كشف الأخماج الفيروسية وتشخيصها
كشف اخماج فيروسيه وتشخيصها
Diagnosis of viral Detection and Infections -
كشف الأخماج الفيروسية وتشخيصها D
كشف الأخماج الفيروسية وتشخيصها Detection and Diagnosis of viral Infections
إيفا عسكر
زرع الفيروس والعينات الخلوية / النسيجية
كشف المستضدات الفيروسية أو الأجسام المضادة للفيروسات (الأضداد)
تفاعلات التراص Agglutination reactions
مقدمة:
يُعدّ كشف الفيروس بوصفه مسَبباً للمرض مهماً لعدة أسباب: تؤدي كثير من الأخماج الفيروسية إلى أعراض سريرية متشابهة، وتحتاج الفيروسات ذات التأثيرات الخطرة إلى تشخيص مبكر عند المرضى ذوي الخطورة العالية، مثل متلقي زرع الأعضاء، والمرأة الحامل، والأشخاص منقوصي المناعة.
ويناقش هذا الفصل أكثر التقنيات استعمالاً لتحري الفيروسات وتشخيصها في العينات السريرية. ويُعدّ كثير من هذه الطرائق أساسية في مختبرات الأبحاث الفيروسية أيضاً.
أولاً- جمع العينات السريرية ونقلها:
تعتمد العينة المراد الحصول عليها لكشف فيروس معيّن على نمط هذا الفيروس. تُؤخَذ العينة من مكان الخمج بالنسبة للفيروسات التي تسبب أخماجاً موضعية (الجدول١). على سبيل المثال: يُتحرى عن فيروس النزلة الوافدة بسهولة في مسحات البلعوم الأنفي، وكذلك يمكن عزل فيروس الهربس البسيط من الآفات الفموية والتناسلية التي يسببها.
|
أما الفيروسات التي تسبب خمجاً جهازياً فيمكن عزلها من عدة مصادر مختلفة بحسب الفيروس. وموقع الإمراض هو غالباً مكان جيد للبدء بالرغم من إمكان وجود الفيروس في الدم أيضاً. فمثلاً: فيروسا التهاب الكبد B وC يخمجان الخلايا الكبدية؛ ولكنهما قابلان للكشف في المصل.
ويعتمد خيار الاختبار التشخيصي أيضاً على مرحلة الخمج. ويكون الحِمْل الفيروسي للمريض عالياً في أثناء الخمج الحاد؛ ولكنه قد ينخفض إلى مستويات غير مقيسة عند انتهاء الخمج. ومن جهة أخرى تحتاج الأضداد إلى عدة أسابيع؛ لتتطور خلال الاستجابة الأولية ضد الفيروس.
فالضد IgM هو ضد من النمط الإسْوِيّ وأول ما تنتجه الخلايا البلازمية ضد العامل الممرض، ولكن الضد الإسويّ IgG الأكثر ألفة يبدأ إفرازه من قبل الخلايا ذاتها لاحقاً في أثناء الخمج وخلال الاستجابات الثانوية. لذا يعتمد الاختبار التشخيصي على مرحلة الخمج عند المريض. فالاختبارات على الفيروس بحد ذاته هي المفضلة قبل وجود الأعراض أو في أثنائه. ويمكن اعتماد مستويات IgM مقابل IgG كأضداد للفيروس للمساعدة على تحديد فيما إذا كان الخمج حديثاً أم لا، ولكن لا يكون أي منهما في بداية الخمج الأولي.
ويعتمد اختيار الاختبار المناسب على حالة الخمج وفيما إذا كان الفيروس أو الأضداد هي المتوقع وجودها في ذلك الوقت.
ويجب توخي الحذر في جمع العينات السريرية وحفظها ونقلها. يُجمَع الدم في أنابيب مناسبة بحسب نوع الاختبار التشخيصي المطلوب (خلايا أو مصل أو بلازما). تُستخدَم الأنابيب الحاوية هيبارين الصوديوم كمضاد تخثر تمنع تخثر الدم، وتُستخدَم للحصول على كريات الدم البيضاء أو البلازما. ويمكّن الحصول على المصل بالسماح للدم بالتخثر ثم تثفيل الخثرة، فيبقى القسم السائل من الدم في الأعلى. إذاً الفرق الأساسي بين المصل والبلازما هو أن البلازما تحوي عوامل التخثر التي تشكل جزءاً من الخثرة عندما يُحصل على المصل. تكون كل من الأضداد والفيروس (أو المستضدات الفيروسية) في المصل أو البلازما؛ مع إمكان وجود الفيروس في الكريات البيض في حال كانت هي الوجهة الهدف للفيروس.
ومن أجل أخذ السائل من الآفات الجلدية تُستعمَل ماسحة قطنية معقمة لجمع كل من السائل والخلايا من الآفة التي فُتحت، ثم تُوضَع الماسحة في وسط نقل خاص، يُستعمل الوسط ذاته لمسحات كل من: البلعوم الأنفي وعنق الرحم والشرج والحنجرة. أما البراز فيُجمَع في علب مانعة للتسريب.
على الرغم من أن الحموض النووية قد تبقى سليمة في هذه العينات فإن الفيروس الموجود فيها لن يكون مُعدياً. ولمنع تعطيل الفيروس تُبرَّد العينات (غير الدموية) التي يجب نقلها إلى مخابر التشخيص في أثناء الشحن، أو تُجمَّد بدرجة -٨٠°م.
الشكل (١) اعتبارات من أجل التشخيص. تتوفر الاختبارات التشخيصية بحيث تكشف وجود الفيروس مباشرة في أثناء الخمج الحاد، أو أضداد الفيروس التي تحتاج إلى أسابيع؛ لتتطور وتستمر عدة أشهر بعد الخمج. يُنتج IgM في أثناء الاستجابة الأولية، ويحتاج IgG إلى المزيد من الوقت ليتشكل ويُنتج في أثناء الاستجابات الثانوية. |
ثانياً- زرع الفيروس والعينات الخلوية / النسيجية:
ثمة طرائق مباشرة وطرائق غير مباشرة لتحري وجود الفيروسات. تكشف الطرائق المباشرة وجود الفيروس بحد ذاته، في حين ترصد الطرائق غير المباشرة آثار الفيروس، كموت الخلية أو إنتاج الأضداد من قبل الشخص المخموج. والزرع النسيجي هو طريقة لتمييز الفيروس بالاعتماد على آثاره في الخلايا. وهو أيضاً طريقة لتكثير الفيروس إذا كان هناك حاجة لعينة أكبر من أجل اختبارات تشخيصية أخرى؛ لأن الفيروسات تحتاج إلى خلايا لتنتسخ.
