لقاحات وادويه مضاده فيروسات واستخدامات مفيده فيروسات
Antivirals , and the Beneficial Uses of Viruses, Vaccines -

 اللّقاحات والأدوية المضادّة للفي

اللّقاحات والأدوية المضادّة للفيروسات والاستخدامات المفيدة للفيروسات

Vaccines, Antivirals, and the Beneficial Uses of Viruses

هيام البشارة

تطوير اللّقاحات

أنماط اللّقاحات الحاليّة

اللّقاحات التجريبيّة

المناعة اللافاعِلة (المنفعِلة)

 

مقدمة:

إنَّها معركة تطوريّة مستمرّة بين الجنس البشري والفيروسات التي تَخمِجهُ. ومع ذلك فإن وجود الفيروسات هو سيف ذو حدَّين. فمِن ناحية اقترح الخبراء أنَّ الفيروسات مسؤولة عن وفاة المزيد من النّاس بمرور الوقت أكثر من جميع الأمراض المُعدية الأخرى مجتمعةً؛ فما زالت الفيروسات تُدير السِّباق التَّطوري جنباً إلى جنب مع البشر، ومن الواضح أنَّ بعض الفيروسات تتقَدَّمُنا. ومن ناحية أخرى كشفت ثورة البيولوجيا الجزيئيّة التي نشهدها حاليّاً عن الإمكانات الكبيرة لاستخدام الفيروسات في أغراض مُفيدة. إنَّ الخصائص الفيروسيّة التي تصعِّب التغلّب على الفيروسات هي الخصائص ذاتها التي ستسمح لنا باستخدامها في علاج الأمراض الوراثيّة أو السَّرطان في المستقبل القريب.

يناقش هذا الفصل جهود البشريّة لمنع إصابة المُضيف بالخمج الفيروسي من خلال التّلقيح، ولمعالجة المُضيف عند ثبوت الإصابة، وأخيراً قَلْب الطّاولة على الفيروسات واستخدامها لمنفعة النّوع البشري.

١ - تطوير اللّقاحات:

إنَّ «الاستجابة المناعية للفيروسات»؛ أي حدوث الذّاكرة المناعيّة واحدة من أهمّ وظائف الجهاز المناعي التّلاؤمي. بعد الإصابة الأولية يشكِّل الجهاز المناعي للمُصاب خلايا الذاكرة اللمفاوية T، والخلايا اللمفاوية الذاكرة B التي تدوم طويلاً وتبقى في الجسم بأعداد أكبر ولمدّة أطول من الخلايا اللّمفاوية البكر naïve Lymphocytes. تتطلَّب هذه الخلايا تحفيزاً أقل لتفعليها، كما تُنتج الخلايا البائية الذّاكرة الغلوبولين المناعي IgG ذا الألفة أعلى من IgM. تُشكّل هذه الذّاكرة المناعيّة الأساس للاستجابة الثّانويّة التي تكون أسرع وأكبر مقداراً من الاستجابة الأوليّة. ستكون الأعراض الخمجيّة للشّخص المُصاب في أثناء الاستجابة الثّانويّة أقلّ منها في الأوليّة، هذا إذا شعر الشَّخص أنّه مُصاب أصلاً.

التّلقيح هو تعريض مُتَعَمَّد لشخص أو حيوان لشكل غير ضار من الكائنات المُمرِضة. ينشِّط هذا التّلقيح الجهاز المناعي بالطّريقة نفسها التي ينشِّط بها العامل المُمرض المُؤذي، ويولِّد خلايا لِمفاويّة ذاكرة T وB تكون مُستعِدّة لبدء استجابة الذّكرى (الاستجابة الثّانويّة) في حالة مواجهة الشّخص للعامل المُمرض الحقيقي. إنَّ التّلقيح هو الطّريقة الوحيدة للوقاية من العدوى الفيروسيّة عند التعرّض للفيروس. وغنيُّ عن الذِّكر أنَّه من المهمّ تجنّب سوء التَّغذية والإجهاد الشَّديد، وهي عوامل تؤثِّر في الأداء السّليم لجهاز المناعة، ولكن بيّنت الدِّراسات أنَّ الفيتامينات أو المكمِّلات الغذائيّة ليست كافية للوقاية المستمِرّة من الخمج (العدوى).

في الولايات المُتَّحدة يجب أن تخضع كلّ من اللّقاحات والأدوية المضادّة للفيروسات للاختبارات على نطاق واسع في الخلايا وفي الحيوانات قبل أن تسمح إدارة الغذاء والدّواء (FDA) باستخدامها في التجارب السّريرية للمتطوعين من البشر. يجب أن تكشف مراحل عديدة من التجارب السريرية إحصائياً أن اللّقاح أو الدَّواء فعال وآمن في استطبابه للتّسويق (البيع) لعامّة النّاس.

تتضمَّن التّجارب السّريريّة آلاف المتطوِّعين، وإلى الآن ربما لا تظهر جميع الآثار الجانبيّة في أثناء التّجارب في البداية. بموجب القانون يُطلَب من مقدِّمي الرِّعاية الصِّحيّة الإبلاغ عن الحوادث السَّلبية التي تحدث بعد التّلقيح، ويمكن أن تَطلب إدارة الغذاء والدّواء FDA إنجاز دراسات واسعة النِّطاق تقوم بها الشّركة عندما يُتاح الدّواء للاستخدام عند عامّة النّاس.

تاريخ موجز للتّلقيح:

يبدأ تاريخ التّلقيح بالتلقيح ضد فيروس الجدري المسبِّب لمرض الجدري، فقد أودى الجدري «فيروسات الجدري» بحياة قرابة ٣٠٪ من المصابين، أي ما مجموعه أكثر من ٥٠٠ مليون شخص في القرن العشرين وحدَه. تعود محاولات إحباط العدوى إلى الصّين القديمة، حيث تمَّ استنشاق جُلبات Crust الجدري المُجفَّفة المسحوقة أو حقنها في الأشخاص غير المصابين في عملية تُعرف باسم التَّجدير variolation. أدى هذا إلى حدوث شكل أكثر اعتدالاً من المرض، لكنَّ العدوى النّاتجة أدَّت إلى معدَّل إماتة بنسبة ٢-٣٪ من الحالات. كما يمكن للأشخاص المخموجين (المَعدِيين) أيضاً نقل الفيروس إلى الآخرين، ولكن في حالة غياب حَل أفضل انتشرت ممارسة التَّجدير في جميع أنحاء الصّين والهند وإفريقيا، قبل إدخالها إلى أوربا والأمريكيّتّين في القرن الثّامن عشر.

في عام ١٧٩٦م قام طبيب الريف إدوارد جينر بجمع السَّائل من قرحة جدري البقر وحقنه في جسم الصبيّ الصّغير. وعندما تعرَّض الصَّبيّ الملقَّح لاحقاً لأشخاص مصابين بالجدري بدا أنَّه محميّ من الإصابة بالفيروس. عندها بدأ جينر اختبارات على نطاق واسع، ووجدها ناجحة في منع العدوى.

في عام ١٨٨٥م ابتكر لويس باستورLouis Pasteur اللّقاح الثّاني ضدّ الفيروسات، على الرَّغم من أنَّه هو أيضاً لم يكن يعلم بوجود الفيروسات في ذلك الوقت. اكتشف باستور وزملاؤه أنَّ العامل المسبَّب لداء الكَلب يمكن أن يتنقل من كلبٍ إلى كلب عن طريق نقل الحبل الشوكي أو أنسجة دماغيّة من كلبٍ مُصاب بالخمج إلى كلب غير مصاب. قاموا بإعداء الأرانب بالأنسجة المصابة وأزالوا حبالها الشّوكيّة، وقاموا بتجفِيفها واستخدامِها لقاحاً ناجحاً في الكلاب. تعرض أحد الأطفال البالغ من العمر 9 سنوات للعضّ 14 مرة من قبل كلب مُصاب بالكَلب في شهر تموز. قام باستور بسبب معرفته بالعواقب المميتة للإصابة، بإقناع الأطبّاء على مضض بإعطاء لقاح داء الكَلَب للطفّل. عاش الطَفل، ونجح باستور خلال العام التّالي في علاج 350 شخصاً بِلقاحِه، ومات طفل واحد فقط حدثَ عضَه قبل 6 أيام من العلاج. ومع أنَّ هذين اللّقاحين بدائيّان في تصنيعهما فإنهما وفَّرا الأساس والدّليل العلمي على أن التّلقيح يمكن أن يمنع حدوث الأمراض المُعدية (الخَمَجيّة).

