اضطرابات المزاج
اضطرابات مزاج
mood disorders - troubles de l'humeur
يوسف لطيفة
اضطرابات المزاج |
الاضطراب الاكتئابي الكبير أو الجسيم |
اضطراب المزاج ثنائي القطب |
معالجة اضطرابات المزاج |
ازداد في العقدين الأخيرين من الزمن انتشار اضطرابات المزاج mood disorders (أو اضطرابات الوجدان) affect disorders على نحو سريع، وذلك لأسباب نفسية واجتماعية متعددة. والمزاج mood تعريفاً هو المشاعر طويلة البقاء، أو هو الحالة الانفعالية المستمرة والمستقرة التي تُميّز الشخص، والوجدان affect هو كل ما يوجد في النفس حالياً من مشاعر مرغوبة كانت كالسرور والمودة والرحمة أم منبوذة كالحزن والغضب والخوف [ر. الفحص والتشخيص في الطب النفسي]. يؤثر المزاج في سلوك الشخص وفي تعامله مع المحيط؛ فإذا كان المزاج كئيباً فكل شيء حزين، وإذا كان فرحاً فكل شيء جميل، ويعبر المريض عن ذلك سلوكياً، ويراه الآخرون بما يبديه المريض من تظاهرات خارجية.
يتحرك المزاج ضمن مجال طبيعي من السعادة والمتعة، وهو في حالة دائمة من الحركة ضمن ذلك المجال بما يناسب الظروف الحياتية والاجتماعية والنفسية، ويمر الشخص السوي دوماً بتبدلات طبيعية في المزاج لا تتجاوز حد الاكتئاب السلبي ولا فرط النشاط الهوسي. فالاضطرابات المزاجية هي كل حالة يكون فيها الشخص خارج إطار المجال السوي من المشاعر، ويعيش أحد هذين التبدلين في المشاعر أو كليهما. وسيعرض في هذا البحث اضطرابات المزاج على نحو عام، ثم الاضطراب الاكتئابي واضطراب المزاج ثنائي القطب.
أولاً- اضطرابات المزاج:
لمحة تاريخية:
ذكر أبقراط الاكتئاب في القرن الخامس قبل الميلاد مطلقاً عليه اسم (ملنخوليا أو السوداوية) melancholia، ثم استخدمت تسميات متعددة على مر العصور لتمييز اضطراب المزاج؛ منها الذهان الدوري، والجنون الدوري، وذهان الهوس الاكتئابي بحسب كريبلن، قبل أن يتم أخيراً اعتماد تسمية اضطرابات المزاج استناداً إلى التصنيف العالمي للأمراض وإلى التصنيف الإحصائي والتشخيصي.
التصنيف:
تعددت تصنيفات اضطرابات المزاج على نحو يدل على سطحية المعرفة بهذه الاضطرابات، فكانت هناك تصنيفات بنيت على سير المرض (اضطراب انفعالي أحادي القطب واضطراب انفعالي ثنائي القطب)، وعلى سببه المحتمل (اضطراب انفعالي أولي و اضطراب انفعالي ثانوي)، وعلى مصدر نشوئه (اضطراب انفعالي ارتكاسي واضطراب انفعالي داخلي)، وعلى بعض خواصه الحيوية (مثل التبدلات البيولوجية في المشبك العصبي، والاستجابة للمعالجة الدوائية). أما التصنيف المستخدم حالياً فهو التصنيف العالمي للأمراض بطبعته العاشرة ICD-10 التي تتضمن الفئات التالية تحت عنوان اضطرابات المزاج أو اضطرابات الوجدان:
1-نوبة هوس: وتصنف إلى خفيفة ومتوسطة وشديدة، وتقسم بحسب طبيعة أعراضها وسيرها إلى:
أ- نوبة هوس من دون أعراض ذهانية.
ب- نوبة هوس مع أعراض ذهانية، ويحدد ما إذا كانت الأعراض الذهانية الموجودة منسجمة مع المزاج أو غير منسجمة مع المزاج.
ج- بحالة هجوع جزئي، أو بحالة هجوع تام.
2-اضطراب المزاج ثنائي القطب: ويسمى بحسب النوبة الحالية؛ هوس أو اكتئاب.
3-نوبة اكتئابية: وتصنف إلى خفيفة ومتوسطة وشديدة، وتقسم بحسب طبيعة أعراضها وسيرها إلى:
أ- نوبة اكتئابية من دون أعراض جسدية.
ب- نوبة اكتئابية مع أعراض جسدية (أو أعراض بيولوجية أو سوداوية).
ج- نوبة اكتئابية من دون أعراض ذهانية.
د- نوبة اكتئابية مع أعراض ذهانية.
4-الاضطراب الاكتئابي المتكرر أو المعاود.
5-اضطرابات المزاج المستمرة:
أ- دورية المزاج.
ب- الاكْتِئاب الجُزْئِيّ.
6-أشكال أخرى.
ويعتمد التصنيف الأمريكي (دليل التصنيف الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات النفسية) في طبعته الأخيرة - وهي الطبعة الرابعة المعدلة والمنقحة DSM-IV-TR- فئات مشابهة لتلك المستخدمة في التصنيف العالمي للأمراض تضم اضطراب المزاج ثنائي القطب (الاضطراب المزيج، ودورية المزاج، والاضطراب غير المحدد)، والاضطرابات الاكتئابية (الاضطراب الاكتئابي الجسيم، والاكْتِئاب الجُزْئِيّ، والاضطراب الاكتئابي غير المحدد).
الانتشار:
اضطرابات المزاج من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً؛ إذ قدرت منظمة الصحة العالمية نسبة انتشار الاكتئاب في العالم بنحو 4-5%، ومجمل الاضطرابات المزاجية بنحو 5-7%، وتساعد العوامل البيئية على زيادة الانتشار؛ إذ يتوقع العلماء زيادة حدوث الاضطرابات المزاجية نظراً لزيادة عمر الإنسان المتوقع، وكثرة الأمراض الجسدية، وقلة التكافل الاجتماعي، وقلة الوازع الديني والتدني الأخلاقي، وسيطرة الأنانية والفردية على المجتمع، إضافةً إلى التأثير السيئ لهذه العوامل في التدبير والدعم النفسي والاجتماعي العلاجي.
تؤلف الاضطرابات المزاجية سبب مراجعة نسبة عالية من مراجعي العيادات النفسية تراوح بين 6 و 20%، ويلاحظ أن الاضطرابات المزاجية تحدث بعمر الشباب، من 20-35 سنة، غالباً بعد التعرض لعامل مُطْلِقٍ أو مُثير، وتدل الأبحاث الحالية على أن نسبة الانتشار متقاربة في الجنسين، وأنها تزيد بين الطبقات المثقفة على النقيض من الفصام.
الأسباب:
تنجم اضطرابات المزاج عن اجتماع عدد من الأسباب المتضافرة، كالاستعداد الوراثي والخلل البيولوجي الكيميائي، وتأتي العوامل النفسية والاجتماعية الخارجية لكي تُطْلِق اضطرابات المزاج وتساعد على ظهورها.
1-العوامل الوراثية: للعامل الوراثي شأن مهم في نشأة الاضطرابات المزاجية ولاسيما ثنائية القطب، إذ هو يهيئ للاستعداد للإصابة؛ ففي دراسة التوائم الحقيقية تظهر الإصابة في كل من التؤءمين في 68% (بحسب الدراسات 33-90%) من الحالات، وتنخفض نسبة الترافق هذه في التوائم الكاذبة إلى 30%. وإذا كان أحد الوالدين مصاباً بالاكتئاب ارتفع معدل وقوع الاكتئاب في الأبناء إلى نحو 12%، وإذا كان كلا الوالدين مصاباً بلغ احتمال إصابة الأبناء نحو50-60%. وتتعلق الإصابة بجينات متنحية ذات نفوذ غير كامل تعطي الاستعداد للإصابة، ومن الصبغيات المُتَّهمة حالياً الصبغيات 9 و10 و13 و14 و22.
أظهرت الأبحاث الحديثة وجود علاقة غير واضحة بين الفصام والاضطرابات الوجدانية، فالزواج بين مرضى مصابين بالفصام ومرضى يعانون من الاضطرابات المزاجية يُخَلِّف أولاداً لديهم فصام أو اضطراب مزاج أو الاثنان معاً. كذلك وجد ارتباط بين الاضطرابات المزاجية وبعض الأمراض الجسدية مثل ارتفاع الضغط الدموي، وأمراض الشرايين والقلب، والداء الروماتويدي، والسكري، مما يوحي إلى اضطراب جيني مشترك بينها.
