مذرقي المنشأ cloacogenic، والنمط البشراني المخاطي mucoepidermoid، والنمط الكشمي صغير الخلايا small cell anaplastic. تصنف الأنماط السابقة كلها ضمن إطار السرطانة البشرانية من أجل سهولة المقاربة السريرية. سرطانة الشرج البشرانية نادرة وتمثل 2% من مجمل سرطانات القولون. يبلغ متوسط العمر عند الإصابة 60 سنة. تكون الأعراض السريرية غير نوعية كالألم الشرجي والحكة والنزف والنجيج discharge من الشرج، وقد تعزى هذه الأعراض إلى أمراض الشرج والمستقيم السليمة الشائعة. يشخص الورم عادةً عند ظهور أعراض إضافية تدل على وجود ورم متقدم كعدم الاستمساك، وتبدل عادات التغوط، وناسور مستقيمي مهبلي أو ناسور مستقيمي مثاني. وقد تكون التظاهرة الوحيدة في حالات نادرة وجود ضخامة عقدية أُربية انتقالية. 

يقيّم المس الشرجي - الذي يجرى تحت التخدير إذا لزم الأمر - حجم الكتلة الشرجية وحركتها، وارتشاح البنى المجاورة، ووجود ضخامات عقدية حول المستقيم. وينبغي إجراء تنظير قولون لنفي وجود سرطان قولوني مستقيمي. قد يظهر التصوير المقطعي المحوسب وجود ضخامات عقدية حول الأبهر أو ضخامات حوضية. يمكن أخذ رشافة بإبرة رفيعة من الضخامات العقدية حول المستقيم بالصدى عبر الشرج.

كانت المعالجة المفضلة القطع البطني العجاني الجذري radical abdominoperineal resection الذي يشمل المصرة الشرجية والمستقيم ورافعات الشرج مع تفميم القولون النهائي. وأظهرت الدراسات اللاحقة أن المشاركة بين المعالجة الشعاعية والكيميائية باستخدام الـ 5-s5-FU مع الـ mitomycin-C أو الـ cisplatin هي المعالجة المفضلة حتى في الأوارم الكبيرة المتقدمة. ينبغي إجراء خزعات متعددة بعد هذه المعالجة لنفي وجود بقايا نسيجية ورمية، وإن وجدت يجرى استئصال جراحي جذري قد يشفي 50% من الحالات.      

2- خباثات الشرج غير البشرانية:

تشمل السرطانة الغدية، وداء باجيت، والورم القناميني، وسرطانة الخلية القاعدية. 

أ- السرطانة الغدية: تنشأ السرطانة الغدية من نهاية المستقيم وتغزو القناة الشرجية. ومن الشائع حدوث النكس حتى بعد القطع البطني العجاني الجذري.

ب- داء باجيت: مرض نادر جداً يصيب الجلد حول الشرج، متوسط العمر حين الإصابة 60 سنة. يتظاهر هذا الداء بحكة شرجية، وقد يتظاهر في حالات أقل بنزف أو تغير في عادات التغوط. يظهر الفحص السريري لويحات محددة الحواف احتقانية وأكزيمائية الشكل ترافقها أحياناً تقرحات. تبدو خلايا باجيت الوصفية بالفحص النسيجي بشكل خلايا ظهارية مدورة كبيرة مع هيولى شاحبة ونواة كبيرة. ويجب في هؤلاء المرضى إجراء تنظير قولون قبل المعالجة. يعالج هذا الداء بالاستئصال الجراحي الذي يحدده امتداد الإصابة، ودور المعالجة الشعاعية والكيميائية غير واضح.

ج- الورم القتاميني: يمثل الورم القتاميني 1% من مجمل أورام الشرج. يتظاهر بنزف مستقيمي، وقد يبدو بمظهر مشابه لخثرة باسورية خارجية بالفحص السريري خاصةً وأن 25% من الحالات ليس لها مظهر قتاميني عياني. وتبلغ نسبة البقيا لخمس سنوات 15-20%. ليس للاستئصال الجذري ميزات واضحة بالمقارنة مع الاستئصال الموضع الواسع. 

د- سرطانة الخلية القاعدية: سرطانة الخلية القاعدية لجلد حول الشرج نادرة وتتظاهر بشكل تسمك في ثنيات الجلد مع تقرح مركزي. يكون الإنذار جيداً بعد الاستئصال الموضعي والمعالجة الشعاعية.