٢- أنماط اللّقاحات الحاليّة:

تمّ تكوين اللّقاحات الأولى من أنسجة حيوانيّة مُصابة، كما هي الحال مع الجدري وداء الكلَب، وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة المعروفة لتكثير الفيروسات في ذلك الوقت. في عام ١٩٣١ اكتشف أليس مايلز وودروف Alice Miles Woodruff وإرنست غودباسترand Ernest Goodpasture أن بيض الدّجاجة المُخَصَّب (بيض يحتوي على جنين نامٍ) يُمكن أن يدعم نمو فيروس جدري الطيور Fowlpox Vrius، وسرعان ما تمَّ العثور على فيروسات أخرى يمكن زرعها في البيض المُخصَّب. ثمَّ أصبح هذا أساساً لتكوين لقاحات ضد فيروس الحمّى الصّفراء في عام ١٩٣٥، وفيروس النّزلة الوافدة (الإنفلونزا) في عام ١٩٤٥م. بعد اكتشاف المضادّات الحيويّة في عام ١٩٢٨م، وتطوير أوساط معياريّة لنموّ الخلايا في عام ١٩٥٩م، حلَّت المَزارع الخلويّة محلّ استخدام البيض لتكثير الفيروسات. ظلَّت هذه الطّريقة هي الطّريقة المعياريّة لتكثير الفيروسات لاستخدامها في اللّقاح، على الرَّغم من أنَّ البيض المُخَصَّب لا يزال يستخدم في إنماء فيروس لقاح الإنفلونزا، سهلت تقنيّات البيولوجيا الجزيئيّة الجديدة أيضاً خَلْق طرائق جديدة فعّالة لإنتاج اللّقاحات. حاليّاً يوصى بـ ١٤ لقاحاً للأطفال دون سنّ ١٨ عاماً، منها ٨ لقاحات للعدوى الفيروسيّة (الجدول 1).

الجدول (١): التّمنيعات الفيروسيّة الموصى بها للأشخاص الذين ترواح أعمارهم بين ٠ و١٨ عاماً- الولايات المتحدة ، ٢٠١٥.

اللقاح

النمط

جدول التّمنيعات

التهاب الكبد B

وحدة فرعيّة مأشوبة

جرعة أولى عند الولادة، وجرعة ثانية بين شهر وشهرين، وجرعة ثالثة بين 6 و18 شهراً.

الفيروس العجيلي (فيروس الرّوتا)

حيّ مُوهَن

جرعة أولى بعمر شهرين، وجرعة ثانية بعمر 4 أشهر.

فيروس التهاب سنجابيّة النّخاع (فيروس شلل الأطفال)

مُعَطَّل (غير فعّال)

جرعة أولى بعمر شهرين، وجرعة ثانية بعمر ٤ أشهر، وجرعة ثالثة بين عمر 6 و18 شهراً، وجرعة رابعة بعمر 4 - 6 سنوات.

النَّزلة الوافدة (الإنفلونزا)

وحدة فرعيّة

سنويّاً للإنفلونزا الموسميّة.

النكاف والحصبة، والحصبة الألمانّية

حيّ مُوهَن

جرعة أولى بعمر 12 - 15 شهراً، وجرعة ثانية بعمر 4 - 6 سنوات.

الحُماق

حيّ مُوهَن

جرعة أولى بعمر 12-15 شهراً، وجرعة ثانية بعمر 4 - 7 سنوات.

التهاب الكبد A

مُعَطَّل (غير فعّال)

جرعتان بفاصل 6 - 18 شهراً بينهما، والبدء في السنة الأولى.

فيروس الورم الحُليمي البشري

وحدة فرعيّة مأشوبة

جرعة أولى بعمر 11-12 سنة، وجرعة ثانية بعد الأولى بشهر إلى شهرين، وجرعة ثالثة بعدها بستَةَ أشهر.

يجب أن تكون اللّقاحات مُستمنِعة immunogenic لكي تكون فعّالة، أي يجب أن تكون قادرة على تحفيز الاستجابة المناعية التي تُنشئ ذاكرة مناعيّة. تكون اللّقاحات أكثر فاعليّة عندما تحثُ على تنشيط كّل من المناعة الخلقية والتّلاؤميّة. تعتمد معظم اللّقاحات في نهاية المطاف على إنتاج الأجسام المضادة للحماية من العدوى، والمعروفة باسم الاستجابة الخلطيّة، حيث يمكن للأضداد أن ترتبط بغلاف الفيروس أو ببروتينات قُفيصته لمنع ارتكازه على الخلايا المضيفة. من ناحية أخرى تتطلّب الاستجابة المناعيّة ضدّ فيروسات معينة فعاليّة الخلايا اللّمفاوية التّائية، وهذا ما يسمّى الاستجابة الخلويّة (الاستجابة المتواسِطة بالخلايا) لمنع العدوى. تُفيد معرفة الفيروس وإمراضيّاته، وكيفيّة استجابة الجهاز المناعي استجابة فعّالة له للغاية في تصميم لقاح فعّال. يمكن أن تؤثر عوامل أخرى في الاستجابة المناعيّة ضد التّلقيح أيضاً، بما في ذلك كيفيّة إيصال اللّقاح، ونوع المستضد وجرعته في اللقاح، وما إذا كانت الأجسام المضادّة التي مصدرها الأمّ ما تزال في دوران الطّفل المُلقَّح؛ لأنها يمكن أن ترتبط بمستضدات اللقاح، وبالتالي تقلل استجابة الطّفل ضدها.

تحتوي العديد من اللّقاحات أيضاً على مساعد adjuvant يُعزز استمناع اللّقاح (كلمة مساعِد مشتقّة من الكلمة اللّاتينية adjuvare ومعناها «للمساعدة»). بعض المواد المساعِدة هي جزيئات تقوم بعزل المستضد داخل الأنسجة مدة أطول، وبالتالي تُتيح وقتاً أطول ليتمّ التعرف إليها والتقامها من قبل الخلايا التّغصنيّة التي ستقدّمها إلى الخلايا التّائيّة .T تتكوَّن مساعِدات أخرى من جزيئات تستطيع أن تحفِّز مستقبلات التّعرف إلى الطرز Pattern recognition receptors (PRR). إنَّ تفعيل مستقبلات التعرف إلى الطرز على الخلايا المناعيّة الخلقية يؤدّي إلى إنتاج السيتوكينات التي تُعدل نمط الاستجابة الخلويّة التّائيّة التي ستتبع.

يوجد ثلاث تركيبات formulations مختلفة من اللّقاحات الفيروسيّة التي يتمُّ استخدامها حالياً، والعديد منها ما يزال في مراحل تجريبيّة (الجدول٢). إن اللّقاحات الحيّة الموهَنة للفيروسات هي الأكثر استخداماً في عمليّات التَّمنيع. يتكوَّن هذا النوع من اللّقاح، كما يوحى اسمه، من فيروسٍ مُعدٍ، ولكن تمَّ إضعافه أو توهينه، بحيث لم يعد قادراً على التنسّخ بكفاءة في البشر. تتمثّل إحدى طرائق القيام بتوهين الفيروس وإضعافِه في تكثيره أو تمريره المتكرِّر في خلايا غير بشريّة، أو في خلايا ليست مثالية لتوَجُّه الفيروس. تحدث الطّفرات وتنتج نُسَخاً جينيّة مختلفة قليلاً من الفيروس؛ لأنَّ العديد من الفيروسات تُصنَع في أثناء العدوى. إنَّ الطَّفرات التي هي أكثر قدرة على التكّاثر في خطّ خلوي Cell line جديد سوف تتكاثر بسرعة وتُنتِج نسبة أكبر من أنسال الفيريونات. بعد مراحل عديدة تكون الذّراري النّاتجة للفيروس قد تبدَّلت وراثيّاً كي تتكاثر في خطّ خلوي جديد بدلاً من تكاثرها في أهدافها الأساسيّة وهي الخلايا البشريّة العاديّة. تُحافظ الذّراري على قدرتها على تحريض استجابة مناعيّة لدى البشر، لكن الفيروس لا يستطيع التّكاثر جيّداً في البشر، وبالتّالي يقوم جهاز المناعة بسرعة بضبط العدوى غير الواضحة. على سبيل المثال: تمَّ تخفيف ذريّة أوكا Oka من الفيروس الحُماقي النطاقي المستخدَم في التّلقيح ضدّ جدري الماء (الحُماق) أو داء الهِربس النُّطاقي Herpes zoster عن طريق تمرير الذّريّة البشرية ١١ مّرة في خلايا الرئة الجنينيّة البشريّة، و١٢ مرّة في الخلايا الأروميّة اللّيفيّة لخنزير غينيا، و٨ مرّات في سلالتين أخريين من الخلايا الأروميّة اللّيفيّة البشريّة بما مجموعه ٣١ تمريراً. يتم إضعاف (توهين) الفيروسات الأخرى عن طريق تمريرها في خلايا بشريّة عند درجة حرارة غير مثاليّة. على سبيل المثال: تمَّ تكييف فيروس الحصبة الألمانية الموهّن المستخدم في لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانيّة ليتضاعف عند درجة حرارة ٣٠ مئوية (٨٦ درجة فهرنهايت)، في حين تبلغ درجة حرارة جسم الإنسان ٣٧ درجة مئوية (٩٨,٦ درجة فهرنهايت).

الجدول (٢): أنواع اللّقاحات الفيروسيّة المستخدَمة عند البشر.

نمط اللّقاح

أمثلة

المزايا

العيوب

حي مُوهّن

فيروس الحصبة، وفيروس النّكاف، وفيروس الحصبة الألمانية، والفيروس الحُماقي النُّطاقي، وفيروس الحمّى الصفّراء، والفيروس العجيلي (فيروس الرّوتا)، وفيروس الإنفلونزا (إرذاذ في الأنف).

عالي الاستمناع، وسهل التّحضير نسبيّاً، وتمَّ ترسيخ عمليّة التحضير بشكلٍ جيد وأرخص.