2-نمط الشخصية: لوحظ منذ مدة طويلة ترافق الاضطرابات المزاجية واضطراب الشخصية الدوري (الذي يتميز بتقلب المزاج بين المرح والحزن) والمسمى حالياً دورية المزاج. كما لوحظت علاقة بين الذهان المزاجي والشخصية الدورية من جهة والبنية الممتلئة البدينة ذات الوجه المدور والرقبة القصيرة والبطن الكبير والأطراف الواهنة من جهة ثانية، وتوجد هذه الصفات في بعض المرضى المصابين بداء السكري أو بأمراض القلب أو بارتفاع الضغط أو بالداء الروماتويدي.
3-العوامل النفسية:
أ- نظريه التحليل النفسي: يرى فرويد أن سبب الاكتئاب هو نُكُوصٌ للمرحلة الفموية السادية في التطور الجنسي للشخصية، وأن المكتئب لديه إحساسٌ متناقضٌ تجاه موضوع الحبيب الأول (الأم). ونتيجة للإحباط وعدم الإشباع الغريزي في مراحل النمو الأولى يتولد إحساس بالحب والكراهية بآن واحد، وعند التقدم بالعمر والتعرض لكرب، كفقدان عزيز أو خيبة أمل أو إخفاق اجتماعي، يحدث النكوص والتناقض العاطفي تجاه الحب المفقود، فيُسقط المكتئب صراعاته نحو ذاته ويبدأ بالانغلاق والعزلة والعدوان الذاتي واتهام الأنا واحتقارها لينتهي إلى الأفكار الانتحارية؛ أما الهوس فهو تعبير عن الحرية الطفلية التي تطلق العنان لكل الغرائز.
ب- فرضية التهيؤ (براون - هاوس): يظهر الاكتئاب عند الأمهات بسبب التعرض لكروب حياتية مؤلمة حديثة، ويهيئ لهذا العامل المطلق أو المثير الأسباب التالية:
- فقد الأم قبل عمر الحادية عشرة.
- الأم التي لديها ثلاثة أطفال، أو أكثر، تقل أعمارهم عن 14عاماً.
- غياب الوسط العاطفي العائلي الدافئ.
- البطالة أو عدم الاستقرار المهني.
ج- البيئة: يؤهب تراكم كروب الحياة للإصابة بالاكتئاب.
د- فرضية العجز المتعلم (سيلغمان): يؤدي تكرار تعرض الشخص للكروب (أي يتعلم) إلى الانسحاب واللامبالاة، ثم اليأس والعجز وأخيراً أعراض الاكتئاب.
هـ- تبدلات كيميائية وبيولوجية: يعتقد أن لاضطرابات المزاج أسساً بيولوجية يستدل عليها من خلال الملاحظات التالية:
· ترافق أمراض الغدد الصم واضطرابات المزاج:
1- ظهور أعراض اكتئابية في المصابين بالقصور الدرقي في 40% من الحالات حتى قبل ظهور أعراض القصور الدرقي.
2- زيادة الأعراض الاكتئابية في فترة ما قبل الطمث وفي أثناء الطمث، مع أعراض التوتر الداخلي والصداع وسهولة التهيج العصبي وفرط الانفعال وكثرة البكاء. وفي أثناء هذه المرحلة تحدث تبدلات هرمونية واضحة.
3- يتوقف الطمث أو يضطرب في النوبات الحادة من الاكتئاب.
4- تشتد الأعراض الاكتئابية أو تزداد في سن الإياس.
5- قلة وقوع اضطرابات المزاج قبل البلوغ، وزيادتها في مرحلة النضج.
· ترافق أمراض الجهاز العصبي واضطرابات المزاج:
1- قد تتظاهر بعض أمراض الجهاز العصبي كداء باركنسون والتصلب العديد وأورام الدماغ والصرع - ولاسيما صرع الفص الصدغي - بأعراض اكتئابية أو هوسية.
2- يشير تحسن الأعراض المزاجية بالمعالجة بالتخليج الكهربائي إلى وجود اضطراب في الجهاز العصبي.
· ترافق اضطرابات المزاج وشذوذات فيزيولوجية مرضية:
تبين الدراسات الحديثة والأكثر قبولاً حالياً، والموجهة نحو دراسة النواقل العصبية الدماغية والمستقبلات الكيميائية في المشبك العصبي الملاحظات التالية:
1- وجود اضطراب أو نقص في مستويات السيروتونين والنورأدرينالين والدوبامين في المصابين بالاكتئاب.
2- انخفاض مستويات الأدرينالين والدوبامين في الاكتئاب وارتفاعها في الهوس.
3- الفرضية الأكثر قبولاً هي سوء التنظيم في مستويات السيروتونين -النورأدرينالين - الدوبامين أو في التفاعل الكيميائي أو الكهربائي بين هذه النواقل العصبية أو في مستقبلاتها في مستوى المشبك العصبي.
4- أظهر تشريح الدماغ وجود نقص في السبل العصبية السيروتونينية في الدماغ، واضطراباً في التشريح المرضي في النوى القاعدية والجَهاز الحُوفِيّ والوِطاء.
5- يبدو في تخطيط الدماغ الكهربائي قصر مرحلة نوم الريم والمرحلتين الثالثة والرابعة من النوم العميق لدى 80% من المرضى.
· خلل وظائف المحور الوطائي النخامي:
1- فشل تثبيط الإنتاج الداخلي للكورتيزول في نصف المصابين بالاكتئاب بعد إعطاء 1ملغ دكساميتازون (اختبار التثبيط بالدكساميتازون).
2- فشل زيادة إفراز TSH بعد إعطاء TRH في 30-40% من المصابين بالاكتئاب (اختبار . (TRH
ومن أجل التوفيق بين كل ما ذكر أعلاه يمكن القول إن الاكتئاب يظهر حين تضافر أكثر من عامل من الأسباب السابقة، أو حين تفاعلها بعضها مع بعض.
ثانياً- الاضطراب الاكتئابي الكبير أو الجسيم:
يعرف الاكتئاب بأنه انخفاضٌ مرضي في المزاج، ترافقه أعراض بطء نفسي وجسدي وحركي. ويعد الاكتئاب الكبير أو الجسيم major depression من الاضطرابات النفسية الشائعة، تراوح نسبة انتشاره مدى الحياة بين 5 و 17%، وتبلغ نسبة وقوعه السنوية 1.59%. وينتشر الاكتئاب الكبير في الدول النامية بنسبة تراوح بين 4 و 44% استناداً إلى مراجعات كوكران المنهجية.
يزيد انتشار الاكتئاب بين مراجعي مراكز الرعاية الصحية الأولية (العيادات الخارجية) مرتين إلى ثلاث مرات عما في المجتمع العام، ويحتل المركز الثاني بين الاضطرابات المزمنة الأكثر مصادفة في تلك المراكز. ويبلغ معدل الانتشار النقطي point prevalence استناداً إلى العديد من الدراسات الوبائية 5-10%، وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن انتشار الاكتئاب في أربعة عشر مركزاً للرعاية الصحية الأولية تراوح معدل الانتشار بين 2.6 و29.5%.
للاكتئاب تأثير كبير في الوظائف العائلية والمهنية للشخص، وفي نوعية الحياة quality of life ، فهو يزيد من تكاليف الرعاية الصحية. وتمر غالبية حالات الاكتئاب في عيادات الرعاية الصحية الأولية من دون تشخيص؛ لأن التظاهرات الأساسية للاكتئاب هي شكايات جسدية عضوية، ولا يعبر المرضى عن الاكتئاب على نحو صريح، لذلك فهم لا يتلقون العلاج المناسب مما يسيء إلى صحتهم، إذ يكشف أقل من نصف الحالات فقط؛ مما يوضح أهمية زيادة معدلات كشف الاكتئاب في مراكز الرعاية الصحية الأولية. هذ، وقد يكون الاكتئاب عرضاً في بعض الأمراض النفسية، أو مرضاً كالاضطراب الاكتئابي الجسيم أو الكبير، وهو يصيب النساء أكثر من الرجال بمعدل 3-1، ويكثر عند الأرامل وغير المتزوجين من الرجال، وعند النساء المطلقات والمتزوجات، ويرافق كثيراً من الأمراض العضوية المزمنة كارتفاع الضغط والربو والسرطان.