ويتضمن الزرع النسيجي (والمعروف أيضاً بالزرع الخلوي عندما تُنمَّى الخلايا خصوصاً) المحافظة على الخلايا أو النسج الحية في بيئة مضبوطة خارج العضوية الحية حيث تُحضن الخلايا في قوارير بلاستيكية أو زجاجات مغمورة في وسط سائل يحتوي على عناصر ومكملات غذائية. وتنمو هذه المزارع في حاضنة incubator مضبوطة بدرجة حرارة الجسم (٣٧°م).
الخط الخلوي هو مجموعة من الخلايا التي يمكن عزلها من قطعة من نسيج أو عضو، ويمكن أن تكون الخطوط الخلوية محدودة أو مستمرة. الخطوط المحدودة ستتعرض للانقسام عدداً محدوداً من المرات، أما الخطوط المستمرة فهي خالدة، وتتكاثر تكاثراً غير محدود، وتنجم هذه الخاصية عادةً عن طفرات جينية. والخطوط الخلوية المشتقة من الأورام - التي فقدت السيطرة على تنظيم الدورة الخلوية، فأخذت بالتكاثر تكاثراً غير محدود- يمكنها أن تنتج أيضاً خطوطاً خلوية مستمرة. وإن الاختيار بين الخط المحدود مقابل الخط المستمر بغرض نشر الفيروسات في الزرع يعتمد على الفيروس المطلوب عزله. إضافة لذلك يجب أن يكون الخط الخلوي من النوع الذي يحمل مستقبلة خلوية سطحية خاصة بالفيروس وأن يسمح بحدوث الخمج، وإلا فلن يكون الفيروس قابلاً للالتصاق والتضاعف في الخط الخلوي.
ويجب إنجاز الزرع الخلوي باستعمال تقنية عقيمة وبظروف عقيمة، وإلا فستنمو الجراثيم والفطور التي تصل إلى الزرع بغزارة في وسط النمو الغني، وستلوث الزرع. ويمكن توفير البيئة العقيمة من خلال حجرة السلامة الحيوية (BSC) biological safety cabinet؛ إذ تُستخدم حجرة BSC لترشيح الهواء من خلال مرشّح جسيمات الهواء العالي الكفاية high-efficiency particulate air (HEPA) الذي يصفّي الجراثيم والفطور والأبواغ والفيروسات لتوليد هواء عقيم. الجزيئات ذات حجم ٠,٣ مكرون هي أكثرها عبوراً إلا أنها تُزال بكفاية تعادل ٩٧,٩٩٪. وثمة ثلاثة أصناف (فئات) مختلفة من BSCs (I,II,III) وهي تزود بمستويات مختلفة من الحماية سواء لكادر المختبر أم للمادة الحيوية التي يتعاملون بها.
١- حجرة السلامة الحيوية صنف I (BSCs Class I): إن الهواء يُصفَّى عبر مراشح HEPA قبل خروجه إلى البيئة. وكل من العامل والبيئة محميان؛ لكن المادة البيولوجية معرضة لهواء غير عقيم من البيئة؛ لذا لا يُستخدَم هذا النمط في الزرع الخلوي.
٢- حجرة السلامة الحيوية صنف II (BSC Class II): هي أكثرها استخداماً غالباً؛ بما أنها توفّر حماية الكادر المختبري والمادة الحيوية والبيئة. ويُمتص الهواء الذي يدخل BSC إلى مدرأة grille لمنعه من تلويث سطح العمل، ثم يُنقَّى الهواء عبر مرشح HEPA-Filter لضمان عقامة بيئة العمل، وهذا يعني أنها تخلق تياراً هوائياً متواصلاً ضمن تدفق غير منقطع.
٣- حجرة السلامة الحيوية صنف III (BSCs class III): هي كافية للعمل على الخلايا ومعظم الفيروسات. ويجب معالجة بعض العوامل الممرضة الخطرة ضمن BSC III والتي تكون محكمة الإغلاق لمنع تعرض أي من طاقم العاملين للفيروس، وهم كذلك يجب أن يرتدوا قفازات مطاطية متينة صُمِّمت للتعامل مع العامل الممرض والعمل في BSCs خاصة.
ولا بدّ من اتخاذ مستويات مناسبة من السلامة (الأمان) عند التعامل مع الفيروسات. تسبب الفيروسات الأنفية الرشح، وآثار التعرض له غالباً خفيفة ومحددة لذاتها. وهناك فيروسات أخرى كتلك التي تسبب حمى نزفية يمكن أن تؤدي إلى آثار مميتة عند التعرض لها. لذلك ثمة أربعة مستويات سلامة حيوية (BSLs) Biosafety levels تحدد الاحتياطات الواجب اتخاذها عند العمل بالعوامل الممرضة المختلفة.
١- مستوى السلامة الحيوية الأول BSL 1: من أجل التعامل مع العوامل الممرضة الموصوفة جيداً والمعروف أنها لا تسبب مرضاً عند البشر البالغين الأصحاء. هذه العوامل الممرضة تبدي خطراً محتملاً صغيراً على بيئة المختبر والعاملين فيه. وينبغي التعامل مع كل المواد بطريقة مناسبة وإزالة التلوث بعد استعمالها، ويجب على العاملين ارتداء قفازات للحماية مع معطف المختبر ونظارات وقائية إذا اقتضى الأمر.
٢- مستوى السلامة الحيوية الثاني BSL 2: من أجل العمل بالعوامل الممرضة المعروفة أنها تعرض لخطر حيوي متوسط لطاقم العاملين أو البيئة. إنها تشمل الاحتياطات المتخذة في المستوى الأول؛ ولكنها تتطلب أيضاً أن يتلقى كل من العاملين والمشرفين على المختبر تدريباً خاصاً للتعامل مع العوامل الممرضة.
٣- مستوى السلامة الحيوية الثالث BSL 3: من أجل العمل مع العوامل الممرضة التي يمكن أن تسبب مرضاً خطراً أو قد يكون مميتاً عبر الاستنشاق. العمل ضمن المستوى الثالث يشمل كل الاحتياطات المتخذة في المستوى الثاني؛ ولكنه يتطلب أيضاً مختبراً خاصاً. كما يجب أن يرتدي طاقم العاملين ملابس مختبرية وقائية خاصة.
