فقر الدم صغير الكريات ب-عوز الحديد
فقر دم صغير كريات بعوز حديد
microcytic anemia - anémie microcytaire
فقر الدم صغير الكريات بعوز الحديد
غسان عزيز
الحديد |
عوز الحديد |
الأشكال الثلاثة لمركبات الحديد العضلية والوريدية المتوافرة |
يعدّ فقر الدم صغير الكريات microcytic anaemia أكثر أنواع فقر الدم شيوعاً في العالم، وسببه الغالب عوز الحديد الذي يعزى إلى قدرة الجسم المحدودة على امتصاص الحديد والضياع المستمر الناجم عن النزف. ومن أشكال فقر الدم صغير الخلايا ناقص الصباغ فقر الدم المرافق للأمراض المزمنة وفقر الدم بالأرومات الحديدية والتلاسيميا، ويكمن العيب في المرض الأخير في تركيب الخضاب خلافاً لباقي فاقات الدم صغيرة الخلايا التي يكمن عيبها في تركيب الهيم.
تبلغ كمية الحديد الوسطية في وجبة الشخص البالغ (15-20ملغ) يمتص منها 10% فقط في الحالة الطبيعية، ولكن قد تتزايد نسبة الجزء الممتص حتى 20-30% في عوز الحديد والحمل.
يكوّن حديد الهيم الجزء الأساسي من الحديد الكلي، ويوجد في الهيموغلوبين والميوغلوبين (في اللحم الأحمر)، أمّا الحديد غير الهيمي (الذي لا يؤخذ من الهيم) فيأتي من الحبوب الغنية بالحديد، وحديد الهيم أفضل امتصاصاً من باقي أشكال الحديد التي تتأثر بمكونات الطعام الأخرى.
الامتصاص:
يمتص الحديد في العفج والصائم والدقاق بعملية معقدة تتأثر بعدة عوامل كحموضة المعدة التي تحافظ على الحديد ذواباً، ويكون الحديد الثنائي أكثر امتصاصاً من الحديد الثلاثي، ويبقى مستوى الحديد في الجسم ضمن مجال محدد ضيق جداً، وهناك توازن بين وارد الحديد وما يطرحه الجسم منه.
لا تزال آلية امتصاص الحديد ونقله عبر الخلايا الظهارية غير محددة بدقة، ولكن يبدو أن امتصاصه ذو علاقة بمخازن الحديد الكلي في الجسم، ولا يتمكّن الجسم من طرح الحديد بعد امتصاصه، وقد يحدث فرط حمل الحديد نتيجة زيادة امتصاصه كما هو الحال في داء الصباغ الدموي. وتقوم خلايا الأمعاء المخاطية بضبط امتصاص الحديد وتنظيمه تنظيماً دقيقاً، ويقترن الحديد الزائد في الخلايا المخاطية بالإبوفيريتين apoferritin ليشكل الفيريتين ferritin الذي يطرح عبر اللمعة المعوية حين تتوسف الخلايا المخاطية.
تعبر كمية أكبر من الحديد إلى الخلايا حين وجود عوز حديد، وتنتقل نسبة أكبر منه من داخل الخلايا إلى الوريد البابي، أمّا لدى فرط حمل الحديد فإن كمية أقل منه تدخل إلى الخلايا، ويطرح معظم الحديد الداخل بتوسف الخلايا الظهارية إلى لمعة الأمعاء.
العوامل المؤثرة في امتصاص الحديد:
1- امتصاص الحديد الثنائي أفضل من امتصاص الحديد الثلاثي.
2- امتصاص حديد الهيم أفضل من امتصاص الحديد اللاهيمي.
3- تساعد حموضة المعدة على إبقاء الحديد بشكل حديد ثنائي ذواب في السبيل الهضمي العلوي.
4- يُنقص تكوين مركبات غير ذوابة مع الفوسفات أو الفيتات درجة امتصاص الحديد.
5- يزداد امتصاص الحديد حين نقص مخازن الحديد وفرط نشاط الجملة الحمراء كما يحدث في حالات النزف والانحلال.
6- ينخفض امتصاص الحديد حين فرط حمل الحديد باستثناء داء الصباغ الدموي الوراثي (داء ترسب الأصبغة الدموية) hemochromatosis الذي يتسم بزيادة امتصاص الحديد باستمرار.
