فيزيولوجية الكريات الحمر
فيزيولوجيه كريات حمر
physiology of red cells - physiologie des cellules rouges
غسان عزيز
تركيب الخضاب :haemogloblin synthesis
المقادير السوية للكريات الحمر وتغيراتها الفيزيولوجية
الكريات الحمر: هي أقراص مقعرة الوجهين قطرها نحو 7 ميكرون، وحجمها 80-90 فيمتوليتر، يسمح غشاؤها المرن ونسبة كبر سطحها إلى حجمها بتبدل شكلها؛ مما يسهل مرورها في الأوعية الشعرية وأشباه الجيوب الوريدية الطحالية من دون أن تتحطم.
تتولد الكريات الحمر السوية في النقي ثم تطلق إلى الدوران، ويقدر عمرها بنحو 120 يوماً في الدوران حيث تلتقطها الجملة الشبكية البطانية فتتحطم ويتقوض الخضاب داخلها. ويتعلق حجم كتلة الكريات الحمر الدائرة بنسبة ما ينتج منها وما يتخرب، وتتوازى هذه النسبة في الناس الأسوياء، لذلك يكون حجم كتلة الكريات الحمر عندهم ثابتاً، ويتحكم في هذه الآلية الأريترون erythron (جملة الحمر) وإنتاج الكريات الحمر خاصة.
تركيب الخضاب :haemogloblin synthesis
الوظيفة الأساسية للخضاب في الكريات الحمر هي حمل الأكسجين من الرئتين إلى النسج وحمل ثاني أكسيد الكربون من النسج إلى الرئتين. يتألّف جزيء الخضاب الطبيعي (وزنه الجزيئي 68000) في البالغ من سلسلتي α وسلسلتي (2α −2β) β، وتتكوّن السلسلة α من 141 حمضاً أمينـياً، في حين تتكون السلسلة β من 146 حمضاً أمينياً.
يؤلف الخضاب A قرابة 97% من مجموع الخضاب في البالغ، وهناك نوعان آخران من الخضاب؛ الأول هو الخضاب A2 المؤلف من سلسلتي α وسلسلتي δ(2α−2δ)، ويكوّن 1.5-3% من الخضاب في البالغ، والثاني هو الخضاب F المؤلف من سلسلتي α وسلسلتي (2α-2γ)γ، ويكوّن أقل من 1% من الخضاب في البالغ. يتم تصنيع الخضاب في المتقدرات، والخطوة الرئيسية الواسمة لتكوينه هي تحويل الغليسين glycine وحمض السوكسنيك succinic acid إلى حمض δ أمينولافيولينيك δ aminolevulinic acid (ALA)، ويعدّ الڤيتامين B6 تميماً إنزيمياً لهذا التفاعل الذي يتثبّط بالهيم ويتحرّض بالاريتروبيوتين، وينجم عن اجتماع سلسلتي δ−ALA تكوّن حلقة البيرول (مولد البورفوبيلين porphobilinogen) التي تتجمع في رباعيات فتتشكّل البروتوبورفيرينات protoporphyrins، وفي النهاية ينضم الهيم إلى سلسلة الغلوبين لتكوين الهيموغلوبين.
يسهم الشكل المقعر للكريات الحمر في توفير سطح واسع لقنص الأكسجين وثانــي أكسيد الكربون وتحريرهما، ويصبح الهيموغلوبين مشبعاً بالأكسجين في الشعريات الرئوية حيث يكون الضغط القسمي للأكسجين عالياً وألفة الخضاب للأكسجين زائدة، ويتحرر الأكسجين في النسج حيث يكون الضغط القسمي للأكسجين منخفضاً وألفة الخضاب للأكسجين ناقصة.
تقتنص وحدات الهيم الأربع في الخضاب الأكسجين في الرئتين، حتى يصبح مشبعاً.
يسهل 2-3 دي فوسفوغليسريد 2,3-DPG) 2,3) diphosphoglyceride تحرر الأكسجين في النسج (يزداد تركيز 2,3-DPG في داء المرتفعات حتى قبل ارتفاع الاريتروبويتين والخضاب) وكذلك ارتفاع ثاني أكسيد الكربون وانخفاض PH.
يرتبط الخضاب المنزوع الأكسجين في الأنسجة بشوارد الهدروجين المتحررة من تفاعل غاز ثاني أكسيد الكربون مع الماء مما يزيد من تركيز البيكربونات، وفي الرئتين يفقد الخضاب شوارد الهدروجين عندما يتحد مع الأكسجين ويطرح غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يترك المحلول عبر الرئتين.
يستطيع الخضاب أيضاً الارتباط بثاني أكسيد الكربون ولكن بكمية قليلة.