٤- مستوى السلامة الحيوية الرابع BSL 4: يجب أن يتضمن الاحتياطات المشار إليها في المستوى الثالث، كما يجب على العاملين في المختبر المغادرة من مخرج خاص للغرفة بعد الاغتسال. كما يجب أن تقام هذه المختبرات في أبنية خاصة أو معزولة عن البيئة، وهي محجوزة لأكثر العوامل الخامجة خطورة.
وتُجرى معظم الزروعات الخلوية التشخيصية بمستوى سلامة BSL2. وعموماً تُختبر ٣-٦ خطوط خلوية بالاعتماد على الاختبار المنوي إجراؤه، وتُحضَن الزروعات الخلوية مع العينة السريرية. وعلى الرغم من عدم القدرة على رؤية الفيروسات بالمجهر الضوئي؛ تؤثر عملية الزرع في الخلايا التي تنتسخ ضمنها الفيروسات بطريقة كيميائية حيوية، وهذا ما يؤدي أحياناً إلى تأثيرات مرضية خلوية Cytopathic effects (CPEs)، وهي قابلة للتمييز بالمجهر الضوئي (الشكل٢). وعلى سبيل المثال: يمكن أن تسبب بعض الفيروسات تجمع الخلايا وانفصالها عن قاع وعاء الزرع الذي تلتصق به عادة. وأحياناً يُلاحَظ فجوات شبيهة بالفقاعات ضمن سيتوبلازما الخلايا المخموجة التي يمكن أيضاً أن تتورم أو تنكمش بحسب نوع الفيروس. وثمة فيروسات أخرى تسبب التحام الخلايا المتجاورة بعضها ببعض محدثة مَخلىَ Syncytium (وهي خلية ضخمة متعددة النوى بحيث يمكن أن تحتوي حتى ١٠٠ نواة فيها). وتسبب بعض الفيروسات حلّاً للخلايا التي تنتسخ فيها، وتسبب الموت الخلوي أو أذية بوساطة السيطرة على آلية النسخ والترجمة في الخلية، تاركة الخلية في اضطراب ترجمة بروتيناتها الخاصة؛ ومنها الإنزيمات اللازمة للسبل الاستقلابية.
الشكل (٢) التأثيرات المرضية الخلوية للخمج الفيروسي. تسبب الفيروسات تأثيرات مرئية متنوعة في الخلايا. أ- الخمج بالفيروس الهربسي البشري ٦ يسبب انتفاخ الخلايا المخموجة. ب- هذه الصور تظهر CPEs على الخلايا قبل العدوى بالفيروس المضخم للخلايا الفأري (على اليسار) وبعدها (على اليمين) ، لاحظ الاختلافات في شكل الخلايا وترتيبها. ج- المَخلى متعددة النوى المحدثة من قبل SARS-CoV في مقطع نسيجي لرئة بشرية ملونة. د- جسم اشتمالي سيتوبلازمي مكون من البروتينات الفيروسية، والحمض النووي مرئي في هذه الصورة المجهرية الإلكترونية لخلية مخموجة بفيروس Lagos bat، لاحظ الفيريونات متجمعة على شكل كرة صغيرة من الجسم الاشتمالي. |
وإن مراقبة التأثيرات المرضية الخلوية وكم يستغرق الفيروس لإحداثها يمكن أن يعطي دليلاً لتشخيص الفيروس. على سبيل المثال: تسبب الفيروسات الغدية تعنقد الخلايا (منظر عنقود العنب)، ويسبب الفيروس الهربسي تجمع الخلايا، في حين يحرض الفيروس المخلوي التنفسي تشكل المخلوة كما يوحي اسمه. وفي أحيان أخرى يُستخدَم الزرع الخلوي بالتزامن مع طرائق أخرى؛ فيمكن استعمال المجهر الإلكتروني لتحديد شكل الفيروس، في حين يمكن استعمال مقايسات التألق المناعي (IFAs) assays immunofluorescence أو الكيمياء النسيجية المناعية (IHC) immunohistochemistry لتشخيص فيروس معيّن قطعياً في الخلايا بوساطة تمييز مستضداته. ومن أجل هذه الطرائق يمكن تنمية الخلايا على الشرائح أو السواتر لسهولة فصلها من المزرعة.
وبعض أنماط العينات السريرية المأخوذة مباشرة من المريض بالعدوى الفيروسية لا تحتاج إلى دراستها في خلايا المزرعة الخلوية. ويمكن إجراء دراسة خلوية ودراسة نسيجية ودراسة للدم ولغسولات الرئة والسائل الدماغي الشوكي التي تحوي خلايا، ويمكن أيضاً جمع الخلايا في أثناء مسحة عنق الرحم حيث تُكشط بعض الخلايا من عنق الرحم، وتُوضع ضمن سائل حافظ. ولطاخة بابانيكولا وذات صلة أيضاً بكشاطة الخلايا من عنق الرحم ولكنها تُفرش على الشريحة وتُرسل للتحليل. ولطاخة تزانك تستخدم فكرة مشابهة؛ ولكن لمد لطاخة خلوية من آفات جلدية على شريحة لتشخيص أخماج الفيروس الهربسي. ويجب أن تخضع هذه العينات للفحص الخلوي، ومن ناحية أخرى تُؤخذ النسج من الخزعة. ويُقطع النسيج إلى شرائح رقيقة لإخضاعها للفحص النسيجي في مختبر التشخيص.
ومعظم الخلايا والأنسجة خالية من اللون؛ لذا تحتاج إلى أصبغة ملونة لإظهارها تحت المجهر، فيمكن إظهار التأثيرات المرضية الخلوية في المزارع لإظهار الخلايا المخموجة أو في العينات الخلوية أو النسيجية المأخوذة من المرضى (الشكل٣ج). ويمكن ملاحظة نمط آخر من هذه التأثيرات في الخلايا أو النسج المخموجة يُدعى بالأجسام الاشتمالية inclusion bodies وهي مواقع مرئية لتنسخ الفيروس أو تجمعه ضمن النواة أو الهيولى، ويمكن ملاحظته في أخماج بعض الفيروسات (مثل جسميات نيغري في الخلايا المخموجة بفيروس الكلب) (الشكل٣ د). تماماً مثل الزرع الخلوي، ويمكن أيضاً لخلايا العينات المرضية أو أنسجتها أن تخضع لإجراء IFA أو IHC.
