اليرسينية الطاعونية والمعوية
يرسينيه طاعونيه ومعويه
Yersinia pestis and Yersinia enterocolitica - Yersinia pestis et Yersinia enterocolitica
الأدواء الناجمة عن الجراثيم الهوائية سلبية الغرام
اليَرْسَنِيَّةُ الطَّاعونِيَّة
صلاح الدين شحادة
الراكدة | المستدمية النزلية |
البرتونيلة الهنسلية | الفيلقية |
الفرنسيسيلَّة التولاريَّة | الزائفة الزنجارية |
الباستوريلة | البروسيلة |
ضمات الهيضة |
تنتمي اليرسنية الطاعونية Yersinia pestis إلى جنس اليرسنية الذي يضم أنواعاً عديدة من الجراثيم، تسبب أمراضاً معظمها حيوانية، قد تنتقل ثلاث منها عرضاً إلى الإنسان هي: اليرسنية الطاعونية واليرسنية السلية الكاذبة pseudotuberculosis.Y واليَرْسَنِيَّةُ المُلْهِبَةُ للمِعَى والقَوْلون Y.enterocolitica. وتعد اليرسنية الطاعونية أخطرها؛ إذ تسبب مرض الطاعون الذي حدث عبر التاريخ على شكل أوبئة وجائحات مرعبة؛ كالتي حدثت في أوربا في القرن السادس والقرن الرابع عشر، فقد قضى الوباء الأخير على نحو ربع سكان أوربا في ذلك الوقت واستحق بجدارة لقب الموت الأسود. عزل ألكساندر يرسن Alexandre Yersin اليرسنية
الشكل (1): عصيات اليرسنية الطاعونية تحت المجهر، ويظهر التلون القطبي. |
الطاعونية عام 1894 في أثناء الجائحة التي بدأت في الصين وانتشرت بوساطة الجرذان على متن البواخر إلى معظم موانئ العالم.
وصف الجرثوم microbiology: اليرسنية الطاعونية عصية سلبية الغرام، هوائية، تتلون تلوناً قطبياً حين تلوينها بملون غيمزا (الشكل1).
تنمو اليرسنية على معظم الأوساط الزرعية، ويجب اتخاذ إجراءات الوقاية القصوى حين التعامل مع أي عينة يحتمل أن تحوي اليرسنية الطاعونية. ويعتقد بعض الباحثين أن اليرسنية الطاعونية قد تطورت من اليرسينية السلية الكاذبة قبل حدوث أول وباء طاعون بشري معروف بوقت قصير، وذلك باكتسابها بلازميدتين plasmids جديدتين؛ إضافة إلى تثبيط جينين ضروريين لحياة الجرثوم في أمعاء الثدييات.
لليرسنية الطاعونية ثلاثة أنماط حيوية هي: النمط القديم Antique ونمط القرون الوسطى Medievalis والنمط الشرقي Orientalis، ويعتقد أن النمط الشرقي هو المسؤول عن وبائي الطاعون في القرن السادس والرابع عشر.
السراية والوبائيات: تُعدّ القوارض المُضيفَ والمستودع الرئيس للعصيات الطاعونية، ومنها تنتقل بوساطة لدغ البراغيث إلى أكثر من 200 نوع من الثدييات مثل القطط والكلاب والأرانب؛ بما في ذلك الإنسان.
وقد تنتقل العدوى أحياناً بتناول لحوم الحيوانات المصابة أو التعامل بها، وكذلك بالقُطيرات التنفسية والمفرزات التنفسية للحيوان أو الإنسان المصاب بالطاعون الرئوي، كما سجلت حالات قليلة من الإصابة بعد التعرض للجرثوم في المخبر، ولكن العدوى بلدغ براغيث القوارض المخموجة هي الطريق الأكثر شيوعاً لانتقال الطاعون إلى الإنسان.
يتوطن الطاعون بين القوارض في أماكن متفرقة من العالم؛ في الأمريكتين وبعض بلدان الاتحاد السوڤييني السابق وجنوب شرقي آسيا وبعض مناطق إفريقيا. وقد سجل بين عامي 1989 و 2003 نحو أربعين ألف حالة طاعون في 25 دولة، منها نحو ثلاثة آلاف حالة وفاة، وكانت أغلب هذه الإصابات على شكل فاشيات outbreaks وأوبئة صغيرة، معظمها حدث في إفريقيا (زائير ومدغشقر) والهند والبيرو (الشكل2) .
الشكل (2) أماكن توطن الطاعون الحيواني والبشري وانتشاره |
ويشير استمرار حدوث حالات جديدة - ولو قليلة - من الطاعون في مناطق متفرقة من العالم إلى أن خطر عودة الطاعون بوصفه مرضاً مهدداً للبشرية ما زال قائماً، كما يزيد من خطورة اليرسنية الطاعونية احتمال استخدامها سلاحاً جرثومياً فتاكاً.
الإمراض: تصبح البراغيث معدية بعد أن تتغذى بدم المضيف المخموج - الذي هو غالباً القوارض - إذ تقوم البراغيث المخموجة بحقن اليرسنية الطاعونية مكان اللدغ في المضيف الجديد، ويكفي نحو عشرة جراثيم لحصول العدوى مما يشير إلى فوعة الجرثوم الشديدة. تنتشر الجراثيم من مكان اللدغة بوساطة الأوعية اللمفاوية إلى العقد اللمفاوية المجاورة -التي تستجيب استجابة التهابية شديدة وتحدث نخراً في العقد اللمفاوية والأنسجة المجاورة لمكان الدخول مع ضخامة عقدية- مسببة ما يسمى الدبل bubo، كما قد يحدث تجرثم دموي bacteremia قد يؤدي إلى حدوث ذات رئة، أو إنتان دموي Septicemia وآفات نزفية في مختلف الأعضاء، ويؤدي إنتان الدم والانسمام بالذيفان الداخلي للجرثوم إلى حدوث متلازمة الاستجابة الالتهابية الجهازية systemic inflammatory response syndrome التي تنتهي بالصدمة الإنتانية والقصور الوظيفي لمختلف الأعضاء فالموت. ويؤدي النزف وتنخر الأنسجة المصابة إلى ظهور آفات جلدية فرفرية على الجذع والأطراف، وقد تتموت أنسجة نهايات الأصابع والأنف والأذنين (الشكل3).
الشكل (3): موات نسجي في نهايات الأصابع في مريض مصاب بالطاعون |
التظاهرات السريرية: للطاعون ثلاثة أشكال سريرية رئيسية هي الدبلي والدموي والرئوي.
الطاعون الدبلي Bubonic plague: هو الشكل الأكثر شيوعاً (نحو 90% من الحالات)، ويتظاهر بحمى مفاجئة وعرواءات وصداع ودعث؛ يليها ضخامة العقد اللمفاوية المجاورة لمكان اللدغ ضخامة مؤلمة تدعى الدبل (الشكل 4)، يبقى المرض موضعاً في نحو نصف الحالات، وقد يتطور الشكل الدبلي الأولي من الطاعون- ولاسيما حين عدم المعالجة- إلى الشكل الجهازي الدموي أو الرئوي.
الشكل (4): تظهر الدبل في مريض الطاعون الدبلي |
الإنتان الدموي الطاعوني Septicemic plague: يحدث في نحو 10% من الحالات من دون حدوث مظاهر موضعية واضحة للمرض، وتغلب الأعراض العامة التي تشمل مظاهر الصدمة السمية كالحمى الشديدة والحالة العامة السيئة، كما قد تظهر أحياناً بعض الأعراض الهضمية كالغثيان والقياء والألم البطني. وينتهي المرض غالباً بالصدمة والتخثر المنتشر داخل الأوعية(DIC) اللذين يؤديان إلى قصور الأعضاء الوظيفي فالموت.
الطاعون الرئوي Pneumonic plague: قد يتلو الطاعون الدبلي نتيجة انتشار الجرثوم إلى الرئتين بطريق الدم، أو يكون أولياً نتيجة العدوى التنفسية من مصاب بالطاعون الرئوي، وتكون فترة الحضانة حينها قصيرة نسبياً. يتظاهر الطاعون الرئوي بالحمى وعسر التنفس الفجائي، والألم الصدري مع السعال المنتج لقشع مدمى غالباً، ونسبة الوفيات مرتفعة جداً في هذا الشكل من الطاعون وفي الشكل الدموي.
إضافة إلى الأشكال السابقة الرئيسية للطاعون فقد يتظاهر في حالات قليلة على شكل التهاب سحايا، أو التهاب لوزات وبلعوم مع اعتلال عقد رقبية.
التشخيص: يشك في الطاعون حين وجود حمى واعتلال عقد لمفاوية نخري، أو أعراض رئوية صاعقة في مقيمين أو قادمين من مناطق توطن المرض؛ ولا سيما عند وجود قصة لدغ براغيث أو تماس مع حيوانات مصابة. مخبرياً تلاحظ زيادة الكريات البيض (أكثر من 20000) ونقص عدد الصفيحات. ويؤكد التشخيص بفحص قيح الدبل مجهرياً، أو بزرع الدم أو رشافة الدبل أو القشع، كما تفيد الاختبارات المصلية، وحالياً تستخدم تقنيات PCR للتشخيص في بعض المراكز.
المعالجة: يستخدم الستربتومايسين حقناً عضلياً بجرعة 30 ملغ لكل كغ من الوزن مرتين يومياً مدة عشرة أيام، ويمكن استخدام الجنتامايسين، وهو أقل سمية ولا سيما في الحوامل والأطفال، ويستخدم الدوكسيسيكلين 100-200 ملغ مرتين يومياً للمدة ذاتها، وتشير الدراسات الحديثة إلى فعالية الليڤوفلوكساسين Levofloxacin في اليرسنية الطاعونية.
الوقاية: يجب عزل كل مريض يشك في إصابته بالطاعون ولا سيما الرئوي، كما يجب التعامل بحذر مع جثث القوارض النافقة، وتفيد مكافحة القوارض والبراغيث في أماكن توطن المرض، ويعطى التتراسيكلين أو الليڤوفلوكساسين وقائياً للمتماسين مع المرضى. وقد صُنع للطاعون لقاح مقتول لكن الدراسات حول فائدته محدودة، وجرب استخدامه على الجنود العاملين في مناطق توطن المرض مثل جنوب شرقي آسيا، يعطى بجرعتين أوليتين بفاصل ثلاثة أشهر، ثم كل ستة أشهر طوال فترة التعرض.
المستدميات النزلية Haemophilus influenzae جراثيم عزلها كوخ منذ أكثر من مئة سنة من قيح الملتحمة، ثم لاحظ بفايفر وجودها بكثرة في قشع العديد من المصابين بوباء النزلة الوافدة (الأنفلونزا) بين أعوام 1889-1892، وعدت عندها سبب هذا الوباء الذي تبين بعد عشرات السنين أن سببه كان ڤيروسات النزلة الوافدة؛ وأن وجود هذه الجراثيم هو مضاعفة جرثومية للخمج الڤيروسي الأولي مما زاد نسبة المواتية في ذلك الوباء.
وصف الجرثوم: المستدميات النزلية جراثيم عصوية صغيرة سلبية الغرام غير متحركة هوائية مخيرة، يتطلب نموها المخبري جواً غنياً بـ .CO2 لبعض ذراري المستدميات النزلية محفظة في حين يخلو الباقي منها.
يجرى تنميط الذراري ذات المحفظة بحسب نوعية عديدات السكاريد المحفظية في ست ذراريّ مستضدية (a-f)، وتدعى الذراري التي ليس لها محفظة المستدميات اللامنمطة nontypeable.
الإمراض: المستدميات جراثيم بشرية نوعية يستعمر العديد من ذراريها - ولا سيما اللامنمطة وغير الغازية - أغشية الجهاز التنفسي المخاطية، وتنتقل من شخص إلى آخر بالقطيرات والمفرزات التنفسية.
يعد النمط (Hib) b الأكثر أهمية من الناحية الطبية؛ إذ هو السبب الأكثر شيوعاً في تجرثم الدم والتهاب السحايا وبعض الأخماج الجهازية الغازية الأخرى. أما ذراري المستدميات اللامنمطة فهي المسؤولة عن بعض أخماج الطرق التنفسية، وبعضها مسؤول عن أخماج خاصة مثل النمط المسؤول عن الحمى البرازيلية الفرفريةBrazilian purpuria fever ، والنمط المسؤول عن بعض الأخماج البولية التناسلية أو إنتانات الدم في الولدان.
للمستدميات النزلية -ولاسيما الممرضة منها- عدد من عوامل الفوعة مثل المحفظة وبروتينات الغشاء الخارجي التي تسهل التصاق الجرثوم على الخلايا الظهارية واستعمار الأغشية المخاطية التنفسية، وبروتياز IgA التي تؤثر في تثبيط ال IgA على الأغشية المخاطية. كما تستطيع بعض ذراري المستدميات العيش داخل الخلايا الظهارية التنفسية، مما يفسر بقاءها في الأغشية المخاطية التنفسية مدة طويلة. كما تستطيع بعض الذراري اختراق المخاطية إلى الطبقة تحت المخاطية والوصول إلى الأوعية الدموية، مما يفسر تسببها في إحداث تجرثم دمويbacteremia ؛ أو التسبب في أخماج جهازية مختلفة مثل التهاب السحايا.