الأعراض السريرية لنوبة الاكتئاب:
تختلف الأعراض السريرية لنوبة الاكتئاب depressive episode على نحو واضح بين مريض وآخر، وربما لا تصادف إلا أعراض قليلة أحياناً. وقد تبدأ نوبة الاكتئاب على نحو حاد عقب شدة أو رضح نفسي، أو تزحف الأعراض ببطء بأعراض عامة غير وصفية أكثرها شيوعاً التعب والإعياء وصعوبة التركيز والآلام الجسدية والأرق وتغير المزاج. ويمكن تصنيف الأعراض و العلامات السريرية ضمن المجموعات التالية:
1-المظهر العام:
أ- الشكل الخارجي: يبدو على سحنة المريض الحزن والكآبة واليأس، فيكون المريض عابس الوجه، متعب العيون، متورم الأجفان، وتبدو علامات الامتعاض واليأس على شفتيه، ويكون صوته خافتاً متهدجاً، كما يكون قليل الاهتمام بالهندام والعناية الشخصية وبمظاهر الزينة، وسريع البكاء وسخي الدموع. ولكن قد تشاهد في حالات قليلة حيلة إنكار الاكتئاب أو رفضه، فيبدو المريض مبتسماً وكأنه يرتدي قناعاً من السعادة.
ب- السلوك الخارجي: نقص الإيماء، ومشية مقوسة الظهر، وقلة القدرة على العمل، والعزلة الاجتماعية، وإهمال الأعمال البيتية اليومية.
2-المزاج المكتئب والأعراض الاكتئابية: وهي فقد معنى اللذة والمتعة والسرور، أو قلة الشعور بها، يبدأ الاكتئاب بأعراض بسيطة تتدرج في الشدة، بدءاً من الحزن وفقد القدرة على التمتع بالمسرات والمباهج إلى شعور المريض بتغير لون الحياة وقيمتها نحو التشاؤم والسوداوية والشعور بالجزع والانقباض والإصابة بنوبات من البكاء. ثم تشتد وطأة الاكتئاب فيصاب المريض بفقد الأمل واليأس ويتحسر على ماضيه السيئ ومستقبله المرعب والمخيف، ويتمنى الموت لشعوره بأنه لا يستحق البقاء مما يفاقم خطر الانتحار. وتتميز هذه الأعراض بالتغير النهاري، إذ تكون على أشدها في الصباح حين يصحو المريض وهو يعاني من الحزن والضيق والانقباض الشديد ثم يتحسن تدريجياً في وسط النهار.
3-الأعراض النفسية: تتميز بالبطء النفسي الحركي، إذ يعاني المريض من قلة الانتباه والشرود وضعف القدرة على التركيز وزوال سرعة البديهة، والتردد في اتخاذ القرارات، وتبدل في الطباع وعدم تحمل الآخرين. ويُعدّ القلق عرضاً مهماً وشائعاً، فقد ترافق معظم نوب الاكتئاب نوب من القلق ومن النزق والهياج، وقد يكون القلق مُقَنَّعاً بالتثبيط وبالبطء النفسي، وتشاهد أعراض القلق بنسبة قد تصل إلى ستين بالمئة. وما يميز القلق من الاكتئاب هو أن الصورة السريرية المسيطرة في الاكتئاب هي الحزن، وفي القلق الخوف ولاسيما الصباحي ومن دون سبب.
ترافق هجمة الاكتئاب أيضاً اضطرابات معرفية، مثل التعب النفسي والإجهاد الشديد حين التفكير بأبسط الأمور، وتضخيم الأشياء البسيطة والأعمال اليومية، وتوقع العواقب السيئة للأشياء كالحوادث والموت، والإحساس بالذنب وتأنيب الضمير واتهام النفس بالخطيئة والشر على نحو غير منطقي ومبالغ فيه، والشعور بالدونية وبعدم الأهمية، وكراهية كل شيء، حتى إن المريض يكره ذاته في الحالات الشديدة ؛ لهذا يبحث المرضى في ماضيهم عن حادثة أو موقف ما يعزون له سبب مرضهم ومعاناتهم وشعورهم بالذنب واتهام الذات وتحقيرها ومحاسبتها، فيعتقد المريض مثلاً بأنه يُعاقب الآن بالاكتئاب على ذنب قديم مثل التقصير في مساعدة إنسان قبل سنوات، وهذا التحسر على الماضي هو أحد أعراض الاكتئاب وليس سببه، لأنه يختفي بعد الشفاء.
4-الأعراض البيولوجية وتشمل:
أ- اضطراب النوم: وهو عرض شائع جداً قد يظهر بشكل أرق في بدء النوم، أو بشكل تقطُّع النوم وتكرر الاستيقاظ في الليل المترافق بأحلام وكوابيس، ولكن اضطراب النوم المميز للاكتئاب هو الاستيقاظ الصباحي المبكر قبل ساعات من الموعد المعتاد. وقد تدل شدة الأرق على درجة الاكتئاب، وهي الباعث الأكثر شيوعاً للاستشارة الطبية، وعلى النقيض من ذلك يعاني نحو 10% من المصابين بالاكتئاب من فرط النوم.
ب- تبدلات الشهية: القهم أو نقص الشهية علامة مميزة للاكتئاب، وقد يصبح المريض غير قادر على رؤية الطعام أو شم رائحته، ويرافق ذلك نقص وزن الجسم، وقد يستخدم بعض المرضى رفض الطعام للتعبير عن رغبة بالانتحار. وترافق الاكتئاب عند بعض المرضى الشراهة للطعام وزيادة الوزن، وقد تكون البدانة الشكوى الرئيسة لبعضهم.
ج- الإمساك: وخاصة الإمساك المزمن، وهو من الأعراض الشائعة في الاكتئاب.
د- الاضطرابات الجنسية: ضعف الرغبة الجنسية، وسرعة القذف، وضعف الانتصاب، والعنانة، والنفور والبرود الجنسي عند النساء، واضطراب الدورة الشهرية بأشكالها المختلفة.
هـ- الشكاوى الجسدية غير المفسرة: من الأعراض الشائعة، وقد تكون الشكايةَ الأولى؛ لذلك يتعرض بعض المرضى لاستقصاءات عديدة وعلاجات متكررة غير ضرورية قبل تشخيص إصابتهم بالاكتئاب. ومن الشكايات الجسدية الشائعة الصداع القمي المستمر وطنين الأذنين والدوام (الدوخة) وضيق النفس وعسر الهضم وانتفاخ البطن وآلام الساقين والذراعين وآلام الظهر والآلام الهيكلية المعممة.
و- ضعف النشاط الحركي: التعب ولاسيما صباحاً، والكسل والخمول الحركي والنفسي والذهني. وفي الحالات الشديدة الامتناع عن الأكل والشرب والكلام. وقد يشاهد العكس أحياناً كالهياج النفسي الحركي بكل درجاته.
5-الانتحار: وهو أكثر الأعراض خطورة؛ لأن 50-70% من حوادث الانتحار سببها الاكتئاب، مما يجعله الهم الشاغل للأطباء. يكثر الانتحار بين المسنين وفي الحالات الشديدة من اليأس وتأنيب الضمير، وعند وجود ضُلالات الذنب أو أهلاسات سمعية آمرة بالانتحار.
6-الأعراض الذهانية:
تشاهد الضُلالات في الاكتئاب الذهاني الشديد، فترى ضُلالات الذنب (يعد المريض نفسه مسؤولاً عن أخطاء الآخرين أو عن الكوارث في العالم)، والضُلَالات الاضطهادية، وضُلَالات الإفلاس والفقر والضُلَالات العدمية (متلازمة كوتار Cotard’s syndrome [ر. الفحص والتشخيص في الطب النفسي]) كأن يتوهم المريض غياب عضو من أعضائه أو توقفه عن العمل، مثل غياب الأمعاء أو الدماغ أو طرف أو الشلل العام، أو يعتقد المريض أنه ميت.
وقد تظهر في الاكتئاب الشديد بعض الأهلاسات السمعية (أصوات تتهم المريض بالخطيئة والذنب)، أو البصرية أو الشمية (روائح قذرة أو متعفنة، أو رؤية جثث موتى أو أقرباء متوفين قديماً) أو الذوقية، ومن الممكن مشاهدة بعض الانخداعات كسوء التأويل.
تبقى البصيرة سليمةً في أغلب الحالات، ولكن قد يعتقد المريض في بعض الحالات الشديدة من اليأس عدم جدوى مراجعة الطبيب وأن حالته لا أمل بشفائها.
معايير تشخيص النوبة الاكتئابية استناداً إلى :ICD-10
يعد التصنيف العالمي للأمراض أن الأعراض النوعية في الاكتئاب هي:
1-الأعراض الأساسية:
أ- انخفاض المزاج، أو المزاج المكتئب.
ب- انعدام التلذذ والمتعة بالأشياء، وتناقص الاهتمام بالأمور الترفيهية.
