logo

logo

logo

logo

logo

النزف الهضمي

نزف هضمي

digestive hemorrhage - hémorragie digestive



النزف الهضمي

زياد درويش

 النزف الهضمي العلوي

النزف الهضمي السفلي

 

 

يقصد بالنزف الهضمي خروج الدم من أوعية أحد أجزاء السبيل الهضمي أو ملحقاته وتوضعه في اللمعة المعدية المعوية. يقسم النزف الهضمي بحسب موقع الآفة التي سببته إلى:

1- نزف هضمي علوي وسببه آفة واقعة فوق رباط ترايتز Treitz أي في المريء أو المعدة أو العفج.

2- نزف هضمي سفلي وسببه آفة واقعة تحت الرباط المذكور أي في الصائم أو اللفائفي أو القولون أو المستقيم.

يتظاهر النزف الهضمي بأحد الأشكال التالية:

1- القياء الدموي hematemesis: وفيه يكون الدم طازجاً أحمر اللون أو أسود اللون يشبه راسب القهوة بسبب بقائه بعض الوقت في المعدة وتعرضه لفعل حمض كلوريدريك. يجب تمييز القياء الدموي من نفث الدم ويتصف هذا الأخير بلون الدم الأحمر القاني ووجود فقاعات هوائية معه، وحدوثه بعد نوبة سعال عادةً، كما يجب التفريق بين النزف الهضمي والدم ذي المنشأ الأنفي البلعومي الفموي الذي يبتلعه المريض ثم يقيئه في وقت لاحق.

2- التغوط الدموي hematochezia: يأخذ الدم في هذه الحالة لوناً أحمر عادةً وقد يكون بنياً في بعض الحالات. إلا أن الدم قد يكون أسود فاحماً في حالات أخرى وذلك عندما يكون مصدره الجزء العلوي من السبيل الهضمي ويطلق على هذه الحالة اسم التغوط الأسود melena، وينجم اللون الأسود عن تدرك خضاب الدم (الهيموغلوبين) لدى مروره في الأنبوب الهضمي. يجب تمييز التغوط الأسود من البراز الأسود اللون التالي لتناول بعض الأطعمة أو الأدوية ولاسيما مركبات الحديد والبزموت والفحم.

3- قد يكون النزف الهضمي في بعض الحالات خفيفاً ومزمناً لا يمكن كشفه إلا بتحري الدم مخبرياً في البراز ويتظاهر في هذه الحالات بأعراض فقر الدم ناقص الصباغ.

4- وقد يتجلى النزف الهضمي الغزير أحياناً بالأعراض الدالة على خسارة الدم الحادة فقط، كالغشي أو الزلة أو حالة الصدمة. وعلى الطبيب عندما يشك بأن النزف الهضمي هو السبب في حالة الغشي أو الصدمة أن يتحرى وجود الدم في المعدة عن طريق رشف محتوياتها بوساطة الأنبوب الأنفي المعدي، وتحري الدم في المستقيم بالمس الشرجي أو الحقنة الشرجية إن لزم الأمر.

ينجم القياء الدموي عن آفة واقعة في الجزء العلوي من السبيل الهضمي فوق رباط ترايتز، إلا أن النزف في هذا الجزء من السبيل الهضمي كثيراً ما يتظاهر بالقياء الدموي إضافة إلى التغوط الأسود.

أما التغوط الدموي الأحمر فيشير عادة إلى أن مصدر النزف هو الجزء السفلي من أنبوب الهضم، بيد أنه قد ينجم في حالات قليلة عن آفة في الجزء العلوي من أنبوب الهضم ويدل حينئذٍ على نزف جسيم وسريع يهدد الحياة، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن معدل الوفاة في تغوط الدم الأحمر ذي المنشأ العلوي قد يصل إلى 68%.

يجب تقييم حالة المريض المصاب بالنزف الهضمي بسرعة وتقدير شدة النزف، ويعتمد ذلك على استجواب المريض وفحصه السريري. يصعب تقدير شدة النزف اعتماداً على أقوال المريض أو مرافقيه، وعلى الطبيب أن يتذكر عند التصدي لذلك أن الدم الذي أخرجه المريض عن طريق الفم أو الشرج لا يمثل إلا جزءاً قليلاً من الدم الذي فقده في الواقع. ويعد القياء الدموي الصريح بذاته علامة على خطورة النزف ويدل في رأي بعضهم على أن الدم الذي فقده المريض يقارب ربع حجم الدم عامة، وإذا ترافق القياء الدموي والتغوط الدموي الأحمر كان ذلك دليلاً على أن كمية الدم التي فقدها المريض كبيرة جداً. يكشف الفحص السريري في حالة النزف شحوب اللحف الذي تناسب شدته عادة غزارة النزف، بيد أن أهم العلامات التي تدل على الحالة الدينمية الدموية للمريض هي سرعة النبض والضغط الشرياني. يدل النبض السريع والضعيف على الوهط الدوراني، أما النبض السريع القوي فقد يكون ناجماً عن الانفعال والخوف الذي يعتري المريض في هذه الحالات. ويهبط الضغط الشرياني في حالة النزف الغزير ويناسب الهبوط كمية الدم المفقودة. بيد أنه يجب أن يؤخذ في الحسبان عند تفسير قياسات الضغط الشرياني الأرقام الطبيعية لضغط المريض قبل الأزمة الحالية. ويمكن القول عموماً إنه إذا قل الضغط الشرياني الانقباضي عن 100ملم/زئبق أو هبط الضغط الشرياني بمقدار 10-15ملم/زئبق أو أكثر عند الانتقال من وضعية الاستلقاء إلى وضعية الجلوس دلّ ذلك على ضياع دموي شديد يعادل 1000 مل من الدم أو أكثر.

ينخفض عدد الكريات الحمر والهموغلوبين والهماتوكريت بعد النزف الحاد ويشير مقدار هبوطها ولاسيما الهماتوكريت إلى كمية الدم المفقود، لكن مقدار الهماتوكريت لا يتغير إلا بعد انقضاء عدة ساعات على حدوث النزف؛ لذلك لا يمكن الاعتماد على قياسه في تقدير شدة النزف في المرحلة الباكرة من الحادث، بيد أنه متى انتقلت السوائل من الحيز خارج الأوعية إلى الجهاز الدوراني لتعويض كتلة الدم الناقصة بدأ الهماتوكريت بالهبوط تدريجياً حتى يصل إلى حده الأدنى عندما يستعيد الدم حجمه الأصلي، الأمر الذي يتم بعد 24-72 ساعة من حدوث النزف.

