ملامح الخلايا المضيفة: مراجعة خلوية، بيولوجية جزيئية
ملامح خلايا مضيفه: مراجعه خلويه، بيولوجيه جزيييه
-
ملامح الخلايا المُضيفة
ملامح الخلايا المُضيفة: مراجعة خلوية وبيولوجية جزيئية
يوسف غنيمة
مقدمة:
تعتمد الفيروسات كلّياً على الخلية المُضيفة في عملية تضاعفها؛ وذلك لأنها متطفِّلات داخل خلوية مُجبَرة. وتَستخدِم الفيروسات الطاقة المتولدِّة من الخلية المُضيفة، وتستغلّ آليات المُضيف لتصنيع بروتينات فيروسية. وسيرُكّز في هذا الفصل على العمليات الخلويّة التي تستفيد منها الفيروسات في أثناء الخمج.
أولاً- التعضّي الأساسي للخلية:
ثمّة ثلاثة نطاقات Domains للحياة: الجراثيم، والعتائق، وحقيقيات النوى. تُقسَم الكائنات الحية ضمن هذه النِّطاقات اعتماداً على وجود نواة داخل خلية الكائن الحي أو غيابها. فبدائيّات النوى هي كائنات لا تمتلك الخلية فيها نواةً تحيط بمادتها الوراثية، وتفصلها عن باقي الخلية، أمّا في حقيقيّات النوى؛ فثمّة نواة في الخلية. وجميع الكائنات الحية في نطاقي الجراثيم والعتائق هي من بدائيات النوى، في حين تتضمن حقيقيات النوى -كما يدل اسمها- كائنات خلاياها حقيقيّة النوى. وتستطيع الفيروسات خَمْج الخلايا في النِّطاقات الثلاثة. وتقوم معظم الفيروسات التي نوُقِشت في هذا الفصل بإحداث الخمج عند خلايا الإنسان والحيوانات الأخرى، وهي من حقيقيات النوى.
وتُعدُّ النواة السِّمة المميِّزة للخلية حقيقيّة النواة، وتتوضع عموماً في مركز الخلية. ويتوزّع كثير من البنى - التي تسمى العُضيّات - في العُصارة الخلوية السائلة بين النواة والغشاء الهيولي للخلية (الشكل١). وتقوم كل عُضيّة في الخلية بدور محدَّد في المحافظة على وظيفية الخلية.
الشكل (١): خليّة حقيقيّة النواة نموذجيّة. تحتوي الخلية حقيقيّة النواة نواةً مركزيّة وعدّة من العضيّات المهمّة المتوضِّعة في عُصارة الخلية؛ والتي يستفيد منها الفيروس عند خَمْجِه للخلية. |
وتتركَّب معظم العُضيّات من الغشاء الشحمي نفسه الذي يكوِّن الغشاء الهيولي للخلية. وتكون سماكة هذا الغشاء بمقدار جزيئين فقط، ويُصنَع من الشحوم الفوسفورية. إنّ الشحوم الفوسفورية هي صنف من الشحوم؛ أمّا الدهون، والزيوت، والشموع فهي شحوم أخرى. وتسمَّى الشحوم الفوسفوريّة بهذا الاسم، لأن الجزيء منها له جزآن: رأس قُطبي يحتوي زمرة فوسفات، وجزء غير قُطبي مركّب من ذيلين شحميين من الحموض الدسمة. ويُعدّ الماء جزيئاً قُطبياً، ويرتبط بسهولة بالجزيئات القُطبية الأخرى. ويكون الرأس الشحمي الفوسفوري للشحوم الفوسفورية بوصفه قُطبياً مُحبّاً للماء hydrophilic، في حين لا ترتبط الذيول غير القُطبية بالماء، وتكون كارهةً للماء hydrophobic. وبسبب هذه الطبيعة الثنائية القُطبيّة amphipathic للشحوم الفوسفورية فإنّها عندما تُوضَع في محلول مائي (كما في بيئة الخلية) ستَتجمَّع مجموعة من الشحوم الفوسفورية عفوياً في طبقة مزدوجة من هذه الجزيئات؛ وذلك بحيث تكون الرؤوس القُطبية المُحِبَّة للماء لهذه الجزيئات مقابِلةً للمحلول المائي والذيول غير القُطبيّة الكارِهة للماء مرتبطة بعضها ببعض. ويشِّكل هذا التوضّع حاجزاً فعّالاً يمنع الجزيئات الكبيرة من التسرُّب من الخلية أو الدخول إليها. وتستخدم معظم العُضيّات داخل الخلية طبقة مضاعَفة من الشحوم الفوسفورية لعزل محتوياتها عن العُصارة الخلوية؛ وذلك بالطّريقة ذاتها التي يعمل بها الغشاء الهيولي حاجزاً لحماية محتويات الخلية.
وإنَّ الشبكة الهيوليّة الباطنة الخشنة (rER) هي أول عُضيّة تُصادَف خارج النواة. وتتركَّب من أكياس متّصِلة من الغشاء، وتكون مرصَّعة بالريبوسومات؛ مما يعطيها مظهرها «الخشن» المميَّز. وتَصنعُ الريبوسوماتُ البروتيناتِ بعد ارتباطها بالرنا المِرسال mRNA الآتي من النواة. ويمكن أن تُلفَى الريبوسومات مرتبطةً بالشبكة الهيوليّة الباطنة الخشنة أو «حرةً» (غير مرتبطة) داخل العُصارة الخلوية. وتقوم الريبوسومات المرتبطة بالشبكة الهيوليّة الباطنة الخشنة بصناعة البروتينات التي ستُنقَل بعد ذلك إلى لُمعة هذه الشبكة؛ أو إلى تجويفٍ بداخلها. هنا، يجري طيّ هذه البروتينات وتعديلها؛ إمّا بالكربوهيدرات فتسمّى البروتينات السكرية؛ وإمّا بالشحوم فتسمّى البروتينات الشحمية. وتتبرعم البروتينات في نهاية الشبكة الهيوليّة الباطنة الخشنة في جيبٍ من غشائها يُعرَف بالحويصل، حيث يُنقَل إلى معقَّد غولجي (الشكل١). (معقد غولجي Golgi Complex يُعرفَ أيضاً بجهاز غولجي أو جُسيم غولجي، اكتُشِفُ عام ١٨٩٨ بوساطة الطبيب الإيطالي كاميليو غولجي، وسُمّي تيمناً به).
ويتكوّن معقد غولجي من أكياس غشائيّة مسطَّحة. يلتحم الحويصل الغشائي الوارد من الشبكة الهيوليّة الباطنة الخشنة مع معقّد غولجي لإيصال المحتويات البروتينية إلى داخلِه. ويقوم معقَّد غولجي بوظيفة التغليف و الشحن، حيث تُكمِّل الإنزيمات الموجودة داخله التعديلات البروتينية التي بدأت في الشبكة الهيوليّة الباطنة الخشنة، ثمّ تُعبَّأ البروتينات في حويصلات تنتقل إلى مواقع متعددة داخل الخلية وخارجها. وتُنقَل بعض البروتينات إلى الغشاء الهيولي، وتتحرَّر من الخلية، في حين تبقى بروتينات أخرى مغروسة دائماً في الغشاء الهيولي.
وتُعبَّأ بعض الإنزيمات في معقد غولجي ضمن حويصلات محدَّدة تُسمىَّ الجسيمات الحالَّة lysosomes. وتستطيع إنزيمات الجسيمات الحالّة هضم الجزيئات الحيوية المعقَّدة التي تدخل إلى هذه الجسيمات.ويمكن أن تأتي هذه الجزيئات من خارج الخلية في جسيمات داخلية، أو من حويصلات تحتوي عُضيات مختلّة الوظيفة. وتعمل الإنزيمات التي يفوق عددها ٣٠ الموجودة في الجسيم الحالّ بأفضل ما يمكن عندما تكون درجة الحموضة pH نحو ٥، أي أكثر حموضةً من الـ pH المعتدل للخلية (قرابة ٢,٧)، مما يقلِّل من خطورة دخول إنزيمات الجسيم الحالّ إلى العُصارة الخلوية.
وتُسهّل العُضيّات المذكورة آنفاً تكوين البروتينات وتعديلها وتعبئتها ونقلها. ولا تمتلك الفيروسات عُضيّات خاصة بها؛ لذا وبعد دخولها إلى الخلية ستستفيد من هذه العُضيّات لتصنيع البروتينات الفيروسية الضرورية لتكوين المزيد من الفيريونات الخامِجة.
