فرط التحسس
فرط تحسس
-
فرط التحسس
فرط التحسس العاجل Immediate Hypersensitivity
الأمراض الناجمة عن الأضداد والمعقدات الضدية المستضدية
الأمراض الناجمة عن اللمفاويات التائية
يكافح الجهاز المناعي من حيث المبدأ المكروبات وما ينتج من غزوها الجسم من أخماج، ومع ذلك فإن الاستجابات Responses المناعية نفسها قد تكون السبب في أذية الأنسجة وحدوث الأمراض، وتدعى الارتكاسات المناعية المؤذية ارتكاسات فرط التحسسHypersensitivity reactions. تحدث الارتكاسات المناعية المفرطة في حالتين: الأولى عند الاستجابة لأحد المستضدات الغريبة (مثل المكروبات وغيرها من المستضدات البيئية) التي تُحدث أذية نسيجية ولاسيما عندما يتكرر الارتكاس، والحالة الثانية هي عندما تكون الاستجابة المناعية موجهة ضد المستضدات الذاتية Autologous (ذاتية المنشأ) نتيجة فشل عملية التحمل الذاتي، وتدعى الاضطرابات الناجمة عن هذه الاستجابات المفرطة بالأمراض المناعية الذاتية Autoimmune diseases.
تصنف ارتكاسات فرط التحسس بحسب الآليات المناعية المسؤولة عن حدوث الأذية النسيجية والمرض (الشكل1)، وعلى هذا الأساس تقسم ارتكاسات فرط التحسس أربعة أنماط:
(الشكل 1): أنماط ارتكاسات فرط التحسس. تختلف الآليات المناعية التي تسبب أذية الأنسجة والمرض في الأنماط الرئيسية الأربعة لارتكاسات فرط التحسس. |
- النمط الأول: يدعى فرط التحسس العاجل Immediate، وينجم الارتكاس في هذه الحالات عن إطلاق وسائط من الخلايا البدينة. يعتمد حدوث الارتكاس غالباً على إنتاج أضداد من صنف الغلوبولين المناعي E(IgE) لمواجهة المستضدات البيئية ومن ثم ارتباط IgE بالخلايا البدينة في الأنسجة المختلفة.
- النمط الثاني: تؤدي الأضداد غير IgE الموجهة ضد المستضدات الخلوية أو النسيجية إلى أذية (ضرر) Damage هذه الخلايا والأنسجة؛ أو إلى إفساد عملها، ويطلق على أمراض هذا النمط اسم الأمراض المتواسطة الأضداد.
- النمط الثالث: تندمج المستضدات الذوابة بالأضداد المقابلة لها وتشكل معها معقدات مناعية Immune complexes قد تترسب في الأوعية لمختلف الأنسجة؛ مما يسبب حالة التهابية في هذه الأنسجة ويؤذيها، ويطلق على أمراض هذا النمط اسم أمراض المعقدات المناعية Immune complex diseases.
- النمط الرابع: تحدث الأمراض في هذا النمط من ارتكاس اللمفاويات التائية ضد المستضدات الذاتية في الأنسجة، ويطلق عليها اسم الأمراض المتواسطة بالخلايا التائية T cell-mediated diseases، وتجدر الإشارة إلى أن الأذيات التي تحدث في كثير من الأمراض المناعية قد تنجم عن المشاركة بين الارتكاسات المتواسطة بالأضداد وتلك المتواسطة باللمفاويات التائية؛ مما يؤدي إلى صعوبة تصنيف هذه الأمراض في أحد الأنماط الأربعة الآنفة الذكر.
أ- فرط التحسس العاجل Immediate Hypersensitivity:
فرط التحسس العاجل هو ارتكاس مناعي متواسط بخلايا بدينةٍ وضدّ من نوع IgE في مواجهة بعض المستضدات، مما يؤدي إلى تسرب وعائي سريع وإفرازات مخاطية وكثيراً ما يتلو ذلك حالة التهابية. وتدعى الاضطرابات التي يأخذ فيها فرط التحسس العاجل بوساطة IgE دوراً بارزاً الأرجية Allergy أو التأتب Atopy، كما يدعى الشخص المؤهب لحدوث مثل هذه الاضطرابات المتأتب Atopic. وقد يصيب فرط التحسس العاجل مختلف الأنسجة، كما أن شدة الأعراض وخطورتها تختلف من شخص إلى آخر. وتتضمن الأنواع الشائعة من الحساسية حمى الكلأ hay Fever والأرجية الغذائية والربو القصبي والتأق Anaphylaxis. وتعدّ الأرجية أكثر الأمراض المناعية شيوعاً، وتصيب من 01-02% من السكان.