انتقال الحديد في الدم:
يبلغ مقدار الحديد الطبيعي في المصل زهاء (11-30 مكرومول/ليتر)، ويبدو أن مستوى الحديد في المصل يخضع لنظم نهاري؛ إذ تسجّل أعلى مستويات الحديد في الصباح. وينتقل الحديد في الدوران مرتبطاً مع الترانسفيرين transferrin، والترانسفيرين هو بيتا غلوبين يصنع في الكبد، ويرتبط كل جزيء منه بذرتي حديد ثلاثي. ويكون ثلث الترانسفيرين تقريباً مشبعاً في الحالة الطبيعية، ومعظم الحديد المرتبط مع الترانسفيرين مصدره بالعات الجهاز الشبكي البطاني وليس من الحديد الممتص من الأمعاء.
مخازن الحديد:
يبلغ محتوى جسم البالغ من الحديد 2.5-3 غرام، يوجد ثلثا هذه الكمية في الخضاب ضمن الدوران، ويخزن الحديد في الخلايا الشبكية البطانية والخلايا الكبدية والخلايا العضلية الهيكلية، ويكون ثلثا المخزون بشكل فيريتين وثلثه بشكل هيموسيدرين في الحالة الطبيعية، وتوجد كميات زهيدة من الحديد في المصورة مرتبطة مع الترانسفيرين أو متحدة مع الميوغلوبين أو الإنزيمات.
الفيريتين مركب ذواب بالماء مؤلف من الحديد والبروتين، وهو أسهل حركة من الهيموسيدرين حين تكوّن الخضاب، ويوجد بكمية ضئيلة في البلازما، أمّا الهيموسيدرين فهو مركب غير ذواب بالماء مؤلف من حديد وبروتين يوجد في البالعات ضمن الجهاز الشبكي البطاني في النقي والكبد والطحال، وعلى عكس الفيريتين يمكن رؤيته بالمجهر العادي في المقاطع النسيجية وشرائح النقي بعد التلوين بملون بيرلز Perls’ reaction.
الاحتياجات:
يفقد الشخص البالغ الطبيعي يومياً زهاء (0.5-1ملغ) من الحديد عن طريق البراز والبول والعرق، وتفقد المرأة في سن النشاط التناسلي شهرياً قرابة (40مل من الدم)؛ أي بمعدل خسارة حديد قدرها 0.7ملغ يومياً. ويؤدي فقدان أكثر من 100مل دم في أثناء الطمث إلى عوز حديد غالباً لأنّ زيادة الامتصاص المعوي للحديد لا تكفي لتعويض النقص الحاصل، وتزداد الحاجة إلى الحديد في أثناء النمو وفي أثناء الحمل، ويبقى تركيز الحديد في الجسم لدى البالغ السليم ثابتاً نسبياً.
تصنف زيادة محتوى الحديد فـي الجسم (داء الصباغ الدموي) في:
1- داء الصباغ الدموي الوراثي.
2- داء الصباغ الدموي الثانوي (حُداد نقل الدم) الذي يتلو نقل كميات كبيرة من الدم.
يحدث فقر الدم بعوز الحديد iron deficiency حين تكون كمية الحديد غير كافية لتكوين الخضاب، ويبقى مستوى الخضاب ثابتاً مدّة طويلة بعد فقدان الحديد ونفاد مخازنه، ويقال عند ذلك هناك عوز حديد خفي.
| |||||||||||||||||||||
الجدول (1) يبين توزع الحديد في شخص سوي وزنه 70كغ |
الأسباب:
1- فقد الدم: كما في النزف الهضمي العلوي من قرحة هضمية أو ورم معدة أو دوالي مري أو نزف هضمي سفلي ناجم عن أورام القولون، والأمراض الالتهابية المزمنة مثل التهاب القولون القرحي وداء كرون، والبواسير النازفة والشق الشرجي، واستخدام الأسبرين، والأورام الوعائية الهضمية السليمة، واحتشار infestation بالشصيات والنزف البولي بأسبابه المختلفة الكلوية وآفات الطرق المفرغة uncinaria، إضافة إلى ذلك في النساء: النزف الطمثي الوظيفي أو النزف الرحمي لوجود ورم ليفي مثلاً أو ورم خبيث، والنزف التالي للولادة والإجهاضات المتكررة.
2- زيادة الحاجة إلى الحديد كما في الحمل وتعدد الحمول والإرضاع والنمو.
3- نقص امتصاص الحديد (بعد استئصال المعدة مثلاً) أو الداء البطني (الزلاقي).
4- نقص الوارد من الحديد ولا سيما عند النباتيين أو الناس المهملين.
5- ضياع الحديد في الانحلالات داخل الأوعية مثل البيلة الخضابية الاشتدادية الليلية وسوء الدسامات القلبية الصنعية.
تحدث أغلب حالات عوز الحديد من فقدان الدم من السبيل المعدي المعوي أو الرحم، ويضطّرب توازن الحديد في معظم النساء قبل سن اليأس بسبب فقدان الدم خلال الطمث. ومع شيوع فقر الدم بعوز الحديد في البلدان النامية فإنّه يبقى نادراً في البلدان المتطورة، ويسهم نقص حديد الوجبات الغذائية الفقيرة ذات النوعية المتواضعة في إحداث عوز الحديد في سكان البلدان النامية.
