أدوية الأمراض العصبية (الصرع ـ داء باركنسون ـ التصلب اللويحي)
ادويه امراض عصبيه (صرع داء باركنسون تصلب لويحي)
-
أدوية الأمراض العصبية
(الصرع، داء باركنسون، التصلب اللويحي)
يركز هذا الفصل على ثلاثة من الأمراض العصبية الشائعة، هي الصرع وداء باركنسون والتصلب اللويحي، والتي يتضمن تدبير كل واحد منها مجموعة كبيرة من الخيارات الدوائية التي تنتظم ضمن استراتيجيات علاجية محددة، بعضها معقد والآخر بسيط؛ مما يفسر وجود «مراكز طبية عصبية» تختص بعلاج كل واحد منها نظراً لما تتطلبه الاستراتيجيات العلاجية من خبرة وعلم ومتابعة دقيقة للمستجدات، ومراقبة لصيقة للتأثيرات الدوائية المختلفة – الإيجابية منها والسلبية - مع ضرورة القيام بتعديلات مستمرة للخطط العلاجية بحسب تطور المرض الذي نادراً ما يبقى مستقراً. سوف يتناول هذا الفصل أيضاً، بعض الاضطرابات العصبية التي تمت بالصلة إلى هذه الأمراض، مثل المتلازمات الباركنسونية، أو لوجود أعراض قد تعد جزءاً من الصورة السريرية لها، مثل الشناج spasticity الذي يدل على وجود متلازمة هرمية وتأذي العصبون المحرك العلوي.
الداء الصرعي معروف منذ سالف الزمان، وهناك العديد من الكتابات العلمية القديمة التي وصَفت بدقة كبيرة بعض التظاهرات السريرية للنوب الصرعية التي كانت تعزى إلى لعنة إلهية وأرواح شريرة تسكن جسد المريض إلى أن جاء أبقراط Hippocrates وأكد أن المرض عضوي دماغي، وجاء بعده ابن سينا الذي أكد أن الصرع مرض دماغي. ويعود الفضل في تعرف الطبيعة المرضية الكهربائية للصرع إلى جاكسون Hughlings Jackson الذي أكد في القرن التاسع عشر أن الصرع ينجم عن انفراغات مفاجئة ومفرطة وغير منتظمة للعصبونات القشرية الدماغية.
النوبة الصرعية Seizure: تعرف النوبة الصرعية بأنها حدث أو واقعة «انتيابية Paroxysmal» تنجم عن اضطراب قشري دماغي موضع أو معمم، سببه ظهور مفاجئ لانفراغات كهربائية انتيابية في العصبونات القشرية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النوبة الصرعية لا تعني بالضرورة النوبة الاختلاجية المقوية الرمعية المعروفة من الجميع؛ إذ يمكن أن يكون للنوب الصرعية أعراض وعلامات سريرية متنوعة جداً، وقد تكون موضعة أو معممة، اختلاجية أو تشنجية أو ناقصة المقوية أو حسية أو وظيفية (اضطراب شم أو ذوق أو سمع أو بصر)، وقد ترافقها اضطراب في الوعي أو تبدلات في السلوك،أو أنها تحدث والمريض بكامل وعيه. ويعود هذا الاختلاف في المظاهر السريرية للصرع إلى اختلاف المنطقة القشرية الدماغية التي أصيبت بالانفراغات. في المقابل يرتكز تعريف الداء الصرعي epilepsy على تكرر النوب الصرعية التي تظهر من دون عامل محرض unprovoked seizure والتي تدل على وجود «حالة مرضية» تؤهب لتكرر حدوث النوب الصرعية.
وتشير الدراسات الوبائية إلى أن ٣–٥ ٪ من الاشخاص سوف يعانون خلال حياتهم من نوبة، ولكن الذين سوف يتطور لديهم الصرع هم أقل من ثلث هؤلاء، أي نحو ١٪ من السكان.
أسباب الصرع والأنماط المختلفة للصرع Pathology and seizure types:
في الحقيقة هناك عشرات الأسباب للداء الصرعي، ويمكن القول إن قرابة ٥٠٪ من حالات الصرع التي تصادف لدى البالغين يعود سببها إلى خلل مورثي أو أذية حدثت خلال التطور الجنيني. والنصف الآخر من صرع البالغين يعود إلى أذيات معروفة «مكتسبة» حدثت في مراحل لاحقة، مثل الكحولية ورضوض الرأس الشديدة والسكتات الدماغية وورم الدماغ. وتتظاهر غالبية الحالات التي سببها خلل مورثي بأحد أشكال الصرع المعمم الأولي primary التي تتضمن صرع الغيبة absence seizure (انقطاع التواصل والتوقف عن متابعة السلوك الحركي مدة قصيرة)، والصرع المعمم المقوي الرمعي generalized tonic- clonic seizure (تشنج عضلي معمم يتلوه اختلاجات ومن ثَم مرحلة التخليط الذهني المرافق لعودة الوعي)، والصرع الخلجاني الشبابي (يتميز بنفضات عضلية مفاجئة في الطرفين العلويين خاصة). وفي المقابل تكون النوب الصرعية من النمط الجزئي Partial seizure تالية لأذية موضعة في القشر الدماغي (رض – نزف – ورم)، وتكون تظاهراتها السريرية مقتصرة على عرض أو مجموعة من الأعراض الحسية أو الحركية. تقسم النوب الصرعية الجزئية إلى مجموعتين رئيسيتين؛ الصرع الجزئي البسيط Simple partial seizure الذي يبقى فيه المريض واعياً خلال فترة النوبة، والصرع الجزئي المعقد Complex partial seizure الذي يبدو المريض خلال النوبة كما لو أنه لا يزال محتفظاً بوعيه إلا أنه يكون بحالة تشبه الغياب مع عدم القدرة على الاستقبال أو التواصل. ولا يذكر المريض أي شيء مما حدث معه خلال هذه النوبة.
وأحد أهم أشكال الصرع الجزئي هو صرع الفص الصدغي الناجم عن تبدلات تصلبية في القسم الإنسي من الفص الصدغي Mesial temporal sclerosis.
المبادئ الرئيسية لتدبير الصرع:
وهناك قواعد عامة لا بد من احترامها والعمل بموجبها للحصول على أنسب مقاربة ممكنة، وتتضمن هذه القواعد:
١- البحث عن السبب المسؤول، وتحديد طبيعته وعلاجه بحسب ما يقتضيه الوضع إما بالتداخل الجراحي (ورم – آفة ضاغطة – تشوه شرياني وريدي- ندبة دبقية قشرية)، وإما بعلاج الأسباب المحرضة للنوب (نقص سكر الدم – اضطراب الشوارد – علاج دوائي محرض للنوب).
٢- تثقيف المريض وعائلته بخصوص الداء الصرعي الذي يعاني منه (الإنذار – العلاج الأنسب تأثيراته الجانبية – مدة العلاج المتوقعة، وهل هي ثلاث سنوات أو طوال الحياة - النصائح التي لا بد له من التقيد بها – ضرورة التقيد بالجرعات ومواعيدها – خطورة قيادة السيارة أو الدراجات- خطورة بعض أنواع المهن والرياضة والتي قد تعرض المريض لأذيات رضية خطرة). والتركيز على تجنب العوامل المعروفة بأنها تحرض حدوث النوبة، مثل نسيان تناول الدواء، أو تخفيض الجرعة، والأرق وعدم انتظام النوم، وشرب الكحول، والترفع الحروري.
٣- تسجيل دقيق لتوقيت حدوث النوب وربطها بأي تبدلات في النظام الحياتي أو البيولوجي، مثل الدورة الطمثية التي يمكن للنوب الصرعية أن تتكرر خلالها بصورة منتظمة مع كل طمث (catamenial epilepsy).
٤- إيضاح المخطط العلاجي للمريض وإعلامه بأن بعض النوب قابلة للضبط دوائياً بصورة ممتازة، في حين أن بعضها الآخر قد يستجيب جزئياً للعلاج، أي إن النوب تصبح أقل تواتراً. وأخيراً هناك فئة من المرضى يكون الصرع الخاص بهم من النوع المعند على العلاج refractory or reluctant، ويقدر أنهم زهاء ٢٥ – ٣٠٪ من مجموع مرضى الصرع وبعض هؤلاء يمكن أن يتحسن بالتداخل الجراحي (خاصة صرع الفص الصدغي الذي يشفى شفاء شبه تام من النوب بعد استئصال الثلثين الأماميين للقسم الإنسي من الفص الصدغي temporal lobectomy).
٥- تعليم الأهل كيفية التعامل مع النوب الصرعية المعممة، وحماية المريض من حدوث أذيات رضية خلال مرحلة الاختلاجات، ووضعه بوضعية الاستلقاء الجانبي مع تحرير منطقة العنق من أي سبب مضيق لمجرى التنفس.
الحفاظ على عبوات من الديازيبام المخصص للإعطاء عبر الشرج أو الميدازولام بالشكل البخاخ عبر الأنف؛ وذلك لاستعمالهما في الحالة التي تستمر فيها الاختلاجات مدة تتجاوز ثلاث دقائق.
وفي حال استمرت النوب الاختلاجية خمس دقائق أو أكثر يصبح من الضروري نقل المريض إلى أقرب مشفى للبدء بالعلاج «حالة صرعية» الذي يتضمن تسريب أحد البنزوديازيبينات – الديازيبام أو اللورازيبام، ومن ثم الفينيتوئين.
|
الدليل الخاص بالمعالجة الدوائية للصرع Practical guide to antiepileptic drugs:
١- النقطة الأولى «متى نبدأ بالعلاج الدوائي»:
تشير الدراسات إلى أن احتمال تكرر النوبة الاختلاجية الأولى باتجاه الصرع المزمن يعادل ٣٣٪ من الذين أصيبوا بأول نوبة اختلاجية. وهذه الأرقام تشير إلى أن غالبية النوب التي تظهر أول مرة لن تتكرر؛ لذلك هناك توافق على عدم علاج أول نوبة اختلاجية، ولكن يصبح من الضروري البدء بالعلاج الدوائي بعد ثاني نوبة في حال حدوثها بعد أكثر من أسبوعين؛ إذ أوضحت الدراسات أن احتمال تكرر النوب يتضاعف بعد ثاني نوبة. وفي حالة المريض غير الراغب بالبدء بالعلاج لا بد من إيضاح النقطة المتعلقة بخطر الوفاة المفاجئة للمريض الصرعي في أثناء النوم SUDEP، والتي يضعف احتمال حدوثها بالعلاج.
٢- النقطة الثانية تتعلق بالعلاج بدواء وحيد Monotherapy:
على الرغم من وجود أكثر من عشرين دواء مضاداً للصرع فإن خيار الطبيب يقع عادة على واحد من أربعة أدوية أو خمسة هي الأكثر استعمالاً بسبب فعاليتها وسلامة استخدامها والتحمل الجيد لها من قبل المريض. يستجيب نحو ٧٠٪ من المرضى لهذا النوع من العلاج. وترافق بعض الأدوية تأثيرات جانبية لا يتحملها المريض، وتكون سبباً لتغيير الدواء على الرغم من فعاليته إلى دواء آخر. وفي أفضل الحالات يُقدر أن نسبة الفائدة من العلاج الأول (التي تقدر بالنقص في عدد النوب نتيجة للعلاج) تعادل ٥٠٪، ويضاف إليها ١٠٪ عند الاستبدال به دواء ثانياً ثم ثالثاً لتصل نسبة الاستجابة الفضلى حتى ٧٠٪. بصورة عامة يمكن القول إنه من الضروري تجربة ثلاثة أدوية كل منها على حدة قبل أخذ القرار بإخفاق أي منها وحده في ضبط النوب، ثم الانتقال إلى العلاج بدواءين معاً.
٣- النقطة الثالثة تتعلق باختيار الدواء الوحيد:
أصبح من المعروف أن بعض أدوية الخط الأول المضادة للصرع (الأدوية القديمة) تتمتع بفاعلية أكبر في حالة الصرع الجزئي، في حين أن بعضها الآخر له فعالية أفضل في الصرع المعمم. بعض الأدوية فعال في كل حالات الصرع (مثل الفالبروات واللاموتريجين والليفيتيراسيتام والتوبيرامات)، في حين أن دواء الإيثوسوكسامايد فعال في صرع الغيبة فقط ولا يفيد في أي نمط من أنماط الصرع الأخرى. ولا بد من التنويه إلى أن لبعض أدوية الصرع تأثيراً سلبياً في بعض أنماط الصرع، فمثلاً يزيد كل من الكاربامازيبين والفينيتوئين والفينوباربيتال من شدة النوب الصرعية المعممة وتواترها من نوع صرع الغيبة أو الصرع الذي ترافقه نفضات عضليةmyoclonic ، مثل نوب الصرع الخلجاني الشبابي JME. وفي المقابل تتميز أدوية الجيل الثاني (الأدوية الحديثة) بمجال علاجي أوسع يشمل الأنماط المختلفة من الصرع، إضافة إلى أن تأثيراتها الجانبية أخف شدة وأقل عدداً، وتداخلاتها مع الأدوية الأخرى محدودة وغير ذات أهمية في أغلب الأحيان؛ ولذلك تعد خياراً منطقياً في الحالات التي لا يكون نمط النوب واضحاً؛ مما يفسر أن أدوية مثل فالبروات الصوديوم واللاموتريجين والليفيتيراسيتام - التي أثبتت فعاليتها في علاج الصرع المعمم والصرع الجزئي والتي يتحملها المريض بصورة جيدة – هي من الأدوية التي يتم وصفها حالياً في المقام الأول من قبل الأطباء. وفي دراسة مقارنة head-to-head study تبين أن اللاموتريجين هو الأفضل تحملاً والفالبروات هو الأشد فعالية، في حين أن الكاربامازيبين والتوبيرامات كانا الأكثر قابلية لإحداث تأثيرات جانبية.
٤- النقطة الرابعة تتعلق بعلاج النساء في سن الحمل، والأطفال:
في هاتين الفئتين من المرضى هناك أدوية يفضل انتقاؤها، وأخرى ينبغي تجنبها، واحتياطات يتوجب أخذها. وسوف يتم بحث هذه النقاط بالتفصيل في الفقرة المتعلقة بالصرع والحمل.
٥- النقطة الخامسة تتعلق بالعلاج بأكثر من دواء Polytherapy :
عند إخفاق ثلاث محاولات علاجية بدواء وحيد (كل محاولة تستوجب الوصول إلى أعلى الجرعات التي يتحملها المريض، وانتظار شهرين أو ثلاثة قبل الحكم بالإخفاق)، أي بعد أكثر من ستة أشهر من العلاج بدواء وحيد أخفق في ضبط النوب يصبح مستطباً الانتقال إلى علاج بدواءين dual therapy. ومن الناحية النظرية يمكن أن يعتقد المرء أن إضافة دواء لا بد أن يرافقها ضبط أفضل للنوب، ولكن في الواقع إضافة دواء ثانٍ قد تقلل من فرص ضبط النوب ويغلب أن يكون السبب هو تأثيرات متداخلة للأدوية فيما بينها interactions، أو تحفيزاً إنزيمياً يقلل من التراكيز، وبالتالي فعالية دواء أو أدوية أخرى.
٦- النقطة السادسة تتعلق بخطورة الإيقاف المفاجئ للدواء المضاد للصرع:
الإيقاف المفاجئ لدواء فعال هو عامل معروف بأنه يمكن أن يسبب حالة صرعية قد تكون مميتة، وليس فقط نكس النوب، وبالتالي عندما يتوجب الإيقاف السريع للدواء الذي سبب حالة سمية أو تحسسية شديدة (طفحاً معمماً – أذية خلية كبدية) لا بد من وضع دواء آخر فعال في الوقت نفسه الذي يتم فيه سحب الدواء الأول، في حين أن بعضها الآخر، مثل لاموتريجين يتطلب رفع الجرعة.
٧- النقطة السابعة تتعلق بوجود ارتباط ما بين الصرع وحدث معين (مثل الدورة الطمثية):
في مثل هذه الحالات يمكن أن يقوم الطبيب برفع الجرعة لتصل التراكيز إلى أقصى درجاتها خلال هذه الفترة مع تخفيض لاحق للجرعة، أو إضافة دواء، مثل Clobazam خلال الأيام الخمسة للطمث، كما أن بعض الحالات تستوجب تحديد أخذ الدواء في الفترة الموافقة لحدوث النوب كما يحدث لدى المرضى الذين يعانون من النوب فقط في أثناء النوم والذين يقتصر علاجهم على جرعة دوائية مساء قبل النوم.
٨- النقطة الأخيرة تتعلق بخطر تغيير الدواء:
ينصح المرضى الذين استجابوا لدواء معين بعدم تغيير دوائهم حتى لو كان الدواء الجديد له نفس التركيب same generic agent (مثال كاربامازيبين)، ولكنه من إنتاج شركة أخرى نظراً لاحتمال وجود اختلاف في الحراك الدوائي.
يتعلق اختيار الدواء وكذلك جرعة البدء وبرمجة مراحل رفع الجرعة بعدد من العوامل - أهمها نوع الصرع وشدة النوب وتواترها- التي تحدد الخطورة المرتبطة بتكرر النوبة، وتحدد بالتالي مدى الإسعافية relative urgency. ويمكن رفع جرعة الفينيتوئين وكذلك الفينوباربيتال بصورة مباشرة عبر جرعة تحميل، أو رفع سريع للجرعات خلال ٢٤ – ٤٨ ساعة، في حين أن أدوية أخرى - مثل الفالبروات والليفيتيراسيتام والأوكسكاربازيبين- تسمح برفع سريع نسبياً للجرعات حتى الوصول إلى جرعة فعالة وتراكيز علاجية خلال أيام (أو ٢– ٣ أسابيع). أما اللاموتريجين وكذلك الكاربامازيبين فإن النصيحة هي برفع الجرعة بصورة بطيئة جداً حتى الوصول إلى التراكيز الفعالة بعد شهر أو أكثر؛ وذلك لتجنب حدوث طفح.
إخفاق العلاج أو عدم الاستجابة:
إخفاق العلاج أو عدم الاستجابة للعلاج هو من المشاكل التي تعترض الطبيب المعالج، وتصادف في نحو ٣٠–٤٠ ٪ من الحالات عند البدء بعلاج وحيد. ويُعرف الإخفاق العلاجي بأحد أمرين: إما أن الدواء لم يتمكن من ضبط النوب أو تخفيض عددها بنسبة ٥٠٪ على الأقل على الرغم من الوصول إلى التراكيز الدوائية العلاجية، وإما أن التأثيرات الجانبية للدواء كانت شديدة أو خطرة وتستوجب إيقاف الدواء واستبداله. وهناك عدد من المرضى يستمر بالمعاناة من تكرر النوب الصرعية على الرغم من تناول الجرعات المطلوبة، وهناك عدة تفسيرات محتملة لهذه الاحتمالية:
١- عدم وصول الدواء إلى تراكيز مصلية فعالة.
٢- عدم كفاية الجرعة، وقد يكون ذلك بسبب خطأ من الطبيب أو بسبب تناول أدوية أخرى محفزة إنزيمياً enzyme inducers.
٣- الحمل أيضاً يرافقه تحفيز إنزيمي يسبب نقصاً في تراكيز بعض الأدوية.
٤- من الأسباب التي لا بد للطبيب من أن يفكر في احتمال حدوثها أن يكون المرض المسبب قد تفاقم كأن يكون الورم قد ازداد حجماً، أو أن حثل المادة البيضاء ازداد شدة وامتداداً، أو أن سكتة دماغية جديدة حدثت.
٥- قد يكون السبب في عدم استمرار الاستجابة للعلاج الدوائي شكلاً من أشكال المقاومة للدواء drug resistance، وهو يصادف في ٧–١٠٪، وينجم عن تعبير مفرطoverexpression لعدد من الجينات والبروتينات التي تتداخل في الحركية الدوائية للأدوية المضادة للصرع.
سحب الدواءDrug withdrawal :
يمكن القول إنه من المنطقي التفكير بسحب الدواء لدى المريض الذي بقي من دون أي نوب صرعية seizure-free مدة تتجاوز عدة سنوات (٢ – ٤ سنوات بحسب الفرق الطبية المختلفة). ويتوقف الإنذار في هذه الحالة على عدد من العوامل، أهمها:
- نمط الصرع: من المعروف أن بعض أنماط الصرع، مثل صرع الغيبة والصرع المعمم الأولي المقوي الرمعي والصرع الرولاندي السليم تميل بصورة كبيرة إلى الهجوع الدائم بعد البلوغ، ويصبح من المنطقي الإيقاف التدريجي البطيء للدواء، في حين أن أنماطاً أخرى من الصرع تحتاج إلى العلاج الدائم.