ج- انخفاض الطاقة وسهولة التعب.
2-الأعراض المهمة الأخرى، والأعراض الجسدية أو البيولوجية:
أ- انخفاض التركيز والانتباه.
ب- انخفاض احترام الذات والثقة بالنفس.
ج- أفكار عن الشعور بالذنب أو بفقدان القيمة.
د- موقف متشائم تجاه المستقبل.
هـ- رغبة في إيذاء النفس أو الانتحار.
و- اضطراب النوم.
ز- اضطراب الشهية للطعام.
ح- أفكار عدوانية تجاه الذات والآخرين، أو أفكار انتحارية.
ط- فقد وزن أكثر من 5% في الشهر السابق.
ي- فقدان الرغبة الجنسية على نحو واضح.
ك- بطء نفسي حركي واضح ومُلاحظ من قبل الآخرين.
ل- استيقاظ صباحي مبكر قبل ساعتين من الموعد المعتاد.
م- الأعراض أشد في الصباح.
يشترط لتشخص نوبة اكتئاب خفيفة mild depression episode وجود عرضين على الأقل من الأعراض الثلاثة الأساسية، مع عرضين على الأقل من الأعراض الأخرى، على أن تكون الأعراض خفيفة الشدة ولم تؤدِّ إلى الانقطاع التام عن العمل، ولكن هناك صعوبة في العمل مع صعوبات اجتماعية وعائلية.
تشخص نوبة اكتئاب معتدلة moderate depression episode حين وجود عرضين على الأقل من الأعراض الثلاثة الأساسية مع ثلاثة (ويفضل أربعة) على الأقل من الأعراض الأخرى، على أن تكون الأعراض متوسطة الشدة، وقد تؤدي إلى الانقطاع التام عن العمل أو النشاطات الاجتماعية الأخرى.
تشخص نوبة اكتئاب شديدة severe depression episode حين وجود الأعراض الأساسية الثلاثة مع أربعة على الأقل من الأعراض الأخرى على أن تكون الأعراض شديدة، ويكون خطر الانتحار مرتفعاً هنا، وتؤدي هذه الحالة إلى الانقطاع التام عن العمل أو النشاطات الاجتماعية الأخرى مع أعراض جسدية شديدة ومتعددة وغالباً مع أعراض ذهانية.
يجب استمرار الأعراض بشدة كافية مدة أسبوعين على الأقل، أو مدة أقصر إذا كانت الأعراض شديدة وتكاملت سريعاً، ويجب أن ترافقها صعوبة في متابعة النشاطات الاجتماعية والمهنية والمنزلية أو انعدامها. ويجب حين تشخيص نوبة اكتئابية تحديد شدتها (خفيفة، معتدلة، شديدة)، ووجود الأعراض الجسدية أو غيابها، ووجود الأعراض الذهانية أو غيابها، والسلوك الظاهر (اكتئاب مع أعراض هياج وقلق مسيطرة، أو مع بطء وتثبيط نفسي حركي).
الأشكال السريرية:
1-الاضطراب الاكتئابي المعاود :recurrent depressive disorder يتميز بتكرر حدوث أكثر من نوبة اكتئابية واحدة، مع حالة سواء مزاجي بين النوب فترة لا تقل عن الشهرين، وشريطة عدم حدوث أي نوبة هوس. وقد تأخذ معاودة الاكتئاب أشكالاً متعددة؛ فقد تكون نكساً بعد شفاء تام، أو نكسا بعد شفاء جزئي لكن من دون اكْتِئاب جُزْئِيّ بين النوب، أو نكساً مع اكْتِئاب جُزْئِيّ بين النوب، أو نكساً مع شفاء جزئي واكْتِئاب جُزْئِيّ مرافق.
2-اكتئاب المسنين: يتميز بشيوع الاضطرابات الاستعرافية كاضطراب الذاكرة والانتباه والمحاكمة والتفكير (مما يوحي إلى أعراض الخرف الكاذب القابل للتراجع بعد العلاج). كما تكثر في اكتئاب المسنين الأعراض المراقية أو الجسدية الغامضة، واضطراب النوم، وأعراض القلق الشديدة، مع ارتفاع نسبة الانتحار. وغالباً ما تكون الأعراض غير واضحة؛ لأن المسنين يصعب عليهم، أو يرفضون التعبير عن أنهم مكتئبون. والعلاج بالتخليج الكهربائي مع مضادات الاكتئاب خيار مفضل للمعالجة.
3-الاكتئاب المقنع أو الاكتئاب الضاحك: يبدأ غالباً على نحو حاد بشكايات جسدية غير وصفية للاكتئاب، وانشغالات بوجود أمراض (أعراض مراقية). ويتطور على نحو دوري مع تناقض واضح بين ضعف الشكوى وبين آثارها الشديدة في الحياة اليومية، ومع إحساس بالتعب والوهن، واضطراب النوم، وقلق وتوتر داخلي، وهياج ونزق من دون مسوغ، وحساسية زائدة للأصوات وعدم تحمل الآخرين، وتشاؤم حول العلاج، وتغيرات في نمط الشخصية نحو اللامبالاة. وترافقه بنسبة عالية من سلوك إدمان أو كحولية.
4-الاكتئاب الارتدادي (الأوبي) ) involutional أو السوداوية أو ملنخوليا): يبدأ على نحو بطيء في منتصف العمر، ويكثر في النساء، ويتميز بمزاج اكتئابي شديد وفقد الأمل وعدم استبصار المريض لحالته ورفض العلاج، وفقد المتعة مع خطر انتحاري عالٍ، وأعراض جسدية كثيرة كفقد الشهية ونقص الوزن، وأعراض قلق شديد وهياج، وقد توجد أعراض ذهانية كالضُلالات والأهلاسات. يستجيب هذا الشكل من الاكتئاب جيداً للعلاج بالتخليج الكهربائي ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة وغالباً ما يكون شأن العوامل البيولوجية والكيميائية أهم في هذه الحالة من شأن العوامل النفسية والاجتماعية.
5-الاكتئاب الناجم عن الأدوية: مثل الستيروئيدات، والرزربين، والكحول، والباربيتورات، وبعض خافضات الضغط الشرياني، وحبوب منع الحمل.
6-الاكتئاب مع أعراض ذهانية: غالباً ما تكون الأعراض الذهانية منسجمة ومتفقة مع المزاج، فتوجد عند المريض ضُلالات حول الخطيئة والذنب والفقر والعدم، وهلوسة سمعية أو بصرية حول الأموات والقبور، أما اذا كانت الأعراض الذهانية غير متفقة مع المزاج فغالباً ما توجِّه نحو تشخيص اضطراب ذهاني آخر مثل الفصام.
7-اضطراب الوجدان الموسمي :seasonal affective disorder يعدّ الاكتئاب موسمياً إذا حدث خلال أحد فصول السنة، وهجع هجوعاً تاماً في فصل آخر خلال السنتين الأخيرتين. والاكتئاب الموسمي هو شكل من أشكال الاكتئاب المعاود تحدث نوبه في الشتاء أو في الخريف، ويتظاهر بأعراض اكتئابية وصفية، ويتميز بفرط الشهية خاصة للسكريات، وبفرط النوم، وقد عُزي لتبدلات التعرض لأشعة الشمس؛ لذلك فإن المعالجة النوعية هي المعالجة الضوئية إضافةً إلى مضادات الاكتئاب. وتقول الفرضية إن للاكتئاب الموسمي علاقة بزيادة إفراز الميلاتونين لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد، وتقوم المعالجة الضوئية بالحدّ من إنتاج الميلاتونين بتعريض المرضى لإضاءة قوية جداً (2500-5000 لوكس) مدة ساعتين يومياً عدة أيام. وآلية تأثير الضوء هي فعله المثبط للإنزيم الذي يفكك التربتوفان إلى ,acetyl 5HT وبالتالي زيادة تحول التربتوفان إلى سيروتونين.
8-الاضطرابات المزاجية المستمرة: هي اضطرابات مزاج يغلب أن تكون مبهمة ومتذبذبة، يعاني فيها المصاب أعراضاً لا تبلغ شدة كافية لتشخيص هوس أو هوس خفيف أو اكتئاب خفيف، وتستمر عدة سنوات أو غالبية الحياة، وتُصَنَّف إلى دورية المزاج والاكْتِئاب الجُزْئِيّ.
