سراية الفيروسات وانتقالها ووبائياتها
سرايه فيروسات وانتقالها ووبايياتها
-
سراية الفيروسات وانتقالها ووبائي
سراية الفيروسات وانتقالها ووبائيّاتها
فدوى كرم
بوابات دخول الفيروس | الوبائيات |
الانتشار داخل المضيف | الدراسات الوبائية |
بوابات خروج الفيروس | ملخص |
مراحل العدوى الفيروسية وأشكالها |
مقدمة:
يُشرح في هذا الفصل كيفية دخول الفيروسات إلى مضيف، وانتشارها في جميع أنحاء الجسم، والخروج من مضيف لإصابة أفراد آخرين. وتُبيّن الإمراضيّة الفيروسيّة كيف تسبِّب الفيروسات المرض في المضيف. حتى يستطيع الفيروس بدء إحداث الخمج بنجاح لا بدّ له من التغلّب على عدة عوامل: أولاً- يجب أن تدخل أعداد كافية من الفيريونات إلى المضيف. نظريّاً، يكفي فيريون واحد لبدء الخمج، ولكن ثمّة عوامل أخرى كثيرة تجعل من غير الممكن أن يكون فيريون واحد ناجحاً في إحداث الخمج؛ ثانياً- يجب أن تكون خلايا المضيف مُتاحةً للفيروس accessible، ويجب أن تكون تلك الخلايا مستعدة للعدوىsusceptible ؛ أي أن تعبِّر الخلايا عن المستقبلات التي يمكن للفيروس الارتباط بها. وتُسمّى أُلفة الأنسجة للإصابة بالفيروس باسم التَّوجُّه tropism. وكذلك يجب أن تكون الخلايا سَموحة permissive للعدوى؛ بمعنى أنها تحتوي على البروتينات والجزيئات الضرورية لتنسّخ الفيروس في داخلها.
وثمة حواجز ميكانيكية وكيميائية وحيويّة للعدوى في كل موقع داخل الجسم، وكذلك ينشط الجهاز المناعي للمضيف بسرعة للتخلّص من الفيروس. وانتقيت الفيروسات الموجودة اليوم تطوريّاً بسبب صفاتها التي تسمح لها بالتحايل على عوامل المضيف وبدء الخمج، وعلى الرغم من ذلك فإنّ أنجح الفيروسات في إحداث الخمج ليست هي أشدّها فوعةً: فالفيروس الممرِض بشدّة سيقتل مُضيفَه؛ ومن ثمّ يقضي على مستودعِه، ويقطع سلسلة العدوى والانتقال إلى مضيف آخر عُرضة له.
من أجل أن تتثبّت الإصابة بالخمج الفيروسي يجب أن يلامس الفيروس الخلايا المضيفة المستعدّة للعدوى والسَّموحة لها. وثمّة مجموعة من بوابات الدخول المختلفة التي تستخدمها فيروسات مختلفة (الشَّكل١). تتآثر معظم الفيروسات مع الخلايا الظهاريّة للمضيف، حيث تعمل الظهارة بوصفها حاجزاً رئيسيّاً بين البيئة الداخلية للجسم والعالم الخارجي. وسُميّت الظّهارة المخاطيّة Mucosal epithelium بهذا الاسم؛ لأن الخلايا الظّهاريّة مغطاة بطبقة واقية من المخاط تبطِّن جميع السطوح الداخلية للجسم، ومنها الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي والجهاز التناسلي. ومع ذلك يمكن للفيروسات أن تتجاوز الظّهارة عندما تُدخَل إلى مواضع داخليّة من خلال اختراق الجلد، كما يحدث في لدغة حشرة أو عضّة حيوان، أو من خلال زرع عضو مُصاب بالفيروس. وتستطيع عدة من الفيروسات أيضاً عبور المشيمة إلى الجنين أو الانتقال إلى الطفل في أثناء الولادة أو بعدها. (الجدول١).
الشّكل (١) بوابات الدخول الشائعة للفيروسات عند الإنسان. تشمل هذه البوابات المختلفة الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي والجهاز التناسلي، وكذلك الجلد أو النسيج الخلوي تحت الجلد، والانتقال من الأم إلى الجنين وفي أثناء الولادة، وكذلك عمليات زرع الأعضاء وإصابة العين. |
|
١- الجهاز التنفسي:
يُعدّ الجهاز التنفسي أكثر البوابات شيوعاً لدخول الفيروسات إلى جسم الإنسان. تشكِّل السطوح المخاطية للقناة التنفسية مساحةً كبيرةً جداً تستطيع الفيروسات التآثر معها. ويستنشق الإنسان في أثناء الرّاحة نحو غالونين من الهواء في كل دقيقة، وفي داخل كل نَفَس قطرات إرذاذ وجزيئات يمكن أن تحتوي على فيروسات، مثل الرذاذ الذي يطرحه شخص مصاب من خلال السعال أو العطاس.
وللجهاز التنفسي قسمان: الجهاز التنفسي العلوي الذي يتكون من الأنف والتجاويف الأنفية والجيوب الأنفية والبلعوم والحنجرة؛ والجهاز التنفسي السفلي الذي يتكون من الرّغامى والقصبات الهوائية والرئتين (الشكل٢). وتتفرّع القصبتان الهوائيّتان داخل الرئتين إلى قصيبات قطرها أصغر من القصبات، تُفضي إلى ما يُقدَّر بنحو ٣٠٠ مليون حويصل هوائي، يحدث فيها تبادل الغازات. وتستقر الفيروسات الموجودة في القطيرات كبيرة الحجم في الجهاز التنفسي العلوي، في حين تستطيع الجزيئات الصغيرة أو السوائل الانتقال إلى الجهاز التنفسي السفلي. وتحتوي ظهارة الجهاز التنفسي العلوي على وفرة من الخلايا الكأسية التي تنتج مخاطاً يقوم باحتجاز الجسيمات الدقيقة المستنشَقة. وتكون غالبية الخلايا الظهارية في الجهاز التنفسي العلوي مغطّاة بأهداب (تحتوي كل خلية على نحو ٣٠٠ هدب)، وهي بنى شَعريّة صغيرة تتحرك معاً لدفع المخاط إلى الحلق، حيث يُبتلع. وتصبح الخلايا الكأسية التي تفرز المخاط أقل وفرة في الجهاز التنفسي السفلي، وثمة الخلايا المهدَّبة في بداية الجهاز التنفسي السفلي؛ ولكنها تغيب في الأسناخ الرئوية. ويؤدي انسياب المخاط في الجهاز التنفسي العلوي والسفلي إلى احتجاز كثير من الجزيئات الفيروسية والأضداد (خاصةً الصنف IgA)؛ مما يمنعها من التآثر مع الخلايا الظهارية التنفسية. وثمة وفرة من البلاعم السنخية داخل الأسناخ الرئوية، وهي خلايا متخصِّصة بعملية البلعمة التي تُعدُّ شكلاً من أشكال الالتقام الخلوي الذي يحدث بوساطة مستقبلات تستخدمها البلاعم لالتقام الخلايا أو العوامل الممرضة، ثمَّ تُهضم بوساطة الجسيمات الحالّة في داخل البلاعم.
الشّكل (٢) السبيل التنفسي. للسبيل التنفسي قسمان: سبيل تنفسي علوي يتكوّن من الأنف والتجاويف الأنفية والجيوب والبلعوم والحنجرة، وسبيل تنفسي سفلي يتكون من الرّغامى والقصبات والرئتين. تتبطَّن الرغامى والقصبات بخلايا غوبليت المُنتِجة للمخاط الذي يحتجز المِكروبات والجزيئات المستنشَقة، وبخلايا ظهارية مهدَّبة تدفع المخاط للأعلى مانعةً وصوله إلى الرئتين. تتفرّع القصبتان إلى قصيبات ذات أقطار أصغر تُفضي إلى نحو ٣٠٠ مليون سنخ رئوي يجري فيها التبادل الغازي. |
وتحمِل الخلايا الظهارية المهدَّبة في الجهاز التنفسي مستقبلات لفيروسات الجهاز التنفسي مثل فيروسات الإنفلونزا أو الفيروسات الأنفية (الجدول١). مع ذلك كي يبدأ الخمج لا بد أن يتجنَّب الفيروس الاحتجاز داخل المخاط المبطِّن للظهارة التنفسية، ويتجنّب التخلُّص منه بوساطة الأضداد والبلاعم؛ مما يدل على أهمية وجود عدد كافٍ من الفيروسات لإحداث العدوى.
٢- الجهاز الهضمي:
إنَّ الجهاز الهضمي للإنسان هو أنبوب مجوَّف يمتد من الفم إلى فتحة الشرج (الشكل٣-أ). يدخل الطعام إلى الفم حيث يُمضغ، ويبدأ هضمه بوساطة الإنزيمات الموجودة في اللعاب والمفرَزة من الغدد اللعابية. وينقل البلعوم الطعام عبر منعكس البلع إلى المريء الذي يحتوي عدة غدد مفرِزة للمخاط. ويؤدي تقلص عضلات المريء إلى نقل الطعام إلى المعدة التي تحتوي وهدات متعددة من الخلايا، تنتج جميعها مخاطاً لحماية الخلايا من عصارات المعدة الحمضية التي تفرزها المعدة. وينتقل الطعام من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة، حيث يتم هضمه وامتصاصه. وتزيد الزغابات المعوية من مساحة سطح الظهارة. علاوة على ذلك؛ فإن للخلايا الظهارية التي تشكل الزغابات المعوية استطالات تشبه الشَّعر، وتُسمّى الزغابات الدقيقة microvilli تشكِّل نهايتها القميّة (من جهة اللمعة) ما يشبه أسنان المشط. لكل خلية من الزغابة ما يقدر بـ ٣٠٠٠ زغابة دقيقة، وهذا ما يزيد من مساحة سطح الامتصاص، ولكن بعض الفيروسات تستفيد أيضاً من هذه المساحة الواسعة في تعريض الأمعاء للعدوى (الجدول ١).