يُمكن أن يعود إلى فيروس ذي فوعة عند الأشخاص المثبَّطين مناعيّاً، ويحتاج إلى إعادته إلى البرّاد.

مُعَطَّل (غير فعّال)

فيروس التهاب سنجابيّة النّخاع، وفيروس التهاب الكبد A، وفيروس داء الكلب (البشري)، وفيروس التهاب الدّماغ الياباني، وفيروس الإنفلونزا الموسمي (وحدة فرعيّة منقاة).

أكثر ثباتاً، ويُمكن تجفيده (تجفيفه بالتّجميد) لتسهيل نقلِه، وأرخص، ويمكن استخدامه عند المثّبطين مناعّياً.

يتطلَّب غالباً جرعات مُعزِّزة، ويجب التأكدّ من تعطيله وعدم فعاليته، ولا تكون جميع الفيروسات المُعطلة مُستمنِعة بعد تعطيلِها.

وحدة فرعيّة مأشوبة

فيروس التهاب الكبد B، وفيروس الورم الحُليمي البشري.

يُمكن إنشاؤه للفيروسات التي لا ينجح تكثيرها جيداً في المَخبر، ولا يوجد فرصة أو احتمال للعودة إلى فيروس حيّ.

يتطلب خبرة متخصصة لإنشائه (لتصنيعه)، وهو ليس مستمنِعاً مثل مستحضَرات الفيروس الكامل، وغالٍ، وصعب الإنتاج أكثر.

لقاح دنا DNA (تجريبي)

فيروس الإنفلونزا، وفيروس العوز المناعي البشري HIV، وفيروس غرب النّيل، والفيروسات الهربسية.

لا يتطلَّب فيروساً حيّاً، ويمكن إنشاؤه للفيروسات التي لا ينجح تكثيرها جيّداً في المخبر، ولا يوجد فرصة أو احتمال للعودة إلى فيروس حيّ.

ليس مستمنِعاً مثل مستحضرَات الفيروس الكامل، وغالٍ، وصعب الإنتاج أكثر، ويتطلبَّ خبرة وإنجازاً مثالياً ودقيقاً لإنشائه (لتصنيعه)، وصعب إحضاره (توصيله)، ويمكن أن يتطلَّب استراتيجية جرعة تعزيز أوّلي Prime-boost.

ناقل مأشوب (تجريبي)

فيروس داء الكَلَب (مُصرَّح باستخدامه للحيوانات)، وفيروس العوز المناعي البشري HIV، وفيروس غرب النّيل، وفيروس الحصبة، وفيروس إبيولا، وفيروس إنفلونزا الطّيور.

يمكن إنشاؤه للفيروسات التي لا ينجح تكثيرها جيّداً في المخبر، وتكون ذراري النّاقل الفيروسي محدَّدة الخصائص جيّداً.

يُمكن أن يسبِّب النّاقل الفيروسي استجابة مناعيّة، ويتطلب خبرة لتصنيعه، وهناك عبء الإحضار(التّوصيل).

إنَّ القاعدة العامة لتطوير اللقاح هي كلّما كان اللقاح أكثر تشابهاً مع الفيروس المُمرِض ستكون الاستجابة المناعيّة تجاهه أفضل. على هذا النّحو تحفز اللقاحات الفيروسيّة الموهَنة بوجه عام استجابات قويّة للخلايا التّائيّة T والبائيّة B تؤدي إلى مناعة طويلة الأمد. على سبيل المثال: تتكوَّن أضداد الحصبة عند ٩٥٪ من الأطفال الذين تمَّ تلقيحهم في عمر١٢ شهراً، وعند ٩٨٪ من الأطفال الذين تمَّ تلقيحهم في عمر١٥ شهراً بجرعة واحدة من اللّقاح، وتكوَّنت مناعة مدى الحياة عند ٩٩٪ من الأشخاص الذين تلقّوا جرعتين من اللقاح.

ومع أن اللقاحات الحيّة الموهَنة تُنتِج مناعةً أكثر تشابهاً من الناحيّة البيولوجيّة مع الخمج الطّبيعي، فإنها تخضع لقيود مهمة يجب مراعاتها. تحتاج اللّقاحات الحيّة الموهَنة عادة إلى تبريد كي تبقى مستمنِعة، وهذا الأمر يمكن أن يكون مصدر قلق في البلدان غير القادرة على توفير التّبريد المستمر. هذا يعني أيضاً وجوب توخّي الحذر في أثناء شَحن اللقّاح وتخزينه لمنع تعطيله. قيد رئيسي آخر للقاحات الفيروسات الحيّة الموهَنة هي أنها فيروسات تتكاثر؛ ممّا يُبقي احتمال عودة الفيروس إلى ذريّة النمط البريّ شديدة الفوعة موجوداً دائماً. يعدّ هذا الأمر مصدر قلق خاصة في الأشخاص المثبَّطين مناعيّاً، الذين لا يُستحسَن إعطاؤهم معظم اللقّاحات الحيّة الموهَنة. يمكن أن يتكاثر الفيروس الحي الموهَن بما يكفي ليعود إلى الذريّة التي تسبب المرض بفعالية إذا كان جهاز المناعة لا يعمل بكامل كفاءته؛ لهذا السبب تمَّ إيقاف لقاح شلل الأطفال الموهَن في الولايات المتّحدة. تمَّ الإبلاغ عن ١٥٤ حالة شلل أطفال مرتبطة باللّقاح (VAPP) Vaccine-associated paralytic polio في السّنوات العشرين السابقة لإيقافه، وذلك نتيجة عودة الفوعة لفيروس اللّقاح reversion.

في هذه الحالات تكون لقاحات الفيروس المُعَطَّل هي أفضل خَيار. يكون الفيروس في هذه اللّقاحات كاملاً معطَّلاً تماماً بالحرارة العالية أو بكميّات قليلة من الفورمالدهيد؛ لذلك يمكن استخدامها للإنسان من دون خوف من العودة إلى ذُريّة النمط البرّي، على الّرغم من أنَّها لا تحتوي على فيروسات حيّة، وبالتّالي تولد استجابة مناعيّة أقلّ. تُساعدِ الجرعات المُعزِّزة «الدَّاعمة» من الّلقاح المُعَطَّل في الحفاظ على المناعة ضدّ الفيروس. تمَّ اعتماد لقاح شلل الأطفال المُعَطَّل حصريّاً منذ التّوقّف عن استخدام لقاح شلل الأطفال المُوهَن عام ٢٠٠٠. يحوي هذا اللّقاح مزيجاً من الأنماط المصليّة الثّلاثة لفيروس شلل الأطفال المُعطل بالفورمالدهيد. على الرَّغم من أن ٩٩٪ من الملقّحين يكونون مُحصَّنين بعد ثلاث جرعات من اللقاح، يخلف هذا اللّقاح مناعةً هضميّة أقلّ من اللّقاح الحيّ. لهذا السَّبب يكون الذين تلقّوا لقاح شلل الأطفال المُعطَّل أكثر عرضة للإصابة بالخمج بذراري النّمط البريّ لفيروس شلل الأطفال.

إنَّ عيب لقاحات الفيروس المُعَطَّل هو أن بعض الفيروسات تصبح غير مُستمنِعة بعد التعطيل. إن لقاح النّكاف المُعَطَّل لم يُنتِج إلا مناعة تدوم فترة قصيرة، كما سَّببَ لِقاح الفيروس التنفسي المخلوي المُعَطَّل أعراضاً أسوأ من الإصابة الفِعلية بالفيروس عندما تمَّ اختباره على مجموعة من الأطفال؛ مما أدى إلى وفاة اثنين من الأطفال الصِّغار الذين تلقّوه. (عند التَّعطيل بالفورمالين تمّ تبديل استمناع المستضدّ فأدّى إلى إنتاج استجابة مناعية طليعة التهابية في الرئة). مع ذلك، لا تتطلب معظم اللقاحات المُعَطَّلة التّبريد، ويمكن نقلها بسهولة في شكلٍ مجفَّف بالتّجميد (مُجَفَّد) lyophilized؛ مما يجعل التَّوزيع أسهل في مناطق العالم التي لا يكون التَّبريد فيها مستقرّاً.

إنَّ الغالبيّة العظمى من اللّقاحات الموجودة حالياً، أو التي كانت موجودة في الماضي تعتمِد على الفيروسات الحيّة الموهَنة أو الفيروسات المُعَطَّلة. أدّت تركيبات هذه اللّقاحات إلى القضاء على فيروس واحد، وإلى انخفاض كبير في المراضة المرتبطة بالعديد من الفيروسات الشّائعة في الطّفولة (الجدول٣). ومع ذلك، فإن القيد الرّئيسي لكلا النوعين من اللقاحات هو وُجوب أن يكون الفيروس قادراً على التّكاثر في أنظمة تكثير الفيروسات الحاليّة، ويوجد العديد من الفيروسات المُهمّة سريريّاً التي يصعب تكثيرها جيّداً في المخبر. من أجل هذه الفيروسات استخدم الباحثون تقنيّة حيويّة جديدة لصنع لقاحات فعّالة. استخدموا على وجه التّحديد أنظمة التَّعبير عن البروتين المأشوب.