يكون الولدان حديثو الولادة ممنعين إلى حد كبير تجاه الأخماج بالنمط b بالأضداد الوالدية، ولكنهم أقل تمنيعاً تجاه الخمج بالذراري اللامنمطة من المستدميات، ويصبح الأطفال أكثر عرضة للأخماج بالمستدميات الغازية مثل Hib من عمر 3 أشهر إلى عمر 3 سنوات.
الوبائيات: في نحو السنتين من العمر يصبح نحو ثلث الأطفال حملة لذراريّ عديدة من المستدميات ولا سيما اللامنمطة في بلعومهم الأنفي، وترتفع نسبة الحملة في الأطفال في دور الرعاية. يبقى هذا الاستعمار أشهراً أو سنوات عديدة، وقد يؤدي بوجود بعض الظروف والعوامل إلى حدوث أخماج غازية، كما يعد هؤلاء الحملة مصدراً مهماً لنشر الجرثوم إلى الآخرين.
كانت المستدميات النزلية - ولا سيما النمط b - قبل التوسع في إعطاء لقاح المستدميات للأطفال سبباً مهماً لالتهاب السحايا في الأطفال بعمر أقل من خمس سنوات. كما أنها السبب الرئيس لالتهاب لسان المزمار وذات الرئة وإنتان الدم والتهاب المفاصل الخمجي.
وقد تراجعت نسبة الإصابة بالأنماط المتضمَّنة في اللقاح في المناطق التي طُبِّق اللقاح فيها على نحو واسع، وسيؤدي التوسع في إعطاء اللقاح منوالياً للأطفال في البلدان التي لم تطبقه بعد إلى الإقلال من نسبة الحملة ونسبة الوفيات بالأخماج الخطرة التي تسببها المستدميات الغازية. أما الحالات الخطرة من الأخماج بالمستدميات النزلية بعد تطبيق اللقاح على نطاق واسع فكان سببها في معظم الأحيان الأنماط الغازية من المستدميات اللامنمطة، أو النمط F من المستدميات المنمطة وهي غير مضمنة في اللقاح الحالي. ولوحظ أن بعض الأطفال أصيبوا بأخماج المستدمية b على الرغم من أخذهم اللقاح، وفسر ذلك بوجود خلل مناعي فيهم يعتقد أنه نقص في إنتاج الخلايا البائية (خلايا الذاكرة).
التظاهرات السريرية
قد تسبب المستدميات النزلية في الإنسان العديد من الأخماج أهمها:
أخماج موضعية في منطقة الأذن والأنف والحنجرة والجيوب كالتهاب الأذن الوسطى والتهاب البلعوم والتهاب الملتحمة والتهاب القصبات وذات الرئة. ويعد أخطرها التهاب لسان المزمار epiglottis(الفَلْكة) ولا سيما في الأطفال، ويتظاهر بحمى مفاجئة وعسر بلع وإلعاب وضيق التنفس في أثناء الشهيق؛ مع خفوت الصوت وبحة فيه، ويبدو الطفل بمظهر انسمامي ومتهيجاً وقلقاً. وتشاهد وذمة شديدة في لسان المزمار والأنسجة الرخوة المحيطة به، ولكن يفضل عدم فحص البلعوم حين الشك في التهاب لسان المزمار (الشكل 5)، ويفضل المريض وضعية الجلوس متجهاً بجذعه إلى الأمام باسطاً رقبته (الشكل 6)، والحالات الشديدة من المرض - على ندرتها- خطرة وتتطلب علاجاً إسعافياً.
الشكل (6): الوضعية المفضلة للطفل المصاب بالتهاب لسان المزمار | الشكل (5) الوذمة الشديدة في لسان المزمار والنسج الرخوة المحيطة به في طفل مصاب بالتهاب لسان المزمار |
تعد المستدميات - ولاسيما النمط b- سبباً مهماً لالتهاب السحايا القيحي الذي يصيب غالباً الأطفال من 3 أشهر إلى 3 سنوات، وقد يرافقه التهاب الأذن الوسطى. يشبه التهاب السحايا بالمستدميات التهابات السحايا القيحية الجرثومية الأخرى سريرياً ومخبرياً؛ إذ يتظاهر بالحمى والصداع والقياء ورهاب الضوء، وإيجابية العلامات السحائية، ويكون السائل الدماغي الشوكي عكراً مع خلوية مفرطة على حساب العدلات ونقص السكر مع زيادة البروتين.
وفي أحوال نادرة قد تسبب المستدميات النزلية الغازية إنتاناً دموياً، أو التهاب شغاف أو ذات عظم ونقي.
وقد تسبب بعض المستدميات اللامنمطة إنتان دم في الولدان ومضعفي المناعة، كما قد تسبب ذات الرئة ولا سيما في كبار السن والأشخاص ذوي الخطورة العالية كالمصابين بالأمراض الرئوية المزمنة والمدخنين والكحوليين.
قد تستعمر بعض ذراري المستدميات النزلية اللامنمطة الجهاز التناسلي الأنثوي وتسبب بعض الأخماج الموضعية مثل التهاب بطانة الرحم endometritis ، وخراجات غدد بارتولان، والتهاب السلى.amnionitis
المعالجة
الصادات المناسبة لمعظم ذراري المستدميات النزلية هي مركبات البيتالاكتام مثل الأموكسيسيلين أو الجيل الثاني والثالث من السيفالوسبورينات، ومازالت معظم المرجعيات الطبية توصي باستخدام جرعات عالية من الأموكسيسيلِّين (3غ يومياً حداً أقصى) لمعالجة الأخماج التنفسية العلوية ولا سيما التهاب الأذن الوسطى الحاد بالمستدميات في الأطفال. ويوصى أيضاً باستخدام الأموكسيسيلين مع حمض الكلافوني أو أحد سيفالوسبورينات الجيل الثالث لمعالجة الأخماج الرئوية بالمستدميات، كما يستخدم حالياً السفترياكسون 2 غرام وريدياً مرتين يومياً، أوالسيفوتاكسيم 2 غرام وريدياً أيضاً كل 6 ساعات في معالجة التهاب السحايا بالمستدميات في البالغين. أما في الأطفال فيعطى السفترياكسون 100 ملغ للكغ وريدياً يومياً بجرعة واحدة أو بجرعتين ، في حين يعطى السيفوتاكسيم 300 ملغ للكغ يومياً مقسومة إلى ثلاث جرعات أو أربع؛ ولمدة أسبوع إلى عشرة أيام. أما الصادات البديلة في علاج المستدميات فتشمل الماكروليدات، الفلوروكينولونات، التتراسيكلينات، ويظهر الأزيترومايسين فعالية تجاه معظم ذراري المستدميات النزلية في الزجاج.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة ذراريّ من المستدميات مقاومة للأمبيسيلين لكنها غير منتجة للبيتالاكتاماز؛ دعيت المستدميات سلبية البيتالاكتاماز والمقاومة للأمبيسيلين (BLNAR)، ويزداد انتشار هذه الذراري؛ إذ بلغت بين 10-40% من ذراري المستدميات المعزولة في مناطق مختلفة من العالم. ويعد السفترياكسون حالياً الصاد المنتخب لهذه الذراري.
عزلت الفيلقيات Legionella ووصفت على نحو مفصل أول مرة حينما أصيب بذات الرئة عدد كبير من المشاركين في مؤتمر للمحاربين القدماء (الفيالق) Legionnaires في فيلادلفيا عام 1976، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى هؤلاء الأشخاص، ومنذ ذلك الوقت عرف أن جراثيم الفيلقية قد تسبب للإنسان ذات رئة غير نموذجية قد تكون مميتة أحياناً -ولاسيما عند المسنين والكحوليين والمدخنين- تدعى داء الفيالق Legionnaires‘ disease، الذي يحدث غالباً على شكل فاشيات محدودة؛ أو تسبب شكلاً آخر خفيفاً من المرض يشبه النزلة الوافدة يدعى حمى بونتياكPontiac fever ، وارتبطت معظم حالات الخمج بالفيلقية بوجود تلوث مائي بها؛ لأنها جرثومة تفضل الأوساط المائية.
وصف الجرثوم Microbiology: الفيلقية عصية سلبية الغرام، هوائية، يحتاج نموها إلى أوساط خاصة كوسط خلاصة الخميرة بالفحم الدارئ buffered charcoal yeast extract media . (وسطBCYE ) يضم جنس الفيلقيات نحو خمسين نوعاً، وتعد الفَيلَقِيَّةُ المُسْتَرْوِحَة pneumophila .L السبب الأكثر شيوعاً لحدوث الخمج في الإنسان (نحو 80 % من الحالات).
تعيش الفيلقيات عادة في الأوساط المائية العذبة الطبيعية والصنعية مثل شبكات المياه، وهي تنمو على نحو أفضل في درجات حرارة بين (300 و 420) وفي وجود الركودة والترسبات وبعض الطفيليات كالأوالي والأشنيات.
السراية والوبائيات transmission and epidemiology: تنتقل الفيلقية إلى الإنسان على نحو رئيسي باستنشاق قطيرات المياه الحاوية الجرثوم؛ ولا سيما المياه المنبثقة عبر ضغط مرتفع من أجهزة الإرذاذ المختلفة مثل أجهزة التبريد بالإرذاذ، أو الاستحمام، أو أجهزة الإرذاذ التنفسي وغيرها من وسائل الإرذاذ المائي. ويشير العديد من الدراسات إلى أن الفيلقية تلوث نحو 20 - 70% من شبكات المياه الداخلية في المستشفيات ودور الرعاية والفنادق في مناطق مختلفة من العالم، كما لوحظ أن معظم الفاشيات التي سجلت بداء الفيالق حدثت في هذه الأماكن. وتؤلف الفيلقية جزءاً مهماً من أسباب ذات الرئة اللانموذجية المكتسبة في المجتمع.
الإمراض: يرتبط الجرثوم بعد استنشاقه بخلايا الظهارة التنفسية والبلاعم السنخية؛ إذ تستطيع الفيلقية البقاء حية ضمن البلاعم وذلك بسبب قدرتها على تثبيط التحام الجسيم البالع phagosome (اليبلوع) بالجسيم الحال lysosome (يحلول) ضمن البلاعم، كما تمتلك الفيلقية عوامل فوعة أخرى كإفراز بعض الذيفانات الخارجية السامة للخلايا، إضافة إلى الذيفان الداخلي. وللمناعة الخلوية شأن مهم في دفاع الجسم تجاه الفيلقية، لذا يعد ضعف المناعة الخلوية عاملاً مؤهباً لحدوث الخمج بالفيلقية واستفحاله. كما يعد التقدم في السن والتدخين وأمراض الرئة المزمنة من العوامل المؤهبة لحدوث الخمج بالفيلقية.
التظاهرات السريرية: للإصابة بالفيلقية -ولا سيما الفيلقية المستروحة - شكلان سريريان رئيسيان هما: ذات رئة غير نموذجية ( داء الفيالقة)، وحمى بونتياك.
الشكل (7): صورة صدر مريض مصاب بداء الفيالقة |
- داء الفيالق: هو الشكل الأكثر شيوعاً للخمج ولا سيما حين وجود عوامل مؤهبة كالتقدم في السن والتدخين وأمراض الرئة المزمنة، ويتظاهر بالحمى الشديدة والسعال الجاف أو السعال المنتج لقشع مدمى، مع زلة تنفسية وألم صدري. وقد تظهر أحياناً بعض الأعراض الهضمية كالإسهال والقياء، وفي الحالات الشديدة تظهر بعض الاضطرابات العصبية. تبدي صورة الرئة الشعاعية بؤراً ارتشاحية منتشرة غير نوعية، وقد يظهر تصلد (تكثف) consolidation في بعض الأحيان الشكل (7).
- حمى بونتياكPontiac fever : بعد حدوث فاشية داء الفيالق في فيلادلفيا بوقت قصير سجلت حالات عديدة من مرض خفيف يشبه النزلة الوافدة في مدينة بونتياك الأمريكية سببه الخمج بالفيلقية؛ دعي حمى بونتياك، ويتظاهر بالحمى الخفيفة والصداع والتعب من دون وجود أعراض رئوية واضحة، ويصيب غالباً اليفعان والأعمار المتوسطة، وهو يشفى طوعياً ولا يحتاج إلى علاج نوعي.