- الزمن الذي تطلبه حدوث الهجوع time to remission: يكون الإنذار أفضل والشفاء أكثر احتمالاً في الحالات التي تم ضبط النوب فيها مباشرة مع بدء العلاج أو بعد فترة قصيرة منه.
- عدد الأدوية الذي تطلبه الوصول إلى حالة الهجوع: يكون الإنذار أفضل في الحالات التي تم ضبط النوب فيها بدواء وحيد.
- وجود أذيات مرئية على التصوير بالرنين المغنطيسي، أو تبدلات مرضية على تخطيط الدماغ EEG يرافقهما إنذار أسوأ.
- يكون الإنذار أسوأ في الحالات التي يحدث فيها الصرع مع موجودات موضعة بالفحص السريري، أو صعوبات في التعلم.
بصورة عامة يمكن القول إنه في الحالات التي يبقى فيها المريض من دون نوب مدة تتجاوز السنتين، والتي تم أخذ القرار بإيقاف العلاج فيها سوف يحدث نكس للنوب في ٢٠٪ من الحالات خلال فترة تخفيض الجرعات، كما يحدث أيضاً نكس للنوب في ٢٠٪ من الحالات خلال السنوات الخمس التالية لإيقاف الدواء ويصبح من النادر أن تنكس النوب بعد هذه الفترة. ولهذه الأسباب ينصح بتخفيض الجرعات الدوائية ببطء شديد، وبإيقاف الدواء بعد ستة أشهر مع العودة إلى كامل الجرعة الفعالة في حالة نكس النوب.
الصرع والحمل:
يأخذ السير السريري للداء الصرعي مسارات مختلفة من مريضة إلى أخرى؛ إذ يلاحظ أن ثلث الحالات تتحسن وتخف شدة النوب وتواترها خلال الحمل، في حين أن ثلثاً آخر تزداد فيه الأمور سوءاً، والثلث الأخير لا تحدث فيه أي تغيرات ملموسة. المشكلة الرئيسية هي أن كل الأدوية المضادة للصرع لها تأثير مشوه للجنين وإن بدرجات مختلفة، والفالبروات هو الأسوأ في هذا المجال، ويليه الفينيتوئين والفينوباربيتال. وتشير الإحصائيات إلى أن خطر حدوث تشوه جنيني يعادل ١٪ لدى الأم السليمة، ويرتفع إلى ٢٪ لدى الأم المصابة بالصرع والتي لم تتلقَّ أي علاج ليصل إلى ٢ – ٣٪ في حالات العلاج بدواء وحيد مضاد للصرع، وإلى ١٠٪ في الحالات المعالجة بالفالبروات؛ لذلك لا بد من إجراء مناقشة دقيقة بين الطبيب والمريضة التي ترغب بالحمل قبل حصول الحمل، وذلك لإيضاح الصورة المتعلقة بالتشوهات المحتملة، وللبدء في تناول الفيتامينات ولا سيما حمض الفوليك بجرعة ٥ ملغ يومياً قبل عدة أشهر من الحمل.
الأدوية المضادة للصرع وحبوب منع الحمل: يتميز عدد من الأدوية المضادة للصرع بفعالية محفزة إنزيمياً، وأهمها الكاربامازيبين والأوكسكاربازيبين والفينيتوئين والفينوباربيتال والتوبيرامات، وتؤثر هذه الأدوية في استقلاب مانعات الحمل؛ مما يؤدي إلى فشلها، وبالتالي تنصح المريضات اللواتي يرغبن بعدم الحمل برفع جرعة الدواء المانع للحمل ليتضمن جرعة أعلى من الإستروجين (على الأقل ٥٠ ملغ / يوم)، ومع نظام علاجي خاص، ويبقى من المفضل اعتماد حبوب منع حمل خالية من الإستروجين.
الصرع لدى الأطفال:
ينجم الصرع عند الأطفال عن عدد من الأسباب التي يأتي على رأسها الشلل الدماغي cerebral palsy، والاضطرابات الجينية، يتصف بعضها بإنذار جيد على المدى البعيد. والمبادئ العلاجية المعتمدة لدى الأطفال مشابهة لمثيلاتها لدى البالغين مع وجود حالات خاصة، مثل الاعتماد على الإيثوسوكسامايد Ethosuximide في صرع الغيبة، وعلى فيغاباترين vigabatrin في الصرع الجزئي المعند على العلاج؛ لأن الأطفال يمكن أن يعانوا من حالات هياج غير متوقعة مع استعمال الأدوية التقليدية، مثل الفالبروات والفينوباربيتال.
نوب الاختلاج الحروري febrile convulsions: هي نوب اختلاجية تحدث في سياق الترفع الحروري من دون وجود ما يشير إلى إنتان أو التهاب في الجملة العصبية، وهي شائعة الحدوث وتصادف لدى ٣ – ٥٪، ولا تعد هذه النوب من أشكال الصرع، وهي تعزى إلى وجود حساسية في دماغ الطفل الذي لم يستكمل نضجه بعد تؤهبه لاختلال الاستقرار الكهربي في حالة الترفع الحروري. ويُعتقد أن ثمة استعداداً وراثياً مؤهباً نظراً لوجود العديد من مثل هذه الحالات ضمن العائلة. وتظهر النوب الحرورية لأول مرة بين سن ٣ أشهر وسن خمس سنوات وذروة الحدوث هي في عمر سنة ونصف وسنتين. في ثلثي الحالات لا تتكرر نوبة الاختلاج ثانية، وفي الثلث الباقي يحدث النكس بصورة غير منتظمة. عموماً ٢٪ فقط من هؤلاء الأطفال سوف يتطور لديهم صرع في المستقبل يكون غالباً من نمط صرع الفص الصدغي. وما يميز هذه الفئة ذات التظاهرات السريرية «السليمة» هو التراجع التلقائي للاختلاجات خلال دقيقتين أو ثلاث من دون أن تترك خلفها أي أعراض أو عقابيل. في المقابل لوحظ وجود حالات أقل سلامة سميت الاختلاجات الحرورية المعقدة complex febrile seizure، تتطور بصورة أكبر إلى الداء الصرعي (خمسة أضعاف الأشكال السليمة)، وهي تتصف بطول فترة الاختلاجات؛ إذ تزيد على ١٥ دقيقة، وتكرر الاختلاجات في سياق المرض الحَمَوي نفسه). في الحالات السليمة يكتفى بالعلاج الوقائي (باراسيتامول + تبريد بكمادات إسفنجية، أو بمغطس فاتر)، ويمكن في بعض الحالات المنتقاة إعطاء الطفل ديازيبام بالطريق الشرجي في حالات الاختلاج التي تستمر أكثر من ثلاث دقائق.
الحالة الصرعية Status epilepticus:
الحالة الصرعية ليست أمراً نادر الحدوث، وتقدر نسب الحدوث بنحو ٤٠ حالة لكل ١٠٠ ألف نسمة كل سنة. تحدث الحالة الصرعية عادة لدى مريض صرع معروف ومعالج توقف عن تناول الدواء لسبب أو لآخر، وقد تكون الحالة الصرعية هي التظاهرة السريرية الأولى للصرع، وتشير إلى «أذية دماغية حادة»، كالتهاب الدماغ الفيروسي أو الرض الدماغي أو السكتة النزفية أو الورم الدماغي أو حالات الإرجاج النفاسي eclampsia.
كان التعريف المعتمد للحالة الصرعية هو تكرر نوب صرعية – اختلاجية أو غير اختلاجية – تكراراً متقارباً لا يسمح بعودة الوعي والإدراك والتوجه بين نوبة وأخرى، وذلك خلال فترة خمس دقائق عدّت الفترة الحرجة والحساسة التي تستوجب البدء بالعلاج من دون انتظار. أما علاج الحالة الصرعية نفسها فهناك توافق على أن البنزوديازيبينات هي خط العلاج الأول، ويفضل بعض الأطباء إعطاء لورازيبام تسريباً وريدياً (٥,٠ – ٤ ملغ) في حين لا يزال بعضهم الآخر يتمسك بإعطاء الديازيبام ١٠ ملغ وريدياً. في الحقيقة يتمتع الدواءان بالفعالية نفسها على النوب الصرعية، ولكن يتميز اللورازيبام بنصف عمر فعال أطول، وبكونه أقل قابلية للانحلال في الدهون (مما يقلل من تأثيراته التراكمية اللاحقة، ويقلل بالتالي من التركين التالي لتوقف النوب، ومن هبوط الضغط والقصور التنفسي)، وفي كل الأحوال من الضروري توفر وسائل الإنعاش عند استعمال هذه الأدوية نظراً لإمكان حدوث تثبيط تنفسي حاد (خاصة مع الديازيبام). وفي حال إخفاق البنزوديازبين المختار في إيقاف النوب يتم اللجوء إلى أدوية خط العلاج الثاني (ويفضل أن يتم ذلك بعد ٢٠- ٣٠ دقيقة من بدء الاختلاجات) وعلى رأسها الفينيتوئين الذي يعطى تسريباً وريدياً بجرعة تحميل ١٥– ٢٠ ملغ لكل كغ، وبمعدل تسريب لا يتجاوز ٥٠ ملغ في الدقيقة، مع مراقبة مستمرة للنظم القلبي؛ لكونه قد يسبب اضطراباً في نظم القلب أو حصارات نقلية، يفضل بعضهم إعطاء فوسفينيتوئين Fosphenytoin في حال توفره؛ لكونه قابلاً للانحلال في الماء، ويمكن تسريبه وريدياً بصورة أسرع (حتى ١٥٠ ملغ في الدقيقة)، كما يمكن أن يعطى بالطريق العضلي؛ مما يستبعد احتمال حدوث أذيات نسيجية بسبب تسرب الدواء خارج الأوعية. ومن ضمن أدوية الخط الثاني التي يمكن اللجوء إليها لإيقاف النوب الفالبروات (جرعة ١٠ – ١٥ ملغ لكل كغ وجرعة قصوى لا تتجاوز ٣٠٠٠ ملغ)، والليفيتيراسيتام ٦٠ ملغ/ كغ (جرعة قصوى ٤٥٠٠ ملغ)، وكلاهما يمتع بالفعالية العلاجية نفسها للفينيتوئين، مع أمان استخدام أكبر، وهناك أيضاً الفينوباربيتال الذي يعطى تسريباً وريدياً بجرعة ٢٠ ملغ لكل كغ، ولكنه يسبب درجة عالية من التركين. تتصف الخيارات الدوائية للخط الثاني بقدرة على إنهاء الحالة الصرعية في ٨٠٪ من الحالات، وفي كل هذه الحالات لا بد من متابعة العلاج الفعال بجرعة يومية مناسبة. وفي الحالات التي تستمر فيها النوب الصرعية بالحدوث مع العلاجات السابقة (مريض من كل خمسة) يستطب تنبيب المريض وتخديره تخديراً عاماً، مع مراقبة مستمرة للنبض والنظم والضغط الشرياني، مع تعديل موافق للجرعات بالصورة التي تسمح بالوصول إلى تثبيط الانفراغات الانتيابية الصرعية suppression burst. وأشيع الأدوية استعمالاً هي الثيوبنتال thiopental (جرعة تحميل ٢– ٣ ملغ/ كغ ومن ثم جرعة داعمة ٣ – ٥ ملغ/ كغ في الساعة)، أو بنتوباربيتال Pentobarbital (جرعة تحميل ٥ ملغ لكل كغ، ثم جرعة داعمة ٥,٠ ملغ لكل كغ في الساعة)، وهناك أيضاً بروبوفول Propofol ١-٢ ملغ/ كغ جرعة تحميل يتم تسريبها خلال ٥ دقائق، ثم ٢-١٠ ملغ/ كغ/ ساعة بوصفها جرعة داعمة) وأخيراً ميدازولام Midazolam بجرعة تحميل ٢,٠ ملغ/ كغ بشكل تسريب وريدي بطيء يتلوها جرعة داعمة ٠٥,٠ – ٥,٠ ملغ/ كغ/ساعة. تتطلب هذه الأدوية مراقبة دقيقة للوظائف الحيوية، وتخطيط الدماغ مع بقاء المريض موصولاً بجهاز التنفس الاصطناعي، ومحاولات تخفيض تدريجي بطيء للجرعات لإجراء تقييم للانفراغات الصرعية تخطيطياً وسريرياً قبل أخذ القرار بإيقاف الدواء.
الإنذار سيئ عموماً؛ إذ تقدر نسبة الوفيات بنحو ٥– ١٠٪ خلال الثماني وأربعين ساعة الأولى، وبنحو ١٠ – ٣٠٪ خلال شهر من الحالة الصرعية.
الأدوية الصرعية المختلفة وخواصها الدوائية:
تهدف الأدوية المضادة للصرع إلى تثبيط الانفراغات العصبونية Neuronal discharges الانتيابية ومنع انتشارها من دون أن تؤثرأو تتدخل بصورة كبيرة في الوظائف العصبونية الطبيعية، وهي تمارس تأثيراتها الدوائية عبر واحد أو أكثر من الآليات الخمس التي سوف يرد ذكرها. ومعرفة آليات التأثير هذه سوف تساعد الطبيب على اختيار الدواء الأنسب خاصة عند إخفاق دواء ما وضرورة استبدال دواء آخر به، أو عند الحاجة إلى العلاج بأكثر من دواء، وفي كل هذه الحالات لا بد من اختيار دواء له آلية تأثير مختلفة؛ وذلك للحصول على تأثير تآزري مفيد، وللتخفيف ما أمكن من تفاقم التأثيرات الجانبية.
وفيما يلي الآليات الخمس الرئيسية التي تمارس فيها الأدوية المضادة للصرع تأثيراتها النوعية:
١- خفض معدل الاستثارة العصبونية: مثال عن الأدوية التي تمارس فعالياتها عبر هذه الآلية الكاربامازيبين والفينيتوئين واللاموتريجين ولاكوسامايد Lacosamide. تقوم هذه الأدوية بالحد من نفوذية غشاء الخلية العصبونية للشوارد، وتتأثر بصورة خاصة قنوات الصوديوم السريعة النقل (المعتمدة على الطاقة Voltage dependent) التي تعد المسؤول الأول عن دخول شوارد الصوديوم إلى داخل العصبون، وبالتالي توليد كمون الفعل Action/potential. هذه الآلية الحاصرة للمستقبلات لها خاصية مميزة نظراً لكونها مرتبطة بالاستعمال، أي إنه يتم الحصار والحظر للخلايا التي يتكرر فيها فقط تولد كمونات الفعل العالية التواتر؛ مما يسمح بالحفاظ على النشاطات الفيزيولوجية وكبح جماح النشاطات الصرعية. من الآليات العلاجية المشابهة نمطياً التي يرافقها الحد من زوال الاستقطاب العصبوني أدوية تساعد على فتح قنوات البوتاسيوم (مثل دواء ريتيغابين retigabine).
٢- دور حاصرات قنوات الكلسيوم:مثال على هذه الأدوية حاصرات قنوات الكلسيوم مثل الغابابنتين gabapentin والبريغابالين والليفيتيراسيتام Levetiracetam. وتعد قنوات الكلسيوم ضرورية لإطلاق الحويصلات الحاوية النواقل العصبية ضمن الفرجة المشبكية، وبالتالي عند حصار قنوات الكلس يتم الحد من الناقلية المشبكية، وهذا يحد لاحقاً من انتشار كمونات الفعل. تفيد الأدوية الحاصرة للكلسيوم في الحد من السمية الخلوية الناجمة عن فرط الاستثارة excitoxicity، وهي تمارس عملياً تأثيرا حامياً للخلايا يقي من تموت العصبون الناجم عن دخول شوارد الكلسيوم بكميات كبيرة خلال فترات زوال الاستقطاب المتكرر للعصبونات. ويعد الإيثوسوكسامايد Ethosuxamide الدواء النوعي في صرع الغيبة. وهناك عدد من الأدوية المضادة للصرع تمارس تأثيراتها عبر آلية حاصرة لقنوات الكلسيوم إضافة إلى آلية تأثيرها الرئيسية، ومن هذه الأدوية اللاموتريجين والفالبروات والتوبيرامات.
٣-الحد من إطلاق حويصلات النواقل العصبية ضمن الفرجة المشبكية: يثبط الليفيتيراسيتام - بصورة فريدة - البروتين الحويصلي SV٢A؛ مما يحد من إمكان عودة قبط النواقل العصبية إلى داخل العصبون لإعادة تدويرها، ومن ثم إعادة بنائها وطرحها في الفرجة المشبكية.
٤-زيادة فاعلية الجهاز الغابائيرجي: الأدوية التي تمارس تأثيراتها عبر هذه الآلية هي البنزوديازيبينات والفينوباربيتال والفالبروات وفيغاباترين Vigabatrin وتياغابين Tiagabine. ويعد الغابا GABA (غاما أمينو بوتيريك أسيد) الناقل العصبي المثبط الرئيسي في الجهاز العصبي المركزي، وزيادة فعاليته ترافقها زيادة دخول شوارد الكلور إلى داخل الخلايا؛ مما يحد من استثارة الغشاء العصبوني. ولكل من البنزوديازيبين والباربيتورات موقع ارتباط خاص بكل منهما يقع على السطح الخارجي لمستقبل الغابا، وارتباط البنزوديازيبينات بالموقع المخصص لها في حال وجود نقص شديد في الغابا نفسه.
٥-تثبيط الفعالية الغلوتاماتيرجية: يعد الغلوتامات Glutamate الناقل العصبي المحفِز الرئيسي في الجهاز العصبي المركزي وتعد الأدوية التي تضعف من تأثيراته المحفزة - مثل التوبيرامات والفيلبامات وبيرامبانيل Perampanel- من أقوى الأدوية المضادة للصرع. ويقوم كل من التوبيرامات والبيرامبانيل بتثبيط عملية التحفيز الغلوتاماتيرجي من خلال حصار المستقبلات الشاردية الغلوتاماتيرجية من نمط AMPA. دواء الفيلبامات يثبط النمط NR2B من المستقبلات الشاردية الغلوتاماتيرجية، وهو يتميز بفعالية قوية مضادة للصرع، ولكن له تأثيرات جانبية شديدة (فقر دم لا مصنع وقصور كبد) تجعل استعماله محصوراً بالحالات المعندة على العلاج بالأدوية التقليدية المضادة للصرع. وكما هو الحال في الأدوية الحاصرة لقنوات الكلسيوم تفيد هذه الأدوية في تخفيف السمية الخلوية الاستثارية، وتحد من تموت العصبونات على المدى الطويل.
١- الأدوية الحاصرة لقنوات الصوديوم:
تضم هذه الزمرة الدوائية الكاربامازيبين والأوكسكاربازيبين والإيسليكاربازيبين والفينيتوئين واللاموتريجين ولاكوسامايد.
أ-الكاربامازيبين Carbamazepine: يعد الكاربامازيبين (Tegretol) من الأدوية الأكثر وصفاً من قبل الأطباء، وهو يمارس تأثيره الرئيسي المضاد للصرع عبر قيامه بحصار قنوات الصوديوم المعتمدة على الطاقة؛ مما يخفف من استثارة الغشاء العصبوني Membrane excitability.
الحركية الدوائية: ينخفض نصف عمر الدواء من ٣٥ ساعة خلال الأسابيع الأولى للعلاج إلى أقل من ٢٠ ساعة فيما بعد، ويُعزى ذلك إلى التحفيز الذاتي لإنزيمات الكبد autoinduction؛ ولهذا السبب ينصح بزيادة الجرعة اليومية من الدواء بصورة تدريجية عند بدء العلاج، مع الاسترشاد بالتراكيز المصلية للدواء التي ينبغي أن تبقى ضمن الحدود العلاجية (٤-١٢ مكغ/ل).
استعمالات الدواء: يفيد الكاربامازيبين بصورة خاصة في حالات الصرع الجزئي مع تعمم ثانوي أو من دونه. كما يعد أيضاً خط العلاج الأول في ألم العصب مثلث التوائم. وبالمقابل يؤدي في حالات الصرع المعمم الأولي من نوع الغيبة، أو الصرع الخلجاني الشبابي JME إلى تفاقم شدة النوب وتواترها.