تدبير المريض النازف

1- إنعاش المريض: إن تعويض حجم الدم هو الخطوة الأولى في إنعاش المريض النازف ويتم ذلك بتسريب المصل الفيزيولوجي أو سائل رينغر Ringer أو موسعات حجم البلازما بسرعة تناسب سرعة حدوث النزف، وينصح أكثر الأطباء بضرورة الاستئناس بقياسات الضغط الوريدي المركزي لتقدير كمية السوائل التي يجب إعطاؤها للمرضى الحرجين critical تجنباً لزيادة حجم الدم على الحد المطلوب. يسهّل تعويض كتلة الدم دوران الكريات الحمر الباقية وأكسجة الأنسجة وقد يتطلب الأمر إضافة إلى ذلك إنشاق الأكسجين للمريض.

بيد أن نقل الدم الكامل يبقى الطريق الأمثل لتعويض حجم الدم من جهة وعدد الكريات الحمر من جهة أخرى. يجب نقل الدم للمريض الذي يبدي أعراض الصدمة( تسرع النبض وضعفه، هبوط الضغط الشرياني، برودة الأطراف، التعرق…) ويجب أن يستمر نقل الدم حتى تزول هذه الأعراض ويرتفع الهماتوكريت إلى 27% عند الكهول أو ثلاثين بالمئة عند الشيوخ. ويستطب نقل الدم أيضاً ولو كانت الدينمية الدموية مستقرة وكان الهماتوكريت أكثر من 27% إذا توقع الطبيب الاستمرار في هبوط الهماتوكريت بسبب تمدد الدم أو خشي عودة النزف بعد توقفه. قد يتطلب الأمر في بعض الحالات نقل معلق الكريات الحمر أو نقل البلازما الطازجة المجمدة إذا وجدت بينات على نقص عوامل التخثر، وفي كل الحالات يجب مراقبة المريض النازف كل نصف ساعة وتسجيل العلامات الحيوية (النبض والضغط الشرياني) والنتاج البولي على ورقة المراقبة مع بيان بالتدابير العلاجية التي قدمت له ومواعيدها، ويستحسن في حالات النزف الهضمي المهم وضع المريض في وحدة العناية المشددة.

2- تعيين مصدر النزف إن كان من الجزء العلوي أو السفلي للسبيل الهضمي: يفيد تعيين مصدر النزف العلوي أو السفلي في توجيه الاستقصاءات التالية التي تهدف إلى تحديد سبب النزف وموضع الآفة المسببة له. يشير القيء الدموي المنعزل أو المترافق بالتغوط الدموي إلى أن مصدر النزف هو الجزء العلوي من أنبوب الهضم (أي فوق رباط ترايتز). يأخذ الدم المطروح من الشرج لوناً أسود melena إذا كان مصدره الجزء العلوي من أنبوب الهضم وبقي مدة طويلة في الأمعاء تكفي لانقلابه إلى هماتين hematin بفعل الجراثيم المعوية.

أما النزف الصادر عن آفة واقعة تحت رباط ترايتز فإنه يتظاهر في معظم الحالات على شكل تغوط دموي أحمر، على أن التغوط الأسود قد يحدث أحياناً من آفة في الأمعاء الدقيقة أو في القولون الصاعد، كما أن النزف الهضمي العلوي السريع قد يتظاهر على شكل تغوط دموي أحمر بسبب سرعة مروره في الأنبوب الهضمي مما يحول دون انقلابه إلى هماتين. عندما لا يستطيع الطبيب تأكيد مصدر النزف إن كان علوياً أو سفلياً يلجأ إلى تنبيب المعدة عن طريق الأنف ورشف محتوياتها التي تؤكد في حالة احتواء الرشافة على الدم أن النزف هو من مصدرٍ علوي، أما إذا لم تحتوِ الرشافة على الدم فلا يمكن نفي المنشأ العلوي للنزف نفياً جازماً، إذ إن الرشافة قد تخلو من الدم في 25% من حالات النزف الهضمي العلوي.

3- تشخيص الآفة المسببة للنزف:

أولاً- النزف الهضمي العلوي:

يوجه الاستجواب في كثير من الحالات إلى الآفة المسببة للنزف. ويتناول السوابق المرضية للمصاب بحثاً عن آفة مرضية يعرف عنها إحداثها للنزف ولاسيما القرحة والتشمع الكبدي واضطرابات تخثر الدم أو تناول مواد مخرشة للمخاطية الهضمية وخاصة مضادات الالتهاب غير الستروئيدية. كما يقدم الفحص الفيزيائي معلومات مهمة لتشخيص سبب النزف العلوي، فوجود ضخامة في الطحال أو الحبن أو الدوران الرادف توحي كلها بالإصابة بالتشمع، كما أن وجود كتلة في البطن يوحي بالإصابة بالسرطان، كما أن بعض الأمراض الجهازية التي قد تكون السبب في النزف الهضمي العلوي تتظاهر أحياناً بعلامات جلدية مميزة (ر. التظاهرات الجلدية لأمراض جهاز الهضم).

لا تستطيع هذه الوسائل كلها معرفة سبب النزف الهضمي العلوي على نحو جازم وتحديد مكانه بدقة ويستدعي الأمر في جميع الحالات إجراء التنظير العلوي الذي يجب أن يتم عندما تستقر الحالة الدينمية الدموية للمريض. يعطي التنظير نتائج جيدة جداً في الغالبية العظمى من الحالات لذلك يندر جداً أن يتطلب الأمر اللجوء إلى وسائط أخرى لتعيين سبب النزف ومكانه كتصوير الأوعية angiography فيما إذا توافرت الشروط والأدوات اللازمة لإجرائه.

تختلف شدة النزف العلوي من حالة لأخرى وتراوح بين النزف الشديد الذي يهدد الحياة ويتطلب مداخلة تنظيرية أو جراحية عاجلة، والنزف الخفيف أو المعتدل الذي يقتصر علاجه على تعويض كتلة الدم ودعم الحالة العامة. وتدل الدراسات الأجنبية على أن معدل الوفيات في النزف العلوي يراوح بين 8-10%، وأن النزف في دوالي المريء ذو إنذار سيئ إذ يبلغ معدل الوفيات عند حدوثه 30% في الاستشفاء الأول ويبلغ هذا المعدل 60% إذا حدث النزف خلال العام التالي لحدوث النزف الأول.

أسباب النزف الهضمي العلوي الحاد

1- القرحة الهضمية المعدية والعفجية.

2- دوالي المريء.

3- التهاب المعدة التآكلي (السحجي).

4- متلازمة »مالوري - وايس«.

5- التهاب المريء.

6- الأورام الحميدة والخبيثة.