تتوالى الأحداث في فرط التحسس العاجل على الشكل التالي: عندما يتلقى الجسم أحد المستضدات للمرة الأولى تتنشط الخلايا التائية المساعفة (المساعدة) TH2 والخلايا التائية الجريبية المساعدة (T.Follicular Helper cell) TFH التي تفرز السيتوكينات التي تحرض هي أيضاً إفراز الأضداد من نوع IgE من الخلايا البلازمية. وترتبط الأضداد IgE بعد ذلك بمستقبلات الشدفة الثابتة Fc Receptors في الخلايا البدينة، فإذا تعرض الجسم في وقت لاحق للمستضد نفسه ارتبط المستضد بالضد IgE في الخلايا البدينة وأطلقت الخلايا البدينة وسائطها Mediators (الشكل2). تزيد بعض وسائط الخلايا البدينة النفوذية الوعائية وتقبض العضلات الملساء وينتج من ذلك العديد من أعراض فرط التحسس. وقد يحدث هذا الارتكاس الوعائي والعضلي خلال عدة دقائق من دخول المستضد مجدداً في جسم الشخص المحسس مسبّقاً، ولذلك دعيت الحالة بفرط التحسس العاجل. وتقوم السيتوكينات - وهي نوع آخر من وسائط الخلايا البدينة - بحشد العدلات واليوزينيات في أماكن الارتكاس خلال بضع ساعات، ويدعى هذا المكون الالتهابي من فرط التحسس العاجل «الطور المتأخر للارتكاس» late Phase reaction، وهو المسؤول عن أذية الأنسجة التي تحدث عندما تتكرر نوب فرط التحسس. وفيما يلي عرض للمراحل المختلفة لفرط التحسس العاجل.
(الشكل 2): تعاقب الأحداث في فرط التحسس العاجل. يبدأ فرط التحسس العاجل إثر التعرض لأحد المؤرجات الذي ينشط الخلايا TH2و TFH وإنتاج الغلوبولين المناعي IgE الذي يرتبط بالمستقبلات FC في الخلايا البدينة. يؤدي التعرض اللاحق للمؤرج إلى تفعيل الخلايا البدينة ويحثها على إفراز الوسيطات المسؤولة عن الارتكاسات الباثولوجية لفرط التحسس العاجل. |
تنشيط الخلايا TH2 وإنتاج الأضدادIgE :
يؤدي تعرض الأشخاص المؤهبين Prone لفرط التحسس الأرجي لبعض المستضدات إلى تنشيط Activation الخلايا TH2و TFH وإنتاج أضداد من نوع IgE.
لا تبدي التائيات المساعفة TH2 عند معظم الأشخاص استجابة قوية للمستضدات البيئية. ولأسباب غير معروفة عندما يلتقي بعض الأشخاص أنواعاً معينة من المستضدات؛ مثل بروتينات غبار الطلع أو بعض الأطعمة أو سموم بعض الحشرات، أو سبق أن عولج ببعض الأدوية مثل البنسيلين فإن ارتكاس الخلايا TH2 يكون شديداً. ويحدث فرط التحسس العاجل نتيجة تنشيط الخلايا TH2 استجابةً للمستضدات البروتينية أو بعض المركبات الكيميائية المرتبطة بالبروتينات، وتدعى المستضدات التي تثير Elicit ارتكاساً مناعياً عاجلاً المؤرجات Allergen (المستأرجات). وقد يكون الشخص التأتبي Atopic متحسساً لواحدٍ أو أكثر من هذه المستضدات، بيد أنه لايعرف لماذا يثير عدد قليل فقط من المؤرجات البيئية الشائعة ارتكاسات متواسطة بالخلايا TH2. وماهي المميزات التي تتصف بها هذه المستضدات وتجعلها مسؤولة عن حدوث أعراض فرط التحسس.
هناك نوعان من السيتوكينات التي تفرزها الخلايا TH2و TFH المُنشطة بالمستضد نفسه؛ وهي السيتوكين IL-13,IL-4. وتنشط هذه السيتوكينات اللمفاويات البائية B التي تنقلب Switch إلى بلازميات تفرز الغلوبولين المناعي IgE. ويفرز الأشخاص المتأتبون كمية كبيرة من الأضداد IGE استجابةً للمستضدات التي لا تثير استجابة مماثلة في الأشخاص الآخرين. إن ميل Propensity بعض الأشخاص إلى إنشاء خلايا تائية مفرزة للسيتوكين IL-4 وما يتلوه من إنتاج الغلوبولين المناعي IgE وإصابتهم بأعراض فرط التحسس العاجل يعود إلى استعداد وراثي قوي، وإن خطر إصابة أحد الأشخاص بمرض أرجي يرتفع إلى حد كبير إذا كشفت قصته العائلية وجود أمراض أرجية لدى بعض أفرادها.