تأثيراته الجانبية:يرتبط العديد من التأثيرات الجانبية للكاربامازيبين مع خواصه المثبطة للاستثارة العصبية الدماغية والمخيخية؛ مما يفسر معاناة المريض من رنح وشفع ورأرأة وغثيان، إضافة إلى تشوش رؤية عكوس وميل إلى النوم. وللدواء أيضاً تأثيرات قلبية مع تثبيط الناقلية الكهربية الأذينية البطينية. ومن المحتمل أن يحدث طفح قد يكون معمماً وخطراً يتماشى مع متلازمة ستيفنز جونسون Stevens-Johnson.وعدد من التأثيرات الجانبية للدواء ترتبط بخواصه التحفيزية الإنزيمية؛ إذ إنه قد يسبب تلين عظام osteomalacia وفقر دم كبير الكريات، وفي حال نقص الكثافة العظمية يصبح من الضروري علاج هؤلاء المرضى (بيفوسفونات وفيتامين D). وعموماً يمكن القول إن تأثيرات الكاربامازيبين على القدرات الاستعرافية (ذاكرة – تركيز) أقل من تأثيرات الفينيتوئين، ونادراً ما تستوجب إيقاف العلاج.
ب-الأوكسكاربازيبينOxcarbazepine: هو دواء نظير للكاربامازيبين، وآلية تأثيره مشابهة، أي حصار قنوات الصوديوم الحساسة للفولتاج. ويتم استقلابه بصورة سريعة في الكبد (نصف عمره نحو ساعتين) ولكن لمستقلبه تأثيرات علاجية أيضاً مع نصف عمر يعادل ١١ ساعة. وتتضمن تأثيراته الجانبية الصداع ونقص صوديوم الدم. يستطب الدواء خطاً علاجياً أولياً أو دواء مضافاً add-on في حالات الصرع الجزئي خاصة، ويمكن الوصول بسرعة إلى الجرعات العلاجية الفعالة مقارنة بالكاربامازيبين الذي يتطلب عادة عدة أسابيع.
ج-إسليكاربازيبين Eslicarbazepine: له تأثيرات مشابهة لكل من الكاربامازيبين والأوكسكاربازيبين وهو بالتالي مستطب في حالات الصرع الجزئي مع تعمم ثانوي أو من دونه سواء كان دواء وحيداً أو دواء مضافاً. ونصف عمر الدواء من ١٣ – ٢٠ ساعة، ويصل إلى ذروة تراكيزه المصلية Cmax خلال ٢ – ٣ ساعات، كما يصل إلى حالة ثبات التراكيز المصلية خلال ٤ – ٥ أيام بجرعة وحيدة في اليوم، وهذه ميزة مقارنة بالكاربامازيبين، إضافة إلى كون تأثيراته الجانبية أقل شدة.
د-الفينيتوئينPhenytoin: يمارس الفينيتوئين (دي فينيل هيدانتوئين) تأثيره بصورة رئيسية من خلال حصاره لقنوات الصوديوم المعتمدة على الطاقة الموجودة على سطح الخلايا العصبية، ويوصف هذا التأثير بكونه مثبتاً لكمون الغشاء، وهو يمنع انتشار (وليس ظهور) الانفراغات الكهربائية الصرعية.
الحركية الدوائية: يتم استقلاب الفينيتوئين كبدياً بصورة واسعة، وتتميز هذه العملية بوصوله إلى حالة إشباع عند بلوغ الجرعة الحد الذي تتطلبه الفعالية العلاجية، أي إن الفينيتوئين بجرعات منخفضة يتصف بحالة إشباع عند الوصول إلى التراكيز المصلية العلاجية (١٠– ٢٠ ملغ/ ل). ويتم امتصاص الدواء المتناول عبر الفم بصورة جيدة؛ مما يسمح بالوصول إلى التراكيز ضمن المجال العلاجي خلال ٢٤ ساعة، وهو أمر مفيد في الحالات التي تتكرر فيها النوب بصورة كبيرة ومتقاربة.
التحفيز الإنزيمي والتثبيط: يتميز الفينيتوئين بقدرة تحفيز إنزيمي كبدي قوية تسبب استقلاباً سريعاً لعدد من الأدوية (من بينها الكاربامازيبين والوارفارين والديجوكسين)، ولعدد من المتممات الغذائية (فيتامين د والفولات)، إضافة إلى تأثيره على نفسه، وهذا يقود – كما هي الحال مع الكاربامازيبين– إلى نقص في التراكيز المصلية لحالة الثبات بعد عدة أسابيع من العلاج ولكن مثل هذا النقص ربما لا يكون ملحوظاً في الحالات التي تم فيها رفع الجرعة بصورة بطيئة، وخلال عدة أسابيع. وهناك بالمقابل أدوية تثبط استقلاب الفينيتوئين وتسبب ارتفاعاً في تراكيزه المصلية، ومن بين هذه الأدوية الفالبروات والإيزونيازيد، وبعض الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيروئيدية NSAIDs.
استعمالات الدواء: يتركز استعمال الدواء في الوقت الراهن على الحالات التي تستوجب ضبطاً سريعاً «إسعافياً» للنوب الصرعية سواء النوب العالية التواتر أم بصورة خاصة الحالة الصرعية؛ وذلك بسبب ميزته المتعلقة بإمكان الوصول سريعاً إلى تراكيز مصلية فعالة (بعد جرعة تحميل). ومن الممكن طبعاً استعماله في ضبط النوب الصرعية الجزئية، ولكنه نادراً ما يتم اختياره في المقام الأول بسبب كثرة تأثيراته الجانبية. وهو لا يستطب في حالات صرع الغيبة والصرع الخلجاني الشبابي.
استعمالات أخرى للفينيتوئين: نظراً لاتصاف الدواء بفعالية مثبتة للغشاء الخلوي تشمل استطبابات استعماله بعض اللانظميات القلبية (خاصة اضطراب النظم البطيني المعند)، وألم العصب مثلث التوائم، والتشنجات العضلية cramps، والحثل العضلي التأتريMyotonic dystrophy الذي يعاني فيه المريض من تشنجات عضلية ناجمة عن صعوبة الاسترخاء العضلي المرافق مع فرط استثارة عضلية.
التأثيرات الجانبية: للفينيتوئين تأثيرات جانبية عديدة وهي السبب – مقرونة مع ضيق نافذته العلاجية – في التخلي عن استعماله في الخط الأول وعن استعماله علاجاً مديداً لسنوات. ومن أهم التأثيرات الجانبية «العصبية» الرنح المخيخي والرجفان واعتلال الأعصاب والتراجع الاستعرافي، إضافة إلى عسر الحركات dyskinesia. ومن التأثيرات الجلدية الطفح (وهو يتعلق بالجرعة)، إضافة إلى تطور سحنة خاصة تتميز بخشونة الملامح والشعرانية وضخامة اللثة. ومن التأثيرات الدموية حدوث فقر دم كبير الكريات ناجم عن عوز الفولات، وفرط الغاماغلوبولين الدموي من نمط IgA، وضخامات عقدية، وشكل لمفوما كاذب. وبعد سنوات من العلاج يمكن أن يحدث تلين عظام. يرافق فرط الجرعة الدوائية أعراض وعلامات مخيخية (رنح ورجفان وبطء كلام) وغثيان وقياء، وتنفس سطحي بطيء وأحياناً غشي، ولكنه يستعيد صحوه ووظائفه الدماغية لاحقاً مع العناية الطبية الصحيحة.
ه- الفوسفينيتوئين Fosphenytoin: هو دواء «طليعة للفينيتوئين Prodrug» يتميز بأنه ينحل في الماء، وبأنه أسلم وأسهل استعمالاً من الفينيتوئين، ويتحول بسرعة إلى فينيتوئين في الدم، وبالتالي يستطب للاستعمال- بدلاً من الفينيتوئين – في علاج الحالات الصرعية وفي المشافي فقط وذلك على الرغم من كلفته العالية، ولكن تأثيراته الجانبية القليلة وخاصة القلبية، وغياب الارتكاس التحسسي في حال مروره خارج الأوعية يسوغان الكلفة. لا يوجد استطباب لاستعمال الفوسفينيتوئين خارج إطار الحالة الصرعية.
و- لاموتريجين Lamotrigine: له آليات تأثير متعددة تؤدي إلى ثبات الغشاء العصبوني، ويتم ذلك بفعل التأثير الحاصر على قنوات الصوديوم المعتمدة على الفولتاج وقنوات الكلسيوم أيضاً؛ مما يضعف من إطلاق النواقل العصبية المحفزة، مثل الغلوتامات والاسبارتات. نصف عمر الدواء طويل ويعادل ٢٤ ساعة؛ مما يسمح باستعماله جرعة وحيدة في اليوم.
يعد اللاموتريجين الدواء المفضل في حالات الصرع الجزئي والصرع المعمم لكونه فعالاً في كليهما، ونظراً لتحمله بصورة جيدة من قبل المرضى. ويستطب أيضاً مثبتاً للمزاج في حالات الاضطراب ثنائي القطب. وللدواء تأثيرات قليلة الشدة على الوظائف الاستعرافية، وتأثير مركن (مهدئ) خفيف مقارنة ببقية الأدوية المضادة للصرع؛ مما يفسر اختياره وتفضيله من قبل الأطباء.
التأثيرات الجانبية: يمكن أن يسبب الطفح في ١٠٪ من الحالات خاصة عند رفع الجرعة بصورة سريعة، وقد يكون الطفح خطراً وأحياناً مميتاً؛ ولهذا السبب يوصى دوماً بضرورة رفع الجرعة بصورة بطيئة جداً وتدريجية للوصول إلى الجرعة الفعالة خلال شهر أو أكثر. ومن التأثيرات المقلقة احتمال ظهور أفكار انتحارية لا بد من تحريها بالاستجواب.
ز- لاكوسامايد Lacosamide: للدواء آلية تأثير مختلفة عما سبق؛ إذ إنه يسهل بصورة انتقائية مكون إزالة التفعيل البطيء لقنوات الصوديوم، ويصبح عمله بارزاً في حالة النشاط العصبوني العالي التواتر (كما يحدث في الصرع تحديداً) من دون أن يؤثر في آليات إزالة التفعيل السريع لقنوات الصوديوم التي تميز الأنماط التقليدية الفيزيولوجية الطبيعية لتواترات الانفراغات الكهربية العصبونية. وتسمح هذه الخواص بتأمين فعالية مضادة للصرع مع حد أدنى من التأثيرات الجانبية غير المرغوبة، مثل التراجع الاستعرافي واضطرابات التوازن. والاستطباب الرئيسي للاكوسامايد هو استعماله دواء إضافياً لتدبير الصرع الجزئي المعند على العلاجات التقليدية، كما أنه يستطب في علاج اعتلالات الأعصاب السكرية المؤلمة. ويتميز بوجود شكل دوائي بصورة شراب وآخر بصورة حقنة شرجية للمرضى غير القادرين على بلع المضغوطات.
التأثيرات الجانبية مشابهة لتأثيرات الأدوية المضادة للصرع (اضطراب توازن ونعاس وتشوش رؤية وأحياناً شفع وغثيان وقياء ورجفان أو صعوبات في التذكر)، مع احتمال حدوث تطاول الفاصل PR على تخطيط القلب.
٢- الأدوية المقوية لِغابا GABA-Potentiators:
تضم هذه الزمرة الأدوية التالية فالبروات الصوديوم والباربيتورات والبنزوديازيبينات والفيغاباترين.
أ- فالبروات الصوديوم Sodium Valproate: للفالبروات آليات تأثير متعددة، إذ إنه يعمل على مستوى قنوات الصوديوم وقنوات الكلسيوم إضافة إلى عمله على مستوى مستقبلات الغابا من النمط أ GABA- A حيث يمارس تأثيراته المعززة لفعالية الغابا من خلال تثبيط إنزيم الغابا ترانساميناز؛ مما يزيد من معدلات الغابا، ويزيد بالتالي من التأثير المثبط للنشاط العصبوني. ويتم استقلاب الفالبروات على نطاق واسع في الكبد، ونصف عمره قرابة ١٣ ساعة. يعد الفالبروات مثبطاً غير نوعي للاستقلاب، ويتضمن ذلك تثبيط استقلابه الذاتي واستقلاب بقية الأدوية المضادة للصراع (لاموتريجين وفينيتوئين وكاربامازيبين بصورة خاصة). وهذه الصفات لا بد أن تؤخذ في الحسبان عند المشاركات الدوائية للفالبروات مع دواء آخر مضاد للصرع (تخفيض نسبي في الجرعة الاعتيادية للدواء الآخر، وزيادة نسبية لجرعة الفالبروات).
استعمالاته: يستطب العلاج بالفالبروات في حالات الصرع المعمم والصرع الجزئي، إضافة إلى العلاج الوقائي للشقيقة، ومثبت مزاج في حالات الهوس.
التأثيرات الجانبية: تكون شديدة عند الإناث، وتتضمن زيادة الوزن وعدم تحمل الغلوكوز وتساقط الأشعار، إضافة إلى حدوث المبيض المتعدد الكيسات والتشوهات الجنينية، وهناك تأثيرات عامة، مثل الغثيان وعسر الهضم، وهي قابلة للعلاج بالأدوية المناسبة وباستعمال شكل مضغوطات مغلفة تسمح بالانحلال المعوي. وهناك أيضاً ارتفاع الإنزيمات الكبدية الذي يستوجب المتابعة نظراً لاحتمال تطوره نحو قصور الكبد. من التأثيرات المحتملة أيضاً التهاب المعثكلة وبعض التبدلات الدموية.
ب-الباربيتورات Barbiturates: تضم هذه الزمرة الدوائية الفينوباربيتال، له نصف عمر طويل جداً يعادل ١٠٠ساعة، والبريميدون وهو طليعة دواء prodrug يستقلب إلى فينوباربيتال. ولم تعد هذه الأدوية تستعمل في الممارسة اليومية بسبب تأثيراتها الجانبية، ولكن لا يزال هناك استطباب لاستعمالها في الحالة الصرعية نظراً لتأثيراتها القوية المضادة للاختلاج، ولإمكان إعطائها تسريباً وريدياً.
ينبغي سحب الدواء بصورة بطيئة جداً (على مدى أشهر)؛ وذلك لتجنب حدوث نكس للنوب الصرعية، وحالة صرعية خطرة على الحياة.
ج-البنزوديازيبينات :Benzodiazepineتضم هذه الزمرة الدوائية العديد من الأدوية التي تستعمل في علاج القلق ومنها خمسة أدوية تستعمل في علاج الصرع هي الديازيبام واللورازببام والكلونازيبام والكلوبازام والميدازولام.
يعد كل من الديازيبام واللورازيبام خطاً علاجياً أولياً للسيطرة السريعة على النوب الاختلاجية، ولكنهما غير مستطبين للعلاج الوقائي المديد نظراً للتأثيرات الجانبية العديدة التي أهمها التركين والارتخاء والاعتياد والإدمان.
بالمقابل يستطب اللجوء إلى العلاج بالكلونازيبام Clonazepam (نصف عمره ٢٥ساعة) دواءً إضافياً في علاج الصرع الخلجاني Myoclonic epilepsy بسبب اتصافه بخاصية إضافية هي الارتخاء العضلي.
الكلونازيبام Clonazepam مفيد في الضبط السريع للنوب الصرعية التي تتكرر بتواتر عالٍ، أو بتظاهرات متعددة، كما يفيد دواء إضافياً في علاج النوب الصرعية الجزئية المعندة على العلاج، ولكن يتراجع التأثير الفعال للدواء مع مرور الأشهر بسبب تطور حالة التحمل. ولا ينصح باللجوء إلى الكلوبازام ولا إلى الكلونازيبام لدى المرضى الذين يعانون من القلق، أو الذين لديهم قصة إدمان دوائي (شخصي أو عائلي) نظراً لاحتمال تطور حالة إدمان لديهم، أو حالة استعمال غير صحيح للدواء Misuse.
الميدازولام هو بنزوديازيبين قابل للانحلال في الماء، وهو سريع التأثير ويستعمل بصورة خاصة في علاج الحالة الصرعية لدى الأطفال (خط العلاج الأول لغالبية الاختصاصيين)، وتوصي المبادئ التوجيهية الحالية بجرعة أولية فموية أو داخل الأنف تعادل ٣,٠ ملغ/ كغ، مع حد أقصى ١٠ ملغ. ويستعمل الدواء بصورة شائعة في التحضير لبعض الإجراءات التنظيرية (بجرعة وريدية ٢-٥ ملغ تعطى قبل ٥ دقائق من بدء التنظير، وعند الضرورة يعطى المريض ١ ملغ جرعة إضافية). ويمكن أن يعطى الدواء حقناً عضلياً، أو عبر الفم، أو عبر مخاطية الخد أو بشكل إرذاذ عبر الفم.
د-الفيغاباترين Vigabatrin(Sabril): هناك تشابه شكلي بين بنية الدواء وبنية الناقل العصبي غابا، ويمارس تأثيره من خلال التثبيط غير العكوس لإنزيم الغابا ترانساميناز؛ مما يؤدي إلى تراكم الغابا، ويُعاد تركيب إنزيم الغابا ترانساميناز خلال ٦ أيام. لا يتم استقلاب الدواء، وليست له خواص محفزة خمائرياً، نصف عمره زهاء ٦ ساعات.
يستطب استعمال الدواء دواء إضافياً في الصرع المعند على العلاج من النوع الجزئي، كما يستطب علاجاً وحيداً بصورة خاصة في الصرع من نوع التشنجات الطفلية Infantile spasms، وهو يزيد صرع الغيبة والصرع الخلجاني الشبابي سوءاً، ويعد مضاد استطباب في هاتين الحالتين. والتأثيرات الجانبية قليلة، وتظهر عادة بعد فترة طويلة من الاستخدام، وأهمها تضيق الساحة البصرية؛ مما يستوجب إجراء فحص ساحة بصرية بصورة متكررة مرة كل ٦ أشهر. من التأثيرات الجانبية أيضاً إمكان حدوث تخليط ذهني واضطراب ذهاني وزيادة وزن.
٣- الأدوية الحاصرة لقنوات الكلسيوم:
تتضمن هذه الأدوية ثلاثة، هي الغابابانتين والبريغابالين والإيثوسوكسامايد.
أ- الغابابانتين Gabapentin (Neurontin): هو دواء قابل للانحلال في الدهون، مشابه من حيث البنية للغابا، ويعبر الحاجز الوعائي الدماغي. ويتصف بأنه يضعف إطلاق النواقل العصبية المحفزة.
يستخدم الدواء لعلاج نوبات الصرع الجزئي. ولكن استطباباته الرئيسية هي لعلاج آلام اعتلال الأعصاب، والهبات الساخنة، ومتلازمة تململ الساقين، ويوصى به واحداً من أدوية الخط الأول لعلاج آلام اعتلال الأعصاب السكري، والألم العصبي التالي للإصابة بالحلأ، والآلام العصبية المركزية Central neuropathic pain. وتشمل التأثيرات الجانبية الشائعة النعاس واضطراب التوازن والتعب، ويمكن تخفيف حدة هذه التأثيرات من خلال البدء بجرعة خفيفة (١٠٠ ملغ كل ٨ ساعات)، مع رفع الجرعة ببطء حتى الوصول إلى ٩٠٠ ملغ كل ٨ ساعات. وتتضمن التأثيرات الجانبية الخطرة زيادة خطر الانتحار والسلوك العدواني.
ب-البريغابالين Pregabalin (Lyrica): هو دواء مشابه للغابابانتين، ويمكن أن يستخدم في حال إخفاق هذا الأخير في ضبط النوب الصرعية. ويستطب أحد أدوية الخط الأول لعلاج الآلام التالية لاعتلالات الأعصاب، له خواص مضادة للقلق. ويتم امتصاص الدواء بصورة سريعة من الجهاز الهضمي ليصل إلى ذروة تراكيزه المصلية بعد ساعة تقريباً.
