لقاحات مضاده اورام
antitumor vaccines - vaccins antitumeurs



اللقاحات المضادة للأورام

زياد عبد الهادي

أنواع اللقاحات
الصعوبات التي تواجه تحضير اللقاحات
اللقاحات الخلوية
اللقاحات الجينية
 

يترافق تحول الخلايا تحولاً خبيثاً ووجود بروتينات على سطح الخلايا الخبيثة تشكل مستضدات تدعى المستضدات الورمية  (TAA) tumor associated antige، هذه المستضدات إما ألا تكون موجودة في الخلايا الطبيعية وإما أنها توجد بتركيز أقل بكثير مما هي عليه في الخلايا الورمية، ويمكن الإفادة من هذه الظاهرة لصنع لقاحات تستهدف هذه المستضدات وتنفرد بالخلايا الخبيثة من دون تخريب الخلايا السليمة. ولكنّ تصنيع مثل هذه اللقاحات يواجه صعوبات عديدة منها ضعف تركيز هذه المستضدات في الخلايا الخبيثة عن مثيلها في الجراثيم مما يساعدها على تجنب الجهاز المناعي الذاتي والهروب منه. وعدا ذلك إن المستضدات الخاصة بالخلايا الورمية التي يجب انتقاؤها واستهدافها باللقاحات والمعالجات المناعية هي نسبياً قليلة إذا ما قورنت بالمستضدات غير المحددة الوظيفة المناعية في خلايا السرطان ومنها المستضد الورمي الجنيني CEA أو mesothelin ولا فائدة وظيفية من استهدافها.

ثم إن تحريض الخلايا الفاتكة (NK) natural killer من قبل الخلايا الورمية كثيراً ما يكون ضعيفاً لأن تقديم المستضدات المحرضة للـ NK يكون ضعيفاً مما يمكنها من تجنب الهجوم المناعي الذاتي.

لمحة عن التطورات الحديثة باللقاحات السرطانية:

من المعلوم أن جهاز المناعة في جسم الإنسان شديد التعقيد ويتميز بتوازن دقيق، وبما أن خلايا السرطان مشتقة في الأصل من خلايا الجسم الطبيعية فاستهدافها من قبل جهاز المناعة ليس سهلاً بل هو تحدٍ فريد للطرق العلاجية المناعية التي تبنى أساساً على تعرف المستضدات الورمية (TAAs) التي تحرض الخلايا اللمفاوية التائية T-cells، ولكن تحريض هذه الخلايا وحده ليس كافياً. وتجري الآن دراسات باستخدام الخلايا التائية اللمفاوية المرتشحة بالورم tumor infiltrating T-lymphocytes بإجراء تعديلات مناعية عليها واستخدامها مع أدوية أخرى تنشط جهاز المناعة الذاتي وتضعف العوامل المثبطة له الموجودة على نحو طبيعي على بعض الخلايا، ومثال ذلك استخدام الانترلوكين IL-2 مع الخلايا التائية المرتشحة والمقاومة للورم،؛ مع تصور ما يعني ذلك من الصعوبات التقنية والآثار السمية.

أنواع اللقاحات:

1- اللقاح الخلوي: المبدأ هنا حقن المريض بخلايا ورمية مشابهة لخلايا الورم ذاته تؤخذ من المريض نفسه أو من مصادر مغايرة ثم تخضع للهندسة الجينية على نحو يمكن معه إظهار المستضدات بطريقة أقوى تثير الجهاز المناعي على نحو يقاوم معه الورم. وفي الوقت نفسه تستطيع الهندسة الجينية أن تجعل هذه الخلايا المستعملة باللقاح قادرة على إفراز عوامل خلطية تدعى السيتوكينات cytokines تحسن ردود فعل جهاز المناعة الذاتي.

وعدا هذا هناك جينات مثبطة للورم مثل الجين P53 إذا حدثت فيها طفرة تصبح نوعية للورم وقابلة للاستهداف باللقاحات المضادة للسرطان.

2- اللقاحات التي تستخدم الجينات الورمية مباشرة: كإدخال جزء من الـ DNA أوRNA لجين ورمي إلى داخل خلايا المريض نفسه ومن ثم إثارة جهاز المناعة ليتوجه ضد المرض. ولكي يتم إدخال هذه الأجزاء من الـ DNA أوRNA إلى داخل خلايا المريض يتم تحميلها على ڤيروسات تدعى الـ viral promoter تدخل الخلايا ويتم نسخ transcript هذه المواد داخل نوى خلايا جسم المريض.

الصعوبات التي تواجه تحضير اللقاحات:

1- كثيراً ما يكون على سطح الخلايا الورمية تعبير ناقص لجزيئات معقد التوافق النسيجي الكبير MHC على سطح الخلايا. ومن المعلوم أن الـMHC هو المسؤول بالدرجة الأولى عن تقديم المستضد وتحريض الخلايا التائية اللمفاوية القاتلة للخلايا. وأكثر من ذلك قد يكون معقد التوافق MHC بحالة طفرة أو مخبوناً deleted مسبباً غياباً تاماً للتعرف بوساطة اللمفاويات التائية السامة للخلايا الـ .cytotoxic T. lymphocyte (CTL)

2- تظهر الأورام غالباً مستضدات ضعيفة جداً لاستهدافها بسهولة بالآلية المناعية.