7- الآفات الوعائية (توسع الشعيرات الوراثي telangiectasis، (داء ديولافوا Dieulafoys lesion…)

8- اعتلال معدي بفرط الضغط البابي.

الجدول (1) أسباب النزف الهضمي العلوي الحاد

 

1- القرحة الهضمية: تدل أكثر الإحصاءات على أن 50% من حالات النزف الهضمي العلوي سببها القرحة الهضمية. يتوقف النزف القرحي عفوياً في 90% من الحالات دونما حاجة إلى أي تدخل خارجي في حين يستمر النزف أو يتكرر في نحو عشرة بالمئة من المرضى مما يعرض حياتهم للخطر بسبب الاستنزاف. وهناك عدد من العلامات السريرية والتنظيرية التي تساعد على تمييز هذه الفئة من المرضى المعرضين لتكرار النزف أو استمراره والذين يحتاجون إلى معالجة تنظيرية من أجل إيقاف النزف أو منع تكراره أو لمداخلة جراحية إسعافية إذا لم تنجح الوسائل الأخرى في تحقيق ذلك. [ر. القرحة الهضمية- الملويات البوابية].

تؤدي المعالجة الدوائية دوراً مهماً في تدبير حالات النزف الهضمي العلوي فقد اتضح أن المعالجة بمثبطات مضخة البروتون (PPI) تساعد على وقف النزف ومنع تكراره؛ لذلك  يجب البدء بإعطاء أحد هذه الأدوية مثل الأوميبرازول omeprazole الذي يعطى بمقدار 80ملغ دفعاً في الوريد ويتلوه تسريب وريدي بمعدل 5 ملغ/الساعة ولعدة أيام، وإذا بيّن التنظير وجود علامات على استمرار النزف أو احتمال عودته وجب أن تشرك هذه المعالجة الدوائية مع المعالجة التنظيرية التي تعتمد على أحد

 
الشكل (1) خوارزمية تبين خطة تدبير النزف الهضمي العلوي

الطرق التالية:

أ- حقن إحدى المواد المقبضة للأوعية أو المواد المصلبة حول القرحة وفي قاعها.

ب- تخثير الدم ضمن الوعاء النازف ويتم ذلك عن طريق التيار الكهربائي ثنائي القطب أو المسبار الحراري heater probe، وقد استخدم حديثاً التخثير بوساطة غاز الأرغون- بلازما (APC) argon plasma coagulation وهي طريقة آمنة وفعالة وسهلة التطبيق.

ج- وأخيراً يمكن السيطرة على النزف بطريقة ميكانيكية باستعمال المشابك المعدنية [ر. مضاعفات القرحة الهضمية].

سبقت الإشارة إلى أن النزف القرحي يتوقف عفوياً في الغالبية العظمى من الحالات ويبقى هناك حالات من النزف الخطر الذي يهدد حياة المريض، ومن الدلائل التي تشير إلى هذه الحالات الخطيرة غزارة النزف الذي يتطلب نقل عدة وحدات من الدم في اليوم الواحد، وتقدم سن المريض وإصابته بآفات مرضية في الأجهزة الأخرى، واتساع حجم القرحة التي يتجاوز قطرها 2سم، إضافة إلى وجود علامات تنظيرية على استمرار النزف الذي يأخذ شكل نزّ خفيف مستمر أو تدفق الدم من الوعاء المفتوح، أو دلائل على احتمال عودة النزف المتوقف وأهمها وجود وعاء بارز في قاع القرحة أو وجود خثرة ملتصقة تغطي الفوهة القرحية، وكلها حالات تستدعي المداخلة التنظيرية التي تعطي نتائج جيدة جداً.

أما دور الجراحة في معالجة النزف القرحي الشديد فقد تراجع إلى حد كبير بعد أن تطورت وسائل المعالجة الدوائية والتنظيرية آنفة الذكر. بيد أن هناك حالات لا يمكن السيطرة عليها باستعمال تلك الوسائل أو أن النزف يعاود مرة أخرى بعد توقفه، ويستحسن في هذه الحالات العودة إلى المعالجة التنظيرية مرة ثانية فإذا أخفقت من جديد أصبحت الجراحة الملجأ الأخير لتدبير الحالة على الرغم من خطورة المداخلة الجراحية وارتفاع معدل الوفيات فيها الذي يصل إلى 25%. يفضل الجراحون التداخل الجراحي بسرعة قبل أن تزداد حالة المريض سوءاً، ولاشك أن انتقاء المريض الذي يحتاج إلى المداخلة الجراحية وتحديد موعد إجرائها أمر عسير ويعتمد إلى حد كبير على خبرة الفريق الطبي المعالج وتجربته في هذا المجال.

تجدر الإشارة أخيراً إلى أن هناك حالات نادرة استخدمت فيها المعالجة عن طريق الأوعية angiographic therapy لتدبير حالات النزف القرحي الخطر الذي لم يستجب للمعالجة التنظيرية، وقرر الأطباء عدم اللجوء إلى الجراحة بسبب خطورتها العالية. تعتمد هذه الطريقة على قثطرة الشريان الذي يروي ناحية القرحة وحقن الفازوبرسين vasopressin فيها مما يؤدي إلى تقبض أوعية الناحية وتوقف النزف، أو أن يعمد إلى إصمام الشريان بحقن بعض المواد مثل gelfoam   الذي يمنع وصول الدم إلى القرحة. يحتاج تطبيق هذه الطريقة إلى تجهيزات معقدة وخبرة طبية واسعة، كما أن لها مضاعفات عديدة أهمها الإقفار والاحتشاء الذي يتناول العضلة القلبية خصوصاً مما دعا إلى ندرة استعمالها في المعالجة.

الشكل (2) التهاب معدة تآكلي عند مريض كان يتناول الأسبرين، تبدي الصورة تآكلات صغيرة قلاعية الشكل

2- التهاب المعدة التآكلي (السحجي) erosive gastritis: التهاب المعدة السحجي تشخيص تنظيري ويعني وجود سحجات في المخاطية المعدية مع نزوف تحت الظهارة هي السبب في حدوث النزف الهضمي، ويطلق على هذه الحالة أيضاً اسم اعتلال المعدة التآكليerosive gastropathy بسبب عدم وجود علامات نسيجية تدل على حالة التهابية.

