فقر الدم المرافق ل-لأمراض المزمنة
فقر دم مرافق للامراض مزمنه
anemia of chronic diseases - anémie des maladies chroniques
فقر الدم المرافق للأمراض المزمنة
حسان مؤذن
يقصد بهذا الاصطلاح فقر الدم الحادث في معظم الأمراض المزمنة anemia of chronic disease (ACD) التي تشمل السرطانات والأخماج والالتهابات؛ إذ تكون الأعراض والعلامات المرافقة لفقر الدم فيها متشابهة.
لما كان فقر الدم خفيفاً في هذه الحالات فإن معظم مظاهره السريرية تكون مختبئة تحت الأعراض السريرية للآفة الأصلية؛ ولاسيما في نزلاء المستشفيات.
أ- يتطور فقر الدم الذي يرافق السرطان مع تطور الآفة الخبيثة بقطع النظر عن ارتشاح نقي العظم أو عدم ارتشاحه، ونتيجة للتطور التدريجي لفقر الدم هذا فإنه لا يلاحظ بوضوح إلا بعد حدوث أعراض السرطان على نحو صريح متقدم؛ إذ إن التعب والشحوب يحدثان دائماً في الأمراض الخبيثة سواء حين وجود فقر الدم أم عدم وجوده، ويصعب لذلك معرفة ظهور هذه الأعراض والعلامات؛ أهي نتيجة الإصابة بالآفة الخبيثة أم نتيجة فقر الدم.
أما حين حدوث نزف هضمي تالٍ لآفة خبيثة أو حين ارتشاح نقي العظم بالخلايا الخبيثة؛ فيكون فقر الدم شديداً؛ وأعراضه أسرع حدوثاً وظهوراً.
ب- والمرضى المصابون بالأخماج المزمنة مثل التهاب شغاف القلب الخمجي أو السل أو التهاب العظم والنقي أو الأخماج المقيحة يتطور فقر الدم فيهم خلال شهر واحد، ولا يحدث فقر دم في المصابين بالأخماج الجرثومية المحدودة أو الأخماج الڤيروسية العارضة.
جـ- أما الحالات الالتهابية مثل أمراض الكولاجينcollagen والتهاب المفاصل الرثياني (الرموماتويدي) أو داء كرون؛ فيصاحبها دائماً فقر دم بسيط.
يكون فقر الدم الحادث سوي الحجم سوي الصباغ، ولكنه قد يكون صغير الحجم (80 mcv<) وناقص الصباغ في الالتهابات المزمنة الشديدة. أما خضاب الدم فيراوح بين 8غ/100مل و11غ/100مل، وقد يصل في حالات الالتهابات الطويلة الأمد والشديدة عند طريحي الفراش حتى 6غ/100مل.
لا يزداد عدد الشبكيات، أما عدد الكريات البيض والصفيحات؛ فيكون طبيعياً أو مزداداً، وعيار حديد المصل يكون دائماً ناقصاً على نحو ملحوظ مع انخفاض السعة الرابطة للحديد transferrin انخفاضاً واضحاً؛ مما يؤدي إلى انخفاض بسيط في نسبة الإشباع، وقد تكون هذه النسبة طبيعية. أما مخازن الحديد سواء الموجودة في نقي العظم أم الموجودة في الكبد، وعيار فريتين ferritin المصل فتكون جميعها طبيعية أو مزدادة.
تبقى خلايا نقي العظم طبيعية تماماً، وتكون نسبة M/E طبيعية أو منخفضة قليلاً مؤكدة فشل إعاضة نقي العظم لفقر الدم الحادث.
ويلاحظ نقص واضح في تركيز ألبومين albumin المصل وزيادة في تركيز البروتوبورفيرين protoporphyrin الحر الناجم عن انحلال الخلايا الحمر، أما عمر الخلايا الحمر المقاس بوساطة الكروم الموسوم للخضاب؛ فيكون دائماً ناقصاً مما يدل على انحلال الخلايا الحمر انحلالاً بسيطاً.
وبروتينات البلازما تشاهد فيها زيادة واضحة في البروتينات الالتهابية:
* .C-reactive protein
* amyloid A-protein.
* fibrinogen.
* ceruloplasmin.
* haptoglobin.
* المتمه .C3
تزداد البروتينات الالتهابية المذكورة آنفاً زيادة كبيرة، وتظل مرتفعة مادام سبب الالتهاب موجوداً؛ وذلك على حساب صناعة الألبومين والترانسفرين اللذين يقل تركيزهما في الدم، ويتم إنشاء هذه البروتينات الالتهابية في الخلايا الكبدية ويمكن تقدير شدة الالتهاب الحاصل من شدة ارتفاع تلك البروتينات، والعكس صحيح؛ أي يمكن تقدير شفاء الآفة الأصلية بانخفاض كمية تلك البروتينات الالتهابية.
ومن المعروف أيضاً أن للـ interleukin (وسيط التهابي ذو وزن جزيئي منخفض) الذي تصنعه الكريات البيض شأناً رئيساً في الآلية الإمراضية لفقر الدم المصاحب للأمراض المزمنة؛ لأن له شأناً رئيسياً في اضطراب استقلاب الحديد الحادث في تلك الأمراض .