الجدول (٣): الانخفاضات في معدلات المَراضة لدى الأطفال بسبب التّلقيح

المرض

المرَاضة السّنويّة في القرن العشرين

الحالات المسجَّلة في عام ٢٠١٣

النسبة المئوية للانخفاض (٪)

الجدري

٢٩,٠٠٥

٠

١٠٠

شلل الأطفال

١٦,٣١٦

١

>٩٩

الحصبة

٥٣٠,٢١٧

١٨٧

>٩٩

النّكاف

١٦٢,٣٣٤

٥٨٤

>٩٩

الحصبة الألمانيّة

٤٧,٧٤٥

٩

>٩٩

 

التّقدير السّنوي قبل عصر التّلقيح

التقّدير في عام ٢٠١٣

النسبة المئوية للانخفاض (٪)

التهاب الكبد A

١١٧,٣٣٣

٢٨٩٠

٩٨

التهاب الكبد B

٦٦,٢٣٢

١٨,٨٠٠

٧٢

الفيروس العجيلي (فيروس الرّوتا)

٦٢,٥٠٠

١٢,٥٠٠

٨٠

الحُماق

٤,٠٨٥,١٢٠

١٦٧,٤٩٠

٩٦

يشير الدّنا DNA المأشوب إلى وضع حمض نووي من كائن حيّ في كائن حيّ آخر.

يتمُّ عمل ذلك في أغلب الأحيان من أجل إنتاج أدوية، مثل الإنسولين البشري لمرضى الدّاء السّكّري.

يمكن استخدام العملية نفسها لإنتاج بروتينات فيروسيّة، يمكن تنقيتها وحقنها لقاحاً. إنَّ فيروس التهاب الكبد B (HBV) هو أحد الأسباب الفيروسيّة لخمج الكبد، أو التهاب الكبد.

يُعدُّ HBV مسؤولاً عن ٨٠٪ من حالات سرطان الخلايا الكبديّة (ثاني أشيع سبب للوفيات بسبب السَّرطان في العالم). ومع ذلك يرمِّز فيروس التهاب الكبد B لسبعة بروتينات فيروسيّة، يتمُّ عرض واحد منها على سطح الفيريون، ويسمى المستضدّ السّطحي لفيروس التهاب الكبد B (HBsAg). إنَّ الأضداد المتكوِّنة تجاه هذا المستضدّ السّطحي HBsAg كافية لتأمين المناعة، وهذا هو الهدف الذي من أجله تمَّ تطوير اللّقاح. يُعرَف هذا النوع من اللّقاح بلقاح الوحدة الفرعية المأشوب recombinant subunit vaccine: يتكوَّن من بروتينات فيروسيّة معينة فقط، وليس كامل بروتينات الفيروس، كما هو الحال مع اللقّاحات الحيّة الموهَنة أو المُعَطلَّة، ويتمَّ صنعه باستخدام تقنيّة الدّنا DNA المأشوب. حالياً يتمُّ صنع لِقاحات فيروس التهاب الكبد B (HBV)، وفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) بهذه الطريقة.

للقاحات الوحدات الفرعيّة مزايا وعيوب، كما هو الحال مع الأنواع الأخرى من اللّقاحات. أعظم ميزة للِقاحات الوحدات الفرعيّة المأشوبة هو أن الفيروس لا يحتاج إلى نجاح تكثيره من أجل إنتاج اللّقاح. فما دام تسلسل الحمض النووي DNA للمستضَدّات المستمنِعة معروفاً، وجينومات أكثر الفيروسات البشريّة الممرِضة شيوعاً تمَّ سَلْسلّتها (تحديد تسلسل نوكليوتيداتها)؛ إذاً يمكن صنع لقاحات الوحدات الفرعيّة المأشوبة لها. لا يوجد قلق من الإصابة بالخمج من لقاحات الوحدات الفرعيّة المأشوبة نظراً لعدم وجود فيروس حيّ. مع أنه يمكن تضمين العديد من المستضدّات البروتينيّة المختلفة في لقاح الوحدة الفرعيّة، فإنَّ هذا النوع من التّمنيع يتطلَّب جرعات معزِّزة بشكل متكرِّر لتحقيق المناعة أو الحفاظ عليها. لا تتطوّر استجابة مناعيّة قويّة من دون وجود الفيروس بأكمله. إضافة إلى ذلك، تحضير هذا النّوع من اللّقاح مُكلف للغاية، ويتطلَّب خبرة في تقنيّات تأشيب الدّنا DNA والبروتينات المأشوبة؛ لأنَّ تحضيره يجب أن يتمّ في المخبر باستخدام خلايا جرثوميّة أو خميريّة حيّة.

٣- اللّقاحات التجريبيّة:

يوجد أنواع أخرى من اللّقاحات قيد التّطوير حاليّاً، وتعتمد على التّقانة الحيويّة والتلاعب في الّدنا DNA أو الأنظمة الحيويّة. تتجاوز لقاحات الحمض النووي DNA Vaccines إنتاج المستضدّات البروتينيّة عن طريق إيصال الدّنا DNA الفيروسي مباشرة في خلايا الشَّخص المُراد تلقيحه. يتمُّ انتساخ الحمض النّووي DNA داخل الخلية إلى رنا مرسال mRNA وترجمته إلى بروتينات فيروسيّة يستجيب لها الجهاز المناعي للمضيف. يتمُّ تصنيع (تخليق created) لقاحات الحمض النووي DNA بالطَّريقة نفسها التي تُصنع بها بلازميدات الدنا DNA المأشوبة: يتمُّ إدخال الجينات الفيروسيّة المَعنيّة في البلازميدة تحت تحكم محفِّز Promoter يحفِّز انتساخها مرّة واحدة في الخلايا البشريّة. يمكن حقن الحمض النووي DNA في عضلة الشَّخص، أو يتمُّ إدخاله باستخدام» بندقية الجينات» التي يتمُّ فيها تغليف حبّات دقيقة من الذّهب بالحمض النّووي (DNA اللقاح)، ثمَّ يُستخدم الهواء المضغوط «لإطلاقها» في خلايا الجلد للشّخص. تُعرف هذه العمليّة بقصف الجُسيمات particle bombardment، وتتطلَّب التّماس المباشر مع الأنسجة المعنيّة؛ لأنَّ الحَقن لا يخترق سوى طبقات قليلة من الجلد. يمكن أيضاً إيصال لقاحات الدّنا إلى الأنسجة باستخدام محقنة خالية من الإبر، يُستخدَم فيها الهواء المضغوط لدفع السّائل عبر الجلد، أو عن طريق التَّثقيب (التَّسميم) الكهربي electroporation، وهو إحداث نبضة كهربائيّة لخلق مسام مؤقَّتة في الغشاء الهيولي يمكّن الحمض النّووي DNA من العبور من خلالها.

يُستخدم في لقاح النّاقل المأشوب recombinant vector vaccine نواقل فيروسيّة كحوامل ناقلة لإيصال الدّنا DNA. في هذا الإجراء يتمُّ تعديل دنا لفيروس موهَن، أو لفيروس أصبح غير مؤذٍ من خلال تعديل جينومه ليشمل دنا يُرَمِّز لمستضدّ فيروسي من الفيروس المعني. يتعلَّق هذا الإجراء بتخليق لقاح الدَّنا DNA، باستثناء أنهَّ بدلاً من تعديل DNA البلازميدة يتم تعديل DNA الناقل ليشمل مستضد اللَقاح، ويقوم الفيروس النّاقل بإدخال DNA إلى الخليّة بدلاً من بندقيّة الجينات، أو الحقن بجهاز من دون إبرة.

على الرّغم من عدم وجود لقاح ناقل مأشوب معتمد للاستخدام البشري تمَّ استخدام أحد اللقاحات بنجاح لتلقيح الحيوانات البريّة ضدَ داء الكلَب. يتكوَّن هذا اللّقاح من ناقل هو فيروس وَقْس حيّ يُعبِّر عن بروتين سكَّري لفيروس داء الكَلَب، ويُعطى بالطّريق الفموي.

في العام 2013 كانت 92 ٪ من الحيوانات المصابة بداء الكَلب من الحيوانات البريّة؛ لذلك تعد مُهمّة مكافحة داء الكَلَب في الحيوانات البرية أمراً مهمّاً. يمكن للعضَات الحيوانيّة للإنسان عن طريق الحيوانات المُصابة بداء الكَلب أن تنقل المرض الذي يكون مميتاً دائماً إذا لم يتم التّدخّل سريعاً. يوجد لقاح بشري ضدّ داء الكَلَب، ولكنه يُعطى فقط لأولئك الذين يمكن أن يكونوا مَعديين بالفيروس في محاولة لتعزيز الاستجابة المناعيّة للشَخص ضد داء الكَلب. إنَّ الاستخدام الواسع للقاح داء الكَلب بوجه عام للسَكان ليس له ما يسوغه؛ لأنَّ انتقال داء الكَلب إلى البشر نادر جداً. ومع ذلك يمكن للنّاس المعرَّضين للحياة البرية أن يتلقّوا اللّقاح وقائياً.