3- معظم الأورام تنقصها الجزيئات المساعدة للاستثارة كالـCD86, CD80, CD40 أو جزيئات الالتصاق كما في جزيء الالتصاق الخلويCAM-1 (cell adhesion molecule ) أو المستضد المرافق لوظيفة الكريات البيض LFA-3 (leucocyte function associated antigen) التي تفعل الخلايا التائية.

4- تدل القرائن الجديدة على أن الخلايا الورمية تنتج وتفرز عوامل عديدة مثل PGE2 -VEGF -TGF -B وكلها تثبط الخلايا التي تقدم المستضد.

اللقاحات الخلوية:

تتكون من خلايا ورمية تؤخذ من مصادر مغايرة (خيفية) allogeneic. وسجل نجاح هذه الطريقة بعدد من الدراسات في سرطان القولون والميلانوما. أما تحضير لقاح خلوي من المريض نفسه autologous فأكثر تعقيداً.

وتستعمل الهندسة الجينية لزيادة كفاءة هذه الخلايا الورمية كي تستطيع إنتاج مواد خلطية مثيرة للمناعة كالسيتوكينات ولاسيما GM-CSF. وأدّى مزج الخلايا الورمية الذاتية باللقاح المحضر من خلايا غيرية - معرضة للهندسة الجينية أو بخلايا مولدة للألياف fibroblasts - إلى بعض النجاح في تحسين الاستجابات المناعية. وعدا ذلك يمكن إضافة الخلايا التي تقدم المستضدات (APCs) antigens presenting cells ولاسيما الخلايا المتغصنة dendritic cells وخلايا محملة بالمستضدات. إن أقوى الخلايا المظهرة للمستضد الورمي هي الخلايا المتغصنة لاحتوائها مستويات عالية من التعبير على معقد التوافق النسيجي الكبير MHC بصنف I و II إضافة إلى عوامل المساعدة على تفعيل المناعة. ويمكن أخذ هذه الخلايا من المريض نفسه (ذاتية) autologous وزرعها في المزارع الخلوية واستعمالها بصفة وسيلة نقل vehicle لإبراز المستضد الورمي، مما يحرض اللمفاويات التائية النوعية على نحو فاعل. فالفكرة إذاً هنا زيادة كمية الخلايا المتغصنة وتقويتها بحملها للمستضد الورمي ثم إعادة حقنها. وتظهر الدراسات الحديثة أن وجود الورم الخبيث في الجسم يضعف الخلايا المتغصنة بتأثيره في تميز هذه الخلايا ونضوجها ثم في وظائفها. ويترافق ذلك وانخفاض مستوى الـ MHCs في هذه الخلايا، وهو أحد أهم العوامل المسببة للتثبيط المناعي المرافق للأورام الخبيثة. لذلك كان تفعيل الخلايا المتغصنة في الزجاج in-vitro وإعادتها إلى الجسم المريض محملةً بالمستضد المناسب من أهم المناورات المناعية.

مولدات الضد الورمية:

لإيجاد لقاح نوعي للورم يجب أن تحدد بوضوح المستضدات التي تؤدي إلى استجابة مناعية فعالة وتكون بآن واحد نوعية خاصة بالورم لتجنب السمية العلاجية، أي إن المستضد المستهدف يجب أن يكون موجوداً في الخلايا الورمية تحديداً من دون غيرها، وأن يكون له دور مباشر في تحول الخلايا تحولاً خبيثاً، مما يساعد الجهاز المناعي على تمييز الخلايا السرطانية من الخلايا الطبيعية ويمنع الورم من الهروب من الاستجابة المناعية.

ويمكن استهداف المستضدات البروتينية بلقاحات صنعية مركبة من الببتيدات التي تعمل بصفة مولدة لردود الفعل المناعية immunogens، ولكن فعلها هذا ضعيف يجب تقويته بطرائق متعددة منها كيميائية أو جرثومية أو خلوية.

اللقاحات الجينية:

تستعمل مواد جينية لتوليد مستضد يمكنه تحريك الجهاز المناعي. تتألف هذه المواد الجينية من (complementary DNA) cDNA أو RNA أوcDNA محمول على ناقل مثل البلاسميد. تدخل هذه المواد جسم المريض مباشرة أو بوساطة الخلايا التي تقدم هذا المستضد والمهيأة في المزارع الخلوية. تحتاج اللقاحات الجينية إلى توجيهها بحامل من الڤيروسات viral promoter وعندئذٍ يحدث النسخ من اللقاح الجيني في داخل جسم المريض endogenous transcript، مما يؤدي إلى حركة الجينات الطبيعية حركة مماثلة ومتواصلة فترة طويلة بدلاً من حقن بروتينات جاهزة قصيرة العمر. وعدا ذلك فإن تحضير الـ DNA بصفة لقاح يحول إلى بروتين فاعل في جسم المريض هو أنقى وأسهل من محاولة تحضير البروتينات نفسها ثم حقنها للمريض جاهزة. ثبت في عام 1992 أن اللقاحات المتعددة البروتينات النووية من الممكن استعمالها على نحو فعال بصفة لقاح.