الشكل (٣) التألق المناعي: يستخدم التألق المناعي أضداداً نوعية للفيروس لإثبات الخمج. أ- تُضاف دارئة تحوي أضداداً مرتبطة ﺒ FITC إلى خلايا أو نسج مثبتة (من عينات الزرع الخلوي أو الخلايا/ النسج)، يرتبط الضد بمستضدات فيروسية متشابهة معبر عنها على سطح الخلايا المخموجة؛ مما يمنعها من أن تُشطف خارج الشريحة بعد الحضن. وتُفحص الخلايا الملونة تحت المجهر المؤلّق لإثارة صبغة FITC خضراء اللون. ويمكن استعمال هذه العملية لكشف مستضد داخل خلوي بوساطة زيادة نفوذية الغشاء السيتوبلازمي للسماح للأضداد بالدخول إلى الخلية. ب- قد تكون بعض الأضداد غير متوفرة تجارياً بشكل مرتبط مسبقاً، لذا يجب استعمال ضد ثانوي موسوم ﺒ FITC يميز الضد الأولي. ج- مثال على IFA مطبق على الخلايا لإثبات وجود الفيروس المخلوي التنفسي. لذلك الخلايا الخضراء هي الخلايا المخموجة. |
ثالثاً- كشف المستضدات الفيروسية أو الأجسام المضادة للفيروسات (الأضداد):
على الرغم من توفّر كل من الزرع الخلوي والفحص الخلوي والنسيجي لإعطاء أدلّة مرئية لتحديد هوية الفيروس؛ فإن بعض الفيروسات تسبب تأثيرات مرضية خلوية متماثلة أو لا تحدث تأثيراً واضحاً على الإطلاق. وفي هذه الحالات يصبح من الضروري استخدام مقايسات تكشف المستضدات الفيروسية لإثبات وجود الفيروس، وهذا ما يُنجز باستعمال أضداد تميز مستضدات فيروسية معيّنة. ولتقدم التقنيات الحيوية؛ فقد أصبح بالإمكان إنتاج كميات كبيرة متوفرة تجارياً من أضداد تستطيع تمييز مستضدات مختلفة لطيف واسع من العوامل الممرضة، ومنها الفيروسات. وثمة مقايسات واسعة الاستخدام وسريعة نسبياً تستعمل الأضداد لتحديد سبب الخمج الفيروسي. كلمة «مناعي Immuno» تكون عادة في اسم المقايسة التي تستعمل الأضداد المنتجة من قبل الخلايا البلازمية للجهاز المناعي.
مقايسات التألق المناعي (IFAs) Immuno Flore secense Assay: تُطبَّق على الخلايا أو النسج التي تُوضع على الشرائح، وتُعرض لمثبتات، قد تكون الخلايا من عينات مرضية أو من خطوط خلوية أُعدّت بوساطة عينات مرضية. وتُستعمل IFAs أضداداً مقترنة بواسمات متألقة أو أصبغة متألقة تعطي لوناً معيناً عندما تُستثار بوساطة طول موجة ضوئية محدد. إن الصباغ المتألق الأكثر شهرة هو إيزوثيوسيانات الفلورسنين (FITC) Fluorescein Isothiocynate الذي يُستثار بضوء طول موجته ٤٩٠ نانومتر (أزرق)، ويعطي ضوءاً في مجال ٥١٩ نانومتر (أخضر). وفي هذه المقايسة تُضاف الأضداد الخاصة بفيروس معين والموسومة Conjugated بـ FITC ضمن دارئة سائلة إلى الخلايا أو النسيج على الشريحة (الشكل٣ أ). وفي حال كان المستضد الفيروسي الذي يمكن تمييزه بالأضداد موجوداً على سطح الخلية فسترتبط عندئذٍ الأضداد بالمستضد الفيروسي الموجود بدلاً من ذلك، ويمكن جعل الخلايا قابلة للنفوذية بوساطة منظف أو مطهر للسماح للأضداد بالمرور إلى داخل الغشاء السيتوبلازمي، وترتبط بالمستضدات الفيروسية هناك. وفي جميع الأحوال لن ترتبط الأضداد في حال عدم وجود المستضد الخاص بها. وبعد مضي الفترة الكافية التي تسمح بارتباط الأضداد الموسومة ﺒ FITC تُغسل الشرائح بوساطة دارئة. وإن أيّ ضد مقترن سيبقى مرتبطاً، في حين ستزول بالغسل الأضداد غير المرتبطة.
تُفحص الشرائح بوساطة المجهر المؤلّق الذي يحتوي مصدراً ضوئياً يستطيع إعطاء أطوال أمواج ضوئية قابلة لتحريض الواسمات المتألقة والمراشح التي تسمح للناظر بأن يرى لوناً واحداً منبعثاً كل مرة. في هذه الحالة: رؤية خلايا خضراء يعني أن الأضداد ارتبطت والفيروس كان موجوداً.
ولأن الضد قد ارتبط ارتباطاً مباشراً بمستضد معين؛ فهذا النوع من المقايسات يُعرف ﺒ direct IFA (تلوين الأضداد التألقي المباشر). ولكن الأضداد المقترنة (الموسومة) لا تتوفر أحياناً؛ في هذه الحالات يجب استخدام ضد ثانٍ موسوم تألقياً يكون قابلاً لتمييز الضد الأولي (الشكل٣ج). وتستخدم هذه الطريقة عند عدم توفر ضد أولي مرتبط، ويمكن استخدامها أيضاً لتضخيم إشارة ضعيفة عندما لا يتوفر المستضد الفيروسي بكثرة. ولأن هذه المقايسة تحتاج إلى ضد ثانٍ ولا يكون الجزيء المتألق فيها مرتبطاً بالضد الأولي فهي تُعرف باسم Indirect IFA (تلوين الأضداد التألقي اللامباشر). وتُستخدم IFA لتحديد هوية كثير من الفيروسات، ومنها الفيروسات الهربسية بأنواعها والإنفلونزا والحصبة والنكاف والفيروس الغدي (الشكل٣ د).