ج-الإيثوسوكسامايد Ethosuximide (Zarontin): له نصف عمر طويل نسبياً (٥٥ ساعة)، وهو ينتمي إلى عائلة السوكسينامايد. يتميز من بقية الأدوية المضادة للصرع بتأثيره النوعي الحاصر والضاد جزئياً للنمط T من قنوات الكلسيومT-type voltage sensitive calcium channels التي تنتمي إلى المجموعة التي يتم تفعيلها بالجهد الكهربي المنخفض Low-voltage activated (LVA). ويمارس الإيثوسوكسامايد تأثيراته الحاصرة على قنوات الكلسيوم T الموجودة في بعض العصبونات المهادية والتي تكون فعالة في نوع معين من الصرع المعمم هو صرع الغيبة، وكذلك في الصرع الخلجاني. استطبابه الرئيسي هو صرع الغيبة عند الأطفال.
تأثيراته الجانبية تتضمن بعض الأعراض الهضمية، وارتفاع إيوزينيات (حمضات) الدم، ولكنه يمكن أن يسبب الذأب الحمامي.
٤- مثبطات إنزيم الأنهيدراز الكربونية Carbonic anhydrase inhibitors:
الأنهيدرازات الكربونية - وتسمى أيضاً Carbonate dehydratases- هي عائلة من الإنزيمات التي تقوم بتحفيز تفاعل الماء مع ثاني أكسيد الكربون من أجل تشكيل H2CO3 (الذي يعطي لاحقاً البيكربونات والهدروجين)، وهو تفاعل عكوس، يحدث ببطء في حال عدم وجود عامل محفز، ويساهم في الحفاظ على التوازن الحمضي القلوي. ويؤدي تثبيط إنزيم الأنهيدراز الكربوني إلى الحد من استثارة عصبونات الجهاز العصبي المركزي، وهذه الخاصية يتشارك بها كل من التوبيرامات والزونيزامايد والأسيتازولامايد، ونادراً ما يتم اللجوء إلى هذا الأخير لعلاج النوب الصرعية، في حين أن للدواءين الآخرين استطبابات متوافق عليها في علاج الصرع الجزئي وعلاج الشقيقة (وكذلك الصداع العنقودي بالنسبة للتوبيرامات). ولهذين الدواءين تأثيرات جانبية متشابهة أيضاً، تتضمن القمه ونقص الوزن (وهي تعد من الميزات الإيجابية بالنسبة للمريض البدين)، إضافة إلى التعب والضعف العضلي وشواش الحس والاكتئاب.
أ- التوبيرامات (Topamax ) Topiramate: للتوبيرامات آليات متعددة تساهم في ضبط النوب الصرعية، وهي تتضمن تثبيط إنزيم الأنهيدراز الكربوني، وحصار قنوات الصوديوم ذات الانفتاح المعتمد على الجهد، وحصار مستقبلات الغلوماتامات، وزيادة فعالية الغابا. ونصف عمر الدواء زهاء ٢١ ساعة؛ مما يسمح بتناول جرعة وحيدة يومياً. الدواء مستطب في علاج النوب الصرعية الجزئية والمعممة، ويستطب كذلك علاجاً وقائياً للشقيقة وللصداع العنقودي، ويفيد في حالات سحب الكحول، كما أنه حصل على الموافقة لاستخدامه في الحالات التي تستوجب تخفيف الوزن. ومن تأثيراته الجانبية الشائعة الإحساس بخدر ونمل والتعب، زيادة حادة في قصر النظر Myopia، واحتمال تحدد الساحة البصرية، لا يوصى باستخدامه لدى المرضع، وهو من الأدوية التي تسبب تشوهات جنينية.
ب-زونيزامايد (Zomig) Zonisamide: هو من عائلة السلفوناميد المضادة للاختلاج المعتمدة للاستخدام علاجاً مساعداً لدى البالغين المصابين بالصرع الجزئي بصورة خاصة، ويستطب أيضاً في التشنج الطفلي Infantile spasm، والصرع الخلجاني العضلي، والصرع المعمم المقوي الرمعي. ويمكن أن يسبب تأثيرات جانبية عديدة، أهمها تراجع التركيز والتذكر، واحتمال حدوث حصيات كلوية (أقل من ١٪ من الحالات). ويستعمله بعضهم في العلاج الوقائي للشقيقة، وفي تخفيف الوزن، ومثبت مزاجٍ في الاضطراب ثنائي القطب.
ج-الأسيتازولامايد (Diamox) Acetazolamide: يستطب الدواء بصورة خاصة في حالات الزرق لأنه يحد من إنتاج السوائل ضمن العين، وفي الحد من تراكم السوائل في الجسم في حالات قصور القلب (تأثير مدر). ويترافق تأثيره المثبط لإنزيم الأنهيدراز الكربوني تراكم حمض الكربون ونقص PH الدم. لم يعد الدواء مستطباً في علاج الصرع، ولكن يمكن أن يتم اللجوء إلى استعماله في بعض الحالات الخاصة، مثل الصرع الطمثيCatamenial epilepsy .
تأثيراته الجانبية عديدة، وتتضمن سهولة حدوث النزوف والكدمات والنعاس واضطراب التوازن، ونقص وزن، إضافة إلى بعض التأثيرات الجانبية الخطرة، كتبدلات في الوظائف الدماغية أو في المزاج.
أدوية ذات آلية تأثير خاصة:
ليفيتيراسيتام (Keppra) Levetiracetam: ينتمي الليفيتيراسيتام إلى عائلة الراسيتام racetam، وهو يشبه في بنيته منشط الذهن المعروف باسم بيراسيتام. ويستطب في حالات الصرع الجزئي والخلجاني، وكذلك المقوي الرمعي. ويتم تناول الدواء عبر الفم، وله شكل مديد وشكل آخر يعطى عبر التسريب الوريدي. وآلية تأثير الدواء مختلفة؛ إذ إنه يمارس تأثيراته من خلال ارتباطه بالغليكوبروتين الخاص بالحويصلات المشبكية SV2A (Synaptic vericle glycoprotein 2A).
ويقوم دواء الليفيتيراسيتام (وكذلك بيفاراسيتام) بتثبيط إعادة تدوير هذه البروتينات الحويصلية؛ مما يؤدي إلى تعديل وظائف قنوات الكلسيوم قبل المشبكية المعتمدة على الطاقة، ويقلل بالتالي إطلاق النواقل العصبية وتحريرها في الفرجة المشبكية مع حصيلة نهائية هي الحد من انتشار الناقلية والسيالات عبر المشابك. والدواء جيد التحمل عموماً، ويمتص بسرعة من الجهاز الهضمي ليصل إلى تراكيزه المصلية خلال ساعات، كما أنه لا يتداخل في وظائف بقية الأدوية؛ مما يفسر اعتماده خطاً علاجياً أولياً من قبل العديد من المراكز الطبية. وتأثيراته الجانبية الشائعة تتضمن النعاس واضطراب التوازن والإحساس بالتعب وبعض العدوانية في السلوك، أما التأثيرات الخطرة فتشمل هجمة ذهانية والميل إلى الانتحار وارتكاسات اليرجيائية. وتم مؤخراً تطوير شكل معدل منه brivaracetam (Briviact)، ويمارس تأثيراً أكثر نوعية على SV٢A؛ مما يسمح بضبط أقوى للنوب الصرعية.
بيرامبانيل (Fycompa) perampanel: دواء حديث مضاد للصرع، يستخدم دواء وحيداً، أو مساعداً في حالات الصرع الجزئي، وعلاجاً مساعداً في الصرع المعمم لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على ١٢ عاماً. وآلية تأثيره مختلفة عن بقية الأدوية المضادة للصرع إذ إنه يمارس تأثيراً مناهضاً على مستوى مستقبلات الغلوتامات من نوع AMPA؛ مما يؤدي إلى تثبيط للناقلية الغلوتاماتيرجية ذات التأثير المحفز. ومن تأثيراته الجانبية النعاس (يفضل تناوله مساءً)، واضطرابات السلوك التي تتضمن الأفكار الانتحارية والذهانية والحبور المرضي (الشمق) Euphoria. ويتم البدء بالعلاج بجرعة ٢ ملغ مع زيادة تدريجية بطيئة حتى الوصول إلى ٨- ١٢ ملغ في اليوم.
ثانياً- داء باركنسون والباركنسونية Parkinson’s disease and parkinsonism:
داء باركنسون هو آفة تنكسية عصبية تتصف من الناحية التشريحية المرضية بتراكم اندخالات داخل العصبونات تسمى أجسام ليوي Lewy bodies، مع فقد مترقٍّ للعصبونات ولاسيما العصبونات المنتجة للدوبامين في القسم Pars compacta من اللطخة السوداء التي ترسل سيالاتها الدوبامينرجية إلى القسم الحديث من الجسم المخطط neostriatum والذي يضم النواة المذنبة والأتبة Putamen ولهذه الأجزاء من النوى القاعدية أهمية كبرى فيما يخص التحكم بالحركات. وإحدى أهم السمات المميزة لداء باركنسون أن الاضطرابات الحركية التي يعاني منها المريض في بداية المرض «عكوسة بالعلاج بالأدوية الدوبامينرجية»، وأنها غير متناظرة، مع رجحان الأعراض في شقٍ مقارنة بالشق الآخر. وبالمقابل توجد عدة أمراض تُعرف باسم الباركنسونية parkinsonism تشارك داء باركنسون بعدد من المظاهر السريرية (رجفان راحة – صمل - بطاءة حركية - عدم ثبات الوضعة) وتتميز من الداء بعدد آخر من الاضطرابات التي تصادف في مراحل متقدمة من داء باركنسون وليس في بداية المرض، أو بتدهور سريري سريع، وتتميز جميعها باستجابة ضعيفة ومحدودة أو معدومة للعلاج بالليفودوبا Levodopa. تتضمن المتلازمات الباركنسونية التنكسية الأولية، ويطلق عليها متلازمات باركنسون+ زائد، في إشارة إلى وجود أعراض واضطرابات إضافية لا تصادف في داء باركنسون والمجموعة الثانية هي المتلازمات الباركنسونية الثانوية أو المكتسبة التي تضم الباركنسونية التالية لاستعمال أدوية (غالباً مضادات الذهان)، أو السمية المنشأ (مبيدات حشرية- MPTP)؛ والباركنسونية الوعائية الناجمة عن أذيات الأوعية الصغيرة لدى مرضى فرط الضغط الشرياني وبعض الحالات النادرة التالية لالتهاب دماغ فيروسي (التهاب فون إيكونومو) والثالثة هي المتلازمات الباركنسونية الموروثة حيث يلاحظ وجود حالات ضمن العائلة الواحدة، وتضم هذه المجموعة داء ويلسون، والشكل الشبابي من داء هانتنغتون، والرنح الشوكي المخيخي، ومتلازمة الصبغي الجنسي X الهش.
الفيزيولوجيا المرضية في داء باركنسون:
يأتي داء باركنسون في المرتبة الثانية في ترتيب الأمراض العصبية التنكسية مباشرة بعد داء ألزهايمر، ويتشارك المرضان بأن احتمال الإصابة بهما يزداد بصورة كبيرة كلما تقدم المريض في العمر؛ إذ يزداد احتمال الإصابة بداء باركنسون من ٢,٠٪ من السكان قبل عمر الستين إلى ١٪ بعد عمر الستين، و٤٪ بين الأشخاص الأكبر سناً من ٨٥ سنة، وتكون النسب أكبر من ذلك بكثير في داء ألزهايمر (تصل إلى ١٠٪ من الأشخاص فوق عمر ٦٥ سنة، و٣٣٪ بعد عمر ٨٥ سنة). أوضحت الدراسات أن فقد العصبونات الدوبامينرجية يبدأ قبل أكثر من ٢٠ سنة من التظاهرات السريرية الأولى للمرض، ويُبدي التصوير «بالبيت سكان» PET scan وجود نقص زهاء ٧٠٪ في العصبونات الدوبامينرجية، وذلك في المرحلة الأولى للمرض عند ظهور أول الأعراض السريرية.
الاضطراب الفيزيولوجي الرئيسي في داء باركنسون هو الخلل في التوازن بين سبيلين أساسيين لضبط الحركة، ينطلق كلاهما من الجسم المخطط Striatum ليصل إلى المهاد Thalamus، ومن ثَم القشر الحركي؛ ويسمى السبيل الأول السبيل المباشر بسبب وصول السيالات مباشرة من الجسم المخطط إلى القسم الإنسي من الجسم الشاحب Globus pallidus، ومن ثم إلى المهاد، في حين يسمى الثاني السبيل غير المباشر نظراً لمرور السيالات عبر مراكز وسيطة معدلة تتضمن القسم الوحشي من الجسم الشاحب، والنواة تحت المهادية (الوطائية) Sub-thalamic nucleus، ومن ثم القسم الإنسي من الجسم الشاحب فالمهاد.
تهدف العلاجات الحالية إلى التعويض عن الدوبامين الناقص بإعطاء سلائف الدوبامين، أي الليفودوبا الذي يعبر الحاجز الوعائي الدماغي L-DOPA، ويتحول إلى دوبامين ضمن العصبونات الدماغية، ويقوي وظائف السبيل المباشر بصورة خاصة، كما تهدف إلى إطالة عمر الدوبامين المتوفر من خلال تثبيط تقويضه واستقلابه بإعطاء مثبطات الإنزيمات COMT أو MAO-B، أو محاولة تقليد تأثيراته عن طريق إعطاء المرضى الأدوية الشادة (الناهضة) للدوبامين التي تؤثر مباشرة في مستوى مستقبلات الدوبامين. ومع أن هذه العلاجات توفر راحة جيدة للأعراض في المراحل المبكرة إلى المتوسطة من داء باركنسون فإنها تفقد فعاليتها مع تقدم المرض، ويرتبط إعطاؤها المزمن بظهور عدد من التأثيرات الجانبية (خلل الحركة dyskinesia أو عسرها، والتقلبات الحركية، وبعض الاضطرابات السلوكية).
ومن خلال فهم التبدلات الفيزيولوجية المصادفة في داء باركنسون والتي يمكن تلخيصها بنقطتين رئيسيتين هما فرط فعالية عصبونات القسم الإنسي من الجسم الشاحب، وفرط فعالية عصبونات النواة تحت المهادية أمكن استنباط طرق علاجية جراحية تستهدف هاتين النواتين وتحد من نشاطهما المفرط سواء عبر التخريب بالحرارة - وهي الطريقة القديمة، وهي غير عكوسة - أم عبر تثبيط العصبونات بتعريضها لتنبيهات كهربية عالية التواتر، وهو أساس العلاج المعتمد حالياً، والمسمى تنبيه البنى الدماغية العميقة DBS (Deep brain stimulation).
أهداف العلاج: في غياب العلاج الشافي أو المعدل لسير المرض يقتصر العلاج الوقائي على محاولة التخفيف من الأعراض وانعكاساتها على حياة المريض، والتخفيف ما أمكن من العجز الوظيفي، أي تحسين نوعية حياة المريض، ولابد أن يقترن ذلك بتجنب حدوث تأثيرات جانبية ومضاعفات سواء تلك الناجمة عن الأدوية أم عن المرض.
العلاجات أو التدابير الوقائية:
يبدو أن لشرب القهوة أو المشروبات المحتوية على الكافيين Caffeine تأثيراً مفيداً، وأظهرت الدراسات أن التدخين يقلل من احتمال حدوث داء باركنسون بمعدل الثلث، ويعتقد أن النيكوتين له تأثير محفز للدوبامين، وقد يكون ذلك عبر تأثير مثبط لإنزيم الـ MAO B، ولكن التأثيرات السلبية العديدة للتدخين لا تسمح باقتراحه علاجاً وقائياً. وتبين أيضاً أن الأدوية المثبطة لإنزيم الـ MAO B، مثل سيليجيلين ورازاجيلين يمكن أن تكون مفيدة.
وأهم المبادئ العلاجية التي يرتكز عليها تدبير داء باركنسون هي زيادة الناقلية العصبية الدوبامنيرجية وتعزيزها، العلاج الاستباقي الهادف لمنع المضاعفات الحركية الناجمة عن العلاج بالليفودوبا، علاج الأعراض الناجمة عن فرط الكولينرجية، علاج الأعراض والاضطرابات غير الحركية، اقتراح العلاج الجراحي في الحالات التي يتوقع معها ظهور تحسن.
١- زيادة الناقلية العصبية الدوبامنيرجية وتعزيزها: يمكن الوصول إلى هذه الغاية من خلال عدة مقاربات علاجية، تتضمن ما يلي:
- إعطاء الليفودوبا الذي هو سليفة الدوبامين، ويمكن أن يُعطى عبر الفم.
- الحد من تقويض الدوبامين وتصفيته في الوسط الداخلي عبر تثبيط الإنزيمات التي تقوم بهذه الوظائف سواء مثبطات وحيدات الأمين MAO (مثال عليها سيليجيلين Selegiline وورازاجيلين)، أو مثبطات إنزيم COMT (الإنتاكابون وتولكابون).
- تحفيز المستقبلات الدوبامنيرجية وتنبيهها باستعمال الأدوية الشادة للدوبامين (روبينيرول Ropinirole، براميبركسول، كابيرغولين، روتيغوتين، أبومورفين).
- زيادة إطلاق الدوبامين من النهايات العصبية قبل المشبكية (الأمانتادين).
- تجنب الأدوية ذات التأثير الضاد للدوبامين (مضادات الذهان، مثل الهالوبيريدول وكلوربرومازين، ومضادات الإقياء بروكلوبيرازين).
إن حجر الزاوية في علاج باركنسون هو الليفودوبا الذي يعطى عبر الفم أو بشكل تسريب معوي، ولكن في كل الأحوال يبقى هذا العلاج غير مفيد في حال لم يتم امتصاص الدواء جيداً من الجهاز الهضمي. وعملية الامتصاص هذه تتم عبر جهاز خاص ينقل الحموض الأمينية من دون تمييز، وبالتالي فإن إعطاء الدواء مع طعام يحوي بروتينات في الوقت نفسه سوف يضعف من امتصاص الدواء.
النقطة المهمة الثانية تتعلق بأن الليفودوبا سوف يتم استقلابه بصورة كبيرة في الدم والكبد بوساطة إنزيم دوبا ديكاربوكسيلاز المحيطي، ولن يصل إلى الدماغ إلا نسبة ضئيلة منه لا تتجاوز١٪ نظراً لأن الدوبامين لا ينحل بصورة جيدة في الدهون، ولا يعبر الحاجز الوعائي الدماغي، وبالتالي سوف تكون التأثيرات الجانبية شديدة جداً (غثيان وإقياء وهبوط ضغط)، والفائدة محدودة جداً، ومن هنا كان لا بد من إشراك الليفودوبا مع جزيء مثبط لإنزيم الديكاربوكسيلاز المحيطي، والمستعمل حالياً كاربيدوبا وبنيرازين، وكلاهما لا يعبر الحاجز الوعائي الدماغي، ويمارس تأثيره المثبط في الدم المحيطي. النقطة الثالثة والأخيرة تتعلق بسرعة استقلاب الدوبامين ضمن الدماغ بإنزيم MAO وإنزيم COMT؛ مما يدفع إلى تثبيط هذه الإنزيمات للحصول على تأثير علاجي أفضل وأطول مدة.
٢-العلاج الاستباقي الهادف لمنع المضاعفات الحركية الناجمة عن العلاج بالليفودوبا: سوف يعاني مريض داء باركنسون من» مشكلات حتمية» تتضمن تراجع الفعالية الدوائية، وتأرجح الفعالية الدوائية؛ إذ يحدث انتقال سريع ومفاجئ من مرحلة غياب الفاعلية العلاجية OFFإلى مرحلة التحسن الحركي. نظراً للارتباط الواضح بين ظهور تأرجح الفعالية الدوائية وعسر الحركة من جهة، وبين الاستعمال الباكر والمديد لليفودوبا من جهة أخرى قام الباحثون بدراسة الأسباب ليتبين وجود صلة ما بين طريقة إعطاء الدواء «النبضية» كل ٦- ٨ ساعات، وبين نصف عمر الدوبامين القصير الذي لا يتجاوز الساعتين؛ مما يؤدي إلى التذبذب في تراكيز الدوبامين في داء باركنسون الذي سوف يقود بعد سنوات إلى تأرجح الفعالية نظراً لتراجع كميات الدوبامين من المخازن.