للقاحات النواقل المأشوبة إمكانات كبيرة للتَّمنيع. يمثَّل إدخال DNA إلى داخل الخلايا تحديّاً، والتحّدّي الأكبر هو إدخاله إلى أنواع محدَّدة من الخلايا. يمكن تعديل النّواقل الفيروسيّة بحيث يحتوي الناقل الفيروسي على البروتينات التي ستسمح له بالارتكاز بشكل نوعيّ على خلايا مستهدفَة محدَّدة. يمكن أيضاً تعديلها لإنشاء فيروسات مَعيبة التنسُّخ replication-defective viruses يُمكن أن تصيب الخلايا، ولكنَّها غير قادرة على التنسُّخ بداخلها، وبالتّالي تمنع توليد فيروس ناقلِ مُعدٍ إضافي. يُعدُّ استخدام هذه اللّقاحات عند البشر ميزة كبيرة؛ إذ تمَّ استخدام العديد منها في التّمنيعات البشريّة، وهي آمنة في البشر، ويمكن نشرها على نطاق واسع. من ناحيةٍ أخرى تعد لقاحات النّواقل المأشوبة باهظة الثَّمن، والبروتينات التي تسمح لفيروس ناقل بالدّخول إلى الخلايا هي التي عادةً ما تكون مستمنِعة؛ لذلك يستجيب جهاز المناعة لكل من النّاقل الفيروسي ومستضدّ اللًقاح.

من كل ما سبق يستنج أنَّه يوجد مجموعة متنوعة من التّقنيّات الفعّالة لخلق لقاحات ضد الفيروسات التي تصيب البشر، ويوجد تطوّرات مبتكرة تبشِّر بتطوير لقاحات مهمّة في المستقبل، ولكن هذا لا يعني أنَّه من السَّهل إنشاء لقاح لكل فيروس. تمَّ اكتشاف فيروس العوز المناعي البشري في عام 1983، وبعد قرابة 40 عاماً لم يتمكَّن العلماء بعد من صنع لقاح آمن وفعّال للوقاية من خَمجه.

٤- المناعة اللافاعِلة (المنفعِلة):

تُؤمَّن أنواع التّلقيحات المذكورة أعلاه مناعة فاعِلة active immunity؛ ممّا يعني أنَّ الجهاز المناعي للشَّخص المُمنَّع يستجيب للعوامل المُمرضة عن طريق تكوين الخلايا الذّاكرة التي سيتمّ إعادة تفعيلها عند التّعرّضات اللّاحقة للفيروس. من ناحيةٍ أخرى المناعة المنفعِلةpassive immunity هي نقل مكوَّنات جهاز المناعة، وخاصّة الأضداد (الغلوبولين المناعي) إلى الشَّخص. ستصبح الأضداد المنقولة في النهّاية قليلة وغير وظيفيّة إذا لم تتوفّر الخلايا البلازميّة لمواصلة إنتاجها، ولكنَّها تخدم أغراضاً عديدة؛ إذ تستجيب الأضداد فورياً. إذا تعرَّض شخص للعضّ من قبل خفاش مصاب بداء الكَلَب سيتمّ إعطاؤه لقاح داء الكَلَب، ولكنَّه سيستغرق أسابيع لتكوين خلايا بلازميّة منتجة للأضداد. إنَّ الغلوبولين المناعي البشري المُضاد لداء الكلَب يضمن على الفور تحييداً للفيريونات ويمنع استمرار الخمج. يمكن أيضاً إعطاء الأضداد للأشخاص المثَبَّطين مناعياً الذين ربما لا يكونون قادرين على أخذ اللّقاح ولكنَّهم يتعرّضون لفيروس يمكن أن يكون خطيراً في حالتهم. يُمكن أن يؤمّن الغلوبولين المناعي المنقول وقاية للشّخص الذي يتلقّاه بشكل جزئي أو كليّ.

تمَّت الموافقة على العديد من الغلوبولينات المناعيّة للاستخدام العلاجي المنفعِل في الولايات المتّحدة. في كثير من الأحيان يمكن التَّعرّف إليها؛ لأنَّ أسماءها تنتهي بـ «IG»، الاختصار من «الغلوبولين المناعي». يشير «IVIG» إلى تلك الغلوبولينات المناعيّة التي تُعطى عن طريق الوريد. يوجد مستحضرات غلوبولينات مناعيّة مُتاحة ضدّ فيروس التهاب الكبد B، والفيروس الحُماقي النُّطاقي، وفيروس الوَقْس، والفيروس التّنفسي المخلوي.

(تُستخدم أيضاً بفعاليّة ضد سموم العقارب، وعناكب الأرملة السوداء، والأفاعي الجرسية).

مضادات الفيروسات:

من الأفضل دائماً منع العدوى من خلال التّلقيح أو تدابير المكافحة التي تقطع سلسلة العدوى. ومع ذلك- وبعد حدوث العدوى- فإن الأدوية المضّادة للفيروسات antivirals هي طريقة مُمكنة للتدخّل في تنسُّخ بعض الفيروسات. في الوقت الحالي لا تتوافر مضادّات الفيروسات إلاّ لعدد محدود من الفيروسات، وهي تقلّل من الحمل الفيروسي والأعراض، ولكنَّها نادراً ما تعالِج العدوى. هذا بخلاف المضادّات الحيويّة التي تختلف عن الأضداد والتي تعمل عن طريق التدخّل في العمليّات الجرثوميّة، مثل تكوين جدار الخليّة الجرثومية، ويؤمَل أن تنجح في قتل جميع الجراثيم الموجودة. إنَّ المضادّات الحيويّة نوعيّة للجراثيم، ولا تعمل ضدّ الفيروسات.

يُعدُّ اكتشاف الأدوية المضادة للفيروسات والتي لا تتعارض مع أنشطة الخلية تحدّياً، تمتلك الجراثيم خصائص بيولوجيّة لا تمتلكها الخلايا حقيقيّة النّواة، وبالتالي يمكن استهدافها، لكنّ الفيروسات تعتمد إلى حدٍ كبير على العمليّات الخلويّة لتكوين فيريونات جديدة.

تعمل الأدوية المضادّة للفيروسات التي تمَّ اكتشافها عن طريق منع إحدى المراحل السبع في دورة الحياة الفيروسيّة الارتكاز والاختراق ونزع الأغلفة uncrating، والتّنسّخ «أو التّضاعف»، والتّجميع والنّضج والتّحرّر أو (الإطلاق) (الشكل 1). تقوم غالبيّة مضادّات الفيروسات إمّا بتثبيط إنزيم فيروسي متورّط في واحدة أو أكثر من هذه المراحل، وإما بمنع تنسّخ الجينوم الفيروسي. بخلاف بعض المضادّات الحيويّة التي تثبَّط مجموعة واسعة من الجراثيم، تعمل مضادّات الفيروسات بوجه عام ضدّ فيروس معيّن أو ضدّ مجموعة فيروسات قريبة الصّلة.

الشكل (1): تتداخل الأدوية المضادّة للفيروسات مع مراحل تنسّخ الفيروس. يبيّن الشّكل مراحل تنسّخ الفيروس والأدوية المضادّة للفيروسات التي تتداخل مع كل مرحلة. تتداخل الأدوية المضادّة للفيروسات المدرجة في النصّ الأخضر مع جانب من جوانب تنسُّخ الجينوم أو التّكامل أو الانتساخ العكسي. هذه ليست قائمة شاملة، وتخضع العديد من الأدوية الأخرى للتجّارب السرّيرية.

يمكن تصنيع مضادّات الفيروسات من عدّة أنواع مختلفة من المكوِّنات. تتكوَّن معظم الأدوية الطّبيّة من مواد كيميائيّة مرتبطة ببعضها البعض لتكوين جزيء يرتبط إما بالفيروس وإما ببروتين خلوي لمنع وظيفته. تُصنع أدوية أخرى من أحد أنماط الجزيئات الحيويّة -البروتينات، أو الأحماض النّوويّة، أو الكربوهيدرات، أو الشّحوم، وهي أكبر بكثير من الأدوية الكيميائيّة «صغيرة الجزيئات». للمقارنة تشكل مئات الأحماض الأمينية بروتيناً، والوزن الجزيئي لحمض أميني واحد (التربتوفان) هو204 غ/ مول. يبلغ الوزن الجزيئي لعقّار أوسيلتاميفير المضاد للإنفلونزا 410غ/مول؛ ممّا يدلّ على أن الأدوية الجزيئيّة الصّغيرة لا تتعدّى حجم عدد قليل من الأحماض الأمينيّة مجتمعةً. تتكوَّن العقاقير «كبيرة الجزيئات» من جزئيات بيولوجيّة، عادة ببتيدات (سلاسل الأحماض الأمينية)، والبروتينات (عديدات الببتيدات) التي تشكَّلها. يتمُّ تصينعها بوجه عام باستخدام التّقانة الحيويّة والأنظمة الحيّة. إنَّ الأضداد مثال على دواء كبير الجزيء. فالأضداد بروتينات، وهي أكبر بآلاف المرّات من الدواء صغير الجزيء، وتكون عادة قرابة 150000غ/مول.

