أمراض الكبد والسبيل الصفراوي
امراض كبد وسبيل صفراوي
-
أمراض الكبد والسبيل الصفراوي
تأثيرات أمراض الكبد | الأمراض الاستقلابية |
معالجة الأمراض الكبدية | التهابات الكبد الفيروسية |
أمراض الكبد المناعية | المعثكلة |
التبدلات الديناميكية الدوائية pharmacodynamic في أمراض الكبد:
يشاهد عند المريض المُصاب بمرض كبدي متقدم تطاول في زمن البروترومبين وارتفاع في بيلروبين المصل، ويحتاج إلى عناية خاصة عند وصف الأدوية بسبب استجابة أعضاء الجسم غير الطبيعية لهذه الأدوية. يزداد تأثير الأفيون والمهدئات sedatives ومضادات الصرع في الجهاز العصبي المركزي، ويزداد تأثير مانعات التخثر anticoagulants الفموية بسبب ضعف اصطناع عوامل التخثر، ويكون توزان السوائل والشوارد مضطرباً حيث يزداد احتباس الصوديوم عند إعطاء مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية؛ مما يجعل الحبن والوذمات معندة على المعالجة بالمدرات.
الحرائك الدوائية pharmacokinetic في أمراض الكبد:
يمتلك الكبد احتياطياً استقلابياً مهماً بحيث لا يضطرب استقلاب الأدوية إلا عند حدوث انكسار المعاوضة الكبدية. وتُحدث أمراض الكبد البرانشيمية كالتهابات الكبد الفيروسية المزمنة وأمراض الكبد الناجمة عن الكحول تأثيراً أكبرَ في فعالية الإنزيمات الكبدية المستقلبة للأدوية بالمقارنة بأمراض الكبد الركودية كالتشمع الصفراوي البدئي primary biliary cirrhosis الذي يضعف من طرح الأدوية بالطريق الصفراوي.
الجريان الدموي الكبدي والاستقلاب:
يُشاهَد في أمراض الكبد تبدلاتٌ معقدةٌ في الجريان الدموي. وينخفض وصول الأدوية إلى الخلية الكبدية في التشمع بسبب زيادة المقاومة للجريان الدموي البابي أو بسبب المفاغرات البابية الجهازية أو داخل الكبدية؛ مما يؤدي إلى زيادة تركيز هذه الأدوية في الجريان الجهازي. وتتعلق هذه التبدلات بالطريقة التي يقوم بها الكبد باستقلاب الأدوية والتي تُقسم مجموعتين:
- الأدوية التي تُستقلَب بسرعة والتي يلتقطها الكبد بنسبة عالية من المرور الأول:يَنقص التقاط الكبد لهذه الأدوية في أمراض الكبد الشديدة، ويزداد تركيزها الجهازي؛ مما يُوجب إنقاص الجرعة البدئية والجرعة الداعمة لهذه الأدوية.
- الأدوية التي تُستقلَب ببطء والتي يلتقطها الكبد بنسبة قليلة من المرور الأول: تزيد أمراض الكبد من العمر النصفي لهذه الأدوية؛ مما يُوجب إطالة المدة الزمنية بين الجرعات الدوائية.
ارتباط الأدوية ببروتينات البلازما:
يَنقص ارتباط الأدوية ببروتينات المصل عندما ينخفض تركيز هذه البروتينات الناجم عن نقص اصطناعها؛ مما يؤدي إلى زيادة الفعالية البيولوجية للأدوية التي ترتبط ببروتينات المصل بنسبة عالية جداً (> ٩٠٪).
إعطاء الأدوية عند مريض مصاب بمرض كبدي:
يكون إعطاء معظم الأدوية آمناً عند المريض المُصاب بمرض كبدي معاوض معاوضة جيدة. تُفضَّل معايرة زمن البروترومبين والبيليروبين في حال الشك بانكسار المعاوضة مع الأخذ في الحسبان ما يلي:
نقص ألبومين المصل وزيادة الـ INR:
- وجود اعتلال دماغي كبدي حديث العهد.
- وجود احتباس سوائل أو اعتلال كلوي.
- الأدوية التي تلتقطها الكبد بنسبة عالية، والأدوية التي ترتبط ببروتينات المصل بنسبة عالية، والأدوية ذات النسبة العلاجية المنخفضة low therapeutic ratio، والأدوية المثبطة للجملة العصبية المركزية.
يُفضَّل إنقاص الجرعة الدوائية بنسبة ٢٥-٥٠٪ عند وصف الأدوية التي يكون استقلابها كبدياً بصورة رئيسية. ينبغي الانتباه لوصف الأدوية التالية:
مثبطات الجملة العصبية المركزية: ينبغي تجنب إعطاء المهدئات ومضادات الاكتئاب ومضادات الصرع؛ أو إعطاؤها بحذر شديد. تكون معالجة الامتناع عن تناول الكحول alcohol withdrawal محفوفة بالمخاطر عند مريض مصاب بمرض كبدي مثبت حيث ينبغي إنقاص جرعة الكلورديازبوكسايد (Librium) خلال ٥-١٠ أيام مع إعطاء التيازيد بجرعة عالية.
المسكنات: قد تُحدث الأفيونيات opiates اعتلالاً دماغياً كبدياً عند المصابين بمرض كبدي مكسور المعاوضة. وينبغي إنقاص جرعة الأفيونيات بنسبة ٢٥-٥٠٪ إذا دعت الحاجة لتناولها كمسكن بعد العمل الجراحي. كما يُحدث الكودئين اعتلالاً كبدياً دماغياً بسبب الإمساك الناجم عنه. وينبغي تجنب تناول الأسبرين ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية كلما كان ذلك ممكناً بسبب تأثيرها الحابس للسوائل وتأثيرها في الوظيفة الكلوية وتأثيرها المؤهب لحدوث نزف هضمي.
الأذية الكبدية المُحدثة بالأدوية drug-induced liver injury:
يمكن لأدوية كثيرة أن تُحدث أذيةً كبديةً. وتميل الأدوية إلى إحداث أذية في بعض المكونات النوعية للخلية الكبدية كالغشاء البلازمي والقنيات الصفراوية وإنزيمات السيتوكروم P٤٥٠ والمتقدرات. وتؤثر بعض الأدوية في استقلاب البيليروبين وإطراحه من دون حدوث أذية كبدية؛ مما يؤدي إلى ظهور يرقان غير مصحوب باضطراب في باقي اختبارات وظائف الكبد، يتلوه تحسن بعد إيقاف الدواء المُسبب. وتشمل هذه الأدوية الستيروئيدات البانية وإستروجين مانعات الحمل الفموية والريفامبيسين وحمض الفوسيديك fusidic acid.
تشخيص الأذية الكبدية المُحدثة بالأدوية وتدبيرها:
- ينبغي دائماً التفكير بالأذية الكبدية المُحدثة بالأدوية واستجواب المريض عن كل الأدوية التي يتناولها.