بما أن الكرية الحمراء لا تحتوي نواة أو ريباسات ribosome فإن جميع الإنزيمات الضرورية لاستمرار حياتها يجب أن تكون موجودة داخلها وبكمية كافية من لحظة ولوجها في الدوران، حتى توفر لها دوام البقاء مدة 120 يوماً، إذ إن العامل الرئيسي والجوهري لبقائها حية هو هذه الإنزيمات المنظمة والمنتجة لمصدر الطاقة الضرورية للحفاظ على الكرية الحمراء بحالةٍ فعالة والتي تصون غشاءها المرن وتحافظ على ثبات السوائل والشوارد داخلها وخارجها على السواء وتحميها من المؤكسدات الداخلية والخارجية.
تنجم معظم القدرة التي تستخدمها الكرية الحمراء (85-90%) عن استقلاب الغلوكوز إلى لاكتات بالمسلك اللاهوائي، إذ ينجم عن ذلك جزيئان من مركب عالي القدرة هو الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP) من كل جزيء غلكوز، وتتوفر بقية القدرة من تحويلة الهكسوز إحادي الفوسفات.
لبنية غشاء الكرية الحمراء الخاصة شأن في المحافظة على ما فيها من سوائل وشوارد كهربائية، بمساعدة الطاقة المتوافرة التي شرحت آنفاً. يتألف غشاء الكرية الحمراء من بروتينات بنيوية (40-50%)، وشحوم مؤلفة من الكولستيرول الحر والفسفوليبيد تتبادل بحرية مع شحم البلازما (35-45%) وسكريات (7-15%)، ولهذه المكونات - زيادةً أو نقصاً- شأن في الحفاظ على شكل الكرية الحمراء ونفوذيتها. ويتميز غشاء الكرية بخاصية نفوذية انتقائية تسهل مرور الهوابط مقابل الإيونات المنحدرة بآلية المضخة التي تقايض الصوديوم داخل الخلوي بالبوتاسيوم خارج الخلوي وبوجود الـ(ATP).
أما المكونات الأساسية للجملة التي تحمي الكرية من الأكسدة فهي الغلوتاتيون ثلاثي فسفوبيريدين المرجعة (NADPH)، وإنزيم الغلوكوز -6- فوسفات دي هيدروجيناز (G6PD)، والكلوتاتيون ريدكتاز والكلوتاتيون بيروكسيداز. وكل اضطراب في عناصر مكونات الكرية الحمراء التشريحية أو الفيزيولوجية المذكورة أعلاه ٍسواء كان خلقياً أم مكتسباً يؤدي إلى حالة مرضية تضطرب فيها وظيفتها ويقصر عمرها وتتحطم.
عندما ينتهي عمر الكرية الحمراء تلتقطها جملة الوحيدات البالعة في الجملة الشبكية البطانية ولاسيما في الطحال. ولا تعرف العوامل التي تميز الكريات الحمر الهرمة وتلتقطها، والمعروف أن صمل الكرية الحمراء يزداد تدريجياً بتقدم عمرها مما يصعب عليها اجتياز الدوران الدقيق بما فيه الجيوب الطحالية، إضافة إلى أن الشحنة السلبية السطحية للكريات الحمر تسهم في احتجازها في الجملة الشبكية البطانية حيث يتم تقويض الهيموغلوبين، فيتحرر الحديد من ذرة الهيم ليعاد استخدامه في تركيب هيمو غلوبين جديد. يتفكك الغلوبين المتحرر إلى الحموض الأمينية التي يعاد استخدامها من جديد في البدن. وينجم عن استقلاب البروتوبورفيرين في الهيم البيليروبين اللامباشر عبر سلسلة من التفاعلات، وينقل الأخير بوساطة الألبومين إلى الكبد ليتحد مع حمض الغلوكورونيك مؤلفاً البيليروبين المباشر الذي يفرز عن طريق الصفراء إلى الأمعاء. وهناك كمية ضئيلة من الهيموغلوبين الحر ضمن المصورة (3-10ملغ/ل)، ترتبط مباشرة مع الهابتوغلوبين، وتقوم الكبد باقتناص هذا المعقد وتقويضه مما ينقص من مستوى الهابتوغلوبين في الانحلال ولاسيما في الانحلال داخل الأوعية.
المقادير السوية للكريات الحمر وتغيراتها الفيزيولوجية:
تتغير مقادير الكريات الحمر السويّة في الأشخاص الأصحاء تغيرات كبيرة، تتعلق بعاملين أساسين:
أولهما- عمر المريض وجنسه.
ثانيهما- تموّجات يومية خلال ساعات اليوم الواحد.