دورية المزاج :cyclothymia
هي حالة من عدم الثبات المزاجي المزمن، تقدر نسبة انتشارها بأقل من واحد بالمئة، وقد تبدأ في سن المراهقة والشباب، ولكن يغلب أن تبدأ في البالغين، وتسير سيراً مزمناً مدة تزيد على السنتين، وتتظاهر بنوب خفيفة من الاكتئاب ومن الهوس تتلخص بتبدلات دورية في النشاط والثقة بالنفس والسلوك الاجتماعي والشهية للطعام لا تكفي لتشخيص اضطراب مزاج هوسي أو اكتئابي. وتتخلل هذه النوب فترات يكون فيها المزاج سوياً.
الأعراض:
العرض الرئيس هو تقلب المزاج بين اكتئاب خفيف وارتفاع مزاج خفيف، فيبدو المريض مرحاً مبتهجاً ناجحاً في فترات الزهو والفرح، ثم يتغير للحزن في فترات الاكتئاب؛ لذا قد يوصف من قبل المحيطين بأنه غريب الأطوار. ويتميز المصابون بهذا الاضطراب - إضافةً إلى مزاجهم المتقلب - بحساسية مفرطة، وبعدم تحمل الكرب، وبأنهم يحبون العلاقات الاجتماعية ولكن ينسحبون منها فجأة من دون سبب مقنع، وبتعرضهم للصعوبات الزوجية، وبالانتقال المفاجئ من الحماس إلى الخوف والتشاؤم والسلوك الاندفاعي الخطر أحياناً، وبالندم على حساسيتهم المفرطة.
علامات فترة الاكتئاب:
نقص الطاقة والتعب المزمن ومشاعر من عدم الكفاءة والأرق أو فرط النوم ونقص التركيز والانسحاب الاجتماعي وفقد المتعة بالممارسة الجنسية وتحدد مباهج الحياة ومشاعر من الدونية والنظرة التشاؤمية.
علامات فترة الهوس الخفيف :hypomania
نقص الرغبة في النوم وتزايد الطاقة وزيادة الثقة بالنفس، وزيادة الإنتاج والثرثرة وكثرة الكلام والتململ الحركي، والضحك الكثير وفرط التفاؤل.
التطور:
قد يدوم هذا الاضطراب مدى الحياة مُحدثاً تدهوراً مهنياً أو اجتماعياً أو عائلياً، أو يمر بفترات من التحسن الجيد، وقد يكون هناك سرف أو سوء استخدام دوائي أو كحولي أو إدمان مادة ما. وتشاهد هذه الحالة عند أقرباء المصاب، وقد تتطور نحو هجمة هوسية حادة أو اضطراب اكتئابي في أي وقت من الأوقات.
الاكْتِئاب الجُزْئِيّ (أو عسر المزاج) :dysthymia
أضيف هذا التشخيص إلى الاضطرابات المزاجية منذ العام 1980م، وقد يسمى باللغة العربية عسر المزاج أو تعكر المزاج. وهو ينتشر بنسبة 3-5% من السكان، ويغلب حدوثه في النساء، ويبدأ بسن الشباب، ويتضمن أعراض اكتئاب مزمن بشدة غير كافية لتشخيص نوبة اكتئابية خفيفة، ويستمر أكثر من سنتين من دون أن يتخللها فترات من المزاج السوي أكثر من شهر. يشعر المريض بالحزن وبالعجز وبالتعب المزمن، مع انخفاض المزاج وقلة الثقة بالنفس ونقص احترام الذات ومشاعر اليأس والقنوط، وعدم التمتع بمباهج الحياة، وزيادة الشهية للطعام أو نقصها، وزيادة عدد ساعات النوم أو نقصها، إضافةً إلى التردد وصعوبة التركيز، وأعراض مُقنّعة كالكحولية أو الآلام المراقية.
التشخيص التفريقي في الاضطراب الاكتئابي:
يجب التفريق بين الاضطراب الاكتئابي وقصور الغدة الدرقية الذي قد يبدأ بأعراض اكتئابية، والحالات العصبية المزمنة مثل داء باركنسون والتصلب المتعدد، والخرف [ر. الاضطرابات المعرفية]، وأمراض عامة مثل الاكتئاب التالي للأمراض المعدية والذئبة الحمامية والفشل القلبي أو الكلوي أو الكبدي، واضطرابات نفسية مثل الفصام والقلق والاضطراب التجسيدي somatization واضطراب الوسواس القهري، والحداد [ر. المعالجات في الطب النفسي]، و اضطراب الشخصية الاكتئابي، علماً بأن أصحاب الشخصية الاكتئابية هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من غيرهم.
ثالثاً- اضطراب المزاج ثنائي القطب:
يشخص اضطراب المزاج ثنائي القطب bipolar affective disorder (الذهان الهوسي الاكتئابي سابقاً) بحسب التصنيف العالمي للأمراض عند حدوث نوبتين؛ إحداهما على الأقل ارتفاع المزاج (أي لابد من وجود هجمة هوس أو هوس خفيف) مع نوب من انخفاضه (أي اكتئاب) أو من دون ذلك. وهو يصيب الجنسين بالتساوي. والبراهين على الاستعداد الوراثي للإصابة به أقوى منها في غيره من الاضطرابات النفسية. يبدأ في أكثر من ثلثي الحالات بنوبة اكتئاب، ثم تظهر نوبة هوسية، أما نوب الهوس الصرفة من دون سوابق اكتئاب في سياق اضطراب المزاج ثنائي القطب فتظهر في 10-20% من الحالات.
نوبة الهوس:
الهوس هو ارتفاع مرضي في المزاج مبالغ فيه، مع مشاركة فرط البهجة والسعادة والثقة وتقدير الذات، وزيادة الوظائف النفسية والحركية واستثارتها وتسارعها، وتظهر النوبة الأولى غالباً في سن 20-40 على نحو حاد أو تحت حاد. تستهل النوبة الهوسية بفظاظة غير معهودة، وبأعمال غير مناسبة (فضيحة أو جنحة)، وبسلوك أو أفكار وقحة، وبرسائل غرامية وهواتف ليلية متكررة وزيارات غير متوقعة، وقد تكون القصة العائلية إيجابية.
الأعراض السريرية:
قد يأخذ الهوس شكل نوبة هوسية كاملة أو شكل هوس خفيف (أو تحت هوس) hypomania ويتصف الهوس الخفيف باضطراب في المزاج والسلوك بشدة واستمرارية متوسطة تتجاوز الحدود السوية، من دون أهلاس أو ضُلالات ومن دون انقطاع كامل عن العمل، ويشاهد على نحو منفصل وحده أو في بداية نوبة الهوس أو في مرحلة الشفاء من نوبة الهوس، وهو شكل مضعف من الهوس يستمر عدة أيام متواصلة، يُلاحظ فيها ارتفاع مزاج المريض - الذي يبدو أكثر سروراً و فرحاً- وزيادة كلامه وغنائه، وكثرة نشاطه وقلة حاجته إلى الراحة وإلى النوم، وسرعة تفكيره وثقته الزائدة بالنفس وتباهيه بأعماله المبدعة، وزهوه بذكائه وبقواه الفيزيائية والعقلية. إضافةً إلى الغرور وإلى عنجهية حديثة الظهور، مع التدخل بأعمال الآخرين على نحو يعرضه لتعليقاتهم، وزيادة استهلاك القهوة والشاي والتدخين والكحول، وزيادة النشاط الجنسي من دون الإخلال بالأعراف والآداب العامة، وصرف النقود ببذخ وسخاء زائد، والتورط بأعمال ومغامرات ومشاريع تتجاوز الامكانات، واضطراب العمل أو النشاطات الاجتماعية من دون الانقطاع عنها.
أما في النوبة الهوسية manic episode فيكون مظهر المريض غير مناسب بسبب الملابس الفاضحة والمزركشة ذات الألوان الزاهية، و سلوك الهياج الشديد أو العدوانية وحب الخصام والتهجم، والتقلب من المرح للغضب والعنف. يشاهد احتداد المزاج وارتفاعه، ويكون المريض بحالة فرح غامر وشعور بسعادة لا توصف وحبور مُعْدٍ لمن يجالسه، مع ميل ورغبة ملحة لإقامة علاقات اجتماعية سطحية، ومع زوال التثبيط الاجتماعي وقلة التزام الأعراف والعادات والقيم الاجتماعية والأخلاقية، مع فرط فعالية وهياج نفسي حركي، وسلوك مزعج للآخرين، مثل الزيارات والاتصالات الليلية، وسهولة الاستثارة والنزق والعدوانية؛ فحين دخول المريض عيادة الطبيب مثلاً يتدخل في كل الأشياء ويعلق على كل شيء، ويسبب حالة من الفوضى والضوضاء، وحين دخوله لرؤية الطبيب يحاول ولو قسراً احتضانه، وبعد مصارحته بالمرض ينتقل للعدوانية والهياج ويرفض حقيقة مرضه ويتهم الآخرين بالمرض وأنهم هم الذين تتوجب معالجتهم.