وتعتمد الكيمياء النسيجية المناعية (IHC) على مبادئ IFA نفسها عدا أنه يُوسم الضدّ بإنزيم بدلاً من الجزيء المتألَّق، وبعد تعريض النسيج للأضداد الأولية المقترنة بالإنزيم تُضاف ركيزة سائلة إلى الشريحة. وإذا كانت الأضداد المقترنة (الموسومة) بالإنزيم قد ارتبطت بالنسيج؛ فسوف يشطر الإنزيم الركيزة مخلفاً راسباً ملوناً على الشريحة. يُرى IHC immunohistochemistry باستعمال مهجر ضوئي عادي ولا يحتاج إلى استعمال المجهر المؤلّق. وتتطلب IFAS أو IHC وقتاً قصيراً لا يتجاوز عدة ساعات لإنجازها.
وكذلك تُجرى المقايسة المناعية الإنزيمية (ELA) enzyme immunoassay والمعروفة أيضاً بمقايسة الممتز المناعي المرتبط بالإنزيم (إليزا) enzyme- linked immunosorbent assay (ELISA). وهذه المقايسة هي كسابقيها (IFA وIHC) تكشف أيضاً المستضدات الفيروسية باستخدام أضداد خاصة بالمستضدات. وخلافا عنهما؛ لا تستعمل الإليزا خلايا أو نسجاً، بل تقيس المستضدات الفيروسية في عينات سائلة كالمصل أو البول.
إليزا الشطيرة Sandwich ELISA تبدأ بإضافة أضداد ضمن دارئة إلى صفيحة بلاستيكية معينة عولجت لربط بروتينات (ومنها الأضداد)، وهي تُعرف باسم أضداد الالتقاط (Capture antibodies)؛ لأنها تُستعمل لالتقاط المستضد من عينة المريض. حالما ترتبط الأضداد؛ تشطف آبار الصفيحة - ذات ٩٦ بئراً عادة- بوساطة دارئة لإزالة الأضداد غير المرتبطة. وتُحصر Blocked الصفيحة- بمعنى أنه تُضاف دارئة تحتوي على بروتينات غير نوعية ترتبط بالآبار البلاستيكية حيث لا أضداد مرتبطة- ثم تُغسل الآبار ثانية، وتُضاف عينة المريض. إذا كان المستضد موجوداً في العينة (لوجود الفيروس أو قطع منه فيها)؛ فسيرتبط عندها المستضد بأضداد الالتقاط. وعلى العكس، في حال عدم وجود أي مستضد فيروسي في العينة، عندها لن ترتبط أضداد الالتقاط بأي مستضد. وتُغسل الآبار مرة أخرى لإزالة أي أثر متبقّ من عينة المريض. وفي المرحلة التالية يُضاف ضد مرتبط بإنزيم كما في الكيمياء النسيجية المناعية. الضد المرتبط بالإنزيم (المسمى ضد الكشف detection antibody) يميز أيضاً المستضد بشكل نوعي ويشكل «سندويشة» (أو شطيرة) مع الأضداد بحيث يكون الضد بمنزلة الخبز والمستضد بمنزلة اللحم؛ لذا دعيت «إليزا الشطيرة». وبعد مرور الوقت الكافي لحدوث الارتباط تغسل الآبار مرة أخرى. سيبقى ضد الكشف مرتبطاً بالصفيحة إذا كان المستضد موجوداً، ولكن في حال عدم ارتباط ضد الالتقاط بالمستضد، فعندها لن يبقى ما يرتبط بضد الكشف، ويُشطف المستضد إلى خارج البئر.
والمرحلة الأخيرة هي إضافة ركيزة الإنزيم السائلة. في حال وجود أضداد الكشف- بمعنى أن ضد الالتقاط ارتبط بالمستضد؛ لأنه (المستضد) كان موجوداً في عينة المريض- عندها سيقوم الإنزيم المرتبط بأضداد الكشف بشطر الركيزة منتجاً لوناً مرئياً في البئر. وفي حال غياب المستضد، لن يكون هناك أي ضد كشف؛ ليحفز تفاعل الركيزة، ومن ثم لن يظهر أي لون.
ويقيس مقياس الطيف الضوئي كثافة الضوء، ومنها الضوء الملون. هناك مقياس طيف ضوئي خاص ذو ٩٦ بئراً يقيس اللون في كل بئر ويعطي كثافة ضوئية تبين قيمتها الكمية النسبية للمستضد الموجود في كل بئر. وفي حال وجود مجموعة قياسية من العينات ذات التراكيز المعروفة التي قيست في صفيحة الإليزا نفسها، عندها يمكن مقارنة قيمة قراءة عينة المريض بالقيم القياسية للحصول على القيمة الكميّة. ويوضع شاهد إيجابي وآخر سلبي مع كل اختبار إليزا للتحقق من أن المقايسة أُنجزت إنجازاً صحيحاً.
وتسمح كل مرحلة من مراحل الإليزا عادة للارتباط بالحدوث خلال نحو ١-٢ ساعة. لذلك تستغرق الإليزا عدة ساعات لإنجازها كاملة، لكن تصبح النتائج متاحة بيوم أخذ العينة السريرية نفسه. وإن اختبار تحري المستضد السطحي لفيروس التهاب الكبد البائي يجرى عادة بإليزا السندويشة (الشطيرة).
ولا يقتصر استعمال الإليزا على كشف مستضدات الفيروس فحسب، بل يتعداها لتحري وجود الأضداد (الأجسام المضادة) للفيروس أيضاً (antiviral antibodies). وإن عيار هذه الأضداد هو طريقة غير مباشرة لمعرفة فيما إذا كان المريض قد تعرض للفيروس أم لا. والإليزا التي تفرق بين أصناف IgM وIgG تزود بأدلة عما إذا كان المريض أُصيب حديثاً بالفيروس. إذا كان لدى المريض IgM، ثم أصبح إيجابياً ﻟِ IgG بعد عدة أيام؛ فهذا يدل أن المريض يعاني خمجاً أولياً. أما إذا كان لدى المريض مستويات عالية من IgG؛ فلديه خمج ثانوي أو ناكس. ويُستعمل الكشف عن أصناف الأضداد isotypes لتشخيص الأخماج الخلقية. يَعبر IgG من الأم إلى الجنين عبر المشيمة؛ لذا فهو غير مفيد للتشخيص، ولكن IgM جزيء كبير جداً، ولا يعبر المشيمة. لذلك وجوده في دم الوليد يعني أنه صُنع من قبل جهازه المناعي، ويشير إلى وجود خمج عنده مكتسب داخل الرحم.