يقدر بعضهم أن نحو 15% من حالات النزف الهضمي العلوي تنجم عن التهاب المعدة التآكلي إلا أن النزف قلّ أن يكون غزيراً. يحدث التهاب المعدة السحجي بعد تناول مضادات الالتهاب غير الستروئيدية (م ا ع س) وفي التهاب المعدة الكربي stress gastritis وبعد تناول كمية كبيرة من المشروبات الكحولية، تكفي المعالجة الداعمة المشركة مع تسريب مثبطات مضخمة البروتون في الوريد للسيطرة على النزف في أكثر الحالات، أما المعالجة التنظيرية فقلّ أن تكون مفيدة بسبب اتساع الآفات وشمولها، ويلجأ بعض المراكز الطبية إلى تسريب الفازوبرسين vasopressin في الشريان المغذي للمعدة مما يؤدي إلى توقف النزف في كثير من الحالات. أما المعالجة الجراحية فيندر اللجوء إليها وأساسها استئصال المعدة التام أو الجلّي subtotal إلا أن معدل الوفيات فيها مرتفع جداً ويصل إلى 50% من الحالات؛ لذلك يتركز اهتمام الأطباء حالياً على الوقاية من حدوث التهاب المعدة التآكلي عند المعرضين لحالات الكرب الفيزيولوجي وأولئك الذين يستخدمون مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية على نحو مستمر وذلك عن طريق استعمال مثبطات مضخة البروتون PPI أو السوكرلفات sucralfate، إلا أن نتائج هذه المعالجة الوقائية تختلف من دراسة إلى أخرى.

3- متلازمة مالوري - وايس Mallory-Weiss syndrome: هي تمزق في الغشاء المخاطي للأنبوب الهضمي يقع في ناحية الموصل المعدي المريئي ولاسيما على الجانب المعدي منه مما يؤدي إلى حدوث النزف. وتشير بعض الدراسات الأجنبية إلى أن هذه المتلازمة هي المسؤولة عن 5-10% من حالات النزف العلوي ويندر الإشارة إليها في الدراسات المحلية. ويعزى تمزق المخاطية إلى نوبة شديدة من السعال أو التهوع retching أو القياء تسبق النزف. يتوقف النزف عادة عفوياً في 90% من الحالات، أما إذا استمر النزف أو عاود بعد توقفه وجب اللجوء إلى المعالجة التنظيرية باستعمال التخثير الكهربائي أو المسبار الحراري أو حقن المواد المصلبة وكلها تعطي نتائج جيدة في إيقاف النزف، أما الجراحة فيندر جداً اللجوء إليها لخياطة التمزق وإيقاف النزف.

4- التهاب المريء esophagitis: كشف التنظير الهضمي العلوي أن التهاب المريء هو سبب النزف الهضمي العلوي في نحو 15% من المرضى إلا أنه يندر أن يكون النزف غزيراً. أما السبب في التهاب المريء فهو الجزر المعدي المريئي في الغالبية العظمى من الحالات، وإذا كان النزف غزيراً فإنه يدعو إلى لشك بوجود قرحة في المريء (قرحة باريت Barrett’s ulcer). يتوقف النزف عفوياً في أغلب الحالات. ويعطى المريض جرعات عالية من مثبطات مضخة البروتون إذا كان التهاب المريء ناجماً عن الجزر المعدي المريئي. وتستطب المعالجة التنظيرية في حالة وجود تقرح في المريء إلا أنها يجب أن تجرى بحذر شديد خوفاً من انثقاب المريء.

5- الأورام: قلّ أن تسبب أورام الجزء العلوي في أنبوب الهضم نزفاً حاداً، وإنما يغلب أن تحدث نزفاً خفيفاً لاعرضياً أو نزفاً خفياً occult blood ، وأكثر هذه الأورام مصادفة هو سرطانة المعدة. يمكن معالجة بعض هذه النزوف الورمية تنظيرياً عن طريق الحقن الموضعي أو التخثير الكهربائي، أما الأورام السليلانية polypoid النازفة فيمكن استئصالها بالسنار مع التخثير الكهربائي snare electrocoagulation، في حين تحتاج الأورام اللاطئة إلى المداخلة الجراحية.

6- الآفات الوعائية:

أ- آفة ديولافوا Dieulafoy’s lesion: هي وجود شرين واسع القطر في مخاطية المعدة يضغط عليها مسبباً تسحجها وقد يتمزق الشرين محدثاً نزفاً هضمياً يتميز بغزارته وتكراره. تذكر بعض الدراسات أن هذه الآفة هي السبب في 6% من حالات النزف الهضمي العلوي الجسيم. تتوضع هذه الآفة في أكثر الحالات في القسم الداني من المعدة قريباً من الموصل المعدي المريئي ويصعب رؤيتها إلا إذا جرى التنظير في أثناء النزف. تعالج الآفة تنظيرياً بالتخثير الكهربائي أو الحراري أو تطبيق المشابك، الأمر الذي يوقف النزف ويمنع عودته في 95% من الحالات.

ب- توسع الأوعية vascular ectasia: قلّ أن يكون توسع الأوعية في المعدة والاثني عشري سبباً في النزف الهضمي العلوي. يحدث توسع الأوعية في العديد من الأمراض أهمها القصور الكلوي المزمن، ومنها أيضاً تشمع الكبد وأمراض المغراء ومتلازمة فون- ويلبراند وغيرها. عندما يتم تحديد موضع النزف في أثناء التنظير يمكن معالجته بالحقن الموضعي أو التخثير بغاز أرغون - بلازما argon- plasma أو التخثير الكهربائي ويخشى في هذه الحالة الأخيرة من حدوث الانثقاب. 

الشكل (3) بقع نزفية على الشفتين واللسان عند مصاب بتوسع الشعيرات النزفي الوراثي

ج- توسع الشعيريات النزفي الوراثي hereditary hemorrhagic telangiectasia: ويدعى أيضاً متلازمة أوسلر- ويبر- راندو Osler-Weber- Rendu التي تتصف باتساع الشعيرات في مختلف أنحاء الجسم ومنها الأنبوب الهضمي. العرض السريري البارز في هذه المتلازمة هو الرعاف، ويكشف الفحص السريري وجود البقع النزقية على الشفتين واللسان كما يبين التنظير العلوي وجود بقع مماثلة على الغشاء المخاطي للمعدة. يمكن السيطرة على النزف عن طريق المعالجة التنظيرية إلا أن عودة النزف كثيرة الحدوث بسبب تعدد الآفات.

ومن الأسباب الوعائية الأخرى للنزف الهضمي العلوي الأورام الوعائية الدموية hemangioma والتشوهات الشريانية الوريدية.