تنشيط الخلايا البدينة وإفراز الوسائط
إن الأضداد IgE التي تُنتج استجابةً لأحد المؤرجات Allergen ترتبط بالمستقبلات Fc-Receptor عالية الألفة التي تظهر في الخلايا البدينة (الشكل2)، وهكذا تصبح الخلايا البدينة في الشخص المتأتب مطليةً بالضد IgE النوعي للمستضد الذي يكون الشخص متأتباً تجاهه. وتدعى عملية طلاء الخلايا البدينة بالغلوبولين المناعي IgE التحسيس Sensitization، وعندما تلتقي الخلايا البدينة المتحسسة المؤرج فإنها تنشط وتفرز وسائطها. إن أهم الوسائط التي تفرزها الخلايا البدينة هي الأمينات الفاعلة في الأوعية Vasoactive، والبروتياز Proteases التي تخزن في الحبيبات ثم تنطلق منها، ومستقبلات حمض الأراكيدونيك Arachidonic Acid والسيتوكينات. تتفاوت أعمال هذه الوسائط فالأمين الرئيسي -وهو الهيستامين- يسبب توسع الأوعية الدموية الصغيرة ويزيد نفوذية الأوعية وينشط تقبض العضلات الملساء المؤقت Transient، أما البروتياز فقد يُسبب أذية في الأنسجة. تتضمن مستقلبلات حمض الأراكيدونيك البروستاغلاندين Prostaglandine الذي يسبب توسع الأوعية، واللوكوترين Leukotriene الذي ينشط تقبض العضلات الملساء طويل الأمد. ويحرّض Incitesالسيتوكين الالتهاب الموصوف في طور الارتكاس المتأخر. وهكذا فإن وسائط الخلايا البدينة هي المسؤولة عن الارتكاسات الحادة في الأوعية والعضلات الملساء إضافة إلى الالتهاب، وهي الظاهرة الرئيسية لفرط التحسس العاجل. تحرض السيتوكينات التي تنتجها الخلايا البدينة حشد الكريات البيض الذي هو السبب في الطور المتأخر من الارتكاس المناعي. إن أهم الكريات البيض التي تشارك في إحداث الالتهاب هي اليوزينيات والعدلات والخلايا التائية TH2. كما يعزز العامل المنخر للورم (TNF) الصادر عن الخلايا البدينة والسيتوكين 4-IL الحدثية الالتهابية الغنية باليوزينيات والعدلات. ويساهم الكيموكين الذي تنتجه الخلايا البدينة والخلايا الظهارية في حشد الكريات البيض. إن اليوزينيات هي أحد المكونات البارزة في العديد من الارتكاسات الأرجية Allergic، وهي سبب مهم في حدوث أذية الأنسجة المرافقة. وتتنشط هذه الخلايا بالسيتوكين IL-5 الذي تنتجه الخلايا TH2 والخلايا اللمفية الخلقيةInnate lymphocyte cell والخلايا البدينة.
المتلازمات السريرية والمعالجة:
تتجلى ارتكاسات فرط التحسس العاجل بمظاهر مختلفة تعزى كلها إلى الوسائط التي تنتجها الخلايا البدينة بكميات متفاوتة وفي أنسجة مختلفة (الشكل 3).
| ||||||||||
(الشكل3): يبين هذا الجدول التظاهرات السريرية لفرط التحسس العاجل، لكنه قد يتظاهر بأشكال أخرى منها الآفات الجلدية (مثل الشرى والأكزيمة). |
• إن بعض التظاهرات الخفيفة مثل التهاب الأنف الأرجي والتهاب الجيوب الشائعة في حمى العلف Hay fever هي ارتكاسات لاستنشاق مؤرجات مثل بروتينات غبار الطلع Pollen. تنتج الخلايا البدينة في مخاطية الأنف الهيستامين، كما أن الخلايا TH2 تنتج السيتوكين IL-13، ويسبب كلاهما زيادة في إنتاج المخاط، وقد يسبب الطور المتأخر التهاباً أطول أمداً.
• في الأرجيات الغذائية تطلق المؤرجات الملتقمة عملية زوال حبيبات Degranulation الخلايا البدينة ويتحرر الهيستامين الناتج الذي يزيد الحركات التمعجية Peristalsis وما يرافقها من قياء وإسهال.
