النوم واضطراباته
نوم واضطراباته
sleep and sleep disturbance - sommeil et ses troubles
سالم حلبي
يقضي الإنسان أكثر من ثلث عمره نائماً، ومع أهمية النوم، فقد تأخرت الأبحاث المتعلقة به واضطراباته كثيراً. وهو يدرس الآن موضوعياً بجهاز تخطيط النوم المتعدد polysomnograph؛ إذ لا يمكن الوثوق برواية المريض وحدها. وبوساطة هذا الجهاز يمكن الحصول على تقييم موضعي لنوم العليل تشمل مدته الكلية، وعدد الاستيقاظات فيه، ونسب مراحله المختلفة، والكشف عن نموذج اضطرابات التنفس ونظم القلب في أثنائه، وحدوث حركات لا نموذجية أو اختلاج ليلي، وأخطال النوم parasomnias ومتثابتات parameters أخرى مبينة في (الجدول1).
| ||||||||||||
(الجدول رقم1) المتثابتات التي تسجل في تخطيط النوم المتعدد. ويمكن تسجيل متثابتات أخرى. |
تستمر المراقبة بجهاز تخطيط النوم المتعدد لليلة واحدة أو أكثر، ويمكن اللجوء إلى التخطيط نهاراً أيضاً في المصابين بفرط النوم النهاري.
أولاً- النوم السوي:
يمر النوم السوي الليلي في البالغين بـ 4-5 أطوار phases منتظمة، يستمر كل منها 90 دقيقة تقريباً. ويتألف كل (طور من دورين) متناوبين من النوم: دور حركة العينين السريعة rapid-eye movement (REM)، ويطلق عليه النوم الريمي (تعريباً لـ (REM، يسبقه دور مختلف من دون حركة سريعة في العينين، يعرف بالنوم اللاريمي non-REM sleep. يتصف كل دور منهما بما يلي:
-1 دور حركة العينين السريعة (الريمي (REM: يتصف بحدوث نقص شديد في مقوية (توتر) العضل tone مع ظهور نفضات طورية phasic twitches فيه، وهبات من حركات العينين السريعة أيضاً. وخلال النوم الريمي تصبح الأمواج الكهربائية الدماغية صغيرة السعة، فتشبه ما يشاهد في النعاس drowsiness، على الرغم من بقاء الشخص نائماً. ويبدو أن الأحلام تحدث في هذا الدور من النوم.
-2 دور النوم اللاريمي: يتصف بظهور أربع مراحل متعاقبة، يرمز إليها بالمراحل 1 و2 و3 و4، تزداد فيها سعة الأمواج وينخفض تواترها في مخطط الدماغ الكهربائي باطِّراد. كما تزداد مقوية العضل مقارنة بما يحدث في الطور الريمي من النوم، ولا تشاهد النفضات الطورية في العضل.
يتناوب هذان الدوْران بانتظام في أثناء النوم السوي، ليؤلفا معاً طوراً واحداً أو حلقة واحدة من سلسلة من حلقات النوم، تستمر كل حلقة منها 90 دقيقة تقريباً. وقد يستيقظ المريض في أثناء نومه أقل من عشر مرات في الليلة الواحدة. وفي البالغ تؤلف المرحلة (1)، أقل من 5% من مجمل النوم؛ والمرحلة (2)، 40-60% منه؛ والمرحلة (3) و (4) 10-20% منه؛ ودور النوم الريمي 18-25%.
ويجب التنويه إلى أن للأدوية المختلفة تأثيرات متباينة في أطوار النوم ومراحله؛ إذ تقصِّر مضادات الكآبة ثلاثية الحلقة وحاصرات مستقبلات استرداد السيروتونين SSRI، من أمد النوم الريمي. أما مركبات البنزوديازبين فتقلل المرحلة الثالثة من النوم اللاريمي، في حين يؤدي الانقطاع عنها إلى زيادتها.
قد يعتقد بعضهم خطأً أن النوم هو أمر سلبي، يبدأ بسيطرة التعب وينتهي باليقظة، ولكن الأمر هو غير ذلك، فثمة مراكز متخصصة في الدماغ تسيطر على الدخول في النوم وسيره عبر أدواره ومراحله المختلفة. فالنواة فوق التصالب البصري - على سبيل المثال - لها عظيم الشأن في السيطرة على الساعة البيولوجيةbiological clock للإنسان؛ والتي يعتقد أنها أطول قليلاً من الساعة الزمنية في الحياة اليومية. كما أن للغدة الصنوبرية والناحية القاعدية للمخ الأمامي basal forebrain ونواة الرفاء raphe nucleus شأناً مهماً في تنظيم النوم، فتطلق من هذه المراكز نواقل عصبية مختلفة كالسيروتونين serotonin والأستيل كولين acetylcholine والنورإبينفرين norepinerphrine (الذي يعرف بالنورأدرينالين noradrenalin أيضاً) على سبيل المثال.