المظاهر السريرية:
يعتمد ظهور الأعراض على درجة عوز الحديد ومدته وبالتالي درجة فقر الدم وبدئه الحاد أو المزمن التدريجي، فإضافة إلى الأعراض والعلامات العامة لفقر الدم المعروفة (الخفقان، وسرعة التعب، والشحوب، وضيق النفس…) يؤدّي فقر الدم بعوز الحديد إلى عوز الحديد في النسج وإحداث تبدلات خلوية بطانية نتيجة نقص الحديد في الخلايا، ومن التبدلات المميزة لعوز الحديد:
1- تقصف الأظفار.
2- تقعر الأظفار.
3- ضمور الحليمات اللسانية.
4- التهاب زاوية الفم.
5- تقصف الأشعار.
6- عسر البلع والتهاب اللسان (متلازمة بلومرفينسون Plummer- Vinson أو متلازمة باترسون - براون - كيلي Paterson-Brown- Kelly).
7- شهوة الطين pica، وأكل الطباشير، والجليد، وحب الروائح كالبنزين وغيرها.
8- الخداج شائع عند الأمهات المصابات بعوز الحديد.
9- التهاب المعدة الضموري.
يستند تشخيص فقر الدم بعوز الحديد إلى أخذ قصة سريرية مفصلة تبيّن الوارد الغذائي وتناول مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية (التي قـد تزيد النزوف الهضمية) ووجود دم في البراز (الذي قد يكون علامة على نزوف السرطانات المعوية السفلية)، ولدى النساء يجب السؤال بدقة عن مدة الطمث ووجود الخثرات في دم الطمث وعدد الرفادات الصحية أو الدكات المستخدمة في أثناء الدورة.
الاستقصاءات:
تعداد الدم الكامل: ينخفض الخضاب والهيماتوكريت وتكون جميع المناسيب منخفضة كحجم الكرية الوسطي MCV وتركيز الكرية الوسطي MCH.
اللطاخة المحيطية: تبدي اختلافاً في حجم الكريات الحمر وشكلها، وتكون الكريات الحمر صغيرة الحجم ناقصة الصباغ مع وجود بعض الخلايا العصوية أو الخلايا الهدفية أحياناً، وقد تشاهد الأرومات الحمر السوية المتأخرة ولاسيما في حالات النزف، الصفيحات سوية العدد أو زائدة في حالة النزف.
فيريتين المصل: قد يعكس مستوى الفيريتين المصلي مخزون الحديد على نحو أدق من مستوى الحديد والسعة الرابطة، وتبلغ قيم الفيريتين الطبيعية 30-300 ميكروغرام/ل في الرجال و15-200 ميكروغرام/ل في النساء.
حديد المصل والسعة الرابطة ونسبة إشباع الترانسفيرين: ينخفض مستوى الحديد وترتفع السعة الرابطة للحديد total iron binding capacity (TIBC) في فقر الدم بعوز الحديد وتنخفض نسبة إشباع الترانسفيرين دون الـ 19%.
مستقبلات الترانسفيرين المصلية الذوابة: تزداد في غياب مخازن الحديد وهي في طور الاستخدام حالياً.
بروتوبورفيرين الكريات الحمر: يزداد في عوز الحديد بسبب قلة اندخال الحديد إلى الهيم فيزداد البروتوبورفيرين في الكريات الآخذة بالتشكل، ولكن قد يزداد بفقر الدم بالأرومات الحديدية والتسمم بالرصاص.
بزل النقي وتلوين الهيموسيدرين: يشاهد فرط نشاط الجملة الحمراء في النقي مع سوء تخضب الأرومات الحمر السوية المتأخرة، ولا يعدّ فحص النقي أساسياً لتشخيص فقر الدم بعوز الحديد لكنه مفيد في استقصاء حالات فقر الدم المعقدة؛ وتلوين الهيموسيدرين يكون سلبياً في النسج والأرومات الحمر السوية المتأخرة.
استقصاءات أخرى: تبعاً لموجودات القصة المرضية والفحص الفيزيائي، وكثيراً ما يتطلّب الأمر استقصاء السبيل الهضمي بالتنظير العلوي والسفلي أو الاستشارة النسائية والتصوير بالأمواج فوق الصوتية والمسح الشعاعي.