• الربو القصبي هو في أكثر الأحيان شكل من الأرجية التنفسية؛ إذ إن المؤرجات المستنشقة تنشُط الخلايا البدينة في القصبات وتحثها على تحرير الوسائط ومنها اللوكوترين Leukotrienes التي تسبب نوباً متكررة من تقبض القصبات وانسداد المسلك الهوائي. أما في الربو المزمن فيتجمع عدد كبير من اليوزينيات في مخاطية القصبات ويتراكم المخاط في المسلك الهوائي وتتضخم العضلات الملساء للقصبات وتزداد فعاليتها بفعل العديد من المنشطات. قد ينطلق Trigger الربو في بعض المرضى بعد التعرض للبرد أو التمارين الجسدية؛ ولكن من غير المعروف كيف تسبب هذه المناسبات تفعيل الخلايا البدينة وتحرير الوسائط.
•إن الشكل الأكثر خطورة من فرط التحسس العاجل هو التأق Anaphylaxis؛ وهو ارتكاس جهازي يتميز بحدوث الوذمة في العديد من الأنسجة بما فيها الحنجرة ويتزامن ذلك بهبوط الضغط الشرياني وتضيق القصبات. أما الأسباب التي تثير Incite حدوث التأق فأهمهما لسعات النحل، والمضادات الحيوية من فصيلة البنسلين سواء أخذت عن طريق الفم أم عن طريق الحقن، والتقام Ingest بذور بعض النباتات أو المحار. ينجم الارتكاس عن زوال حبيبات الخلايا البدينة التالي للتوزع الجهازي للمؤرج، وقد تهدد الأعراض حياة المصاب بسبب الانخفاض المفاجئ في الضغط الشرياني وانسداد المسلك الهوائي.
تهدف معالجة فرط التحسس العاجل إلى تثبيط Inhibition زوال حبيبات الخلايا البدينة ومناهضة Antagonize تأثيرات وسائط الخلايا البدينة وخفض شدة الالتهاب (الشكل 4).
| ||||||||||||
(الشكل 4): معالجة الاستجابة المناعية العاجلة. يبين هذا الشكل آليات عمل مختلف الأدوية المستعملة في معالجة الاضطرابات الأرجية. |
وتتضمن الأدوية شائعة الاستعمال في المعالجة مضادات الهيستامين لمعالجة حمى الكلأ والأدوية التي ترخي العضلات الملساء القصبية في المصابين بالربو، وحقن الإبينفرين Epinephrine (أدرينالين) في المصابين بالتأق. إذا كان الالتهاب مكوِّناً أساسياً كما هو الحال في الربو تستعمل الستيروئيدات لكبت (تثبيط) الالتهاب. يستفيد كثير من المرضى من إعطاء جرعات صغيرة متكررة من المؤرج وتدعى هذه الطريقة إزالة التحسس Desensitization أو المعالجة المناعية بالمؤرج النوعي. وربما كانت الفائدة المرجوة من هذه الطريقة تتم عن طريق حث اللمفاويات التائية النوعية للمؤرج Allergen-specific T cell على التحمل أو تنشيط الخلايا التائية المنظمةRegulatory T cell desensitization.
ب- الأمراض الناجمة عن الأضداد والمعقدات الضدية المستضدية:
قد تسبب الأنماط الأخرى من الأضداد (غير النوع IgE) الأمراض بعد ارتباطها بمستضداتها النوعية في الخلايا والأنسجة، أو أنها تشكل معها معقدات مناعيةImmune complex تتوضع في جدران الأوعية (الشكل 5). وتتوضع الأضداد الموجَّهة ضد الخلايا أو مكونات المطرس في أي نسيج يحتوي المستضد المستهدف. أما المعقدات المناعية فتتوضع عادة في جدران الأوعية الدموية ولاسيما الأوعية التي تتسرب منها البلازما تحت ضغط عالٍ (مثال ذلك الكبيبات الكلوية، وزليل المفاصل)، لذلك فإن الأمراض الناجمة عن المعقدات المناعية تميل إلى أن تكون أمراضاً جهازية وتتظاهر على شكل التهاب الأوعية المنتشر widespread vasculitis والتهاب المفاصل أو التهاب الكلى.