التشخيص: التشخيص النوعي لداء الفيالق ضروري من أجل البدء بالمعالجة النوعية المبكرة التي قد تكون منقذة للحياة، ولا سيما حين يكون المرض شديداً وفي الأشخاص الذين لديهم عوامل خطورة. ويتم التشخيص بزرع القشع أو غسالة القصبات على الأوساط الخاصة بالفيلقية (كوسط BCYE), كما توجد اختبارات سريعة لتحري مستضدات الفيلقية في البول وفي المفرزات التنفسية؛ وهي ذات نوعية وحساسية جيدة، وتفيد في التحري السريع عن الفاشيات ولا سيما في المستشفيات، ويمكن إثبات التشخيص باختبار PCR. أما الاختبارات المصلية لكشف الأضداد فهي أقل أهمية من اختبارات تحري المستضدات؛ لأن إيجابيتها تظهر متأخرة نسبياً، وتستخدم عادة في حالات التقصي الوبائي.
المعالجة: من الضروري البدء بالمعالجة المبكرة في داء الفيالق الرئوي ولا سيما في الحالات الشديدة وبوجود عوامل الخطورة؛ إذ يبلغ معدل الوفيات بين 15 و 30%، ويستخدم حالياً أحد الفلوروكينولونات التي تستخدم في أخماج الجهاز التنفسي مثل الليفوفلوكساسين بجرعة 500 ملغ أو750 ملغ مرة واحدة يومياً مدة 10-15 يوماً وسطياً، أو الأزيترومايسين بجرعة أولية 1 غرام ثم 500 ملغ يومياً مدة عشرة أيام، وتوفر هذه الصادات أيضاً تغطية جيدة لأهم العوامل المسببة لذات الرئة المكتسبة مجتمعياً وذات الرئة اللانموذجية. ويعتمد إنذار المرض على شدة الإصابة ووجود عوامل الخطورة والبدء المبكر بالعلاج.
الوقاية: لا يوصى بعزل المرضى بداء الفيالق نظراً لعدم وجود دلائل على انتقال العدوى مباشرة من شخص إلى آخر. ويفيد تطهير مياه الشرب والاستحمام والتبريد دورياً ولا سيما في المؤسسات الكبيرة مثل المستشفيات ودور الرعاية والفنادق وغيرها. ويستخدم لهذا الغرض ثاني أوكسيد الكلور، أو التأين ionization بإيونات النحاس والفضة، أو التسخين إلى درجات مرتفعة.
عزل Gessardالزائفة الزنجارية pseudomonas aeruginosa (P.A) -أو العصيات الزرق كما كانت تسمى سابقاً - أول مرة منذ أكثر من مئة عام؛ من قيح ذي لون أخضر مزرق. وهي تنتمي إلى جنس الزوائف الذي يضم أكثر من 200 نوع جرثومي معظمها رمام ينتشر في البيئة ولاسيما البيئات المائية والرطبة، وبعض أنواعها يصيب النباتات أو الحشرات والحيوانات. وأهم ما يميز الزوائف هو قدرتها الشديدة على التكيف مع الظروف المحيطة بسبب قدراتها الحيوية الكيميائية الكبيرة؛ إذ يستطيع بعض أنواع الزوائف استخدام أكثر من 100 مركب عضوي في الطبيعة مصدراً رئيسياً للكربون، وكثيراً ما يسبب نشاطها الكيميائي الزائد الفساد السريع للأطعمة والمواد الغذائية التي تلوثها. وللزائفة الزنجارية شأن مهم في طيف واسع من الأخماج التي تصيب البشر كإنتان الدم عند الوليد وأخماج الحروق والأخماج البولية والرئوية ، وتوصف بأنها جراثيم انتهازية تستغل أي اضطراب موضعي أو عام في عوامل الدفاع والمناعة المختلفة لتسبب المرض، وتنتشر الزائفة حالياً وعلى نحو متزايد في أوساط المستشفيات. حيث تعد من أهم الجراثيم المسؤولة عن الأخماج المكتسبة، ومما يزيد من خطورتها قدرتها المتنامية على مقاومة العديد من الصادات.
الشكل (8): يظهر اللون الأزرق المخضر لمستعمرات الزائفة الزنجارية. |
وصف الجرثوم: الزوائف عصيات سلبية الغرام، هوائية، متحركة، غير مبوغة وليس لها محفظة حقيقية، مع أن بعض الذراري قد تفرز طبقة رقيقة من المخاط تحيط بالجرثوم. تنمو الزائفة الزنجارية بسهولة على الأوساط العادية وبدرجة حرارة من 10-40 ْم ، تتصف مستعمراتها على الغراء العادي بلمعتها المعدنية ورائحتها المميزة التي تشبه رائحة زهر الأكاسيا، وتكون مستعمرات الذراري المفرزة للمخاط مخاطية القوام أيضاً (الشكل 8). تفرز الزائفة الزنجارية عدداً من الملونات أهمها البيوسيانين الذي يكسب المستعمرات لونها الأزرق المخضر المميز، وتمتاز بقدرتها على البقاء والنمو في الأوساط الفقيرة كماء الصنبور، وبمقاومتها الشديدة لكثير من المطهرات؛ إذ تستطيع أن تنمو أحياناً ضمن بعض المحاليل المطهرة، وعلى سطح قطع الصابون المستخدم في غسيل الأيدي ولاسيما في المستشفيات.
الإمراض: مع انتشار الزوائف الزنجارية انتشاراً واسعاً وامتلاكها بعض عوامل الفوعة كالقدرة الكبيرة على الالتصاق، وإفراز بعض الذيفانات، بيد أنها نادراً ما تسبب أخماجاً أولية في الأشخاص أسوياء المناعة، فالجرثوم ليس غازياً وفوعته ضعيفة نسبياً، لكنه يعد مثالاً للجرثوم الانتهازي الذي تتعلق إمراضيته على نحو أساسي بالظروف المؤهبة في المضيف. والأخماج التي يحدثها في المجتمع خارج المستشفى هي غالباً أخماج سطحية وقليلة الشيوع. أما أخماج المستشفيات فهي الأكثر شيوعاً والأشد خطورة وتنوعاً ولا سيما أنها مرتبطة بثوي لديه اضطراب في العوامل الدفاعية الموضعية كالحروق أو الداء الليفي الكيسي، أونقص المناعة العامة كالمصابين بنقص العدلات والمثبطين مناعياً. كما يساهم وجود الأجسام الصنعية داخل العضوية -كالقثاطر وأجهزة التنبيب والتهوية الآلية (الميكانيكية)- في حدوث الأخماج بالزائفة الزنجارية. ونظراً لتوفر العوامل السابقة الذكر في مرضى المستشفيات، ولانتشار الزائفة الكبير في هذه البيئة؛ فإنها تعد حالياً عاملاً مهماً في معظم أخماج المستشفيات، يضاف إلى ذلك المقاومة المتعددة للصادات التي تبديها معظم ذراريها، ولا سيما منها المعزولة في المستشفيات. ومما يساعد على زيادة انتشار الأخماج الانتهازية التي تسببها الزوائف الزنجارية أو غيرها من الجراثيم الانتهازية في المستشفيات العوامل الآتية:
-1 استخدام كميات كبيرة من الصادات والمطهرات استخداماً عشوائياً وغير مدروس يؤدي إلى عملية انتخاب أنواع جرثومية وذراريّ مقاومة.
-2 استخدام كابتات المناعة في معالجة الكثير من الأمراض على نحو متزايد.
-3 ازدياد نسبة زرع الأعضاء أو البدائل الصنعية.
-4استخدام الوسائل الاستقصائية أو العلاجية الراضة استخداماً متزايداً، كما في بعض الأمراض البولية أو الصدرية أو في أقسام الإنعاش والعناية المركزة.
إضافة إلى أخماج المستشفيات قد تسبب الزوائف أحياناً بعض الأخماج المكتسبة في المجتمع community acquired infections ، مثل التهاب الأجربة الشعرية وذات الرئة والتهاب الشغاف؛ ولا سيما في متعاطي المخدرات حقناً، والتهاب الأذن الظاهرة؛ ولا سيما بعد السباحة في المياه العذبة.
التظاهرات السريرية: تسبب الزائفة عدداً من الأخماج - ولا سيما في المستشفيات -أهمها:
ذات الرئة: لا تختلف سريرياً عن ذوات الرئة الجرثومية القيحية الأخرى فهي تتصف بالحمى والعرواءات والسعال المنتج لقشع قيحي مع حالة عامة سيئة غالباً. ومع أن ذات الرئة بالزوائف تحدث غالباً في مرضى المستشفيات ولا سيما في أقسام العناية المشدَّدة، بيد أنها قد تحدث أيضاً خارج المستشفيات في المضعفين مناعياً؛ أو المرضى المصابين بتشوهات تشريحية أو وظيفية رئوية مثل المصابين بالداء الليفي الكيسي أو أمراض الرئة السادة.
أخماج الجلد والأنسجة الرخوة: تحدث غالباً بعد الحروق أو الرضوض ولا سيما بعد تلوثها بماء ملوث يحوي الزوائف، أو أخماج قرحات الفراش، أو الطعوم الجلدية. وقد تسبب الزوائف التهاب الأجربة الشعرية والدمامل؛ ولاسيما بعد استعمال الماء الساخن الملوث مدة طويلة.
أخماج السبيل البولي: تعد الزائفة من الأسباب الشائعة لحدوث الخمج البولي في المستشفيات (ثالث أكثر الأسباب شيوعاً) ولاسيما حين وجود عوامل مؤهبة كوجود القثاطر المديد؛ والتداخلات الرضية على السبيل البولي؛ والتشوهات التشريحية، ويتظاهر سريرياً بتعدد البيلات وعسر التبول والألم والحرقة حين التبول.
إنتان الدم septicemia: يرافق غالباً الاضطرابات المناعية والحروق الشديدة ووجود القثاطر الوريدية المركزية والمعالجة المديدة بالصادات. سريرياً يشبه إنتان الدم المسبب بسلبيات الغرام الأخرى والذي قد ينتهي بالصدمة الإنتانية وقصور الأعضاء المتعدد. وقد يرافق إنتان الدم بالزوائف حدوث إِكْثيمَة غَنْغَرِيْنِيَّة .Ecthyma gangrenosum
أخماج الأذن والعين: تسبب الزائفة الزنجارية العديد من أخماج الأذن مثل التهاب الأذن الظاهرة الحميد (أذن السباحين)؛ إذ تعد السبب الأكثر شيوعاً له، وهو يحدث بالسباحة في الماء العذب والأجواء الرطبة الدافئة؛ أو التهاب الأذن الظاهرة الخبيث (الشكل 9) الذي يحدث غالباً في كبار السن ولا سيما السكريين ويعد من الأخماج الخطرة، كما تعد الزوائف سبباً شائعاً لالتهاب الأذن الوسطى القيحي المزمن. وقد تسبب الزائفة أحياناً أخماجاً عينية بسيطة أو خطرة مثل الْتِهاب الجَفْنِ والمُلْتَحِمَة blepharoconjunctivitis والتهاب الكيس الدمعي dacryocystitis والتهاب الهَلَلِ الحَجاجِيُّ orbital cellulitis، وقد يحدث بعضها بعد التداخلات الجراحية على العين، وأخطرها الْتِهابُ بَاطِنِ المُقْلَة endophthalmitis، كما قد تسبب التهاب القرنية نتيجة وجود العدسات اللاصقة أحياناً.
الشكل (9): التهاب الأذن الظاهرة الخبيث بالزوائف |
وقد تسبب الزوائف نادراً أخماجاً عصبية مثل التهاب السحايا أو الدماغ، وهي تحدث غالباً حين وجود رضوض مفتوحة أو اضطرابات مناعية شديدة.
التشخيص: تشخص الزائفة الزنجارية بزرع العينات المختلفة (قيح ، قشع ، دم ، بول وغيرها) بحسب موضع الخمج، ولا يسبّب استفراد الجرثوم وتحديد هويته مشكلة من الناحية العملية؛ إذ يمكن إجراؤه في معظم المخابر العادية، ولكن تحديد هوية الجرثوم لا يكفي في معظم الحالات للبدء بالمعالجة؛ إذ لا بد من إجراء اختبار التحسس للصادات نظراً لمقاومة معظم ذراري الزائفة لعدد كبير من الصادات شائعة الاستخدام.
المعالجة: تتميز معظم ذراري الزائفة الزنجارية - ولا سيما ذراري المستشفيات - بمقاومة الصادات المتعددة، مما يجعل معظم أخماجها صعبة المعالجة، وتقوم مبادئ معالجة أخماج الزوائف - ولاسيما الخطرة- على المبادئ التالية:
- البدء المبكر بالمعالجة التخبرية المناسبة، وغالباً ما تكون معالجة مشاركة نظراً لاحتمال المقاومة .
-تنظيف البؤر القيحية وتفجير الخراجات وتطهيرها جيداً وإزالة القثاطر وأنابيب التنبيب التنفسي أو تغييرها بأخرى عقيمة.
-إجراء الزرع والتحسس لتحديد الصاد المناسب بهدف تعديل المعالجة التخبرية إذا لزم الأمر.
وثمة مجموعة من الصادات يستخدم أحدها في المعالجة التخبرية لأخماج الزائفة أهمها:
-ببيبراسلين- تازوبكتام (4.5 غ كل 6 ساعات).
-سيفتازيديم أو سيفيبيم (2غ كل 8 - 12 ساعة).