٣- فائدة الأدوية المضادة للكولنيرجية وتأثيراتها الجانبية: أظهرت الدراسات وجود خلل في التوزان بين الجهازين الدوبامينرجي (ضعيف الفعالية) والكولينرجي (مزداد الفعالية)؛ مما يفسر عدداً من الأعراض السريرية. وتتمتع الأدوية المضادة للكوليندرجية بتأثيرات مضادة للمستقبلات الموسكارينية، وتفيد خاصة في التخفيف من الرجفان ومن سيلان اللعاب اللذين يسببان في بعض الحالات إزعاجاً شديداً للمريض. وقد تخفف هذه الأدوية قليلاً من الصمل، ولكنها لا تفيد أبداً في تخفيف البطاء الحركي. وينصح بعدم استخدامها لدى المريض المسن؛ لأنها تسبب تخليطاً ذهنياً وإهلاسات. وتتضمن التأثيرات الجانبية جفاف الفم والإمساك وتشوش الرؤية وتقطع رشق أو حبس البول. وتبين مؤخراً أن الأدوية المثبطة لإنزيم الكولينستراز المركزية والتي ترفع تراكيز الأستيل كولين في الدماغ (وخاصة الريفاستيغمين) رافق استعمالها تحسن في الوظائف الاستعرافية وتراجع في الأعراض الذهانية لدى مرض داء باركنسون من دون أن تسبب تفاقماً في الأعراض الحركية الباركنسونية.
٤- تدبير الأعراض والاضطرابات غير الحركية: تتضمن هذه الأعراض والاضطرابات أعراضاً حسية، بعضها مؤلم، مثل التهاب محفظة الكتف وتجمد الكتف، وبعضها غير معهود، مثل متلازمة الساق المتململة RLS، وكذلك عدم القدرة على الثبات الحركي Akathisiaالذي يشعر معه المريض بإزعاج يجبره على الحركة من مكان إلى آخر. وإضافة إلى ذلك تتضمن الاضطرابات الحسية نقص حس الشم الذي يسبق ظهور الأعراض الحركية بسنوات أحياناً وغالباً ما يرافقه نقص حس الذوق. ولكل من هذه الشكاوى الحسية تدبير خاص؛ فألم الكتف يستجيب للعلاج الفيزيائي وللأدوية المضادة للالتهاب غير الستيروئيدية، كما تستجيب الساق المتململة للعلاج بشادات الدوبامين. وهناك أيضاً أعراض استعرافية «نفسية عصبية» تتضمن اضطرابات المزاج وخاصة الاكتئاب الذي يستجيب للعلاج بالليفودوبا وبمضادات الاكتئاب. وهناك أيضاً تدهور الملكات العقلية، ويمكن أن يصل إلى مرحلة الخرف. وهناك أيضاً أعراض إنباتية عديدة محتملة الظهور (تشمل فرط التعرق وهبوط ضغط انتصابياً والإمساك واضطراب حركية المعدة وصعوبة إفراغ المثانة أو سلساً بولياً).
٥-تثقيف المريض حول النقاط المفيدة سواء فيما يخص التدابير العلاجية المحافظة أم التدخلات الجراحية: لا بد من تشجيع المريض على متابعة النشاط الرياضي اليومي الذي يحفظ استقلاليته ويساهم في منع تطور مضاعفات حركية، مثل الكتف المتجمدة، وفي بعض الحالات تستطب جلسات علاج فيزيائي وجلسات إعادة تأهيل وظيفي نوعي (مثل إعادة تأهيل النطق والكلام)، وعلاج «مهني» يعيد إليهم إمكان العودة إلى العمل بعد إدخال التغييرات المناسبة في بيئة العمل (سجادة ذات حواف مهلهلة تعرضه للسقوط – درجات سلم يصعب عليه الصعود عليها). وفي الحالات المتقدمة من المرض والتي تتظاهر بتراجع كبير في القدرات الحركية من دون خرف مرافق يستطب اللجوء إلى العلاج بالتنبيهات الكهربية للبنى العميقة ثنائية الجانب والتي تركز عادة على تثبيط فعالية النواة الوطائية في الجهتين.
الأدوية المستعملة في علاج داء باركنسون:
الأدوية الدوبامنيرجية: الليفودوبا levodopa هو الحمض الأميني طليعة الدوبامين، ومن ثَم يتحول إلى دوبامين بوساطة إنزيم الدوبا ديكاربوكسيلاز (DDC) Dopa decarboxylase. وفي الحالة الطبيعية عند تناول الليفودوبا عبر الفم يصل إلى القسم القريب من الأمعاء الدقيقة حيث تتم عملية امتصاصه التي يتواسطها جهاز نقل فعال مختص بنقل الحموض الأمينية؛ مما قد يؤخر امتصاصه ويعرضه للتخرب ضمن لمعة الأمعاء في حال تم تناول الليفودوبا مع وجبة غنية بالحموض الأمينية. وبعد امتصاصه من جدار الأمعاء يعبر الحاجز الوعائي الدماغي بوساطة آليات نقل فعال، لا تتجاوز ١-٥٪ فقط من الكمية التي تناولها المريض عبر الفم، وبقية الكمية التي ابتلعها المريض (٩٥٪ منها أو أكثر) تتحول إلى دوبامين ضمن الدوران الجهازي، وتمارس تأثيرها جهازياً في حال لم يتم تثبيط تحول الليفودوبا إلى دوبامين في الدم والأعضاء المحيطية كالكبد. وبعد وصول الليفودوبا إلى الدماغ يتم التقاطه من قبل العصبونات المنتجة للدوبامين، وهنا وضمن هذه العصبونات يتحول الليفودوبا إلى دوبامين، ويتم تجميع الدوبامين ضمن حويصلات توجد في النهايات العصبية قبل المشبكية، ومنها تنطلق جزئيات الدوبامين بفعل عدد من الأدوية من أهمها الأمانتادين الذي يحرض إطلاق الدوبامين. وبعد تحرير الدوبامين في الفرجة المشبكية يرتبط بمستقبلاته، ولا بد من لفت الانتباه إلى أن للدوبامين عدة أنواع من المستقبلات الدوبامنيرجية تصنف ضمن فئة المستقبلات المقترنة مع البروتين G، وتتضمن خمسة أنماط من المستقبلات الدوبامينرجية، هي D1 و D2 و D3 و D4 و D5، ولكل منها وظائف متميزة؛ فالمستقبلات D1 و D5 محفزة excitatory، في حين أن الأنماط الثلاثة الأخرى D2 و D3 و D4 مثبطة inhibitory. ويرافق تفعيل المستقبلات الدوبامنيرجية مجموعة كبيرة من الوظائف التي تشمل– إضافة إلى التحكم بالحركات- التحكم بالدوافع والحافز للسلوك والشعور بالسرور، وتحفيز الإدراك والتداخل في آليات الذاكرة والتعلم. وبعد ارتباط الدوبامين بالمستقبلات الخاصة به تـأتي مرحلة تقويض الدوبامين، ويتم ذلك بتواسط نوعين من الإنزيمات الأول؛ هو إنزيمات MAO، والثاني هو إنزيماتCOMT . وينجم عن عملية تقويض الدوبامين هذه جزيء ٣ ميثيل دوبا Methyldopa - O - 3. يساهم تثبيط عمل هذه الإنزيمات في إطالة عمر جزيئات الدوبامين في الفرجة المشبكية (مثبطات COMT)، وفي منع تقويضه ضمن العصبونات (مثبطات MAO)؛ مما يسهل عملية تجمعه في الحويصلات قبل المشبكية تمهيداً لإطلاقه في المشابك.
تتضمن الأدوية الدوبامنيرجية المستعملة في علاج داء باركنسون ثلاثة أنواع رئيسية من الزمر الدوائية هي الليفودوبا (المُشرَك مع مثبط لإنزيم الدوبا ديكاربوكسيلاز)، والأدوية الشادة للدوبامين، والأدوية المثبطة للإنزيمات التي تتواسط تقويض الدوبامين MAO أو COMT.
١- الليفودوبا المُشرَك مع مثبط لإنزيم الدوبا ديكاربوكسيلاز: يعد الليفودوبا حجر الأساس في علاج داء باركنسون، ويهدف إعطاء الليفودوبا إلى التعويض عن النقص في الدوبامين الداخلي. يرافق إعطاء الليفودوبا وحده تحول نسبة كبيرة جداً من الدواء إلى دوبامين في الدم والأنسجة المحيطية بفعل تأثير إنزيم الديكاربوكسيلاز؛ مما لا يترك سوى نسبة ضئيلة من الدواء تراوح بين ١ و٥٪ من الجرعة التي تم تناولها عبر الفم قابلة للوصول إلى الدماغ، وهذا يعني أنه للحصول على التأثيرات المفيدة المضادة للباركنسونية يصبح من الضروري استعمال مقادير كبيرة من الليفودوبا، وهذا يؤدي حتماً إلى تأثيرات جانبية شديدة الإزعاج، أشيعها الغثيان والإقياء وهبوط الضغط الانتصابي، وأخطرها اضطراب النظم القلبي إضافة إلى أنها (أي الجرعات العالية من الليفودوبا) سوف تثبط عملية الإفراغ المعدي؛ مما يعوق وصول الليفودوبا إلى الأمعاء، وتمّ تخطي هذه المشكلة العلاجية من خلال إضافة جزيء دوائي يثبط إنزيم الديكاربوكسيلاز المحيطية ولا يعبر الحاجز الوعائي الدماغي، وبالتالي يقتصر تأثيره المثبط لتحول الليفودوبا إلى دوبامين على الدم والأنسجة المحيطية، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى تخفيف التأثيرات الجانبية للّيفودوبا إلى حد كبير، وإلى السماح بوصول نسبة كبيرة جداً من الدواء المتناول عبر الفم إلى الجهاز العصبي المركزي (يكفي إعطاء ٢٥٪ فقط من كمية الليفودوبا المُشرك مع مثبط DDC للوصول إلى التأثيرات الدماغية نفسها للجرعة الكاملة ١٠٠٪ من الليفودوبا وحده). ويتوفر عدد من التراكيب الدوائية تجمع الليفودوبا مع مثبط الدوبا ديكاربوكسيلاز، وهي:
ليفودوبا + كاربيدوبا Carbidopa بتراكيز متعددة، ويتم اختيار الأنسب بحسب التأثيرات الجانبية المحتمل ظهورها. والدواء الشائع استعمالاً هو (Sinemet) ليفودوبا بنديرازين Benderizine. الدواء الأشيع استعمالاً هو Madopar . ليفودوبا + كاربيدوبا + انتاكابون Entacapone؛ هذا الشكل يتضمن الأدوية الثلاثة في المضغوطة الدوائية نفسها؛ مما يسمح في الوقت نفسه تثبيط DDC المحيطية وCOMT؛ مما يضمن مدة تأثير أطول للدوبامين. واسم الدواء هو Stalevo .
عموماً يمكن القول إن نصف عمر الليفودوبا المُشرك مع مثبطات الدوبا ديكاربوكسيلاز يعادل ٩٠ دقيقة، ولكنه يؤدي إلى تحسن حركي يمتد قرابة ست ساعات في بداية المرض، والسبب هو قدرة العصبونات على خزن الدوبامين وإعادة إطلاقه عند الحاجة، ولكن مع ترقي المرض يلاحظ تناقص تدريجي في مدة التحسن الحركي، وهو ما يسمى بتراجع الفعالية الدوائية والتأرجح في درجات الاستفادة السريرية.
يتوفر من هذه الأدوية الشراب والحبوب التي يتم امتصاصها من مخاطية الفم، وتفيد لدى المرضى الذين يعانون عسر بلع أو بطاءً شديداً صباحاً عند الاستيقاظ.
كيف يتم التدبير والتعامل الأنسب مع جرعات الأدوية الحاوية على الليفودوبا: القاعدة الأساسية هي البدء بالعلاج بالليفودوبا بجرعات صغيرة، ويتم رفع الجرعة ببطء كبير وعلى مدى أسابيع حتى الوصول إلى أفضل استجابة سريرية، مع تجنب الجرعات العالية التي سوف يرافقها تأثيرات جانبية أشد وطأة من الفائدة المتوخاة.
تراوح الجرعة اليومية الفعالة بين ٤٠٠ و١٥٠٠ ملغ يومياً تتوزع على ٤-٦ جرعات. وينصح دوماً برفع الجرعة ببطء كبير للحفاظ على تقيد المريض بتناول علاجه. ومن المعروف أن التطور السريري لداء باركنسون يتضمن فترة أولية تكون فيها الاستجابة للعلاج ممتازة وتسمى فترة شهر العسل العلاجي، ولكن بعد قرابة خمس سنوات يظهر لدى ٥٠٪ من المرضى «مضاعفات حركية» تزداد لتصيب تقريباً جميع المرضى بعد ١٠ سنوات من التطور. وتأخذ هذه المضاعفات الحركية أشكالاً متعددة، أهمها تراجع الفعالية الدوائية. ومن المضاعفات الحركية الشائعة والمزعجة للمريض ما يسمى ظاهرة On-Off التي يتحسن فيها المريض حركياً بعد الجرعة، وهي مرحلة On مع حركات مبالغ في سعتها في منتصف فترة تأثير الجرعة، ومن ثم ينتقل بصورة حادة إلى مرحلة البطاء الحركي أو الصمل الشديد الذي قد يصل إلى درجة الجمود، وهي مرحلة Off، وتتوافق ونقص التراكيز الدوائية في المصل، ثم يعود إلى مرحلة On بصورة حادة أيضاً بعد ٢٠-٣٠ دقيقة من تناول الجرعة التالية. وتسمى الحركات المفرطة الشدة والسعة التي تظهر خلال فترة On عسر الحركة dyskinesia، وهي تأخذ شكل حركات التوائية واهتزازية، وتصيب الأطراف والوجه والشفاه والعنق والجذع.
ويمكن القول إن عسر الحركة المحدث بالليفودوبا هو مرتبط بالجرعة؛ مما يدفع إلى اعتماد قاعدة الاكتفاء بأقل جرعة فعالة، وتجنب اللجوء إلى جرعات أعلى ما أمكن، ومن الاستراتيجيات العلاجية المتبعة على نطاق واسع إعطاء جرعات صغيرة ولكن بفترات زمنية مقاربة، مع تجنب تناول الدواء مع الوجبات الحاوية حموضاً أمينية. وفي الحالات التي يصعب ضبطها دوائياً يمكن المشاركة مع أدوية أخرى، مثل شادات الدوبامين والأمانتادين ومثبطات COMT التي تُعطى مع كل جرعة ليفودوبا (٣ مرات يومياً عادة)، أو مثبطات MAO. وفي بعض الحالات يمكن اللجوء إلى العلاج الجراحي (التنبيهات الكهربية للبنى العميقة DBS)، وتهدف هذه الاستراتيجية العلاجية إلى دعم التأثير المضاد للباركنسونية بصورة تسمح بتخفيف جرعات الليفودوبا، وبالتالي تخفيف شدة عسر الحركة.
التأثيرات الجانبية: يرتبط ظهور التأثيرات الجانبية بصورة مباشرة مع جرعة الليفودوبا المستعملة، وتتضمن هذه التأثيرات أعراضاً مزعجة غير خطرة، مثل الغثيان والإقياء، ويمكن تخفيف شدتها بإعطاء دواء دومبيريدون (وهو صاد محيطي للدوبامين آمن، ولا يسبب تأثيرات خارج هرمية)، أو بإعطاء مضاد هيستاميني، مثل سيكليزين قبل نحو نصف ساعة من تناول الليفودوبا. ويمكن أن يعاني المريض هبوط ضغط انتصابياً خفيف الشدة وحس خفقان. إضافة إلى هذه التأثيرات الجانبية المحدودة التأثير هناك أعراض مزعجة، وقد تكون خطراً على المريض أو محيطه، مثل الأهلاسات البصرية والتخليط الذهني والهياج وبعض الحركات اللاإرادية مفرطة السعة. ينصح عند ظهور الأهلاسات والتخليط الذهني الحاد بإيقاف متدرج للأدوية التي يمكن أن تسبب مثل هذه الاضطرابات، مثل مضادات الكولينرجية ذات التأثيرات المضادة للموسكارين والأمانتادين وشادات الدوبامين، مع الحفاظ ما أمكن على الليفودوبا. ويفيد في هذه الحالات إعطاء المريض الريفاستينغمين (مثبطات الكولينستراز المركزية)، أو أحد الأدوية حالات الأعصاب Nerves غير النموذجية، وأفضلها في حالة داء باركنسون هو الكيتايين الأقل إحداثاً للتأثيرات الخارج هرمية، ويمكن في حال إخفاقه في ضبط الأهلاسات والهذيان، (أو في حال عدم توفره) اللجوء إلى الكلوزابين Clozapine. من مضادات استطباب الليفودوبا وجود قرحة هضمية فعالة أو احتشاء العضلة القلبية الحديث، واضطرابات نظم القلب.
٢- الأدوية الشادة للدوبامين Dopamine agonists: في الحالة الطبيعية يحفز الدوبامين الوارد عبر السبيل الأسود المخطط كلاً من المستقبلات الدوبامينرجية D١ وD٢ واللتين سوف تشكل عصبوناتهما السبيل المباشر والسبيل غير المباشر التي تربط بين مختلف النوى القاعدية. وفي داء باركنسون يُلاحظ نقص كبير في تراكيز المستقبلات D٢ في الجسم المخطط، ويعد هذا النقص الأكثر أهمية من الناحية السريرية؛ وتتمتع هذه الأدوية ببعض الميزات التي يأتي على رأسها قلة إحداثها لعسر الحركة. كما تتميز شادات الدوبامين أيضاً - مقارنة بالليفودوبا – بعدد من النقاط، أهمها عدم دخولها في تنافس مع الحموض الأمينية في الأمعاء (أي إنها قابلة لأن تؤخذ مع الوجبات الطعامية)، كما أن نصف عمر هذه الأدوية طويل بخلاف الدوبامين القصير العمر (٢-٣ ساعات)؛ مما يفسر ضعف احتمال ظهور عسر الحركة التالي لفرط استثارة العصبونات. ولهذه الأدوية نقاط سلبية تتخلص في غلاء ثمنها، وعدم توفرها دوماً، وفي تأثيرها الأضعف نسبياً من الدوبامين على الحركات، وفي إحداثها للتخليط الذهني والذهان لدى المريض المسن. يُستطب إعطاء أحد هذه الأدوية في المرحلة الأولى من المرض لتجنب السمية المرتبطة بالليفودوبا، وتخفيض احتمال حدوث عسر الحركة Dyskinesia، وتفيد كذلك في المراحل المتقدمة من المرض عندما تتراجع فعالية الدوبامين وتضعف قدرة العصبونات على خزن الدوبامين.
الأدوية الشادة للدوبامين المتوفرة هيالأدويةالمشتقة من الإرغوت.وهذه الأدوية لم تعد تستعمل في علاج داء باركنسون بسبب كثرة تأثيراتها الجانبية وخطورة بعض هذه التأثيرات وخاصة تليف الأعضاء الداخلية التالي للاستعمال المزمن لهذه الأدوية.
الأدوية الشادة للدوبامين غير الأرغوتية Non- ergot dopamine agonists: تضم هذه الأدوية روبينيرول Ropinirole (Requip) وبرامبيكسول pramipexole (Mirapex) وروتيغوتين Rotigotine. ويُفضل اللجوء إلى أحد هذه الأدوية بوصفها خط العلاج الأول لدى المريض الباركنسوني الأصغر سناً من ٧٠ سنة، أما لدى المرضى الأكبر سناً فلا يعد حدوث المضاعفات المرتبطة بالعلاج الباكر للّفيودوبا أمراً كبير الاحتمال؛ مما يسمح باللجوء إلى العلاج بالليفودوبا لدى المرضى المسنين نظراً لكونه أقوى تأثيراً وأقل إحداثاً للتخليط الذهني والاضطرابات الذهانية من شادات الدوبامين. ويعد كلٌ من الروبينيرول والبرامبيكسول أشد فعالية على الرجفان من بقية الأعراض الباركنسونية، ينصح دوماً بالبدء بجرعات صغيرة مع رفع تدريجي بطيء جداً للجرعة اليومية (يتم الوصول إلى الجرعة اليومية خلال أسابيع وأحياناً أشهر). يعطى الدواء عادة بشكل جرعة كل ٨ ساعات ولكن تتوفر أشكال مديدة التأثير تسمح بتناول الدواء بشكل جرعة وحيدة. ويتميز الروتيغوتين بإمكان استخدامه بصورة لصاقة Transdermal patch تناسب المرضى الذين يعانون صعوبات في البلع، أو الذين لا يتقيدون بتوقيت أدويتهم.