يكون المريض معتداً بذاته، مع إحساس بالعظمة والاقتدار الذاتي والكامل وحب السيادة والسيطرة وأحياناً بسلوك لا أخلاقي، وقد يعتقد أنه خبير في كل الأمور كالطب والسياسة والفن، وقد يدعي وجود علاقات شخصية له مع أشخاص مرموقين أو مشهورين أو زعماء كبار، وأنه متحكم بهم ويملك حلولاً لكل أزمات العالم. ويتورط المريض في أثناء نوبة الهوس بمصاريف كبيرة وبنشاطات مالية متهورة نتيجة حب الشراء والكرم غير المنطقي، مما يوقعه في ديون باهظة التكاليف. ويبدو عليه نشاط جنسي مفرط شديد أو شاذ أو علاقات عاطفية متعددة غير حقيقية. ويضطرب أكله ونومه، فينام متأخراً ويستيقظ بعد ساعتين أو ثلاث ساعات وهو في قمة النشاط والحيوية، وربما لا ينام أياماً عديدة. كما يفرط بالأكل وبالشرب وبالتدخين، أو يفعل العكس فيمتنع عن الطعام امتناعاً تاماً، وقد يؤدي إهمال الأكل والشرب في الحالات الشديدة من النشاط البدني المفرط والمستمر إلى الإصابة بالتجفاف مع أعراض اضطراب الوعي. بفحص المريض يلاحظ أنه ثرّ الكلام، فيتحدث بسرعة وبصوت عالٍ ومزعج للآخرين، وتصعب مقاطعة حديثه الممتلئ بالنكات والتورية والسجع وترتيب الكلمات على نحو شعري من المديح والوعظ ونصح الآخرين، مع لعبٍ بالكلمات وغناء يرافقه الضحك والصفير والسخرية، وكلام بذيء من دون احترام، وقد يصبح الكلام غير مفهوم بسبب قلة الانتباه وضغط الأفكار وتطايرها.
تشاهد ضُلالات العظمة (التوهم بأنه نبي أو زعيم كبيرة، إلخ) والضُلَالات الاضطهادية في 70-75% من الحالات، وقد تشاهد أعراض ذهانية أخرى، مثل الأهلاسات السمعية (أصوات الجن أو الملائكة) أو الأهلاسات البصرية، وتكون الأهلاسات عادةً منسجمة مع المزاج. أما البصيرة فتكون مضطربة أو معدومة، ولا يدرك المريض طبيعة سلوكه المرضي.
يحدث الشفاء التلقائي من دون علاج في مدة 4-6 أشهر أو أقل من هذا أو أكثر بحسب الهجمة، وتقل مدة الهجمة كثيراً بفضل العلاجات الحديثة حالياً، ولكن النكس محتمل الحدوث. ومن العلامات التي يجب على ذوي المريض تعلُّمها بغية تمييز النكس: إزعاج الآخرين، واضطراب المحاكمة الاجتماعية، والسلوكيات غير المعهودة، والغضب أو الابتهاج غير المعهود، والتأذي المهني وغياب المسؤولية، وعدم التزام الأدوية أو رفض العلاج.
شروط تشخيص نوبة الهوس:
يوضع التشخيص بحسب DSM- IV-TR حين وجود ثلاثة أعراض أو أكثر من الأعراض التالية (أربعة في حالة اقتصارها على المزاج المستثار) مدة لا تقل عن أسبوع (المدة غير مهمة حين وضع استطباب دخول المستشفى):
1-الشعور بالعظمة وزيادة الثقة بالنفس.
2-أعراض النشاط النفسي والحركي.
3-تطاير الأفكار.
4-الشرود.
5-ضغط الأفكار pressure of thoughts أو ثر الكلام logorrhea أو الثرثرة.
6-قلة الحاجة إلى النوم.
7-اضطراب السلوك الاجتماعي.
التشخيص التفريقي في اضطراب الهوس:
يجب التفريق بين الهجمة الهوسية واضطرابات نفسية أخرى، مثل الفصام واضطرابات الشخصية، وأمراض طبية مثل فرط نشاط الدرق وداء كوشنغ والتصلب العديد، والاضطرابات النفسية المحرضة بالأدوية والمواد.
تشخيص اضطراب المزاج ثنائي القطب:
يشخص هذا الاضطراب حين يصاب المريض بنوبة هوس (أو نوبة هوس خفيف) وبنوبة اكتئاب، أو بنوبتين هوسيتين، أو بنوبة هوس ونوبة هوس خفيف. ويتضح من هذا وجود طيف لاضطراب المزاج ثنائي القطب قد يقسم بعدة طرق؛ منها تقسيمه إلى 1- دورية المزاج (المذكورة آنفاً)، 2- اضطراب المزاج ثنائي القطب من النمط I، ويمتاز بحدوث نوبة هوسية أو مختلطة واحدة على الأقل، 3- اضطراب المزاج ثنائي القطب من النمط II، الذي يمتاز بحدوث نوبة هوس خفيف واحدة على الأقل ونوبة اكتئابية واحدة على الأقل.
وتشخيص الاضطراب ثنائي القطب ليس سهلاً دوماً، ولاسيما حين يبدأ بنوبة اكتئابية من دون سوابق مرضية، ومن المميزات التي تساعد على التشخيص في هذه الحالة: القصة العائلية لاضطراب ثنائي القطب، والبدء المبكر قبل سن العشرين، والحدوث الموسمي أو التأثر بالفصول، والبدء الحاد الفجائي للنوب، وكذلك الانتهاء الفجائي. وتتميز نوب الاكتئاب في الاضطراب ثنائي القطب من نوب الاضطراب الاكتئابي الجسيم بكثرة حدوث الضُلَالات وتبدد الشخصية والغربة عن الواقع، وبالبطء النفسي الحركي، في حين لا يتماشى كثيراً مع الاضطراب ثنائي القطب وجود مرض جسدي آخر كالسكري وارتفاع الضغط وترافقه مع الاكْتِئاب الجُزْئِيّ.
الحالات المختلطة من الاضطراب ثنائي القطب:
هناك حالات لا نموذجية من اضطراب المزاج ثنائي القطب يصعب تشخيصها بسبب وجود أعراض هوسية واكتئابية في النوبة نفسها، وتسمى الهوس المختلط عندما تتظاهر بنوبة هوسية مع أعراض اكتئابية لا تكفي لتشخيص نوبة اكتئابية، وتسمى الاكتئاب المختلط عندما تتظاهر بنوبة اكتئابية مع أعراض هوسية لا تكفي لتشخيص نوبة هوسية. وتتميز هذه الحالات المختلطة بامتزاج الأعراض الهوسية بالاكتئابية؛ فالضحك يتلوه البكاء، والعظمة تليها مشاعر تأنيب الضمير والإحساس بالذنب، وتتناوب فترات الفرح وزيادة الكلام مع أحاسيس من الكآبة والتفكير بالانتحار. وهذه الحالات شائعة وتؤلف نحو نصف حالات الهوس على نحو عام، وثلث حالات الهوس المقبولة في المستشفيات، وغالباً ما توجد قصة عائلية لاضطراب اكتئابي أو ثنائي القطب في العائلة. تكثر هذه الحالات في الإناث، وترافقها خطورة انتحار عالية، وتأخذ شكلاً مزمناً ومزعجاً يسيء إلى حياة المريض، وترافقه نسبة عالية من سوء تعاطي المواد أو الكحول، وتستجيب هذه الحالات لمضادات الاختلاج بوصفها مثبتات مزاج أكثر من استجابتها لليثيوم.
يمتاز الهوس المختلط بأفكار عظمة من دون فرط فعالية، وبعدم استقرار انفعالي، وبشكوك وعدائية، وبقلق وتعب وأفكار انتحارية، وبهياج يغلب عليه الطابع الكلامي، وبزيادة الرغبة الجنسية، وباضطراب البصيرة والتواصل، وبمشاعر فقد القيمة وفقد الاهتمام وزيادة الشهية والوزن. من أجل سهولة التشخيص يُبدأ بالبحث عن أعراض اضطراب تلو الآخر، فيُبدأ بأعراض الهوس ثم الأعراض الاكتئابية ثم الذهانية، ويرافق تبدد الشخصية والغربة عن الواقع والأفكار الضُلالية الحالات المختلطة أكثر مما ترافق الهوس الصرف. والهوس المختلط هو اضطراب قائم بذاته، يدعم تشخيصه وجود شخصية اكتئابية سابقة للمرض تتميز بطبع حزين ومتشائم وبإخفاقات متكررة، وبالخجل والضجر والملل، وبالحساسية للرفض وبنقص التفاعل الاجتماعي، وكلما كان الطبع قبل المرض غير متفق مع الهوس (طبع اكتئابي) كانت الحالة خلال المرض أكثر وصفية للهوس.