التشخيص التفريقي:
يشاهد فقر الدم صغير الكريات ناقص الصباغ في عدة حالات غير فقر الدم بعوز الحديد؛ وأهمها التلاسيميا وفقر الدم بالأرومات الحديدية وفقر الدم في سياق المرض المزمن، ويكون مستوى الحديد في هذه الحالات طبيعياً أو زائداً.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||
الجدول (2) الشخصيص التفريقي لفقر الدم صغير الكريات |
معالجة فقر الدم بعوز الحديد:
يقوم التدبير الصحيح لفقر الدم بعوز الحديد على إيجاد السبب المؤهب ومعالجته وإعطاء الحديد لتصحيح فقر الدم وملء مخازن الحديد، ويمكن تقدير الاستجابة لإعطاء الحديد بإجراء تعداد الشبكيات ومعايرة الخضاب.
المعالجة المفضلة إعطاء مركبات الحديد الفموية المحتوية على حديد عنصري جرعته اليومية الكلية 100-200ملغ مقسمة على دفعات، وكمثال سلفات الحديدي (الحبة 300 ملغ تحتوي على 67 ملغ من الحديد الثنائي) الذي يكون امتصاصه أفضل إذا ما أُعطي قبل الطعام، ولدى حدوث تأثيرات هضمية كالغثيان أو الإسهال أو الإمساك يمكن أن يُعطى مع الطعام أو تنقص الجرعة باستخدام مستحضرات تحوي كمية حديد أقل مثل غلوكونات الحديدي (الحبة 300 ملغ تحوي 36ملغ من الحديد الثنائي).
يجب أن يُعطى الحديد بطريق الفم مدة كافية لتصحيح مستويات الخضاب وملء مخازن الحديد (وقد يتطلب ذلك مدة 4-6 أشهر)، أمّا عدم التحسن بالعلاج فقد يكون ناجماً عن:
1- استمرار النزف (النسائي أو الهضمي).
2- سوء امتصاص شديد لم يعالج.
3- حالات أخرى مرافقة تسبب فقر الدم مثل (الإصابة بالملويات Helicobacter أو ورم وغيرها).
4- نقص المطاوعة.
5- خطأ التشخيص.
6- إذا رافق عوز الحديد خمجاً، أو قصوراً كبدياً أو كلوياً.
يجب أن توضع هذه الأمور بالحسبان قبل استخدام الحديد العضلي أو الوريدي، وقد يستلزم الأمر استخدام الشكل الأخير في المرضى الذين تظهر فيهم الأعراض الشديدة ولا سيما الذين لا يتحمّلون المستحضرات الفموية حتى الجرعات الصغيرة أو الذين لديهم سوء امتصاص أو أمراض هضمية مزمنة كالتهاب القولون القرحي أو داء كرون، وتمتلئ مخازن الحديد على نحو أسرع حين استخدام الحديد الوريدي أو العضلي، بيد أن ارتفاع الخضاب لا يكون أسرع لأن دورة تكوين الكريات الحمر تحتاج إلى 5-7 أيام بوجود الحديد مهما كان مصدره. كما يستطب إعطاء الحديد الوريدي Venofer في القصور الكلوي المزمن تزامناً مع الإريثروبويتين وبجرعة 25-150ملغ أسبوعياً وبحسب الفيريتين.
الحد الأدنى لارتفاع الخضاب 2غ/دل كل 3 أسابيع أو بمعدل 15-20ملغ/دل يومياً، ويجب ألا تقل فترة المعالجة عن 3-6 أشهر لتعويض عوز الحديد في الخضاب والمخازن (عودة الفيرتين للسواء).
1- سوربيتول الحديد:Jectofer يجب أن يعطى عميقاً في العضل وجرعته 50-100 مغ في اليوم، وقد يؤهب الحديد ذو الوزن الجزيئي المنخفض المتحرر إلى الدوران والذي يطرح منه نحو 20% في البول لإنتان بولي.
2- دكستران الحديد: وهو معد للحقن الوريدي ببطء أو التسريب، ويجب أن يجرى اختبار الجرعة قبل استخدامه وإعطائه ببطء مع مراقبة طبية لصيقة.
3- سكروز الحديد:venofer وهو الأسلم، ويعطى بالتسريب البطيء أو بالحقن، وجرعته الكلية 1-2غ بحسب درجة فقر الدم.
قد يؤدي استخدام الحديد عن طريق الحقن إلى ارتكاس حاد يتظاهر بالتوهج والغثيان والشرى والقشعريرة والآلام المعممة والإغماء. وارتكاسات متأخرة مثل الآلام المفصلية وارتفاع الحرارة واعتلال العقد اللمفاوية، وقد تستمر عدة أيام. وقد يثير حقن الحديد هجمة الداء الرثياني.
- التصنيف : أمراض الدم - النوع : أمراض الدم - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 29 مشاركة :