(الشكل 5): أنماط الأمراض المتواسطة بالأضداد. قد تسبب الغلوبولينات المناعية (باستثناء الغلوبولين IgE) الأذية والمرض بإحدى الطريقتين التاليتين: أ- الارتباط المباشر بالمستضدات المستهدفة الموجودة على سطح الخلايا وفي المطرس خارج الخلوي. (النمطII من فرط التحسس). ب- أو تشكيل معقد مناعي يترسب خاصة، في الأوعية الدموية (النمطIII من فرط التحسس). |
أسباب الأمراض المتواسطة بالأضداد:
يغلب أن تكون الأضداد المسببة للمرض أضداداً ذاتية Autoantibodies؛ أي موجهة ضد المستضدات الذاتية Self-antigen، وقلّ أن تكون نوعية للمستضدات الغريبة كالمستضدات المكروبية. وينجم إنتاج الأضداد الذاتية عن فشل التحمل الذاتي Self-tolerance، لكن سبب حدوث هذا الفشل غير معروف. وقد ترتبط الأضداد الذاتية بالمستضدات في الأنسجة، وقد تشكل معقدات مناعية بارتباطها بالمستضدات الجائلة في الدوران. وإن الأمراض الناجمة عن الأضداد المتشكلة ضد المستضدات المكروبية أهمها تلك الناتجة من عقابيل الأخماج بالمكورات العقدية. ويُنتج بعض الأشخاص بعد إصاباتهم بهذه الأخماج أضداداً ضد المكورات العقدية التي تتفاعل تفاعلاً تصالبياً Cross-react مع المستضد الموجود في أنسجة القلب. وإن ترسب Deposition هذه الأضداد يثير Trigger مرضاً التهابياً يدعى الحمى الرثوية Rheumatic fever التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث فشل قلبي حاد (قصور) أو إلى تندبٍ بطيء في الصمامات القلبية. وهناك آخرون ممن أصيبوا بهذا الخمج وأنتجوا الأضداد المقابلة للمكورات العقدية التي تتوضع في هذه الحالة في الكبيبات الكلوية مسببةً حالة التهابية تدعى التهاب الكبيبات الكلوية عقدي المنشأ الذي يمكن أن يؤدي إلى فشل الكلية (قصور). تنشأ بعض أمراض المعقدات المناعية من اندماج الأضداد المقابلة (المضادة) للمكروبات مع مستضداتها. يحدث ذلك في المصابين بأخماج مزمنة فيروسية (مثل التهاب الكبد الفيروسي) أو طفيلية (مثل الملاريا).
آلية حدوث الأذية النسيجية والمرض:
إن الأضداد النوعية الموجهة للمستضدات الموجودة في الخلايا أو الأنسجة قد تترسب في تلك الأنسجة وتحدث فيها التهاباً موضعياً، وتحث على البلعمة وتخريب الخلايا؛ وقد تضر بوظائف الخلية الطبيعية (الشكل 6).
(الشكل 6): آلية حدوث الأمراض المتواسطة بالأضداد. تسبب الأضداد المرض عن طريق أ- تحريض الالتهاب في مكان توضعها. ب- طهاية الخلايا تمهيداً لبلعمتها. ج- الإخلال بعمل الخلايا على نحو طبيعي. تحدث هذه الآليات عندما ترتبط الأضداد مباشرة بالمستضدات المستهدفة، أما المعقدات المناعية فإنها تسبب المرض على نحو رئيسي عن طريق تحريض الالتهاب. ( TSHهو الهرمون المنبه للدرقية). |
• الالتهاب:تحرّض الأضداد الموجهة للمستضدات النسيجية والمعقدات المناعية المترسبة في الأوعية حدوث الالتهاب عن طريق جذب الكريات البيض وتنشيطها. ويرتبط الغلوبولين المناعي من النمط IgE بمستقبلات العدلات والبلاعم الكبيرة وينشطها، وينجم عن ذلك حدوث الالتهاب. كما تُنشِّط هذه الأضداد وكذلك الغلوبولين المناعي IgMجهاز المتممة وإنتاج منتجات ثانوية Byproduct تحشد الكريات البيض وتحرض الالتهاب. وعندما تتنشط الكريات البيض في أماكن ترسب الأضداد فإنها تطلق أنواعاً من الأكسجين التفاعلي Reactive oxygen species وإنزيمات حالّة تؤذي الأنسجة المجاورة.
• الطهاية والبلعمة: إذا ارتبطت الأضداد بالخلايا مثل الكريات الحمراء والصفيحات فإن هذه الخلايا تصبح مطهوّة وتتعرض للالتقام من قبل بلاعم المضيف.
• الاستجابات الخلوية الشاذة: قد تسبب بعض الأضداد المرض من دون أن تحدث أذية خلوية، ففي بعض حالات الوهن العضلي الوبيل Myasthenia gravis تكبت أضداد الأستيل كولين النقل العصبي العضلي مما يؤدي إلى الشلل. كما أن بعض الأضداد قد تنشط المستقبلات مباشرة وتقلد بذلك لجيناتها Ligand الفيزيولوجية، ففي داء غريف Graves- وهو أحد أشكال فرط الدرقية- تحرض الأضداد الموجهة ضد مستقبلات الهرمون المنبه للدرقية Thyroid Stimulating Hormone (TSH) خلايا الدرقية على الرغم من غياب الهرمون.