وتحتوي الأمعاء الدقيقة- بوصفها ظهارة مخاطية أيضاً- على كثير من الخلايا الكأسية والغدد التي تفرِز المخاط الذي يبطِّن الظّهارة. وتتوضّع كتلُ تشبه العقد اللِّمفاوية تُسمّى لطخات باير Peyer’s patches تحت ظهارة الأمعاء الدقيقة، وتحتوي على ملايين الخلايا اللِّمفاوية المُفرِزة للأضداد (من صنف IgA)، والبلاعم، وخلايا أخرى من الجهاز المناعي (الشكل٣-ب). وتنتشر الخلايا M (microfold) ضمن الطبقة الظهارية، وهي خلايا ظهاريّة متخصِّصة بمسح مستمر واستقصاء لمحتويات لمعة الأمعاء الدقيقة، وتقوم هذه الخلايا بنقل الجزيئات من اللُّمعة إلى خلايا الجهاز المناعي الموجودة في الأنسجة اللِّمفاوية تحت المخاطيّة (الشكل٣-ج). وتستغِل فيروسات شلل الأطفال والفيروسات الرّئويّة وHIV الخلايا M، فتدخل من خلالها إلى أنسجة أبعد من الظّهارة المعويّة.
الشّكل (٣) السبيل الهضمي. أ- يمتد أنبوب الهضم البشري من الفم إلى فتحة الشرج. ب- لطخات باير تحت الطبقة الظهارية في الأمعاء الدقيقة. ج- الخلايا M في لطخات باير. |
ويجب أن تكون الفيروسات الداخلة عبر الجهاز الهضمي قادرة على النجاة في هذه البيئة المُعادية لها، فيُعد تدفق الطعام والماء واللعاب حاجزاً ميكانيكياً للعدوى، ويعد المخاط الذي تنتجه المعدة والأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة حاجزاً فيزيائيّاً للعدوى. وتبلعم البلاعم الفيريونات، كما تقوم الأضداد بتعديلها، فتمنع ارتكازها على مستقبلات الخلايا المُضيفة. وكي تسبِّب الفيروسات العدوى يجب أن تكون مقاوِمة لحموضة المعدة ولخصائص الصفراء المفكِّكة للشحوم. تقوم الصفراء بتفكيك أغلفة معظم الفيروسات المغلَّفة. وكذلك لا تصمد الفيروسات العَطوبة بالحمض أمام انخفاض pH المعدة، في حين تحتوي الفيروسات المقاوِمة للحمض على بروتينات قفيصة لا تتغيّر طبيعتها بسبب انخفاض درجة pH أو بسبب تمسيخ البروتينات في المعدة. مثال: في فصيلة الفيروسات البيكورناويّة Picornaviridae تتخرّب الفيروسات الأنفية في حموضة المعدة، في حين أن الفيروسات المعويّة - ومنها فيروسات شلل الأطفال- تقاوم هذه الحموضة.
ويمكن أن تنتقل الفيروسات عبر الجهاز الهضمي بطرائق مختلفة متعدِّدة. فقد تنتقل العدوى من الأم إلى الطفل عبر حليب الثدي؛ إما بفيروسات حرة في الحليب؛ وإما بفيروسات ضمن الخلايا المخموجة الموجودة في الحليب، ومن الأمثلة على هذه الفيروسات: فيروس العوز المناعي البشري، والفيروس المضخم للخلايا، وفيروس غرب النيل. وتدخل فيروسات أخرى عبر الطريق البرازي الفموي، أي تنتقل الفيروسات الموجودة في براز المصاب بالخمج إلى فم شخص سليم، فيبتلعها. إنّ طريق العدوى هذا شائعٌ في الدول التي لا تستخدم محطات معالجة للمياه، وقد كان هذا الأمر من المعوقات المهمة للقضاء على شلل الأطفال في البلدان النامية. وتحدث العدوى في البلدان المتقدِّمة غالباً عبر لمس الأسطح الملوثة أو تناول طعام أو ماء ملوَّث يمكن أن يؤدي إلى الإصابة. وينتقل فيروس نورووك أيضاً من طريق التلوّث البرازي – الفموي، وهذا الفيروس من الأسباب الرئيسية للأمراض المنقولة بالغذاء عالميّاً. وإنَّ التهاب المعدة والأمعاء الحاد الناجم عن الفيروسات هو سبب رئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم، حيث يسبب ٥, ١ مليون وفاة سنوياً.
٣- الجهاز التناسلي:
يشير الجهاز التناسلي إلى الأعضاء المسؤولة عن التكاثر. ويشمل ذلك: القضيب والخصيتين وكثيراً من الغدد المرافقة والأنابيب المتصلة في الذكور، والمهبل وعنق الرحم والرحم والبوقين والمبيضين في الإناث. وتسبِّب الفيروسات التي تنتقل من طريق الجهاز التناسلي نتيجة النشاط الجنسي أمراضاً تُدعَى الأمراض المنتقلة بالجنس. ويمكن أن تُصاب الخلايا بسبب توجّه فيروس الورم الحليمي البشري HPV إلى ظهارة عنق الرحم أو القضيب، أو يمكن لفيروسات أخرى مثل فيروس التهاب الكبد B أو فيروس العوز المناعي البشري الدخول إلى الجسم من خلال شقوق في الظهارة التناسلية أو من خلال الارتباط بمستقبلات خلوية نوعية (الجدول ١). ويجب على الفيروسات التي تصيب الجهاز التناسلي أن تتغلّب على الحواجز المناعية الموضعية، مثل مخاط المهبل وحموضته.
٤- الجلد:
إنَّ الجلد عضو فريد، حيث يغطي مساحة الجسم المعرَّضة للبيئة الخارجية والبالغة ٥,١ -٢ متر مربع. ويتكون الجلد من طبقتين من الأنسجة: البشرة، وتحتها الأدمة (الشكل٤- أ وب). وثمة نسيج خلوي تحت الجلد يحتوي على الأنسجة الشحميّة والضامة الرخوة.
الشّكل (٤) الجلد. أ وب- يتكون الجلد من البشرة والأدمة. |
وتتكون البشرة من خمس طبقات من الخلايا المنتِجة للكيراتين. وتتكون أعمق الطبقات (الطبقة القاعدية) من خلايا حية تخضع للانقسام، ثمّ تمتلئ بخيوط ثخينة من الكيراتين، وبعدها تواصل تمايزها عبر الطبقات إلى أن تموت مشكِّلة أخيراً الطبقة الخارجية من الجلد (الطبقة المتقرِّنة). وتنسلخ الخلايا باستمرار من الطبقة الخارجية، ويُعاد تعويضها من خلال الطبقات الدنيا.
وتشكِّل البشرة حاجزاً ميكانيكياً طبيعياً يمنع العدوى. ويُعوق تدفق السوائل أو العرق فوق الجلد ارتكاز الفيروس عليه، كما يُعد الزّهم المنتَج من الغدد الزّهميّة بيئة حمضية غير مواتية للفيروسات. وإضافة إلى ذلك؛ فإن الخلايا الموجودة في الطبقات الخارجية من الجلد ليست حيّةً؛ ومن ثم لا يمكن أن تدعم تنسّخ الفيروس. ويُمكن للفيروسات التي تتكاثر في البشرة - مثل فيروس الورم الحليمي البشري- أن تصل من خلال جروح أو سحجات جلدية إلى خلايا طبقات الجلد القاعدية المنقسمة- حيث يمكن أن تتنسّخ في تلك الخلايا مسبِّبة خمجها.
وتفتقر البشرة إلى الدم والأوعية اللِّمفية، ولكن الأدمة والأنسجة تحت الجلد غزيرة التوعية الدموية، وتحتوي على الأوعية اللِّمفية التي تنزح اللمف منها إلى العقد اللِّمفية الناحيّة. ويمكن للفيروسات أن تدخل إلى تلك الأنسجة من خلال اختراق البشرة (الجدول١). ويمكن للدغات الحشرات (البعوض والقراد والعث) أن تُدخِل الفيروسات في الأدمة، كما يمكن أن تصل الفيروسات إلى الأنسجة تحت الجلد من خلال عضَّات الحيوانات أو وخز الإبر أو أدوات الوشم أو الثقب غير المُعقَّمة. يمكن للفيروسات الدخول بسهولة إلى مجرى الدم من الأدمة والأنسجة تحت الجلد، إما مباشرة؛ وإما من خلال اللمف النازح الذي يفرغ في نهاية المطاف في مجرى الدم. تعزِّز البشرة أساساً الأخماج الفيروسية الموضعية؛ ولكن إدخال الفيروس إلى الأدمة والأنسجة تحت الجلد يمكن أن يؤدي إلى انتشاره إلى مواضع أخرى في الجسم.
٥- العيون:
يمكن للعين أن تكون بوابةً لدخول الفيروسات؛ لأنها على تماس مع الوسط الخارجي. (الجدول١). وتتكون الطبقة الخارجية للعين من الصُّلبة والقرنية (الشكل٥-أ). وتصبح الصُّلبة البيضاء القاسية قرنيةً شفافة عديمة اللون في المنطقة الأمامية والوسطى للعين حيث تغطي الحدقة والعدسة والقزحية. أما الملتحمة فهي طبقة ظهارية رقيقة تغطي الصُّلبة والجزء المجاور للعين من الجفن. تَطرف العين كل ٥ ثوانٍ وسطياً، ويحفظ الدمع رطوبة السطح الخارجي للعين، ويغسلها من العوامل الممرضة. ومن النادر إصابة العين ذاتها بعدوى فيروسية من دون حدوث رض (مثال: جرح ثاقب) يوفِّر دخول الفيروس إلى العين. ومع ذلك يمكن أن يحدث خمج القرنية عند التعرض لفيروس الهربس، ويُعدُّ خمج القرنية بفيروس الهربس البسيط (HSV) السبب الخمجي الأكثر شيوعاً للعمى الناجم عن القرنية في الولايات المتحدة. وفي كثير من الأحيان تصيب الفيروسات ملتحمة العين أو الجفن مسبِّبةً التهاب الملتحمة (الشكل٥-ب). ويُعرَف التهاب الملتحمة الفيروسي أيضاً باسم «العين الوردية» “pink eye” ، وتسببه عادةً الفيروسات الغدية.