ولهذه الأدوية تأثيرات جانبية عديدة؛ فهي إضافة إلى التخليط الذهني والأعراض الذهانية بإمكانها أن تسبب هبوط ضغط انتصابياً، وذمات في الكاحلين، نعاساً خلال ساعات النهار مع نوب من النوم المفاجئ لدى بعض المرضى، وكذلك اضطراباً في التحكم بالغرائز لدى ١٥٪ من المرضى المعالجين بهذه الأدوية تشمل الميل الاندفاعي إلى الحفاظ على الأشياء وجمعها أو للعب القمار، وفرط النشاط الجنسي، ونوب الشراهة المفرطة.
أ- الأبومورفين Apomorphine: هو أحد مشتقات المورفين، وله صفات مشابهة للدوبامين، وصفات الشاد الكامل للمستقبلات الدوبامينرجية D1 وD2، إضافة إلى بعض الخواص المشابهة لتأثيرات الإغوتامين. ويعد هذا الدواء من الأدوية الإسعافية Rescue therapy في داء باركنسون، ويستطب استخدامه لدى المرضى الباركنسونيين الذين لم يتجاوزوا عمر السبعين، وفي المراحل المتقدمة من المرض التي تتكرر فيها حالات الجمود المفاجئ خلال مراحل off. ويستطب كذلك في الحالات التي تشتد فيها اضطرابات عسر الحركة والتي يستطب فيها تخفيض جرعة الليفودوبا. ويعطى الدواء حقناً تحت الجلد، ويبدأ تأثيره المحرر للفرملة الحركية خلال دقائق؛ مما يعد أساسياً في حالات الجمود التي لا يستطيع فيها المريض تحمل ٤٥ دقيقة إضافية ضرورية لبدء تأثير جرعة الليفودوبا الفموية.
التأثيرات الجانبية للأبومورفين ترجع إلى صفاته الدوبامينرجية والمورفينية المسببة للغثيان والتي يمكن أن تؤدي إلى معاناة المريض من إقياءات شديدة؛ مما يستوجب إعطاء الدومبيريدون قبل الجرعة الأولى، ويمكن للجرعات العالية أن تسبب تثبيطاً تنفسياً (يفيد معه إعطاء النالوكسون)، وحالات من الهياج والتخليط الذهني والاضطرابات الذهانية وأحياناً انتصاباً مفرطاً (من دون زيادة الرغبة الجنسية)، وظاهرة رينو ونعاساً وتثاؤباً.
ب- مثبطات إنزيم ماو MAO inhibitors: يتداخل إنزيم ماو Monoamine oxidase في عملية تقويض الحموض وحيدة الأمين عبر عملية أكسدة (يساعدها في عملية التقويض هذه إنزيم COMT أو الكاتيكولامين أو ميتيل ترانسفيراز Catechol O-methyltransferase) وتوجد هذه الإنزيمات في كل من العصبونات والخلايا الدبقية حيث توجد إنزيمات MAO في المتقدرات، وإنزيمات COMT في الهيولى. وتساهم هذه الأدوية المثبطة لإنزيم MAO في إطالة نصف عمر الدوبامين، وإطالة مدة تأثيراته.
لمثبطات إنزيم ماو دور مهم وظيفياً يعدل من تراكيز النواقل العصبية الرئيسية الموجودة «ضمن العصبونات». وتوجد إنزيمات ماو على شكلين؛ هما أ وب يحددهما بعض المكونات Substrates النوعية. وترتدي معرفة خواص هذين الشكلين من الإنزيمات أ وب أهمية علاجية كبرى نظراً لوجود كل شكل في مواضع مختلفة وبتراكيز مختلفة، في حالات مرضية مختلفة وبالتالي فإن التثبيط النوعي لأحد هذين الشكلين يفيد في مرض معين، ويمكن أن ترافقه تأثيرات ضارة في مرض آخر؛ ومن الضروري معرفة أن استعمال الأدوية التي تثبط إنزيم الماو بصورة غير انتقائية، أي التي تثبط كلاً من MAO-A وMAO-B سوف تثبط تقويض الحموض وحيدة الأمين عموماً، وسوف يحدث «تراكم» لبعض الحموض الأمينية التي تتحول لاحقاً إلى نورأدرينالين ونورأبينفرين بفعل إنزيم (دوبامين بيتا هيدروكسيلاز). ومثل هذا التأثير الخطر لا يصادف عادة عند استعمال المثبطات النوعية للماو- بي، مثل السيليجيلين والرازاجيلين اللذين ينصح باللجوء إليهما. ولهذه الأسباب ينحصر استعمال هذه الأدوية المثبطة لإنزيمات MAO في الحالات التي أخفقت فيها بقية الأدوية في الحصول على نتائج علاجية. وفي المقابل يمكن اللجوء إلى استعمال المثبطات «الانتقائية» لإنزيم MAO-B (التي تتضمن كلاً من السيليجيلين والرازاجيلين والدواء الأحدث من هذه الزمرة وهو سافينامايد) بصورة أكثر أماناً في علاج داء باركنسون.
• السيليجيلين Selegiline (Deprenyl, Eldepryl):هو مثبط غير عكوس لإنزيم MAO-B. ترتبط مشاكل السيليجيلين بخاصيته المثبطة غير العكوسة للماو ب، حيث إنه يقلل من تقويض الدوبامين ضمن العصبونات؛ مما يزيد من تراكيزه في النهايات قبل المشبكية من دون أن يتداخل مع الدوبامين الموجود في الفرجة المشبكية.
• الرازاجيلين Rasagiline (Azilect): هو مشابه للسيليجيلين، ويتميز منه بأنه سهل الاستخدام، ولا يحتاج إلى مخطط رفع بطيء للجرعة اليومية؛ إذ بالإمكان البدء مباشرة بإعطاء ١ ملغ يومياً.
• السافينامايد Safinamide (Xadago): وهو مثبط انتقائي «عكوس» لإنزيم ماو بي MAO-B. الجرعة اليومية ٥٠-١٠٠ ملغ تؤخذ مرة واحدة، تضاف إلى جرعات الليفودوبا، وهو ينقص من فترات OFF ويطيل فترات ON من دون أن يزيد من عسر الحركة dyskinesia، حصل الدواء على موافقة FDA لاستخدامه علاجاً مساعداً في داء باركنسون في عام ٢٠١٧.
٣- الأدوية المضادة للكولينرجية (المضادة للموسكارينية): تتميز هذه الأدوية بتأثيرات مضادة للمستقبلات الموسكارينية نظراً لكونها تمارس تأثيراً حاصراً على مستقبلات الأستيل كولين الموسكارينية في الجهاز العصبي المركزي Muscarinic receptors antagonist ، وهي تصحح جزئياً اضطراب التوازن المعتاد بين الجهازين الكولينرجي والدوبامينرجي الذي يضطرب في داء باركنسون، مع زيادة فعالية كولينرجية ونقص فعالية دوبامنيرجية.
إن لهذه الأدوية تأثيرات مفيدة في داء باركنسون، ومنها مشتقات صنعية تؤخذ عن طريق الفم أشيعها استخداماً البنزيكسول Benzhexol أي التريهيكسيفنيديل (Trihexyphenidyl (Artane أو Hexol ، ويعطى بجرعة ١-٤ ملغ كل ٨ ساعات، والأورفينادرين Orphenadrine ويعطى بجرعة ١٠٠-٢٠٠ ملغ كل ٨ ساعات، والبروسيكليدين Procyclidine (Kemadrin)، وبيبريدين biperiden، وأخيراً البنزتروبين Benztropine (Cogentin) الذي يتميز بإمكان إعطائه بشكل حقن عضلية أو وريدية بجرعة ١- ٢ ملغ وذلك في الحالات الحادة التي يعاني فيها المريض تقلصات عضلية في الوجه والرقبة بصورة خاصة (بعد علاج بمضادات الذهان أو مضادات الإقياء). وتفيد هذه الأدوية في التخفيف من الرجفان ومن سيلان اللعاب ومن التشنجات العضلية، وقد تخفف من الصمل، ولكنها لا تفيد أبداً في تخفيف البطاءة الحركية. والتأثيرات الجانبية متشابهة وتتضمن جفاف الفم، إمساكاً، تشوش رؤية، تقطع رشق أو حبس البول، إضافة إلى تأثيرات جانبية خطرة، مثل نوبة زرق حاد أو إهلاسات وتخليط ذهني حاد لدى المسنين خاصة؛ ولهذا السبب ينصح بتجنب استخدامها لدى المسن.
أدوية أخرى مفيدة في علاج الباركنسونية:
- الأمانتادين Amantadine (Symmetrel): اتضح بطريق المصادفة أن هذا الدواء حسّنَ الأعراض الحركية لدى مريض باركنسوني، كما أنه قلل من شدة التأثيرات الجانبية لليفودوبا التي تظهر على المدى البعيد؛ لذلك فإن للأمانتادين فوائد متعددة، فهو يفيد في المراحل الأولى للمرض حيث يسهم في تأجيل العلاج بالليفودوبا (الجرعة العلاجية هي ١٠٠ ملغ كل ١٢ ساعة)، ويفيد في التخفيف من شدة عسر الحركة المحدثة بالليفودوبا، وهذه هي الفائدة الرئيسية للدواء. للدواء تأثيرات مضادة للموسكارينية يمكن أن تكون مسؤولة عن بعض التأثيرات الجانبية البسيطة، مثل الغثيان أو الإحساس بخفة في الرأس، وهبوط ضغط انتصابي، بعض التأثيرات الجانبية خطرة، مثل الترخمات الشبكية Livedo reticularis في الساقين والوذمات في الطرفين السفليين، وللدواء تأثيرات على الجهاز العصبي المركزي تتضمن الأرق والتخليط الذهني خاصة لدى الشخص المسن.
- مثبط مستقبلات الأدينوزين A-2A: الأدينوزين هو مركب نيكليوزيدي أساسه البورين له خواص ناقلة للإشارة العصبية، ولكنه ليس ناقلاً عصبياً، ويمارس تأثيراته على مستقبلات الأدينوزين التي لها ثلاثة أشكال رئيسية هي A-2A وA-2B وA3، بعضها في الدماغ إضافة إلى أعضاء أخرى. وتتضمن الوظائف الرئيسية للأدينوزين إحداث النعاس من خلال إبطاء النشاط العصبوني، كما أنه يوسع الأوعية الدموية. ويُمارس كل من الكافيئين (قهوة، شاي، شوكولاتة)، والثيوفيليين تأثيرات مناهضة على المستقبلات A2A تسبب تأثيراً محفزاً قوياً، ومن المعتقد أن الكافيئين يمارس تأثيره المعزز لليقظة من خلال تعزيز النشاط الدوبامينرجي في الدماغ، وهو يقوم بذلك في الغالب عن طريق تأثير مناهض لمستقبلات الأدينوزين A-24.
خلاصة العلاجات الدوائية:
- الأدوية المستعملة هي أدوية «عرضية» لا توقف التموت المستمر للعصبونات الدوبامينرجية وغير الدوبامينرجية، والتناقص المستمر للعصبونات هو الذي يفسر التراجع الحتمي للفعالية العلاجية، وظهور التأثيرات المزعجة للأدوية dyskinesia وفترات On-Off.
- إن حجر الزاوية في علاج باركنسون هو تفعيل النشاط الدوبامنيرجي، ويتم ذلك بإعطاء الليفودوبا Levodopa مباشرة، أو بإعطاء الأدوية شادات الدوبامين dopamine agonists.
وتكمن المشكلة بوجود نظرية تقول إن البدء الباكر بالعلاج بالليفودوبا تزيد من احتمال حدوث عسر الحركة، وبالتالي ينصح بالبدء بالعلاج بشادات (ناهضات) الدوبامين أو مثبطات MAO أولاً، كما أن هذه الأدوية تساعد على تحسين الاضطرابات الحركية عند إضافتها مع الليفودوبا.
- بعض الأدوية الأخرى يفيد أيضاً في المراحل الباكرة للمرض مثل الأمانتادين.
- ينبغي علاج الأعراض غير الحركية منطقياً وبحذر، ويفضل اللجوء إلى دواء كيتيابين لعلاج الأهلاسات والتهيؤات وحالات الهياج.
- من الضروري التركيز على التمارين التي تحفظ استقلالية المريض الحركية.
العلاج الجراحي في داء باركنسون: أوضحت الدراسات المجراة على مرضى داء باركنسون وجود نشاط كهربي مرضي يتصف بكونه متواقتاً سريعاً من نمط بيتا (١٥-٥٠ هرتزاً) يظهر في منطقة النوى القاعدية والسبل المهادية القشرية، وعد هذا النشاط المرضي مسؤولاً عن بعض التظاهرات السريرية الباركنسونية وخاصة رجفان الراحة، كما بينت الدراسات أنه بالإمكان تثبيط هذه الفعالية المرضية من خلال إحداث أذيات مباشرة في النوى المفرطة الفعالية في داء باركنسون، أي النواة تحت المهادية STN والقسم الإنسي من الجسم الشاحب Gpi. وتم في البدء تثبيط فعالية عصبونات هاتين النواتين بوساطة «التخثير»، وسميت هذه الطريقة Thalamotomy. وتبين لاحقاً أن لهذه التقنيات الجراحية شوائب تتلخص في أن الأذيات المحدثة «غير عكوسة»، وقد تؤدي إلى اضطرابات حسية أو شقية دائمة. وقاد ذلك إلى تطوير تقنية أكثر سلامة وأماناً سميت تنبيه البنى الدماغية العميقة Deep Brain Stimulation ويرمز إليها بـ DBS، وتتم من خلال زرع المساري في البنى المستهدفة STN وGpint، توصل ببطارية خاصة تقوم بإرسال تيارات تنبيه كهربي إلى هذه البنى وتقوم بتثبيط فعاليتها. وأظهرت الدراسات نجاح هذه الطريقة في أكثر من ٨٠٪ من الحالات عندما يكون الهدف Gpi، كما ساهمت تنبيهات النواة STN في تخفيض جرعات الليفودوبا اليومية. ويتم حالياً انتقاء المرضى الذين يستطب لديهم هذا الإجراء الجراحي، وتكون النتائج أفضل لدى الأصغر سناً.
الباركنسونية المحدثة دوائياً Drug -induced parkinsonism: تقوم الأدوية التقليدية المضادة للذهان بحصار مستقبلات الدوبامين، ترتبط تأثيراتها المضادة للأهلاسات وللهياج بهذه الفعالية الحاصرة بصورة خاصة للمستقبلات الدوبامينرجية D2، وقد ترافق العلاج بهذه الأدوية أعراضِ باركنسونية. يحدث الأمر نفسه مع بعض الأدوية المضادة للإقياء (مثل ميتوكلوبرامايد)، والأدوية المضادة لقنوات الكلسيوم (مثل الفلوناريزين الذي يستعمل في العلاج الوقائي للشقيقة). ومن النقاط التي تساعد على وضع التشخيص الصحيح ظهور الأعراض بصورة متناظرة في حالة الباركنسونية الدوائية، في حين يكون عدم التناظر والرجحان الشقي مدة طويلة هو القاعدة في داء باركنسون، كما أنه من النادر ظهور رجفان الراحة في الباركنسونية الدوائية. وتكون الأعراض الباركنسونية على أشدها لدى المرضى المعالجين بالأدوية المضادة للذهان من الجيل الأول وخاصة الهالوبيريدول والتريفلووبيرازين؛ ويبقى الأقل إحداثاً لمثل هذه التأثيرات خارج الهرمية هو داء كيتيابين Quetiapine. ويتركز العلاج بعد التأكد من تشخيص الباركنسونية الدوائية حول محورين رئيسيين؛ الأول هو إيقاف الدواء المسبب ومراقبة التراجع التدريجي للأعراض الذي قد يمتد على فترة شهرين، والمحور الثاني هو تخفيف التأثيرات المزعجة خلال هذه الفترة بإعطاء أدوية مضادة للموسكارنية التي تخفف من شدة الأعراض. وفي الحالات المزمنة من العلاج بمضادات الذهان يعاني بعض المرضى من حركات لا إرادية متكررة في الوجه والفم والشفاه أو في اللسان تسمى عسر الحركة المتأخر Tardive dyskinesias، وهي تزداد شدة بسحب الدواء المضاد للذهان، ويستفيد بعض المرضى من العلاج بالكلونازيبام وهو من الأدوية البنزوديازيبينية التي تستخدم في علاج الرجفان والصرع الخلجاني.
١- الرجفان الأساسي Essential tremor: هو رجفان فعل ورجفان وضعة، ويظهر خاصة عند القيام بفعل، مثل شرب كأس الماء أو سكب فنجان قهوة أو التوقيع، بخلاف الرجفان الباركنسوني الذي يكون واضحاً عندما يكون الطرف العلوي في وضعية الراحة والذي يختفي عند مد المريض للذراع والتقاطه كأس الماء وعند الشرب، ويسمى هذا الرجفان أيضاً الرجفان السليم، وهو صحيح في ٩٠٪ من الحالات، ولكن ١٠٪ من حالات الرجفان الأساسي تكون شديدة جداً ومعوقة حركياً. يعد الرجفان الأساسي الاضطراب الأشيع مصادفةً بين جميع الحركات اللاإرادية، ويمكن أن يصيب الرجفان الرأس والحبلين الصوتيين (رجفان الصوت) وليس فقط الأطراف. ويغلب أن تكون هناك قصة عائلية إيجابية. ويمكن أن يصادف في سن الشباب، كما يمكن أن يظهر لأول مرة بعد عمر الخمسين، ويتحسن الرجفان لدى نصف المرضى بشرب الكحول، وهي صفة تساعد على التشخيص. ويتحسن الرجفان أيضاً بالعلاج بالأدوية الحاصرة غير الانتقائية للمستقبلات الأدرنرجية بيتا، مثل البروبرانولول، ومن الممكن اللجوء في الحالات التي لا يتحسن فيها الرجفان بتناول حاصرات بيتا إلى تجربة العلاج بالبنزوديازيبينات مثل الكلونازيبام Clonazepam أو البرازولام، ومن النقاط السلبية لهذه الأدوية أنها تسبب التركين وكذلك الاعتياد؛ مما يتطلب إيقافاً دورياً للعلاج. ويزداد الرجفان الأساسي شدةً عند التوتر النفسي والبرد ونقص سكر الدم وعند شرب المنبهات، كما يزداد عند تناول بعض أدوية مضادات الاكتئاب. وفي الحالات الشديدة والمعندة أصبح من الممكن في بعض المراكز المختصة اللجوء إلى العلاج بالتنبيهات الكهربية العميقة DBS، كما تم تطوير طريقة علاجية جديدة تتم بوساطة الرنين المغنطيسي العالي الطاقة الذي يوجه حزماً من الأمواج الصوتية المصبوبة بدقة على النواة المهادية البطنية المتوسطة وتعد هذه الطريقة الأقل رضاً والأكثر أماناً مقارنة بالوسائل العلاجية الجراحية.
٢- الارتكاسات التشنجية المقوية المُحدثة دوائياً Drug-induced dystonic reactions: يمكن أن تصادف مثل هذه الارتكاسات الحادة عند إعطاء المريض دواءً حاصراً لمستقبلات الدوبامين سواء فموياً أم حقناً عضلياً، وأشيع هذه الأدوية هي الأدوية المضادة للذهان من الجيل الأول (مثل هالوبيريدول وكلوربرومازين)، والأدوية المضادة للإقياء (مثل متيوكلوبرامايد)، التدبير يستوجب أولاً التشخيص الصحيح وإيقاف الدواء المسبب، ويمكن أن يساعد على تخفيف التشنجات الشديدة في الوجه والرقبة إعطاء دواء له خواص مضادة للموسكارينية مثل بنزتروبين Benztropine، أو بيبيريدين biperiden حقناً عضلياً أو وريدياً.