- ينبغي التفكير بالسبب الفيروسي لالتهاب الكبد.
- ينبغي التفكير بالأسباب الأخرى للركودة الصفراوية.
- تفيد خزعة الكبد في تشخيص الأذية الدوائية مع الأخذ في الحسبان أن الارتشاح بالحمضات (اليوزينيات) الذي يُعدّ نوعياً للأذية الدوائية له أسباب أخرى كثيرة.
- يُعدّ إعادة تناول الدواء بعد إيقافه لتشخيص الأذية الكبدية المُحدثة بالأدوية إجراءً خطراً، وينبغي عدم اللجوء إلى هذه الوسيلة التشخيصية.
- ينبغي مراقبة اختبارات وظائف الكبد في الأسابيع الأولى للمعالجة. ويُستمَر بمراقبة وظائف الكبد عند ارتفاع الترانساميناز لأقل من ضعفي المقدار الطبيعي من دون الحاجة لإيقاف الدواء. ويتوجب إيقاف الدواء عند ارتفاع الترانساميناز لأكثر من ٣ أضعاف المقدار الطبيعي حتى عند المرضى اللاعرضيين.
مضاعفات التشمع:
١- النزف من الدوالي: تتوضع دوالي أسفل المريء ودوالي المعدة في الطبقة تحت المخاطية، ويكون جدارها رقيقاً؛ مما يؤهب لحدوث نزف هضمي بسبب ارتفاع الضغط ضمن لمعتها. ويتعلق الضغط البابي بالمقاومة الوريدية البابية والجريان الدموي البابي واللذين يزدادان لدى مريض التشمع. وتنجم زيادة الجريان الدموي البابي عن التوسع الوعائي الحشوي وزيادة النتاج القلبي. ويَحدث النزف من الدوالي عندما يتجاوز ممال الضغط بين وريد الباب والجهاز الوريدي الحشوي ١٢ ملم زئبقاً (ممال الضغط الوريدي الكبدي hepatic venous pressure gradient). ويتظاهر نزف الدوالي بقيء دموي hematemesis و/ أو براز زفتي melena. ويُصادَف خمج جرثومي عند ٦٠٪ من المرضى المصابين بنزف من الدوالي، ولا يُعرَف فيما إذا كان الخمج الجرثومي يزيد من خطر حدوث النزف أم أنه تالٍ للنزف. وينبغي معالجة الخمج الجرثومي بصادات حيوية واسعة الطيف تغطي الجراثيم سلبية الغرام. كما يُوصَى أيضاً بإعطاء مثبطات مضخة البروتون proton pump inhibitors. يتوقف النزف تلقائياً عند بعض المرضى، ولكنه يتكرر مرةً أخرى عند نصف المرضى خلال ١٠ أيام.
٢- نزف الدوالي الحاد: يُعدّ الإنعاش الخطوة الأولى للمعالجة، وذلك بإعطاء معيضات البلازما ونقل الدم. ويمكن إعطاء الترليبريسين terlipressin عند الاشتباه بنزف من الدوالي لكونه يُنقص الجريان الدموي الحشوي ويزيد الضغط الدموي الجهازي؛ مما يساعد على إجراء التنظير الهضمي التشخيصي.
يُعدّ ربط دوالي المريء esophageal band ligation العلاج الأمثل لدوالي المريء النازفة، ويُجرى بتطبيق أربطة مرنة صغيرة على الدوالي في أثناء التنظير الهضمي. ويُعدّ ربط دوالي المريء أفضل من حقن مواد مصلبة ضمن الدوالي أو حولها، والذي قد يُحدث أحياناً بعض المضاعفات كالتهاب المريء، وتضيق المريء، وانثقاب المريء، ومرور المادة المصلبة إلى الدوران الجهازي. ويُعدّ الحقن المباشر للدوالي بمادة صمغية superglue من قبل مُنظر خبير العلاج الأمثل لدوالي المعدة النازفة. ويُسيطَر على نزف دوالي المريء عند ٩٠٪ من المرضى بعد ربطها بالطريق التنظيري بالمشاركة مع الترليبريسين. ويحتاج اختفاء دوالي المريء إلى جلسات متكررة من الربط التنظيري تُجرى إجراء متكرراً خلال فترة طويلة من الزمن.
إنقاص الضغط البابي دوائياً:
يُقبض الفازوبريسين vasopressin العضلات الملساء للجهاز القلبي الوعائي (تأثير في المستقبلات V2) والأوعية الدموية الحشوية؛ مما يؤدي إلى إنقاص الجريان الدموي الحشوي. وقد يُحدث الفازوبريسين تقبضاً في الأوعية الدماغية والإكليلية والجهازية؛ مما يُجبر على إيقاف المعالجة في ٢٠٪ من الحالات. وعند وجود مرض قلبي وعائي ونزف غزير لا يمكن السيطرة عليه يُمنَع من إجراء التنظير العلاجي، يَسمح إعطاء ثلاثي نيترات الغليسريل glyceryl trinitrate (عبر الجلد، أو تحت اللسان، أو بالطريق الوريدي) بالاستمرار بتناول الفازوبريسين؛ مما يُنقص من خطر المضاعفات القلبية الوعائية. ويُستخدَم حالياً المضاهي التركيبي synthetic analogue للفازوبريسين، وهو الترليبريسين، الذي يستمر تأثيره البيولوجي لمدة ٣-٤ ساعات، ويُعطَى حقناً وريدياً دفعة واحدة كل ٤ ساعات لمدة ٢-٥ أيام.
يُخفض السوماتوستاتين somatostatin - ومضاهيه الأوكتريوتايد Octreotide- الضغط البابي بإنقاص الجريان الدموي الحشوي. ويمتاز الأوكتريوتايد بتأثيره المديد، ويُعطَى حقناً دفعة واحدة، ويُعدّ تأثيره مماثلاً للترليبريسين من دون حدوث نقص تروية قلبية أو دماغية.
وعند استمرار النزف رغم المعالجة الدوائية والتنظيرية يمكن وضع مجازة بابية جهازية داخل كبدية عبر الوريد الوداجي transjugular intrahepatic portosystemic shunt (TIPS). وتصل هذه المجازة بين الدوران البابي والدوران الجهازي، وينبغي أن تكون هذه المجازة قابلة للتمدد ومغطاة covered expandable stent. وينبغي دراسة وريد الباب بالأمواج فوق الصوتية قبل وضع المجازة للتأكد من نفوذيته. وتشمل مضاعفات المجازة على المدى الطويل انسداد وريد الباب، وإنتان المجازة، والاعتلال الدماغي الجهازي البابي.