الشّكل (٥) العين. أ- تتكون العين من عدّة طبقات، الصلبة، وطبقة ظهارية رقيقة هي الملتحمة التي تغطي الصلبة والجزء المجاور من الجفن. ب- صورة لالتهاب الملتحمة المسبَّب عَرَضاً بفيروس الوَقْس (فيروس لقاح الجدري). |
٦- المشيمة:
تحدث الأخماج الخلقية عندما تُعدي الأم الجنين قبل ولادته. وتنجم الأخماج الخلقية من طريق الانتقال العمودي؛ أي انتشار الفيروس من جيل أول إلى الجيل التالي (الشكل ٦). وفي المقابل يكتسب معظم الأخماج الفيروسية بالانتقال الأفقي الذي يحدث مباشرة من مضيف إلى آخر. وتعتمد الفيروسات ذات الانتقال الأفقي على المعدل المرتفع للعدوى للحفاظ على استمرارها، في حين يسبب الانتقال العمودي غالباً استمرار الفيروس داخل الطفل لوقت طويل.
الشكل (٦) الانتقال العمودي للعدوى مقابل الانتقال الأفقي. يشير الانتقال الأفقي إلى انتقال عامل مُعدٍ بين شخصين في مجموعة سكانية، أما الانتقال العمودي فيشير إلى انتقال عدوى خلقية من جيل إلى الجيل التالي. |
ويمكن أن يحدث الخمج الخلقي عندما يعبر الفيروس المشيمة في أثناء الحمل. ولا يختلط دم الأم بدم الجنين، وتكون المشيمة هي السطح الفاصل بين الأم والجنين النامي، وتسمح للأكسجين ونفايات الاستقلاب والعناصر الغذائية بالمرور من الأم إلى الجنين، وكذلك، فإن بعض الفيروسات تستطيع عبور المشيمة (الجدول١). إنَّ أكثر المسبِّبات شيوعاً للأخماج الفيروسية الخلقية هي الفيروس المضخم للخلايا وفيروس الهربس، وتُصيب نحو ٥,٢٪ من المواليد الأحياء. ويمكن لفيروسات أخرى متنوعة أن تنتقل عبر المشيمة، أمثلة: فيروس الجدري، وفيروس الحصبة الألمانية، وفيروس الحصبة، وفيروس زيكا، والفيروس الصغير B19. ويمكن أن تكون تأثيرات هذه الأخماج شديدة، مثل الإجهاض، وانخفاض الوزن عند الولادة، والتخلّف العقلي وفقدان السمع ووفاة الرضيع.
٧- الطُّعوم:
يمكن للأعضاء والأنسجة المزروعة أن تنقل الفيروسات أيضاً، بيد أن معدل انتقال العدوى الناجم عن عمليات الزرع منخفض مقارنة ببوابات الدخول الأخرى (الجدول١). والدم هو أكثر الأنسجة المزروعة شيوعاً، وقبل ظهور اختبارات المسح الحسّاسة على الدم المنقول كان احتمال انتقال العدوى بنقل الدم infections transfusion-transmitted (TTIs) أو مشتقاته منخفضاً؛ ولكنه ممكن. ويمكن لكثير من الفيروسات أن تنتقل عن طريق الدم، ومنها فيروس التهاب الكبد A، وفيروس التهاب الكبد B، وفيروس التهاب الكبد C، وفيروس العوز المناعي البشري، وفيروس غرب النيل، وفيروس الدّنج. ويفحص الدم المنقول حالياً للكشف عن كثير من هذه الفيروسات، وتعدُّ المخاطر الحالية لتلقي الدم الملوَّث منخفضة جداً (الجدول٢). ومع ذلك كانت فيروسات التهاب الكبد B وC تلوِّث الدم المنقول قبل تطوير الاختبارات. في بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما اكتُشف مرض الإيدز قلّلت صناعة نقل الدم من خطر دخول فيروس العوز المناعي البشري عبر الدم المنقول، ولكن اتخاذ الإجراءات كان بطيئاً. وفي ذلك الوقت سُجِّلت إصابات بفيروس العوز المناعي البشري عند أكثر من نصف ١٦٠٠٠ مصاب بالناعور أو بمرض نزفي جيني في الولايات المتحدة، نجمت عن نقل منتجات البلازما الملوَّثة، وبعدها طورت اختبارات مسح سريعة للكشف عن HIV في الدم ومشتقاته قبل أن تجري عملية النقل. كذلك، عندما سُجلت إصابات بفيروس غرب النيل تالية لنقل الدم في عام ٢٠٠٢، طُور اختبار سريع للكشف عنه، وبدأت صناعة الدم بإجراء اختبارات منتظمة للكشف عن الفيروس في الدم المتبرَّع به.
|
وعلى الرغم من ندرة انتقال الفيروس من طريق زرع الأعضاء؛ فإنه وُثِّق عدد من الحالات. وعادةً يُعطى متلقي العضو أدوية فعالة لتثبيط جهاز المناعة لمنع حدوث رفض الطّعم؛ مما يجعل المتلقي منقوص المناعة immunocompromised. وعند انتقال الفيروسات من خلال زرع الأعضاء يمكن أن تعاود هذه الفيروسات الظهور فتصيب المُضيف منقوص المناعة بأخماجها. مثال: تعدُّ فيروسات الهربس- التي تبقى كامنة في الأنسجة أو الخلايا بعد إصابة مضيف سليم- من مسببات الأخماج الفيروسية الشائعة في زرع الأعضاء. وكذلك ثمّة فيروسات أخرى يمكن أن تنتقل بزرع الطّعوم مثل فيروس الكلب، وفيروس غرب النيل، وفيروس العوز المناعي البشري، وفيروسات التهاب الكبد، وفيروسات التهاب السحايا والمشيميات اللمفاوي وكثير من فيروسات الجهاز التنفسي؛ مما يستوجب فحص أنسجة المتبرِّع لتقليل انتقال بعض هذه الفيروسات.
تبيّن مما سبق أنّه يمكن للفيروسات الدخول إلى المضيف من خلال مجموعة متنوعة من الطرق. وتسمّى الأخماج الناجمة عن تنسّخ الفيروسات في الخلايا التي في موضع دخولها إلى الجسم أخماجاً موضعيّة. من أمثلة ذلك: الرّشح الناجم عن تنسّخ الفيروسات الأنفيّة موضعيّاً في الخلايا الظّهارية للسبيل التنفسي العلوي. وبالمثل، فإنَّ ذراري فيروس الورم الحليمي التي تصيب الجلد تتكاثر موضعياً في البشرة مسبِّبةً الثآليل. ومن جهة أخرى تُسمّى الأخماج التي تصيب عضواً واحداً، ثم تنتشر إلى مواضع أخرى في الجسم أخماجاً جهازيّة. تصيب هذه الفيروسات الخلايا في العضو الذي دخل عبره الفيروس، ومن هناك إما أن يتنسّخ الفيروس موضعيّاً، ثمّ ينتشر؛ وإما يَستخدم الخلايا المخموجة به للانتقال إلى مواضع أخرى في الجسم.
تنتشر الفيروسات في الأخماج الجهازيّة إلى أعضاء أخرى في الجسم بإحدى طريقتين: الانتشار الدموي والانتشار العصبي. في الانتشار الدموي: تستخدم الفيروسات الدوران الدموي للانتشار إلى الأعضاء المستهدَفة. ويمكن أن يحدث هذا من خلال حقن الفيروسات مباشرةً في الدم عبر لسع الحشرات أو عضّات الحيوانات، أو يمكن أن تدخل الفيروسات إلى السائل الخلالي الذي يغمر جميع خلايا الأنسجة. يتجمّع هذا السائل الخلالي- أو اللمف- في الأوعية اللمفية التي تُفضي إلى العقد اللمفية. وتقوم خلايا الجهاز المناعي بفلترة اللمف في العقد اللمفية، لكن يمكن أن تبقى تراكيز الفيريونات عالية في الدم؛ ممّا يشير إلى إمكان إفلاتها من الخلايا المناعية في اللمف وعودتها إلى الدوران الدموي. ويُستخدَم مصطلح تفيرس الدم Viremia للتعبير عن وجود الفيروس في مجرى الدم. ويمكن للفيروسات أن تستخدم الدوران الدموي للوصول إلى أهدافها الخلوية في أعضاء أخرى غير بوابة دخولها. ويشير مصطلح تفيرس الدم البدئي إلى وجود الفيروس في الدم للمرة الأولى. ويمكن أن تصل فيريونات إضافية إلى مجرى الدم بعد أن تتنسّخ في العضو الهدف، وهذا ما يسمّى تفيرس الدم الثانوي.
في الانتشار العصبي: تنتشر الفيروسات في الجسم باستخدام الخلايا العصبية. ونادراً ما تصيب الفيروسات الخلايا العصبية مباشرة بسبب صعوبة الوصول إليها مباشرة. وفي أغلب الأحيان تتنسّخ الفيروسات موضعيّاً في خلايا بوابة الدخول، ثم تصيب الخلايا العصبية الموجودة في مكان قريب. وتنتشر عدة من فيروسات الهربس بهذه الطريقة، حيث تُصيب الخلايا الظهارية، وتتنسّخ في داخلها حتى يتوفّر عدد كافٍ من الفيريونات فيها، ثمّ تقوم بإصابة الأعصاب المرتبطة بتلك الظّهارة. ويجب أن تدخل فيروسات الهربس إلى نواة الخليّة المصابة كي تتنسّخ؛ وذلك لأنَّ حمضها النووي دنا مزدوج الطاق. لكن نواة الخلية العصبية بعيدة نسبيّاً عن المحوار النهائي الانتهائي الذي يرتكز عليه الفيروس، ويدخل منه ومع ذلك تملك فيروسات الهربس آليات متطوِّرة للتّغلب على هذه العَقَبة، حيث ترتبط بروتينات فيروسية ببروتين في الخلية المضيفة يُسمى dynein، ثمّ يمشي هذا البروتين في الخلية مع الحويصلات المحتوية على ما دخل إلى الخلية على طول أنابيب دقيقة إلى النواة، وهناك ترسو القفيصة في مسام نووي، وينتقل حمضها النووي الفيروسي إلى داخل النواة؛ ليقوم بالتنسّخ أو بالخَفاء. وتصيب الفيروسات أولاً الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المحيطي الذي يمكن استخدامه للوصول إلى الجهاز العصبي المركزي. ويمكن لبعض الفيروسات أن تسبب نتائج مدمِّرة إذا وصلت إلى الجهاز العصبي المركزي. على سبيل المثال: تحدث الوفاة في غضون أيام من وصول فيروس داء الكَلَب إلى الدماغ.