سادساً- سرطان الخلية الكبدية hepatocellular carcinoma:

يعد سرطان الخلية الكبدية خامس سبب للسرطان من جهة الشيوع وثالث سبب للوفاة من السرطان في العالم. بلغت نسبة الوقوع العالمية لسرطان الخلية الكبدية عام 2002 بحسب الوكالة الدولية لدراسة السرطان International Agency for Research on Cancer ء 15.8 لكل 000،100 نسمة من الرجال و 5.8 لكل 000،100 نسمة من النساء. تبلغ نسبة إصابة الرجال إلى النساء 2.7 :1. يرافق سرطان الخلية الكبدية في 90-95% من الحالات تشمع كبدي. تشمل عوامل الخطورة الإصابة بالڤيروس ب، والڤيروس ث، والكحول، والأسباب الأخرى لتشمع الكبد كالتهاب الكبد التشحمي غير الكحولي NASH وعوز الألفا-1-انتي تريبسين وداء الصباغ الدموي الوراثي hereditary hemochromatosis. كما تشمل عوامل الخطر الأخرى التعرض للأفلاتوكسين aflatoxin الغذائي والتدخين والداء السكري. تشاهد أعلى نسبة وقوع لهذا السرطان في جنوب شرقي آسيا وفي إفريقيا، وتنجم عن الإصابة بالتهاب الكبد الڤيروسي المزمن ب وعن التعرض للأفلاتوكسين الغذائي.

هناك 400 مليون شخص في العالم مصابون بالتهاب الكبد الڤيروسي المزمن ب. ويعد الطريق الجنسي السبب الرئيس للإصابة في البلدان ذات نسبة الانتشار المنخفضة، في حين تنتقل الإصابة في أثناء فترة الولادة وفي الطفولة المبكرة في البلدان ذات نسبة الانتشار العالية. ويعد مستوى دنا ڤيروس التهاب الكبد ب DNA HBV أقوى منبئ للإصابة بسرطانة الخلية الكبدية. ينقص تلقيح الأطفال والأشخاص ذوي خطر الإصابة العالي من نسبة انتشار الخمج بالڤيروس ب وبالتالي من نسبة حدوث سرطان الخلية الكبدية. 

وهناك 180 مليون شخص في العالم مصابون بالتهاب الكبد المزمن ث. تشمل عوامل خطر الإصابة نقل الدم أو المشتقات الدموية الملوثة، واستخدام أجهزة طبية غير معقمة جيداً، وتعاطي المخدرات وريدياً. وتشمل عوامل خطر حدوث سرطان الخلية الكبدية في المرضى المصابين بالڤيروس ث الارتفاع المستمر في الـ ALT، والجنس الذكر، والكحول، والعمر المتقدم، والخمج المشارك بالڤيروس ب وفيروس العوز المناعي البشري HIV.

يكون معظم المرضى غير عرضيين في المرحلة المبكرة من المرض. ويكشف السرطان في هذه المرحلة بترصد surveillance المرضى ذوي خطر الإصابة العالي. يُجرى الترصد للمرضى المصابين بتشمع كبد مهما كان سببه خاصةً عند وجود إصابة بالفيروس ب أو ث بعد عمر الـ 40-50 سنة، أو وجود قصة عائلية لسرطان خلية كبدية. يتم الترصد بإجراء تخطيط البطن بالصدى ومعايرة الألفا فيتو بروتين المصلي كل 6 أشهر. قد يتظاهر سرطان الخلية الكبدية بانكسار المعاوضة عند مريض متشمع بسبب غزو الورم لوريد الباب أو فروعه. يتظاهر انكسار المعاوضة بحدوث حبن أو نزف من دوالي المريء أو ارتفاع البيليروبين الكلي أو اعتلال خثاري أو اعتلال دماغي كبدي أو التهاب الصفاق التلقائي spontaneous bacterial peritonitis. تشمل التظاهرات نظيرة الورمية (التظاهرات المتعلقة بالأباعد الورمية) paraneoplastic لسرطان الخلية الكبدية ارتفاع كلسيوم الدم، وانخفاض سكر الدم، والتهاب الوريد الخثاري المتنقل (الهاجر) thrombophlebitis migrans، وكثرة الكريات الحمر erythrocytosis، والإسهال. تشمل الموجودات المخبرية دلائل لمرض كبدي متقدم كارتفاع البيليروبين والفسفاتاز القلوية وناقلات الأمين وتطاول زمن البروترومبين وانخفاض الألبومين. تبلغ نوعية الألفا فيتو بروتين في تشخيص سرطان الخلية الكبدية عندما يتجاوز 400 نانوغرام/مل 95-98%، في حين تكون حساسيته للتشخيص منخفضة.

يندر اللجوء حالياً إلى إجراء خزعة كبدية لتأكيد التشخيص حين كشف عقدة كبدية بالتخطيط بالصدى لدى مريض متشمع. ويعود ذلك إلى توفر طرق شعاعية ديناميكية تؤكد التشخيص في نسبة عالية من الحالات (التصوير المقطعي المحوسب ثلاثي الأطوار، والتصوير بالرنين المغنطيسي مع حقن الغادولينيوم، والتخطيط بالصدى المعزز بالمادة الظليلة). إذا كان قياس العقدة 2سم فإن فحصاً واحداً من الفحوص الثلاثة السابقة يؤكد التشخيص عند وجود توعية شريانية  arterial vascularization بالزمن الشرياني مع غسل وريدي venous washout في الزمن البابي المبكر أو المتأخر (الشكل 5). وحين يكون قياس العقدة بين 1-2سم ينبغي رؤية العلامتين الشعاعيتين السابقتين الوصفيتين بفحصين من الفحوص الثلاثة قبل تأكيد التشخيص. وإذا كان قياس العقدة  < 1سم ينبغي مراقبة العقدة بالتخطيط بالصدى مرة كل 3-4 أشهر، وحين ثبات قياس العقدة خلال سنتين تعود لفترة الترصد المنوالية (مرة كل 6 أشهر). يجب إجراء خزعة من العقدة عند عدم وجود العلامتين الوصفتين السابقتين. يشمل خطر الخزعة النزف، وانزراع الخلايا الورمية على مسير الإبرة (1-3%).