ويمكن تطبيق ضغط مباشر على الدوالي النازفة بوضع أنبوب مكون من ٣ لمعات قابلة للنفخ في المريء؛ مما يسمح بإيقاف النزف في ٩٠٪ من الحالات. وتشمل مضاعفات هذه المعالجة الاستنشاق وتقرحات المريء وانثقاب المريء. ويعاود النزف غالباً بعد سحب الأنبوب. وتسمح هذه المقاربة بنقل آمن للمريض إلى مركز لديه خبرة بمعالجة الدوالي النازفة. ويمكن إجراء تدخل جراحي عند استمرار النزف أو عند عدم إمكان وضع مجازة وداجية.
الوقاية من نزف الدوالي: يُعدّ الربط التنظيري لدوالي المريء والمُجرى إجراء متكرراً حتى اختفاء الدوالي المعالجة المُثلى للوقاية الثانوية من النزف. كما يُعدّ الربط التنظيري للدوالي المقاربة المفضلة للوقاية البدئية من نزف الدوالي التي تبدي علامات مؤهبة للنزف تُرى بالتنظير.
المعالجة الدوائية:
تُستخدَم حاصرات مستقبلات بيتا غير الانتقائية كالبربرانولول propranolol والنادولول nadolol في الوقاية الأولية والثانوية لنزف الدوالي، وتُنقص هذه الحاصرات النتاج القلبي بتأثيرها الحاصر للمستقبلات B1 وتُحدث تقبضاً وعائياً حشوياً بتأثيرها الحاصر للمستقبلات B2. ويلتقط الكبد البروبرانولول بنسبة عالية من المرور الأول؛ مما يجعل من الصعب التنبؤ بتوفره جهازياً عند مرضى التشمع وفرط ضغط وريد الباب بسبب التبدلات في الجريان الدموي الكبدي والمفاغرات البابية الجهازية. وفي الحالات المثالية ينبغي تعديل جرعة البربرانولول، والذي يُعطَى مرتين باليوم، بالاعتماد على قياس ممال الضغط الوريدي البابي، لأنه يندر أن يحدث نزف من الدوالي عندما يكون هذا الممال أقل من ١٢ ملم زئبقاً. وبسبب توفر هذا القياس في بعض المراكز المتخصصة فقط، تُعدَّل جرعة البروبرانولول من الناحية العملية بإنقاص نبض القلب في حالة الراحة بنسبة ٢٥٪ دون أن يكون هذا المعيار كافياً لمعالجة فعالة عند كل المرضى. ويُعطى النادولول مرّة واحدة يومياً بسبب تأثيره المديد. ويُستخدم الكارفيديلول carvedilol حالياً؛ لكونه حاصراً أيضاً للمستقبلات ألفا.
الحبن:
يحدث الحبن عند ٥٠٪ من مرضى التشمع خلال ١٠ سنوات، ويُعدّ ظهوره علامة إنذارية سيئة حيث يُتوفَّى ٥٠٪ من مرضى الحبن خلال سنتين. وينجم الحبن عن تفعيل جهاز الرينين – الأنجيوتنسين– الألدوستيرون (الذي يؤدي إلى احتباس الماء والصوديوم) وإنتاج الهرمون المضاد للإدرار (الذي يسبب نقصاً في صوديوم الدم بسبب تمدد الصوديوم ضمن البلازما). ويساعد نقص ألبومين المصل وفرط ضغط وريد الباب على تشكل الحبن.
تدبير الحبن:
ينبغي بزل سائل الحبن قبل البدء بالمعالجة للتأكد من وجود رشحة transudate. وتهدف المعالجة إلى زيادة إدرار الصوديوم ومن ثمّ طرح الماء. وتكون الحمية الفقيرة بالملح مفيدة في حين لا يُعدّ تحديد كمية السوائل التي يتناولها المريض مفيداً إلا عندما يكون صوديوم البلازما أقل من ١٢٥ ممول/ل. وتفيد الراحة في السرير؛ لكونها تنقص من فعالية الرينين. وتفيد معايرة الصوديوم في البول قبل المعالجة وفي أثنائها لمعرفة مدى تقيّد المريض بالحمية الفقيرة بالملح وتعديل جرعة المدرات ومعرفة متى تصبح المعالجة غير فعالة.
الاضطرابات الحركية الدموية في التشمع اللامعاوض
يُعدّ السبيرونولاكتون spironolactone (Aldactone) أكثر المدرات فعاليةً، ويَظهر تأثيره الأعظمي بعد أسبوعين من المعالجة، وإذا كانت الوظيفة الكلوية جيدة؛ يمكن إضافة مدرات العروة كالفيروسامايد furosemide لمعاكسة ارتفاع بوتاسيوم الدم الناجم عن السبيرونولاكتون. ويُعطىَ عادةً ١٠٠ ملغ من السبيرونولاكتون و٤٠ ملغ من الفيروسامايد. ويمكن أن تُزاد هذه الجرعة بالنسبة نفسها أسبوعياً- إذا دعت الحاجة- للوصول إلى جرعة قصوى من ٤٠٠ ملغ سبيرونولاكتون و١٦٠ ملغ فيروسامايد. ويندر أن يتحمل المرضى هذه الجرعة القصوى لفترة طويلة. ينبغي مراقبة وزن المريض في أثناء المعالجة بالمدرات بحيث لا يتعدى نقص الوزن ٠,٥ كغ باليوم. وتكون التأثيرات الضائرة للمدرات شائعة، وتشمل اضطراب الشوارد وتراجع الوظيفة الكلوية ومعصاً عضليّاً واعتلالاً دماغيّاً كبديّاً. وعند حدوث تثدٍّ ناجم عن السبيرونولاكتون، يُستعاض منه الأميلورايد amiloride بجرعة ١٠-٤٠ ملغ/باليوم. وينبغي إيقاف المدرات عند عدم وجود إدرار للصوديوم في البول.
يُعدّ بزل سائل الحبن الإفراغي المعالجة المثلى عند عدم الاستجابة للمعالجة بالمدرات أو عند حدوث مضاعفات ناجمة عن تناول المدرات. ويمكن تكرار البزل الإفراغي كل ٢-٣ أسابيع. ينبغي فحص سائل الحبن للبحث عن التهاب الصفاق الجرثومي تحت الحاد عند كل بزل، كما يجب إعطاء ٦-٨ غرامات من الألبومين وريدياً قبل البزل الإفراغي أو في أثنائه لكل لتر من الحبن الذي يتم يُفرَغ. وينبغي الوقاية من التهاب الصفاق الجرثومي تحت الحاد عند مرضى الحبن، ويُعدّ السبيروفلوكساسين والنورفلوكساسين فعالين في الوقاية.