من أجل أن يحافظ الفيروس على وجوده في الطبيعة يجب أن ينتشر من مُضيف مُصاب إلى مُضيف مُستعد. ويشير ذرف (shedding) الفيروس أو نثره أو طرحه إلى إطلاق الفيروسات الُمعدية من المُضيف عبر بوابات خروج. وفي أثناء الخمج الموضعي ينتشر الفيروس في الموضع الأوّلي للخمج. وتنتشر الفيروسات التي تصيب الجلد من طريق التلامس الجلدي، وتتحرر الفيروسات التنفسية ضمن إفرازات الجهاز التنفسي، وتنتقل عبر السعال أو العطاس إلى مضيف مستعد جديد. يتم طرح الفيروسات الهضمية في سوائل القيء أو الإسهال، والتي يُحتمَل أن تلوِّث الطعام أو الماء الذي يمكن أن يسبِّب الخمج لشخص آخر لاحقاً. ويمكن للفيروسات التي تتنسّخ في الرئتين، أو تجويف الأنف، أو الغدد اللعابية أن تنتقل إلى اللعاب. يمكن لفيروسات مثل فيروس العوز المناعي البشري وفيروسات الهربس أن تتكاثر في مواضع دخولها في الأعضاء التناسلية، ومنها تنتشر، وتطرح في السائل المنوي أو في إفرازات المهبل.
ومن الشائع حدوث تفيرس الدم في سياق العدوى بفيروسات كثيرة، ومنها فيروس العوز المناعي البشري وفيروسات التهاب الكبد، ومن ثم يمكن أن تنتقل هذه الفيروسات من طريق الدم. وتحدث البيلة الفيروسية Viruria (أي وجود الفيروس في البول) في سياق أخماج فيروسية جهازية متعددة، ومنها الحصبة والنكاف. وتتنسّخ فيروسات أخرى داخل خلايا الجهاز البولي التناسلي وتُطرَح منها، مثل فيروس JC التوارمي (JCPyV) وفيروس BK التوارمي. وتنتقل بعض الفيروسات التي تسبب المرض الشديد إلى الإنسان من خلال استنشاق رذاذ يحوي فيريونات موجودة في بول القوارض أو فضلاتها.
وعلى الرّغم من أن الفيروسات لا يمكنها التنسّخ تنسخاً مستقلاُ خارج المضيف؛ فإنها يمكن أن تبقى مُعدية خارج الجسم. ومع ذلك يعتمد ثَبات الفيروسات في البيئة على عوامل كثيرة متعلِّقة بالبيئة أو بالفيريون نفسه (الجدول٣). وتؤدّي الخصائص الكيميائية الحيويّة للفيريون ومحتوياته – ومنها نوع الحمض النووي وحساسية البروتينات الفيروسية لتبدلات درجة الحموضة، ووجود الغلاف الشّحمي أو غيابه - دوراً في حساسية الفيريون للتعطيل من قبل عوامل بيئية كثيرة، منها درجة الحرارة ودرجة الرطوبة ودرجة الحموضة وضوء الشمس ووجود المواد العضويّة.
|
ويمكن أن تنتقل الفيروسات من البراز الملوَّث أو البول الملوَّث بالطريق البرازي - الفموي، أو تطرح في البراز والبول، ثمّ تستنشق على شكل ضبوب أو رذاذ. وإنَّ درجة pH المعتدلة للفضلات البشرية يمكن أن تحمي الفيروسات، وكذلك تعدِّل المواد العضوية في البراز التركيب الكيميائي للبيئة المحيطة ودرجة حرارتها. ويكون لدرجة الحرارة دورٌ كبيرٌ في استمرار وجود الفيروسات في البراز أو مياه الصرف الصحي، حيث تعطل الفيروسات في غضون دقائق أو ساعات في درجات الحرارة العالية (أعلى من ٥٠ درجة مئوية)، ولكن بعض الفيروسات -ولاسيما غير المغلَّفة- يمكن أن تبقى مُعدية لعدة أيام أو أشهر في درجات حرارة البيئة.
ويمكن أن تنتقل الفيروسات المحمولة في الهواء ضمن قطيرات سائلة أو جسيمات ضبوب (رذاذ) تنطلق عند السعال أو العطاس أو الكلام أو التنفس. وتبقى جسيمات الرذاذ التي قطرها ٥ مِكرونات أو أقل محمولة في الهواء لفترات من الوقت أطول من الجسيمات التي قطرها أكبر، ويسهم تبخر السائل من جسيمات الرذاذ في تصغيرها لدرجة تجعلها تستمر في الهواء لفترة أطول من الزمن، وتحتمي بعض الفيروسات من التعطيل أفضل داخل القطيرات. وينجح الرذاذ عموماً في الوصول إلى الجهاز التنفسي السفلي بسبب صغر حجم الجسيمات. كما تسهم الرطوبة ودرجة الحرارة إسهاماً مهماً في استمرار وجود الفيروسات المحمولة بالهواء في البيئة، وقد ثبت ذلك في عدة أمراض تنفسية مسبَّبة بفيروسات مغلفة مثل فيروس الإنفلونزا A، وفيروس الحصبة، وفيروسات كورونا المسببة للمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (SARS-CoV) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) وكوفيد ١٩، حيث تكون درجات الحرارة والرطوبة المنخفضة أكثر ملاءمةً للمحافظة عليها. وتُعطَّل الفيروسات تعطيلاً أسرع عند درجات الحرارة والرطوبة العليا، وتميل القطيرات إلى السقوط من الهواء بسهولة أكبر مع ارتفاع نسبة الرطوبة. ومن جهة أخرى تبقى الفيروسات غير المغلَّفة - مثل الفيروسات الأنفيّة والفيروسات الغديّة - مُعديةً لفترة أطول في البيئات عالية الرطوبة. وكذلك تقوم المواد العضوية، مثل البروتينات والكربوهيدرات الموجودة في المخاط أو البراز، بإبطاء تعطيل الفيروسات داخل القطيرات أو الرذاذ. وثمّة فيروسات أخرى حساسةً للضوء؛ ولاسيما للأشعة فوق البنفسجية.
أمثلة عن أمراض خطرة منتقلة من طريق بول القوارض وفضلاتها:
تتكاثر فيروسات متعددة محتمل أن تكون خطرة في القوارض بالدرجة الأولى، وتسبِّب مشكلة فقط عندما ينتقل الفيروس انتقالاً عارضاً إلى البشر. أحد هذه الأمراض هو المتلازمة الرئوية الناجمة عن فيروس هانتا Hantavirus . ويحدث هذا المرض بوساطة فيروس هانتا المعروف باسم فيروس Sin Nombre. ويسبب هذا الفيروس حمّى ≥ ٣٨.٣ درجة مئوية، وقشعريرة، وآلاماً في العضلات، وصداعاً ومشكلات تنفسية شديدة. ويُسجَّل في الولايات المتحدة وسطياً ٢٩ حالة سنوياً، وذلك منذ بدء تسجيل الحالات في عام ١٩٩٣، وتحدث وفيات في ٣٦٪ من هذه الإصابات. وتنتقل فيروسات هانتا من طريق فئران الغزلان وفئران القطن وفئران الأرز والفئران بيضاء القدمين. تَطرح القوارض المصابة الفيروس في بولها وفضلاتها ولعابها. وعندما تحرك أبوال القوارض الطازجة وفضلاتها تصل الجسيمات التي تحتوي على الفيروس إلى الهواء، وينتقل الفيروس إلى الإنسان باستنشاق هذه الجسيمات. ويمكن أيضاً أن ينتقل الفيروس عندما يلامس شخصٌ بول القوارض أو فضلاتها ملامسة عابرة، ثم يلامس الأغشية المخاطية لأنفه أو فمه. وغالباً ما تحدث حالات المتلازمة الرئوية الناجمة عن فيروس هانتا في المناطق الريفية حيث توفِّر الغابات والحقول والمزارع موطناً مناسباً لهذه القوارض. ولم تُسجَّل حالات انتقال لفيروسات هانتا من إنسان إلى آخر حتى الآن.
وكذلك ترتبط فصيلة الفيروسات الرمليّة Arenaviridae بالأمراض التي تنتقل للإنسان من طريق القوارض. وأول فيروس رملي اكتشف هو فيروس التهاب السحايا والمشيميات اللِّمفاوي في عام ١٩٣٣. ومنذ ذلك الوقت، عُزلت سبعة فيروسات رمليّة أخرى. وكما هو الحال في فيروس هانتا فإن القوارض البريّة هي مستودعات الفيروسات الرّمليّة. ولا تسبب هذه الفيروسات أمراضاً في القوارض؛ ولكنها يمكن أن تنتقل إلى الإنسان من طريق التعرّض لبول القوارض المصابة أو فضلاتها؛ إما من طريق استنشاق الجزيئات المحتوية على الفيروس؛ وإما بتناول الطعام الملوث به. وتنتقل بعض الفيروسات الرمليّة مثل فيروس لاساLassa virus وفيروس ماتشوبو Machupo virus وفيروسات لوجو Lujo viruses من شخص لآخر.