المتلازمات السريرية والمعالجة
ينجم الكثير من أمراض فرط التحسس عند الإنسان عن الأضداد الموجهة ضد الخلايا أو الأنسجة (الشكل7) أو عن المعقدات المناعية (الشكل8)، وأقدم الأمراض الناجمة عن المعقد المناعي هو داء المصل Serum sickness. يحدث داء المصل بعد حقن الشخص بمستضد بروتيني؛ إذ يرتكس الجسم بإنتاج أضداد نوعية يؤدي أخيراً إلى تشكل معقدات مناعية دوارة Circulating، وداء الذئبة الحمامية مثل واضح على أمراض المعقدات المناعية.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الشكل 7): الأمراض المتواسطة بالأضداد (النمط II من فرط التحسس). يبين الجدول أمثلة من الأمراض الناجمة عن الأضداد. ويستنتج دور الأضداد في معظم هذه الأمراض من كشف الأضداد في دم المصابين، وفي بعض الحالات من التشابه بين هذه الأمراض وبين الأمراض المحدثة تجريبياً في الحيوانات والتي تؤكد الدارسات دور الأضداد في إحداثها. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الشكل 8): الأمراض الناجمة عن المعقدات المناعية (النمط III من فرط التحسس). أمثلة من الأمراض الناجمة عن ترسب المعقدات المناعية، إضافة إلى نموذجين من الأمراض التجريبية. في حالة إصابة الإنسان بالمرض تكشف المعقدات المناعية في الدم أو في الأنسجة التي تتوضع فيها الأذية النسجية. في جميع هذه الحالات تحدث الأذية بسبب الالتهاب المتواسط بالمتتمة وبالمستقبلات FC. |
يدعى الارتكاس الموضعي للمعقد المناعي ارتكاس آرتوس Arthus reaction الذي يمكن استحداثه عند الحيوان الذي سبق تمنيعه بحقنه تحت الجلد بالمستضد البروتيني ممّا يؤدي إلى تشكل معقدات مناعية في مكان الحقن وحدوث التهاب أوعية موضعي. ويظهر أحياناً عند بعض الأشخاص الذين سبق أن تلقحوا ضد أحد الأمراض ثم أعيد حقنهم من جديد حدوث تورم مؤلم في مكان الحقن وهو ما يعدّ شكلاً سريرياً من ارتكاس آرتوس.
تهدف معالجة المصابين بالأمراض المتواسطة بالأضداد إلى الحد من شدة الالتهاب وتجنب عواقبه الضارة، ويتم ذلك باستعمال الأدوية ولاسيما الستيروئيدات القشرية Coricosteroids، وفي الحالات الشديدة يلجأ إلى فصادة البلازما plasmapheresis بغية خفض مستوى الأضداد أو المعقدات المناعية في الدوران. كما يستجيب بعض هذه الأمراض بإعطاء الغلوبولين المناعي IgG عن طريق الوريد؛ بيد أن آلية عمل الغلوبولين المحقون غير معروفة. كما أن المعالجة بالأضداد النوعية لِـ CD20 -هو بروتين سطحي في الخلايا البائية B الناضجة- قد يكون مفيداً في معالجة بعض الأمراض المتواسطة بالأضداد.
ج- الأمراض الناجمة عن اللمفاويات التائية:
تزداد المعارف المتعلقة بدور اللمفاويات التائية في الأمراض المناعية ولاسيما بعد أن تحسنت الطرائق المستخدمة في تعرف هذه الخلايا وعزلها من الآفات المختلفة. وقد تركز الاهتمام في السنوات الأخيرة خاصة على دور هذه الخلايا في أمراض المناعة الذاتية Autoimmune diseases وفي أذية الأنسجة.
أسباب الأمراض المتواسطة بالخلايا التائية:
إن اضطراب المناعة الذاتية هو أهم سبب لحدوث الارتكاسات مفرطة التحسس؛ إضافة إلى الاستجابات المفرطة أو المستمرة تجاه المستضدات البيئية. وتتوجه الارتكاسات في المناعة الذاتية نحو المستضدات الخلوية المنتشرة في عدد محدود من الأنسجة، لذلك فإن أمراض المناعة الذاتية تصيب عادةً قليلاً من الأعضاء ولا تتوزع في سائر نواحي الجسم. ومن الأمثلة على الارتكاسات المفرطة ضد المستضدات البيئية تُذكر الحساسية التماسية Contact sensitivity للمواد الكيميائية (ومنها بعض الأدوية والمواد النباتية مثل سم اللبلاب Ivy poison)، وقد تسبب استجابة الخلايا التائية للمكروبات أذيات في الأنسجة؛ ومثال ذلك ما يحدث في التدرن حيث تستجيب الخلايا التائية للمستضدات البروتينية في المتفطرات السلية وتصبح الاستجابة مزمنة بسبب صعوبة القضاء على الجرثوم، وينجم عن ذلك التهاب حبيبي granulomatous inflammation مؤذٍ للأنسجة السليمة في مكان توضع الخمج. وقد يؤدي الإفراط في تنشيط (تفعيل) الخلايا التائية متعددة النسائل Polyclonal- بفعل الذيفانات التي تصنعها بعض المكروبات- إلى إنتاج كمية كبيرة من السيتوكينات الالتهابية تكون السبب في حدوث متلازمة شبيهة بالصدمة الإنتانية Septic shock، وتدعى هذه الذيفانات باسم المستضدات الفائقة Super antigens؛ لأنها تنشط أعداداً كبيرة من الخلايا التائية. وترتبط المستضدات الفائقة بأجزاء ثابتة (محددة) Invariant من مستقبلات الخلايا التائية التي تعود إلى نسائل مختلفة وتقوم بتنشيطها.