التهاب الصفاق الجرثومي تحت الحاد:
يُعدّ التهاب الصفاق الجرثومي تحت الحاد إسعافاً طبياً مع نسبة وفيات مرتفعة، وينبغي التفكير به عند وجود مرض كبدي مصحوب بحبن. ويُشخَّص هذا الالتهاب عند وجود أكثر من ٥٠٠ كرية بيضاء/ مل أو أكثر من ٢٥٠ كرية عدلة/ مل في سائل الحبن. ويشير خمج سائل الحبن إلى مرض كبدي شديد، وينجم عن مرور Translocation الجراثيم سلبية الغرام عبر جدار الأمعاء إلى جوف الصفاق. تُعدُّ الكينولونات quinolones فعالة في المعالجة ما لم يكن المريض معالجاً بصاداتٍ حيويةٍ وقائية. ويُستبدَل بالصاد الحيوي في هذه الحالة الميروبينيم Meropenem لمدة ٧-١٤ يوماً مع بزل تشخيصي لسائل الحبن عند انتهاء المعالجة.
المتلازمة الكبدية الكلوية:
تُصادَف هذه المتلازمة عند ١٠٪ من المرضى المصابين بتشمع متقدم مصحوب بحبن، وتنجم عن تقبض وعائي كلوي شديد (الشكل١). وتكون نسبة الوفيات مرتفعة خلال ٣ أشهر من التشخيص. ويستجيب بعض المرضى للمعالجة بمقبضات الأوعية وخاصةً الترليبرسين بالمشاركة مع الألبومين الوريدي لمدة ١٤ يوماً. ولا يفيد الدوبامين في علاج هذه المتلازمة.
الاعتلال الدماغي الكبدي:
يؤهب الخمج والنزف الهضمي والاستخدام العشوائي للمدرات والمسكنات لحدوث الاعتلال الدماغي الكبدي. تؤدي الأمونيا دوراً مهماً في الفيزيولوجيا المرضية لهذا الاعتلال. وتنشأ الأمونيا من جراثيم القولون المحتوية على اليورياز Urease التي تمر إلى وريد الباب؛ لتلتقطها بعد ذلك الكبد. ويزداد تركيز الأمونيا في الدوران الجهازي، وتعبر الدماغ عند وجود مرض كبدي بسبب نقص الاستقلاب الكبدي ووجود مفاغرات بابية جهازية. ويكون التشخيص بالاعتماد على الفحص السريري وارتفاع أمونيا المصل والموجودات الوصفية لتخطيط الدماغ الكهربائي.
يُعالَج الاعتلال الدماغي الكبدي باللاكتولوز Lactulose؛ لكونه مسهلاً حلولياً Osmotic laxative يسمح بطرح المواد الضارة والسامة من السبيل الهضمي. وتستقلب الجراثيم القولونية اللاكتولوز لتحوله إلى حمض اللبن Lactic acid وحمض الأستيك acetic acid؛ مما يثبط نمو الجراثيم المنتجة للأمونيا من جهة، ويخفض باهاء القولون؛ ليقلل بذلك الانتشار غير المؤين Non-ionic diffusion للأمونيا من لمعة القولون إلى الدوران الجهازي. يُعطَى اللاكتولوز بجرعة تُحدث تغوطاً طرياً بمقدار ٢- ٤ مرات باليوم، وتكون الجرعة عادةً ٣٠- ٦٠ مل باليوم.
يؤدي إنقاص كمية البروتينات في القوت إلى تخفيض إنتاج الأمونيا؛ ولكن ذلك يزيد من نقص التغذية الشائع لدى مريض التشمع، ولذلك لا يُوصى باتباع حمية قليلة البروتينات. يثبط النيومايسين والميترونيدازول الجراثيم المنتجة لليورياز؛ ولكن استخدام هذين الصادين محدود بسبب تأثيراتهما السمية. ويُستخدَم الريفاكسيمين Rifaximin- وهو صاد حيوي لا يمتص من الأنبوب الهضمي- حالياً استخداماً واسعاً ويبدي فعاليةً جديدة ً من دون تأثيرات سمية.
سرطان الخلية الكبدية Hepatocellular carcinoma:
يؤهب التشمع لحدوث سرطان الخلية الكبدية الذي يكون أكثر شيوعاً عند الذكور والمسنين. تسمح مراقبة الكبد بالأمواج فوق الصوتية كل ٦ أشهر عند مريض التشمع بتشخيص الورم في مرحلة مبكرة. ويُعدّ زرع الكبد في الأورام الصغيرة شافياً بنسبة ٧٥٪ من الحالات. ويمكن للجراحة والمعالجة بالموجات الترددية radiofrequency ablation والإصمام الشرياني arterial embolization أن تكون مفيدة، ولكنها غير شافية. وأظهرت التجارب السريرية حديثاً فائدة السورافينيب sorafenib في إطالة مدة البقيا لعدة أشهر في التشمع المعاوض؛ ولكن سمية هذا الدواء مرتفعة.
١- التهاب الكبد المناعي الذاتي autoimmune hepatitis:
يرافق التهاب الكبد المناعي الذاتي وجود أضداد النوى وأضداد العضلات الملساء وارتفاع تركيز الغلوبولين المناعي المصلي IgG (أكثر من ٢٠ غ/ل). ويتظاهر المرض عادةً بشكل يرقان متردد، وقد يُحدث في حالات قليلة قصور كبد تحت حاد. وتتطور الحالات غير المعالجة نحو التشمع. وتُعدّ الستيروئيدات القشرية الخط الأول للمعالجة (بريدنيزولون بمقدار ٢٠ ملغ/يوم). وفي قصور الكبد تحت الحاد الذي يتظاهر باعتلال دماغي كبدي مصحوب بزيادة الـ INR؛ يمكن إعطاء الستيروئيدات القشرية مع خطر حدوث خمج أو يمكن إجراء زرع كبد. وقد يكون الريتوكسيماب Rituximab فعالاً؛ ولكن ما زالت المعطيات عن فعاليته قليلة.
يستجيب معظم المرضى للمعالجة بالستيروئيدات القشرية استجابة جيدة مع انخفاض في قيمة البيليروبين خلال أسبوعين. وينبغي إضافة الآزاثيوبرين azathoprine (imran) بمقدار ١ملغ/ كغ/ يوم عند تحسن اليرقان. وينبغي تعديل جرعة الستيروئيد القشري بحسب الوظيفة الكبدية. وينخفض تركيز الغلوبولين المناعي IgG في حال الاستجابة للمعالجة، كما يرتفع تركيز هذا الغلوبولين المناعي عند حدوث نكس. ويمكن المحافظة على هجوع المرض لمدة سنتين بمشاركة البريدنيزولون بمقدار ٥-١٠ ملغ/يوم مع الآزاثيوبرين. ويمكن إيقاف الستيروئيد القشري في حال استمرار الهجوع الكيميائي الحيوي لمدة سنتين مع بقاء قيمة الغلوبولين المناعي IgG طبيعية. ويوصَى بإجراء خزعة كبد للتأكد من هجوع المرض قبل تخفيض مقدار الستيروئيد القشري. تستمر المعالجة بالآزاثيوبرين للحصول على هجوع طويل الأمد. لوا تتوفر حالياً معايير واضحة حول إمكان إيقاف الآزاثيوبرين من دون حدوث نكس. قد تُحدث الستيروئيدات القشرية تشحماً وارتفاعاً في إنزيمات الكبد؛ مما يثير الشك باستمرار فعالية التهاب الكبد المناعي الذاتي.