رابعاً- مراحل العدوى الفيروسية وأشكالها:
يمر المضيف عادةً بأربع مراحل من تطور الخمج الفيروسي (الشكل٧). فترة الحضانة؛ وهي الفترة الفاصلة بين بدء خمج المضيف بالفيروس وظهور الأعراض. ويبيّن الجدول (٤) فترات الحضانة لمجموعة من الفيروسات. والفترة البادرية: تحدث بعد الحضانة، وهي الفترة التي تظهر فيها الأعراض لأول مرة، وتكون الأعراض خفيفة وغير نوعيّة، مثل الشعور بالتوعك وآلام العضلات أو الحمى منخفضة الدرجة، ولا تشير سريرياً إلى نوع الفيروس المسبِّب، ومع ذلك؛ فإن الفيروس يتكاثر بسرعة داخل المضيف خلال هذه الفترة. وفترة المرض: تحدث عند ظهور أعراض نوعية للمرض، وفي هذه المرحلة يتكاثر الفيروس إلى مستويات عالية، وينشط الجهاز المناعي، لكن الاستجابة المناعيّة تستغرق وقتاً. ويُقضى على الخلايا المخموجة بالفيروس في المضيف المؤهَّل مناعياً، وينخفض الحِمل الفيروسي داخل المضيف. وعند هذه النقطة تهدأ أعراض المرض ويبدأ المضيف بالشعور بالتحسّن وبالدّخول في فترة النقاهة التي تستمر لأيام أو شهور؛ بحسب شدة الإصابة.
الشّكل (٧) مراحل تطور الخمج الفيروسي. |
تتفاوت مدة كل مرحلة من مراحل الخمج الفيروسي بحسب فوعة الفيروس، وموضع الإصابة، وقوة الجهاز المناعي للمضيف. وكذلك تتفاوت فترة السِّراية- وهي الفترة التي يكون الشخص فيها مُعدياً وناشراً للمرض إلى مضيفين جُدد من خلال طرح الفيروسات- اعتماداً على الفيروس؛ فيمكن أن تشمل جزءاً من فترة الحضانة وصولاً إلى فترة النقاهة (الجدول٤). على سبيل المثال: تكون الإنفلونزا مُعدية من يوم واحد قبل ظهور الأعراض حتى نحو أسبوع بعد المرض. وكذلك ينتقل فيروس إيبولا في حليب الثدي والسائل المنوي لمدة أسابيع إلى أشهر خلال فترة النقاهة.
|
وعموماً يتبع تنسّخ الفيروس واستمراره داخل المضيف أحد شكلين مختلفين من المرض: الخمج الحاد والخمج المستمرّ. يتكاثر الفيروس في الخمج الحاد بسرعة في المضيف، وينتشر إلى أشخاص آخرين، ثمَّ يزيل الجهاز المناعي الفيروس في غضون نحو ٧-١٠ أيام. وغالباً ما يكون سبب الأوبئة فيروسات تسبب أخماجاً حادة. ويمكن أن تكون بعض الأخماج الحادة غير ظاهرة أو تحت سريرية؛ بمعنى أنه لا تظهر أعراض المرض على المصاب؛ على الرغم من أن الفيروس ما يزال يتنسّخ، وينشِّط جهاز المناعة. ويستمر انتشار الفيروس من مرضى الأخماج الحادّة غير الظاهرة إلى مضيفين آخرين. ويختلف هذا عن الخمج غير الناجح الذي لا يستطيع فيه الفيروس التنسّخ بنجاح داخل المضيف، ولا يسبب المرض، كما يختلف عن الخمج المُجهَض الذي يدخل فيه الفيروس إلى الخلايا الهدف؛ لكنّه لا يستطيع إتمام التنسّخ فيها، عادةً بسبب غياب بروتين خلوي ضروري لتنسخ الفيروس.
ومن جهةً أخرى تحدث الأخماج المستمرة عندما لا يستطيع جهاز المناعة للمضيف التخلّص من الفيروس، ولكن الفيروس لا يتكاثر إلى مستويات قاتلة للمضيف. ويستمر غالباً الخمج المستمر طوال حياة المصاب، ويحدث لعدة أسباب: ١- يمكن للبروتينات الفيروسية أن تعدِّل الاستجابة المناعية، ٢- بعض الفيروسات- مثل فيروس العوز المناعي البشري- تصيب الخلايا المناعية، وتنافس وظيفتها، فلا تعمل جيداً. ٣- يمكن أن يحدث الخمج المستمر بسبب إنتاج جسيمات معيبة متداخلة defective interfering particles، وهي فيريونات تتكوّن في أثناء تنسّخ الفيروس؛ ولكنها تحتوي على جينومات غير كاملة أو محذوفة. وعلى الرغم من وجود عيوب في هذه الجسيمات؛ فإنه يستمر تحريرها من الخلية، وتعمل كإسفنجة لعزل الأضداد. كما أنّها تعوق استماتة الخلية المخموجة بآلية غير معروفة؛ مما يمكن أن يؤدي إلى استمرار الحالة. ويعدُّ إنتاج الجسيمات المعيبة أكثر شيوعاً في الفيروسات الرنويّة. ٤- لدى بعض أعضاء الجسم- مثال: الدماغ- آليات عالية التحكم للحماية ضد التلف الخلوي الناجم عن الالتهاب، ويمكن أن يؤدي خمج هذه الأنسجة إلى أخماج مستمرة بسبب حماية هذه الخلايا من الاستماتة.
يمكن أن ينجم الخمج المستمر أيضاً عن الخَفاء الفيروسي viral latency، وهو الحالة التي يصبح فيها الفيروس هاجعاً داخل الخلايا المُضيفة. وإنَّ السِّمة المميِّزة لجميع فيروسات الهربس هي حدوث الخَفاء. على سبيل المثال: يسبِّب الفيروس النُّطاقي الحماقي جدري الماء في خمجه الأولي، ولا يُنظَّف الفيروس من الجسم من قِبل جهاز المناعة، بل يصبح خافياً في الخلايا العصبية الحسية للمصاب. وعلى الرغم من استمرار وجود الجينوم الفيروسي في الخلايا العصبية؛ فإنّه لا تُنتج فيريونات جديدة، بل يُعبّر عن جينات منفصلة لبرنامج خَفاء الفيروس في الخلية. ويبقى الفيروس إلى حد كبير غير مكتَشَف من قبل الجهاز المناعي في أثناء الخَفاء. وفي وقت لاحق من الحياة يمكن أن يحدث إعادة تنشيط للفيروس من حالة الخَفاء، فينتقل عندها الفيروس إلى دورة مُعدية منتجة للفيروس من جديد. وتسبب إعادة تنشيط الفيروس النُّطاقي الحماقي حدوث طفح جلدي مؤلم يُعرف باسم الهربس النُّطاقي (داء المنطقة).
في الأخماج الفيروسيّة البطيئة يحدث اختلاف غير عادي في الخمج المستمر؛ حيث يمكن أن تستغرق هذه الفيروسات سنوات للوصول إلى مرحلة الأعراض (هذا إذا حدث أساساً). ويبدأ فيروس العوز المناعي البشري خمجاً بطيئاً: يستغرق نحو ٨-١٠ سنوات للمصاب للتقدم إلى مرحلة المرض وظهور الأعراض في حال عدم استخدام مضادات الفيروسات القهقرية. وفي هذه الحالة تظهر الأعراض نتيجة الأخماج الانتهازية بسبب العوز المناعي. وكذلك يسبب JCPyV خمجاً بطيئاً (وربما خافياً) في خلايا الكلى، وهو فيروس شائع يصيب نحو نصف عامة السكان. ويمكن أن ينشط هذا الفيروس عند المثبَّطين مناعياً مسبِّباً اعتلالاً متعدد البؤر مترقياً في المادة البيضاء للدماغ، وهو مرض يؤذي المادة البيضاء في الدماغ مسبِّباً معدل وفيات مرتفعاً.
علم الأوبئة هو المجال الذي يدرس انتشار الأمراض المُعدية وغير المُعدية؛ بهدف تحديد كيفية حدوث هذه الأمراض وإمكان السيطرة عليها، ومنها تلك التي تسببها الفيروسات. وعلماء الأوبئة هم الذين يستقصون الصحة العامة في العالم: ففي أثناء تفشي المرض يقررون كيف ينتقل المرض من شخص إلى آخر، ويضعون تدابير تقطع استمرار انتقال العامل الممرض، وتضبط المرض.
ويمكن تصنيف الأخماج على أساس تكرار حدوثها بين السكان. يحدث المرض الفرادي sporadic حدوثاً غير متكرر ومن دون نمط ثابت، مثل تسجيل حالة خمج بفيروس هانتا في مكان ما في أمريكا. ويشير المرض المتوطِّن Endemic إلى وجود معتاد للمرض في مجموعة سكانية في منطقة معيّنة في أي وقت. مثال: خلال شهر أيلول/ سبتمبر يُصاب ٥,٣ من كل ١٠٠٠ شخص في الولايات المتحدة بخمج الفيروسات الأنفية. ويحدث الوباءepidemic عندما يكون عدد حالات المرض في منطقة معينة أكثر مما هو متوقع خلال فترات توطّنه. وتسمّى هذه الحالة أيضاً فاشية outbreak حين تحدث في مجموعة سكانيّة محدَّدة. وعندما ينتشر الوباء في كثير من البلدان أو في العالم يشار إليه بمصطلح جائحة pandemic. مثال: جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام ١٩١٨، والتي تشير التقديرات إلى أنها قتلت ٥٠ مليون شخص حول العالم في غضون شهور.
١- مُسبِّب المرض:
على افتراض أن الأمراض لا تحدث عشوائياً تماماً؛ تفيد النماذج في فهم كيفية حدوث الأمراض الفيروسية وانتشارها. ويتكون نموذج الثالوث الوبائي من ثلاثة عوامل: عامل خارجي، ومضيف حسّاس، وبيئة تجمع المضيف والعامل معاً، وهذا ما أمكن تمثيله في مثلث أو ميزان (الشكل٨).