من الضّروري استخدام أكثر من مضاد فيروسي واحد بالوقت نفسه بالنَّسبة لبعض الفيروسات، لمنع الفيروس بسرعة من التّطفّر إلى ذريّة يمكن أن تتكاثر في وجود المضاد الفيروسي. هذا هو الحال تماماً مع فيروس العوز المناعي البشري HIV، الذي يتطلَّب العلاج «بمزيج من الأدوية» لا يقل عن ثلاثة من الأدوية المضادّة للفيروسات، وغالباً ما تسمّى المعالجة بمضادات الفيروسات القهقرية عالية الفعاليّة Highly active antiretroviral therapy(HAART). تؤدّي طفرة نقطيّة واحدة في بروتياز HIV إلى مقاومته للأدوية المثبِّطة لإنزيم البروتياز؛ الأمر الذي يظهر في غضون أيام من بدء العلاج به؛ ممّا يؤكَّد أهميّة HAART. تقوم الفيروسات- ولا سيّما تلك التي يكون البوليميراز فيها عُرضة للخطأ- بإحداث طفرات في أثناء التنسخ؛ لذلك يكون تطوّر الفيروسات المقاوِمة للأدوية أمراً متوقعاً.

تثبيط الدّخول والاختراق ونزع الأغلفة:

تُعدُّ مثبطات الارتكاز والاندماج الفيروسي هي السّبل المثلى بيولوجياً لمنع تنسُّخ الفيروس؛ فمنع الفيروس من دخول الخلية سيمنعه من التّنسُّخ وخلق طفرات يمكن أن تترجم إلى مقاوَمة للأدوية. كما أنه يمنع طلائع الفيروسات Proviruses من دمج جينوماتها في صبغيّات الخلايا المُضيفة.

حاليّاً يوجد عدد قليل فقط من مثبِّطات الدّخول والاختراق. إن مستحضرات الغلوبولين المناعي المذكورة هي مثبطات للدّخول؛ لأنها ترتبط بالفيروسات وتمنع ارتكازها. إنَّ maraviroc هو دواء صغير الجزيء يثبط ارتباطHIV-1 بأحد مستقبلاته CCR5، فيمنع الارتكاز والدخول اللّاحق للفيروس إلى الخلية. تشكِّل الأدوية التي تُحيّد البروتينات البشريّة التي تستخدمها الفيروسات للدخول سُبلاً واعدة للاستكشاف، على الرَّغم من أن جميع البروتينات الخلويّة لها وظائف خاصّة بها للخليّة، لذلك من المهمّ ألا تثبط مضادات الفيروسات الوظائف الضرورية أيضاً. في تحييد CCR5 تمتلك الخلايا بروتينات أخرى تقوم بالفعاليّات التي تقوم بها CCR5، وبالتالي لا يسبب تثبيط هذا المُستقبِل ضرراً لا يمكن إصلاحه للخليّة.

إنَّ Enfurirtide هو دواء آخر مضاد لفيروس العوز المناعي البشري، وهو ببتيد يرتبط بالبروتين الفيروسي المسؤول عن دمج الغلاف الفيروسي مع الغشاء الهيولي للخليّة ويثبطه.

تقوم بعض الفيروسات بالدخول إلى العُصارة الخلويّة cytosol عن طريق دمج أغلفتها مع غشاء الجسيم الدّاخلي للخليّة. يسهّل البروتين M2 في فيروس إنفلونزا A هذه العمليّة عن طريق تكوين المسام في الغلاف الفيروسي؛ ممّا يسمح لشوارد الهدروجين الموجودة في الجسيم الدّاخلي بالدّخول إلى الفيريون وتشويه بنيته. يُعتَقد أنَّ الأدوية صغيرة الجزيء أمانتادين Amantadine وريمانتادين Rimantadine تقوم بتثبيط البروتين M2، وبالتالي تمنع الاندماج الداخلي، ونزع الأغلفة الفيروسيّة داخل الخلية.

تثبيط تنسُّخ الجينوم:

ما إن يُطلَق الجينوم الفيروسي في الخليّة حتّى يتمّ انتساخ الجينات الفيروسيّة، وترجمتها إلى بروتينات فيروسيّة. كذلك يتوجّب صنع نسخ من الجينوم الفيروسي. إنَّ أكبر عدد من الأدوية المضادّة للفيروسات التي تمّ تطويرها تتداخل مع تنسُّخ الجينوم الفيروسي، وقد تمّ تصميم الغالبيّة العظمى منها لتتداخل مع تكاثر الفيروسات البشريّة التي تقوم بالانتساخ العكسي، وهي فيروسات العوز المناعي البشري (HIV)، والتهاب الكبد B (HBV). في فيروس العوز المناعي البشري- بوصفه فيروساً قهقرياً- يتمُّ انتساخ الجينوم الرنوي RNA عكسيّاً إلى دنا مكمَّل cDNA عند الدخول إلى الخلية، يستخدم HBV الانتساخ العكسي في نهاية دورة التنسُّخ لخلق نسخ دنا DNA جينومه.

تنهي مُضاهئات النّوكليوزيدات- وهي صنف من الأدوية صغيرة الجزيئات- عمليّة الانتساخ العكسي. النّوكليوزيد هو نوكليوتيد DNA أو RNA من دون مجموعة الفسفات. إنَّ مضاهئ النّوكليوزيد هو دواء يشبه النّوكليوزيد في بنيته، ولكّنه غير قادر على الارتباط بالنّوكليوتيدات الأخرى. يشار إلى هذا النوع من الأدوية باسم مثبطات الانتساخ العكسي النّوكليوزيديّة / أو النّوكليوتيدية (NRTI) nucleotide reverse transcriptase inhibitor / nucleoside عندما تُستخدم لمنع التنسُّخ العكسي، مثل أخماج فيروس العوز المناعي البشري وفيروس التهاب الكبد B. تتوفرَ المثبطّات النّوكليوزيديّة للمنتسِخة العكسيّة NRTIS وتعمل كمضاهئات منافِسة لجميع الأسس الآزوتّية الأربعة للدّنا: الأدينين، والثيميدين والسّيتوزين، والغوانين.

توجد مثبطات النّوكليوزيد أيضاً ضد فيروس التهاب الكبدC (HCV)، وهو فيروس حمضه النّووي رنا RNA، ويستخدم بوليميراز الرّنا RNA لنسخ جينومه. على سببيل المثال: فإنَّ مثبط النوكليوزيد سوفوسبوفير Sofosbuvri هو مضاهئ لليوراسيل، يندمج في رنا RNA الفيروس فيوقف تنسّخه.

يتم استخدام فئة من مضاهِئات نوكليوزيد البورين في علاج الإصابة بالفيروسات الهربسيّة. تملك الفيروسات الهربسيّة جينومات كبيرة مكوَّنةً من حمض نووي دنا DNA مزدوج الطّاق. لهذا السّبب ترمِّز هذه الجينومات لإنزيمات تزيد من تجمّع النّوكليوتيدات في الخليّة. واحد من هذه الإنزيمات هو إنزيم كيناز الثّيميدين (TK). يحفّز هذا الإنزيم الخطوة الأولى في تكوين النّوكليوتيدات، وهي إضافة مجموعة الفسفات إلى نوكليوزيد. بما أنَّ كيناز الثّميدين البشري لا يعمل على البورينات تمَّ تطوير مضاهئات لنوكليوزيد البورين ترتبط ارتباطاً نوعياً بكيناز الثّيميدين للفيروس الهربسي، ولا ترتبط بكيناز الثّيميدين البشري (الشكل2). يتمُ تحويل مضاهئات النّوكليوزيد إلى نوكليوتيدات تُنهي تنسّخ الحمض النّووي الفيروسي عند إدماجها في الطّاق النّامي من الحمض النووي DNA.

الشَّكل (٢): مضاهِئات النّوكليوزيدات بوصفِها مضادّات فيروسات. يشير النّوكليوزيد إلى نوكليوتيد DNA أو RNA من دون مجموعات الفسفات المرتبطة به. تتحوّل النّوكليوزيدات إلى نوكليوتيدات قبل أن تصبح جزءاً من طاق الحمض النّووي. (أ) مضاهئات النوكليوزيد هي أدوية يتمُّ تحويلها إلى مضاهئات نوكليوتيد. تتنافس هذه المضاهِئات مع النّوكليوتيدات الخلويّة الطّبيعيّة، وتكون غير قادرة على ربط النّوكليوتيدات اللّاحقة، وبالتالي تقوم بإيقاف تخليق الطّاق الجديد من الحمض النووي الفيروسي. (ب) الغوانوزين Guanosine هو نوكليوزيد طبيعي. الأسيكلوفيرAcyclovir هو مضاهئ غوانوزين يُستخدم لعلاج أخماج الفيروس الهربسي.

ليست كلّ الأدوية التي تتداخل مع تنسُّخ الجينوم الفيروسي هي مضاهئات نوكليوزيدات (على الرّغم من أن الغالبيّة منها كذلك). على سبيل المثال: يثبِّط فوسكارنِت foscarnet موضع الارتباط على بوليميراز الدّنا للفيروس الهربسي. يُعتقَد أنَّ ليديباسفير Ledipasvir دواء يتداخل مباشرة مع بوليميراز الرّنا لفيروس التهاب الكبد C (HCV RNA polymerase).أثبتت المشاركة الدّوائيّة بين مثبط مضاهئ النّوكليوزيد، مثل سوفوسبوفير sofosbuvir مع ليديباسفير Ledipasvir أنَّها تشفي أكثر من ٩٠٪ من الأخماج المزمنة بأنماط جينيّة معيّنة من فيروس التهاب الكبد C. إنَّ المثبِّطات غير النّوكليوزيديّة للمنتسِخة العكسيّة Nonnucleoside reverse transcriptase inhibitors (NNRTIs) هي أدوية صغيرة الجزيء، ترتبط مباشرة بالموضع الفعّال لإنزيم المنتسخة العكسيّة لفيروس العوز المناعي البشريHIV-1؛ فتسبِّب اضطراباً في فعاليّات بوليميراز الدّنا المعتمد على الحمض النّووي الرّيبي RNA المعتمد على الحمض النّووي الرّيبي منزوع الأكسجين DNA.