يمكن إعطاء البودوزونايد budesonide بمقدار ٣-٩ملغ باليوم فموياً في حال عدم تحمل البريدنيزولون. ويكون الميكوفينولات موفيتيل Mycophenolate mofetil - بمقدار ٥٠٠ ملغ مرتين باليوم فموياً- مفيداً عند عدم تحمل الآزاثيوبرين. ولا يستجيب بعض المرضى استجابة جيدة للمعالجة بالبريدنيزولون والآزاثيوبرين، ويكون الميكوفينولات موفيتيل بالمشاركة مع التاكروليموس tacrolimus فعالاً لديهم. وتتشارك كل أمراض الكبد مع تسارع في الضياع العظمي، ولذلك يُوصَى مرضى التهاب الكبد المناعي الذاتي بتناول الكلسيوم والفيتامين د والبيفوسفونات biphosphonates.
٢- التهاب الطرق الصفراوية الأولي Primary biliary cholangitis:
هو مرض كبدي ركودي مزمن مجهول السبب. يصيب هذا المرض النساء خاصة؛ وذلك ابتداء من منتصف العمر، ويتظاهر بتعب وحكة يتلوهما ظهور يرقان. ويعتقد بعض الباحثين أن هذا المرض يتطور نحو قصور كبد خلال فترة ١٠ سنوات. ويمكن التنبؤ عادةً بسير المرض بعد ظهور اليرقان.
يرافق هذا المرض ارتفاع في أضداد المتقدرات antimitochondrial antibodyعند الغالبية العظمى من المرضى وارتفاع في الغلوبولين المناعي IgM. ولا تفيد المعالجة بالستيروئيدات القشرية والميتوتريكسات methotrexate، وتكون فعالية الآزاثيوبرين محدودة. ويُعدّ حمض الأورسو ديوكسي كوليك Ursodeoxycholic acid بمقدار ١٠-١٥ملغ/كغ/ يوم الخط الأول في المعالجة. ليس لهذا الدواء تأثيرات ضائرة فيما عدا الإسهال. ويكون الإنذار جيداً عند المرضى المستجيبين للمعالجة حيث تنخفض قيمة الفسفاتاز القلوية، ويقل خطر انكسار المعاوضة وكذلك الحاجة لزرع الكبد.
عند عدم الاستجابة للمعالجة بحمض الأورسو ديوكسي كوليك مع وجود دلائل كيميائية حيوية تشير لإنذار سيّئ على المدى الطويل؛ يمكن إعطاء حمض الأوبيتي كوليك Obeticholic acid (OBCA). ويجب إجراء دراسات إضافية لمعرفة تأثير هذا الدواء على المدى الطويل. وقد يُحدث حمض الأوبيتي كوليك حكة تزداد نسبة حدوثها بازدياد الجرعة.
تكون الحكة الناجمة عن الركودة الصفراوية منهكة، ويُعدّ الريفامبيسين rifampicin الأكثر فعاليةً في المعالجة. ويفيد الكوليستيرامين cholestyramine في معالجة الحكة؛ لكن طعمه غير المستساغ يقلل من المواظبة على تناوله.
تُحدث الركودة الصفراوية المزمنة سوء امتصاص الفيتامينات المنحلة بالدسم وخاصة الفيتامين د. لذلك يُوصى بإعطاء الكلسيوم والفيتامين د والبيفوسفونات لمرضى التهاب الطرق الصفراوية الأولي.
٣- التهاب الطرق الصفراوية المصلب الأولي primary sclerosing cholangitis:
هو مرض مترقٍّ يصيب الرجال خاصةً، ويتظاهر بيرقان متردد مع ترفع حروري أو من دونه. يُحدث هذا المرض التهاباً وتضيقاً في الطرق الصفراوية الكبيرة داخل الكبد وخارجها؛ مما يؤدي إلى ترقي اليرقان وحدوث تشمع صفراوي ثانوي. ويختلط هذا المرض بسرطان الطرق الصفراوية cholangiocarcinoma بنسبة كبيرة. ويوحي تشارك هذا المرض مع التهاب القولون القرحي وأمراض مناعية أخرى بكونه من منشأ مناعي. ليس ثمة أدوية فعالة لمعالجة هذا المرض. ويُستخدَم حمض الأورسو ديوكسي كوليك غالباً من دون وجود أدلة تشير إلى فعاليته. وتستجيب النوبات المتكررة من التهاب الطرق الصفراوية الجرثومي للإعطاء الدوري لصادات حيوية تُطرَح بالصفراء، وتؤثر في الجراثيم سلبية الغرام كالسيبروفلوكساسين.
٤- التهاب الكبد الناجم عن الكحول Alcohol-related hepatitis:
يشير الظهور المفاجئ ليرقان عند مريض تناول كمية مفرطة من الكحول إلى التهاب الكبد الناجم عن الكحول والذي يُصادَف عند الرجال أكثر من النساء. وتُظهر اختبارات وظائف الكبد ارتفاعاً في البيليروبين المنضم، وتبقى الفسفاتاز القلوية والـ ALT طبيعية. ولا يُظهر فحص الكبد بالإيكو علامات لمرض صفراوي. وتكون نسبة الوفاة مرتفعة، ويمكن التنبؤ بها باستخدام معايير تعتمد على العمر والبيليروبين والـ INR. وتُظهر خزعة الكبد وجود التهابٍ شديد مع ارتشاح الكبد بالعدِلات. ويشير وجود خمج جرثومي إلى إنذار سيئ. وأشارت دراسة مراقبة حديثة شملت عدداً كبيراً من المرضى إلى عدم فعالية البنتوكسيفيلينpentoxifylline وفعالية محدودة للستيروئيدات القشرية.
١- داء ويلسون:
وهو مرض جيني يُؤهب لتراكم النحاس في أعضاء مختلفة كالكبد والدماغ والعينين والكليتين. وتشمل التظاهرات السريرية اضطراب الحركة وأعراضاً نفسية وانحلال الدم وتظاهرات الإصابة الكبدية. ويكون تأكيد التشخيص صعباً، ويكون بمعايرة كلٍّ من نحاس المصل وسيرولوبلاسمين المصل، ومعايرة النحاس في بول ٢٤ ساعة قبل إعطاء البنيسيلامين وبعده، والبحث عن حلقة كايزر فليشر بالمصباح الشقي العيني، ومعايرة النحاس بخزعة الكبد.