وثمّة مكوِّنات أخرى مهمّة في الخلية لا تتدخل مباشرةً في تصنيع البروتين، ولكنّ الفيروسات تقوم باستخدامها في أثناء تنسّخها. وتحدث معظم عملية التنفس الخلوي - التي تولِّد الطّاقة الخلوية على هيئة ATP داخل متقدِّرات الخلية. ولا تمتلك الفيروسات متقدّرات خاصة بها؛ لذا ستستخدم الـ ATP الذي تولّده الخلية. وتمتلك الخلايا أيضاً هيكلاً خلوياً يتألّف من مكوِّنات بروتينية مختلفة الأحجام: نُبيبات دقيقة، وخيوط متوسِّطة، وخيوط دقيقة؛ مرتبةً من ذات القطر الأكبر إلى الأصغر. وتؤمّن مكوِّنات الهيكل الخلوي هذه بُنية الخلية وعُضياّتها. وتتدخل أيضاً هذه المكوِّنات في حركة الحويصلات داخل الخلية؛ وحركة الخلايا نفسها. وتَستخدم بعض الفيروسات منظومة الهيكل الخلوي من أجل انتقالها إلى أجزاء مختلفة من الخلية.
ثانياً- الغشاء الهيولي والإيماس Exocytosis والالتقام Endocytosis:
إنَّ الغشاء الهيولي هو منطقة التماس الأولى بين الخلية والعالم خارج الخلوي؛ لذلك فهو هو أول مكان يتآثر فيه الفيروس والخلية.
ويتكوَّن الغشاء الهيولي كما ذُكِر سابقاً من طبقة مضاعَفة من الشحوم الفوسفورية. وتُعرَف الفكرة الحالية حول كيفية تجميع الغشاء الهيولي بالنموذج الفسيفسائي السائل fluid mosaic model الذي اقترحه Singer وNicolson (الشكل٢). ويشير جزء «الفسيفساء» من النموذج إلى وجود بروتينات معلّقة في طبقتيّ الغشاء. وكذلك تنغرس عدّة بروتينات ومنها البروتينات السكرية في الطبقة الشحمية المضاعَفة. وتمتلك هذه البروتينات التي تُعرَف بالبروتينات المُدمَجة عدّة وظائف، فهي مستقبلات لمواد خارج خلوية، إضافةً إلى أنّها تسهِّل التصاق الخلية بخلية أخرى. وترتبط بروتينات الغشاء المحيطية بسطح الغشاء من قرب؛ ولكنها لا تندمج معه. ويشير جزء «السائل» من النموذج إلى البروتينات وجزيئات الشحوم الفوسفورية المرتبطة ببعض بطريقة غير تساهمية؛ و من ثمّ لا تكون ساكنة ضمن الغشاء، بل تتحرك بحُرّية. ويساعد الكولسترول الموجود في الطبقة المُضاعَفة من الشحوم الفوسفورية على المحافظة على السيولة والحركة في الغشاء. وإنَّ الكولسترول غني أيضاً بالطوافات الشحمية lipid rafts، وهي أجزاء من الغشاء الهيولي تحتوي بروتينات مُدمَجة تَتدخَّل في نقل الإشارات إلى داخل الخلية.
الشّكل (٢): النموذج الفسيفسائي السائل. يُشير هذا النموذج إلى وجود بروتينات معلّقة في طبقتي الغشاء. وكذلك تنغرس عدّة بروتينات - ومنها البروتينات السكرية - في الطبقة الشحمية المضاعفة، ويمكنها أن تتحرّك بحريّة فيها. وترتبط البروتينات المحيطيّة بالغشاء الهيولي بوساطة جزء داخل خلوي. |
ويشكّل الغشاء الهيولي حاجزاً حيوياً فعالاً؛ لكن ثمّة دائماً حاجة لنقل بعض المواد من إحدى جهتي الغشاء إلى الأخرى. وتقوم بعض البروتينات المُدمَجة بنقل الشوارد والجزيئات الصغيرة إلى داخل الخلية أو إلى خارجها، ولكنَّ عدّةً من هذه الجزيئات تكون كبيرةً جداً حيال هذه القنوات أو البروتينات الحاملة، ولمعالَجة هذه المشكلة تقوم خلايا حقيقيات النوى بإخراج الجزيئات منها أو بإدخالها إليها عبر عمليتي الإيماس والالتقام (على الترتيب). في عملية الإيماس تنتقل البروتينات المعبَّأة في حويصلات إفرازية من قبل معقد غولجي إلى الغشاء الهيولي، وتلتحم هذه الحويصلات الإفرازية مع الغشاء الهيولي محرِّرةً محتويات الحويصل إلى خارج الخلية. ويصبح غشاء الحويصل - المكوَّن أيضاً من طبقة مضاعفة من الشحوم الفوسفورية جزءاً من الغشاء الهيولي للخلية،(الشكل٣).
الشكل (٣): الإيماس والالتقام. أ- تقوم الخلايا حقيقية النوى بإخراج الجزيئات الحيوية الكبيرة إلى خارجها بعمليّة الإيماس. ب- وتقوم بإدخالها إلى داخلها بعملية الالتقام. |
في الالتقام، تجري الإحاطة بمواد من خارج الخلية ضمن جوف يُشكّله الغشاء الهيولي، حيث ينخمص؛ ليشكّل حويصلاً التقامّياً. وثمّة صِنفان رئيسيان للالتقام: الالتقام الكتلي bulk-phase endocytosis (التقام جزيئات حجمها كبير) والالتقام المتواسِط بالمستقبِلة. في الالتقام الكتلي؛ تشكّل الخلية حويصلاً يغلِّف أي جزيئات موجودة في السائل خارج الخلوي، ومن ثمّ فالعملية غير نوعية. ومن ناحية أخرى يبدأ الالتقام المتواسِط بالمستقبلة عندما ترتبط لَجينات (رَبائط) محدَّدة بمستقبلات موجودة على سطح الخلية. وتمتلك الخلية على سطحها مستقبلات لكثير من العوامل الحيوية، ومنها عوامل نمو وهرمونات. وتستقدِم الخلية اللَّجينات عبر تشكيل حويصل يتضمن منطقة من الغشاء الهيولي مع ما تحويه من مستقبلات. وتتشكل هذه الحويصلات الالتقامية في منطقة محدَّدة من الغشاء تُسمىَّ الوهدات المغطاة بالكلاذرين Clathrin- coated pits. إنَّ الكلاذرين هو بروتين له بنية شبكية تشبه خلية النحل، ويتوضع على الوجه الداخلي لغشاء الحويصل الالتقامي (الشكل٤). ويشكّل بروتين وظيفي مشابه هو الكافيولين caveolin وَهداتٍ في الغشاء تُعَرف بالكُهيفات Caveolae (مفردها: كُهيف).
الشكل (٤): الالتقام المتواسط بالمستقبِلة. أ- تتجمّع المستقبلات في منطقة محدَّدة من الغشاء الهيولي تُسمىَّ الوهدات المغطاة بالكلاذرين. وترتبط لَجينة مناسِبة بمحرِّضات على الالتقام في موضع المستقبلات، فتتشكل هذه الحويصلات الالتقامية على الوجه الداخلي للغشاء الهيولي بمشاركة بروتينات الكلاذرين. ب- تُشكِّل بروتينات الكلاذرين بنية شبكية متعدِّدة الرؤوس تشبه خلية النحل. |
ما إن يدخل الحويصل الالتقامي إلى الخلية؛ حتى يُفقدَ الكلاذرين أو الكافيولين من غلافه ويلتحم مع حويصل غشائي هو الجسيم الداخلي endosome. ويصبح الجسيم الداخلي الباكر أكثر حامضيةً؛ فيُشكّل الجسيم الداخلي المتأخر الذي يلتحم بعد ذلك مع الجسيم الحالّ المحشو بالإنزيمات، فتتحطّم الجسيمات الموجودة في الجسيم الداخلي (الشكل١).
البلعمة هي شكل من أشكال الالتقام المتواسط بالمستقبِلة، تستخدمها خلايا متخصِّصة لابتلاع خلايا بأكملها. وتستخدم المتحوِّلات عملية البلعمة لالتهام فريستها. وتقوم عدّة من خلايا جهاز المناعة ببلعمة الجراثيم والخلايا الميتة بأكملها في سياق دفاعها ضد العوامل الممرضة.
ويجب على الفيروسات أن تدخلَ إلى خليةٍ ما كي تتنسّخ. تدخل عدّة من الفيروسات إلى الخلايا عبر الالتقام المتواسط بالمستقبِلة أو الالتقام الكتلي، وتمتلك آليات للهروب من الجسيمات الداخلية قبل التحامها مع الجسيم الحالّ. وكذلك تكون بعض الفيروسات قادرة أيضاً على الدخول إلى الخلايا عبر البلعمة.