آليات تأذي الأنسجة:
ينجم تأذي الأنسجة في مختلف الأمراض المتواسطة بالخلايا التائية عن السيتوكينات التي تنتجها اللمفاويات CD4T خاصة؛ أو عن قتل خلايا المضيف باللمفاويات التائية السامة للخلايا CD8+(CTL). (الشكل 9). أما آلية حدوث أذية الخلايا فهي الآلية نفسها التي تستعملها التائيات للتخلص من المكروبات التي دخلت الخلايا cell-associated microbes. وقد ترتكس التائيات CD4 ضد مستضدات الخلايا والأنسجة وتفرز السيتوكينات التي تحرض الالتهاب الموضعي وتنشط البلاعم الكبيرة. وقد تتنشط الخلايا TH-1 و TH-17 في عدد من الأمراض، فالخلايا TH1 هي المصدر الرئيسي للإنترفرون - غاما (gint-) وهو السيتوكين الرئيسي الذي ينشط البلاعم الكبيرة، أما الخلايا TH-17 فهي المسؤولة عن حشد الكريات البيض بما فيها العدلات. تحدث أذية الأنسجة في هذه الأمراض خاصة عن البلاعم الكبيرة والعدلات.
(الشكل 9): آلية حدوث الأذية النسيجية في الأمراض بالخلايا التائية. (النمط الرابع IV من فرط التحسس). تحدث الخلايا التائية أذية الأنسجة بآليتين: الأولى: عن طريق الالتهاب الذي ينطلق Trigger بفعل السيتوكينات التي تصنعها اللمفاويات التائية CD4+خاصة، ممّا يؤدي إلى تنشيط البلاعم الكبيرة والخلايا الالتهابية والخلايا مقدمة المستضد APC. والثانية: عن طريق قتل الخلايا المستهدفة بوساطة اللمفاويات التائية CD8+ السامة للخلايا. |
إن الارتكاس النمطي المتواسط بالسيتوكينات الناشئة من الخلايا التائية هو النمط المتأخر من فرط الحساسية Delayed Type Hypersensitivity (DTH)، وقد أُعطي الارتكاس هذا الاسم لأنه يحدث بعد 24 - 48 ساعة عندما يتعرض أحد الأشخاص لمستضد بروتيني سبق أن تعرض له من قبل. ويتأخر حدوث الارتكاس لأن توجه Home المستفعلات التائية الدوارة (الخلايا التائية الفعالة) إلى موضع التقاء المستضد بالأضداد وإفراز السيتوكينات يتطلب عدة ساعات. ويتظاهر النمط المتأخر من ارتكاس فرط الحساسية بارتشاح اللمفاويات التائية والوحيدات Monocyte الدموية في الأنسجة، وحدوث الوذمة وترسب الفيبرين الناجمين عن زيادة نفوذية الأوعية استجابةً للسيتوكينات المنتجة من اللمفاويات CD4T، إضافة إلى أذية الأنسجة بفعل منتجات الكريات البيض والبلاعم الكبيرة التي تحرضت بتأثير اللمفاويات T. ويستخدم النمط الآجل من فرط الحساسية DTH لمعرفة ما إذا كان أحد الأشخاص قد تعرض سابقاً لأحد المستضدات وأبدى استجابة له. ومثال ذلك إن حدوث ارتكاس DTH لمستضد إحدى المتفطرات PPD (مشتق بروتيني نقي) يعدّ دليلاً على استجابة اللمفاويات التائية للمتفطرات، وهذا هو الأساس لاختبار PPD الجلدي الذي يستخدم للكشف عن وجود خمج سابق بالمتفطرات.