7- النزف الناجم عن فرط الضغط البابي: يعد فرط الضغط البابي أحد الأسباب الشائعة للنزف الهضمي العلوي الجسيم الذي يكون مصدره تمزق دوالي المريء أو دوالي قاع المعدة، أما النزف الخفيف أو المجهري فينجم عن الاعتلال المعدي gastropathy بفرط الضغط البابي. تختلف الإحصاءات فيما يخص تقدير نسبة النزف الهضمي العلوي الناجم عن تمزق الدوالي وتراوح هذه النسبة بين 10-30%. يتصف النزف من الدوالي بغزارته مما يتطلب نقل كمية كبيرة من الدم أو معلق الكريات الحمر، وينتهي بالوفاة في نسبة عالية من المرضى، إلا أنه يجب التنبيه إلى أن النزف الهضمي عند المتشمعين قد يكون مصدره آفة أخرى غير الدوالي المتسعة لذلك يجب التأكد من مصدر النزف في أثناء التنظير الداخلي قبل البدء بالمعالجات  الموضعية.

أ- النزف من دوالي المريء: يكشف النتظير الداخلي وجود دوالي المريء عند نحو 40% من المصابين بالتشمع، وتصل هذه النسبة إلى 60% عند وجود حبن مرافق، إلا أن نحو ثلث هؤلاء المرضى فقط يصابون بالنزف من الدوالي الذي ينتهي بالوفاة في 30% من الحالات. وقد تبين أن احتمال حدوث النزف من الدوالي يتناسب طرداً مع حجم الدوالي كما أن وجود بقعة حمراء أو أوعية صغيرة متسعة على سطح الدالية يشير إلى احتمال تعرضها للتمزق وحدوث النزف، كما وجد الباحثون أن احتمال حدوث النزف من الدوالي يتناسب أيضاً مع درجة قصور الكبد كما حددها تصنيف «تشايلد» Child.

تتضمن معالجة النزف الحاد إنعاش المريض بحقن السوائل المتوافرة للمحافظة على حجم الدم وإعطاء الدم الكامل أو معلق الكريات الحمر بهدف المحافظة على الهماتوكريت بمقدار 25-30%.

يعطى المريض أيضاً إحدى الصادات واسعة الطيف للحيلولة دون حدوث تجرثم الدم bactermia أو التهاب الصفاق العفوي. ومن أفضل الصادات لتحقيق هذا الغرض إعطاء الـ ciprofloxacin وريدياً بمقدار 400 ملغ مرتين يومياً أو norfloxacin عن طريق الفم بمقدار 400 ملغ مرتين يومياً والاستمرار في ذلك مدة سبعة أيام.

يسعى الطبيب بعد ذلك إلى إيقاف النزف الذي يمكن تحقيقه بالعلاجات الدوائية أو بالمعالجة الموضعية في أثناء التنظير إلا أن المعالجة المشتركة الدوائية والتنظيرية تعطي نتائج أفضل. وإذا أخفقت هذه الطرق في السيطرة على النزف يمكن اللجوء إلى إجراء تحويلة shunt بابية أجوفية تصل بين جملة وريد الباب والوريد الأجوف السفلي مما يؤدي إلى خفض الضغط البابي وتوقف النزف. 

أ-أ- المعالجة الدوائية: تتضمن المعالجة الدوائية عدداً من المركبات التي تقبض الشرايين وتنقص كمية الدم الوارد إلى الأحشاء البطنية وتخفض بالتالي الضغط في الجملة البابية.

أقدم هذه الأدوية هو الڤـازوبرسين vasopressin الذي يعطى وريدياً بجرعة مقدارها 20 وحدة في 100مل من المصل السكري على مدى عشر دقائق، يتلوها تسريب وريدي مستمر، إلا أن التأثيرات الجانبية لهذا العلاج كثيرة وخطرة (لانظميات قلبية، نقص تروية قلبية أو احتشاء، نقص تروية محيطية) وللتخفيف من هذه المحاذير يعطى معه دوماً (النتروغليسيرين) تسريباً في الوريد ممّا يقلل من تلك التأثيرات الجانبية ويزيد في الوقت نفسه من التأثير الخافض للضغط في الجملة البابية.

وقد قامت إحدى شركات الأدوية بتصنيع مشتق للفازوبرسين يدعى terlipressin واسمه التجاري Glypressin الذي يطلق بعد حقنه في الوريد كمية قليلة ومستمرة من الفازوبروسين قادرة على خفض الضغط في الجملة البابية من دون أن تحدث تأثيرات حادة على الضغط الشرياني والتروية القلبية. يعطى هذا الدواء بمقدار 2ملغ دفعاً في الوريد خلال دقيقة واحدة، ويكرر الحقن كل 4 ساعات بمقدار 1-2ملغ كل مرة حتى يتوقف النزف على ألا تتجاوز مدة استعمال الدواء 36 ساعة، وفي كل حال يجب استعمال هذا الدواء بحذر عند المصابين باضطرابات قلبية أو ارتفاع في الضغط الشرياني ومراقبتهم بدقة في أثناء استعماله.

ومن الأدوية المهمة المستعملة في معالجة نزف الدوالي السوماتوستاتين somatostatin وهو يماثل الفازوبروسين في قدرته على خفض الضغط في الدوران البابي إلا أن تأثيراته الجانبية أقل منه كثيراً، ولهذا الدواء عدة مضاهئات لها تأثير مماثل في الضغط البابي أقدمها الدواء المسمى octreotide واسمه التجاري Sandostatin الذي يتميز بأن نصف عمره أطول بكثير من عمر السوماتوستانين إذ يبلغ 1-2 ساعة.

يعطى الـ octreotide بمقدار 50 مكروغرام دفعاً في الوريد يتلوه تسريب وريدي بمقدار 50-100 ميكروغرام/الساعة. وقد بينت الدراسات أن قدرة الأدوية آنفة الذكر في السيطرة على النزف تماثل قدرة تصليب الدوالي، ويجب أن تستمر المعالجة الدوائية خمسة أيام تجنباً لعودة النزف الباكرة.

أ- ب- المعالجة الموضعية عن طريق التنظير: إذا شاهد الطبيب في أثناء التنظير النزف يتسرب من إحدى الدوالي أو شاهد علامات تدل على نزف حديث العهد منها مثل وجود خثرة أو سدادة فيبرينية على الدالية قام بتطبيق المعالجة الموضعية، وتستطب المعالجة الموضعية أيضاً إذا شاهد الطبيب علامات تشير إلى احتمال حدوث النزف مثل بقعة حمراء أو أوعية صغيرة متسعة على سطح الدالية. تأخذ المعالجة الموضعية أحد الشكلين التاليين:

- ربط الدوالي: هو الطريقة المفضلة للسيطرة على النزف من دوالي المريء النازفة وتعتمد على جذب الدالية النازفة، أو المعرضة للنزف إلى لمعة المنظار بوساطة المص ومن ثم إحاطة قاعدتها بحلقة مطاطية ضاغطة مما يؤدي إلى اختناق الدالية وتخثر الدم فيها ومن ثم تموتها، ويتلو ذلك حدوث التليف وانسداد الأوعية. يتناول الربط أولاً الدوالي القريبة من الموصل المعدي المريئي ثم تربط الدوالي التي فوقها بفاصل 2سم بين الربطة والأخرى. تتميز طريقة الربط بأنها أسهل تنفيذاً من التصليب كما أن تأثيراتها الجانبية أقل حدوثاً.