أما الاكتئاب المختلط فقد يحدث خلال تطور الاضطراب ثنائي القطب من النمط II، وقد ينجم عن تحريض أعراض هوسية حين معالجة الاكتئاب بدواء مضاد للاكتئاب أو بالتخليج الكهربائي. تتصف هذه الحالة بغزارة الكلام، وزيادة التعابير الإيمائية الوجهية، وتعبير مفرط عن الشكايات، وتعب شديد وتدفق أفكار، وزيادة الشبق (الليبيدو)، وأرق معند على الأدوية، مع تراجع الأداء المهني والاجتماعي والعائلي الشخصي.
معالجة الحالات المختلطة:
فالبروات الصوديوم هو الدواء الأول في الحالات المختلطة ولاسيما في المراحل الحادة، ويفيد في العلاج وفي الوقاية من الأعراض الاكتئابية والهوسية. أما كاربامازبين ففعال في الأعراض الهوسية أكثر مما في الأعراض الاكتئابية، وله تأثير وقائي جيد. وتستجيب الحالات المختلطة لليثيوم على نحو أقل من استجابة الهوس الصرف، ويحسن الليثيوم الطور الاكتئابي أكثر من الطور الهوسي هنا، ولاموتريجين lamotrigene دواء جيد يفيد في الحالات الاكتئابية. أما مضادات الاكتئاب فقد تسبب عدم استقرار في المزاج وزيادة في الحالات المختلطة؛ مما يستدعي الحذر من وصفها إلا في حالات الاكتئاب الصرف.
الاضطراب ثنائي القطب سريع التقلب :rapid cycling
هو شكل سريري من أشكال الاضطراب ثنائي القطب نمط I أو نمط II، يتميز بحدوث أربع نوب مزاجية على الأقل (هوس، هوس خفيف، اكتئاب، حالة مختلطة) في أثناء السنة الماضية، ويحدث في الفترات بين النوب هجوع جزئي أو كلي مدة لا تقل عن شهرين، أو انقلاب المزاج للقطب الآخر المعاكس. وهذا الاضطراب أكثر حدوثاً في المصابين بالاضطراب ثنائي القطب النمط I، ويصيب ثلث المصابين بالنمط II، ولا يستجيب جيداً للعلاج بالليثيوم (نسبة الاستجابة أقل من الربع). ويحدث في 20% من المرضى في أثناء العلاج بمضادات الاكتئاب، وهو أكثر شيوعاً لدى الإناث، وقد يرتبط حدوثه بالدورة الشهرية، كما قد يرافق قصور الغدة الدرقية أو سوابق تناول الكورتيزون أو تناول مضادات الاكتئاب أو وجود إصابات عصبية دماغية.
الإنذار محتفظ به على المدى الطويل. أما العلاج فيفضل عدم وصف مضادات الاكتئاب، وإيقافها إن كان المريض يتناولها، وإعطاء مثبت مزاج من مضادات الاختلاج. ويرى بعضهم فائدة أملاح الليثيوم إذا شاركتها الفالبروات، ويلجأ في حالات عدم الاستجابة إلى التخليج الكهربائي أو العلاج بكلوزابين.
الاضطراب ثنائي القطب في المسنين:
يبدو أنه شائع ومنتشر أكثر مما يشخص، ويقدر أن الاضطراب الاكتئابي موجود في أكثر من عشرين بالمئة من ساكني دور المسنين.
الاضطراب ثنائي القطب المحرض دوائياً:
هناك بعض الأدوية التي قد تثير هجمة هوس، أهمها: مضادات الاكتئاب والستيروئيدات ومسكنات الألم (كودئين، اندوميتاسين، بنتازوسين، ترامادول، نيفوبام nefopam، بيبرونورفين)، والمنبهات النفسية (مثل أمفيتامين وميثيل فينيدات)، ومضادات داء باركنسون (مثل امانتادين، ليفودوبا، بروسيكليدين، بروموكريبتين)، وبعض الأدوية الصدرية (مثل سالبوتامول، بسودوافدرين، امينوفيلين، افدرين)، وبعض الصادات الحيوية (مثل كلارثروميسين، مضادات التدرن، كلوروكين)، وبعض الأدوية القلبية (مثل كابتوبريل، كلونيدين، ديجوكسين، رزربين، بروبرونولول، ديلتيازم، هيدرالازين) وانترفيرون، وسيكلوسبورين ، وباكلوفين، وبعض الأدوية الهضمية (مثل سيميتيدين، ميتوكلوبراميد، رانيتيدين)، والمعالجة بالتخليج الكهربائي. كما قد تحدث نوبة هوسية عند سحب بروبرانولول أو ميتيل دوبا.
إنذار اضطرابات المزاج:
يختلف سير الاضطراب المزاجي بحسب شدة الأعراض ونوعيتها، وتعد اضطرابات المزاج على نحو عام اضطرابات مزمنة، ويتفاوت إنذارها تفاوتاً شديداً من مريض إلى آخر، فقد تحدث نوبة عابرة خفيفة تشفى تلقائياً (أعراض غريبة سريعة الزوال)، لكن النكس محتمل دوماً. قد تتكرر نوبات اكتئابية في بعض المرضى ونوبات هوسية في غيرهم، في حين تتناوب النوبات الاكتئابية والنوبات الهوسية في آخرين. وقد تشتد وتتقارب النوبات، وقد تحدث النوبة بمحرض خارجي أو من دون سبب واضح، وقد يعود الشخص سوياً تماماً بعد انقضاء النوبة، أو تبقى أعراض تتدرج من الخفيفة حتى الشديدة المقعدة للمريض.
تستمر النوبة المزاجية حالياً بين 4-8 أسابيع بالعلاجات الحديثة (كانت تستمر النوبة 6-12 شهراً قبل اكتشاف العلاجات الحديثة)، وتحدث نوبة وحيدة لا تتكرر في 10-15% من الحالات، ويأخذ الاضطراب سيراً مزمناً في 10-15% من الحالات، ويمر الاضطراب بفترات هجوع مع نكس متكرر (من 1-3 نوب/السنة) في 70-80% من الحالات، ويموت انتحاراً 15% من المصابين بالاكتئاب.
يسوء الإنذار بتأخر التشخيص الذي يؤدي إلى مضاعفات متنوعة منها التأذي المهني (تغيب عن العمل، وفقد الوظيفة، ونقص الإنتاج وتردٍ اقتصادي ومشكلات مالية ومعيشية)، واضطراب العلاقات الاجتماعية (إذ يعاني أكثر من ثلثي المرضى من صعوبات في التلاؤم والتأقلم العائلي والاجتماعي وخلل في العلاقات العائلية ومشاكل عائلية وطلاق وعدم استقرار عاطفي)، وتأثير سلبي في المعالجة (كرفض المعالجة وعدم المطاوعة العلاجية)، ومضاعفات طبية نفسية (مثل تعاطي المخدرات والكحول)، ومشكلات قانونية وجنائية بسبب نوبة الهوس (كالديون الباهظة والأفعال المخلة بالأخلاق والجنايات) ومحاولات الانتحار. ومن مؤشرات سوء الإنذار: تكرر النوبات وخاصة ثنائية القطب، وبدء المرض بعد عمر 50 سنة، ووجود أعراض جسدية أو مراقية مزمنة، أو أعراض ذهانية.
أما عوامل حسن الإنذار فتتضمن صغر سن المريض، وبدء النوبة السريع، وغياب الأعراض الذهانية، وقصر مدة النوبة، وغياب القصة العائلية، وغياب اضطراب الشخصية قبل المرض. وإنذار النوبة الأولى أحسن من إنذار النوب التالية.
قد تتطلب معالجة اضطرابات المزاج الاستشفاء حفاظاً على سلامة المريض وسلامة المجتمع، وقد يكون الاستشفاء بإرادة المريض أو قسرياً في حال فقدان البصيرة، وإذا سبب المريض خطورةً على نفسه أو تهديداً لحياة الآخرين أو للسلامة العامة. ويستطب الاستشفاء بقصد السيطرة على الهجمات الهوسية أو الاكتئابية حين يرافق الهوسَ سلوكٌ عدواني وعنف، وفي الاكتئاب الشديد أو الاكتئاب الذهولي أو السبات الاكتئابي، وحين وجود محاولات انتحارية أو تهديد بها، وعند رفض الطعام التام ورفض تناول الدواء، أو سوء استخدامه وسوء الحالة الصحية العامة، وفي فقد البصيرة والمحاكمة.