ثمة ارتباط بين النوم واليقظة وبين التغيرات اليوماوية circadian في الحرارة المركزية للجسم core body temperature؛ والتي تنظم في النواة فوق التصالب البصري أيضاً (مركز الساعة البيولوجية). تصل الحرارة حدها السوي الأعلى بين 6-8 مساء، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي لتصل أدناها قبيل اليقظة بساعتين. وإضافة إلى ذلك يُثبّط عند البدء بالنوم نشاط العصبونات التي تُشعر بالبرد، ويزداد نشاط تلك المشعرة بالدفء، فتؤدي محاولة النوم مع بدء انخفاض حرارة الجسم إلى تسهيل الأمر وإطالة أمد النوم عامة؛ وخاصة مدة الطور البطيء، والعكس صحيح أيضاً. وعلى ذلك فإن الخلود إلى النوم أول الليل، أي بين الساعة 9 و 11 مساء هو الأفضل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القيلولة فهي أفضل بين الساعة 2-5 بعد الظهر حين يطرأ انخفاض عابر في حرارة البدن، ويستحسن ألا تطول أكثر من ساعة حتى لا يدخل المرء في نوم عميق يجعل من الاستفاقة منه أمراً مزعجاً.
إضافة إلى ما تقدم يرافق تغيرات حرارة الجسم تبدل في إفراز هرمون الميلاتونين من الغدة الصنوبرية خاصة، فيزداد إفرازه قبل النوم بساعتين، ليصل ذروته في منتصف الليل بزيادة 5-10 أضعاف عما هو عليه نهاراً.
للنوم وظائف فيزيولوجية حيوية، فهو ليس فترة راحة واستجمام وتكاسل كما يخال بعضهم، بل هو فترة عمل من نموذج آخر؛ إذ تعاد فيه تعبئة مخازن الغليكوجين في الدماغ، ويتم ترتيب ما تم حفظه في مخازن الذاكرة (في أثناء المرحلتين 2 و3 من النوم). وهو ضروري في الولدان لكي يستكمل الدماغ نموه، فيقضي الوليد نحو 18 ساعة في اليوم نائماً، يؤلف طور حركة العينين السريعة أكثر من نصفها. وتتناقص الحاجة إلى النوم بتقدم العمر، وليس ثمة إجماع على أمد فترة النوم اللازمة صحياً في البالغين؛ أكثر من 8 ساعات يومياً؛ هي أم أقل من ذلك؟
يؤدي الحرمان من النوم إلى النعاس مع نوم متكرر نهاراً، وإلى نقص الانتباه والمقدرة على التعلم، كما ينقص استقلاب السكر في الدماغ، ويزداد النشاط الودي ومنه الرجفان، وينقص هرمون اللبتين leptin، ويزداد إفراز هرمون ghrelin الذي يحث على الأكل ويزيد الشهية للسكريات خاصة، كما يولد مقاومة للإنسولين، فيفضي كل هذا إلى زيادة الوزن وارتفاع سكر الدم الذي يصل إلى 15ملغ/دل. وترتفع نسبة الوفيات بين الذين تقل ساعات نومهم عن ست ساعات، كما تؤدي قلة النوم إلى فرط الاستثارة في الأطفال وإلى تغيرات نفسانية في البالغين أيضاً.
ثانياً- أمراض النوم:
قد لا يمكن الاعتماد على شكوى المريض من اضطراب النوم لديه، ويحتاج الأمر إلى تأكيد صحتها من قرينه أو ذويه؛ وإجراء مخطط النوم المتعدد.
تقسم اضطرابات النوم إلى ثلاثة نماذج رئيسة، تضم 85 اضطراباً. وهذه النماذج هي:
> اختلالات النوم :dyssomnias تتمثل بصعوبة البدء في النوم؛ أو الاستمرار فيه من جهة، أو فرط النوم من جهة أخرى.
> أخطال النوم :parasomniasهي الاضطرابات الحركية والسلوكية والعصبية المستقلة autonomic غير المرغوبة التي تحدث في أثناء النوم منفردة، أو مع اختلالات النوم الأخرى.
> اضطرابات النوم المرافقة لاضطرابات ذهنية أو عصبية أو جهازية، وهي أكثر اضطرابات النوم شيوعاً.