الشكل (٨) نموذج ثالوث الوبائيات. يستخدم نموذج ثالوث الوبائيات لتمثيل كيفية حدوث الأمراض المُعدية وانتشارها. لكي تحدث العدوى، يجب أن تجمع البيئة عاملاً مُعدياً ومضيفاً حسّاساً معاً. وكذلك يمكن عده التوازن بين العامل الممرض وعوامل المضيف ضمن البيئة. |
وفي هذا النموذج يشير العامل إلى العامل المُمرِض وخصائصه التي يمكن أن تؤثر في قدرته على الانتشار في مجموعة السكان. على سبيل المثال: كيف ينتقل العامل الممرض؟ ما مدى ثباته في البيئة؟ هل تحسِّن البيئة من عوامل الفوعة؟ هل هو حسّاس للأدوية الحالية المضادّة للفيروسات؟ من ناحية أخرى يشير المُضيف إلى الإنسان الذي يمكن أن يكون على تماس مع العامل الممرض. إنَّ وجود العامل الممرض مطلوب من أجل حدوث المرض؛ ولكن لا تعني ملامسته حتميّة حدوث المرض في المُضيف. وغالباً ما تكون هناك عوامل جوهرية في المُضيف تؤثِّر في إمكان حدوث المرض، مثل العمر والجنس والحالة المناعية للشخص؛ وهل يعاني الشخص سوء التغذية أو لا؟ وهل تؤثِّر سلوكيات الشخص في زيادة تعريضه للعامل الممرض؟ وتُشير البيئة إلى العوامل الخارجية التي تؤثر في إمكان وضع المضيف بتماس مع العامل الممرض. وتشمل البيئة كلاً من العوامل الاجتماعية والاقتصادية (الصرف الصحي المناسب، والازدحام، وتوافر الخدمات الصحية)، والعوامل البيولوجية (وجود النواقل التي تنقل العامل الممرِض، أو الحيوانات الأخرى التي تنشر الفيروس)، والعوامل الفيزيائية (المناخ والبيئة المادية). ولكي يحدث المرض تقوم البيئة بجمع العامل الممرض مع المضيف الحسَّاس.
٢- سلسلة العدوى:
يمكن شرح التفاصيل النوعية في نموذج الثالوث الوبائي من خلال فحص العوامل الموجودة في سلسلة العدوى: يحدث انتقال العامل المُمرِض إلى المُضيف عندما يغادر العامل مستودعه من خلال بوابة خروج، ثمّ ينقل من طريق انتقال، ويدخل في مُضيف حسّاس من خلال بوابة دخول (الشكل٩). وغالباً ما يكون الإنسان هو مستودعاً للفيروسات البشرية؛ لأن الفيروسات لا يمكن أن تتكاثر خارج المُضيف. تتنسَّخ بعض الفيروسات حصرياً في البشر، أمثلة: الجدري أو شلل الأطفال، في حين أن فيروسات أخرى قادرة على إصابة البشر وحيوانات أخرى، مثال: فيروسات الإنفلونزا A، التي يمكن أن تصيب البشر والطيور المائية والخنازير والحيوانات الأخرى. المرض الحيواني المنشأzoonosis هو مرض معدٍ يمكن أن ينتقل من حيوان إلى إنسان. وإنَّ فيروس العوز المناعي البشري، وفيروس إيبولا، وفيروسات كورونا المسبِّبة للسارس SARS-CoV وMERS-CoV وكوفيد ١٩هي أمثلة على الفيروسات التي يعتقد أنها انتقلت في البداية من مضيفات حيوانية إلى البشر.
الشكل (٩) سلسلة العدوى. يترك العامل المُمرض مستودعه عبر بوابة خروج، وينقل بوساطة طريقة انتقال، فيدخل مُضيفاً حسّاساً من خلال بوابة دخول. يحدد علماء الأوبئة كل مرحلة، ويفحصونها من أجل وضع تدابير لضبط العدوى تمنع المزيد من انتقال الفيروس. |
الحامل carrier هو مستودع لا تظهر عليه أعراض الإصابة؛ لكن يمكنه نقل العامل الممرض. ويمكن أن يكون الحامل مُضيفاً سليماً ليس لديه أعراض، أو يكون شخصاً أصيب بالعدوى؛ لكنه ما يزال في فترة الحضانة قبل ظهور الأعراض. وبالمثل، فإنه يمكن للشخص في فترة النقاهة أن يكون قادراً أيضاً على نقل المرض؛ على الرغم من هدوء أعراض المرض لديه. في سلسلة العدوى غالباً ما تترك الفيروسات مُضيفها المستودع عَبر إفرازات الجهاز التنفسي أو البول أو البراز أو الدم. وينتقل الفيروس من خلال طريقة انتقال يمكن أن تكون مباشرة أو غير مباشرة. ويشير الانتقال المباشر إلى انتقال الفيروس بوساطة اتصال مباشر أو من خلال انتشار الرذاذ. وتُعدُّ ملامسة الجلد للجلد أو الاتصال الجنسي أو التقبيل طرق انتقال مباشر، وكذلك انتقال الفيروسات في قطيرات الجهاز التنفسي عبر السّعال أو العطاس من شخص ودخولها على الفور إلى الجهاز التنفسي لشخص آخر. ومن ناحية أخرى يتطلَّب الانتقال غير المباشر وجود وسيط بين المُضيفَين. وبالمقارنة بالقطيرات التي تنتشر مباشرة من شخص إلى آخر؛ فإنَّ انتقال الفيروسات المحمولة بالهواء من طريق الغبار أو جسيمات الضبوب التي تظل معلقة في الهواء لفترات طويلة من الوقت تعدُّ طرقاً غير مباشرة للانتقال. وتشير السِّواغات Vehicles إلى مركبات مادية غير حية، مثل الطعام أو الماء أو الدم أو مُفرغات أخرى غير حية، يمكن أن تنقل الفيروسات نقلاً غير مباشر. أما النواقل Vectors فهي وسطاء أحياء يمكنها أيضاً نقل الفيروسات، ومن أمثلتها البعوض والبراغيث والقراد. وبما أن هذه النواقل هي مفصليات أرجل فقد استُخدِم مصطلح arboviruses (arthropod-borne viruses) للدلالة على الفيروسات المنتقلة بمفصليات الأرجل، وهو ليس مصطلحاً تصنيفياً. ينتقل الفيروس لاحقاً، ويدخل المضيف من خلال بوابة دخول مثل الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي أو الجلد. سيعتمد استعداد المُضيف على عمره وجنسه وحالته التغذوية والمناعية.
ويسمح تحديد العوامل المتَضمَّنة في كل خطوة من سلسلة العدوى لعلماء الأوبئة باستنباط تدابير للسيطرة على العدوى، وتتداخل التدابير وانتقال الفيروس من المستودع إلى مُضيف مستعِد. ويمكن وضع هذه التدابير في أي نقطة من السلسلة؛ ولكن غالباً توجّه إلى ضبط الفيروس أو القضاء عليه في مصدره، ومنع انتقاله، وحماية بوابات الدخول، وتعزيز دفاعات المضيف. ويمكن إيقاف انتشار الفيروس على الفور بمنعه من مغادرة الشخص المصاب. وتتوفر الأدوية المضادة للفيروسات ضد فيروس العوز المناعي البشري، وفيروس الهربس البسيط، وبعض ذراري الإنفلونزا، ويقلِّل استخدام الأدوية المضادة للفيروسات الحِمل الفيروسي عند المريض؛ ومن ثم يقلل انتقال الفيروس، حتى لو لم يشفَ من المرض. ويجب أن يحرص الأشخاص الذين هم على اتصال مباشر مع المرضى- مثل العاملين في المستشفى- على غسل اليدين وتدابير التعقيم. وفيما يخص بعض الأخماج الحيوانية المنشأ يمكن إزالة الحيوانات المصابة أو نقلها. وفي حالات أخرى يمكن عزل المرضى المصابين عن غيرهم للسيطرة على الانتقال المباشر للفيروس. وخلال تفشي فيروس كوفيد ١٩ عام ٢٠٢٠، كان عزل المصابين إجراءً متَّبعاً لمنع المزيد من انتقال الفيروس.
وتهدف إجراءات ضبط العدوى الأخرى إلى منع الانتقال غير المباشر للفيروس. من الأمثلة: يمكن تعديل أنظمة التهوية لمنع انتقال المكروبات عبر الهواء، كما يمكن معالجة مياه الصرف الصحي لقتل الفيروسات، ويمكن توفير مياه نظيفة للشرب، ورش المبيدات الحشرية لتقليل أعداد النواقل. ويمكن إعادة ترتيب البيئة لمنع انتقال الفيروسات المنتقلة بالطريق البرازي الفموي. وإذا تعذّر تعديل المستودعات والبيئة بسهولة يمكن حماية بوابات الدخول لمنع عدوى المضيف باتّباع احتياطات وقائيّة واستخدام معدات الحماية الشخصية المناسبة، مثل القفازات أو النظارات. وكذلك يمكن إنشاء حواجز مادية أخرى، فالناموسيات يمكن أن تحمي من الإصابة بالبعوض، وارتداء السراويل الطويلة واستعمال منفرات الحشرات يمكن أن يمنع التعرّض للبعوض والبراغيث والقراد.
ويتطلب نموذج الثالوث الوبائي التآثر بين العامل الممرِض والمُضيف في بيئة تجعل الاثنين على تماس، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن العدوى ستحدث، حيث يتطلّب حدوثها أن يكون المضيف مستعدّاً، كما يمكن لتعزيز الدفاعات المناعية للمضيف وتحسين التغذية أن تقطع سلسلة العدوى، ولكن غالبية الفيروسات التي تسبب المرض طوَّرت آليات لإصابة أشخاص تعمل أجهزتهم المناعية عملاً مثالياً. إنَّ التلقيح هو أكثر الوسائل فعالية للوقاية. ويمكن للتلقيح أن يحمي الفرد، ولكن يمكنه أيضاً حماية السكان من خلال مناعة القطيع، فإذا لُقحت نسبة كبيرة من السكان؛ فسيقلّ عدد المُضيفين المستعدين، وستنتهي سلسلة العدوى (الشكل١٠). وقد قُضي على الجدري المسبَّب بفيروس الجدري عند البشر عن طريق تلقيح جميع مخالطي الشخص المصاب، وفي النهاية لم يعُد هناك مضيف جديد مستعِد للعدوى، فتلاشى. إنَّ مناعة القطيع فعالة في منع الأوبئة؛ ولكن الفيروس يبقى قادراً على التسبب في تفشي المرض في مجموعة سكانية معينة اختارت عدم تلقيح أفرادها. هذا الأمر يعرِّض أشخاصاً داخل القطيع الممنَّع للعدوى؛ لأنهم لم يتمكنوا من تلقي اللقاح لأسباب طبية، مثل الحساسية أو كبت المناعة.