٣- متلازمة الساق المتململة Restless legs syndrome: تعد هذه المتلازمة من الاضطرابات التي يخطئ الأطباء في تشخيصها؛ لأن المريض يعاني شعوراً مزعجاً يصعب وصفه يدفعه إلى تحريك الساقين للحصول على الراحة، ويغلب أن يظهر هذا الشعور مساء عند الاستلقاء للاسترخاء أو للنوم أي على النقيض من حالات الألم من منشأ وعائي أو عضلي أو مفصلي. يرتاح المريض مؤقتاً بتحريك الطرفين السفليين أو بالمشي لتعود الأحاسيس المزعجة للظهور بعد فترة قصيرة من الاستلقاء. ويعتقد بعضهم أن هذا الاضطراب شائع، ويصادف لدى ٥-١٠٪ من الأشخاص. ويعتقد أن السبب هو ضعف فعالية السبل الدوبامينرجية النازلة في النخاع الشوكي. غالبية هذه الحالات «أولية» مجهولة السبب. والعلاج الأنسب هو بالأدوية شادات (ناهضات Agonist) الدوبامين (مثل البراميبكسول Pramipexole أو الروبينيرول Ropinirole) التي تعطى قبل ساعة أو ساعتين من فترة ظهور الإزعاجات (قبل الخلود للنوم)، كما أنه من الممكن اللجوء إلى إعطاء لصاقة روتيغوتين Rotigotin المديدة التأثير لدى المرضى الذين يعانون الإزعاج بصورة شبه مستمرة وليس فقط عند الاستلقاء.
٤- داء ويلسون Wilson’s Disease: السبب هو خلل وراثي في جين Gene السيرولوبلازمين، يورث بصورة جسمانية مقهورة، ويؤدي إلى تراكم النحاس الوارد مع الطعام لعدم القدرة على تصريفه (يتراكم في الدماغ والكبد والكلية والقرنية)، ويتظاهر سريرياً بأعراض كبدية (قصور خلية كبدية تتطور إلى تشمع مع غثيان وإقياءات وتلون الجلد باللون اليرقاني مع الحكة والحبن)، وأعراض دماغية (رجفان غير منتظم وحركات لا إرادية وصعوبات في تناسق الحركات مع رتة وتعب معمم) وأعراض نفسية (اكتئاب واضطرابات ذهانية)، إضافة إلى تلون محيط القزحية بلون بني- ذهبي (حلقة كايزر فلايشر Kayser-Fleischer rings). ويتركز العلاج حول استعمال دواء «خالب» هو البنيسيلامين أو تريئنيتن Trientine وذلك لإحداث توازن سلبي للنحاس يمكن أن يفيد المريض في حال بدء العلاج الباكر حيث يلاحظ تراجع في شدة الأعراض العصبية، أما في حالة الوصول إلى تشمع الكبد فقد يكون زرع الكبد هو الحل الوحيد المتاح.
٥- الرقص Chorea: للحركات اللاإرادية من النمط الرقصي أسباب عديدة تتضمن داء هانتنغتون، ورقص سيدنهام، وبعض الحالات المصادفة في سياق الذأب الحمامي الجهازي أو فرط نشاط الدرق وبعض الأمراض الاستقلابية، إضافة إلى الرقص التالي لاستعمال بعض الأدوية (مثل الليفودوبا والثيوفيلّين ومانعات الحمل الفموية). ويمكن تخفيف شدة الحركات الرقصية باستعمال الأدوية الحاصرة لمستقبلات الدوبامين (المضادة للذهان)، أو بإعطاء تيترابينازين Tetrabenazine الذي يثبط عملية خزن الدوبامين والسيروتونين في الحويصلات قبل المشبكية مؤدياً إلى نضوب الدوبامين قبل المشبكي.
٦- سوء الوتار (حلل التوتر) Dystonia: يصادف سوء الوتار أيضاً في العديد من الاضطرابات والأمراض، ويُقصد بسوء الوتار «وضعية مرضية» أو شكلاً خاصاً من الرجفان ناجماً عن مقوية عضلية مَرَضية. ويمكن تصنيف سوء الوتار ضمن عدة مجموعات سريرية تضم بصورة خاصة الشكل الموضع من سوء الوتار (الأجل أو الصعر التشنجي، وتشنج يد الكاتب، وتشنج الإطباق القشري للأجفان، وتشنج نصف الوجه)، وهناك أيضاً الشكل المعمم الذي غالباً ما يكون ناجماً عن خلل وراثي. والعلاج الرئيسي لمثل هذا النوع من اضطرابات المقوية والتشوه في الوضعة هو حقن الذيفان الوشائقي في العضلات الأشد تشنجاً، ولكن قد يستفيد بعض المرضى من الأدوية المضادة للكولينرجية أو البنزوديازيبين (كلونازيبام خاصة).
٧-الشناج Spasticity: الشناج هو فرط مقوية ينجم عن تراجع التأثير الذي يتحكم بالمقوية العضلية والذي تمارسه الحزمة القشرية الشوكية مما يقود إلى تحرر عصبونات القرن الأمامي من التأثير المثبط للسيالات الهرمية. ويتظاهر الشناج سريرياً بفرط مقوية، ويرافقه اشتداد المنعكسات الوترية. ويصيب الشناج مجموعات عضلية معينة أكثر من مجموعات عضلية أخرى؛ إذ يكون أشد في عاطفات الطرف العلوي وباسطات الطرف السفلي. والعلاج الأفضل هو بحقن الذيفان الوشائقي في العضلات الأشد تشنجاً، ومن المستطب اللجوء إلى بعض الأدوية المرخية للعضلات والتي تضم الباكلوفين Baclofen (من شادات الغابا) والديازيبام والبنزوديازيبينات الأخرى والتي تمارس تأثيرها أيضاً على مستقبلات الغابا، وتقوي تأثير الغابا وتطيل أمده، كما يفيد إعطاء التيزانيدين وهو شاد للمستقبلات الادنرجية ألفا ٢.
٨- التأتر Myotonia: في حالة التأتر يكون هناك خلل في آليات الاسترخاء العضلي يصيب العضلات الإرادية في الأطراف خاصة ويعاني المريض صعوبات في إرخاء العضلة بعد تقلصها، ويكون الاضطراب على أشده صباحاً عند الاستيقاظ، ويتراجع تدريجياً بالجهد والحركة. وغالباً ما يكون السبب خللاً جينياً كما هو الحال في التأتر الولادي Myotonia congenita، وفي الحثل التأتري myotonic dystrophy، ومن الممكن أن يصادف الاضطراب التأتري في قصور الدرق. ويمكن أن يتم التشخيص عند ملاحظة عدم قدرة المريض على بسط أصابعه بصورة صحيحة بعد المصافحة، ويصبح مؤكداً عند تسجيل الانفراغات التأترية على تخطيط العضلات مع الصوت المميز المرافق وهو صوت الطائرة القاذفة التي تنقض. والأدوية التي تخفف من ظاهرة التأتر هي الأدوية التي تطيل فترة الممانعة العضلية Refractory period، ومن هذه الأدوية الفينيتوئين والكينييدين والبروكينامايد.
الذيفان الوشائقي (Botox) Botulinum toxin:
يفيد الذيفان الوشائقي في علاج العديد من الحالات المرضية التي تتميز بوجود فرط نشاط عضلي والتي تتضمن بصورة خاصة سوء الوتار والشناج الهرمي بأسبابه المتعددة. ويفيد حقن الذيفان الوشائقي أيضاً في علاج المثانة مفرطة الفعالية، وفي علاج الـ achalasia (يتم الحقن عبر التنظير الهضمي العلوي)، وفي علاج الشق الشرجي وعسر التصويت التشنجي وفرط الإلعاب (حقن ضمن الغدة النكفية)، وفرط التعرق (حقن الغدد العرقية في الإبط)، كما استعمل في علاج الشقيقة عبر إجراء حقن متعددة في العضلات الجبهية والصدغية.
يتألف الذيفان الوشائقي من «ميتالوبروتيئيناز» يمنع حويصلات الأستيل كولين قبل المشبكية من الارتباط بالغشاء قبل المشبكي مع ما يرافق ذلك من حصار فعلي للناقلية على مستوى الوصل العصبي العضلي للعضلات الإرادية، وكذلك على مستوى العقد الذاتية. ويستمر تأثير الذيفان الوشائقي فترة أسابيع إلى شهرين أو ثلاثة، وهي الفترة اللازمة للعصبونات لتركيب بروتينات وإنزيمات جديدة وتحركها من جسم العصبون حتى الوصول إلى الغشاء قبل المشكبي، ومع وصولها تعود الوظيفة العضلية تدريجياً إلى طبيعتها؛ مما يستوجب إجراء حقن جديدة كل ٣- ٤ أشهر، وهذه الحقن فائدتها كبيرة وتأثيراتها الجانبية محدودة مقارنة بتأثيرات الأدوية المضادة للموسكارينية والبنزوديازيبينات والمرخيات العضلية الأخرى التي تؤخذ عبر الفم.
تتضمن التأثيرات الجانبية للذيفان الوشائقي ضعفاً عضلياً في العضلات المجاورة، فمثلاً يمكن أن يؤدي الحقن في العنق إلى صعوبات في البلع.
ثالثاً- التصلب اللويحي Multiple Sclerosis
التصلب اللويحي العديد هو مرض مناعي ذاتي التهابي مزيل للنخاعين، يصيب الجهاز العصبي المركزي، ويعد المسبب الأول للتعوقة لدى البالغ الشاب. وللمرض عدة أشكال سريرية، وينصب التركيز العلاجي على الشكل الهاجع الناكس RRMS (MSofformsrelapsing) الذي تكون فيه المكونة الالتهابية الحادة واضحة، وتتظاهر سريرياً بهجمات تدل أعراضُها على زوال النخاعين المركزي أو تأذيه. وفي المقابل هناك أشكال أخرى تتميز بالترقي المستمر للأعراض والاضطرابات السريرية Progressive forms of MS، والتي يكون بعضها مترقياً ببطء من دون هجمات منذ المراحل الأولى للمرض PPMS، في حين يصبح بعضها الآخر مترقياً بعد سنوات من التطور بالشكل الهاجع الناكس، ويسمى هذا الشكل المترقي ثانوياً SPMS. وتقسم العلاجات المستخدمة في التصلب اللويحي ثلاثة أقسام رئيسية؛ الأول يتركز حول علاج الهجمة الحادة، والثاني حول العلاجات الوقائية أو المعدلة لسير المرض والتي تضم العديد من الخيارات العلاجية، والثالث هو العلاج العرضي وتدبير المضاعفات. وتميز العقدان الأخيران بزيادة كبيرة في عدد الأدوية المعدلة لسير المرض المقترحة لعلاج التصلب اللويحي، والتي – كما ذكر سابقاً – غالباً ما تعطى في مراكز طبية متخصصة ومهيئة لإجراء الدراسات العلمية المقارنة لتحديد الفعالية العلاجية والتأثيرات الجانبية بدقة كبيرة.
علاج الهجمة الحادة للتصلب اللويحي:
قبل البدء بعلاج الهجمة الحادة لا بد من تشخيصها بدقة. وتُعرف الهجمة الحادة بالبدء الحاد لأعراض تظهر اضطراباً وظيفياً في الدماغ أو جذع الدماغ أو النخاع أو المخيخ، وقد تكون الأعراض جديدة أو سبق أن عانى منها المريض، وتشير هذه الأعراض إلى زوال نخاعين مركزي. لا بد أن تستمر الأعراض ٢٤ ساعة حداً أدنى، وينبغي أن تفصل فترة لا تقل عن شهر بين أعراض الهجمة الحالية والهجمة السابقة، وتراوح مدة الهجمة وسطياً بين ٤ أسابيع و١٦ أسبوعاً في معظم الهجمات، كما يشترط ألا يوجد تفسير آخر مقنع للأعراض السريرية. ويتضمن العلاج في حالة الهجمة الحادة المهددة للوظائف العصبية تسريب الميثيل بردنيزولون وريدياً بجرعة يومية عالية (٥٠٠-١٠٠٠ ملغ) تعطى بصورة دفعات Pulses، وتكرر مرة كل يوم لثلاثة أيام أو خمسة، ويمكن اللجوء إلى العلاج عبر الفم في الحالات الخفيفة الشدة (٥٠٠ ملغ يومياً مدة خمسة أيام أو ١ ملغ بردنيزولون لكل كغ مع تخفيض تدريجي للجرعة اليومية وإيقاف الدواء خلال شهر). وهذا العلاج يقصر من مدة الهجمة ومن شدة الأذيات، ولكنه لا يغير من الإنذار على المدى البعيد. وأظهرت بعض الدراسات أن للعلاج بصورة دفعات بالستيروئيدات بعض التأثير المخفف من شدة الشناج Spasticity، كما أنه يقلل من إمكان نكس التهاب العصب البصري خلف المقلة. ويمكن تكرار العلاج بالستيروئيدات ثلاث مرات في السنة أو أربع في حال تكرار النكس، ولكن يجب أن يقتصر اللجوء إلى الستيروئيدات على الهجمات ذات الخطورة الوظيفية (التهاب عصب بصري أو التهاب نخاع معترض)، وليس للنكس الذي يتظاهر بأعراض بسيطة مثل شواش الحس. ويتطلب العلاج بالستيروئيدات الوريدية القبول في المشفى للمراقبة.
العلاجات «الواقية من النكس» والمعدلة لسير المرض:
أكدت الدراسات فائدة العلاج المعدل لسير المناعة في الشكل الهاجع الناكس عندما يتم البدء بالعلاج باكراً ما أمكن، وتتضمن الفوائد المثبتة للعلاج نقص معدلات النكس، وتراكماً أقل للندبات المزيلة للنخاعين على الرنين المغنطيسي للدماغ، وتدهوراً أقل للقدرات الاستعرافية، ولكن مع الأسف لا يوجد حتى تاريخه أي دواء شاف أو يوقف تطور المرض، مع اختلاف نسب الفائدة من دواء إلى آخر. وتقسم العلاجات المعدلة للمناعة ثلاثة أقسام رئيسية، هي الأدوية التي تعطى حقناً (عضلياً أو تحت الجلد) وهي الأدوية القديمة التي استعملت أولاً، والأدوية التي تعطى عبر الفم، والأدوية التي يتم تسريبها وريدياً.
١- الأدوية الأولى المعدلة لسير المرض والتي تعطى حقناً: حصل الإنترفيرون بيتا ١- ب عام ١٩٩٣ Interferon beta-1b على الموافقة على استخدامه العلاج الأول، ومن ثَم تتالت الدراسات والأشكال الدوائية مع فائدة مثبتة في تخفيف معدلات النكس وتأخير ظهور الإعاقة السريرية. تتضمن هذه الأدوية الأشكال المختلفة من الإنترفيرون بيتا (β 1b- INF و 1a- INF β والشكل pegylated من INF β-1a)، إضافة إلى الغلاتيرامير أسيتاتGlatiramer acetate.
الأشكال المتوفرة للعلاج هي نتاج صنعي يتم تحضيره ضمن خلايا ثدييات (النمط a1: Avonexو Rebif)، أو من جراثيم إيشريكيات قولونية معدلة (النمط b1: Betaferon وBetaseron ). وتتوزع الجرعات إما ثلاث حقن تحت الجلد في الأسبوع وإما حقنة مرة كل يومين تحت الجلد (Betaferon ) وإما حقنة عضلية مرة في الأسبوع (Avonex). ومن التأثيرات الجانبية للإنترفيرون بيتا آلام عضلية تشبه المصادفة في الإنفلونزا وغثيان، وعادة يرافقها ارتفاع خفيف في إنزيمات الكبد واضطراب هرمونات الدرق. والتطور الذي طرأ على هذا العلاج بالإنترفيرون بيتا هو ظهور الشكل Pegylated الذي يعطى حقناً تحت الجلد، ويتميز بنصف عمر أطول، وبالتالي تكون الحقن متباعدة زمنياً (مرة كل أسبوعين أو كل ٤ أسابيع)؛ مما يسبب راحة للمريض.
الغلاتيرامير أسيتات Copaxoneهو شكل صنعي قليل الببتيدات، يتألف من بوليمرات عشوائية لأربعة أحماض أمينية تشبه من حيث التركيب مكونات المستضد البروتيني الأساسي للنخاعين Myelin basic proteinالذي هو أحد المكونات الرئيسية لغمد النخاعين. يثبط الدواء مراحل متعددة من الحدثية الالتهابية المناعية. ويمكن للمريض أن يحقن نفسه، والجرعة إما يومية (٢٠ ملغ) وإما ثلاث مرات في الأسبوع (٤٠ ملغ)، ويتصف الدواء بنسب تحسن معادلة للإنترفيرون بيتا.
وعموماً يتم اقتراح العلاج بهذه الأدوية من الخط الأول في الحالات الخفيفة – المعتدلة الشدة التي لا تتطلب فعالية شديدة مضادة للالتهاب، ولدى المرضى الذين يفضلون استخدام دواء آمن لا يتضمن تأثيرات جانبية خطرة.
٢- الأدوية الفموية المعدلة لسير المرض: يفضل عدد كبير من المرضى تجنب الحقن العضلية وتحت الجلد والتسريب الوريدي، ويفضلون الدواء عبر الفم في الوقت الذي يرونه مناسباً، وكانت نتائج هذه الأدوية أفضل نسبياً من نتائج الأدوية القديمة التي تعطى حقناً، مع تخفيض الخطر النسبي للنكس إلى نحو ٥٠٪، ونقص عدد الأذيات الجديدة على الرنين بحدود ٥٠٪ أيضاً وبالتالي أصبحت هذه الأدوية سريعاً الخيار العلاجي الأول لمرضى الشكل RRMS، ولكن تبين لاحقاً أن لهذه الأدوية تأثيرات جانبية، بعضها خطر كالأخماج وخاصة التهاب المادة البيضاء الدماغية المترقي؛ مما دفع بعض المرضى إلى العودة إلى الاعتماد على العلاج بالإنترفيرون بيتا الأقل خطورة. ويستوجب العلاج بهذه الأدوية الفموية إجراء مراقبات دموية منتظمة، مع تحري نقص لمفاويات الدم بصورة خاصة. الأدوية الفموية المعدلة لسير المناعة المتوفرة حالياً هي دي ميثيل فومارات dimethyl fumarate والفينغوليمود Fingolimod وتيريفلونومايد Teriflunomide ولاكينيمود Laquinimod وسيبونيمود Siponimod وأوزانيمود Ozanimod وأخيراً كلادريبين Cladribine.
- دي ميثيل فومارات (Tecfidera) dimethyl fumarate: يستعمل الدواء في علاج داء الصدفية وقد حصل على موافقة FDA على علاج حالات RRMS عام ٢٠١٣، وهو يحظى بالأفضلية من بين بقية الأدوية الفموية؛ لأنه الأقل إحداثاً للتأثيرات الجانبية. والتأثيرات الجانبية للدواء تتضمن الهبات الساخنة والإسهالات والغثيان والإقياء والآلام البطنية والحكة ونقصاً في اللمفاويات يستوجب إجراء فحص دم دورياً. جرعة البدء ١٢٠ ملغ كل ١٢ ساعة، ويمكن أن ترفع لاحقاً إلى ٢٤٠ ملغ كل ١٢ ساعة. وللدواء شكل مطور هو ديروكسيميل فومارات Diroximel fumarate يتميز بتأثيرات جانبية أخف شدة.
- فينغوليمود Fingolimod: يقلل من قدرة الخلايا الليمفاوية البائية والتائية على دخول الجهاز العصبي المركزي عن طريق منع الإشارة اللازمة للهجرة من الأنسجة اللمفاوية الثانوية، وبالتالي يتم حجز اللمفاويات في العقد اللمفاوية؛ مما يؤدي إلى انخفاض عددها في الدم المحيطي. الفائدة الناجمة عن تناوله أفضل قليلاً من بقية الأدوية الفموية المعدلة لسير المريض، ولكن التأثيرات الجانبية العديدة وخاصة القلبية حدّت من اعتماده الخيار الأول.
تمّ طرح دواءين من هذه الزمرة الدوائية حصلا على الموافقة للاستعمال في حالات RRMS، وهما سيبونيمود Siponimod وأوزانيمود Ozanimod، إضافة إلى دواء بونيسيمود Ponesimod، ويتوقع حصوله على الموافقة على الاستعمال قريباً.
- تيريفلونومايد (Aubagio) Teriflunomide: هو مستقلب نشط من ليفلونومايد leflunomide المستعمل في علاج التهاب المفاصل الرثياني. والتأثيرات الجانبية للدواء عديدة، وتتضمن الغثيان والإسهالات وارتفاع ALT، والسمية الكبدية هي الأخطر، كما له تأثيرات مشوهة للجنين؛ مما يستوجب تنبيه المريضة التي ترغب بالحمل لخطر حدوث التشوهات حتى بعد فترة طويلة من إيقاف الدواء.