-1 الأرق:
هو أكثر اضطرابات النوم مصادفة؛ إذ يصاب به على نحو عابر ثلث الناس، وعلى نحو مزمن 10% منهم. وهو أكثر شيوعاً في الإناث من الذكور، وفي ذوي الفاقة والأرامل والمطلقين. ويتجلى إما بصعوبة الدخول في النوم، وإما بتعذر الاستمرار به من جهة، وإما بالاستيقاظ المبكر من جهة أخرى. ويفضي الأرق إلى الشعور بالتعب وفتور الهمة وضعف التركيز الذهني وضعف الإنتاج.
يشخص وجود الأرق إذا تأخر الدخول في النوم أكثر من نصف ساعة، أو إذا استمر النوم أقل من 6 ساعات ثلاث ليالٍ أسبوعياً. وقد يكون حاداً إذا كان أمد الشكوى أقل من الشهر، أو مزمناً إذا استمر أكثر من ذلك.
قد يكون الأرق أولياً primaryأو ثانوياً secondary لاضطراب صحي آخر؛ كالألم وضيق النفس الليلي الانتيابي paroxysmal nocturnal dyspnea والقَلَس المعدي المريئي على سبيل المثال. وللأرق "الأولي" - غير المرتبط بوجود علة جسدية - عدة أسباب أو نماذج:
> الأرق النفساني الفيزيولوجي المنشأ :psychophysiologicalهو أرق حقيقي، مرده قلق المريض من الأرق ورغبته العارمة في جلب النوم إليه عنوة حين يشاء، ولو أمكن صَرف تفكيره عن هذا الأمر لزالت الشكوى.
> الأرق التناقضي :paradoxicalهو شكوى المريض من الأرق، من دون أن تؤكد نتائج اختبارات النوم صحة الشكوى.
> خلل في النظم اليوماوي circadian rhythm (متلازمة السفر عبر المناطق الزمنية time zone change، العمل في مناوبات متبدلة).
> اضطرابات صحية أو نفسانية (كالقلق والكآبة).
> الاعتماد على الأدوية والكحول، فلا يستطيع العليل النوم من دون أن يتعاطاها.
> وجود عادات نوم غير صحية أو سيئة تطرد النوم، أو أنها لا تساعد على جلبه: كتعاطي المنبهات مساء، والرياضة قبيل النوم، والنوم في أوقات غير منتظمة.
> وجود بعض نماذج أخطال النوم تحدث في مرحلة الانتقال من اليقظة إلى النوم، كمَعَص الساق leg cramps وجَفل النوم sleep startles المعروف أيضاً بنفضات النوم sleep jerks، وحركات الأطراف الدورية periodic limb movement disorder كما سيرد.
> أرق أولي مزمن، يبدأ في مرحلة باكرة من العمر ويستمر لسنوات، ولا يؤدي إلى اضطراب ذي شأن.
> أرق سلوكي عند الأطفال لعدم تدريبهم على الخلود إلى الفراش في وقت محدد، أو لربط النوم بطقوس خاصة كالغناء للطفل قبيل النوم، أو هزه أو إعطائه زجاجة الحليب، فلا يستطيع النوم ما لم يحقق ذلك.
ثمة سبب نادر للأرق يعرف بمتلازمة الأرق العائلي القاتل fatal familial insomnia (FFI)، وهو داء وراثي، ينجم عن خلل في جين البريون prion، وينتقل صفة صبغية سائدة. يتظاهر في العقد الخامس أو السادس بحدوث أرق مطرِّد السير، حتى يُحرم العليل كلياً من النوم، مما يفضي إلى الخبل فالوفاة، ولا علاج له.
علاج الأرق: ثمة سبل مختلفة يركن إلى واحدة منها أو أكثر:
أ- التشجيع على اتباع عادات نوم صحية؛ كتجنب كل ما من شأنه أن يطرد النوم؛ كالإفراط في تعاطي المنبهات ولاسيما الكافئين الذي ينافس الأدينوزين على مستقبلاته، والإفراط في النيكوتين (التدخين)، ومحاولة عدم إعمال الفكر مساء في أمور معقدة، أو التعرض للنور المبهر، وكذلك حرارة الغرفة المفرطة، والرطوبة العالية، والضوضاء، والجوع والتخمة. ومن المفيد عدم استعمال غرفة النوم إلا لهذا الغرض وحده.
وتجدر الإشارة إلى أن الكافئين موجود في القهوة والشاي والشوكولا، وفي بعض العقاقير المسكنة للألم. ويوصى بعدم زيادة مقدار الكافئين المتناول أكثر من 250 ملغ في اليوم الواحد (انظر الجدول 2 لمحتويات المشروبات المختلفة من الكافئين).
| ||
(الجدول رقم2) كمية الكافئين في "المنبهات" 1، 2 |
ب- المعالجة بالضوء: يلجأ إليها حين يكون الأرق ناجماً عن مطابقة الساعة الحيوية لنظيرتها الشمسية، فالتعرض لنور الشمس في الصباح الباكر يساعد على إعادة ضبطها، وعلى نمط مغاير إن تسليط نور مبهر (2500-10000 شمعة) مساء يؤخر ميقات النوم.