تختلف هذه المقادير اختلافاً بسيطاً لا يعبأ به خلال ساعات النهار، فهي أعلى قليلاً في الصباح منها في المساء، فالهيموغلوبين إذا عوير عدة مرات في اليوم الواحد في شخص واحد وجد أن المقدار الصباحي قلما يزيد على 1% عن مقداره المسائي، وغالباً ما يكون أقل من ذلك.
القيم والمشعرات الدموية:
للمخبر أهمية في تشخيص أمراض الدم المختلفة، ومتابعة العلاج، وتقدير الإنذار. وعلم أمراض الدم هو علم سريري ومخبري في الوقت نفسه. وفيما يلي أهم الفحوص الدموية التي يمكن إجراؤها بشكل منوالي للوصول إلى تشخيص المرض، مع ذكر القيم والمشعرات الدموية في الشخص السوي.
تؤخذ عينات الدم من أجل الفحوص الدموية على مادة مانعة للتخثر، وقد وجد أن أفضل هذه المواد هي الـ EDTA أو سترات الصوديوم، وأحياناً الهيبارين.
1- تعداد الكريات الحمر:
تعد الكريات الحمر يدوياً بتمديد العينة ووضع نقطة منها في عدادات خاصة تدرس تحت المجهر بالعين المجردة، ونسبة الخطأ في هذه الطريقة عالية لذلك استبدلت بها حديثاً طريقة التعداد بالاعتماد على أجهزة آلية دقيقة جداً. وكذلك الأمر لتعداد الكريات البيض والصفيحات الدموية.
2- قياس الهيماتوكريت (الرسابة):
وهو أسهل الفحوص الدموية وأكثرها دقة من الناحية العملية. يعرّف بنسبة حجم الكريات الحمر المركزة packed red cell volume (PCV) إلى حجم الدم. يقاس الهيماتوكريت باستعمال أنبوب شعري مملوء بالدم، يسد أحد طرفيه، ويثفل بمثفلة خاصة مدة خمس دقائق.
3- قياس الهيموغلوبين:
يقاس الهيموغلوبين يدوياً أو آلياً، وفي كلتا الحالتين تؤخذ كمية محددة من الدم وتوضع في محلول يفجر الخلايا ويحرر الهيموغلوبين الذي يتحول إلى ميتا هيموغلوبين يلون السائل بالأحمر، وتقاس شدة اللون بمقياس الطيف الضوئي spectrophotometer. وفي الجدول (1) القيم السوية لكل من الكريات الحمر والبيض والصفيحات والهيموغلوبين والهيماتوكريت.
| ||||||||||||||||||||||||||||||
الجدول (1) يبين الحدود السوية لبعض القيم الدموية |
4- تعداد الشبكيات:
يجب لتعداد الشبكيات تلوينها بملون خاص يدعى أزرق الكريزيل اللماع الذي يؤدي إلى تلوين بقايا الرنا RNA. تعداد الشبكيات مشعر دقيق لوظيفة النقي يُعتمد عليه لتصنيف فقر الدم بين متجدد regenerative وغير متجدد aregenerative. نسبة الشبكيات السوية عند الكهول 0.2-2% من الكريات الحمر. وهي عند الولدان 2-6%. أما تعدادها المطلق فيبلغ 25-75*10 9/ل.
5- المشعرات الدموية:
تعرف أيضاً بالمناسب الدموية blood indices، يمكن استخراجها من تعداد الكريات الحمر والهيموغلوبين والهيماتوكريت. وهي تفيد في وصف فاقات الدم المختلفة وتصنيفها. أهم هذه المشعرات هي:
أ- حجم الكرية الحمراء الوسطي:mean cell volume (MCV) وهو يحسب بتقسيم مقدار الهيماتوكريت (%) على عدد الكريات الحمر مقدراً بالمليون، ثم يضرب الناتج بعشرة. يبلغ الـ MCV الطبيعي من 75-95 ميكرون مكعب أو فمتولتر (f1). ويقال إن الكرية الحمراء سوية الحجم normocytic إذا كان الـMCV ضمن الحدود السوية، ويقال إنها صغيرة الحجم microcytic إذا كان MCV أقل من الحدود السوية، وكبيرة الحجم macrocytic إذا كان MCV أكثر من الحدود السوية.
ب- هيموغلوبين الكرية الوسطي:mean cell hemoglobin (MCH) ويحسب بتقسيم الهيموغلوبين مقدراً بالـ غ/دل على تعداد الكريات الحمر مقدراً بالمليون، ثم يضرب الناتج بعشرة. يبلغ الـ MCH الطبيعي من 28-32 بيكوغرام (pg) وهو يساير على الأغلب اتجاه الـMCV.