يقوم دنا DNA طليعة فيروس العوز المناعي البشري HIV بالاندخال ضمن صبغي الخليّة المضيفة بعد أن قام بعمليّة الانتساخ العكسي من الجينوم الفيروسي، هذه خطوة ضرورية لانتساخ الرّنا المرسال الفيروسي vmRNA وتضاعف الجينوم. تُحيّد مثبِّطات إنزيم انتِغراز Integrase inhibitors الموقع الفعّال لإنزيم انتِغراز فيروس العوز المناعي البشري الذي يقوم بهذه الخطوة.

تثبيط التّجميع والنّضج والتّحرّر:

حتّى الآن لا توجد مضادّات فيروسات تمنع التّجميعassembly . يمكن أن يكون سبب ذلك هو أنَّ بروتينات القُفيصة والقُفيصة النّوويّة التي تشارك في التّجميع هي غالباً أكثر البروتينات الفيروسيّة ترجمةً، ونتيجةً لذلك سيكون من الضّروري وجود تركيز عالٍ من الدّواء لتثبيط التّجميع تثبيطاً فعّالاً. مع ذلك عندما تقوم الإنزيمات الفيروسيّة بتسهيل نضج الفيريون فإنَّها ستكون أهدافاً محتمَلة للأدوية. يقوم إنزيم بروتياز فيروس العوز المناعي البشري HIV بشطر ناتج التّعبير الجيني للجين gag اللّازم لتشكيل بروتينات القُفيصة وبروتينات المِطرَس وبروتينات القُفيصة النّوويّة لفيريون فيروس العوز المناعي البشري HIV. يتمُّ تحييد عمل هذا الإنزيم بالعديد من مثبِّطات البروتياز المختلفة التي تمَّ تطويرها. إذا لم تحدث مرحلة النّضج هذه فإنَّ الفيريونات المُعدية لا تتشكل.

ستكون المرحلة الأخيرة في تنسُّخ الفيروسات- وهي التحرّر (الإطلاق)- هي أيضاً هدفاً للأدوية إذا كانت البروتينات النّوعية للفيروس تُسهِّل هذه العمليّة. مثال على ذلك: إنزيم النّورامينيداز لفيروس الإنفلونزا A، وهو إنزيم يشطر أحماض السياليك على سطح الخليّة وعلى جسيمات فيروسات الإنفلونزا الجديدة في مهدها؛ ممّا يمنع التصاق الفيروسات الوليدة بالخلية التي أنتجت هذه الفيروسات. إنَّ الأدوية أوسيلتاميفير Oseltamivir، وزاناميفير zanamivir، وبيراميفير peramivir، كلُّها مثبِّطات للنّورامينيداز.

تعزيز الاستجابة المناعية:

كما هو موضَّح في الأقسام السّابقة تتوفَّر العديد من الأدوية المضادّة للفيروسات التي تمنع المراحل المختلفة لتضاعف الفيروس. تمَّ تصميم غالبيّة هذه الأدوية للاستخدام ضدّ فيروس العوز المناعي البشري والإنفلونزا والفيروسات الهربسيّة وفيروس التهاب الكبد (HBV) B وفيروس التهاب الكبد (HBV) C . إنَّ معظم الأدوية المضادّة للفيروسات تكون نوعيّةً لفيروس واحد فقط أو عدد قليل من الفيروسات؛ لأنَّ للفيروسات خصائص مميَّزة؛ ممّا يجعل عملية اكتشاف الأدوية عمليّة بطيئة وصعبة. يتمُّ اتّباع نهج آخر هو تطوير الأدوية التي تعزِّز الاستجابة المناعية للفيروسات من أجل قلب الموازين لمصلحة المُضيف. مع أنّ هذا الهدف ما يزال في مراحله التّجريبيّة، فإن الأمل يكمن في إمكان استخدام هذا النّوع من الأدوية ضد فئات أكبر من الفيروسات بناءً على نوع الاستجابة المناعيّة التي قد تنجح في التغلُّب على الفيروس.

تتضمّن الأدوية المعدِّلة للمناعة المستخدمة في علاج العدوى الفيروسيّة النّوع الأوّل من الأنترفيرون. تمَّ اكتشاف الأنترفيرونات ألفا وبيتّا (IFN-α / β)، وكيفيّة ارتباطها بمستقبلاتها لإنتاج حالة مضادّة للفيروسات داخل الخلايا من خلال تنشيط كيناز بروتين معتمد على dsRNA، (Kinase protein dependent) dsRNA (PKR)، ومسارات ٢› -٥›- (L OAS-RNase) L ribonuclease - synthertase - oilgoadenylate. ومع ذلك فإن لها تأثيرات متعدِّدة الاتّجاهات في الجهاز المناعي، وتقوم بتنشيط العديد من أنواع الخلايا المناعيّة؛ لذلك لم تثبت أنها «الرّصاصة السّحريّة المضادّة للفيروسات» التي كان يؤمَل اكتشافها. ومع ذلك فقد ثبت أن أنترفيرون ألفا مفيد بمفرده أو بالمشاركة مع أدوية أخرى في علاج خمج فيروس التهاب الكبد C المزمن، وكذلك علاج العديد من أنواع السَّرطان المختلفة، ويستخدم أنترفيرون بيتّا في علاج التَّصلب المتعدِّد. يتمُّ إنتاج هذه البروتينات العلاجيّة بوساطة جراثيم الإشريكيّة القولونيّة المُهندَسة باستخدام تِقنيّات DNA المأشوب الموصوفة سابقاً لإنتاج لقاحات الوحدة الفرعيّة المأشوبة.

الاستخدامات المفيدة للفيروسات:

إنَّ الفيروسات كيانات بيولوجيّة فريدة، وهي كائنات حية. تصيب جميع أنواع الكائنات الحيّة، وتسبِّب طيفاً من التّأثيرات، تراوح بين أخماج تحت سريريّة وأمراض مزمنة تستمرُّ إلى أجلٍ غير مسمَّى. ثمة محاولة للتغلب على العدوى من خلال التّلقيح وإجراءات المكافحة الأخرى، ولكن يستمرُّ نشوء فيروسات جديدة نتيجة التّطور من مصادر حيوانيّة. للفيروسات خصائص فريدة تضمن استمراريّة وجودها جنباً إلى جنب مع الكائنات وحيدة الخليّة والبشر على حدٍّ سواء تقريباً.

منذ اكتشاف الفيروسات تقريباً أدرك العلماء الدؤوبون والمبدعون إمكانات الفيروسات وخصائصها الفريدة لمصلحة البشريّة. ثمة عدد من التّطبيقات المفيدة للفيروسات، وفي هذا القسم سيتم مناقشة المعالجة الجينيّة والاستخدام المرتبط بالفيروسات لإنشاء علاجات مضاّدة للسّرطان.

المعالَجة الجينيّة:

المعالَجة الجينيّة هي عملية تعديل في دنا DNA الشّخص لأغراض علاجيّة. تُستثمَر المعالَجة الجينيّة حالياً في العيوب الوراثيّة، وبالدّرجة الأولى في الاضطرابات التي يُمكن إرجاعها إلى وظيفة جين واحد. يفتقر هؤلاء الأشخاص إلى نسخة وظيفيّة من جين محدَّد، وتسعى المعالَجة الجينيّة إلى إدخال نسخة وظيفيّة من هذا الجين في جينوم الشّخص لتقليل المرض، أو علاج الحالة الوراثيّة للشّخص.

تتطلَّب المعالَجة الجينيّة أن يكون السبب الجيني للعيب معروفاً حتّى يتمّ إدخال الجين المناسب. سوف تكون هناك حاجة إلى ناقل لإيصال الجين إلى خلايا الشَّخص، ويجب تصميم النّاقل بحيث يحتوي على عنصر محفِّز promoter ، وعنصر مُحسِّن enhancer ليسمحا بالتَّعبير الصّحيح للجين بمجرَّد دخوله في خلايا المريض. يمكن إجراء المعالَجة الجينيّة خارج الجسم الحيّ؛ مما يعني إزالة خلايا الشّخص وتعديلها ثمَّ إعادة إدخالها مرّة أخرى في الجسم الحيّ، أو يمكن إجراؤها في الجسم الحيّ؛ ممّا يعني أنَّ الخلايا سيتمُّ تعديلها وهي داخل جسم الشّخص. في كلتا الحالتين سيكون النّاقل لإيصال الجين الوظيفي مطلوباً. نظراً للميل الطّبيعي لأنماط متعدِّدة من الفيروسات إلى الدّخول إلى الخلايا وتسليم جينوماتها لها يتمُّ استقصاء عدّة أنواع من الفيروسات يمكن استخدامها نواقل في المعالَجة الجينيّة.