ولمقايسة الأضداد يغلِّف المستضد الفيروسي قعر صحيفة الإليزا. وتُضاف عينة المريض- في حال كان لدى المريض أضداد تميز المستضد الفيروسي- فسترتبط بالمستضد في الصفيحة؛ مما يثبتها. كما في إليزا الشطيرة، الخطوة التالية هي إضافة ضدَّ الكشف المرتبط بالإنزيم. وفي هذه الحالة سيميّز ضد الكشف أضداد المريض. وأخيراً تُغسل الآبار، وتضاف الركيزة. وإذا كان لدى المريض أضداد ضد المستضد الفيروسي؛ فستقوم أضداد المريض ولاحقاً أضداد الكشف بالارتباط بالمستضد المغلف للآبار، ووجود الإنزيم سيشطر الركيزة منتجاً لوناً.
تستعمل لَطْخة وِيستيرن (western blot) طريقة مشابهة، باستثناء أنه تُثبَّت المستضدات البروتينية في الهلام، ثم تُفصل بوساطة الرحلان الكهربي الهلامي البولي أكريلاميدي Polyacrylamide gel electorpohoresis PAGE .
وتستخدم لطخة ويستيرن غالباً لإثبات إيجابية نتائج الإليزا. على سبيل المثال: إذا أُخذت عينة فموية (لعاب) من شخص لكشف وجود فيروس العوز المناعي البشري (Human immunodefiency HIV)؛ وكانت النتيجة إيجابية؛ هنا يجب تأكيد النتيجة بإجراء لطخة ويستيرن.
رابعاً- تفاعلات التراص Agglutination reactions:
تُجرى عندما يسبب ارتباط الأضداد بالمستضدات تشكل تكتل مرئي يُدعى تراصاً. ولاختبارات التراص باللاتكس مبادئ الإليزا أو لطخة ويستيرن نفسها؛ باستثناء أنه يُربط المستضد والضد بحبيبات لاتكس صغيرة. ولفحص أضداد المريض تُغلَّف حبيبات اللاتكس بالمستضد الفيروسي. وعند المزج بمصل المريض سترتبط الأضدادبحبيبات اللاتكس المغلفة بالمستضد. والنتيجة هي تجمع الحبيبات في تشكلات شبيكية؛ أي إنها ترتصّ، وتشكل كتلة مرئية. إن لم يكن لدى المريض أضداد موجهة لمستضد فيروسي معين؛ فلن ترتصّ حببيات اللاتكس. ويمكن إجراء تفاعلات التراص في الأنابيب أو في صفيحة ذات ٩٦ بئراً أو على الشرائح أو باستخدام لوحات من الورق المقوى. مثل الإليزا؛ يمكن لاختبارات تراص اللاتكس أيضاً أن تكشف المستضد الفيروسي في عينة المريض بتغليف حبيبات اللاتكس بالأضداد لتمييز المستضد. سترتبط عدة حبييات مغلفة بالأضداد بمستضد واحد؛ مولدة تراصاً مرئياً.
ويشير التراص الدموي إلى تراص كريات الدم الحمراء. وهناك مجموعة واسعة من الفيروسات كالإنفلونزا والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والكلب تسبب تراصاً دموياً لكريات الدم الحمراء.
وترتبط غليكوبروتينات الالتصاق (مستضدات التراص الدموي) في فيروسات الإنفلونزا والنكاف بسطح الكريات الحمراء، فترصّها تراصاً مشابهاً لما تفعله الأضداد. واستعملت مقايسات التراص الدموي لتحري وجود هذه الفيروسات في العينات.
وثمة طريقة تستعمل الأضداد بنمط مشابه للمقايسات الموصوفة أعلاه تُدعى المقايسة المناعية للتدفق الأفقي (LFIA) The lateral flow immunoassay. وفي هذه الحالة سيؤدي وجود الفيروس أو أضداد الفيروس إلى تشكل شريط ملون يظهر في نافذة خاصة في الاختبار. واختبار LFIA الأكثر شهرة هو اختبار كشف الحمل، ولكن LFIA المتوفرة تكشف أضداد فيروسات العوز المناعي البشري وفيروس حمى الدنج والفيروس العجلي والفيروس المخلوي التنفسي وفيروس الإنفلونزا. وهذه الاختبارات كلها يمكن أن تكون بهيئة غميسة dipstick مثل اختبار كشف الحمل أو اختبار بلاستيكي صغير يحتاج إلى وضع نقطة من العينة في البئر الخاصة بها.
الشكل (٤) المقايسة المناعية للتدفق الأفقي LFIA. أ- المناطق الثلاث للمقايسة المناعية للتدفق الأفقي: منطقة التفاعل ومنطقة الاختبار ومنطقة الشاهد. ب- تفيد المقايسة المناعية للتدفق الأفقي في تشخيص الأخماج الفيروسية. |
خامساً- كشف الحموض النووية الفيروسية:
حلّ اختبار كشف الحمض النووي (NAT) Nucleic acid testing محل كثير من المقايسات التقليدية ذات الوقت الأبطأ في مخابر التشخيص. وإن كشف الحموض النووية الفيروسية هو طريقة حساسة ونوعية لكشف الفيروسات في عينة المريض، وكذلك تسمح الطرائق الحديثة بتحري عدة فيروسات معاً (في الوقت ذاته). إضافة لذلك، فهو يضمن تحري وجود الفيروسات التي ليس لها اختبار آخر حالياً. وتصبح النتائج بمتناول اليد في اليوم نفسه الذي جرت فيه معالجة العينة.
وتعتمد طرائق NAT على مبدأ تفاعل سلسلي للبوليميراز (Polymerase chain reaction PCR) والتي تلخص عملية تنسخ الدنا DNA في المختبر بتزويد الجزيئات اللازمة لهذا النسخ. وفي تقنية PCR تُعزل الدنا (بما فيه أي دنا فيروسي موجود) من العينة السريرية (عموماً خلايا الدم أو نسيج)، وتضاف إلى أنبوب يحوي مِعزازات (مَشْرعات) بادئة primers وبوليميراز الدنا ونكليوتيدات. ويوضع الأنبوب في جهاز التدوير الحراري Thermocycler، وهو جهاز يغير ببساطة درجة حرارة الأنبوب (كما هو واضح من اسمه)، في مرحلة التمسيخ denaturation يُسخَّن جهاز الدنا عادة إلى درجة ٩٥°م؛ مما يسبب كسر الروابط الهدروجينية التي تربط كلا طاقي الدنا معاً، فينفصلان عن بعضهما. في مرحلة التلدين (التطويع) annealing تنخفض الحرارة للسماح بارتباط معزازين بالدنا المنفصل، وهما مكمّلان للتسلسل الذي يرتبطان به، ويحيطان بالمنطقة المراد تضخيمها، كل معزاز يرتبط بسلسلة. تحدد حرارة التلدين من خلال تركيب النكليوتيدات في المعزازات، ولكنها عادة ما تكون حوالي ٥٥°م.