-أزيترونام 2 غ كل 8 ساعات
-إيميبنيم 500 (ملغ كل 6 ساعات أو ميروبينيم 1غ كل 8 ساعات).
-ليفوفلوكساسين (750 ملغ يومياً).
ويضاف عادة أحد الأمينوغليكوزيدات (جنتامايسين أو أميكاسين) في الأخماج الشديدة والخطرة، ولا يفضل إعطاء الأمينوغليكوزيدات مفردة في هذه الحالات.
ويعد الكولستين (بوليميكسين E) الخيار الأخير في معالجة أخماج الزائفة متعددة المقاومة والتي قد لا تستجيب للعلاج بالصادات السابقة.
وصف Bruc البروسيلة Brucella عام 1877 حين عزلها من طحال طفل مالطي توفي بالحمى وسميت باسمه، وسمي أحد أنواعها بالمالطية نسبة إلى الطفل المالطي. وهي جرثوم ينتشر بين أنواع مختلفة من الحيوانات- ولاسيما الآهلة كالأبقار والأغنام والماعز والجمال- وتسبب لها أشكالاً مختلفة من المرض يسمى داء البروسيلات Brucellosis، وقد يصيب داء البروسيلات البشر عرضاً حين تماسهم مفرزات الحيوانات المصابة؛ أو استهلاكهم بعض منتجاتها المحتوية على الجرثوم. تتوطن البروسيلة في مناطق مختلفة من العالم - ولا سيما البلدان التي أخفقت في استئصال المرض بين الحيوانات - مثل منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ومنطقة الخليج، والهند، وبعض مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية.
وصف الجرثوم:
البروسيلة عصية صغيرة، سلبية الغرام وغير متحركة، ليس لها محفظة ولا أبواغ، معظم أنواعها هوائية ولكن تنمو بعض أنواعها على نحو أفضل بوجود غاز الكربون بنسبة 5-10 %، ويحتاج نموها إلى أوساط خاصة يضاف إليها الدم أو المصل؛ وهي بطيئة النمو يحتاج ظهور مزارعها إلى عدة أيام. تتلف البروسيلات بالدرجة 60 مئوية بمدة عشر دقائق، كما تتلف ببسترة الحليب أو غليه، وهي حساسة للحموضة ولأشعة الشمس المباشرة، لكنها تستطيع البقاء في التراب وروث الحيوانات المصابة فترات مختلفة قد تصل إلى أسابيع ولا سيما في الأماكن الرطبة البعيدة عن التعرض المباشر لضوء الشمس، كما تبقى حية في الحليب مدة يومين في الدرجة 8 مئوية، ونحو ثلاثة أسابيع في اللحم المجمد، ويمكن كشفها في الزبدة أو الجبنة البيضاء النيئة بعد أسابيع من صنعها من حليب ملوث بها، لكن قد تقضي عليها الملوحة الزائدة بمدة أسبوع.
للبروسيلة ستة أنواع رئيسية تنتشر بين الحيوانات ولا سيما الآهلة وحيوانات المراعي، كما قد تصيب الكلاب وحيوانات أخرى. والأنواع ذات الأهمية الطبية للإنسان هي:
- البروسيلة المالطية B.melitensis وتصيب الماعز والمجترات الصغيرة .
- البروسيلة المجهضة B.abortus وتصيب الأبقار غالباً.
- البروسيلة الخنزيرية B.suis وتصيب الخنازير.
-البروسيلة الكلبية B.canis وتصيب الكلاب.
وتحدث معظم الإصابات البشرية بالبروسيلة المجهضة والمالطية.
الوبائيات:
تنتشر الإصابات الحيوانية بالبروسيلة في مناطق عديدة من العالم وبنسب مختلفة؛ إذ تقل نسبة حدوثها كثيراً أو تنعدم في الدول المتقدمة حيث تم القضاء تقريباً على المرض بين الحيوانات، ولكنها تزداد مع توطن واضح في الدول النامية؛ مثل منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ومنطقة الخليج والهند وبعض مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية (الشكل10).
الشكل (10): أماكن انتشار وتوطن داء البروسيلات عالمياً |
وقد أخفقت حتى الآن الجهود في القضاء على المرض بين الحيوانات في معظم هذه المناطق، وتؤدي الإصابة الحيوانية غالباً إلى الإجهاض ولا سيما في الأبقار والأغنام والماعز بإحداثها خمجاً في جهازها التناسلي؛ مع العلم أن هذا الخمج قد لا يكون أحياناً ظاهراً سريرياً. توجد البروسيلة في معظم مفرزات الحيوان المصاب؛ كسوائل المشيمة ونواتج الإجهاض والبول والحليب، ومنها تنتقل إلى الحيوانات الأخرى أو الإنسان؛ إذ إن المرض في الإنسان مرتبط بوجوده في الحيوان. وتتم العدوى البشرية غالباً حين تماس الحيوانات المصابة ومفرزاتها كما يحدث في المتعاملين مع الحيوانات على نحو مباشر كمربي الحيوانات وعمال المسالخ والجزارين والبيطريين والمخبريين الذين قد ينتقل إليهم الجرثوم بالتماس المباشر أو بالطريق التنفسي أحياناً، كما قد ينتقل الجرثوم إلى الإنسان على نحو غير مباشر باستهلاك الحليب غير المبستر أو غير المغلي ومشتقاته النيئة كالجبن والقشدة النيئة، وكثير من الحالات المشاهدة في هذه البلاد تعود إلى استخدام هذه المشتقات. وليس ما يدل على انتقال العدوى بالبروسيلات من إنسان إلى آخر، والحوادث العائلية التي تحدث أحياناً - ولا سيما في مناطق توطن المرض- غالباً ما تعود إلى الاشتراك في استهلاك الأغذية الحيوانية الملوثة بالجرثوم.
الإمراضية: تدخل البروسيلة الجسم بالطريق الهضمي أو التماس المباشر أو بطريق الأغشية المخاطية أحياناً، وتنتقل بوساطة الدم إلى العقد اللمفاوية حيث تتعرض لعملية البلعمة التي قد ينجو منها بعض الجراثيم التي تثبط عملية التحام الجسيم البالع phagosome بالجسيم الحال lysosome داخل البلاعم، لتتابع تكاثرها فيها، لذا تعد البروسيلات جراثيم داخل خلوية، و تنتقل من الخلية المصابة إلى الخلايا المجاورة حين انحلال الأولى وتخربها، وتعد قدرة البروسيلة على البقاء حية ضمن البلاعم من أهم عوامل الإمراضية عندها؛ إذ لا تملك عوامل فوعة تقليدية كوجود المحفظة أو إفراز الذيفانات، ولكن لعديد السكريد الشحمي LPS شأن مهم في دخول الجرثوم إلى البلاعم وبقائها ضمنها، كما يساهم في إحداث الارتكاس الالتهابي في النسج المصابة والذي هو ارتكاس التهابي حبيبومي ولكن من دون تجبن كما في السل.
تنتشر البروسيلة من بؤر الخمج الأولية إلى الدوران اللمفاوي والدموي ضمن البالعات المخموجة مسببة خمجاً لمفاوياً دموياً تنجم عنه أعراض عامة، وقد يتخلص الجسم منها بعد ذلك بوساطة الجهاز الشبكي البطاني، أو تبقى بعض الجراثيم مختفية ضمن البلاعم ومحمية من عوامل المناعة والصادات، مما يفسر إزمان الخمج في بعض الحالات، كما يفسر بقاءها وانتقالها ضمن البلاعم قدرتها على تشكيل بؤر ثانوية تحت حادة أو مزمنة أو حدوث النكس.
للمناعة الخلوية الشأن الأهم في مقاومة الخمج بالبروسيلة؛ إذ يعتمد التخلص من البروسيلة في الجسم على تفعيل البلاعم، والخلايا التائية المساعدة Th1، وإنتاج الإنترفرون غاما IFN-gamma، والعامل ألفا المنخر للورم TNF-alpha، كما تقوم الخلايا التائية السامة بالتخلص من معظم الخلايا المخموجة، ومن ثمّ فإن أيّ خلل أو اضطراب في الآليات السابقة قد يساعد على حدوث الإزمان أو النكس. كما يُنتج الجسم أضداداً من نوع IgM و IgG وIgA، والأضداد من نوع IgM هي الأسبق بالظهور؛ إذ تظهر خلال أيام من بدء الخمج لتنخفض بشدة خلال أسابيع، يليها في الظهور الأضداد من نوع IgG؛ إذ يستمر وجودها فترة طويلة مع الانخفاض عند الشفاء وفي الطور المزمن، وتشير عودة ارتفاعها بعد فترة من الإصابة الأولى إلى النكس، والملاحظ أن هذه الأضداد لا تكسب مناعة سريرية ثابتة مما يفسر النكس؛ ومما يفسر النكس أو الإزمان أيضاً وجود الجرثوم داخل البالعات بعيداً عن عوامل المناعة الخلطية.
التظاهرات السريرية: داء البروسيلات (ويدعى أيضاً الحمى المالطية) مرض جهازي تسيطر فيه الأعراض العامة ولا سيما في المرحلة الحادة، وتراوح الإصابات سريرياً بين إصابات لا عرضية وخفيفة إلى مميتة في بعض الحالات، ويكون المرض في الأطفال أقل شدة وخطورة منه في البالغين والكبار. والإصابة بالبروسيلة المالطية عادة أكثر شدة من الإصابة بالبروسيلة المجهضة.
-1 داء البروسيلات الحادacute brucellosis : تبلغ فترة الحضانة حين الإصابة بداء البروسيلات نحو أربعة أسابيع، وقد تمتد أكثر من ذلك في بعض الحالات. ويتصف المرض بحدوث حمى مخاتلة تأخذ الشكل المتموج غالباً مع أعراض عامة مختلفة الشدة تشمل التعرق الليلي الذي يتميز برائحة قوية، والوهن والتعب والآلام العضلية والمفصلية، ولا سيما ألم أسفل الظهر. ويلاحظ نقص الشهية نقصاً واضحاً قد يؤدي إلى نقص الوزن إذا طالت فترة المرض، وقد يحدث ألم بطني وضخامة طفيفة في الكبد والطحال والعقد اللمفاوية في بعض المرضى. كما قد يعاني بعض المرضى تغيراً في المزاج واكتئاباً ولا سيما إذا طالت فترة المرض.
الشكل (11): التهاب مفصل الركبة في سياق الإصابة بداء البروسيلات |
تتراجع الهجمة الحادة بعد 3-4 أسابيع أو أكثر ولكن الحمى قد تعود في بعض الأحيان، وقد تحدث في نحو 30 % من المرضى بعض التظاهرات السريرية النوعية نتيجة توضعات بؤرية للخمج في بعض أجهزة الجسم أهمها:
- تظاهرات عظمية مفصلية: شائعة قد تصل نسبتها إلى 20% من الحالات ولاسيما في المفصل العجزي الحرقفي. والمفاصل الكبيرة للطرف السفلي (الشكل 11)، كما قد يحدث التهاب فقار spondylitis في كبار السن في الحالات التي يتأخر فيها العلاج، وتصاب الفقرات القطنية غالباً، وقد ترافقها أحياناً خراجات باردة حول الفقرات والتهاب قرص فقري discitis.
- تظاهرات تناسلية بولية: تحدث في نحو 5-20 % من الحالات، وتشمل التهاب الخصية والبربخ؛ وأقل منه التهاب المثانة أو التهاب الكلية.
-تظاهرات عصبية: تحدث بنسبة 2-7 % من الحالات، وتشمل التهاب السحايا الحاد أو المزمن؛ ونادراً التهاب الدماغ.
- تظاهرات جلدية: تحدث بنسبة قد تصل إلى 10% من الحالات، وتشمل الطفح الجلدي الذي قد يكون لطخياً patchy أو لطخياً حطاطياً أو بشكل حُمامى عُقٍدة erythema nodosum، كما قد تحدث تقرحات أو خراجات.
- تظاهرات رئوية: تحدث في نحو 5% من المرضى، وتشمل التهاب القصبات وذات الرئة الخلالية interstitial pneumonitis أو الفصية، وقد يحدث انصباب جنب.
-تظاهرات قلبية: نادرة وتشمل التهاب الشغاف endocarditis والتهاب العضلة القلبية أو التهاب التأمور، ويعد التهاب الشغاف أخطرها والسبب الأكثر شيوعاً للوفاة بين مضاعفات داء البروسيلات.
- تظاهرات عينية: أكثرها شيوعاً التهاب القزحية uveitis، وقد يحدث التهاب ملتحمة وقرنية keratoconjunctivitis أو التهاب مشيمية .choroiditis
النكس: قد يحدث النكس في داء البروسيلات في نحو 5 - 15% من الحالات، ويحدث غالباً في الأشهر الستة الأولى إلى السنة من نهاية الطور الحاد من المرض حتى في الحالات المعالجة. ويعزى سبب النكس في هذه الحالات إلى أن المعالجة غير ملائمة، أو أن مدتها غير كافية، أو نتيجة وجود توضعات بؤرية للمرض لم تشف في أثناء العلاج. أما النكس بسبب مقاومة الجرثوم للصادات فنادر. تشير بعض الدراسات إلى احتمال وجود بعض العوامل التي تزيد من احتمال النكس؛ منها: إيجابية زرع الدم، ودرجة حرارة أكثر من 38 درجة، وبقاء الأعراض عشرة أيام أو أكثر قبل البدء بالعلاج. في بعض الأحيان - ولاسيما في المناطق التي يحدث فيها تعرض متكرر للبروسيلة - قد يصعب التفريق سريرياً بين النكس وتكرر الإصابة.