الشكل (5) تصوير مقطعي محوسب لسرطانة خلية كبدية
يظهر فرط توعيية في الأيمن وغسل وريدي بالزمن الوريدي في الايسر

 

اعتمد نظام تحديد مرحلة سرطان الخلية الكبدية لمجموعة برشلونة المعروف باسم Barcelona Clinic Liver Cancer (BCLC) من قبل الجمعية الأمريكية لدراسة أمراض الكبد AASLD والجمعية الأوربية لدراسة الكبد EASL. يقوم هذا النظام بربط الخيارات العلاجية بمرحلة الورم، ووظيفة الخلية الكبدية، وحالة المريض العامة بالاعتماد على تصنيف منظمة الصحة العالمية لحالة الأداء World Health Organization Performance Status Grade والمعروف اختصاراً بـ PST (الجدول 7). ويصنف سرطان الخلية الكبدية بحسب نظام مجموعة برشلونة إلى 4 مراحل (الجدول 8).

يعتمد نجاح المعالجة الشافية لسرطان الخلية الكبدية على تشخيص ورم صغير بمرحلة مبكرة. تشمل الوسائل العلاجية التي تؤدي إلى استجابة كاملة، وبالتالي إمكانية حدوث الشفاء: الاستئصال الجراحي وغرس الكبد وطرق الجذ ablation عبر الجلد. ويعد الإصمام الشرياني الكيميائي أو الشعاعي المعالجة الوحيدة غير الشافية التي يمكن أن تطيل البقيا.

ينبغي انتقاء المرضى المرشحين للاستئصال الجراحي جيداً لإنقاص نسبة حدوث قصور خلية كبدية تالٍ للجراحة التي تزيد من نسبة الوفيات على نحو كبير. يستطب الاستئصال الجراحي عند وجود كتلة أقل من 5 سم، وعدم وجود غزو وعائي، وغياب اليرقان وفرط ضغط وريد الباب. كما ينبغي أن يكون تصنيف المريض بحسب تشايلد - بوغ من الدرجة A أو أن يكون مقياس MELD  < 8. تبلغ نسبة النكس بعد 3 سنوات من الاستئصال 50% وبعد 5 سنوات 75% بسبب وجود نسيج كبدي متبقٍ مؤهب لحدوث السرطان.    

يعد غرس الكبد liver transplantation المعالجة المفضلة لسرطان الخلية الكبدية في مرحلته البدئية لأنه يتوجه لمعالجة السرطان والنسيج الكبدي المتبقي المُؤهِب لحدوث السرطان والمرض الكبدي المزمن بتظاهراته المختلفة. يستطب غرس الكبد حين وجود ورم لا يتجاوز قطره 5سم أو حين وجود 3 كتل على الأكثر لا يتجاوز قطر كل منها 3سم (معايير ميلانو). وأظهرت الدراسات فائدة معالجة سرطان الخلية الكبدية الصغير الموضوع على قائمة الغرس بطرق الجذ الموضعي عبر الجلد إذا كانت فترة الانتظار تتجاوز 6 أشهر. ويمكن إجراء الغرس من متبرع حي لتقصير فترة الانتظار على قائمة الغرس شريطة إجرائه من قبل فريق طبي خبير لتأمين أفضل النتائج للمتبرع والآخذ بآن واحد.   

وطرق الجذ عبر الجلد percutaneous ablation هي العلاج المفضل لسرطان الخلية الكبدية الصغير غير القابل للاستئصال الجراحي أو غرس الكبد، وتشمل حقن الإيثانول عبر الجلد والجذ بطريقة تردد الأمواج الراديوية radiofrequency.

- حقن الإيثانول عبر الجلد percutaneous ethanol injection (PEI)، طريقة علاجية سهلة نسبياً ورخيصة الثمن، تستخدم بتوجيه التخطيط بالصدى أو التصوير المقطعي المحوسب. تستطب هذه الطريقة لمعالجة ورم وحيد لا يتجاوز 5سم، أو 3 أورام لا يتجاوز كل منها 3سم. يراوح عدد مرات الحقن بحسب حجم الورم. تشمل مضادات الاستطباب وجود حبن غزير أو اعتلال خثاري، أو يرقان شديد. مضاعفات هذه الطريقة قليلة وتشمل انزراعاً ورمياً على مسير الإبرة، أذية طرق صفراوية مهمة، النزف، وألماً شديداً بعد الحقن يستدعي إيقاف العلاج. 