الشكل (١٠) مناعة القطيع. أ- إذا طعمت نسبة عالية من السكان ضد أحد العوامل الممرِضة؛ فسيتوقّف حالاً انتقال هذا العامل الممرض بسبب عدم وجود مضيف مستعدّ له. إنَّ مناعة القطيع قادرة على حماية الأشخاص غير القادرين على أخذ اللقاح لأنّهم صغار جداً أو منقوصو المناعة (باللون الأزرق). ب- إذا لم يكن لدى السكان معدلات تلقيح عالية؛ فإن العامل الممرض يستمر في الانتشار بسهولة بين السكان. |
يَلزم لعلماء الأوبئة فحص منظَّم ودقيق لجميع الحقائق المحيطة بالفاشيات؛ ليقوموا باستقصاء صحيح للمتغيرات داخل سلسلة العدوى. ويحدِّد علماء الأوبئة أيضاً المَراضة (معدل المرض) والوفيات (معدل الوفيات) المرتبطة بمرضٍ ما. ويشير وقوع incidence المرض إلى عدد الحالات الجديدة ضمن مجموعة سكانية خلال فترة زمنية محددة، ويدل الانتشار prevalence على العدد الإجمالي للمصابين في ذلك الوقت. وتعتمد الدراسات الوبائية على تعريف الحالة لتحديد ما إذا كان الشخص مصاباً بمرض معين أم لا. وإنَّ تعريف الحالة هو مجموعة من المعايير السريرية والمخبرية المعتمِدة على الأعراض السريريّة للمريض وعلى نتائج اختبارات الدم النوعية للفيروس. ويمكن أن تُضاف معايير أخرى في تعريف الحالة لفاشية محدَّدة، مثل التوقيت والمكان. ويسمح استخدام تعريف الحالة القياسي بوضع التشخيص المناسب، ويضمن أيضاً إمكان المقارنة بين المستشفيات والمواقع المختلفة محليّاً وعلى الصعيد الدولي. يُمكن تَصنيف تعريف الحالة المشتَبهة على أنها متوَقَّعة، أو مُحتَمَلة، أو مُؤكَّدة. في الحالة المُحتَمَلة، ثمة أعراض سريريّة خاصّة، لكن لا موجودات مخبريّة نوعيّة للفيروس. أما في الحالة المؤكَّدة فثمة أعراض سريريّة خاصّة مع واحد من الموجودات المخبريّة النوعيّة للفيروس مثل الكشف عنه أو الكشف عن استجابة مناعيّة حديثة له.
ويمكن أن تتغير تعاريف الحالة بمرور الوقت، وغالباً ما تتغير عند توفّر المزيد من المعلومات حول المرض. ويمكن أن تحتوي تعاريف الحالة أيضاً على مصطلحات «فضفاض loose» أو «صارم strict» عندما يتعلّق الأمر باحتواء الفيروسات ذات الآثار الخطرة المحتملة على الصحة العامة؛ هذا النوع من تعريف الحالة ليس محدَّداً جداً في محاولة لتضمين جميع الحالات المُمكنة من المرض الفيروسي حتى لو وقعت إصابات فيروسية أخرى في تعريف الحالة هنا. ومع ذلك، عند محاولة تحديد سبب اندلاع فاشية ما يَستخدم علماء الأوبئة تعريفاً صارماً للحالة يؤكد فقط المصابين بعامل ممرض معين. مثال: إذا أراد عالم الأوبئة دراسة سبب تفشي فيروس نورووك، الذي ينتقل بالطريق البرازي الفموي، ويسبِّب الإسهال لا يعتمدون على وجود الإسهال وحدَه معياراً للمرض لأنَّ الإسهال هو عرض من أعراض أمراض مُعدية وغير مُعدية أخرى أيضاً. ويمكن لتعريف حالة فضفاض أن يبالِغ في العدد الإجمالي للحالات، وبالمقابل يمكن لتعريف الصارم أن يقلِّل من العدد الإجمالي لها؛ ولكن هذه التعاريف ضروريّة لاحتواء تفشي فيروسات خطرة أو لتحديد المصدر الحقيقي للعدوى.
ويجب أن تُبلغ إدارات الصحة العامة الوطنية والعالمية عندما تُشخص إصابات ببعض الأمراض المُعدية وغير المُعدية. ويُستخدَم نظام المراقبة هذا لرصد اتجاهات المرض، وتحديد الأشخاص ذوي الخطورة العالية، وصياغة تدابير ضبط المرض، وخلق سياسات الصحة العامّة. يبيّن الجدول (٥) قائمة الأمراض الفيروسية الواجب الإبلاغ عنها بتقارير رسميّة. وتسعى الدراسات الوبائية إلى تحديد الــ٥W في القصة الوبائية: ما؟ What (العامل الممرض)، ومَن؟ Who (الشخص المصاب) ، وأين؟ Where (الموقع)، ومتى؟ When (الوقت) ، ولماذا؟/ كيف؟ Why / How (أسباب الانتقال وطرقه)، وتُعرف هذه أيضاً بالمتغيرات الوبائية.
|
وللدراسات الوبائية قسمان: دراسات وصفية descriptive studies ودراسات تحليلية analytic studies. يبدأ كلا النوعين من الدراسات بالعامل الممرِض المحدَّد في تعريف الحالة، وتحديد مَن (المُضيف)، وأين (الموقع)، ومتى (الوقت). إضافة إلى ذلك تحاول الدراسات التحليليّة تحديد العامل المسبِّب وطريق الانتقال.
ولا يشير الوقت فقط إلى الساعة والدقيقة من اليوم، بل يُشير أيضاً إلى الموسم والوقت من العام: إذ تحدث بعض الأمراض متكررة خلال وقت معين من السنة؛ على سبيل المثال: تصل فيروسات الإنفلونزا إلى ذروتها خلال أشهر الشتاء، عندما يدعم الطقس الجاف زيادة انتشار الجسيمات المتطايرة في البيئة ويتجمع الناس في الداخل في كثير من الأحيان. وبالمقابل ترتفع معدلات وقوع الأمراض التي ينقلها البعوض، مثل فيروس غرب النيل أو التهاب الدماغ الخيلي الشرقي في نهاية الصيف عندما يكثر البعوض. وبالمقابل لا تُبدي إصابات فيروسية أخرى مثل التهاب الكبد الفيروسي B، أو فيروس العوز المناعي البشري، أو فيروس الورم الحليمي البشري ارتباطاً بموسم أو بوقت محدَّد من العام. وإنَّ تحديد نموذج سنوي أو نمط موسمي للعدوى الفيروسية مهمٌّ في خلق خط أساس يمكن استخدامه لمقارنة حدوث المرض في المستقبل أو مراقبة فعالية إجراءات ضبط العدوى. وكذلك يمكن لرسم مخططات بيانيّة تمثِّل وقت حدوث العدوى مقابل ظهور الأعراض أن تكون مفيدةً أيضاً في تقييم فترة حضانة الفيروس؛ ومن ثم في تحديد هوية الفيروس.
ويشير المكان إلى الموقع المحلي للعدوى وكذلك الموقع الجغرافي الأكبر. ويرجِّح حدوث فاشية فيروسية هضميّة في مطعم (المكان) تورّط الطعام فيها، كما يشير ظهور مظاهر عصبية عند شخص مقيم في مكان ريفي إلى فيروسات مختلفة عن تلك المكتَسَبة في مدينة كبيرة. على سبيل المثال: ينتشر داء الكلب في المناطق التي تنتشر فيها الحياة البرية أكثر من غيرها بكثير. ويجب أخذ فترة حضانة الخمج الفيروسي بالحسبان عند ربط الحالة المرضية بموقع حدوث المرض وتوقيت ظهور الأعراض. وتؤثر العوامل المتعلقة بالمضيف في سلسلة العدوى، وهي مهمة في الدراسات الوبائية، ويجب مراعاتها. وتختلف كل الأحداث المتعلقة بالصحة تقريباً باختلاف العمر؛ لأنَّه عامل مهمّ في التعرّض وفي الحالة المناعية والاستجابة الفيزيولوجية. على سبيل المثال: كبار السن هم أكثر عرضة لإعادة تنشيط الفيروس النُّطاقي الحماقي؛ مما يسبب الهربس النّطاقي، في حين أن الأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة بـ «أمراض الطفولة» التي يكون البالغون محصّنين تجاهها. ويسبب فيروس الإنفلونزا أعلى معدلات مراضة ووفيات عند الأطفال الصغار والمسنين.
ويمكن أن تسهم عدة من السمات الشخصية الأخرى في العدوى. وكذلك يمكن أن يكون للحالة الاجتماعية والاقتصادية للشخص (الدخل والتعليم والمهنة) دور في التعرض للفيروس وطلب الرعاية الطبية.
وتُعدُّ الدراسات الوصفية فعّالة في أنماط التأريخ وتطوير الفرضيات حول سبب المرض أو الفاشية. وتعنى الدراسات التحليلية بدراسة: سبب حدوث الخمج وكيفية ذلك (لماذا / كيف)؛ إضافة إلى المتغيّرات الوبائية (ماذا، ومتى، وأين، ومَن)، أيضاً. وإنَّ السِّمة المميِّزة للدراسات التحليلية هي وجود مقارنة مع مجموعة شاهد (مجموعة ضابطة) يمكن استخدامها لوضع بيانات أساسية تُقارَن بها الفاشيات والأمراض؛ مما يجعل إمكان تحديد مسبّبات المرض من خلال التحاليل الإحصائية أكثر دقةً. تنقسم الدراسات الوبائية إلى فئتين عامتين: التجريبية experimental والرصدية observational. وإنَّ الدراسات التجريبية هي دراسات مخطَّط لها، ومضبوطة؛ فمثلاً لتقييم فعالية لقاحات جديدة تُجرى تجربة سريرية يُسجَّل فيها المشاركون في الدراسة عشوائياً ضمن واحدة من ثلاث مجموعات (مجموعة اللقاح A ، أو مجموعة اللقاح B، أو مجموعة الغُفل)، ثم تُجمع البيانات في دراسة تجريبية. وتتضمّن الدراسات الرصدية ملاحظة الموضوعات وتسجيل البيانات لاحقاً. إنَّ الدراسات الرصدية أكثر شيوعاً في علم الأوبئة من الدراسات التجريبية. وليس لعالِم الأوبئة أي تأثير في ما يتعرَّض له المشارِك في الدراسات الرصدية، بالمقارنة بالدراسات التجريبية.