ج- تركيز هيموغلوبين الكرية الوسطي :(MCHC) ويحسب بتقسيم الهيموغلوبين مقدراً بالغرام بالـ دل على مقدار الهيماتوكريت مقدراً بالنسبة المئوية ثم يضرب الناتج بمئة. يبلغ المقدار الطبيعي 30-34%. إذا كان الـ MCHC ضمن الحدود السوية قيل إن الكريات الحمر سوية الصباغ normochromic، أما إذا كان MCHC أقل من ذلك قيل إن الكريات الحمر ناقصة الصباغ hypochromic.
6- تبدلات الكريات الحمر على اللطاخة الدموية المحيطية:
تعد دراسة اللطاخة الدموية أو فلم الدم blood film من أهم الاختبارات التي تجرى لتحري أمراض الدم ودراستها، تمد نقطة من الدم على شريحة زجاجية نظيفة ثم تلون بأحد الملونات المعروفة كملون كـيمزا أو ملون رايت.
تفيد اللطاخة الدموية في دراسة أشكال الكريات الحمر والبيض وكذلك الصفيحات الدموية. وسيتم بحث ما يتعلق بالكريات الحمر فقط.
أ- تفاوت حجم الكريات: anisocytosis وهو يعني وجود فروق كبيرة في حجم الكريات الحمر، فبعضها يبدو صغير الحجم، وبعضها كبيراً، وقد تكون هناك نسبة من الخلايا السوية الحجم. يدل تفاوت حجم الكريات على اضطراب دموي، ولكنه غير نوعي لمرض دموي محدد.
ب- تفاوت شكل الكريات (وجود الكريات البكلية): poikilocytosis ويقصد بذلك وجود اختلاف كبير في شكل الكريات الحمر، فبعضها يبدو مكسراً وبعضها الآخر يأخذ شكل الإجاص أو يكون متطاولاً، يلاحظ هذا الشذوذ في العديد من فاقات الدم العوزية والانحلالية وتليف النقي الأولي. ولكنه لا يدل على مرض دموي بعينه دوماً.
ج- نقص الصباغ hypochromia: لما كانت الكرية الحمراء مقعرة الوجهين فإنها تصطبغ بشدة في المحيط، في حين يكون مركزها شاحباً ولكن قطر هذا الشحوب المركزي لا يتجاوز ثلث قطر الكرية، وتدعى هذه الكرية سوية الصباغ، أما إذا اتسع هذا الشحوب لنقص الهيموغلوبين فتغدو الكرية ناقصة الصباغ وهذا ما يرى في فقر الدم بعوز الحديد، إذ قد تأخذ الكرية الحمراء شكل حلقة رقيقة محيطية لا يوجد شيء بداخلها (الخلية الحلقية (الخاتمية) annulocyte = ring cell).
د- تعدد الألوان: polychromia ويعني هذا وجود خلايا حمر في مراحل مختلفة من التطور. فالخلايا التامة النمو يكون قد تم تكون الهيموغلوبين فيها، فتأخذ اللون الوردي الفاتح على اللطاخة الملونة، أما الخلايا التي مازالت في مراحل باكرة من النمو فهيولاها تأخذ اللون الأزرق وما بين المرحلتين هناك تفاوت في اللون بحسب مرحلة النضج والتطور، تسمى هذه الخلايا الشبكيات، وتدل زيادتها على فرط نشاط نقي العظم وهو ما يرى في النزوف الحادة وانحلال الدم وبعد المعالجة بالحديد وڤيتامين ب12 في الآفات العوزية.
هـ- الخلايا الهدفية:target cells هي كريات حمر رقيقة تتصف بوجود الهيموغلوبين في مركزها ليحل محل الشحوب المركزي. توجد نسبة قليلة جداً من هذه الخلايا في الشخص السوي، وتدل كثرتها على بعض فاقات الدم كالتلاسيميا وفقر الدم المنجلي وترى بعد استئصال الطحال وفي الأمراض الكبدية.
و- جسيمات هاول - جولي: Howell -Jolly هي بقايا نووية قطرها 1 ميكرون، تتوضع في محيط الكرية الحمراء وتتلون باللون البنفسجي. تلاحظ هذه الأجسام في فقر الدم الخبيث، والتلاسيميا وبعد استئصال الطحال.
ز- جسيمات بابنهيمر Pappenheimer: هي ذرة أو أكثر من الحديد تتوضع ضمن الكرية الحمراء ، تأخذ اللون البنفسجي القاتم وتتلون بمحاليل الفيروسيانيد، توجد هذه الخلايا بعد استئصال الطحال وفي فقر الدم بالأرومات الحديدية.
- التصنيف : أمراض الدم - النوع : أمراض الدم - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 25 مشاركة :