-2 داء البروسيلات المزمن chronic brucellosis: يعرف داء البروسيلات المزمن بأنه استمرار وجود تظاهرات المرض السريرية فترة أكثر من سنة منذ وضع التشخيص الأولي للداء. يتصف داء البروسيلات المزمن غالباً بالأعراض الموضعية نتيجة التوضع البؤري للخمج المزمن؛ إذ يبدو بشكل التهاب فقرات، أو ذات عظم ونقي، أو خراجات نسجية، أو التهاب قزحية، وقد يكون للأعراض شكل الداء الناكس في بعض المرضى ولا سيما المرضى الذين لديهم معطيات واضحة للإصابة كارتفاع عيار الأضداد الواضح أو إيجابية زرع الدم.
قد يبدو الشكل المزمن في بعض الحالات بمظهر آلام معاودة في أسفل الظهر، أو آلام مفصلية، أو تعرق، أو تعب؛ وقد تظهر في بعض الحالات علامات اضطراب نفسي عصبي (همود، اكتئاب، تغير في المزاج).
التشخيص: يوضع التشخيص في داء البروسيلات بناء على المعطيات السريرية والمخبرية والوبائية، ولا توجد مؤشرات نوعية تقدمها الاختبارات الدموية المنوالية (الروتينية)، فتعداد الكريات البيض يكون طبيعياً أو ناقصاً قليلاً، وقد يرتفع عيار الإنزيمات الكبدية قليلاً. وفي داء البروسيلات العصبي يلاحظ وجود كريات بيض في السائل الدماغي الشوكي (10- 200 خلية) أغلبها وحيدات نوى؛ مع ارتفاع البروتين وانخفاض السكر، ويعد ارتفاع مستويات إنزيم أدينوزين ديميناز adenosine deaminase في السائل الدماغي الشوكي مؤشراً على الخمج السحائي بالبروسيلة أو السل.
تفيد الإجراءات التشخيصية الشعاعية المختلفة في التوجيه نحو وجود إصابات بؤرية، لكنها لا تفيد في تشخيص المرض تشخيصاً نوعياً.
تتضمن الوسائل المخبرية للتشخيص النوعي: الزرع والاختبارات المصلية وكشف الحموض النووية الجرثومية بوساطة PCR .
الزرع الجرثومي: يعد عزل البروسيلة من الدم أو نقي العظام أو بعض سوائل الجسم وأنسجته مشخصاً للمرض. ويزرع الدم لكشف البروسيلة باستخدام تقنيات زرع الدم المؤتمتة والتي تعد الأفضل، وتصل إيجابية الزرع إلى نحو 70%، ويتطلب ظهور النتائج مدة ما بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، لكن زرع الدم لا يعد طريقة مثالية لتشخيص الإصابة بالبروسيلات نظراً للوقت الطويل الذي تستغرقه العملية والحساسية غير المرتفعة للإجراء؛ إضافة إلى المتطلبات التقنية والفنية التي قد لا تكون متوفرة في معظم المراكز الطبية ولاسيما في مناطق توطن المرض.
يعد زرع نقي العظام الاختبار المعياري لتشخيص داء البروسيلات، فهو أكثر حساسية من زرع الدم ولا سيما في الحالات المزمنة، كما أن الوقت الذي يتطلبه ظهور النتيجة أقصر. ولا يؤثر تناول الصادات المسبق كثيراً في نتيجة الزرع، ولكن لصعوبة الحصول على نقي العظم وخطورته بوصفه إجراءً غازياً؛ فإنه نادراً ما يُلجأ إليه إلا في حالات خاصة صعبة التشخيص بالوسائل الأخرى.
الاختبارات المصلية: يمكن مبدئياً وضع تشخيص الإصابة بالبروسيلة حين ارتفاع الأضداد النوعية في المصل، لكن تفسير النتائج يكون صعباً أحياناً ولا سيما في حالات الإزمان أو النكس أو تكرر الإصابة. كما يلاحظ في مناطق التوطن أن كثيراً من الأشخاص لديهم مستويات مختلفة من الأضداد نتيجة التعرض السابق؛ إذ تبقى الأضداد موجودة في المصل فترة طويلة بعد التعرض أو الإصابة السريرية - حتى المعالج منها - لذا يصعب التفريق أحياناً بين الإصابات القديمة والحديثة، ويلجأ حينئذ إلى عيار الأضداد أكثر من مرة. ومع ذلك مازالت الاختبارات المصلية هي الأكثر استخداماً في مناطق توطن المرض نظراً لصعوبة الزرع الجرثومي ومتطلباته التقنية والمادية التي قد لاتتوفر حالياً في معظم تلك المناطق.
هناك عدد من الطرق المصلية المستخدمة في تحري أضداد البروسيلة في المصل والموجهة غالباً تجاه مستضدات جدارية جرثومية، أكثرها شيوعاً:
> اختبار التراص Serum agglutination test .
> مقايسة الممتز المناعي المرتبط بالإنزيمELISA (enzyme-linked immunosorbent assay) .
> اختبار وردية البنغالRose Bengal test .
> اختبار كومبس Coombs test .
> اختبار التراص بالالتقاط المناعي Immunocapture- agglutination test (Brucellacapt): يعد اختبار التراص agglutination -الذي يدعى تفاعل رايت (Wright test)- أكثر الاختبارات المصلية استخداماً في تشخيص داء البروسيلات ولا سيما في مناطق توطن المرض، وغالباً ما يعدّ مرجعاً معيارياً تقارن به بقية الطرائق المصلية الأخرى، ويعد ارتفاع عيار الأضداد بهذه الطريقة إلى أربع أمثال أو أكثر خلال أسبوعين مؤشراً قوياً على وجود الخمج الحاد، لكن الشائع من الناحية العملية اعتماد إيجابية الاختبار بتمديد 80/1 مشخصاً في المناطق التي لا يتوطن فيها المرض، وإيجابية الاختبار بتمديد 160/1 مشخصاً في مناطق توطن المرض؛ ولا سيما مع وجود مؤشرات سريرية أو وبائية واضحة، وتعتمد بعض المراجع إيجابية التمديد 320/1 مؤكداً للتشخيص في مناطق توطن المرض. ويفضل الجمع بين المعطيات السريرية والوبائية والمخبرية حين وضع التشخيص النهائي واتخاذ قرار البدء بالمعالجة.
تعد مقايسة الممتز المناعي المرتبط بالإنزيم ELISA الطريقة الثانية من حيث الشيوع والاستخدام في تشحيص داء البروسيلات المصلي، وهي تتصف بالنوعية والحساسية الجيدة، كما يمكن بوساطتها كشف الأضداد من نوع IgM وIgG، بيد أنها تواجه بعض المشاكل ولا سيما فيما يتعلق بالمعيارية، كما أن تطلبها لبعض المعدات والتقنيات الخاصة ما زال يجعل طريقة التراص (الأسهل والأرخص) الطريقة الأكثر استخداماً في مناطق توطن المرض. وتستعمل حالياً طريقة المقايسة الإنزيمية باستخدام مستضدات أكثر نوعية (أجزاء من عديد السكاريد الشحمي الجداري، أو بعض بروتينات الهيولى).
يستخدم اختبار التراص على الصفيحة المسمى اختبار وردية البنغال غالباً اختبار نخل screening test في الإنسان والحيوان، ويتميز بالسرعة والنوعية والحساسية الجيدة.
أما اختبار كومبس واختبار التراص بالالتقاط المناعي فيفيدان غالباً في تشخيص النكس أو الخمج المزمن، ويفيد إجراء اختبار التراص بعد معاملة المصل بمادة 2- ميركبتوايتانول mercaptoethanol-2 في معايرة الأضداد من نوع IgG فقط - إذ تخرب هذه المادة الأضداد من نوع IgM - مما يسمح بمتابعة تطور المرض ولا سيما بعد بدء العلاج.
ثمة بعض المآخذ على الطرق المصلية في تشخيص داء البروسيلات، أهمها الإيجابية الكاذبة نتيجة التصالب المناعي مع مستضدات جراثيم أخرى مثل اليرسينية المعوية الكولونية، والإشريكية القولونية، والسالمونيلة وغيرها. كما قد ترى السلبية الكاذبة ولا سيما في بداية الخمج، أو نتيجة ظاهرة طَليعَة المِنْطَقَة (الأضداد المحاصرة) prozone التي قد تحدث في اختبار التراص؛ إذ يكون الاختبار سلبياً في التمديدات المنخفضة نتيجة وجود أضداد حاصرة، أو بعض العوامل غير النوعية في المصل، ويصبح ايجابياً بعد التمديد، لذا ينصح باستخدام تمديدات مرتفعة للمصل حين تكون نتائج اختبار التراص سلبية مع وجود مؤشرات سريرية ووبائية قوية على وجود الإصابة.
التقنيات الجزيئية: يعد تفاعل البوليميراز السلسلي (PCR) اختباراً واعداً في تشخيص داء البروسيلات؛ إذ يمكن إجراؤه على الدم أو أنسجة الجسم الأخرى، ويعطي نتائج إيجابية مبكرة خلال الأسبوع الأول للخمج، لكن استخدام طرق البيولوجيا الجزيئية في التشخيص المنوالي لداء البروسيلات مازال محدوداً نتيجة تطلبها تجهيزات ومواد خاصة يصعب توفيرها مادياً في معظم مناطق توطن المرض.
المعالجة: تهدف معالجة داء البروسيلات إلى ضبط المرض ومنع حدوث النكس والمضاعفات. ويرتكز العلاج على إعطاء صادات فعالة داخل الخلايا -مثل الدوكيسيكلين والريفامبين- واستخدام أكثر من صاد ولفترة طويلة نسبياً.
ثمة نظامان شائعان للعلاج يمكن استخدامهما ولا سيما في الحالات غير المتضاعفة:
-1 دوكسيسيكلين Doxycycline 100 ملغ مرتين يومياً فموياً مدة ستة أسابيع؛ مع ستربتومايسين streptomycin 1غ عضلياً مدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ويمكن استخدام الجنتامايسين (5 ملغ/كغ) بديلاً من الستربتومايسين.
-2 دوكسيسيكلين 100 ملغ مرتين يومياً فموياً؛ إضافة إلى الريفامبين rifampin 600-900 ملغ مرة يومياً (100 ملغ/كغ)، ويستخدم كلا الدوائين مدة ستة أسابيع.
وتشير بعض الدراسات إلى أن فعالية الطريقة الأولى أكبر قليلاً، ومع ذلك يفضل معظم الممارسين - ولا سيما في مناطق توطن المرض - استخدام الدوكسيسيكلين مع الريفامبين نظراً لسهولة الإعطاء (فموياً)؛ والسعر الأرخص نسبياً.
كما أثبتت بعض مركبات الفلوروكينولون (مثل السيبروفلوكساسين، والأوفلوكساسين) فعالية مقبولة تجاه البروسيلة في الزجاج، ويمكن استخدامها علاجاً بديلاً في بعض الحالات (احتمال المقاومة الجرثومية، أوبعض حالات النكس) مشاركة مع الريفامبين أو الدوكسيسيكلين.
وتشير بعض الدراسات إلى فائدة إضافة السلفاميتكسازول - تريميثوبريم إلى المعالجة الثنائية في علاج بعض حالات الإصابة البؤرية أو المتضاعفة أو الناكسة.
ويجب إطالة أمد العلاج إلى ثلاثة أشهر في حالات التوضعات البؤرية ولا سيما التهاب الفقار والتهاب الشغاف وداء البروسيلات العصبى، ويفضل في داء البروسيلات العصبي والتهاب الشغاف بالبروسيلات (وهو مضاعفة نادرة لكنها خطرة) استخدام صاد ثالث كالجنتامايسين إضافة إلى العلاج الثنائي؛ وإطالة فترة العلاج إلى ستة أشهر.
وتعالج الحالات الناكسة بإعادة العلاج فترة كاملة، أما في حالة تكرار النكس فيفضل إعادة النظر في نظام المعالجة واستخدام ثلاثة صادات ولفترة أطول.
أما في النساء الحوامل فيفضل استخدام السلفاميتكسازول - تريميثوبريم مع الريفامبين مدة ستة أسابيع.
وفي حالات إصابة الأطفال بعمر أقل من ثماني سنوات يوصى باستخدام السلفاميتكسازول - تريميثوبريم مع الريفامبين أو الجنتامايسين أو الستريبتومايسين بالجرعات العلاجية المناسبة لأوزانهم ومدة ستة أسابيع.