يُعدّ البنيسيلامين د D-penicillamine الخالب للنحاس المعالجة المفضلة، ويُعطَى مدى الحياة، وله تأثيرات سمية متعددة على المدى القصير والطويل. وتكون المعالجة بالترينتين trientine الخالب للنحاس فعالة أيضاً. ويُنقص الزنك مخزون الجسم من النحاس، ويمثل أقل المعالجات سمية لداء ويلسون على المدى الطويل.
٢- داء الصباغ الدموي Hemochromatosis:
وهو مرض جيني متماثل الأمشاج homozygous يؤدي إلى تراكم الحديد في أعضاء مختلفة كالكبد والبنكرياس والجلد والمفاصل والأقناد. ويُعالَج هذا المرض بسهولة بالفصادة المتكررة التي تنقص مخزون الجسم من الحديد. ولا تكون الأدوية الخالبة للحديد فعالة في هذا المرض.
٣- الداء الكبدي التشحمي اللاكحولي non-alcoholic fatty liver disease:
يرافق الثلاثي المكون من ارتفاع الضغط الشرياني والبدانة والداء السكري اضطراب في وظائف الكبد. تكون خزعة الكبد غير طبيعية في الغالبية العظمى من الحالات، وتظهر إما وجود تشحم كبدي فقط؛ وإما وجود التهاب كبد تشحمي الذي يمكن أن يتطور نحو التليف والتشمع وربما سرطان الخلية الكبدية خاصةً عند الرجال. وتتمثل المعالجة بإنقاص الوزن ومعالجة ارتفاع الضغط الشرياني وارتفاع شحوم الدم والداء السكري. ويمكن للميتفورمين Metformin والبيوغليتازون pioglitazone والروزيغليتازون rosiglitazone أن تحسن من وظائف الكبد وبعض المظاهر النسيجية الكبدية من دون أن يكون لها تأثير في التليف ونسبة البقيا على قيد الحياة.
ثالثاً- التهابات الكبد الفيروسية viral hepatitis:
١- فيروس التهاب الكبد أ Hepatitis A virus (HAV):
تغيرت تظاهرات هذا المرض بسبب تحسن المستوى الصحي وتوفر لقاح فعال له. ويكون التهاب الكبد الفيروسي أ العرضي غير شائع في الدول الغربية في حين يكون شائعاً في الدول النامية بسبب حدوثه بعمر متقدم. ويُوصَى بإعطاء اللقاح المضاد للفيروس أ للأشخاص المسافرين إلى المناطق الموبوءة. ويحتاج تشكل أضداد بمقدار واقٍ إلى أسبوعين، وتستمر فعالية هذا اللقاح لعشر سنوات عادة.ويَمنح التمنيع المنفعل passive immunity بإعطاء بلازما مُجمّعة pooled plasma من المتبرعين المصابين سابقاً بفيروس التهاب الكبد أ حمايةً مؤقتةً، ولا يُوصى به حالياً.
٢- فيروس التهاب الكبد ب Hepatitis B virus (HBV):
يُحدث فيروسالتهاب الكبد ب عادةً إصابة حادة عرضية أو غير عرضية من دون أن تتطور نحو التهاب كبد مزمن. وتُستطَب المعالجة الفيروسية في الإصابة الحادة عند نسبة قليلة من المرضى؛ وذلك عند حدوث قصور كبدي حاد أو عند الأشخاص مُضعفي المناعة؛ لأن نسبة حدوث إصابة شديدة أو إصابة مزمنة تكون مرتفعة لديهم.
تكون نسبة الإصابة المزمنة- والتي تستمر مدى الحياةً عادةً- مرتفعة عند الأطفال، وتنخفض نسبة حدوثها مع تقدم العمر لتصيب ٥-١٠٪ من البالغين وخاصةً لدى الذكور، كما تكون الإصابة المزمنة أكثر شيوعاً عند مُضعفي المناعة والمسنين.
يَنقص الحمل الفيروسي viral load مع التقدم بالعمر، وكذلك تَنقص بروتينات فيروس التهاب الكبد ب (المستضد السطحي لالتهاب الكبد ب HBsAg والمستضد الغلافي لالتهاب الكبد ب HBeAg). لا تُعد معالجة كل المرضى المصابين مناسبة أو ممكنة من الناحية العملية، وينبغي تقييم مرحلة المرض للحصول على معالجة ناجحة. وأظهرت الدراسات وجود تشارك بين نسبة التكاثر الفيروسي من ناحية وتطور الأذية الكبدية والتشمع وقصور الكبد وسرطان الخلية الكبدية من ناحية ثانية تؤدي المعالجة الفيروسية الناجحة إلى تحسن البقيا، وإنقاص نسبة حدوث قصور الكبد وسرطان الخلية الكبدية، وإنقاص الحاجة لزرع كبد.
يتوفر الإنترفيرون-ألفا بشكله المرتبط pegylated؛ مما يسمح بإعطائه مرّة بالأسبوع تحت الجلد. يُحدث الإنترفيرون-ألفا المرتبط عند إعطائه لمدة ٦ أشهر عند مريض لديه مرض كبدي فعال مع ارتفاع في إنزيمات الكبد وتبدلات التهابية بخزعة الكبد وحمل فيروسي منخفض شفاءً عند ٢٥٪ من المرضى. ويُنبئ ارتفاع إنزيمات الكبد خلال المعالجة بالتخلص من دنا فيروس التهاب الكبد ب HBV-DNA والمستضد السطحي لالتهاب الكبد ب HBsAg وظهور الأضداد السطحية لالتهاب الكبد ب anti-HBs. وينبغي عدم إعطاء الأنترفزون-ألفا عند وجود دلائل لانكسار المعاوضة الكبدية؛ لأن ارتفاع إنزيمات الكبد أثناء المعالجة قد يُحدث قصوراً كبدياً.
يُعالَج معظم المرضى حالياً بمضاهيات النوكليوتيد والنوكليوزيد nucleotide and nucleoside analogues الفموية لمدة طويلة، والتي تشمل اللاميفودين lamivudine والتلبيفودين telbivudine والأنتاكفير entecavir والأديفوفير adefovir والتنوفوفير tenofovir. يتميز فيروس التهاب الكبد ب بحدوث نسبة عالية من الطفرات التلقائية spontaneous mutations والتي تتأثر بحسب الاستجابة المناعية للفيروس والمعالجة الفيروسية. وتُنقص المعالجة المشاركة لمدة طويلة من فشل المعالجة. وتهدف المعالجة بمضادات الفيروس الفموية إلى السيطرة الطويلة الأمد على الفيروس، ولا تُعرَف مدة المعالجة بالتحديد. وينبغي مراقبة الحمل الفيروسي عند المرضى المعالجين. وتصبح وظائف الكبد طبيعية عند انخفاض الحمل الفيروسي. ويُعزَى الفشل في السيطرة على الحمل الفيروسي إلى حدوث طفرات فيروسية، أو تناول جرعة دوائية غير كافية، أو عدم التقيّد بالمعالجة. يُحدث اللاميفودين أعلى نسبة من الطفرات الفيروسية، في حين يتميز التنوفوفير بأقل نسبة لحدوث الطفرات (قريبة من الصفر في الدراسات المجراة على هذا الدواء والتي امتدت لفترة ١٠ سنوات). وينبغي تغيير خطة المعالجة إذا أثبتت الفحوص حدوث طفرة فيروسية.