إن اللمفاويات التائية السامة للخلايا (CD8+T) النوعية للمستضدات الموجودة على خلايا المضيف تقتل هذه الخلايا مباشرة. تُنتج اللمفاويات السامة للخلايا CTL السيتوكينات التي تحرض الالتهاب؛ لكنها ليست المصدر الرئيس للسيتوكينات في الارتكاسات المناعية. توجد اللمفاويات CD4T واللمفاويات CD8T النوعية للمستضدات الذاتية Self- antigen في كثير من أمراض المناعة الذاتية، ويساهم كلا النوعين في إحداث الأذية النسيجية.
المتلازمات السريرية والمعالجة:
يعتقد أن كثيراً من أمراض المناعة الذاتية المتخصصة بأحد الأعضاء specific Organ سببها اللمفاويات التائية، ويعتمد هذا الرأي على وجود هذه اللمفاويات في تلك الآفات وعلى تشابه هذه الآفات مع نماذج من أمراض الحيوانات التي يُعرف أنها متواسطة بالخلايا التائية (الشكل ١٠). وتتميز هذه الأمراض بأنها مزمنة ومترقية ويعود ذلك من جهة إلى أن ارتكاس الخلايا التائية يكون طويل الأمد ومستمراً ذاتياً Self-perpetuating؛ ولأن المستضدات المحرِّضة كالمستضدات النسيجية أو البروتينات التي تبديها المكروبات باقية ولا يمكن التخلص منها؛ كما أن أذية الأنسجة تسبب إطلاق بروتينات جديدة أو تبديل البروتينات الذاتية، وينجم عن ذلك ارتكاسات ضد هذه البروتينات الجديدة. وقد أطلق على هذه الظاهرة Phenomenon اسم انتشار الحاتمات Epitome spreading وذلك إشارةً إلى أن الاستجابة المناعية الأولية لمستضد واحد أو عدد قليل من المستضدات الذاتية يمكن أن تتسع لتشمل الاستجابة عدداً أكبر من المستضدات الذاتية. ويطلق على الأمراض الالتهابية المزمنة التي تبدأ بارتكاسات مناعية أحياناً اسم «الأمراض الالتهابية المتواسطة بالمناعة». وتسعى معالجة الأمراض المناعية المتواسطة بالخلايا التائية إلى تحقيق هدفين الأول: هو تخفيف الالتهاب، والثاني: هو تثبيط ارتكاس الخلايا التائية. وقد كانت الستروئيدات قوية المفعول المضادة للالتهاب وما تزال الدعامة الأساسية للمعالجة؛ لكن تأثيراتها الجانبية بالغة الأهمية. وقد أدى الكشف عن آليات حدوث هذه الأمراض وتوجيه المعالجة على ضوئها إلى تحقيق إنجازات رائعة في معالجة الأمراض المناعية؛ وبرهنت مناهضات العامل المنخر للورم Tumor necrosis factor (TNF) على فائدتها في معالجة التهاب المفاصل الروماتوئيدي والداء المعوي الالتهابي inflammatory bowel disease عن طريق خفض مستوى الالتهاب. أما الأدوية الحديثة الهادفة إلى تثبيط الاستجابات المناعية للخلايا التائية فتتضمن الأدوية التي تحصر Block المنبهات المشاركة Co-stimulator مثل B7، ومناهضات السيتوكينات أو مستقبلاتها مثل IL-17 و IL-6 IL-1، كما تبين أن نفاد Depletion الخلايا البائية بوساطة أضداد CD20 فعال في معالجة التهاب المفاصل الروماتوئيدي والتصلب المتعدد.
| |||||||||||||||||||||||||||
(الشكل10): الأمراض المتواسطة بالخلايا التائية: قد تساهم الأضداد والمعقدات المناعية في إحداث الأمراض التي تقوم الخلايا التائية بدور رئيس في إحداثها. ومن المعروف أن مرض التصلب المتعدد والتهاب المفاصل الروماتوئيدي والنمط I من الداء السكري ينجم عن خلل في المناعة الذاتية. أما داء كرون فمن المحتمل أن يكون ناتجاً عن ارتكاس ضد المكروبات المعوية، وقد تساهم المناعة الذاتية في إحداثه. أما بقية الأمراض فسببها الارتكاسات ضد المستضدات الغريبة المكروبية أو البيئية. وفي معظم هذه الأمراض أمكن كشف الخلايا التائية المنشطة المتفاعلة مع مستضدات متنوعة واستفرادها من الدم أو مكان الآفة، مما يشير إلى دورها في إحداث هذه الأمراض، وتؤدي الخلايا التائية دوراً مهماً في أمراض التهاب الكبد الفيروسي ومتلازمة الصدمة الإنتانية وليس لفرط الحساسية دور في حدوثها. |
زياد درويش
- التصنيف : علم المناعة - النوع : الجهاز المناعي - المجلد : كتاب علم المناعة مشاركة :