- يعتمد الجذ بتردد الأمواج الراديوية radiofrequency ablation على إدخال مسبار ضمن الورم ذروته مبردة مع توليد حرارة عالية في نهاية المسبار بأمواج فائقة الصوت عالية التردد مما يؤدي إلى تخريب الورم. تُجرى هذه الطريقة بتوجيه التخطيط بالصدى أو في أثناء فتح البطن. وتأثير هذه الطريقة مماثل لتأثير الـ PEI في الأورام التي يقل قطرها عن 2سم مع عدد جلسات أقل، في حين يكون تأثيره أكبر في الأورام التي تتجاوز 2سم. تشمل عيوب هذه الطريقة الكلفة الغالية ومضاعفات تصل إلى 10% (انصباب جنبي - نزف ضمن الصفاق).

يعتمد الإصمام الكيميائي الشرياني عبر القثطرة transcatheter arterial chemoembolization (TACE)، على إجراء قثطرة انتقائية للشريان المغذي للورم وحقن معلق بشكل رغوة هلامية Gelfoam تحوي دوكسوروبيسن أو سيسبلاتين بالاشتراك أحياناً والميتوميسين C مما يحدث نقص تروية وبقاء المواد الكيميائية بتركيز عالٍ ضمن الورم. تعتمد هذه الطريقة على الفيزيولوجيا المرضية الوعائية لسرطان الخلية الكبدية حيث تكون 95% من التروية الوعائية الورمية شريانية المنشأ. تشمل مضادات الاستطباب التشمع المتقدم (child C)، وخثار وريد الباب، والاعتلال الدماغي الكبدي، والانسداد الصفراوي، ووجود تحويلة جهازية بابية داخل كبدية عبر الوداجي TIPS. يجب استشفاء المرضى المعالجين لشيوع متلازمة بعد الإصمام post-embolization syndrome التي تتظاهر بحمى وألم بطني. تستخدم هذه الطريقة عادةً كجسر قبل غرس الكبد لأنها لا تحدث انزراع الخلايا الورمية كما في طرق الجذ الموضعي.     

يشبه الإصمام الشعاعي الشرياني عبر القثطرة transcatheter arterial radioembolization (TARE) من ناحية المبدأ الإصمام الكيميائي الشرياني ولكن مع حقن الإيتريوم yttrium المشع (90Y) بشكل كرات صغرية من دون أن يحدث انسداداً شريانياً وبالتالي تكون متلازمة بعد الإصمام أقل شيوعاً. تستطب هذه الطريقة لإنقاص مرحلة الورم  قبل الاستئصال الجراحي أو الجذ أو كجسر قبل غرس الكبد. يمكن إجراء الـ TACE بعد إجراء الـ TARE ولا يجوز العكس بسبب الانسداد الشرياني الناجم عن الـ TACE. تشمل مضادات استطباب هذه الطريقة وجود تحويلة ورمية شريانية وريدية، واضطراباً خثارياً، والتحسس للمواد الظليلة، وقصوراً كلوياً أو رئوياً، والحمل. أما خثار وريد الباب فلا يعد مضاد استطباب. تشمل مضاعفات هذه الطريقة سوء الوظيفة الكبدية، والتهاب المرارة الحاد، والقرحة الهضمية، والتعب، والارتكاس التحسسي، والألم البطني.        

السورافينيب (Nexavar) مثبط فموي لكينازات متعددة يؤثر في تثبط تشكل الأوعية وتكاثر الخلايا. أظهرت تجربة مراقبة معشاة من المرحلة الثالثة phase III - مع مقارنة بالدواء الغفل placebo شملت 600 مريض (SHARP trial) - أن السورافينيب بمقدار 400ملغ فموياً مرتين باليوم يحسن البقيا لمدة ثلاثة أشهر في المصابين بسرطان الخلية الكبدية المتقدم. تشمل التأثيرات الجانبية الإسهال ونقص الوزن واندفاعات جلدية في اليدين والقدمين. والسورافينيب أول دواء ثبتت فعاليته في إطالة البقيا في هذا السرطان مما يفسح المجال مستقبلاً لاختبار أدوية جديدة أخرى. لا تستطب المعالجة الكيميائية الجهازية حالياً خارج إطار التجارب السريرية.

سابعاً- سرطان المرارة :gallbladder cancer

سرطان المرارة غير شائع رغم أنه أكثر السرطانات الصفراوية شيوعاً. يكون سرطان المرارة في الغالبية العظمى من الحالات من نمط السرطانة الغدية. والحصيات المرارية أهم سبب مؤهب لسرطان المرارة. يراوح الخطر النسبي لحدوث سرطان المرارة بين 2-30 مِثلاً في المرضى المصابين بحصيات مرارية. تشمل الأسباب الأخرى المؤهبة لسرطان المرارة الخمج بالسالمونيلا والحلزونية البوابية والسلائل المرارية من نمط الورم الغدي التي تمثل 5% من مجمل سلائل المرارة.