- تصليب الدوالي: يتم بهذه الطريقة تخثير الدم في الدوالي النازفة عن طريق حقنها عبر المنظار بأحد المحاليل المصلبة مثل أوليات (زيتات) الإيتانولامين ethanolamine oleate أو البولي دوكانول polidocanol بنسبة 1% أو الكحول الصرف. تحقن المادة المصلبة داخل كل دالية أو حولها بدءاً من الدالية الواقعة فوق الموصل المعدي المريئي مباشرة على ألا تتجاوز الكمية المحقونة في كل منها 4مل مما يؤدي إلى انسدادها.

تتعرقل المعالجة الموضعية بحدوث بعض المضاعفات منها ما يحدث في أثناء العمل وأهمها الألم الصدري خلف القص، ومنها ما يتأخر حدوثه مثل تقرح المريء وتضيق المريء أو النزف أو عسر التقلص dysmotility إلا أن هذه المضاعفات أقل حدوثاً بعد ربط الدوالي. يمكن السيطرة على النزف من دوالي المريء في 90% من الحالات إذا أشركت المعالجة الموضعية مع المعالجة الدوائية. قد تخفق المعالجة المشتركة في إيقاف النزف ويستدل على ذلك من إحدى العلامات التالية:

- إذا احتاج المريض إلى نقل أربع وحدات من الدم أو أكثر للمحافظة على الهماتوكريت بين 25-30%.

- إذا لم يكن بالإمكان رفع الضغط الشرياني الانقباضي أكثر من 70 ملمتر/زئبق.

- إذا استمر تسرع النبض الذي يتجاوز 100/دقيقة.

يعمد في هذه الحالات إلى إعادة الربط أو التصليب في مدة 24 ساعة التي تلي المحاولة الأولى. فإذا أخفقت المحاولة الثانية وجب اللجوء إلى إجراء تحويلة بابية- جهازية لتخفيف الضغط في الدوران البابي.

أ-ج- التحويلة البابية - الجهازية: تتم هذه العملية بإحدى الطرق التالية:

- التحويلة البابية الجهازية داخل الكبد عبر الوداجي transjugular intrahepatic portal-systemic shunt (TIPS): يتم في هذه الطريقة إدخال استنت stent معدني عن طريق الوريد الوادجي إلى الوريد الكبدي المتوسط ومنه إلى أحد فروع وريد الباب الرئيسية فتتصل بذلك الجملة البابية بالوريد الأجوف السفلي وينخفض الضغط البابي ويتوقف النزف. تجرى العملية تحت التخدير الموضعي ويبلغ معدل الوفيات فيها 1-2% بيد أن تطبيقها بنجاح يحتاج إلى فريق طبي ذي خبرة واسعة بهذا الإجراء وتقدر نسبة النجاح في هذه الحالة بـ95%. أما مضاعفات هذا الإجراء فهي متعددة وخطرة في كثير من الحالات.

- التحويلة البابية الجهازية الجراحية: قلّ اللجوء إلى التحويلة الجراحية بعد استحداث التحويلة داخل الكبد TIPS بسبب ارتفاع معدل الوفيات فيها. هناك عدة نماذج من التحويلات الجراحية هي:

- التحويلة البابية الجهازية الانتقائية selective shunt: وهي أكثرها شيوعاً وتدعى أيضاً عملية «وارن» Warren وفيها تتم مفاغرة الوريد الطحالي والوريد الكلوي الأيسر، ويمكن بهذه الطريقة السيطرة على النزف في 90% من الحالات، وتتميز بقلة حدوث الاعتلال الدماغي الكبدي على أثرها.

- التحويلة البابية الجهازية الجزئية partial shunt: وفيها يوضع طعم صنعي ضيق القطر، يبلغ قطره عادة 8 ملم، يصل بين الأجوف السفلي من جهة وبين وريد الباب أو الوريد المساريقي العلوي من جهة أخرى. يعطي هذا الإجراء نتائج مماثلة لتلك المشاهدة في عملية «وارن».

- التحويلة البابية الأجوفية الجانبية - الجانبية side to side portacaval shunt: تخفض هذه التحويلة بشدة الضغط في الجملة البابية إلا أنها تتعرقل بمعدل عالٍ من الاعتلال الدماغي الكبدي يصل إلى 30-40%.

ب- النزف من دوالي المعدة: تتوضع دوالي المعدة عادة في ناحية القاع وتتمادى مع دوالي أسفل المريء في أكثر الحالات إلا أنها قد تكون منعزلة. تتبع في معالجة دوالي المعدة النازفة التدابير نفسها المتبعة في معالجة دوالي المريء.

وقد تبين أن أفضل طرق المعالجة الموضعية في هذه الحالة هي حقن إحدى المواد اللاصقة للأنسجة tissue adhesive ضمن الدالية النازفة ومنها مادة cyanoacrylate التي تتصلب بمجرد تماسها بالدم فينسد الوعاء النازف. تتخثر المخاطية التي تستر الدالية في نهاية الأمر وتنطرح المادة المحقونة. إذا أخفقت المعالجة الموضعية في إيقاف النزف يلجأ حينئذٍ إلى إجراء التحويلة داخل الكبد (TIPS). 

ج- الاعتلال المعدي بفرط الضغط البابي portal hypertensive gastropathy: تبدي مخاطية الأنبوب الهضمي عند المصابين بفرط الضغط البابي تبدلات تنظيرية ونسيجية ناجمة عن توسع الشعيرات في المخاطية وما تحت المخاطية من دون أن تترافق بعلامات التهابية، وتتجلى هذه التبدلات وخاصة في المعدة وتدعى اعتلال المعدة بفرط الضغط البابي. تبدو المخاطية المعدية في الشكل الخفيف من الاعتلال محتقنة بشكل فسيفسائي يشبه جلد الحية snakeskin like. أما الشكل الشديد من الاعتلال فتشاهد فيه نقاط نزفية حمراء أو بقع داكنة صغيرة تشير إلى نزوف في الطبقة تحت المخاطية. يعتقد أن اعتلال المعدة بفرط الضغط البابي هو المسؤول عن نسبة غير قليلة من النزف الهضمي العلوي عند المصابين بفرط الضغط البابي، كما ينسب إليه فقر الدم بسبب النزف الخفيف المزمن الذي يسببه.