تستفيد الفيروسات من آليات الخلية المستخدَمة في الانتساخ و/أو الترجمة من أجل عملية التنسّخ الفيروسي. ويحتاج الفيروس- بعد دخوله إلى الخلية - إلى تنسّخ مجينه وتصنيع بروتينات فيروسية من أجل تجميع فيريونات خامِجة جديدة. وتستخدم الأنماط المختلفة من الفيروسات مواضِع ومكوِّنات مختلفة من الخلية المُضيفة لإتمام ذلك.
ويتكون الجينوم البشري من أكثر من ٣ بلايين نوكليوتيد من الدنا، مرتبةً بشكل مزدوج الطَّاق بحيث تُشكّل زمرة الفوسفات وجزيء السكر من النوكليوتيد هيكل الطّاقين، وترتبط الأسس النوكليوتيدية لأحد الطَّاقين بالأسس من الطَّاق الآخر مشكِّلةً زوجاً من الأسس (الشكل٥). ويكون الدنا مُقسَّماً إلى قطعاً تُسمَّى الكروموسومات بدلاً من أن يكون قطعة واحدة طويلة من الحموض النووية. وتكون الخلايا البشرية ثنائية الصيغة الصبغية؛ مما يعني أن كل خلية تمتلك نسختين من كل كروموسوم، إحداهما جاءت من بويضة الأم والأخرى من نطفة الأب. وإنَّ أول خلية من الكائن البشري هي البيضة الملقَّحة، أو الزيجوت، وتنشأ جميع الخلايا الموجودة لدى الكائن الحي من نمو خلايا موجودة مسبَّقاً وانقسامها . ويشير مصطلح دورة الخلية Cell cycle إلى المراحل المتتالية التي تنمو عبرها الخلية، وتُضاعِف الدنا الخاص بها، وتنقسم خليتين بنتين. ولدورة الخلية أربعة أطوار:
الشكل (٥): البنية الثلاثيّة الأبعاد للدنا. الدنا هو حلزون مزدوج الطاق، يتكوّن من النوكليوتيدات. وترتبط الأسس الآزوتية لأحد الطاقين بتلك التي في الطاق الآخر. |
١- الفجوة ١ (Gap١)، أو G١: يحدث فيها النمو الخلوي الطبيعي. ولا تتابع بعض الخلايا مثل النورونات الدورة الخلوية أبداً وتدخل في مرحلة تُعرَف بالفجوة صفر (G٠)، أمّا الخلايا التي ستنقسم؛ فتتابِع إلى الطور التالي.
٢- التصنيع، أو S: تكوِّن الخلية نسخة إضافية من كروموسوماتها من طريق تضاعف الدنا.
٣- الفجوة ٢، أو G٢: تتضخَّم الخلية؛ وتتجهَّز للانقسام الخلوي.
٤- الانقسام الفتيلي، أو M: تنفصل مجموعتا الكروموسومات بحيث تنقسم الخلية الواحدة خليتين.
ويمكن لمرحلة دورة الخلية التي يخمج فيها الفيروس الخلية أن تحدِّد تحديداً حاسماً فيما إذا كان الخمج الفيروسي سيتابع داخل الخلية أو لا. وتحتاج فيروسات معينّة أن تكون الخلية في طور الانقسام الخلوي؛ لأنَّ هذه الفيروسات تحتاج إلى الإنزيمات الخلويّة الموجودة في أثناء تَضاعُف الخلية من أجل تنسّخ جينومها الخاص. وتتداخل عدّة من الفيروسات أيضاً مع مراحل دورة الخلية لزيادة فعالية التنسّخ الفيروسي.
رابعاً- المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية:
تنسُّخ الدنا: إنَّ تَنَسُّخ الدنا الذي يحدث خلال الطور S من دورة الخلية، هو الأساس الأول في المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية Central Dogma of Molecular Biology (تعني كلمة المبدأ هنا مجموعة من الأسس المقبولة. المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية هو المجموعة الرئيسية من الأسس العلمية التي تشكل أساس مجال البيولوجيا الجزيئية، الذي يتعامل مع الدنا والرنا والبروتينات) ويتنسّخ replicate الدنا في النواة لتكوين نسخة منه، ويجري انتساخ transcription الدنا إلى رنا مِرسال في النواة، ويُتَرجَم translated الرنا المِرسال بوساطة الريبوسومات في العُصارة الخلوية لتكوين بروتين (الشكل٦). ويحتوي الدنا على المعلومات الوراثية، أمّا الرنا المِرسال فهو نسخة مؤقتة لمورِّثة من الدنا. وتكوّن الريبوسومات بروتيناً من الحموض الأمينية اعتماداً على متوالية النوكليوتيدات في الرنا المِرسال.
الشكل (٦): المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية. يتنسَّخ الدنا ليُعطي نُسَخاً إضافية منه. ويجري انتساخ الدنا ليتشكَّل نسخة مؤقتة من الرنا المِرسال، ويُترجَم الرنا المِرسال إلى بروتينات. |
وإنَّ الجزء الأول من المبدأ المركزي هو تَنَسّخ الدنا. ويكون طاقا الدنا متعاكسين؛ بمعنى أنهما موازيان بعضهما بعض لكن في اتجاهين متعاكسين؛ بما يشبه مسريي الطريق ذي الاتجاهين. ويتحدد اتّجاه الطاق بموقع سكر الريبوز منقوص الأكسجين في النوكليوتيد. وتكون ذرات الكربون في الأساس النوكليوتيدي مرقمة، وكذلك ذرات الكربون في السكر؛ ولكن رقمها يكون متبوعاً برمز (يشبه إشارة الفتحة) لتمييز ذرات الكربون في السكر من ذرات الكربون في الأساس (الشكل٧-أ) وترتبط زمرة الفوسفات من النوكليوتيد بالسكر عند ذرة الكربون ٥’ (تُلفَظ «خمسة فتحة»)، ويُضاف نوكليوتيد جديد لذرة الكربون ٣’ (تُلفَظ «ثلاثة فتحة») من السكر، وذلك في الطاق النامي من الحموض النووية. ويُشار لهذا الاتجاه «الأمامي» بـَ٥-٣َ («خمسة فتحة إلى ثلاثة فتحة»). وتحدث جميع تضاعفات الدنا بهذا الاتجاه الأمامي.
بما أنَّ طاقي جزيء الدنا متعاكسان antiparallel؛ فإذا كان أحد الطاقين يتقدم بالاتجاه الأمامي (بـَ٣-٥َ) من اليسار إلى اليمين؛ فيكون الطاق الآخر متقدماً بالاتجاه الأمامي(َ٣-٥َ) من اليمين إلى اليسار. ومن ثمّ تتقابل بالتالي النهاية ٥ لأحد الطاقين مع النهاية ٣ للطاق الآخر (الشكل٧-ب).
الشكل (٧): بنية الدنا وتنظيمه. أ- يتكوّن الدنا من نوكليوتيدات، في كلٍّ منها زمرة فوسفات وسكّر وأساس. يُشير الاتجاه الأمامي إلى الاتجاه َ٣-٥َ ، وتُشير الأرقام ٣ و٥ إلى أرقام ذرّتي الكربون في السكّر. وإنَّ طاقي جزيء الدنا متعاكسان في الاتجاه. ب- ترتبط الأسس الآزوتية في أحد طاقي الدنا بأسس الطاق الثاني. الأسس الأربعة في جزيء الدنا هي السيتوزين والغوانين والثيامين والأدنين، وفي جزيء الرنا وهو مفرد الطاق، يجري استبدال اليوراسيل بالثيامين. |
ويحدث تضاعف الدنا خلال الطور S من دورة الخلية، عندما تكون الكروموسومات مضاعفة في أثناء عملية تضاعف الدنا تقوم إنزيمات خلوية بفك جزيء الدنا وفصل طاقيه بعضهما بعض. وإنَّ تضاعف الدنا نصف محافِظ: يعمل كل طاق حالي من الدنا كقالب لطاق جديد، فتتكوّن من ثمّ القطعة المنسوخة من الدنا من طاق قديم وآخر جديد (الشكل٨-أ). وبعد انفصال طاقي الدنا يكون بوليميراز الدنا هو الإنزيم الذي يضع النوكليوتيدات المُتَمِّمَة للطاق الجديد من الدنا، دائماً بالاتجاه ٣َ-٥َ (الشكل٨ –ب) ويُقرأ الطاق القديم بالاتجاه ٥َ-٣َ في حين ينمو الجديد بالاتجاه، ٣َ-٥َ ، وذلك لأنَّ طاقي الدنا متعاكسان. ويُضيف بوليميراز الدنا نوكليوتيدات جديدة اعتماداً على قواعد أزواج الأسس المُتتامّة A=T، و C=G (الشكل٧-أ)، أي، يرتبط الأدنين بالثيامين، ويرتبط السيتوزين بالغوانين. وإنَّ بوليميرازات الدنا الخلوية هي بوليميرازات دنا معتمِدة على الدنا DdDp؛ لأنها تصنع الدنا باستخدام قالب من الدنا.