وهناك طرائق أخرى جديدة للتمنيع ضد السرطان يُذكر منها:

1- حقن ببتيدات مشتقة من الـ MAG-3 للمصابين بالميلانوما، وقد ذكرت إحدى الدراسات استجابة 7 مرضى من أصل 25 مريضاً لهذه الطريقة وزيادة مهمة بنسبة الخلايا اللمفاوية التائية في الدوران وارتشاح الورم بخلايا تائية (T-cells).

2- حقن ببتيدات مصنعة طويلة السلاسل مبنية على أساس التعامل مع معقد التوافق النسجي الكبير major histocompatibility complex (MHC)، مما يؤدي إلى تخفيف ظاهرة الاعتياد والتحمل tolerance.

3- طريقة بديلة للقاح: استعمال خلايا الابيضاض اللمفاوي المزمن التي أدخل إليها ڤيروس يحمل اللقاح، ومن أجل ذلك تُحرَّض جزيئات كالـCD80 والـ ICAM والـ LFA3، مما يقوي المناعة ضد الورم. حتى أن حقن الڤيروس مباشرة في الورم - وهو يحمل CD80 المصابين بالأورام الميلانية الانتقالية - أدى إلى استجابات سريرية.

4- كسر التحمل المناعي عن طريق تعديل الاستجابة المناعية: من أجل نجاح ردود الفعل المناعية والاستجابة المناعية للجسم ضد الورم لابد من كسر حلقة التحمل المناعي في موضع الورم وهنا يأتي دور المعدلات المناعية، وأصبح ذلك خياراً مفضلاً لزيادة فاعلية اللقاحات المضادة للسرطان. أحد الأمثلة هو المعالجة بالخلايا المعدلة مناعياً بحالة الأورام الميلانية melanoma التي أرفقت بمعالجة مشددة كيميائية - شعاعية. من ذلك دراسة Rosenberg ومعاونيه بنقل الخلايا المعدلة مناعياً المرتشحة بالورم tumor infiltrating T-lymphocytes مترافقة والانترلوكين IL-2 بعد المعالجة المثبطة للنقي بما فيها العلاج الكيميائي.

التحديات ومحاولة تجاوزها:

1- مواجهة المثبطات المناعية التي توجد على نحو طبيعي على بعض الخلايا التائية المنظمة للتوازن المناعي CD4+CD25+(Tregs) وهي تنتج في التوتة (التيموس). ويؤدي تراكم هذه الخلايا المثبطة للمناعة T-regs في موقع الورم إلى تثبيط الخلايا المهاجمة للورم. ويرافق زيادة تركيز هذه الخلايا المثبطة في مكان الورم بإنذار سيئ في العديد من الأورام الصلبة بما فيها أورام المعثكلة والمبيض والثدي والكبد، وتعديل هذا التأثير بمحاولة إزالة الـ T-regs يحسّن ردود الفعل المناعية.

2- تطبيق الـ IL-2 أو السيكلوفوسفاميد يقود إلى إزالة الـ T-regs؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى حالة مناعة ذاتية شديدة، ولكن الـ Tregs تعود بسرعة وتترمم بعد إيقاف السيكلوفوسفاميد مثلاً، ما يحد من فاعلية هذه الطريقة.

نادراً ما تكون ردود الفعل التلقائية التي تستهدف المستضدات الورمية (TAAs) كافية لتراجع الورم. من أجل إحداث مناعة وقائية في الجسم ضد ورم معين عن طريق اللقاحات تحقن العوامل المحرضة للمناعة موضعياً. وترافق الحقن الموضعي عادة آثار جانبية قليلة كالاندفاع التحسسي في موقع الحقن. وأظهرت عدة دراسات إثارة النوكلوتيدات النووية (CpGODN) oligodeoxynucleotides تأثيراً قوياً محرضاً للمناعة، وأظهر تطبيقها فاعلية مضادة للورم في عدد قليل من المصابين بسرطان الكلية والميلانوما واللمفومة ذات الخلايا التائية. ويذكر بالمناسبة لقاح الـ BCG المستعمل بالحقن داخل المثانة.

والخلاصة تقترب المعالجة المناعية للسرطان من الوقت الذي ستصبح فيه قابلة للتطبيق في العيادات والممارسة العامة.

 

 

 


- التصنيف : الأورام - النوع : الأورام - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 375 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1