تعدّ البلاعم الموجودة في الجهاز الشبكي البطاني المنظم الرئيس لحركية الحديد واستقلابه؛ إذ إن الحديد المستخلص من الكريات الحمر المنتهي عمرها يحفظ، ويخزن، ولا يطلق مباشرة في البلازما؛ مما يؤدي إلى نقص حديد المصل، والآلية التي تؤدي إلى خزن الحديد في البلاعم وعدم إطلاقه في البلازما آلية غير مفهومة تماماً.
واللاكتوفرين lactoferrin هو بروتين مرتبط بالحديد موجود في الحليب وفي أغلب المفرزات الجسدية، وتركيزه في البلازما قليل, وهو يصنع ويخزن في حبيبات نوعية داخل الخلايا البيض المعتدلة (P.N.N)، ويطلق في أثناء البلعمة إذ يوجد بتراكيز كبيرة في موقع الالتهاب. ويبدو أن إفراز اللاكتوفرين من الكريات البيض ينجم عن التنبيه بالإنترلوكين interleukin الذي يصنع؛ ويفرز من خلايا وحيدات النوى والبلاعم. ومع التشابه الكبير بين اللاكتوفرين والترانسفريين؛ فهما مختلفان مناعياً وتركيباً، ويتميز اللاكتوفرين بأنه أكثر ارتباطاً بالحديد كما أنه لا يعبر إلى مولدات الخلايا الحمر، ولا يسبب نقص امتصاص الحديد في الجهاز الهضمي.
لذا فالنتيجة تكون على نحو عام نقص حديد الدم نتيجة انزياح الحديد باتجاه المخازن وانخفاض تزويد مكونات الخلايا الحمر الموجودة في نقي العظم بالحديد الكافي.
وقد لوحظ عدم وجود علاقة واضحة بين شدة فقر الدم وتركيز erythropoietin في الدم كما هو معروف في بعض حالات فقر الدم.
ويكون منحنى ألفة الأكسجين بالخضاب Hb oxygen affinity ناقصاً أو متجهاً نحو اليمين؛ مما يعكس عدم الاستجابة لفقر الدم الحادث أو لنقص الأكسجة الدموية.
ونتيجة هذه الآلية المرضية فإن عمر الخلية الحمراء لا يتجاوز سبعين يوماً في حالات فقر الدم التالي للأمراض المزمنة (مقارنة بـ 120 يوماً في الأشخاص الطبيعيين) كما أن هناك فشلاً واضحاً في زيادة قدرة إنتاج الخلايا الحمر في نقي العظم لمعاوضة نقص مدة حياة الخلايا الحمر الحاصل، ويعود هذا إلى:
1- عدم كفاية التزويد بالحديد في عملية صنع الخلايا الحمر.
2- عدم كفاية الإرثروبويتين erythropoietin.
3- عدم قدرة نقي العظم على الاستجابة للتنبيه بوساطة الآريتروبيتين.
وهناك آليات وأسباب أخرى لفقر الدم في الأمراض المزمنة، فقد يحدث فقر دم انحلالي مناعي المنشأ نتيجة إنتاج أضداد للخلايا الحمر في بعض الأمراض الجهازية (أمراض الأنسجة الضامة)؛ ولاسيما في المصابين بالذئبة الحمامية المجموعية (S.L.E) أو بعض الأخماج أو الأورام (ولاسيما الأورام التي تصيب الجهاز اللمفاوي: داء هودجكن وابيضاض الدم اللمفاوي المزمن).
كما أن هناك فقر دم انحلالياً وعائي المنشأ microangiopathy، فقد يحدث انحلال داخل الأوعية في بعض حالات الانتشارات الخبيثة للكارسينوما الغدية adenocarcinoma، ولوحظ أحياناً تشكل أضداد ذاتية autoantibodies ضد الخلايا الجذعية stem cells في نقي العظم مسببة فقر دم شديداً.
يجب تقصي فقر الدم الحادث في المصابين بالأمراض المزمنة جيداً لاستبعاد آفات العوز الغذائي (نقص ڤيتامين B12 ونقص الحديد ونقص حمض الفوليك ونقص ڤيتامين B6) التي يمكن تصحيحها. وكذلك استبعاد الآفات الكبدية والكلوية وقصور الغدة الدرقية. مع العلم أن المريض المصاب بالأمراض المزمنة يتحمل فقر الدم (حتى مستوى خضاب 8غ/100مل) على نحو جيد من دون معاوضات وظيفية؛ ولاسيما أنّ حركة المرضى المصابين بهذه الأمراض تكون محدودة، كما أن هناك علاقة بين شدّة الالتهاب وشدة فقر الدم. لذا فإن نقل الكريات الدم الحمر المركزة يكون ضرورياً فقط حين يصبح فقر الدم عرضياً وعلى نحو واضح؛ لأن معالجة الالتهاب أو الخمج الأصلي معالجة فعالة تقود إلى شفاء الآفة وشفاء فقر الدم المصاحب، كما أنّ فقر الدم في حالات السرطان تختفي تماماً حين شفاء السرطان.
ومعالجة فقر الدم المصاحب للأمراض المزمنة بالحديد وحمض الفوليك وڤيتامين B12 غير فعالة، ويجب تجنبها.
- التصنيف : أمراض الدم - النوع : أمراض الدم - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 86 مشاركة :