وفي المرحلة الأخيرة (التطويل extension) يرفع جهاز التدوير الحراري الحرارة إلى الدرجة المثلى لعمل إنزيم بوليميراز الدنا DNA polymerase. في هذه الحالة يستعمل إنزيم بوليميراز خاص (يسمى بوليميراز تاك Taq polymerase) يستخلص من جرثوم المستحرّة المائية Thermus aquaticus الذي تطوَّر ليصمد في درجات الحرارة العالية، ويستعمل بوليميراز تاك من أجل PCR؛ لأن البوليميراز البشرية ستتمسخ بدرجات الحرارة العالية اللازمة لمرحلة التمسخ. يثبت جهاز التدوير الحراري الحرارة على ٧٢°م، ويقوم بوليميراز تاك بتطويل النهاية ٣ للمعزاز (البادئة) مستعملاً النكليوتيدات المتوفرة ومصنّعاً قطعة من الدنا مزدوج الطاق بدءاً من قالب أحادي الطاق. وبهذه الطريقة فصلت قطعة مضاعفة الطاق، ثم تنسخت كل منها لخلق نسختين. تكرر مراحل PCR عادة ٣٠-٣٥ مرة لخلق بلايين النسخ من قطعة الدنا الهدف. وترتبط المعزازات الجيدة فقط بالدنا الفيروسي الذي يُضخَّم وليس بأي دنا خلوي معزول أو مجينات فيروسات أخرى.
أما في حالة الفيروسات ذات جينوم الرنا RNA؛ فإنه يجرى تفاعل سلسلي للبوليميراز مع الانتساخ العكسي Reverse Transcriptase (RT-PCR). يشمل هذا الاختبار الخطوات المنجزة في PCR نفسها، ولكن- لأن جينوم الفيروس هو الرنا- يجب أن يُنسخ بشكل عكسي إلى دنا مكمّل (Complementery DNA cDNA) من جينوم الرنا. يؤخذ إنزيم النسخ العكسي المستخدم في RT-PCR من الفيروسات القهقرية؛ عموماً من فيروس مولوني الابيضاضي الفأري (Moloneymurine leukemia virus) أو فيروس داء الأرومة النقوية الطيرية (avian myeloblastosis virus). هذه الخطوة الإضافية تُخلِّق دنا مكملاً يتم تضخيمه بعد ذلك بوساطة PCR كما هو مبين آنفاً.
ويمكن كشف جزء الدنا المضخّم المعروف باسم المضخّم النووي amplicom بطرائق متنوعة، ولكن يبقى الرحلان الكهربي الهلامي الأغاروزي (كهلام الأكريلاميد) هو أبسط الطرائق وأرخصها، فهو يستخدم الكهرباء لفصل شدف الدنا في الهلام. وتعتمد المسافة المقطوعة في الهلام من قبل الدنا على حجم الشدفة حيث ترحل الشدف الصغرى في الهلام إلى مسافات أبعد من الشدف الكبرى. وبعد انتهاء الفصل يثبَّت الهلام بمادة كيمياوية تعرف باسم بروميد الإيثيديوم ethidium bromide الذي يندخل بين أزواج أسس الدنا، ويجعلها تتألق عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية U.V. فبذلك يشير التألق إلى وجود الدنا المضخم بتفاعل PCR؛ لأن الشدف الصغرى ترحل بعيداً عبر الهلام، فيستطيع التوضع النسبي للشريط أن يثبت أن الشريط الذي أنتج هو الحجم المتوقع عند مقارنته بسلمّ دنا معروف.
التفاعل السّلسلي للبوليميراز المتعدد multiplex pCR: يسمح بتضخيم قطع مختلفة متعددة من الدنا في الوقت نفسه وفي الأنبوب ذاته. وتتضمن هذه التقنية سير عملية PCR العادي أو RT-PCR؛ ولكن تضاف أزواج متعددة من المعزازات إلى التفاعل. ويصمَّم كل زوج من المعزازات ليتعرف إلى حمض نووي لفيروس مختلف، ويكون حجم كل مضخم نووي مختلفاً من فيروس لآخر. وهذا يسمح بتضخيم متزامن لجزيئات الدنا لعدة فيروسات في الوقت نفسه، وقياس حجم الجزء المستخدم يبين نوع الفيروسات الموجودة في العينة الأساسية.
واخترع PCR من قبل Kary Muliss عام ١٩٨٣، وأُسست هذه التقنية البيولوجية الجزيئية، ثم عُدلت لإنتاج طرائق كثيرة ذات فائدة عظمى. والتعديل الذي يستعمل في كل مكان يعرف باسم تفاعل سلسلي للبوليميراز في الوقت الحقيقي real-time PCR، ويدعى بهذا الاسم؛ لأن المستخدم يستطيع مراقبة تضخم المضخم النووي في الزمن الحقيقي باستخدام جهاز تدوير حراري خاص. ولمراقبة التفاعل في أثناء تقدم سيره فائدة عظمى تكمن في إمكان ملاحظة نسبة التضخم.
ومن مزايا إمكان رؤية التضخم في real-time PCR معرفة كمية منتج الـ PCR الذي يمكن استخدامه لحساب راجع لكمية القالب النوكليوتيدي الأولي الذي كان موجوداً بما أن كمية الدنا تتضاعف في كل دورة. ولهذا السبب يعرَّف تفاعل سلسلي للبوليميراز- في الوقت الحقيقي أيضاً بالتفاعل السلسلي للبوليميراز الكمي quantitative PCR. وبهذا يكون الاختصار النموذجي لهذا التفاعل هو (qPCR). ويمكن إنجاز التفاعل السلسلي للبوليميراز- الانتساخ العكسي كمياً (في الوقت الحقيقي)، وهذه التقنية تعرف باختصار qRT-PCR.