الشكل (٨) تنسّخ الدنا. أ- يتنسّخ الدنا بشكل نصف مُحافِظ، أي يجري استخدام طاق من الدنا القديم قالباً لصنع طاق في الدنا الجديد، ومن ثمّ يتكوّن كل دنا ناجم عن التنسّخ من طاق قديم وطاق جديد. ب- في عملية التنسّخ يتحرك إنزيم بوليميراز الدنا على طول طاق الدنا القديم، ويضع نوكليوتيدات الطاق الجديد بالاتّجاه ٣َ-٥َ (الطاق الأوّلي)، ويقوم بتكوين شدف قصيرة (شُدَف أوكازاكي) من الدنا بالاتجاه٣َ-٥َ للطّاق القديم الثاني، ويضم إنزيم الليغاز هذه الشدف القصيرة؛ ليكوّن طاق دنا متواصلاً (الطاق المتلكِّئ). يجري نسخ طاقي الدنا بآنٍ معاً. |
وتمتلك بوليميرازات الدنا دقة عالية؛ بمعنى أنَّها قلّما تضع أساساً غير صحيحٍ في طاق الدنا المنسوخ. ولديها أيضاً قدرة على التدقيق والتنقيح proofreading: يمكن لبوليميراز الدنا عكس نوكليوتيد موضوع بشكل غير صحيح و تبديله بالطريقة نفسها التي قد تكتب بها حرفاً خاطئاً على لوحة المفاتيح، وتضغط على مفتاح «Backspace» لتبديله وكتابة الحرف الصحيح. ويمكن لبوليميراز الدنا وإنزيمات الإصلاح أن تَقتِطع قسماً حول نوكليوتيد خاطئ وتستبدل به النوكليوتيدات الصحيحة. ويرتكب بوليميراز الدنا بالمجمل خطأً واحداً لكل مليون نوكليوتيد منسوخ وسطياً.
وتتدخل عدّة من البروتينات والإنزيمات الأخرى في تضاعف الدنا. على سبيل المثال: لا يمكن لبوليميراز الدنا الارتباط بقطعة وحيدة الطاق من الدنا؛ لذا يقوم إنزيم يُسمَّى بالبرايماز primase بوضع شدفة رنا متمِّمة قصيرة على طاق الدنا عندما ينفصل طاقا الدنا الموجودان، مكوِّناً قطعة ثنائية الطاق يمكن لبوليميراز الدنا الارتباط بها. وثَمّة إنزيمات أخرى مطلوبة لعملية التضاعُف: بما أن بوليميراز الدنا يمكن أن يضيف إلى سلسلة نوكليوتيدات بالاتجاه ٣َ-٥َ فقط؛ فإنّه يقوم بمضاعفة الطاق ٥َ-٣َ من الدنا المتضاعِف بتكوين طاق مستمر بالاتجاه ٣َ-٥َ (يُعرَف بالطاق الأوّلي leading strand)، في حين لا يمكنه مضاعفة الطاق ٣َ-٥َ إلا بتكوين شدف قصيرة من الدنا بالاتجاه ٣َ-٥َ ، ويضم إنزيم الليغاز ligase هذه الشدف القصيرة (تُعرَف بشُدَف أوكازاكي Okazaki fragments) ليكوّن طاق دنا متواصلاً متمِّماً لأحد طاقي الدنا المتضاعِف (يُعرَف بالطاق المتلكِّئlagging strand ).
وتستفيد عدّة من الفيروسات الدنويّة من بوليميراز الدنا الخلوي وإنزيمات التضاعف؛ لتضاعف مجينها. ويجب على هذه الفيروسات أن تدخل إلى النواة لمضاعفة مجينها من الدنا؛ لأن بوليميراز الدنا الخلوي موجود في النواة؛ ومن ثمّ يحدث تضاعف الدنا الفيروسي داخل النواة.
خامساً- المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية: انتساخ الرنا ومعالجته:
تُرَمِّز أقسام من الدنا تُسمىَّ المورثات المعلومات اللازمة لتكوين البروتينات. وثمة ما يفوق ٢٠,٠٠٠ مورثة مُرَمِّزة للبروتين داخل الكروموسومات الـ ٤٦ التي تؤلّف الجينوم البشري. وهناك ثلاث خطوات في عملية توليد البروتين وفقاً للمعلومات المُخزَّنة في الدنا: الانتساخ، معالجة الرنا، الترجمة.
ويحدث تضاعف الدنا في النواة ؛ لأنّه يتوضّع هناك، ويحدث الانتساخ وهو عملية تكوين نسخة مؤقتة من الرنا للدّنا أيضاً في النواة للسَّبب ذاته (الشكل٩). يربط معقد من بروتينات عوامل الانتساخ الدنا فوق مكان بداية المورثة مباشرةً في موقع يُسمىَّ المُحفِّز promoter.. ويرتبط بوليميراز الرنا II بعد ذلك بعوامل الانتساخ والدنا (الشكل١٠-أ). كذلك ترتبط عوامل الانتساخ بمتواليات محدَّدة من الدنا في منطقة المُحفِّز؛ وذلك للتأكُّد من بدء انتساخ الدنا في الموقع الصحيح. ويمكن أن ترتبط عوامل انتساخ أخرى في مناطق المُعزِّز enhancer التي تقوم (كما يوحي اسمها) بزيادة معدل الانتساخ. ويمكن أن تكون مناطق المعزِّز بخلاف المحفِّز بعيدة بآلاف النوكليوتيدات أعلى أو أدنى من موقع بداية المورثة.
الشكل (٩): المواضِع الخلوية لكلٍّ من الانتساخ ومعالجة الرنا والترجمة. يتوضّع الدنا في النواة؛ ولذلك يحدث الانتساخ فيها. ويخضع طليعة الرنا المِرسال لعملية معالَجة في النواة قبل أن يغادرها عبر مسامات نوويّة. وترتبط الريبوسومات على الرنا المِرسال في العُصارة الخلوية، وتترجِمه إلى بروتين. |
وإنَّ بوليميرازات الرنا الخلوية هي بوليميرازات رنا معتمدة على الدنا DdRp ؛ لأنها تُصنِّع الرنا باستخدام قالب من الدنا. ويستخدم بوليميراز الرنا قالب الدنا لتكوين طاق من الرنا، بالطريقة نفسها التي يستخدم بها بوليميراز الدنا طاق دنا لتكوين الطاق المتمم؛ مضيفاً نوكليوتيدات بالاتجاه ٣َ-٥َ مستخدماً قواعد أزواج الأسس المتتامّة نفسها كما في تضاعف الدنا؛ باستثناء استبدال أساس اليوراسيل بالثيامين (الأشكال ٧-ب و١٠-أ). يكون الرنا الناتج مفرد الطاق؛ لأنَّ واحداً فقط من طاقي الدنا، المعروف بالطاق القالب template strand أو الطاق المعاكس antisense strand يعمل قالباً لبوليميراز الرنا (الأشكال ٧-ب و١٠-ب). ويُنهي بوليميراز الرنا الانتساخ عندما يصل إلى متوالية متعارف عليها في نهاية المورِّثة. وتُعرَف نسخة الرنا المتكوِّنة عند هذه النقطة بطليعة الرنا المِرسال precursor messenger RNA (mRNA)، أما تسمية هذا الرنا بصفته «المِرسال»؛ فلأنَّه الرِّسالة، المُرَمَّزة في الدنا، والتي توضّح كيفيّة تكوين بروتين بترتيب حموض أمينية يحدّده تتالي نوكليوتيدات هذا الرنا.