يكشف سرطان المرارة عرضاً في الفحص التشريحي المرضي لمرارة مستأصلة جراحياً، أو يكشف بوجود أعراض موجهة قبل العمل الجراحي كاليرقان ونقص الشهية ونقص الوزن وأعراض انسدادية ناجمة عن غزو ورمي للاثني عشري المجاور.

التصوير بالصدى هو أول فحص ينبغي إجراؤه عند مريض يشكو أعراضاً مرارية. يتظاهر ورم المرارة بالتصوير بالصدى على شكل تسمك غير متناظر في جدار المرارة، أو كتلة سليلية الشكل تبرز ضمن لمعة المرارة، أو غزو للكبد والبنى المجاورة. يفيد التصوير بالدوبلر في الكشف عن وجود جريان دموي ضمن الورم مما يوجه بشدة نحو وجود خباثة. تُجنى بالتصوير المقطعي المحوسب معلومات أدق عن الغزو الموضعي والغزو الوعائي والانتقال إلى العقد اللمفاوية والانتقالات البعيدة. ويفيد التصوير الوعائي بالرنين المغنطيسي resonance angiography magnetic وتصوير الطرق الصفراوية والمعثكلية MRCP بالرنين المغنطيسي في دراسة الغزو الكبدي والوعائي والصفراوي. كما يفيد الـ PET في التقييم إذ تم تغيير التدبير في إحدى الدراسات عند 25% من المرضى قبل العمل الجراحي استناداً إلى معطيات هذا الفحص.

يعتمد تحديد مرحلة سرطان المرارة وفق اللجنة الأمريكية المشتركة للسرطان AJCC على التصنيف ورم - عقد - نقائل TNM (الجدولان 9 و10).

يعتمد مدى اتساع الاستئصال الجراحي على تحديد مرحلة الورم T وقربه من البنى الوعائية والصفراوية. تهدف المعالجة الجراحية لأي سرطان إلى استئصال كامل النسيج الورمي مع حواف قطع نظيفة (R0 resection). يعالج الورم T1a باستئصال المرارة من دون استئصال العقد اللمفاوية أو جزء من الكبد. يعالج الورم T1b باستئصال المرارة مع استئصال العقد اللمفاوية أو من دون استئصالها. ويعالج الورم T2 باستئصال المرارة مع استئصال جزء من الكبد مكان السرير المراري (استئصال القطعة الكبدية IVB والقطعة V) واستئصال العقد اللمفاوية الناحية. ويعالج الورم الذي يغزو وريد الباب أو الشريان الكبدي الأيمن أو الطرق الصفراوية اليمنى باستئصال كبد يمنى. ويعالج الورم الذي يغزو القناة المرارية باستئصال القناة الجامعة مع مفاغرة معوية صفراوية بشكل Roux-en-Y. ويعالج الورم T3 و T4 على نحو مماثل لما سبق ولكن يكون الاستئصال الشافي أقل مشاهدةً. تبلغ نسبة البقيا لمدة 5 سنوات بعد العمل الجراحي 65% في الورم T3 و33% في الورم T4، ولكن لا يشاهد بقيا بعد سنتين عند وجود إصابة في العقد اللمفاوية.   

ثامناً- سرطان الطرق الصفراوية :biliary tract cancer

الشكل (6)
تضييق طويل في القناة الكبدية المشتركة
ناجم عن سرطانة طرق صفراوية لدى مريض مصاب بالتهاب طرق صفراوية مصلب أولي

سرطان الطرق الصفراوية هو كل سرطان ينشأ على حساب ظهارة الطرق الصفراوية (الخلية الصفراوية) cholangiocyte، سواء الطرق الصفراوية المحيطية (سرطان الطرق الصفراوية داخل الكبدية)، أم القناة الكبدية اليمنى أو اليسرى أم القناة الكبدية المشتركة (سرطان السرة أو ما يسمى ورم Klatskin)، أم القناة الصفراوية المشتركة. يمكن القول إن نصف سرطانات الطرق الصفراوية تتوضع على الطرق الصفراوية داخل الكبد ونصفها الآخر يتوضع على الطرق الصفراوية خارج الكبد. وفيما يلي الحديث عن سرطان السرة وسرطان الطرق الصفراوية خارج الكبد.

تشمل الأسباب المؤهبة لحدوث سرطان الطرق الصفراوية التهاب الطرق الصفراوية المصلب الأولي primary sclerosing cholangitis (الشكل 6)، والأمراض الكيسية للشجرة الصفراوية مثل كيسة القناة الجامعة الولادية وداء كارولي، وخمج الطرق الصفراوية بطفيليين هما متفرع الخصية الصيني Clonorchis sinensis ومتأخر الخصية الزبادي Opisthorchis viverrini اللذان ينجمان عن تناول سمك غير مطبوخ جيداً خاصةً في جنوب شرق آسيا، وThorotrast، وهي مادة فعالة شعاعياً radioactive استخدمت في التصوير الطبي بين عامي 1930م و 1960م، وقد تحدث هذا السرطان حتى بعد فترة 35 سنة من استخدامها.