وثمة طريقة أخرى تتضمن استعمال مسابير المرسال التألقي Fluorescent reporter probes مثل مسابير تاك- مان Taq-Man probes. ويميز المسبار (تماماً كما يفعل المعزاز) تسلسل الدنا الهدف، ولكنه يتوضع في وسط التسلسل المضخم (أي بين المعزازات). ويرتبط بالمسبار صباغ المرسال التألقي في جهة، ومخمّد quencher في الجهة الأخرى. ومادام كلّ من صباغ المرسال والمخمد متصلين بالمسبار يقوم المخمد بامتصاص التألق الصادر من قبل صباغ المرسال المستثار من خلال عملية نقل طاقة الرنين التألقي (Florescence resonance energy transfer FRET). أما أصبغة الدنا مزدوج الطاق المتألقة؛ فتثار وتكشف بجهاز التدوير الحراري. وأيّما كانت الطريقة المستعملة؛ فإن الزيادة في التألق تشير إلى زيادة منتج التضخيم.ويجري إحداث (خلق) خطيطة تصخيم الدنا DNA amplification plot بما أن قياسات التألق تؤخذ ضمن زمن حقيقي، فإن هذا يسمح بحساب كمية منتج الدنا في كل دورة حيث يجري التضخيم في الطور الأسّي؛ ومن ثم يمكن استخدامه استخداماً راجعاً لحساب كمية قالب الدنا الأولي. وقد تطورت طرائق التفاعل السلسلي للبوليميراز الكمي المتعدد Multiplex qPCR أيضاً بحيث تسمح بالكشف المتزامن عن عدة مسابير تألق في أنبوب واحد، كل منها يضخم شدفة دنا فيروسي.
وتقوم كل من تقنيتي PCR وqPCR بتضخيم تتاليات محددة للدنا الفيروسي. ومن جهة أخرى تعتمد تقنية مصفوفات الدنا الدقيقة DNA microarrays على تهجين hybridization شدف الحمض النووي الفيروسي مع قطعة الدنا المصنعة. يشير مصطلح «التهجين» إلى الارتباط المكَمّل لقطعتي حمض نووي بعضهما ببعض، فعلى سبيل المثال تتهجن المعزازات مع الدنا الهدف في أثناء حدوث PCR. وفي تقنيات مصفوفات الدنا الدقيقة هناك رقاقة Chip من السليكون أو شريحة زجاجية. وقليلات النوكليوتيد هي كالمعزازات يمكن تصنعيها في المختبر باستخدام تقنية متخصصة باستخدام المعدات التي تربط النكليوتيدات الفردية معاً بسلسلة من الحمض النووي. وعند كشف وجود الحمض النووي الفيروسي فإنّ تسلسلات مسابير قليلات النوكليوتيد المصنعة المبقعة SPOT على الرقاقة هي مكمّلات للتسلسلات المعروفة ضمن مجين الفيروس المراد تشخيصه.
ويمكن استعمال تقنية المصفوفات الدقيقة للتشخيص الفيروسي؛ ولكن بتبديل قليلات النوكليوتيد على الرقاقة، وتستطيع هذه التقنية تشخيص السلالات الفيروسية المفوّعة خصوصاً أو المعندة على أدوية معينة عموماً. وبما أن التسلسلات الجينومية معروفة أنها توافق هذه المواصفات؛ فيمكن صنع قليلات نوكليوتيد توافق مع الصفة الوراثية.
وأحد التطبيقات المتوفرة لمصفوفات الدنا الرقيقة هي «Viro chip» المطوّرة من قبل مخابر Derisi وGanem في جامعة كاليفورنيا، وسان فرانسيسكو. تستخدم «Viro chip» قليلات نوكليوتيد طويلة ذات٧٠ نكليوتيداً 70-mers مثل المسابير المتممة للتسلسلات الفيروسية المعروفة. وتحتوي هذه الرقاقة أكثر من ٦٠٠٠٠ مسبار تكشف أكثر من ١٠٠٠ فيروس. وأدخل الباحثون قليلات نوكليوتيد من أجل التسلسلات المحافظة والجديدة الموجودة في الفيروسات ذات الصلة. وبهذه الطريقة تستطيع «Viro chip» تشخيص فيروسات متشابهة بالاعتماد على مناطق مصونة ضمن الجينوم. وتستطيع أيضاً تشخيص نميطات أو سلالات فردية بالاعتماد على تتاليات نكليوتيدية جديدة غير معالجة بالفيروسات المدروسة. ويمكن أيضاً استعمالها لتمييز فيروسات جديدة (غير مألوفة)، كما حدث عام ٢٠٠٣ حين ساعدت CDC على تحديد الفيروس المستجد الذي كان يسبب الموْت في جنوب شرقي آسيا. واقترحت تقنية المصفوفات الرقيقة أن الفيروس المجهول كان فيروساً تاجياً غير معروف سابقاً، وهو الذي عرف لاحقاً بفيروس متلازمة عسر التنفس الحادة المرتبط بالفيروس التاجي (SARS-COV).
وتسمح طرائق السّلْسلة عالية الإنتاجية high-throughput sequencing بتحديد تتالي النوكليوتيدات لأي كيان بيولوجي (على الأرجح)؛ ومنها الفيروسات. وفي بدايات التشخيص الفيروسي كانت التأثيرات المرضية الخلوية تستخدم لتصنيف الاختلافات بين النميطات أو الأنماط الجينية للفيروسات. واستبدلت بذلك الاختبارات المصلية واستعمال الأضداد لتشخيص النميط الفيروسي، وحالياً تزود سَسلْسَلة المجينات الفيروسية بالتمييز القطعي على مستوى الحمض النووي.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
وثمة حالياً أكثر من ٤٦٠٠ جينوم فيروسي جرت سَلْسَلتها سلسلة كاملة، وهناك قاعدة بيانات عامة للجينومات فيروسات: HIV، الإنفلونزا، الضنك، HCV بين فيروسات كثيرة أخرى. وتسمح تقنية السّلسلة Sequencing أيضاً بتتبع الاختلافات الجينية بين النميطات والسلالات الفيروسية، وهذا يدعم العلماء في تشخيص فيروسات جديدة بمقارنة التسلسلات الجينومية بتتاليات الفيروسات المعروفة. والمعلوماتية الحيوية Bioinformatics هي قطاع دراسة يستعمل الحواسيب لتحليل البيانات البيولوجية ومنها التسلسلات البروتينية والجينومية ومقارنتها.
وتستعمل المعلوماتية الحيوية لمقارنة تسلسلات جينوم الفيروس ومراقبة نشوء الفيروسات عبر الزمن وتتبع الطفرات الفيروسية.
- المجلد : المجلد الثامن عشر مشاركة :