ثانياً- النزف الهضمي السفلي:

يحتل الاستجواب والفحص السريري مكاناً مهماً في تشخيص سبب النزف الهضمي السفلي. يتناول الاستجواب كمية النزف ولونه وتبدل عادات التغوط والألم البطني والألم الشرجي وحس الزحير ونقص الوزن والسوابق المرضية مثل الداء الالتهابي المعوي والمداخلات الجراحية على البطن. أما الفحص الفيزيائي فيتركز على التفتيش عن الكتل البطنية والتظاهرات الجلدية التي ترافق بعض الأمراض المعوية إضافة إلى فحص الناحية الشرجية وإجراء المس الشرجي المستقيمي. قلّ أن يؤدي الاستجواب والفحص السريري إلى تشخيص سبب النزف الهضمي السفلي على نحو جازم؛ لذلك يتطلب الأمر في أكثر الحالات الاستعانة ببعض الفحوص المتممة وذلك بعد نفي المصدر العلوي للنزف عن طريق رشف محتويات المعدة وتحري الدم فيها.

أما الفحوص المتممة المفيدة في هذا المجال فهي:

1- تنظير الشرج والمستقيم: يمكن بهذه الطريقة كشف الشقوق الشرجية والبواسير والقرحات والتهابات المستقيم وسرطانة المستقيم والوصل السيني المستقيمي.

2- تنظير القولون: يعد تنظير القولون أفضل طريقة لكشف سبب النزف الهضمي السفلي ولاسيما الآفات الوعائية كالثدن الوعائي التي لا يمكن كشفها بالتصوير الشعاعي، كما أنه يسمح بأخذ الخزعات من الآفات المشاهدة. ومن الجدير بالذكر أنه يمكن إجراء تنظير القولون على نحو إسعافي عند الضرورة وقبل توقف النزف وذلك بعد تحضير القولون بإعطاء محلول غلـيكول بولي إيثيلين (PEG) polyethylene glycol عن طريق الفم.

3- التصوير الومضاني scintigraphy: تستعمل النظائر المشعة لتشخيص مصدر النزف الهضمي السفلي المتواصل وتوجيه المعالجة الجراحية عند الضرورة. يحقن لهذه الغاية الكريات الحمر الموسومة (بالتكنيشيوم) في وريد المريض، ففي حالة وجود نزف من أحد أجزاء الأنبوب الهضمي يتسرب النظير المشع مع الدم النازف إلى داخل اللمعة ويتجمع قرب موقع الآفة حيث يمكن كشفه بوساطة عداد غاما Gamma counter. تفيد هذه الطريقة ولو كانت سرعة النزف بطيئة تراوح بين 0.1- 0.5مل/الدقيقة. ومن مميزات هذه الطريقة أمانها وانخفاض كلفتها مقارنة بتصوير الأوعية، لكن النتائج السلبية فيها مرتفعة، كما أن معدل الخطأ في تعيين مكان الآفة النازفة مرتفع أيضاً لذلك لا يمكن الاطمئنان إليها في توجيه العمل الجراحي.

4- تصوير الأوعية angiography: يلجأ لتصوير الأوعية عند تدبير النزف الهضمي السفلي الذي لم يتوقف عفوياً إذا كانت سرعة النزف تعادل ؟؟ -1 مل/دقيقة ويفيد حينئذٍ في تعيين مكان النزف بدقة أكبر من التصوير الومضاني، كما أنه يتيح إمكانية تطبيق بعض الإجراءات العلاجية التي توقف النزف بسرعة مثل حقن الفازوبرسين في الوعاء النازف أو إصمام هذا الوعاء بحقن بعض المواد التي تسد لمعته. يتعرض المريض الذي يخضع لهذا الإجراء لبعض المضاعفات المهمة ومنها خثرة الشريان مما يحد من استعماله إضافة إلى كونه يحتاج إلى تجهيزات معقدة غالية وخبرة فنية واسعة لا تتوافر في أكثر المراكز الطبية.

أسباب النزف الهضمي السفلي:

السببان الرئيسان للنزف الهضمي السفلي الجسيم هما الرتوج القولونية والثدن الوعائي angiodysplasia (أو توسع الأوعية). أما النزف الهضمي السفلي الخفيف أو المعتدل الذي لا يؤثر في الاستقرار الدينمي الدموي فمن أهم أسبابه البواسير وأورام القولون. ومن الأسباب الأخرى للنزف الهضمي التهابات القولون والداء الالتهابي المعوي ورتج ميكل Meckel وقرحة المستقيم الوحيدة وغيرها (الجدول 2). وربما لا يتمكن الطبيب من تحديد مصدر النزف في عدد مهم من حالات النزف السفلي.

أسباب النزف الهضمي السفلي الحاد

1- رتوج القولون

2- توسع الأوعية

3- الأورام

4- الداء المعوي الالتهابي

5- التهاب القولون (الإقفاري ـ الشعاعي، الخمجي…)

6- البواسير

7- رتج ميكل

8- النزف الغامض

الجدول (2) الأسباب المهمة للنزف الهضمي السفلي الحاد

 

1- رتوج القولون: النزف من الرتوج القولونية مضاعفة غير شائعة في هذا الداء ومع ذلك فإنه يأتي في المرتبة الأولى من أسباب النزف السفلي الجسيم في الدول الصناعية وذلك بسبب انتشار هذا الداء بين سكانها. يحدث النزف فجاءة من دون أعراض مرافقة ومصدره تقرح جدار أحد الشرينات الثاقبة في جدار القولون. يشخص النزف الرتجي باستبعاد الأسباب الأخرى للنزف عند شخص كشف بتنظير القولون أو تصوير القولون وجود رتوج قولونية لديه.

يتوقف النزف الرتجي عفوياً عادة إلا أنه قد يعاود مرة أخرى في 10-40% من الحالات. ويستحسن إجراء تنظير القولون على نحو إسعافي عند تكرر النزف إذ إنه قد يكشف المكان النازف ويتيح الفرصة لإيقاف النزف بالمعالجة التنظيرية، إلا أن كثيراً من المرضى يحتاجون إلى التداخل الجراحي واستئصال جزء من القولون الذي صدر عنه النزف، وإذا لم يمكن تحديد مكان النزف يلجأ إلى استئصال القولون الجُلّي subtotal.