كان الفيروس الأكثر استخداماً في المعالَجة الجينيّة هو الفيروس الغدّي البشري، وخاصّةً النّمط المصلي ٥. إنَّ الفيروسات الغدّيّة هي أحد أسباب أمراض خفيفة تصيب الجهاز التّنفسي والجهاز الهضمي. هي فيروسات بسيطة نسبيّاً، حمضها النّووي دنا مزدوج الطّاق dsDNA، ولها توجّهات واسعة. يوجد بروتين «ليف» يمتدّ من كل رأس من القُفيصة عشرونية الوجوه يسهِّل الارتكاز. ترتبط ألياف الفيروس الغدّي مبدئيّاً بمستقبل معروف باسم مستقبل فيروس كوكساكي، والفيروس الغدّي على سطح الخلايا، ثم تلتصق قاعدة الفيروس بالإنتغرينات على سطح الخليّة. يتمُّ إدخال الفيروس إلى الخليّة عن طريق الالتقام الخلوي، ويتفكَّك الفيروس على الغشاء النووي للخليّة، ويتمُّ نقل حمضه النّووي DNA إلى النّواة.

يُعرَفُ أحد أول جينات الفيروسات الغديّة التي يتمُّ انتساخها باسم E١A، الذي يُرمِّز لعامل الانتساخ الذي يقوم بتشغيل العديد من الجينات المبكِّرة الأخرى التي تؤدّي في النّهاية إلى إنتاج الفيريونات الوليدة. يتمُّ في المعالَجة الجينيّة استبدال الجين البشري العلاجي بالجين E١A. يمكن أيضاً إزالة عدد قليل من الجينات الأخرى لتوفير فراغ للجين العلاجي المغروز. عند دخول الجين العلاجي إلى النّواة يتمُّ انتساخه وترجمته إلى بروتين وظيفي، وبالتالي يتمُّ تعويض العوز الوراثي. يعمل الجين العلاجي هنا بنفس طريقة عمل لقاح النّاقل المأشوب، باستثناء أنّه يتمُّ إدخال نسخة من الجين البشري العلاجي يحملها الفيروس الغدي بدلاً من الجين الفيروسي.

تُعدُّ الفيروسات الغدّيّة خياراً جذّاباً للعلاج الجيني لعدّة أسباب:معظم ذراري هذه الفيروسات غير ضارّة نسبيّاً، ولديها توجّهات خلويّة واسعة تصيب الخلايا المنقسمة وغير المنقسمة، ودورة حياتها مفهومة جيّداً، كما أنها لا تدمج حمضها النّووي الخاص في جينوم الخليّة المضيفة؛ وهذا يحمي من الغرز الجيني الذي يسبِّب تشويشاً في جينات بشريّة مهمّة، ويعني أيضاً أن تأثيرات الجين المُدخَل ستكون قصيرة الأمد. ولكن من الضّروري إدخال حقن متعدِّدة من الفيروس، وهذه واحدة من أكبر عيوب استخدام الفيروسات الغدّيّة؛ فالتعرّض المتكرِّر للفيروس يسبب استجابة مناعيّة ضدّه؛ مما يقلِّل من كفاءة إيصال الجينات. يواجه بعض الأشخاص طبيعياً فيروسات غدّيّة، وسيكون لديهم فعلاً مناعة قويّة ضدّها. في الحقيقة انتهت تجربة المعالَجة الجينيّة البشريّة في عام ١٩٩٩ بالتسبُّب في وفاة جيسي جيلسنجر Jesse Gelsinger البالغ من العمر ١٨عاماً بسبب استجابة جسده القوية ضدّ الفيروس. قاد هذا الحدث المؤسف الباحثين والعامّة والمؤسّسات الحكوميّة على حد سواء لاتّخاذ خطوة إلى الخلف لإعادة تقييم تحدّيات المعالَجة الجينيّة. إنَّ الحدّ الأقصى الذي يتمّ إدخاله من دنا DNA الفيروس الغدّي هو حاليّاً قرابة ٨ كيلو أساس، وهو حجم كبير ولكنَّه يستبعد الكثير من الجينات البشريّة المهمّة.

يجب أن تكون الفيروسات المستخدَمة في المعالَجة الجينيّة قادرة على إصابة الخلايا المستهدَفة، لكن يجب تعديلها حتى لا تشكل في الجسم الحي فيروسات ناشئة تحتوي على الجينات البشرية المنقولة والتي يمكن إطلاقها لإصابة أشخاص آخرين. لهذا السبب يتم إنشاء فيروسات معيبة التنسُّخ replication-defective، وتسمّى أيضاً فيروسات عديمة كفاءة التنسُّخ replication-incompetent. إنَّ إزالة الجين E1A من الفيروس الغدّيّ يجعله غير قادر على التَّضاعف عند دخوله إلى الخليّة المُضيفة. مع ذلك يبدو هذا أمراً صعباً؛ لأنه كيف يمكن صنع ناقلات الفيروسات الغدّيّة قبل الحقن إذا كانت غير قادرة على التنسُّخ داخل الخلايا؟ تكمن الإجابة في استخدام خط تعبئة خلوي packaging cell line ، ويُستخدَم غالباً الخطّ الخلوي HEK-293، الذي تمّت هندسته للتّعبير عن البروتين E1A عندما يتمُّ إدخال ناقل الفيروس الغدّيّ الذي يحتوي على الجين البشري العلاجي في خطّ التعبئة الخلوي، يتمُّ إنشاء فيريونات جديدة؛ لأن الخطّ الخلوي يحتوي على بروتين E1A الذي يبدأ انتساخ الجينات الفيروسيّة لإنشاء فيريونات جديدة. ومع ذلك فإن الجين E1A غير مرمَّز داخل جينات الفيروس الغدّيّ، وبالتّالي لا تحتوي الفيروسات التي يتمُّ إنشاؤها على جين E1A. وهذا يعني أن الفيروسات سوف تصيب الخلايا، ولكنها لن تكون قادرة على التّكاثر داخل الخلايا.

يُستخدم الفيروس المرتبِط بالفيروس الغدّي (AAV) Adeno-associated virus أيضاً في المعالَجة الجينيّة. هذا الفيروس من فصيلة الفيروسات الصّغيرة Parvoviridae، حمضه النّووي DNA مفرد الطّاق، واستمناعه منخفض، ولا ترافقه أيّ أمراض بشرية. إنّ الفيروس المرتبط بالفيروس الغدّيّ هو فيروس تابِع satellite virus؛ ممّا يعني أنَّه يمكن أن يصيب الخلايا، ولكن لا يمكنه التّكاثر من دون وجود «فيروس مساعِد» لتوفير بروتينات معينة. غالباً ما يكون هذا هو الفيروس الغدّي نفسه، حيث يستمدّ الفيروس اسمه. تملك الأنماط المصليّة المختلفة لـلفيروس المرتبط بالفيروس الغدّي مستقبلات فريدة تحدِّد نوعيّتها تجاه أنسجتها.

يمكن للفيروس المرتبط بالفيروس الغدّي AAV أن يصيب الخلايا المنقسمة والخلايا غير المنقسمة (تشبه بذلك الفيروس الغدّي). إضافة إلى ذلك تمتلك AAV متتاليات داخل جينومها مسؤولة عن التكامل integration الذي يطابق موقعاً داخل الصّبغي البشري ١٩، يسمّى الموضع ١ لتكامل الفيروس المرتبط بالفيروس الغدّي (AAVS1) ١adenovirus-associated virus integration site. إنَّ التّكامل هو عمليّة قليلة الحدوث، ولكن عندما يحدث يتمُّ دمج الجينات المحوَّرة للإنسان بشكل ثابت في صبغي الخليّة المُضيفة. إنّ التّكامل سيف ذو حدّين: فهو من ناحية، يُترجَم إلى شكل أكثر ثباتاً وملاءمة لتوصيله (ويتطلَّب حقناً أقلّ تواتراً للفيروس)، ولكن من ناحيةٍ أخرى تستحيل إزالة الجين المتكامل حالياً إذا دعت الحاجة إلى ذلك. للعلاج الجيني لهذا الفيروس كثير من الخصائص الإيجابية، لكن بسبب حجمه الصّغير يكون الحدّ الأقصى للمغروز قرابة ٥ كيلو أساس، وهو الأصغر بين الفيروسات المستخدَمة في المعالَجة الجينيّة.

تصيب الفيروسات البطيئة الخلايا المنقسِمة وغير المنقسِمة، وبوصفها فيروسات قهقريّة تتكامل عشوائياً في صبغي الخليّة المضيفة لتوفِّر تعبيراً طويل الأمد عن الجين المنقول transgene العلاجي. ستكون النّتيجة المثلى هي تكامل الجين في منطقة دنا DNA غير مرمِّز، ولكنَّ التّكامل العشوائي يمكن أن يكون مدعاة للقلق إذا كان تكامل الجينات المنقولة يعطِّل الجين الأساسي، مثل الجين المثبِّط للورم. يؤيّد هذا الاحتمال حدوث ابيضاض الدم، وهو من التأثيرات الجانبية المؤذية التي لوحظت في بعض تجارب المعالَجة الجينيّة على البشر، ويعمل العلماء على تصميم أنظمة أفضل لتجنُّب مثل هذه الآثار.

 

- المجلد : المجلد الثامن عشر مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1