تنقسم الدراسات الرصدية إلى ثلاث فئات: الدراسات الحشديّة cohort Studies، ودراسات الحالة المضبوطة بالشواهد case-control studies والدراسات المستعرِضة cross-sectional studies. إنَّ الدراساتُ الحشديّة مماثِلة للدراساتِ التجريبية في أنّه تُقارن مجموعتان في الوقت الحقيقي؛ باستثناء أنّها بوصفها دراسة رصدية فإن علماء الأوبئة لا يحددون المشاركين فيها ولا المجموعات. وبدلاً من ذلك؛ فهم يسمحون للمسار الطبيعي للأشياء بالمضي قُدماً، ومتابعة ما إذا كان للمجموعتين نتائج مختلفة أم لا. مثال على الدراسة الحشديّة: مقارنة نسبة انتقال فيروس الهربس البسيط HSV-١ عند مجموعتين من مدخنيّ الشيشة (النرجيلة)، بحيث مجموعة تَستخدم قطعة فموية بلاستيكية تضاف للأنبوب، ويمكن التخلص منها (استخدام فردي لمرة واحدة)، في حين أن المجموعة الأخرى تستخدم القطعة الفموية المعدنية المرفقة بالأنبوب وغير القابلة للتبديل (استخدام مشترك). ويمكن أن تلاحِظ الدراسة شيوع انتقال HSV-١ عند مجموعة الاستخدام المشترك للقطعة الفموية المعدنية من أنبوب النرجيلة مقارنة بمجموعة الاستخدام الشخصي للقطعة الفموية البلاستيكية ذات الاستخدام الوحيد. لو أن هذه الدراسة دراسة تجريبيّة لقام الباحثون فيها بتحديد المشاركين في كل مجموعة من مجموعتي الدراسة.
وثمة نوع ثانٍ من الدراسة الرصدية، وهو دراسة الحالة المضبوطة بشاهد، وتكون دائماً بأثر رجعي retrospective؛ مما يعني أنها تحلل ما حدث للحالة سابقاً. وتُجرى دراسة الحالة بعد أن يحدث الحدث (على سبيل المثال: فاشية فيروسية). وبما أنَّ الفاشية حدثت يقيناً، تُجمّع مجموعة الشاهد بأثر رجعي من مجموعة من الأشخاص المماثلين للمرضى في مكان مشابه لتفشي المرض لمعرفة ما إذا كان بالحقيقة حدوث الفاشية مختلفاً عن القاعدة. مثال: دراسة الحالات المضبوطة بالشواهد على إصابة أشخاص بفيروس التهاب الكبد C في مركز للوشم. بعد ملاحظة أن جميع المرضى تلقوا أوشامهم بيد مختص وشم واحد؛ يقوم الباحثون بتسجيل مجموعة من الأشخاص الذين أُجري لهم وشم بيد مختص وشم آخر في المركز. وتسمح لهم مجموعة الشاهد هنا باستنتاج أن أحد مختصي الوشم كان يعقم أدوات الوشم تعقيماً غير صحيح بخلاف غيره.
والنوع الأخير من الدراسات الرصدية هو الدراسة المستعرِضة. وفي هذا النوع من الدراسة، تُجمع البيانات من عينة عشوائية من الأفراد في وقت واحد، وتجرى الارتباطات. على سبيل المثال: قد تجد دراسة مقطعية ارتفاع نسبة الأشخاص الذين يعانون تندبات الكبد إثر الإصابة بالتهاب الكبد C. وعلى الرغم من أن الاستنتاج الواضح يبيّن أن تندب الكبد يجب أن يكون بسبب الفيروس؛ فمن الممكن أيضاً أن يكون التندب هو الذي يجعل الكبد أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الكبد C، وهذا هو السبب في أن هؤلاء الأشخاص لديهم معدلات عالية من تندبات الكبد والتهاب الكبد C. ومن الصعب أن تحدِّد هذه الدراسة السبب والنتيجة (السببية – كيف / لماذا)؛ لأن الدراسة تقارن بين الأشخاص في نقطة واحدة فقط في الوقت ذاته، لذلك لا تكون العلاقة السببيّة متساوية Correlation does not equal causation. لهذا السبب فإنَّ الدراسة المستعرِضة ليست فعّالة كدراسة تحليلية، ولكنها تُستخدم روتينياً للدراسات الرصدية؛ لأن كلاً من الدراسة الحشدية ودراسة الحالات المضبوطة بشاهد فيهما مقارنة مجموعات؛ ستُعد دراسات تحليلية. وغالباً ما تغيب مجموعة الشاهد (للمقارنة) في الدراسات المستعرِضة، لذلك تعد في الغالب دراسات وصفية.
• يجب أن يكون المُضيف على تماس مع الفيروس كي ينجح حدوث العدوى.
• يجب أن تحمل الخلايا مستقبلات سطحيّة يستخدمها الفيروس (الاستعداد)، ويجب أن تحتوي أيضاً على جميع المتطلَّبات الخلوية من أجل استمرار تنسّخ الفيروس (السماح).
• إنَّ بوابات الدخول هي المواقع التي تدخل عبرها الفيروسات إلى الجسم، وهي غالباً الظهارة في موضع دخول الفيروس؛ إلا إذا وصلت مباشرة إلى معظم الأنسجة من خلال لدغة البعوض أو الإبر.
• تدخل غالبية الفيروسات إلى جسم الإنسان من طريق الاستنشاق في الجهاز التنفسي. وكذلك يعد الجهاز الهضمي والسبيل التناسلي والجلد والدم والعينان بوابات للدخول.
• تتفكك الفيروسات العَطوبة بالحموضة في حموضة المعدة حيث يكون pH منخفضاً، في حين أن الفيروسات المقاومة للأحماض تصمد.
• يمكن لبعض الفيروسات أن تنتقل من خلال زرع الأعضاء أو من خلال المشيمة للجنين في أثناء تطوره.
• يتكاثر الفيروس موضعياً في موضع دخوله إلى الجسم. وتحدث العدوى الجهازية بانتشار الفيروس إلى مناطق أخرى في جميع أنحاء الجسم؛ من طريق الدم عموماً أو بانتشار موجّه للأعصاب.
• تُنشر الفيروسات عبر بوابات الخروج لتخمج مُضيفين جدداً. أما الخمج الموضعي؛ فيُنشر الفيروس من موضع دخوله نفسه: فالفيروسات التي تصيب الجلد تنتشر من خلال تماس جلد المصاب مع جلد المضيف الجديد، كما تُطرَح فيروسات الجهاز التنفسي في الإفرازات التنفسية، وتنتثر الفيروسات المعدية المعوية في القيء، أو تُطرَح مع البراز في الإسهال.
• يعتمد استقرار الفيروسات في البيئة على عدة من العوامل، مثل نوع الحمض النووي؛ ووجود الغلاف الفيروسي، وحساسية الفيروس للحموضة والرطوبة وأشعة الشمس.
• تنتشر القطيرات التنفسية لمسافات قصيرة فقط قبل أن تسقط على الأرض بسبب كبر حجمها (٢٠ مٍكروناً). بينما يمكن لجسيمات الرذاذ الصغيرة المتطايرة (<٥ مكرونات) الانتشار لمسافات طويلة في الهواء.
• يمر المضيف عند إصابته عموماً من خلال أربع مراحل للمرض: فترة الحضانة وفترة البوادر وفترة المرض وفترة النقاهة.
• تتكاثر الفيروسات في الأخماج الحادة، وتنتشر بسرعة، وتكون غالباً سبباً للأوبئة.
• تنجم الأخماج الفيروسية المستمرّة عن عدم قدرة الجهاز المناعي على التخلّص من الفيروس في الجسم، ويمكن أن تنجم أيضاً عن الخَفاء الفيروسي أو عن الخمج البطيء.
• إنَّ علم الأوبئة هو دراسة كيفية حدوث المرض في جمهرة السكان. وتحدث الأخماج الفرادية حدوثاً غير منتظم، ويشير مصطلح «المتوطن» إلى المعدل الطبيعي للخمج. ويحدث «الوباء» عندما تُسجل حالات أكثر من المعدل الطبيعي في متوطن. أما «الجائحة» فهي وباء ينتشر في كثير من المناطق أو في العالم.
• يمثل نموذج الثالوث الوبائي العوامل التي تجمع العامل الممرض والمُضيف المستعد معاً في بيئة معيّنة. وثمّة مجموعة من العوامل التي تؤثر في كل مكوِّن من مكونات النموذج.
• تمثل سلسلة العدوى كيفية مغادرة العامل الممرض مستودعَه من خلال بوابة خروج، وينقل عبر طريقة انتقال، ويدخل مُضيفاً مستعداً من خلال بوابة دخول. ويحدد علماء الأوبئة العوامل المشاركة في هذه المراحل في محاولة لإرساء تدابير لضبط العدوى.
• للدراسات الوبائية قسمان: دراسات وصفية ودراسات تحليلية. ويستخدم كلا النوعين تعريف الحالة لتأكيد مَن هم الأشخاص المصابون بالمرض. وكلاهما يحلِّل أيضاً الوقت والمكان والأشخاص المشاركين في سلسلة العدوى، ولكن الدراسات التحليلية تستخدم مجموعة مقارنة لتحديد سبب تفشي المرض.
• يخطط للدراسات التجريبية في وقت مبكر، ويوضع المشاركون عشوائياً في مجموعات محدَّدة سلفاً. أما الدراسات الرصدية فلها أقسام: دراسات حشدية ودراسات حالات مضبوطة بالشاهد ودراسات مستعرِضة، ويجري فيها الحصول على البيانات وتتبع الحالات كما هي في أوضاعها العادية.
- المجلد : المجلد الثامن عشر مشاركة :