- كلادريبين Cladribine: هو من الأدوية المثبطة للمناعة، تبين أنه يقلل من معدل الانتكاس في المرضى الذين يعانون من الشكل الهاجع الناكس RRMS، ويتمتع بميزة مهمة عملياً، وهي أنه لا يتطلب أكثر من شوطين علاجيين في السنة كل شوط خمسة أيام فقط. والتأثيرات الجانبية الضارة عديدة، ومنها السمية الكلوية، ويقتصر استطباباته على الذين لم يتحملوا الأدوية الأخرى، والذين لم يستجيبوا للعلاج بأي دواء آخر.
- لاكينيمود Laquinimod: هو من زمرة الكينولون (كينولون ٣ كاربوكساميد)، ويعمل بصورة مشابهة للفومارات، ولكن بصورة معدلة للمناعة في الجهاز العصبي المركزي تختلف عن تأثيره في المناعة المحيطية.
وباختصار تعد الأدوية الفموية المعدلة لسير المرض خياراً جذاباً، ولكن بعض تأثيراتها الجانبية خطر، ويستوجب إجراء مراقبات سريرية عند بدء العلاج (فينغوليمود)، ودموية منتظمة، وينصح باستخدامها لدى المرضى الذين عولجوا بدواء آخر معدل للمناعة من دون استجابة جيدة، أو مع تأثيرات جانبية لم يتحملها المريض.
٣- الأدوية المعدلة لسير المرض والتي تعطى بصورة تسريب وريدي: تتألف هذه الزمرة الدوائية من أضداد وحيدة النسيلة، تستهدف مكونات محددة تشكل جزءاً أساسياً من سلسلة المراحل التي تحدث في الارتكاسات الالتهابية. وتتضمن هذه المجموعة الأدوية التالية: ناتاليزوماب Natalizumab وأوكريليزوماب Ocrelizumab وأليمتوزوماب Alemtuzumab وريتوكسيماب Rituximab الذي لم يحصل بعد على الموافقة. يتم استعمال هذه الأدوية بصورة خاصة في الحالات الأشد والأسوأ والتي لم يستجب فيها المريض لبقية الأدوية المعدلة للمناعة سواء التي تعطى حقناً أو عن طريق الفم، وقد أثبتت الدراسات أن فعالية هذه الأدوية أفضل من الإنترفرون بيتا وحتى من الأدوية الفموية، ويقتصر الاستطباب حالياً على المرضى الذين يتركز اهتمامهم على فعالية العلاج، ويكونون أقل قلقاً بشأن السلامة.
- الناتاليزوماب Natalizumab (Tysabri): يتألف من أضداد وحيدة النسيلة موجهة ضد تحت جزيء من الأنتغرين؛ مما يحد من قدرة اللمفاويات المفعلة على الانسلال وعلى مهاجمة الجهاز العصبي المركزي والنخاعين بصورة خاصة. ويعطى الدواء بشكل تسريب وريدي لـ ٣٠٠ ملغ (تمرر الجرعة خلال فترة ساعة)، مع تكرار الجرعة كل ٤ أسابيع. ونتائج العلاج هي الأفضل حتى الآن؛ إذ لوحظ تخفيض بنسبة تصل إلى ٧٠٪ في معدل الانتكاس السنوي وفي معدل تقدم الإعاقة على مدى سنتين هي مدة الدراسة، تبين بعد البدء بالعلاج حدوث حالات من اعتلال المادة البيضاء المترقي متعدد البؤر PML، وهو مرض خطر ومميت، ولكنه عكوس، ويجب إيقاف الدواء على الفور.
- أليمتوزوماب Alemtuzumab (Lemtrada): هو أضداد وحيدة النسيلة مؤنسنة موجهة ضد المكون CD52، وهو من الواسمات الخاصة باللمفاويات الناضجة، ويستخدم في علاج الابيضاض اللمفاوي المزمن CLL، إلا أن مضاعفاته العديدة والخطرة دفعت إلى حصر استخدامه في الحالات الفعالة جداً من التصلب اللويحي التي تتكرر فيها الهجمات بصورة متقاربة ٣-٤ مرات في السنة. وأهم المضاعفات التي يمكن أن تحدث هي ظهور أمراض مناعة ذاتية، مثل التهاب الدرق المناعي (٤٠٪)، وفرفرية نقص الصفيحات المناعية ITP وداء غودباستشر، وقصور الكلية. ويعطى الدواء بصورة شوطين علاجيين بفاصل ١٢ شهراً، ويمكن أن يسبب التسريب هبوط ضغط ووذمة رئة حادة.
- أوكريليزوماب Ocrelizumab (Ocrevus): هو أضداد وحيدة النسيلة مضادة لـ CD20 الخاص بالخلايا البائية، وهو بالتالي أضداد مناهضة لهذه الخلايا البائية، وقد تم تصميم الدواء لكي يسبب نضوب اللمفاويات البائية. والميزة الرئيسية للدواء أنه الوحيد الذي حصل على موافقة FDA على الاستعمال في الشكل المترقي للمرض PPMS بعد أن أثبتت الدراسات أنه أبطأ تطور الإعاقة السريرية بنحو ٢٤٪، كما أبطأ ظهور أذيات جديدة على الرنين في هذه الفئة من المرضى التي كانت معندة على كل أنواع العلاجات. الجرعة هي ٦٠٠ ملغ كل ٦ أشهر (أول جرعة تُعطى على دفعتين ٣٠٠ ملغ بفاصل أسبوعين)، ويسبق تسريب الدواء إعطاء مثيل بردنيزولون ١٠٠ملغ، إضافة إلى مضاد هيستامين هو ديفنهيدرامين diphenhydramine قبل ٣٠- ٦٠ دقيقة من التسريب. التأثيرات الجانبية للدواء محدودة وقليلة الأهمية (إنتانات تنفسية علوية، وعقبول الشفة).
- الريتوكسيماب Rituximab: هو أيضاً من الأضداد الموجهة ضد CD20، لكنه لم يحصل بعد على الموافقة على استعماله في علاج التصلب اللويحي. ويتميز الدواء بأن تأثيراته الجانبية أقل من بقية الأدوية المعدلة للمناعة، وتحمل المرضى له أفضل، ولكن مع خطر أكبر لحدوث الأخماج، وهناك احتمال أن يسبب PML .
- الميتوكسنترون Mitoxantrone(Novantrone): هو من الأدوية التي تعطى تسريباً وريدياً؛ إذ تبين أن فائدته السريرية «محدودة»، وأن تأثيراته الجانبية الخطرة عديدة؛ لذلك ينحصر استعمال هذا الدواء حالياً في الحالات التي يكون فيها المرض سريع التدهور، والتي أخفقت فيها جميع العلاجات الأخرى.
- السايكلوفوسفامايد Cyclophosphamide (Cytoxan): هناك نتائج متضاربة فيما يخص هذا الدواء؛ إذ خلصت بعض الدراسات إلى وجود فائدة بالعلاج بجرعات نبضية شهرية في حالات التصلب اللويحي الهاجع الناكس RRMS. إضافة إلى ذلك لم تسجل تأثيرات جانبية مهمة.
- الآزاثيوبرين Azathioprine (Imuran): هو من أول الأدوية التي استخدمت علاجاً معدلاً للمناعة، وأظهرت دراسة تحليل بعدي meta-analysis لتجارب علاجية معشاة ومضبوطة (نشرت جميعها قبل ١٩٩٤) أن الدواء مفيد في إنقاص معدلات النكس الحاد في السنوات الثلاث الأولى من استخدامه مقارنة بمجموعات الشاهد، وكان ٥٥٪ من المرضى يعاني من الشكل RRMS والبقية من الشكل المترقي؛ وفي دراسة أحدث نسبياً تبين أن الآزاثيوبرين بجرعة تصل إلى ٣ ملغ/ كغ كان جيد التحمل من قبل المرضى، ورافقه نقص في معدلات الأذيات الدماغية الجديدة المعززة للغادولينيوم لدى المرضى المصابين بالشكل RRMS . ويبقى هذا الدواء إذاً خياراً معقولاً في حال عدم توفر أدوية أشد فعالية، أو في البلدان الفقيرة التي لا يستطيع فيها المريض الحصول على الدواء الحديث.
زرع الخلايا الجذعية Stem Cell Transplantation: هذا العلاج معقد، ويتم في مراكز بحثية، ويتلخص بإعطاء المريض خلايا جذعية ذاتية مولدة للدم بهدف القضاء على الجهاز المناعي للمريض، ومن ثَم استبدال جهاز مناعي غير مصاب به. ويتم أولاً الحصول على الخلايا الجذعية من الشخص نفسه (من الدم المحيطي أو من النقي)، ومن ثم يخضع المريض لإعادة تنظيم شرطي من خلال إعطائه علاجاً كيميائياً (سايكلوفوسفامايد) مع مثبطات لنقي العظام، والهدف القضاء التام على الجهاز المناعي للمريض، ومن ثم إعادة زرع الخلايا الجذعية التي تمت معالجتها لكي تعيد بناء الجهاز المناعي من جديد. وكانت النتائج المنشورة في الدراسات الثلاث ممتازة مع تحسن كبير مقارنة ببقية العلاجات المعدلة لسير المرض (علماً أن هذه الدراسات ضمت المرضى ذوي الفعالية المرضية الشديدة والمعندة على بقية العلاجات)، ولم يحدث أي نكس خلال فترة المتابعة لسنتين في واحدة من هذه الدراسات. وهذه النتائج مشجعة للغاية، وتدفع إلى توسيع نطاق هذا النوع من العلاج ليشمل الحالات الأقل شدة من التصلب اللويحي، مع دراسة أدق لسلامة الطريقة ولشروط نجاحها والنقاط التي يمكن تحسينها سواء من حيث تحمل المريض للعلاج أم كلفته.
العلاجات العرضية وعلاج المضاعفات:
يعاني مرضى التصلب اللويحي من عدد من الأعراض والاضطرابات المزعجة التي تستوجب علاجات خاصة بكل منها، وتتضمن هذه الاضطرابات عسر التبول والسلس البولي الناجم عن مثانة عصبية تشنجية، ويكون علاجها بالصادات لكبح جماح الأخماج البولية، إضافة إلى إعطاء مضادات الكولينرجية، مثل Oxybutynin أو Tolterodine أو Propantheline لتخفيف تشنج المثانة، وقد يستوجب الأمر علاج احتباس البول بالقثطرة المترددة التي يمكن أن يقوم بها المريض ذاتياً. من الاضطرابات المزعجة الشناج الذي يعالج بالتيزانيدين tizanidine أو الباكلوفين Baclofen عبر الفم، أو بحقن الذيفان الوشائقي مع الانتباه إلى أن الزيادة في الجرعات قد تسبب المزيد من الخزل لدى المريض، وقد اقترح مؤخراً علاج الشناج بالمركبات المشتقة من حشيش القنب Cannabinoid التي تعطى بصورة إرذاذ عبر الأنف.
ويمكن أن يعاني المريض الإمساك، ويعالج بتغيير الحمية الغذائية وإدخال النخالة أو بالملينات، ويمكن أن يعاني المريض الشاب العنانة ويقترح في هذه الحالة إضافة Sildenafil أو Vardenafil، كما يمكن أن يعاني التعب، ويفيد إعطاء الأمانتادين Amantadine أو مودافينيل Modafinil في التخفيف من الإحساس بالتعب.
قد يعاني المريض آلاماً عصبية في توزع العصب مثلث التوائم، وتعالج بالغابابانتين Gabapentin أو البريغابالين Pregabalin أو الكاربامازيبين Carbamazepine، أو يعاني الرجفان ويستطب في هذه الحالة اللجوء إلى الكلونازيبام Clonazepam أو الإيزونيازيد isoniazid بجرعة ٦٠٠- ١٢٢٠ ملغ يومياً، وأخيراً لا بد من الانتباه إلى إمكان إصابة المريض بالاكتئاب وعلاجه بالأدوية المناسبة.
إضافة إلى مجموعة العلاجات الدوائية العرضية لا بد من الاهتمام بتغيير العادات الشخصية وتعديل المعطيات المنزلية بالشكل الذي يسهل حركة المريض وقيامه ببعض النشاطات اليومية (مثل إزالة المواقع المنحدرة، وتأمين كرسي مدولب أو مصعد خاص أو سلم متحرك، وتعديل تفاصيل الحمام بإضافة مسكات خاصة)، وتأمين فراش مزود بجهاز نفخ الهواء لتجنب تطور قرحات الاضطجاع، والعديد من التدابير الداعمة الأخرى التي تساعد المريض على التغلب على شعوره بالعجز والإعاقة.
أمراض عصبية متنوعة Miscellaneous neurological disorders:
١- اعتلالات الأعصاب المحيطية:
هناك عشرات الأسباب المؤدية إلى تطور الأشكال المختلفة من اعتلال الأعصاب العديد (حسي، حركي، حسي حركي، إنباتي ذاتي، مزيل للنخاعين، محوري)، وبالتالي فإن الاهتمام بالدرجة الأولى ينصب على معرفة السبب وعلاجه. وفي بعض الحالات يكون المسبب مناعياً ومزيلاً للنخاعين، ويأخذ أيضاً عدة أشكال سريرية، منها ما هو حاد مثل متلازمة غيَّان- باريه Guillain-Barré وتسمى أيضاً التهاب الأعصاب العديد الحاد المزيل للنخاعين ALDP، وفي الحالتين يستطب العلاج بالغلوبولينات المناعية بالتسريب الوريدي IVIG، أو بالمبادلات المصلية plasma exchanges، في الشكل المزمن CIDP يمكن الحصول على فائدة سريرية باستعمال الستيروئيدات. وهناك شكل آخر من اعتلالات الأعصاب الالتهابية والمزيلة للنخاعين يصادف في سياق بعض الأمراض الدموية، مثل حثل الخلايا المصورية، وارتفاع بروتينات الدم غير السوية paraproteinemia، ولا بد من استبعاد مثل هذه الاحتمالات عندما يراجع المريض بصورة سريرية لاعتلال أعصاب وجذور مترقٍّ، ويكون العلاج في هذه الحالة موجهاً للمرض الدموي. وبعض اعتلالات الأعصاب الناجمة عن أمراض مناعة ذاتية تكون من النوع المحوري السيئ الإنذار، وتصادف عادة في سياق التهاب أوعية جهازي كما هو الحال في الذأب الحمامي الجهازي، ويتطلب علاج هذه الحالات المشاركة بين الستيروئيدات القشرية والأدوية المثبطة للمناعة، مثل الآزاثيوبرين أو السيكلوفوسفامايد أو ميكوفينولات Mycophenolate.
والأشكال الأشيع مصادفة من اعتلالات الأعصاب تنجم عن اضطرابات استقلابية يأتي على رأسها الداء السكري DM، ويتركز العلاج فيه على ضبط أرقام سكر الدم الذي يمكن أن يحسن من الوضع السريري أو على الأقل يمنع تفاقم شدة اعتلال الأعصاب. كما أن هناك اعتلال الأعصاب المصادف لدى الكحوليين والذي يمكن أن يستجيب لإيقاف الكحول مع جرعات عالية من الفيتامينات وخاصة النياسين والثيامين B1. وضمن المجموعة نفسها تصادف اعتلالات أعصاب في سياق بعض الأمراض التي يرافقها عوز فيتامين B12 المصادف في فقر الدم الخبيث والتهابات المعدة الضمورية، أو عوز فيتامين B6 المصادف لدى الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية ولدى الكحوليين، وكذلك لدى بعض المرضى المعالجين بالإيزونيازيد في سياق علاج التدرن. وفي كل هذه الحالات يستفيد المريض من الجرعات العالية من الفيتامينات مع علاج السبب أو إيقاف الدواء المسبب إن استوجب الأمر. والقاعدة هي نفسها في بقية الأمراض المُسَببة لاعتلالات الأعصاب حيث يتركز العلاج على المرض المسبب، مثل الخمج بفيروس نقص المناعة البشري HIV (العلاج بـ HHART)، وداء لايم (سفترياكسون أو دوكسيسيكلين)، أو الديفتيريا (المضاد النوعي للذيفان والبنسلين) والبورفيريا الحادة المترددة AIP (حمية غنية بالكاربوهيدرات)، والداء النشواني (علاج كيميائي مثل الميلفالان)، وداء فابري (العلاج باستبدال جين ألفا غالاكتوزيداز).
٢- داء العصبون المحرك:
لا يزال السبب غير معروف؛ مما يحد من فائدة العلاجات المقترحة، وتقتصر الخيارات العلاجية حالياً على دواءين فقط؛ الأول هو ريلوزول Riluzole الذي يعطى عبر الفم والذي يمارس تأثيراته من خلال تثبيطه لتراكم الناقل العصبي (الغلوتامات)؛ مما يفرمل آليات الموت الخلوي (يطيل العلاج بالريلوزول مدة البقيا زهاء ١٢-١٦ شهراً، ولكن من دون أي تحسن سريري حيث يتابع المرض ترقيه، ولا يشعر المريض بأي فائدة ملموسة، وربما لا يكون إبطاء التدهور حتى الوفاة من الخيارات التي تناسبه، إضافة إلى أن للدواء تأثيراته الجانبية ويمكن أن يسبب نقصاً في المحببات). والدواء الثاني هو إدارافون Edaravone (Radicava) الذي يعطى بصورة تسريب وريدي، وهو دواء حديث غالي الثمن (١٠٠٠ دولار للجرعة الواحدة، وبكلفة سنوية تصل إلى ١٤٦٠٠٠ دولار)، ويمارس تأثيراته عبر إزالته للجذور الحرة من الجهاز العصبي المركزي، ويتميز عن دواء ريلوزول بأن معدل تفاقم الضعف العضلي أبطأ، ولكن فائدته الوقائية على المدى الطويل لا تزال قيد الدرس.
٣- الكزاز Tetanus:
لا يزال الكزاز سبباً للموت في البلدان الفقيرة التي لا تتمتع ببرامج تمنيع مناسبة. ويتضمن تدبير حالات الكزاز:
التحييد الفوري لجزيئات الذيفان التي لم تتحد بعد بالجهاز العصبي (الاتحاد غير عكوس)، ويعطى عادة الغلوبولين المناعي البشري المضاد للذيفان بجرعة ١٥٠ وحدة لكل كغ من وزن الجسم، توزع حقناً عضلياً في مواضع متعددة من الجسم لتحييد الذيفان غير المتحد.
تنظيف منطقة الجرح والقضاء على عصيات Clostridium tetani اللاهوائية بإعطاء الميترونيدازول، إعطاء الميدازولام أو الديازيبام للحد من الاختلاجات والتشنجات مع تأمين الوظائف التنفسية، واللجوء إلى التنبيب وكذلك التنفس الآلي في حالات التشنج العضلي الشديد والمديد الذي يثبط الحركات التنفسية، وقد يستطب في الحالات الشديدة اللجوء إلى مرخٍّ عضلي من النوع الحاصر للنقل العصبي العضلي، مثل بنكورونيوم Pancuronium يعطى بجرعات متقطعة.
ويمكن لذيفان الكزاز أن يسبب خللاً في الوظائف الذاتية مع فرط فعالية ودية، وبالتالي يصبح من الضروري اللجوء إلى ضبط الوظائف القلبية الوعائية أولاً بإعطاء أدوية مركنة، مثل البنزوديازيبينات والأفيونيات، ومن ثم تسريب دواء حاصر بيتا قصير مدة التأثير، مثل إيسمولول Esmolol أو الكلونيدين Clonidine، وهو شاد لمستقبلات ألفا ٢ الأدرنرجية؛ مما يسمح بضبط نوب فرط الضغط الشرياني.
لا بد من قبول المريض في العناية المشددة في الحالات الشديدة (تدبير اضطرابات السوائل والشوارد- تغذية عبر الوريد خاصة أن فقد الوزن الشديد يكون هو القاعدة عند الإصابة بالكزاز - تجنب الأخماج ما أمكن وعلاجها الباكر في حال حدوثها– منع تطور قرحات الاضطجاع - تجنب حدوث خثارات الأوردة العميقة).
زياد بيطار
- المجلد : المجلد السابع عشر مشاركة :