الشكل (١٠): الانتساخ. الانتساخ هو عملية نسخ نسخة رنا مِرسال لقالب دنا. (أ) يعمل أحد طاقي الدنا فقط قالباً للانتساخ، ويُعرَف بالطاق المعاكِس. وترتبط عوامل الانتساخ المتتالية المحفِّز فوق مكان بداية الانتساخ، ويرتبط بوليميراز الرنا II بعد ذلك بالمعقّد المتكوِّن من عوامل الانتساخ والدنا. (ب) يقرأ بوليميراز الرنا II طاق الدنا المعاكِس بالاتجاه ٣’→٥’ ؛ ليكوِّن نسخة مفردة الطاق من الرنا المُنتسخ بالاتجاه ٣َ-٥َ مستخدِماً لذلك الأسس المتتامّة بحسب قواعد ارتباط أزواج الأسس. |
ولا تمتلك بوليميرازات الرنا دقةً عاليةً بقدر بوليميرازات الدنا، وتضع أساساً خاطئاً مرّةً لكل ١٠٠,٠٠٠ نوكليوتيد مُنسَخ وسطياً؛ أي بخطأ أكبر بعشرة أضعاف من بوليميراز الدنا. وإنَّ بوليميرازات الرنا هذه هي بوليميرازات رنا معتمِدة على الدنا. ولا تحتوي خلايا حقيقيات النوى بوليميرازات رنا معتمدة على الرنا RdRp لتكوين الرنا المِرسال؛ لذا ترمِّز عدةّ من أنماط الفيروسات الرّنويّة بوليميرازات الرنا الخاصة بها، وتعمل هذه الإنزيمات بمعدل خطأ ١ من ١٠٠ إلى ١ من ١٠٠,٠٠٠ نوكليوتيد. لذلك ينجم ارتفاع معدَّل الطفرات في الفيروسات الرنويّة عن الدقة المنخفِضة لبوليميرازات الرنا الفيروسيّة.
ويخضع طليعة الرنا المِرسال بعد الانتساخ لمعالجة الرنا RNA processing، وتُعرَف أيضاً بالتعديل بعد الانتساخ posttranscriptional modification، لتحويل طليعة الرنا المِرسال إلى رنا مِرسال ناضج. التعديل الأول؛ يحدث عندما يقوم بوليميراز الرنا بصنع نسخة الرنا المِرسال، وهو إضافة «قلنسوة cap» إلى النهاية ٥َ من النسخة (الشكل١١). وتتألف القلنسوة-٥’ من نوكليوتيدات غوانين مُمَثيَل (تُعرَف بـ ٧- ميثيل غوانوزين، m٧G) تحمي النهاية ٥’ من نُسخة الرنا المِرسال. وسترتبط الريبوسومات أيضاً بالقلنسوة-٥’ كي تبدأ الترجمة. والتعديل الثاني هو إضافة ذيل ٣’ عديد (A) ٣′ poly(A) tail، ويتألف هذا «الذيل» من ٥٠-٢٥٠ نوكليوتيد أدنين تُضاف للنهاية ٣’ للرنا المِرسال لحمايتها. والتعديل الأخير هو إزالة الإنترونات بعملية تُسمَّى تضفير الرنا RNA splicing. وثمة بداخل معظم نسخ الرنا المِرسال في حقيقيات النوى متواليات من الرنا المِرسال التي لن تُترجمَ إلى بروتينات، وتُعرَف بالإنترونات، وتُزال هذه الإنترونات في أثناء التعديل بعد الانتساخ؛ لتبقى الإكزونات أو متواليات الترميز (الشكل١١). ويمكن تكوين أكثر من بروتين واحد من رنا مِرسال واحد عبر عملية تضفير الرنا؛ لأنَّه من الممكن إزالة إنترونات مختلفة من نسخة الرنا المِرسال؛ مما يُنتِج متواليات رنا ناضج مختلفة؛ ومن ثمّ بروتينات مختلفة. وتُعرَف هذه العملية بالتضفير البديل alternative splicing. ويخضع الرنا المِرسال لبعض الفيروسات ومنها فيروس العوز المناعي البشري HIV أيضاً للتضفير البديل للرنا.
الشكل (١١): معالجة الرنا. يخضع طليعة الرنا الناجم عن الانتساخ لعملية معالجة وهو ما يزال في النواة، وذلك بإضافة قلنسوة عند النهاية ٥’ تتكوَّن من ٧- ميثيل غوانوزين، وإضافة ٥٠-٢٥٠ نوكليونيد أدينين للنهاية ٣’ من طليعة الرنا. وتُزال الإنترونات، فيَنتُج جزيء الرنا المِرسال الناضج الذي يغادر النواة ؛ ليترُجَم في الريبوسومات في العُصارة الخلوية. إنَّ إزالة إنترونات مختلفة ستؤدي إلى نُسخ رنا مِرسال ناضج مختلفة تُتَرجَم إلى بروتينات مختلفة. |
سادساً- راموز الجينات (الشيفرة الوراثية) The Genetic Code:
تغادر نسخة الرنا المِرسال الناضج النواة بعد أن أصبحت مُعالَجة، وتُقدّم إلى الريبوسوم في العُصارة الخلوية. ويعمل الريبوسوم كمصنع للبروتين، ويعمل الرنا المِرسال الناضج عمل تعليمات التصنيع. وتُصنَّع البروتينات من الحموض الأمينية، وتكون غالبية البروتينات البشرية بحجم ٥٠-١٠٠٠ حمض أميني. وثمّة ٢٠ نوعاً مختلفاً من الحموض الأمينية، وتُحدِّد متوالية الرنا المِرسال التّرتيب الذي سيجمع به الريبوسوم الحموض الأمينية في بروتين.
ويتحرّك الريبوسوم في البداية على مسار نسخة الرنا المِرسال أساساً واحداً one base كل مّرة، قارِئاً المتوالية ككلمات مكونة من ثلاثة أسس three- base تُعَرف بالروامز (الكودونات) (الشكل ١٢). ويبدأ الريبوسوم بالترجمة؛ أي تكوين بروتين بوساطة تجميع الحموض الأمينية، وذلك عندما يُقابل رامِزة (كودون) البدء start codon في الرنا المِرسال، وهي المتوالية AUG. وتُلفَى عادةً الرامِزة AUG في سياق متوالية أكبر قليلاً، يُسمىَّ متوالية كوزاك المتعارف عليها Kozak consensus sequence، ولها عادةً الترتيب GCCACCAUGG (يمكن أن يكون الأدنين الموضوع تحته خط غوانين أيضاً). ويُرمِّز AUG للحمض الأميني الميثيونين؛ لذلك فإن كل البروتينات الناجمة عن الترجمة تبدأ بالميثيونين.
الشكل (١٢): تسلسل البيانات من الدنا إلى البروتين. يعمل طاق الدنا المعاكِس قالباً لانتساخ رنا مِرسال. ويَقرأ الريبوسوم الرنا المِرسال على شكل روامِز ثلاثية النوكليوتيدات، تبدأ برامِزة البدء AUG التي تُرمِّز للحمض الأميني الميثيونين. وإنّ ترتيب الأسس في الروامز هو الذي يحدِّد أياً من الحموض الأمينية سيُضاف إلى البروتين النامي الذي يصنِّعه الريبوسوم. |
وتُحدِّد رامزة البدء إطار القراءة reading frame: يَقرأ الريبوسوم الآن روامِز الرنا المِرسال بترتيب ثلاثة أسس (ثلاثة نوكليوتيدات) كل مرّة على التوالي، وذلك بدلاً من التحرُّك على مسار الرنا المِرسال أساساً واحداً كل مّرة. وتُحدِّد متوالية الرامزة الثلاثية أي حمضٍ أمينيٍّ (من الحموض الأمينية العشرين) سيُضاف تالياً إلى البروتين النامي. وعندما يصل الريبوسوم إلى رامِزة (كودون) إنهاء stop codon يبتعد عن الرنا المِرسال، ويكون البروتين قد اكتمل. وثمّة ثلاثة أنواع من روامِز (كودونات) الإنهاء: UGA, UAA, وUAG. لا تُترجَم قطعة الرنا المِرسال التي هي قبل رامِزة البدء، وتُعرف باسم المنطقة ٥’ غير المترجَمة ٥′ untranslated region (٥’ UTR). كذلك لن تُترجَم أي قطعة رنا مِرسال بعد رامِزة الإنهاء؛ وتُعرَف هذه المنطقة باسم المنطقة ٣’ غير المترجَمة (٣’ UTR). وتُعرَف المتوالية من رامِزة البدء إلى رامِزة الإنهاء باسم إطار القراءة المفتوح open reading frame ؛ لأنه قابل للترجمة.