يتمثل السؤال الأكثر أهمية بمعرفة أيٍّ من الأدوية السابقة ينبغي اختياره لبدء المعالجة. ويُعدّ التهاب الكبد ب الناكس بعد المعالجة الكيميائية أو التالي لتثبيط مناعي الأكثر خطورة بسبب تطوره السريع واحتمال حدوث انكسار المعاوضة الكبدية. وفي هذه الحالات الخطرة من التهاب الكبد ب، ينبغي تناول المضاد الفيروسي الذي يتمتع بتأثير فيروسي سريع وقوي كالتنوفوفير. وفي الحالات الأخرى ذات الخطر الأقل، يمكن مشاركة اللاميفودين مع الأديفوفير.
تُمانع بعض النساء تناول مضادات الفيروسات الفموية؛ إذا كان الحمل لديهن ممكناً. ويُعدّ اللاميفودين آمناً عند المرأة الحامل، ولا يمكن اعتبار مضادات الفيروس الفموية الأخرى آمنة ولكن لا تتوفر دراسات كافية في هذا المجال.
لقاح التهاب الكبد ب Hepatitis B vaccine: يُعدّ لقاح التهاب الكبد ب فعالاً حيث يمنح مناعةً طويلةً الأمد تستمر لعدة سنوات أو عدة عقود. وليس من الواضح فيما إذا كان هناك داعٍ لإعطاء لقاح داعم booster vaccine. وتنقص فعالية اللقاح مع التقدم بالعمر وعند الأشخاص مُضعفي المناعة. ينبغي تلقيح الولدان من أمهات حاملات للفيروس ب عند الولادة وبعد شهر وستة أشهرمن الولادة. كما يُوصَى بإعطاء الغلوبولين المناعي لالتهاب الكبد ب (بلازما مُجمّعة من متبرعين لديهم نسبة مرتفعة من أضداد المستضد السطحي للفيروس ب HBsAg) كتمنيع منفعل؛ وذلك عندما يكون التكاثر الفيروسي viral replication لدى الأم مرتفعاً. ويمكن أيضاً معالجة الأمهات بالأدوية الفموية المضادة للفيروس ب في الثلث الأخير من الحمل لإنقاص خطر نقل الإصابة إلى المولود. ويُستطَب أيضاً التمنيع الفاعل (لقاح التهاب الكبد ب) والتمنيع المنفعل (الغلوبولين المناعي لالتهاب الكبد ب) عند الأشخاص المتعرضين لوخز بإبرة ملوثة بدم شخص مصاب بالفيروس ب.
٣- فيروس التهاب الكبد د Hepatitis D virus (HDV):
تندر مصادفة التهاب الكبد د في الممارسة السريرية. وتَحدث هذه الإصابة بالتزامن مع التهاب كبد ب simultaneous infection أو عند مريض مصاب سابقاً بالتهاب كبد ب superinfection. تسمح المعالجة المديدة بالإنترفيرون -ألفا المرتبط pegylated interferon-alpha لأكثر من سنة بالسيطرة على تكاثر الفيروس د (معايرة رنا فيروس التهاب الكبد د HDV-RNA في المصل) عند نحو ٥٠٪ من المرضى.
٤- فيروس التهاب الكبد ج Hepatitis C virus (HCV):
تَحدث الإصابة بالتهاب الكبد ج في معظم الحالات عند متعاطي المخدرات حقناً، وتكون نسبة الإصابة بالانتقال العمودي من الأم إلى وليدها في أثناء الولادة ٥٪. ولم تعد تشاهد حالياً حالات التهاب الكبد ج التالية لنقل الدم أو مشتقاته بسبب توفر فحوص موثوقة لكشف هذا الفيروس عند المتبرعين بالدم. يكون التهاب الكبد الفيروسي الحاد ج لا عرضياً عادةً، في حين تبلغ نسبة الإزمان بعد التعرض للفيروس ٨٥٪ وخاصةً عند الأطفال والمتقدمين بالعمر ومثبطي المناعة. ويُصادَف التشمع عند ٥٪ من المرضى، وتبلغ نسبة حدوث سرطان الخلية الكبدية عند مرضى التشمع ٢٥٪. وتختلف المدة اللازمة لحدوث التشمع من مريضٍ إلى آخر؛ ولكنها قد تكون قصيرة عند حصول الإصابة بعد عمر الـ٦٠ سنة. وتزداد نسبة حدوث التليف الكبدي عند حدوث الإصابة بعد عمر الأربعين سنة، وعند الذكور، وبازدياد مشعر كتلة الجسم BMI، وعند وجود مقاومة للإنسولين، وعند مثبطي المناعة، وفي حال الإصابة المشاركة بفيروس العوز المناعي البشري HIV، وعند الإفراط في تناول الكحول.
تتغير معالجة التهاب الكبد المزمن ج باستمرار، ويعود ذلك إلى ظهور أدوية جديدة فعالة بشدة وبسرعة مدهشة. يُوصَى القارئ بالاطلاع على التعليمات الناظمة للجمعية الأمريكية لدراسة أمراض الكبد American Association for the Study of Liver Disease (AASLD) والتعليمات الناظمة للجمعية الأوربية لدراسة أمراض الكبد European Association for the Study of Liver Disease (EASLD) والتي تُحدّث على الشابكة (الانترنت) باستمرار. كما يُوصى القارئ أيضاً بالاطلاع على السياسة الصحية الوطنية لمعالجة التهاب الكبد المزمن ج في موطنه والتي تأخذ في الحسبان النمط الجيني السائد، ومرحلة المرض، وكلفة المعالجة، وعدد المرضى المصابين الذين ينتظرون الحصول على المعالجة. إن كلفة المعالجة بالأدوية الحديثة مرتفعة للغاية؛ ولكنها انخفضت بشدة في السنتين الماضيتين بسبب توفر أدوية متعددة فعالة وبسبب التنافس بين الشركات الدوائية المصنعة لهذه الأدوية.