إخفاق المعالجة: يتمثل إخفاق معالجة داء البروسيلات في عدم اجتثاث الجرثوم من التوضعات البؤرية؛ أو النكس الذي يحدث بنسبة نحو 15% في بعض حالات التهاب الفقار spondylitis، ولا تتعدى الوفيات في الحالات المعالجة على نحو مناسب نسبة 1% .
الوقاية:
يمكن الوقاية من داء البروسيلات في البشر بالحد من انتشاره بين الحيوانات وذلك بكشف حالات الإصابة الحيوانية وذبح الحيوانات المصابة؛ إضافة إلى تلقيح الحيوانات السليمة بلقاح خاص بالبروسيلة، ويحوي اللقاح ذراري من البروسيلة المالطية والمجهضة، ويجب تلقيح قطعان الأبقار والأغنام والماعز وفق برنامج للتلقيح يستمر عدة سنوات متواصلة. وقد أدى تطبيق هذه الإجراءات في كثير من الدول المتقدمة إلى استئصال المرض استئصالاً كاملاً تقريباً من أوساط الحيوانات، لكن تطبيق هذه الإجراءات في الدول التي يتوطن فيها المرض - وأغلبها دول نامية أو فقيرة - تعترضه الكثير من الصعوبات التقنية والمادية، ولذلك مازال استئصال المرض في كثير من هذه المناطق أمراً بعيد المنال.
ومن الإجراءات التي يمكن أن تسهم في الوقاية من حدوث الإصابات البشرية - ولا سيما في مناطق توطن المرض - فصل أماكن ذبح الماشية عن منطقة السلخ والتقطيع، وارتداء الجزارين ثياباً واقية، ومن الإجراءات المهمة أيضاً غلي الحليب أو بسترته قبل استهلاكه، وعدم تناول الجبنة البيضاء - التي تصنع من حليب غير مغلي عادة - قبل غليها، وعلى العموم عدم تناول منتجات الألبان المصنعة من حليب غير مغلي أو غير مبستر. وليس ثمة لقاح بشري حالياً.
تنتمي ضمات الهيضة (الكوليرا) Vibrio cholera إلى جنس الضمات الذي يضم أنواعاً جرثومية عديدة معظمها قاطن طبيعي للمياه العذبة أو المالحة. ويسبب بعضها المرض للإنسان والفقاريات وغير الفقاريات المائية. وتعد ضمة الهيضة أكثرها أهمية للإنسان؛ إذ تسبب مرض الكوليرا (الهيضة) الذي يتصف بحدوث إسهال فجائي شديد قد يؤدي إلى التجفاف والموت خلال ساعات معدودة. وتتوطن الهيضة في بعض مناطق العالم، لكنها قد تتسبب في حدوث أوبئة فتاكة. وقد عرفت منها تاريخياً عدة أوبئة وجائحات خطرة، وفي القرن التاسع عشر انتشرت الكوليرا في جميع أنحاء العالم انطلاقاً من مستودعها الأصلي في دلتا نهر الغانج في الهند. واكتشفها العالم كوخ عام 1884 في الوباء الذي أصاب مصر في ذلك الوقت. وقد كان للمعلومات الطبية التي وفرتها الأبحاث والدراسات حول فاشيات الكوليرا وأوبئتها أثر كبير في فهم آليات التجفاف وطرق معالجته بالإماهة.
وصف الجرثوم: ضمات الهيضة عصيات سلبية الغرام منحنية ومتحركة لوجود هدب قطبي، هوائية ولاهوائية مخيرة، وتنمو على الأوساط العادية، وهي مقاومة للقلوية والملوحة القليلة لكنها غير مقاومة للحموضة، وقد حضرت أوساط زرعية انتقائية لها بالاعتماد على الخواص السابقة. وثمة مجموعتان مصليتان من ضمات الهيضة؛ هما: O1 وO139، تسببان حدوث الفاشيات، وتسبب المجموعة المصلية O1 معظم الفاشيات في أنحاء العالم، أما المجموعة المصلية O139 التي عرفت أول مرة في بنغلادش عام 1992 فينحصر وجودها في جنوب شرقي آسيا. تقسم الزمرة المصلية: O1 إلى نمطين حيويين هما النمط المدرسي (الكلاسيكي) classical ونمط El Tor. ويمكن لمجموعات مصلية غير المجموعتين المصليتين O1 وO139 أن تسبب الإسهال المتوسط الشدة ولكنها لا تسبب حدوث الأوبئة.
العدوى والوبائيات: تتم العدوى بطريق الماء الملوث غالباً والأطعمة الملوثة في بعض الأحيان؛ أو الأيدي والأشياء الملوثة بمفرغات المرضى (البراز والقياء), والمرضى هم المصدر الرئيس للعدوى في أثناء الأوبئة. أما في أماكن توطن المرض فإن المرضى اللاعرضيين (الحملة) هم المستودع الرئيسي للجرثوم، كما أن قدرة ضمات الهيضة على البقاء حية سنوات أحياناً في الأوساط المائية وفي القشريات والرخويات المائية تجعل من هذه الأوساط مستودعات إضافية للجرثوم؛ فتمثل خطراً كامناً وتساهم في نشر العدوى. تعد الهيضة مرضاً متوطناً في بعض المناطق من العالم مثل جنوب شرقي آسيا والهند (دلتا الغانج)، وقد عرفت في التاريخ عدة أوبئة وجائحات خطرة من الهيضة منها جائحة 1816؛ والجائحة التي حدثت في إندونيسيا عام 1961 وانتقلت منها إلى الغرب، وأصاب الوباء إفريقيا وبعض مناطق الشرق الأوسط عام 1970 وأوربا عام 1972 وأمريكا الجنوبية عام 1991، ولكنها كانت أوبئة محددة مقارنة بالجائحات الكبيرة التي كانت تحدث سابقاً. والكوليرا الآن متوطنة في العديد من البلدان؛ إذ حدثت فاشية في زمبابوي عام 2008، وأخرى في هاييتي عام 2010 عقب الزلزال الذي أصاب البلاد.
وثمة صلة وثيقة بين حدوث فاشيات الهيضة وبين الإدارة البيئية والصحية غير الملائمة، والمناطق النموذجية لانتشار المرض هي الأحياء الفقيرة المتاخمة للمدن حيث تنعدم البنية التحتية الأساسية، وكذلك مخيمات المشردين داخلياً أواللاجئين حيث لا يتوفر الحد الأدنى من المياه النقية والإصحاح .restoration
ومن شأن العواقب المترتبة على أي كارثة كالزلازل والحروب -مثل تخرب البنى التحتية وتعطل شبكات المياه والإصحاح، أو نزوح السكان إلى مخيمات مكتظة وغير ملائمة- أن يزيد مخاطر انتشار الهيضة إذا وجد الجرثوم في المنطقة أصلاً أو دخل إليها على نحو طارئ، وأغلب الوافدات والأوبئة السابقة كانت تحدث في هذه الظروف. ويعد حدوث فاشيات الكوليرا مؤشراً مهماً يدل على انعدام التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتدني مستوى الخدمات والإصحاح.
الإمراض: يصل الجرثوم بالطريق الهضمي إلى الأمعاء، لكن معظم الجراثيم المتناولة قد تتلف بحموضة المعدة ، لذا لابد من العدوى بعدد كبير من الجراثيم، مما يجعل الأشخاص ناقصي حموضة المعدة أو متناولي مضادات الحموضة أكثر عرضة للإصابة، وبعد وصول الضمات إلى لمعة الأمعاء تخترق طبقة المخاط الواقي بمساعدة الإنزيمات التي تفرزها فتصل إلى الخلايا المعوية وتلتصق على مستقبلات خاصة على سطحها وتتكاثر بسرعة، وتساهم الوحدات B لذيفان الهيضة المعوي في التصاق الجرثوم بالخلايا؛ في حين تقوم تحت الوحدة A2 بنقل الجزء A1 إلى داخل الخلايا، حيث يمثل الجزء A1 الذيفان الحقيقي الفعال الذي يقوم بتفعيل إنزيم الأدينيل سكلاز ليؤدي إلى سلسلة من التفاعلات ينجم عنها في النهاية زيادة كبيرة في إفراغ شوارد البوتاسيوم والكلور والصوديوم من الخلايا؛ إضافة إلى زيادة إفراز الماء من هذه الخلايا إلى لمعة الأمعاء، مما يؤدي إلى حدوث إسهال مائي شديد ينجم عنه التجفاف ومضاعفات أخرى خطرة، والجرثوم لا يجتاح الدم ولا يصل إليه. تؤدي الإصابة بالهيضة إلى ظهور أضداد من نوع IgA و IgG يفرزها الجهاز المناعي في السبيل الهضمي, وهي تساعد على منع التصاق الجراثيم بالمخاطية كما تعدل فعل ذيفان الهيضة. ومع أن هذه المناعة واقية بيد أنها قصيرة الأجل (عدة أشهر عادة) فقد يصاب الشخص بالمرض مرة ثانية.
التظاهرات السريرية: لا يبدي الكثير من الأشخاص المعرضين لجرثوم الهيضة أعراضاً سريرية واضحة؛ لكنهم يصبحون طارحين للجرثوم مع البراز ومصدراً لعدوى الآخرين مدة أسبوع تقريباً، وتبلغ فترة الحضانة في الحالات السريرية النموذجية من 1-5 أيام، وهي أقصر من هذا نسبياً في ناقصي حموضة المعدة أو متناولي مضادات الحموضة.
وتبدأ الأعراض في الحالات السريرية النموذجية من المرض فجأة بإسهال مائي القوام، يصبح مائياً مخاطياً يشبه ماء الرز، وهو مختلف الشدة والكمية وذو رائحة تشبه رائحة السمك، يصاحبه غثيان في معظم الحالات، أما القياء والآلام البطنية فتكون خفيفة عادة، والحرارة تكون طبيعية أو مرتفعة قليلاً. يكون الإسهال على أشده في اليومين الأولين من المرض ويتوقف بعد 4-6 أيام، وقد يكون الإسهال غزيراً وشديداً إلى درجة يخسر فيها الجسم نحو 20-30 % من سوائله في فترة وجيزة، وأعراض التجفاف قد تبدأ بعد ساعات قليلة من بدء الإسهال، وتعود معظم المضاعفات التي تحدث في سياق الإصابة بالهيضة إلى فقدان جزء مهم من سوائل الجسم وشوارده؛ إذ يحوي براز المريض كميات كبيرة من الصوديوم والبوتاسيوم والكلور والبيكربونات، وأكثر المضاعفات حدوثاً -ولا سيما في الحالات الشديدة- القصور الكلوي أو القلبي والحماض الاستقلابي. ويعد نقص السكر من المؤشرات المهمة على سوء الإنذار ولا سيما في الأطفال، وقد يؤدي إلى اضطرابات عصبية خطرة.
تصل نسبة الوفيات في الحالات الشديدة غير المعالجة من الهيضة إلى نحو 60 %؛ ولاسيما في أثناء الفاشيات والأوبئة في المناطق التي لا يتوطن فيها الداء. أما في أماكن توطن المرض فقد تشاهد حالات متوسطة أو خفيفة و ربما حالات حمل الجرثوم اللاعرضية. ومن العوامل المساعدة على زيادة نسبة الوفيات في الهيضة طرفا العمر (كبار السن والأطفال) والحمل ووجود الأمراض المدنفة.
التشخيص: يجب الشك في وجود الكوليرا في حالات الإسهال الفجائي الغزير الذي يتطور بسرعة إلى التجفاف؛ ولا سيما الأشخاص العائدين من مناطق توطن المرض أو من مناطق تشهد فاشيات فيه، ويجب أخذ عينات من براز المرضى المشتبه بإصابتهم بالهيضة إن أمكن قبل البدء بمعالجتهم بالصادات.
يمكن مشاهدة الجرثوم وحركته بفحص البراز الندي باستخدام المجهر ذي القعر المظلم، كما يمكن إجراء لطاخات مثبتة وملونة بطريقة غرام، ويلجأ في بعض الحالات إلى زرع البراز أو مسحات من المستقيم على الأوساط الانتقائية الخاصة بالجرثوم، ويتم تأكيد النوع الجرثومي والنمط الحيوي بالفحوص والاختبارات الكيميائية الحيوية.
أما الفحوص المصلية فليس لها قيمة عملية في تشخيص الخمج الحاد؛ وإنما تستخدم في الدراسات الوبائية الراجعة.
المعالجة: تعتمد المعالجة -التي تعد إسعافية ولا سيما في الحالات الشديدة- على تعويض الماء و الشوارد بأسرع ما يمكن وتصحيح الحماض إذا حدث، وتفضل الإماهة الفموية في الأشخاص الذين لم تتجاوز خسارة السوائل عندهم ال10% من وزن الجسم والقادرين على تناول سوائل الإماهة عن طرق الفم، وتتوفر مركبات مختلفة جاهزة للاستخدام؛ تستخدم على نطاق واسع في معالجة التجفاف؛ وتدعى محاليل إعادة الإماهة الفموية (ORS)؛ تحوي مائيات الفحم والصوديوم والبوتاسيوم والكلور والبيكربونات، ويستخدم الطريق الوريدي في الإماهة في الحالات الشديدة من التجفاف وحين عدم القدرة على استخدام الطريق الفموي، وعند حساب حجم السوائل اللازم إعطاؤها للمريض يؤخذ في الحسبان مقدار الضياع السابق؛ والضياع المستمر في أثناء المعالجة؛ وحاجة المريض اليومية.