واعتماداً على وجود أربعة نوكليوتيدات في الرنا– أدينين، وغوانين، وسيتوزين، ويوراسيل- هناك ٦٤ تركيبة مختلفة محتملة من ثلاثة أحرف. وهناك ٢٠ حمضاً أمينياً فقط، لذلك تكون بعض الروامز مُكرَّرة؛ ما يعني أن رامِزتين أو أكثر ترمِّزان الحمض الأميني نفسه. وثمّة ثلاثة روامِز إنهاء، تُنهي الترجمة، ولا ترمِّز أي حمض أميني
وقدعمل عدّة من العلماء على فكّ راموز الجينات (الشيفرة الوراثية). وتَشارَك Robert W. Holley، و Har Gobind Khorana، وMarshall W. و Gobind Khoranaar,يفك الشيفرة الوراثية.
ويكشف الجدول في الشكل (١٣) أي حمض أميني يُرمَّز بكل رامِزة. إنَّ الراموز (الشيفرة) عامٌّ universal: تمتلك جميع الكائنات الحية الحموض الأمينية العشرين المرمَّزة بهذه الروامز نفسها؛ مما يؤكد أن هذا النظام قد نشأ في مرحلةٍ باكرةٍ جداً من تطور الحياة، وحوُفظ عليه تطوريّاً مع الوقت. وبما أنَّ الفيروسات تستفيد من آلية الترجمة والريبوسومات عند المُضيف؛ فإن الرنا المِرسال الفيروسي يستخدم هذه الروامز (الكودونات) نفسها لترميز الحموض الأمينية نفسها في بروتيناتها مثل الكائنات الحية تماماً.
الشكل (١٣): راموز الجينات. تُحدِّد متواليةُ النوكليوتيدات في الرنا المِرسال متواليةَ الحموض الأمينية في البروتين. رامِزة البدء هي AUG، أمّا روامِز الإنهاء فهي UAA أو UAG أو UGA. وترمِّز روامِز الإنهاء عامل إطلاق بدلاً من أن ترمِّز حمضا أمينياً ؛ مما يسبِّب توقّف عملية الترجمة. |
سابعاً- المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية، ترجمة البروتين:
هناك ثلاثة مكوِّنات أساسية مطلوبة لحدوث الترجمة: الرنا المِرسال والريبوسوم والرنا النواقل transfer RNAs (tRNA). وإنَّ الريبوسوم هو عُضيّة لها وُحيدَتان- وُحيدَة صغيرة وأخرى كبيرة (الشكل١٤)- مصنوعتان من نمط آخر من الرنا، يُسمىَّ الرنا الريباسي ribosomal RNA (rRNA)؛ إضافةً إلى أكثر من ٥٠ بروتيناً. وتُصنَع الرنا النواقل أيضاً من الرنا، وتعمل كمُحوِّلات adaptors بين الرنا المِرسال والريبوسوم. وإنَّ الرنا الناقل هو الذي يجلب الحموض الأمينية إلى الريبوسوم بحيث تُضَمّ معاً في بروتين. وداخل الرنا الناقل متوالية مُقابِلة الرامِزة anticodon متمِّمة لرامِزة الرنا المِرسال، ويرتبط حمض أميني محدّد بالرنا الناقل عند النهاية ٣’. وترتبط متوالية رامِزة الرنا المِرسال بمتوالية مُقابِلة الرامزة في الرنا الناقل الذي ربط حمضاً أمينياً محدَّداً (الشكل١٤). إنَّ الرنا الناقل هذا (المحوِّل) هو الذي يحدِّد فعلياً أي رامِزة من الرنا المِرسال ترمِّز أي حمض أميني من الحموض الأمينية العشرين.
الشكل (١٤): الريبوسوم والرنا النّاقل. يتكوَّن الريبوسوم من وُحيدة صغيرة وأخرى كبيرة. ويندخل الرنا المِرسال المحتوي على الروامِز الثلاثية بين وُحيدتا الريبوسوم. ويدخل الرنا النّاقل الريبوسوم، ويتآثر و الرنا المِرسال بوساطة مقابِلات روامز موجودة في كل واحد منها. ويرتبط الحمض الأميني الموافق لكل رنا ناقل بالنهاية ٣′ منه. |
هناك ثلاث مراحل للترجمة (الشكل ١٥):
الشكل (١٥) :الترجمة. تحدث الترجمة من خلال ثلاث مراحل، هي: أ- الابتداء، ب- التطويل، ج- الإنهاء. |
١- الابتداء Initiation: بداية الترجمة. ترتبط الوُحيدَة الصغيرة للريبوسوم المحتوية على الرنا الناقل الحامل للميثيونين بالقلنسوة ٥’ من جزيء الرنا المِرسال المعالَج. وتمسح هذه الوُحيدة الصغيرة الرنا المِرسال حتى تُصادف رامِزة البدء AUG. وتُساعِد مجموعة من عوامل بدء الترجمة في تجنيد كلّ من: الريبوسوم، وأول رنا ناقل، ونسخة الرنا المِرسال. وتنضمُّ بعدها الوُحيدَة الكبيرة للريبوسوم إلى الوُحيدَة الصغيرة.
٢- التطويل Elongation: يُصنعَّ البروتين من الحموض الأمينية. ويتحرك الريبوسوم على طول طاق الرنا المِرسال، ويَدخُل رنا ناقل ذو رامِزة معاكِسة متمِّمة لرامزة (من الرنا المِرسال إلى الريبوسوم)جالباً الحمض الأميني الموافق. ويضم الريبوسومُ سلسلةَ الحموض الأمينية النامية إلى الحمض الأميني الجديد. ويتابِع الرّيبوسوم التحرُّك على طول الرنا المِرسال بمعدل رامِزة في كل مرّة، ويدخل رنا ناقل يحتوي الحمض الأميني الموافق إلى الريبوسوم عند كل رامِزة. ويُضَمُّ الحمض الأميني الجديد إلى الحموض الأمينية السابقة؛ مُمَدِّداً ومُطيلاً سلسلة الحموض الأمينية.
- الإنهاء Termination: نهاية الترجمة. عندما يقابل الريبوسوم رامِزة إنهاء في الرنا المِرسال يَدخل عامل مُطلِق release factor إلى الريبوسوم، وتتوقّف الترجمة. وينطلق البروتين المكتمِل الآن، ويبتعد الريبوسوم عن الرنا المِرسال.
تخضع عِدّة من هذه البروتينات إلى تعديل بعد الترجمة في الشبكة الهيولية الباطنة الخشنة rER ومعقّد غولجي وإضافة ثمالات شحمية أو سكرية إلى الجزيء.
ويكون الرنا المِرسال في حقيقيات النوى أُحادي السِّسترون monocistronic (مقرون أُحادي)؛ ما يعني أنَّ أيّ نسخة رنا مِرسال ترمّز لبروتينٍ واحدٍ فقط. وتعتمد كل الفيروسات على خلاياها المُضيفة في ترجمة بروتيناتها؛ لذا يجب أن يتوافق (يتأقلم) الرنا المِرسال الفيروسي و القيود الحيوية لآليّة الخلية المُضيفة. وعلى الرغم من ذلك تمتلك الفيروسات عدَّة من التكتيكات لضمان تفضيل (أولويّة) انتساخ الرنا المِرسال الفيروسي والبروتينات الخاصة بها وترجمتها على تلك الخاصة بالخلية المُضيفة.
ملاحظة: البِبتيد، وعديد البِبتيد، والبروتين.
البِبتيد: هو سلسلة قصيرة من الحموض الأمينية. وتُسمَّى السلسلة البِبتيدية الطويلة «عديد البِبتيد». وعندما يُترجِم الريبوسومُ الرنا المِرسال فإنَّه يكوِّن عديد بِبتيد من الحموض الأمينية.
البروتين: هو كيان وظيفي مُكتَمِل. وتتكوَّن بعض البروتينات من سلسلة واحدة فقط من عديد البِبتيد، وتتكوّن بروتينات أخرى متعدّدة من أكثر من سلسلة من عديدات البِبتيد. فالخضاب (البروتين المسؤول عن نقل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء) هو بروتين مكوَّن من أربع سلاسل عديدات بِبتيد.
ثامناً- تحفيز عمليات الانتساخ والترجمة الفيروسية:
طوَّرت الفيروسات عدّة آليات لضمان الانتساخ والترجمة الناجحَين لمورثاتها، والتي ينتج منها مكوِّنات ضروريّة لتكوين المزيد من الفيريونات الخامجة. وتستفيد بعض الفيروسات من آلية التضفير عند المُضيف لإنتاج عِدّة من نسخ الرنا المِرسال من طليعة رنا مِرسال واحد. على سبيل المثال: يُنتِج فيروس العوز المناعي البشري -١ HIV-1 معظم الرنا المِرسال الخاص به من طريق التضفير البديل. ويمكن لبعض الفيروسات مثل فيروس الإنفلونزا أن تنزِع القلنسوة ٥’ من الرنا المِرسال للمُضيف للحصول على القلنسوة اللازمة للرنا المِرسال الفيروسي؛ تاركةً الرنا المِرسال للمُضيف غير قابلٍ للترجمة من دون القلنسوة ٥’. تُكوِّن بعض الفيروسات أيضاً رنا مِرسالاً يُترجَم إلى عديد بروتين واحد طويل ينُشطَ بعدها إلى عدة بروتينات فيروسية بعد الترجمة.