تكون الغالبية العظمى لمضادات الفيروس الحديثة مثبطة للبروتياز protease inhibitor أو تستهدف البروتين غير البنيوي Non-structural protein NS٥A أو تثبط البوليميراز NS٥B. تكون المعالجة بمشاركة أدوية ذات آليات تأثير مختلفة؛ مما يَنقص من نسبة ظهور فيروسات مقاومة للعلاج إلى الحد الأدنى. تكون مدة المعالجة قصيرة؛ مما يزيد من تقيّد المرضى بها. تتجاوز نسبة شفاء التهاب الكبد المزمن ج ٩٥٪ من الحالات، وذلك بغض النظر عن النمط الجيني وعمر المريض وجنسه ودرجة التليف الكبدي. ويُستثنى من ذلك المرضى الذين فشل لديهم العلاج الفيروسي سابقاً، ومع ذلك تتجاوز نسبة الشفاء لدى هذه الفئة من المرضى ٩٠٪. وتكون نسبة الاستجابة للمعالجة في التشمع المكسور المعاوضة جيدة؛ مما يسمح باستعادة جزء ٍكافٍ من الوظيفة الكبدية عند البعض وبالتالي سحبهم من قائمة الانتظار لزرع الكبد. كما تكون نسبة الشفاء مرتفعة أيضاً عند وجود إصابة مشاركة بفيروس العوز المناعي البشري وفي التهاب الكبد ج عند مرضى زرع الكبد مع الأخذ في الحسبان إمكان حدوث تداخل دوائي في هاتين الفئتين من المرضى بسبب الأدوية المستخدمة لعلاج فيروس العوز المناعي البشري والأدوية المثبطة للمناعة عند مرضى زرع الكبد. ويُظهر الجدول (١) البرتوكول العلاجي المستخدم حالياً في المملكة المتحدة لعلاج التهاب الكبد المزمن ج والذي يمكن أن يتغير في المستقبل القريب بسبب ظهور أدوية جديدة وفعالة. وتكون التأثيرات الضائرة لهذه الأدوية الحديثة نادرة رغم استخدامها على نطاق واسعٍ خلال السنتين الأخيرتين.
الجدول (١) البروتوكول المستخدم حالياً لعلاج التهاب الكبد المزمن ج في المملكة المتحدة |
• سوفوسبوفير sofosbuvir (تأثير في البروتين غير البنيوي NS5B) بالمشاركة مع فلباتاسفير velpatasvir (تأثير في البروتين غير البنيوي NS5A) وفوكسيلابرفير voxilaprevir (مثبط البروتياز لكل الأنماط الجينية) لمدة ١٢ أسبوعاً عند المرضى الذين فشل لديهم العلاج الفيروسي سابقاً.
• غليكابرفير glecaprevir (تأثير في البروتين غير البنيوي NS3/4A) والببرانتاسفير pibrentasvir (تأثير في البروتين غير البنيوي NS5A) لكل أنماط فيروس التهاب الكبد ج الرئيسية لمدة ٨ أسابيع إذا لم يكن هناك تشمع و١٢ أسبوعاً في حال وجود تشمع.
الحصيات المرارية gallstones:
يُمكن لحمض الأورسو ديوكسي كوليك أن يحل الحصيات المرارية الكولسترولية بوساطة زيادة انحلال الكولسترول في الصفراء؛ ولكن يندر أن يُستخدَم حالياً لهذا الاستطباب. ويمكن استخدام هذا الدواء في حالات الطين الصفراوي biliary sludge أو الحصيات الصفراوية الدقيقة المُشخصة بالإيكو عبر التنظير endoscopic ultrasound. ويُعطَى هذا الدواء فموياً بجرعة ٨-١٢ ملغ/كغ باليوم.
- الإنزيمات الهاضمة digestive enzymes:
تهدف معالجة القصور البنكرياسي الخارجي الإفراز pancreatic exocrine insufficiency إلى تجنب نقص الوزن ومعالجة الإسهال والمحافظة على النمو عند الأطفال. لا يكون الحصول على كمية كافية من الإنزيمات الهاضمة في العفج بالتزامن مع تناول الطعام أمراً سهل المنال كما يبدو ظاهرياً. وتُبطئ الوجبة الغنية بالحريرات والبروتينات والدسم إفراغ المعدة، في حين أن حمض المعدة يخرب الإنزيمات البنكرياسية التي تُتناول فموياً. ويَكفي عشر النتاج البنكرياسي الطبيعي لتجنب حدوث إسهال دهني steatorrhea. ويُحسّن تناول مثبطات مضخة البروتين من فعالية الإنزيمات البنكرياسية التي تُتناول فموياً. وتختلف فعالية المستحضرات المتوفرة، ويُعدّ البنكرياتين pancreatin فعالاً جداً. ويُعطى المريض الجرعة الموصى بها لمستحضر معين؛ ومن ثم تُعدَّل الجرعة بحسب الحاجة وبحسب حجم الوجبة الغذائية وطبيعتها. وينبغي عدم استخدام الإنزيمات البنكرياسية عند المرضى المصابين بالتليف الكيسي cystic fibrosis بسبب احتمال حدوث انسداد دقاقي أعوري أو قولوني.
- التهاب البنكرياس الحاد acute pancreatitis:
اختُبرت أدوية متعددة لمعالجة التهاب البنكرياس الحاد؛ ولكن لم تثبت الفعالية العلاجية لأيّ منها. تشمل الخطوط العريضة لمعالجة التهاب البنكرياس الحاد:
- تسكين الألم: تكون الأفيونيات فعالة بشكل عموماً، وتتجاوز فعاليتها المسكنة للألم إمكان إحداثها لتقبض في مصرة أودي؛ وهو الذي يؤخر مرور المفرزات البنكرياسية. ويُعدّ البوبرينورفين buprenorphine المسكن المفضل.
- إصلاح نقص حجم الدم الناجم عن مرور كمية كبيرة من السوائل حول البنكرياس المُصاب، وذلك بنقل معيضات البلازما أو نقل الدم في حال انخفاض الهيماتوكريت. وينبغي تعويض الشوارد إذا دعت الحاجة للحفاظ على الوظيفة الكلوية.
- توفير إفراغ جيد للطرق الصفراوية مبكراً من طريق الـ ERCP في حال الاشتباه بوجود حصيات صفراوية.
- لم تثبت حتى الآن فعالية المعالجة الوقائية بالصادات الحيوية.
البنكرياس والأدوية:
يُعدّ التهاب البنكرياس الحاد التأثير الضائر الأكثر شيوعاً، ويُصادَف خاصةً عند الإفراط في تناول الكحول alcohol abuse. يزيد ارتفاع كلسيوم الدم الناجم عن الانسمام بالفيتامين د والتغذية الوريدية المركزية من خطر حدوث التهاب البنكرياس الحاد. كما يمكن للستيروئيدات القشرية والديدانوزين didanosine والآزاثيوبرين والمدرات (التيازيدات thiazides والفيروساميد furosemide) وفالبروات الصوديوم sodium valproate والميسالازين mesalazine والباراسيتامول بجرعة زائدة أن تُحدث التهاب بنكرياس حادّاً.
سمير الحفار
- المجلد : المجلد السابع عشر مشاركة :