يتظاهر سرطان الطرق الصفراوية بيرقان انسدادي مع اغمقاق لون البول واصطباغ الجلد والصلبة باللون الأصفر وحكة. كما قد يتظاهر بنقص شهية ونقص وزن وتعب. يندر لسرطان الطرق الصفراوية غير الناجم عن التهاب الطرق الصفراوية المصلب الأولي أن يتظاهر بالتهاب طرق صفراوية بسبب التطور البطيء لهذه الأورام. 

يظهر التخطيط بالصدى توسعاً في الطرق الصفراوية داخل الكبد، كما قد يظهر نقائل كبدية أو ضخامات عقدية أو انسداد وريد الباب أو الشريان الكبدي. تشمل الخطوة التالية إجراء تصوير مقطعي محوسب للصدر والبطن والحوض الذي يقدم معلومات أدق عن الغزو الموضعي والضخامات العقدية الناحية والبعيدة والانتقالات البعيدة. ويعطي التصوير بالرنين المغنطيسي معلومات مماثلة للتصوير المقطعي المحوسب، إضافة إلى إمكان إجراء دراسة وعائية شريانية ووريدية resonance angiography magnetic وصفراوية MRCP لكن دقة تصوير الطرق الصفراوية هنا أقل من دقة التصوير المباشر للطرق الصفراوية من أجل تحديد إمكان الاستئصال الجراحي. يفيد تصوير الطرق الصفراوية والمعثكلية بالطريق الراجع التنظيري ERCP في تحديد قطب الورم السفلي، وأخذ عينات نسيجية أو خلوية من الورم لتأكيد التشخيص، وإجراء تصريف صفراوي لتخفيف الانسداد الصفراوي أو التهاب الطرق الصفراوية. ويحدد تصوير الطرق الصفراوية بالطريق الجلدي عبر الكبد percutaneous transhepatic cholangiogram قطب الورم العلوي الذي يصعب تحديده أحياناً بالـ ERCP، أو إجراء تصريف صفراوي سابق للجراحة عند إخفاق الـ ERCP. يندر اللجوء إلى تصوير الأوعية حالياً في هذا الورم.

يعتمد تحديد مرحلة سرطان الطرق الصفراوية وفق اللجنة الأمريكية المشتركة للسرطان AJCC على التصنيف ورم - عقد - نقائل TNM (الجدولان 11 و12).

يمكن التنبؤ بإمكان استئصال سرطان الطرق الصفراوية الجراحي بنفي وجود انتقالات خارج كبدية أو انتقالات إلى العقد اللمفاوية غير الموضعية والناحية. يجرى عادةً تنظير بطن لنفي وجود انتقالات صفاقية. والاستئصال الجراحي هو المعالجة المفضلة لسرطان الطرق الصفراوية غير المترافق مع التهاب الطرق الصفراوية المصلب الأولي. تبلغ نسبة البقيا لخمس سنوات بعد استئصال شافٍ  (R0 resection) ء 10-40% في سرطان السرة و25-35% في سرطان الطرق الصفراوية خارج الكبد، ولكن لسوء الحظ لا تتجاوز نسبة الاستئصال الشافي 50%. تعتمد تقنية العلاج الجراحي لسرطان السرة على تصنيف  - Corlette  Bismuth (الشكل 7 والجدول 13).

الشكل (7) تصنيف - Corlette Bismuth في سرطان السرة
تشير المنطقة المظللة إلى مكان إصابة الطرق الصفراوية

 

لا تفيد المعالجة الكيميائية المساندة قبل العمل الجراحي neoadjuvant أو بعد العمل الجراحي adjuvant  أو المعالجة الشعاعية في سرطان الطرق الصفراوية ولا ينصح لذلك باستخدامها.

لم تظهر الدراسات السابقة أفضلية لزرع الكبد بالمقارنة مع الاستئصال الجراحي في سرطان الطرق الصفراوية. وضع فريق الـ Mayo Clinic في الولايات المتحدة الأمريكية منهجاً جديداً للمعالجة يشمل المعالجة الشعاعية الخارجية external beam radiation والمعالجة الشعاعية من داخل الطرق الصفراوية والمعالجة الكيميائية بالـ (Xeloda) capeciabine عن طريق الفم ومن ثم تحديد مرحلة الورم جراحياً لنفي وجود انتقالات قبل إجراء زرع الكبد. كانت نسبة البقيا لخمس سنوات بعد تطبيق هذه الطريقة على حالات منتقاة انتقاءً جيداً 82% مقابل 21% للاستئصال الجراحي مع نتائج أفضل في المرضى المصابين بالتهاب طرق صفراوية مصلب أولي.

تاسعاً- سرطانة مجل (أمبولة) ڤاتر ampulla of Vater carcinoma:

تتنمي سرطانة مجل ڤاتر إلى عائلة سرطانات ما حول المجل periampullary carcinomas التي تشمل السرطان الناشئ على حساب الاثني عشري ومجل ڤاتر ونهاية القناة الجامعة ورأس المعثكلة. ينبغي التمييز بين هذه الأشكال المختلفة لأن سرطانة مجل ڤاتر تشخص عادةً في مرحلة مبكرة وتكون قابلة للاستئصال الجراحي فإنذارها لذلك أفضل.