وطوَّرت فيروسات أخرى تكتيكات لترجمة البروتين لا تُستخدَم عادةً عند المُضيف. وتتعرَّف الريبوسومات إلى القلنسوة ٥’ من الرنا المِرسال، وتقوم بالارتباط بها إلا أن الرنا المِرسال لبعض الفيروسات يحتوي مواقع داخلية لدخول الريبوسوم internal ribosome entry sites (IRES) تسمح للريبوسوم بالارتباط داخل متوالية الرنا المِرسال الفيروسي من دون القلنسوة ٥’ (الشكل ٣.أ-ب). وتُستَخدَم هذه المواقع (IRES) لابتداء الترجمة في أقسام داخلية من الرنا المِرسال الفيروسي موجودة في إطار قراءة مختلف، أو عندما يتداخل الفيروس وعملية الترجمة الطبيعية بهدف تثبيط تصنيع بروتين المُضيف. ويحدث انزياح الإطار الريباسي Ribosomal frameshifting عندما يتوقف الريبوسوم أو يُقابل «متوالية مُنزلِقة» ضمن قطعة من الرنا المِرسال، حيثُ يواجه الريبوسوم مشكلة، ويتحرك نوكليوتيداً واحداً للأمام أو الخلف؛ بدلاً من متابعة قراءة الروامِز ضمن الإطار. وينجم عن ذلك قيام الريبوسوم بابتداء ترجمة إطار قراءة مختلف عما كان عليه سابقاً؛ مُنتِجاً رنا مِرسالاً ناضجاً وبروتيناً جديدين. وتستخدم فيروسات مثل فيروس العوز المناعي البشري HIV انزياح الإطار الريباسي لترميز عدة بروتينات داخل قطعة واحدة فقط من الدنا. وتحدث آلية مشابهة مع كبت الإنهاء termination suppression، حيثُ يُكبت فيها كودون إنهاء، ويُتابِع الريبوسوم ترجمة الرنا المِرسال؛ مكوّناً عديد بروتين. ويحدث «التخطّي الريباسي “Ribosomal skipping في أثناء قيام الريبوسوم بترجمة الرنا المِرسال الفيروسي، فتمنع بروتينات فيروسية الريبوسوم من ضم حمض أميني جديد إلى سلسلة البروتين النامية؛ مما يُطلِق البروتين من الريبوسوم. ويتابع الريبوسوم ترجمة بقية الرنا المِرسال الفيروسي؛ لأنّه لم يُقابل كودون إنهاء بعد. وتكون النتيجة تصنيع عدةّ من البروتينات الفيروسية بقطعة واحدة فقط من الرنا المِرسال. ويحدث «المسح المُسرِّب Leaky scanning» عندما يقابِل ريبوسوم المُضيف رامِزة بدء (AUG) داخل قطعة من الرنا المِرسال الفيروسي، ولكن متوالية كوزاك المتعارف عليها (النوكليوتيدات المحيطة برامِزة البدء) تكون في غير الترتيب الملائم، وهنا يمكن أن يبدأ الريبوسوم الترجمة في هذا الموقع، ولكن الريبوسوم التالي الذي يرتبط بالرنا المِرسال الفيروسي قد يتابع متجاوِزاً رامِزة البدء الضعيفة هذه؛ ليبدأ الترجمة عندما يقابل AUG التالية. وتكون النتيجة أن رنا مِرسال فيروسي واحد يُمكِن أن يُرمِّز بروتينين فيروسيين. وتُحفِّز جميع عمليات الانتساخ والترجمة هذه تصنيع البروتينات الفيروسية على نحوٍ أسرع وبطاقةٍ أقلّ عادةً من الآليات الخلوية الطبيعية.
وطوّرت الفيروسات أيضاً طرائق للتداخل مع انتساخ بروتينات المضيف وترجمتها؛ هذا إضافةً إلى تطويرها آليات لضمان التعرُّف إلى الرنا المِرسال الخاص بها من قبل ريبوسومات المضيف ومعالجته:
١- يمكن لبعض الفيروسات أن تتداخل وبوليميراز الرنا II للمُضيف من خلال التداخل وعوامل الانتساخ، أو منع تفعيل الإنزيم، أو عبر التسبُّب بتخريب الإنزيم. وتمتلك عدّة فيروسات هربسية استراتيجيات للتداخل و بوليميراز الرنا II.
٢- يمكن للفيروسات أن تتداخل ومعالجة طليعة الرنا. ويُثبِّط بروتين فيروس العوز المناعي البشري -١ HIV-1 تضفير الرنا المِرسال الخاص بالمُضيف، ويُثبّط فيروس الإنفلونزا إضافة الذيل عديد A إلى نسخة الرنا المِرسال الخاص بالمُضيف.
٣- تتداخل عدّة من الفيروسات وخروج نسخة الرنا المِرسال من النواة. وتقوم بذلك بوساطة التداخل و البروتينات التي تُصدِّر الرنا الِمرسال المُعالَج من النواة، أو بوساطة التسبُّب بتخريب تلك البروتينات.
٤- يُمكن أن تُسبِّب بروتينات فيروسية معيّنة تخريب الرنا المِرسال للمُضيف، وعلى سبيل المثال: تحدث المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (SARS) بسبب أحد الفيروسات التاجية، ويُسمّى SARS-CoV، الذي يمتلك بروتيناً يُسمّى nsp1 يُحرّض تدرّك الرنا المِرسال للمُضيف. ومن المثير للاهتمام أن نُسخ الرنا المِرسال الخاصة بـ SARS-CoV تكون محميّة من التّدرُّك.
٥-تمنع عدّة من البروتينات الفيروسية ترجمة الرنا المِرسال الخاص بالمُضيف. ويمكن أن يحدث هذا من طريق التداخل وعوامل بدء الترجمة عند المضيف أو إزالة القلنسوة ٥’ من الرنا المِرسال الخاص بالمُضيف.
إنَّ آليات التضاعف والانتساخ والترجمة عند المُضيف معقَّدة؛ وتتضمن عدّة إنزيمات وجزيئات. ويجب أن تتماشى الفيروسات وقيود الخلية المُضيفة من أجل التضاعف، ولكنّها طوّرت بعض الاستراتيجيات لضمان تفضيل انتساخ نسخ الرنا المِرسال الخاص بها والترجمة الفعَّالة للبروتينات الفيروسية على تلك التي للخلية المُضيفة.
١- التعضّي الأساسي للخلية:
• تمتلك كل خلية في حقيقيات النوى نواة مركزية تفصل الدنا الخاص بها عن باقي الخلية. ولا تمتلك بدائيات النوى نواة. وتمتلك جميع الكائنات الحية ضمن نطاق حقيقيات النوى ومنها الإنسان خلايا ذات نوى وتكون تلك المندرجة ضمن الجراثيم والعتائق من بدائيات النوى.
• توفرّ عدّة من العُضيّات الوظيفة الفعّالة للخلية. وتصنع الريبوسومات البروتين، ويمكن أن تكون هذه الريبوسومات حرّة في العُصارة الخلوية أو مرتبطة بالشبكة الهيولية الباطنة الخشنة التي تُطوّي البروتينات وتُعدِّلها إلى بروتينات سكرية أو بروتينات شحمية بعد صناعتها في الريبوسوم. وتُشحَن هذه الجزيئات ضمن حويصلات إلى معقد غولجي الذي يقوم بتعبئتها في حويصلات لإيصالها إلى الأجزاء المختلفة من الخلية أو إلى الحيّز خارج الخلوي.
• إنَّ الجسيمات الحالّة هي حويصلات ملأى مليئة بالإنزيمات القادرة على هضم جزيئات حيوية معقّدة. تُحطّم هذه العُضيّاتُ العُضيّاتِ غيرَ الفعّالة أو المواد القادمة من خارج الخلية.
• يُصنعّ الـATP في المتقدرات. ويتكوَّن الهيكل الخلوي من مكوِّنات بروتينية تضمن الدعم للخلية وعُضيّاتها، وتتدخَّل أيضاً في حركة الخلية والعُضيّات.