2- توسع الأوعية angioectasia (أو الثدن الوعائي): توسع الأوعية سبب شائع للنزف الهضمي السفلي الحاد أو المزمن. تتوضع الآفة في القولون الأيمن خاصة وتبدو  في أثناء التنظير على هيئة لطخات حمراء متغصنة، إلا أنها يمكن أن تتوضع في أي جزء من القولون والأنبوب الهضمي عامة. تشاهد هذه الآفة في أكثر الحالات عند المتقدمين في السن وكثيراً ما تترافق بأمراض أخرى ولاسيما القصور الكلوي. وكما هي الحال في الرتوج يتجلى النزف على شكل تغوط مدمى يختلف لونه باختلاف مكان توضع الآفة وسرعة حدوث النزف وقلّ أن يترافق باضطراب الدينمية الدموية. يتم التشخيص عادة عن طريق تنظير القولون الذي يسمح أيضاً بتطبيق المعالجة التنظيرية بالحقن الموضعي أو التخثير. أما تصوير الأوعية فيلجأ إليه في حالة عدم توقف النزف وفي النزف المتكرر، ويمكن عن طريقه تطبيق بعض الإجراءات العلاجية كحقن الفازوبرسين في الشريان أو إصمامه الذي يوقف النزف بسرعة. وقد يتطلب الأمر التداخل الجراحي في حالة عدم توقف النزف أو تكرره واستئصال جزء من القولون الذي توجد فيه الآفة النازفة أو يشك بوجودها فيه.

3- البواسير: البواسير حالة مرضية شائعة جداً كثيراً ما تتظاهر بنزف سفلي متقطع قليل المقدار أحمر اللون لا يختلط بالبراز ويعتقد أنها السبب في نحو 5-10% من حالات النزف السفلي الحاد. يجب إجراء تنظير الشرج anoscopy في كل الحالات للتأكد من التشخيص إلا أنه يندر أن تشاهد بقعة محددة ينطلق منها الدم. إذا تجاوز المريض المصاب بالبواسير النازفة سن الخمسين وجب إجراء تنظير القولون الشامل للتأكد من خلوه من آفة مرضية أخرى قد تكون السبب في حدوث النزف ولاسيما سرطانة القولون. تعالج البواسير بالربط أو بالتخثير الموضعي وقلّ أن يحتاج الأمر إلى الاستئصال الجراحي.

4- الأورام: قلّ أن يكون سرطان القولون سبباً في حدوث نزف هضمي سفلي حاد، وإنما يكون النزف عادة قليل المقدار متقطعاً وكثيراً ما يترافق بتبدل في عادات التغوط وبالعلامات التي تثير الشبهة بالخباثة مثل نقص الوزن وفقر الدم. وتتظاهر السليلات القولونية أيضاً بالنزف السفلي المتقطع قليل المقدار الذي قد يؤدي إلى فقر الدم. كما يعد النزف الهضمي السفلي أحد المضاعفات المهمة التي تحدث بعد استئصال السليلات القولونية عن طريق التنظير.

5- رتج ميكل Meckel’s diverticulum: يعد النزف من رتج ميكل أحد الأسباب الشائعة للنزف الهضمي السفلي الحاد عند الأطفال، ومصدر النزف في هذه الحالة هو تقرح المخاطية المعوية المجاورة للرتج بفعل حمض كلوريدريك الذي تفرزه المخاطية المعدية الهاجرة الموجودة في الرتج. يعتمد التشخيص على التصوير الومضاني أما المعالجة فهي الجراحة.

6- التهابات القولون: يسبب الكثير من الأمراض التهاباً في جدار القولون وتقرحات فيه مما يؤدي لحدوث نزف هضمي سفلي قد يكون حاداً. ومن أهم هذه الأمراض التهاب القولون التقرحي الذي كثيراً ما يسبب نزفاً سفلياً غزيراً، وكذلك الحال في داء كرون وقد يتطلب إيقاف النزف في كلتا الحالتين مداخلة جراحية عاجلة للسيطرة على النزف.

يؤدي التهاب القولون الخمجي إلى أذية شديدة في مخاطية القولون ومنه حدوث نزف سفلي غزير أحياناً. ومن أهم الجراثيم التي تسبب ذلك السلمونيلة والشيغلة، والعطيفة campylobacter والمطثية العسيرة. ومن الأسباب الأخرى للنزف الهضمي السفلي التهاب القولون الشعاعي radiation colitis التالي للمعالجة الشعاعية على البطن، والتهاب القولون الإقفاري ischemic colitis الناجم عن نقص التروية الموضع.

 

 

علينا أن نتذكر

> يقسم النزف الهضمي بحسب موقع الآفة التي سببته إلى نزف هضمي علوي وهذا الشكل أكثر مصادفة، ونزف هضمي سفلي.

> يتظاهر النزف الهضمي السفلي بالتغوط الدموي، والعلوي بالقيء الدموي أو بالتغوط الدموي أو بكليهما. إلا أن النزف الهضمي الجسيم قد يتظاهر بالغشي أو الصدمة، أما النزف الخفيف المزمن فيتظاهر بأعراض فقر الدم.

> تعويض حجم الدم هو الخطوة الأولى والأهم في تدبير المريض المصاب بنزيف هضمي جسيم ويتم ذلك بنقل الدم الكامل أو تسريب موسعات حجم البلازما أو تسريب المصل الفيزيولوجي.

> الخطوة التالية في تدبير المريض هي تعيين مصدر النزف من الجزء العلوي أو السفلي للسبيل الهضمي ومما يساعد على ذلك الاستجواب الدقيق والفحص الفيزيائي، إلا أن التنظير الهضمي العلوي ومن ثم السفلي هو أفضل طريقة لتحديد ذلك ومعرفة الآفة المسببة للنزف.

> تنجم معظم النزوف الهضمية العلوية عن القرحة الهضمية يليها التهاب المعدة التآكلي ودوالي المريء.

> يتوقف النزف الهضمي العلوي عفوياً في معظم الحالات، (في 90% من حالات النزف القرحي) يلجأ في الحالات الأخرى إلى المعالجة التنظيرية لإيقاف النزف. وتبقى الجراحة الملاذ الأخير للسيطرة على النزف الذي لا يعنو للمعالجة الطبية والتنظيرية.

> أهم أسباب النزف الهضمي السفلي الجسيم هي رتوج القولون والثدن الوعائي، أما الحالات الأخرى مثل أورام القولون والتهاب القولون فقلّ أن يكون النزف الصادر عنها جسيماً.

 

 

 


التصنيف : أعراض المرض الهضمي
النوع : أعراض المرض الهضمي
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 79
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58491382
اليوم : 63896