الشكل (8)
مظهر تنظيري لسرطانة مجل فاتر

سرطانة مجل ڤاتر نادرة الحدوث وتمثل أقل من 1% من مجمل سرطانات الأنبوب الهضمي. لا يعرف سبب حدوث هذه السرطانة في معظم الحالات. هناك بعض الأمراض المؤهبة لحدوثها في بعض الحالات تشمل داء السلائل الغدي العائلي، ومتلازمة غاردنر وهي شكل من أشكال داء السلائل الغدي العائلي، والورام الليفي العصبي neurofibromatosis من النمط الأول، ومتلازمة Muir-Torre. يجب في داء السلائل الغدي العائلي إجراء تنظير هضمي علوي دوري يراوح بين 6 أشهر و4 سنوات وذلك بحسب درجة السلائل الاثني عشرية. 

إن 75% من أورام المجل من نمط السرطانة الغدية و20% منها أورام غدية سليمة و5% أورام غدية صماوية. تصنف سرطانة المجل عيانياً إلى 3 أنماط: النمط داخل المجل، والنمط حول المجل، والنمط المتقرح الذي يشخص في مرحلة متأخرة عادةً وترافقه نقائل عقدية. تمثل السرطانة الغدية 90% من مجمل حالات سرطانة المجل في حين يتوزع القسم الباقي بين السرطانة المخاطينية والسرطانة بشكل فص الخاتم والسرطانة غير المتمايزة.

تتظاهر سرطانة المجل بيرقان انسدادي يظهر في مرحلة مبكرة مقارنة بباقي الأورام الصفراوية والمعثكلية. وقد تتظاهر بالتهاب طرق صفراوية أو بفقر دم صغير الكريات ناقص الصباغ ناجم عن النزف الورمي، ويتظاهر في قلة من المرضى بشكل براز فضي silver stools ناجم عن اشتراك اليرقان الانسدادي والنزف الورمي.

تشخص سرطانة المجل بالتنظير الهضمي العلوي مع أخذ خزعات متعددة لتأكيد التشخيص  (الشكل 8). يفيد التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغنطيسي مع تصوير الطرق الصفراوية والمعثكلية MRCP في تحديد مرحلة الورم. تظهر الفحوص السابقة توسعاً في القناة الجامعة والقناة المعثكلية معاً (علامة القناة المضاعفة double duct sign)، أو توسعاً في القناة الجامعة فقط، ولكن يندر  مشاهدة توسع في القناة المعثكلية فقط. يجرى الصدى عبر التنظير أيضاً قبل التداخل الجراحي لدراسة غزو الأعضاء المجاورة أو الغزو الوعائي. تحدد مرحلة سرطانة المجل بالاعتماد على تصنيف ورم - عقد - نقائل TNM للجنة الأمريكية المشتركة للسرطان AJCC.

الاستئصال الجراحي هو المعالجة الوحيدة الشافية لسرطانة المجل. وإن 80% من سرطانات المجل قابلة للاستئصال الجراحي حين التشخيص. تجرى عادةً عملية ويبل مع المحافظة على البواب، ويكون الإنذار ممتازاً عند عدم وجود نقائل عقدية مع نسبة بقيا لمدة 5 سنوات 75% في حين تكون هذه النسبة 20% عند وجود نقائل عقدية. يمكن إجراء استئصال حليمة الاثني عشري بالطريق الجراحي أو التنظيري ولكن لا ينصح بمثل هذا الإجراء بسبب نسبة النكس العالية المقارنة بعملية ويبل. لم تقيّم المعالجة الشعاعية والكيميائية بتجارب سريرية معشاة RCT، وأشارت بعض التقارير إلى تحسن نسبة البقيا بالمعالجة الشعاعية والكيميائية باستخدام الـ s5-FU بعد العمل الجراحي، ولكن لا تعد هذه المعالجة مرجعية بغياب التجارب السريرية المعشاة. يمكن وضع إستنت (دعامة) في القناة الجامعة في الـ ERCP على أنها معالجة تلطيفية لليرقان الانسدادي عند هؤلاء المرضى. 

عاشراً- سرطان المعثكلة :pancreatic cancer

يأتي سرطان المعثكلة في المرتبة العاشرة من الإصابات السرطانية في الرجال وهو أقل شيوعاً في النساء. ويمثل سرطان المعثكلة السبب الرابع للوفيات الناجمة عن السرطان ويعود ذلك إلى سوء إنذاره. تنشأ معظم حالات سرطان المعثكلة على حساب المعثكلة خارجية الإفراز وتؤلف السرطانة الغدية 80% من مجمل الحالات. وتتوضع معظم حالاتها في الرأس (60-70%).