• تستخدم الفيروسات الـATP المُتولِّد في الخلية، وتستفيد من العضيات الخلوية لتصنيع بروتينات فيروسية، وتستخدم الهيكل الخلوي للتنقّل إلى أجزاء مختلفة من الخلية.
٢- الغشاء الهيولي والإيماس والالتقام:
• يتكوّن الغشاء الهيولي من الشحوم الفوسفورية التي تملك رأساً قطبياً وذيولاً غير قطبية، فهي من ثمّ ثنائية: الرأس الفوسفاتي محب للماء والذيول المكوَّنة من الحموض الدسمة كارِهة للماء.
• يصف نموذج الفسيفساء السائل الفكرة الحالية عن الغشاء الهيولي. وُيَذكر هذا النموذج أن الشحوم الفوسفورية للغشاء تتحرك بحرّيّة ضمن الغشاء، حالها حال كثير من البروتينات المُدمَجة المغروسة في الغشاء.
• تُعرَف عملية إفراز الجزيئات الكبيرة مثل البروتينات من الخلية بالإيماس (الإخراج الخلوي)، وتُسمىَّ عملية إدخال الجزيئات الكبيرة إلى داخل الخلية الالتقام. في الالتقام الكتلي يتشكّل حويصل يقوم بالإحاطة بالسائل خارج الخلوي، في حين يبدأ الالتقام المتواسِط بالمستقبِلة عندما ترتبط لَجينات (ربائط) بمستقبلات على سطح الخلية. وتَدخل اللَجينات مع المستقبلات ضمن حويصلات تتشكل في الوَهدات المغطاة بالكلاذرين من الغشاء الهيولي.
• تلتحم حويصلات الالتقام سريعاً مع الجُسيمات الداخلية التي تزيد حموضتها.
• يجب على الفيروسات أن تدخل عبر الغشاء الهيولي من أجل خَمْج الخلية. وبعض الفيروسات التي تدخل إلى الخلية بوساطة الالتقام يجب عليها أيضاً أن تهرب من الجسيمات الداخلية.
٣- دورة الخلية:
• يكون الدنا البشري ثنائي الصيغة الصبغية ومقسَّماً إلى كروموسومات.
• إنَّ دورة الخلية هي المراحل المتلاحقة التي تنمو خلالها الخلية، وتُضاعِف الدنا الخاص بها، وتنقسم إلى اثنتين عبر عملية الانقسام الفتيلي.
• تتضمَّن الأطوار الأربعة لدورة الخلية الفجوة ١، والتصنيع، والفجوة ٢، والانقسام الفتيلي.
• تتطلّب بعض الفيروسات من الخلايا أن تكون خاضعة للانقسام الخلوي؛ لأنها تحتاج إلى إنزيمات تكون في أثناء الانقسام الفتيلي. وتتداخل العديد من الفيروسات ومراحل دورة الخلية لزيادة فعالية التضاعف الفيروسي.
٤- المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية: تضاعف الدنا
• يذكر المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية أن الدنا يتضاعف لتكوين المزيد من الدنا، يُنتسَخ الدنا إلى رنا مِرسال، ويُترجَم الرنا المِرسال من قبل الريبوسومات لتكوين البروتينات.
• يتكوّن الدنا من أربعة أنواع من النوكليوتيدات المختلفة (أُسسها الأدينين والسيتوزين والغوانين والثيامين) المرتبطة بعضها ببعض. ويكون مزدوجَ الطاق؛ لكل طاق اتّجاه، ويُشار للاتجاه «الأمامي ٣َ-٥َ. وتتقابل النهاية ٥’ لأحد الطاقين مع النهاية ٣’ للطّاق الآخر؛ لأن الدنا ذو تناظر متعاكس.
• إنَّ تضاعُف الدنا نصف محافِظ؛ بحيث يعمل كل طاق قديم قالباً لطاق الدنا الجديد. وبوليميراز الدنا هو الإنزيم الذي يَقرأ الطاق القديم بالاتجاه ٥َ-٣َ ، ويكوِّن الطاق الجديد من النوكليوتيدات بالاتجاه. ٣َ-٥َ تُضاف النوكليوتيدات في عملية التنسّخ وفقاً لقواعد أزواج الأسس المتتامّة.
• تمتلك بوليميرازات الدنا دقة عالية، وترتكب خطأً واحداً في كل مليون نوكليوتيد تضيفه وسطياً.
• تستفيد بعض الفصائل الفيروسية من بوليميرازات الدنا الخلوية؛ لتُضاعِف جينومها من الدنا.
٥- المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية: انتساخ الرنا ومعالجته:
• تُعرَف عملية تكوين نسخة من الرنا المِرسال لقالب قطعة من الدنا بالانتساخ. ويرتبط بوليميراز الرنا II بعوامل انتساخ تتجمع على محفّز المورِّثة، ويضُم الإنزيم نوكليوتيدات الرنا (الأدينين والغوانين والسيتوزين واليوراسيل) بالاتجاه ٣َ-٥َ لتكوين نسخة طليعة الرنا المِرسال.
• تمتلك بوليميرازات الرنا دقة أقل من بوليميرازات الدنا.
• تُعالَج طليعة الرنا المِرسال قبل مغادرة النواة. تتلقّى النسخة قلنسوة من ٧- ميثيل غوانوزين في النهاية ٥’ وذيل من عديد A، وتُزال الإنترونات عبر تضفير الرنا.
٦- راموز الجينات (الشيفرة الوراثية):
• يُشير مصطلح راموز الجينات «الشيفرة الوراثية» إلى ترتيب الحموض الأمينية في البروتين الذي تُحدِّده متوالية الرنا المِرسال المُعالَج.
• يُترجِم ريبوسوم الخلية الحقيقية النواة نسخة الرنا المِرسال بالاتجاه ٣َ-٥َ ويبدأ عند رامِزة البدء، AUG. وتكون هذه الرامِزة داخل متوالية أكبر تُعرَف بمتوالية كوزاك المُتعارَف عليها. وتستمر الترجمة حتى الوصول إلى واحدة من روامِز الإنهاء (UGA، UAA، أو UAG).
• تُعرَف المنطقة من الرنا المِرسال التي تتُرجمَ بمصطلح «إطار القراءة المفتوح». وكذلك تُعرَف الأجزاء غير المترجَمة من المتوالية بالمنطقة ٣’ و٥’ غير المترجَمة (5’-3’ UTR).
• هناك ٢٠ حمضاً أمينياً و٦٤ رامِزة مُحتَمَلة. ويمكن أن تُرمِّز عدّة روامِز الحمض الأميني نفسه .
٧- المبدأ المركزي للبيولوجيا الجزيئية: ترجمة البروتين:
• تعمل الرنا النواقل، في داخل الريبوسوم عمل جزيئات محوِّلة؛ لأن متوالية مُقابِلة الرامزة فيها تتعرّف إلى نسخة الرنا المِرسال المُراد ترجمته. ويرتبط الحمض الأميني الموافق بالنهاية ٣’ من جزيء الرنا الناقل.
• هناك ثلاث مراحل للترجمة: الابتداء، والتطويل، والإنهاء.
• تُجنِّد عوامل ابتداء الترجمة خلال مرحلة الابتداء الريبوسوم والرنا الناقل مع نسخة للرنا المِرسال. ويمسح الريبوسوم الرنا المِرسال حتى يُصادِف رامِزة البدء.
• يتحرَّك الريبوسوم على مسار الرنا المِرسال خلال مرحلة التطويل. ثمَّ يدخل رنا ناقل حاملاً حمضاً أمينياً إلى الريبوسوم؛ لكل رامِزة جديدة. وتُربَط سلسلة الحموض الأمينية النامية بالحمض الأميني الجديد.
• يُصادِف الريبوسوم رامِزة إنهاء، وتنتهي الترجمة من خلال مرحلة الإنهاء. ثمَّ يُصبح البروتين مكتملاً.
٨- تحفيز عمليات الانتساخ والترجمة الفيروسية:
طوّرت الفيروسات عِدّة من التكتيكات، لتستفيد من آليتي الانتساخ والترجمة الخلويتين. وتستخدم الفيروسات آليات الانتساخ ومعالجة الرنا والترجمة الخلوية لضمان ترجمة بروتيناتها. وتتداخل الفيروسات أيضاً والانتساخ ومعالجة الرنا والترجمة لمنتَجات المورِّثات للمُضيف لضمان تفضيل ترجمة المنتَجات الفيروسية وأولويّتها.
- المجلد : المجلد الثامن عشر مشاركة :