مع الإماهة يجب إعطاء الصادات لتسريع طرح الجرثوم والتخلص منه، ويوصى باستخدام الدوكسيسيكلين 300 ملغ جرعة وحيدة أو التتراسكلين 500 ملغ أربع مرات يومياً مدة ثلاثة أيام. ويمكن استخدام الأزيثرومايسين أو السبروفلوكساسين 1غرام جرعة وحيدة علاجاً بديلاً للتتراسيكلينات. ويتم التأكد من الشفاء بسلبية زرع البراز.
الوقاية: بعزل المرضى إن أمكن والتخلص من المفرغات المرضية على نحو سليم، واتباع وسائل الوقاية الفردية والجماعية ولا سيما في أثناء الفاشيات والأوبئة وذلك بغسل الأيدي جيداً والامتناع عن تناول الخضار والفواكه النيئة المعرضة للتلوث إلا بعد غسلها جيداً، ومراقبة المياه، وتوفير الإصحاح النظيف، وقد لا يكون ذلك ممكناً دائماً ولاسيما في الأماكن ذات المستوى الاجتماعي والاقتصادي المتدني؛ أو في أوقات الكوارث والحروب. وثمة نوعان من لقاح الكوليرا يؤديان إلى مناعة مقبولة لكنها قصيرة الأمد (بين ستة أشهر وسنة)، وغالباً ما يستخدم اللقاح لوقاية الأشخاص المسافرين إلى مناطق يتوطن فيها المرض.
الراكدة Acinetobacter جراثيم تنتشر بشكل رمّي في التربة والمياه، ولها شأن مهم في عمليات تفكك المواد في الطبيعة، وقد تشاهد على جلد الإنسان أو أغشيته المخاطية، وقد بقيت فترة طويلة بعيدة عن الاهتمام الطبي بسبب التساؤلات العديدة حول قدرتها الإمراضية، ويبدو أنه لوحظ في السنوات الأخيرة ازدياد مشاهدتها في بيئة المستشفيات على المغاسل والأدوات وفي الهواء، كما برز شأنها بوصفها جرثوماً انتهازياً في إحداث أخماج المستشفيات صعبة المعالجة؛ ولا سيما في المرضى مضعفي المناعة أو الذين توجد لديهم عوامل مؤهبة كمرضى المستشفيات المدنفين؛ أو مرضى شعب الحروق أو الإنعاش والعناية المشدّدة. وقد يساهم الاستخدام العشوائي وغير المدروس للصادات في المستشفيات في انتشار أخماجها، ومما يزيد في أهمية الأخماج التي تسببها الراكدة مقاومتها المتعددة للصادات؛ وقابليتها لتطوير هذه المقاومة باستمرار.
وصف الجرثوم: جراثيم عصوية قصيرة، سلبية الغرام، غير متحركة، هوائية، تنمو بسهولة على الأوساط العادية، وتتميز بقدرتها على التكيف مع مختلف البيئات؛ ومقاومتها لنقص الغذاء والجفاف والمواد المطهرة. ويمكن للراكدة أن تستعمر جلد الإنسان وأغشيته المخاطية ولا سيما مرضى المستشفيات، وقد تصبح عندئذ مصدراً للعدوى الذاتية لهم، أو تنقلها إلى غيرهم من المرضى.
عرف أكثر من ثلاثين نوعاً ينتمي إلى جنس الراكدة، معظمها رمّي وليس له أهمية مرضية، ونوع الراكدة البومانية Acinetobacter baumannii هو الأكثر مصادفة في الأخماج البشرية، فهو يعزل في نحو 90% من هذه الأخماج ولا سيما أخماج المستشفيات، كما أنه الأكثر مقاومة للصادات.
الإمراض: لبعض أنواع الراكدة بعض عوامل الفوعة التي تتيح له التسبب في أخماج مختلفة - ولا سيما مع وجود ظروف مؤهبة - مما يجعلها جرثوماً انتهازياً بامتياز، وأهم هذه العوامل:
- قدرة الجرثوم على مقاومة الجفاف ونقص المغذيات ولا سيما الحديد.
- امتلاك بعض الذراري محفظة تقيها من البلعمة.
-القدرة على الالتصاق بالخلايا الظهارية التنفسية، والالتصاق بالسطوح المختلفة الطبيعية والصنعية واستعمارها مكونة طبقةً رقيقة تدعى الغطاء الحيوي biofilm.
العدوى والوبائيات: يرتبط حدوث الأخماج المختلفة بالراكدة في معظم الحالات بالبيئة الرطبة الدافئة، بما في ذلك بعض بيئات المستشفيات، ومنذ سبعينيات القرن العشرين أصبحت تعد سبباً مهماً في أخماج المستشفيات المرتبطة باضطرابات المناعة المختلفة, وهي في ازدياد مستمر في وحدات العناية المشدّدة ولاسيما مع استخدام التهوية الميكانيكية؛ أو تنبيب الرغامى أو القثاطر المركزية؛ أو وجود خمج سابق بالعنقوديات الذهبية المقاومة للميثاسيلين، أو استخدام الصادات السابق المديد ولا سيما مجموعة البيتالاكتام، أو وجود الخباثات. وقد لوحظ حدوث بعض أخماجها في المستشفيات بشكل فاشيات صغيرة في بعض أقسام المستشفى، حيث ارتبط ذلك بتوطنها في تلك الأقسام وتلوث الأدوات والأجهزة بها. وإضافة إلى هذا، سجلت بعض حالات الإصابة بأخماج مكتسبة في المجتمع سببها الراكدة، معظمها تنفسي أو دموي، لكن ارتبط ذلك في أغلب الحالات بوجود عوامل مؤهبة كالتقدم في السن والكحولية والأمراض الرئوية المزمنة والمعالجة الكيميائية.
ومن الملاحظ ارتفاع نسبة حدوث الخمج بالراكدة في أزمنة الحروب والكوارث؛ ولا سيما بعد العمليات الجراحية التي تجرى في ظروف غير مثالية؛ مع الاحتمال الكبير للتلوث بالتراب أو الماء.
التظاهرات السريرية: تسبب الراكدة طيفاً واسعاً من أخماج المستشفيات الانتهازية أكثرها شيوعاً ذات الرئة التي تحدث غالباً في أقسام العناية المشدّدة، وترافقها نسبة وفيات عالية تراوح بين 30 و 70 بالمئة؛ ومما يجعل الإنذار أكثر سوءاً في هذه الحالات: إيجابية زرع الدم، ووجود بعض مظاهر إنتان الدم septicemia في المريض.
تعد الراكدة كذلك مسؤولة عن نحو 2-3 %من إنتانات الدم في المستشفيات؛ ومصدر العدوى الرئيسي لها هو: القثاطر الوريدية، وتنبيب الجهاز التنفسي، على نحو أقل الجروح والجهاز البولي. ويلاحظ حصول الصدمة الإنتانية septic shock في نحو ثلث المرضى مع نسبة مواتية (معدل الوفيات) تراوح بين 20 و 40%.
وقد تسبب الراكدة التهاب الشغاف سواء بوجود صمامات طبيعية أم صنعية، كما قد تكون نادراً السبب في بعض حالات التهاب السحايا القيحية ولا سيما بعد الرضوض أو الجراحات الدماغية.
ومن الأخماج التي قد تسببها الراكدة أخماج الجلد والأنسجة الرخوة؛ ولا سيما بعد العمليات الملوثة أو أخماج الجروح الملوثة بالأتربة والماء وفي الأجواء الدافئة الرطبة، كما تسبب الراكدة بعض الأخماج البولية في المستشفيات.
التشخيص: باستفراد الجرثوم من العينة المرضية بعد الزرع على الأوساط المناسبة، ومن المهم التأكد من أن الجرثوم المعزول هو السبب الحقيقي للخمج وليس تلوثاً ثانوياً أو مجرد استعمار للجلد أو الأدوات. مع العلم أن استعمار الراكدة الجلد أو الأغشية المخاطية هو عامل خطورة لحدوث الخمج بها.
المعالجة: تعد الراكدة من أكثر الجراثيم المعروفة مقاومة للصادات، مما يجعل معالجة أخماجها أمراً صعباً، والملاحظ أن ذراري الراكدة ذات المقاومة المتعددة للصادات في ازدياد مستمر. ويستخدم مصطلح المقاومة المتعددة للصادات multidrug resistance للدلالة على وجود مقاومة لثلاث زمر من الصادات على الأقل (سيفالوسبورينات، فلوروكينولون ، كاربابينيم ،على سبيل المثال). أما مصطلح المقاومة الشاملة للصادات pan-resistanceفيقصد به عدم الاستجابة للصادات المعروفة ماعدا الكوليستين.
إن من المهم اختيار الصاد المناسب لعلاج أخماج الراكدة على أساس الزرع والتحسس الجرثومي؛ ولكن خطورة أخماجها، والحاجة إلى فترة من الزمن للحصول على النتائج المخبرية تجعل من الضروري البدء بالمعالجة التخبرية المناسبة حين الشك فيها، ويفضل أن يعتمد اختيار الصاد - أو الصادات - حينها على المعلومات المتوفرة محلياً حول مقاومة ذراري الراكدة وتحسسها للصادات المختلفة.
ويستخدم حالياً لمعالجة الراكدة تخبرياً أحد سيفالوسبورينات الجيل الثالث أو الرابع (السيفتازيديم أو السيفسبيم)، أو أحد مركبات البتالاكتام مع مثبط للبيتالاكتاماز (الأمبيسيلين مع السولبكتام)، أو أحد مركبات الكاربابينيم (إيميبينيم أو ميروبينيم). وفي الحالات الشديدة أو التي يتوقع فيها وجود ذراري مقاومة يفضل إضافة أحد الأمينوغليكوزيدات (الجنتامايسين أو الأميكاسين)، أو أحد مركبات الفلوروكينولون (سيبروفلوكساسين أو ليفوفلوكساسين).
وتعطى الصادات السابقة بالمقادير المذكورة في الجدول (3).
|
يجب تقييم استجابة المريض بعد 48 إلى 72 ساعة من بدء العلاج، وتقرير استمرار المعالجة بصاد واحد أو أكثر أو تغيير الصاد الموصوف على ضوء استجابة المريض السريرية ونتائج الزرع والتحسس.
أما مدة العلاج فهي عشرة أيام إلى أسبوعين في معظم الأخماج المتوسطة وغير المتضاعفة، في حين تحتاج الأخماج الشديدة التي ترافقها مضاعفات إلى ثلاثة أسابيع.
حين يكون سبب الخمج ذراري الراكدة متعددة المقاومة للصادات تكون خيارات العلاج محدودة؛ إذ تقتصر استجابة هذه الذراري عادة على الكوليستين (polymyxin B) والتيغيسيكلين (tigecycline)،
وقد جرب إضافة الكوليستين إرذاذاً تنفسياً إلى المعالجة الجهازية في بعض حالات ذات الرئة.
الوقاية:
تهدف الوقاية إلى ضبط العدوى في المؤسسات الصحية بتشخيص وجود الراكدة الباكر، واتخاذ إجراءات التطهير المناسبة لمنع انتشار الجرثوم، ويكون ضبط العدوى أكثر جدوى حين اكتشاف مصدر العدوى الأساسي وإزالته، فإن تعذر ذلك يجب تعزيز إجراءات ضبط العدوى العامة كالعزل وتطهير الأيدي والأدوات والسطوح.
البرتونيلة الهنسليةBartonella henselae هي جرثوم عصوي صغير متعدد الأشكال، سلبي الغرام، يحتاج نموه واستفراده إلى أوساط وظروف خاصة. تؤدي العدوى به إلى حدوث داء خدش القطة Cat scratch disease (CSD) الذي يتصف بحدوث اعتلال عقد لمفاوية موضعي؛ قد ترافقه تظاهرات جهازية أو عينية. ينتشر داء خدش القطة في معظم أنحاء العالم، وتحدث معظم الحالات في الأطفال واليافعين؛ ومعظمها خفيف محدد لذاته.
الإمراض: بعد دخول البرتونيلة الجسم تغزو الخلايا البطانية مسببة تفاعلاً التهابياً حاداً؛ واعتلال عقد لمفاوية في منطقة الخمج، وقد ينتشر الجرثوم مؤدياً إلى حدوث إصابات جهازية أو عصبية، ويعتقد أن لبعض اضطرابات المناعة شأناً في ذلك.