المعالجة الدوائية:
تعدّ الأدوية العلاج الأساسي للاضطرابات المزاجية، وفي بعض الحالات يبدأ العلاج في المستشفى لمراقبة التأثيرات الجانبية ولاختيار الدواء المناسب.
1-علاج النوبة الهوسية:
أ- مضادات الذهان [ر. المعالجات في الطب النفسي]، كمشتقات الفينوثيازين (كلوربرومازين 300-800 ملغ/يوم)، ومشتقات البيتيروفينون (هالوبيريدول 10-40 ملغ/يوم)، ومشتقات الثيوكزانتين (زيكلوبنتيكسول 25-150 ملغ/يوم)، وأولانزابين (10-30 ملغ/يوم)، وريسبريدون (4-8 ملغ/يوم). قد يبدأ العلاج بالطريق العضلي عدة أيام، ثم حين تحسن الأعراض السريرية يتابع العلاج بالطريق الفموي مع تعديل الجرعات التي تكون في البداية هجومية ثم تخفف تدريجياً مع متابعة المعالجة مدة لا تقل عن ستة أشهر أو سنة، ولمدة سنوات أو على نحو دائم في الحالات المتكررة أو الشديدة.
ب- المهدئات لمدة زمنية قصيرة في أثناء فترات الهياج، كالبنزوديازبين (ديازيبام 10-30ملغ/يوم، لورازيبام 1-4ملغ/يوم).
ج- منظمات المزاج: الدواء المعدل أو المنظم للمزاج هو الذي يكون فعالاً في علاج الأطوار المزاجية الحادة وفعالاً في علاج الأعراض الذهانية المرافقة وفي الوقاية من تكرار النوب. ويعد الليثيوم الدواء الأكثر نوعية وفاعلية في العلاج والوقاية من نوبات الهوس وفي الاضطراب ثنائي القطب، لكن ما يحد من شيوعه هو كثرة تأثيراته الجانبية. وتستخدم مضادات الاختلاج على نطاق واسع في العلاج والوقاية من الاضطراب الهوسي والاضطراب ثنائي القطب نظراً لسلامتها وقلة تأثيراتها الجانبية ولاسيما الكاربامازبين وفالبروات الصوديوم واللاموتريجين.
2-علاج النوبة الاكتئابية:
تفيد مضادات الاكتئاب في أكثر من 70-80% من الحالات، وتعند عليها بقية الحالات، تُعطى مضادات الاكتئاب المهدئة حين ترافق الاكتئابَ أعراضُ القلق، ومضادات الاكتئاب الحاثّة حين يرافق الاكتئابَ البطءُ والخمول، وتُعطى مضادات الذهان مع مضادات الاكتئاب المهدئة في حالة الاكتئاب الذي يرافقه أعراض ذهانية.
هناك عدد كبير من مضادات الاكتئاب [ر. المعالجات في الطب النفسي] تصنف ضمن مجموعات، منها مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة مثل ايميبرامين (75-250 ملغ/يوم)، وكلوميبرامين (75-250 ملغ/يوم)، واميتريبتيلين (75-250 ملغ/يوم)، ومضادات الاكتئاب رباعية الحلقة مثل مابروتيلين (75-250 ملغ/يوم)، ومُثَبِّطات أُكسيداز أُحادِيِّ الأَمين MAOI مثل فينيلزين وموكلوبيميد.
والأدوية الأكثر استخداماً هي مضادات الاكتئاب المثبطة لاسترداد السيروتونين الانتقائية SSRI، مثل فلوكسيتين (20-60 ملغ/يوم)، وسيرترالين (50-150 ملغ/يوم)، وباروكسيتين (20-60 ملغ/يوم)، وسيتالوبرام 20-60 ملغ/يوم وغيرها. كما تستخدم مثبطات استرداد السيروتونين والنورادرينالين مثل فنلافاكسين (50- 375 ملغ/يوم)، وناهضات مستقبلات السيروتونين مثل ترازودون ونيفازودون.
تستمر معالجة نوبة الاكتئاب الأولى 6- 9 أشهر بعد زوال الأعراض، أما حين تكرر النوبات فيجب متابعة المعالجة مدة طويلة تستمر أحياناً مدى الحياة.
3-المعالجة بالتخليج الكهربائي :electroconvulsive therapy (ECT)
تطور العلاج بجلسات التخليج الكهربائي (الصدمة الكهربائية) بعد تطور الأجهزة المستعملة لإجرائه. وتُعدّ هذه الطريقة من المعالجات الفعالة جداً، وتطبق بتواتر 2-3 جلسات أسبوعياً، بمجموع نحو 6-8 جلسات يتم في أثنائها تمرير تيار كهربائي 75-175 ڤولط، وحيد الجانب أو ثنائي الجانب (بتطبيق مسريين كهربائيين على الناحيتين الصدغيتين) وذلك تحت التخدير العام وبعد إعطاء المرخيات العضلية. وهناك فرضيات كثيرة لتفسير آلية تأثيرها، منها إعادة التوازن للنواقل العصبية في المشبك العصبي في الدماغ، أو تعديل وظيفة الوطاء، أو إعادة التوازن للمستقبلات العصبية السيروتونية ما بعد المشبك زائدة الحساسية في الاكتئاب وناقصة الحساسية في الهوس.
تستطب المعالجة بالتخليج الكهربائي في حالات الاكتئاب الشديد حين وجود بطء نفسي حركي شديد، أو ضُلَالات، أو أفكار انتحارية شديدة، أو سوء حالة عامة ونقص وزن. وتستطب في حالات الهوس الشديد التي ترافقها ضُلالات وأهلاسات، وحين العناد على الأدوية أو استحالة إعطاء الدواء لأي سبب كان. كما تستطب في الاكتئاب عند المسنين وأحياناً عند الحوامل. ومضاعفاتها قليلة؛ فقد أصبح حدوث الكسور العظمية نادراً جداً بعد اللجوء إلى التخدير العام، كما أن الوفاة بسبب اضطراب نظم القلب أو القصور التنفسي الحاد الناجم عن التخدير نادرة جداً، وقد يحدث انقلاب المزاج ولاسيما في الاضطراب ثنائي القطب، أما المضاعفات الشائعة فهي النساوة العابرة التي قد تستمر أياماً أو أسابيع قليلة.
4-المعالجات النفسية:
تهدف المعالجات النفسية إلى إقامة علاقة ثقة بين الطبيب والمريض، وفهم مشاكل المريض وصراعاته الداخلية، وشرح أسباب المرض وأعراضه، وتوفير الدعم الاجتماعي والنفسي. وتشتمل المعالجات النفسية على المعالجة السلوكية والمعرفية، ويُبدأ بها منذ بداية العلاج في الحالات الخفيفة أو بعد استقرار حالة المريض في الحالات الشديدة.
العلاج النفسي جزء لا يتجزأ من علاج الاكتئاب، وأهميته كبيرة في تحسين نوعية الحياة وزيادة نسبة الشفاء والإقلال من النكس. وتمر المعالجة النفسية بمراحل متلاحقة بحسب الصورة المسيطرة على المريض، ففي المرحلة الحادة من المناسب الإصغاء جيداً للمريض، وعدم الغوص في العملية العلاجية النفسية ريثما تتحسن حاله بفعل المعالجة الدوائية، ثم بعد استقرار المريض يُبدأ بالمعالجة النفسية المناسبة. يجب سؤال المريض على نحو غير مباشر عن أفكاره الانتحارية، وتوفير بيئة آمنة، وإبعاد كل وسائل الخطورة عن متناوله (سكين - حبل - ربطة عنق - شفرات حلاقة). كما يجب مراقبة تناوله للطعام، وتشجيعه على التعبير عن مشاعر اليأس والتشاؤم، وعلى أن يصرح عن أفكار الانتحار قبل تنفيذها، وعلى استخدام الجهد الجسمي لتفريغ الغضب والحزن، وتعليمه وسائل تفريغ الغضب كالرياضة مثلا، كما يجب تشجيعه على زيادة الشعور بقيمته الذاتية وأنه مقبول، والطلب منه أن يضع هو بعض التدابير التي يقترحها لتفريغ الغضب أو القلق.
- التصنيف : الأمراض النفسية - النوع : الأمراض النفسية - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 62 مشاركة :