الشكل (9) صدى عبر التنظير مع رشف
بإبرة دقيقة لكتلة معثكلية ناقصة الصدى

 تشمل عوامل الخطورة المؤهبة لحدوث سرطان المعثكلة العمر والجنس الذكر والتدخين والتهاب المعثكلة المزمن والداء السكري وبعض المتلازمات الوراثية الأقل شيوعاً كالتهاب المعثكلة المزمن الوراثي الذي ينجم عن طفرة في جين الـ cationic trypsinogen، ومتلازمة بوتز جيجر، ومتلازمة الرحى المتعددة غير النوعية العائلية familial atypical multiple mole syndrome، وداء المرجلات الغدي العائلي، وسرطان القولون غير السليلي الوراثي. تشمل الأسباب المؤهبة لحدوث سرطان المعثكلة الورم الكيسي المخاطيني mucinous cystic neoplasm، والورم المخاطيني الحليمي داخل القنوي intraductular papillary mucinous neoplasm.

يتظاهر سرطان المعثكلة بألم بطني أو ظهري، ونقص وزن يرافقه أحياناً إسهال دهني steatorrhea، ويرقان انسدادي مع بول غامق وبراز فاتح وارتفاع البيليروبين على حساب البيليروبين المباشر وارتفاع الفسفاتاز القلوية والـ GTgγ. وقد يشاهد داء سكري حديث العهد عند مريض كهل غير بدين، أو اكتئاب.

تظهر الطرق التصويرية المختلفة توسع الطرق الصفراوية والمعثكلية، وكتلة معثكلية، وضخامات عقدية موضعية وناحية، وانتقالات، وغزو الأوعية أو الاثني عشري. يشمل التشخيص التفريقي كتلة معثكلية وورماً غدياً صماوياً معثكلياً، وسرطانة الخلايا العنبية acinar cell carcinoma، وانتقالاً معثكلياً، واللمفوم، وكتلة معثكلية كيسية قد تكون سليمة أو ما قبل خبيثة أو خبيثة، والتهاب معثكلة موضعاً، والتهاب معثكلة مناعياً ذاتياً. يجب حين تشخيص كتلة معثكلية إجراء صدى عبر التنظير مع رشف بإبرة دقيقة من أجل الفحص الخلوي وتحديد المرحلة staging موضعياً وناحياً (الشكل 9).   

يظهر الـ ERCP تضيقاً في الطرق الصفراوية أو المعثكلية أو في كليهما. تشير علامة القناة المضاعفة double duct sign إلى وجود توسع في القناة الجامعة والقناة المعثكلية ناجم عن عائق سفلي متوضع في رأس المعثكلة أو في مجل فاتر. ويمكن وضع دعامة (إستنت) في أثناء الـ ERCP معالجة ملطفة لليرقان الانسدادي. يتناسب ارتفاع الواسم الورمي CA19- 9 مع حجم الورم ولكن لا ينصح باستخدامه وسيلة نخل أو في انتقاء المرضى للعمل الجراحي. 

الاستئصال الجراحي هو الطريقة الوحيدة الشافية لسرطان المعثكلة. ويكون السرطان في مرحلة متقدمة عادةً حين التشخيص لدرجة يرشح لها 20% فقط من المرضى للعمل الجراحي. تشمل مضادات الاستطباب المطلقة والنسبية للعمل الجراحي وجود انتقالات كبدية أو صفاقية أو ثربية أو خارج بطنية، وارتشاح الجذع الزلاقي أو الشريان الكبدي أو الشريان المساريقي العلوي، وارتشاح الوريد المساريقي العلوي أو التقاء الوريد الطحالي مع المساريقي العلوي أو وريد الباب، وارتشاح مساريق الأمعاء. تجرى عادةً عملية ويبل مع المحافظة على البواب واستئصال العقد اللمفية الناحية في سرطان رأس المعثكلة القابل للاستئصال الجراحي، في حين يجرى اسئصال معثكلة قاصٍ مع استئصال الطحال في سرطان جسم المعثكلة أو ذيلها. يندر حدوث شفاء بعد العمل الجراحي حتى بعد انتقاء المرضى انتقاءً جيداً وإجراء استئصال جراحي كامل.

يمكن إجراء معالجة شعاعية ومعالجة كيميائية باستخدام الـ s5-FU والـ gemcitabine بصفة معالجة عرضية ملطفة مع تحسن متواضع في نسبة البقيا. كما يمكن حقن كحول بنسبة 50% على جانبي الأبهر البطني في مستوى الضفيرة الزلاقية في أثناء العمل الجراحي أو بتوجيه الصدى عبر التنظير معالجة ملطفة للألم.

إنذار سرطان المعثكلة سيئ في معظم المرضى. تبلغ نسبة البقيا لخمس سنوات 15% في المرضى المصابين بسرطان موضع معالج جراحياً، و1-5% في المرضى الذين لم يتلقوا معالجة مضادة للسرطان.

 

 

 


التصنيف : الأورام
النوع : الأورام
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 418
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1052
الكل : 58492133
اليوم : 64647