الوبائيات epidemiology: القطط هي الخازن الطبيعي للبرتونيلة ولاسيما القطط اليافعة والمصابة بالبراغيث، وتقوم البراغيث بنقله بين القطط، وينتقل إلى الإنسان عن طريق خدش القطة أو عضتها، وقد ينتقل عن طريق لدغ براغيث القطط.
التظاهرات السريرية:
تحدث بعد نحو أسبوع في مكان العضة أو الخدشة آفة حمامية حطاطية أو حويصلية؛ قد تتحول إلى بثرة لكنها تشفى بمدة أسبوع أو أسبوعين، كما تلاحظ حمى خفيفة وضخامة عقد لمفاوية مؤلمة في منطقة الآفة (الشكل12)، وقد يحدث في نسبة قليلة من المرضى اعتلال عقد لمفاوية معمم. تزول الضخامة اللمفاوية بمدة شهر في معظم المرضى، وقد تستمر الأعراض فترة أطول مع حدوث ضخامة طحالية كبدية؛ وبعض التبدلات في اختبارات وظائف الكبد. وفي حالات نادرة قد تظهر في المريض أعراض وتظاهرات عصبية أو آلام عضلية ومفصلية.
الشكل (12): الآفة البدئية مكان خدشة القطة |
في بعض الحالات حين يكون الخدش قريباً من العين قد يحدث الشكل العيني من الداء الذي يتظاهر بالتهاب ملتحمة حبيبومي واعتلال عقد لمفاوية موضعي.
التشخيص: يوضع التشخيص اعتماداً على القصة السريرية والوبائية، ويؤكد مخبرياً بالفحوص المصلية، أو باستخدام الـ PCR، ويحتاج زرع البرتونيلة إلى أوساط وظروف خاصة؛ لذا نادراً ما يلجأ إليه في تشخيص الخمج المنوالي.
المعالجة: يشفى معظم المرضى عفوياً ، لكن الحالات الجهازية تحتاج إلى معالجة؛ لأن بعضها قد يكون مهدداً للحياة.
يعطى الأزيترومايسين 500 ملغ جرعة أولية تتبع بـ 250 ملغ يومياً مدة خمسة أيام، أو الريفامبين 300 ملغ مرتين يومياً للبالغين؛ أو10ملغ للكيلوغرام كل 12 ساعة للأطفال مدة أسبوع إلى عشرة أيام. وفي الإصابات الحشوية أو العصبية الخطرة يشارك الريفامبين والدوكسيسيكلين مدة أسبوعين.
الوقاية: بتجنب التماس مع القطط - ولا سيما المشردة والمصابة بالبراغيث - ومعالجة القطط المنزلية حين إصابتها بالبراغيث، كما يجب تطهير مكان عضة القطط أو خدشها بعد غسلها جيداً.
ثامناً-الفرنسيسيلَّة التولاريَّة
الفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة Francisella tularensis: جرثوم عصوي صغير، سلبي الغرام، هوائي مجبر، وذو محفظة، بطيء النمو، ينمو على نحو أفضل في درجة حرارة 35 مئوية، مما يجعل البيئات الباردة والمعتدلة أكثر ملاءمة له، ويستطيع البقاء في الوسط الخارجي كالماء والطين عدة أيام. يؤدي الخمج بهذا الجرثوم إلى حدوث داء التولاريمية tularemia أو حمى الأرانب، وهو خمج حيواني المصدر قد يصيب الإنسان أحياناً.
الإمراض: الفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة من الجراثيم الشديدة الفوعة؛ إذ يكفي حقن عدد محدود منها أو استنشاقه (أقل من خمسين جرثوماً) لحدوث الإصابة. من أهم عوامل الفوعة فيها: قدرتها على البقاء والتكاثر ضمن البالعات، وجود المحفظة والخمل fimbria الجرثومي، الذيفان الداخلي وإفراز بعض الإنزيمات. تنتقل الفرنسيسيلَّةُ بوساطة البلاعم -بعد تكاثرها في مكان الدخول- إلى العقد اللمفاوية المنطقية، وبعدها قد تنتشر إلى مختلف الأجهزة بالطريق الدموي اللمفاوي، وتسبب ارتكاساً التهابياً حبيبومياً شديداً قد يرافقه تنخر نسجي وتجبن كما يحدث في السل.
السراية والوبائيات : تنتشر الإصابات الحيوانية بالفرنسيسيلَّة التُّولاَرِيَّة في معظم أنحاء العالم ولاسيما في نصف الكرة الشمالي (الشكل 13)، وتصيب أكثر من مئة نوع من الحيوانات ولاسيما القوارض والأرانب. تنتقل التولاريمية إلى الإنسان على نحو رئيسي بطريق تماس الحيوانات المصابة، أو لدغ الحشرات الناقلة للجرثوم. ومن طرق العدوى - غير الشائعة - العدوى التنفسية باستنشاق الغبار أو قطيرات الماء الملوثة. ولم يسجل انتقال المرض من شخص إلى آخر.
الشكل (13): توزع انتشار الإصابة بالتولاريمية عالمياً |
تصنف الفرنسيسيلَّة التُّولاَرِيَّة في عداد الجراثيم الشديدة الخطورة القابلة للاستخدام سلاحاً جرثومياً بطريق الإرذاذ التنفسي على نحو خاص.
الشكل (14): الشكل القرحي الغدي للتولاريمية |
التظاهرات السريرية: تراوح فترة الحضانة بين 3 و7 أيام، ثم تظهر أعراض عامة كالحمى والعرواءات، والصداع والقهم والدعث، وقد تحدث آلام بطنية وإسهال في بعض الحالات، وتبدو التولاريمية - إضافة إلى الأعراض العامة - بعدة أشكال سريرية مختلفة تبعاً لمكان الدخول وطريقة العدوى أهمها:
-التولاريمية القرحية الغدية Ulceroglandular tularemia: هي الأكثر شيوعاً، تحدث في مكان الدخول آفة حمامية حطاطية لا تلبث أن تتقرح؛ مع اعتلال عقد لمفاوية منطقي (الشكل14).
التولاريمية العينية الغديةoculoglandular tularemia : تتظاهر بالتهاب ملتحمة وضخامة العقد أمام الأذن ضخامة مؤلمة.
التولاريمية الفموية البلعومية oropharyngeal tularemia: تتظاهر بالتهاب بلعوم شديد واعتلال العقد اللمفاوية الرقبية وضخامتها.
التولاريمية التيفية typhoidal tularemia: تحدث فيها حمى شديدة وعرواءات ودعث وقهم من دون أعراض موضعية واضحة، وقد يكون هذا الشكل مميتاً.
التولاريمية الرئويةpneumonic tularemia : تسيطر فيها الأعراض الرئوية.
التولاريمية أداة للحرب الجرثومية: تعد الفرنسيسيلَّةُ التُّولاَرِيَّة من الجراثيم المرشحة للاستخدام سلاحاً جرثومياً ولاسيما بالطريق التنفسي، وإن حدوث إصابات متعددة من الشكل الرئوي أو التيفي للمرض في وقت واحد من دون وجود بينات وبائية على التماس مع حيوانات مصابة؛ يدفع باتجاه الشك في استخدامها أداة للحرب الجرثومية.
التشخيص: يوضع التشخيص اعتماداً على المعطيات السريرية والوبائية، ويثبت مخبرياً بوساطة الفحوص المصلية؛ أو كشف الجرثوم في عينات من الآفات الجلدية أو العقد المصابة، كما يمكن زرع الدم في الشكل التيفي، ويمكن استخدام الـ PCR في إثبات التشخيص.
المعالجة : يعد الستريبتومايسين الصاد المختار في معظم أشكال التولاريمية ويعطى 1 إلى 2 غرام كل 12 ساعة مدة 10 إلى 14 يوما،ً ويستخدم كذلك الجنتامايسين أو التتراسيكلين أو الفلوروكينولونات، ويجب البدء مباشرة بإعطاء الصادات المناسبة حين الشك في التولاريمية؛ ولاسيما في الحالات الشديدة والمعممة.
الوقاية: باستخدام القفازات في أثناء سلخ الحيوانات البرية، والتعامل بحذر مع جثث القوارض، وتجنب لدغ البعوض والحشرات الأخرى ولا سيما في أماكن توطن المرض، وطهي لحوم الحيوانات البرية جيداً. يمكن إعطاء الدوكسيسيكلين أو السبروفلوكساسين حين الشك في التعرض المخبري للجرثوم.
يحوي جنس الباستوريلة Pasteurella عدداً من الأنواع الجرثومية التي تصادف عند بعض الحيوانات كالقطط والكلاب وثدييات أخرى، وقد تصيب الإنسان على نحو طارئ، وأكثر أنواع الباستوريلات إحداثاً للمرض في الإنسان الباستوريلة القتالة multocida P. وهي عصيات سلبية الغرام، تنمو على الأوساط العادية. وللباستوريلة القتالة نحو 15 نمطاً مصلياً.
الإمراض: ترتبط فوعة الباستوريلات بوجود الذيفان الداخلي، وقدرة الجراثيم على التكاثر في الجسم الحي، كما ترتبط بحالة المضيف المناعية. وتحدث معظم الإصابات في البشر بعد عضة من حيوان مصاب (قطة أو كلب أو غيرها)؛ إذ يحدث تفاعل التهابي شديد مكان دخول الجرثوم. وقد يحدث نادراً خمج معمم (إنتان دموي) أو موضعي في بعض الأجهزة ولاسيما حين وجود عامل مضعف للمناعة .
الوبائيات والعدوى: داء الباستوريلات مرض حيواني أصلاً، ينتشر في معظم مناطق العالم. وينتقل الجرثوم إلى الإنسان عن طريق عضة الحيوان المخموج أوخدشته؛ ولاسيما الكلاب والقطط، ونادراً ما ينتقل من شخص إلى آخر؛ باستثناء الحالات التي ينتقل فيها الجرثوم من الأم إلى الجنين عبر المشيمة أو بنقل الدم.
التظاهرات السريرية: شكل الخمج السريري بالباستوريلة الأكثر شيوعاً هو التهاب الأنسجة الرخوة (التهاب الهلل) الذي يحدث سريعاً في نحو 24 ساعة، ويتظاهر بوذمة وألم موضعي شديد في مكان دخول الجرثوم إلى الجسم، وهو مكان العضة أو الخدش غالباً ( الشكل15)، كما قد يحدث نزح قيحي وتضخم العقد اللمفاوية الناحية في مكان الإصابة. وقد يحدث في حالات قليلة التهاب اللفافة الناخر necrotizing fasciitis. قد يتطور الشكل الحاد من التهاب النسج الرخوة أحياناً ليأخذ شكلاً مزمناً يصيب أغماد الأوتار العضلية، ويتظاهر بضمور وانكماش وحثل مؤلم.
الشكل (15): التهاب الهلل بالباستوريلة |
ومن الأشكال السريرية الأخرى - قليلة المصادفة - للخمج بالباستوريلة: التهاب المفصل القيحي (مفصل الركبة غالباً) مع ذات عظم ونقي أو من دون ذلك، ومن عوامل الخطورة في هذه الحالات وجود مفصل صنعي أو متنكس أو اضطراب المناعة.
وقد تسبب الباستوريلة أخماجاً تنفسية علوية أوسفلية كالتهاب البلعوم أو الجيوب، أو القصبات أو ذات الرئة التي قد تحدث عند المسنين وبوجود مرض رئوي ساد مزمن.
ومن الأخماج النادرة ولكنها خطرة التي قد تسببها الباستوريلة: التهاب السحايا القيحي الحاد، التهاب الشغاف، والإنتان الدموي، والتهاب الصفاق.
التشخيص: تشخص الأخماج الموضعية بالباستوريلة - إضافة إلى المعطيات السريرية (التهاب النسج الرخوة) والوبائية (عضة أو خدش كلب أو قطة)- باستفراد الجرثوم من النتحة أو القيح مكان العضة، أو من العقد اللمفاوية المجاورة؛ وذلك بزرع إحدى هذه العينات على الوسط المناسب كالغراء الدموي مثلاً. أما في الأخماج المعممة والجهازية فيجرى زرع الدم أو زرع عينة مرضية من العضو المصاب، وقلما تستخدم الاختبارات المصلية في التشحيص.
المعالجة: تتحسس الباستوريلة القتالة للبنسيلينات وصادات أخرى كالتتراسيكلينات والفلوركينولونات، ويفضل استخدام الأموكسيسيلين مع حمض الكلافولاني، أو الأمبيسيلين مع السولبكتام، أو أحد مركبات الجيل الثالث من السيفالوسبورين كالسيفيكسيم في معالجة التهاب الهلل بالباستوريلة, ويمكن استخدام أحد مركبات التتراسيكلين أو الفلوروكينولون الحديثة حين وجود تحسس للبنسيلين، وتمتد فترة المعالجة من أسبوع إلى أسبوعين بحسب شدة الحالة وخطورتها. ويجب البدء بالمعالجة مبكراً، كما يجب تنظيف الجروح وتطهيرها جيداً.
- التصنيف : الأمراض الخمجية - النوع : الأمراض الخمجية - المجلد : المجلد الرابع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 104 مشاركة :