ج- المعالجة السلوكية: كالتعلم على الاسترخاء، والإقلال من المنبهات، وفك المنعكس الشرطي الذي يربط بين غرفة النوم ورهبة الأرق، وعدم استعمال غرفة النوم إلا لهذا الغرض فقط، وعدم الذهاب إلى الفراش إلا بعد الشعور بالنعاس. ومن ذهب إلى سريره ولم ينم خلال 20 دقيقة؛ عليه مغادرته وقراءة ما هو مسلٍ أو مشاهدة فيلم خفيف إلى أن يشعر بالنعاس، وينصح بالاستيقاظ في الوقت المعتاد مهما كان وقت النوم متأخراً؛ وتجنب القيلولة أيضاً.
د- المعالجة المعرفية: تشمل شرح أهمية هذه السبل للمريض لتغيير نظرته إلى النوم والأرق؛ عوضاً عن اللجوء إلى الوسائل الدوائية.
هـ- المنومات: بما فيها مركبات البنزوديازبين، ومضادات الكآبة ثلاثية الحلقة، ومضادات الهيستامين. ويفضل انتقاء الأدوية ذات نصف العمر القصير (كالزولبيدم (zolpidem للذين يعانون صعوبة في جلب النوم إلى عيونهم، ويجب ألا يغيب عن البال أن لهذه الأدوية تأثيراتها الجانبية غير المرغوب فيها، كما أنها قد تفقد تأثيرها المنوم خلال عدة أسابيع. أما الأدوية ذات التأثير المديد والتي قد يركن إليها في علاج النوم القصير الأمد (كالاستيقاظ في الساعات الأولى من الصباح)؛ فإنها قد تشعر العليل بالخُمار (السكْرة) hangover.
-2 انقطاع النفس النومي :sleep apnea
هو انقطاع جريان الهواء في الطرق التنفسية العلوية انقطاعاً كلياً أو جزئياً شديداً (يفوق 90%)، يستمر ما لا يقل عن عشر ثوانٍ ويؤدي إلى إيقاظ عصبي neurological arousal (أي تغير في نظم مخطط الدماغ الكهربائي ليشبه نظيره في اليقظة الكاملة، ويستمر ما لا يقل عن 3 ثوانٍ. وقد لا يؤدي الإيقاظ العصبي إلى يقظة كاملة بالمعنى الفيزيولوجي)، أو يؤدي إلى تناقص في درجة إشباع أكسجين الدم (بما لا يقل عن 3-4%)، أو إلى التغيرين معاً. وقد يصادف الإيقاظ العصبي من 3-400 مرة في الليلة الواحدة، ويتم التشخيص بوساطة مخطط النوم.
هناك نموذجان رئيسيان من انقطاع النفس النومي: انقطاع النفس النومي الانسدادي obstructive sleep apnea (OSA) وهو الأكثر شيوعاً، وانقطاع النفس النومي المركزي central sleep apnea (CSA) في الجدول (3) أوجه الاختلاف بينهما. وثمة نموذج ثالث من انقطاع النفس، وهو النموذج المختلط mixed type.
| ||||||||||||
(الجدول رقم3) نموذجا انقطاع النفس النومي. وعندما يقال "انقطاع النفس النومي"، فذلك يعني ضمناً انقطاع النفس النومي الانسدادي غالباً. ففي النموذج الانسدادي، ينقص دخول الهواء بسبب العائق الميكانيكي، ويزداد الجهد للشهيق، في حين تكون كل العضلات باستثناء عضل حجاب الحاجز بحالة ارتخاء تام (في طور حركة العينين السريعة). |
للشخير علاقة وثيقة بانقطاع النفس النومي الانسدادي؛ إذ يصادف الشخير في 70% من حالات انقطاع النفس النومي الانسدادي، وتكون هذه المتلازمة سبب الشخير في 25% من مجمل حالاته. أما المظاهر السريرية الأخرى التي قد تعزى إلى انقطاع النفس الليلي فتشمل:
> الشعور عند الاستيقاظ بعدم الراحة والحاجة إلى مزيد من النوم، وكثرة النوم في أثناء النهار.
> نقص الانتباه والتركيز، والصفاء الذهني، والمعرفة (الإدراك) cognition ، وتغير في المزاج والشخصية ونوعية الحياة.
> قد يشتكي القرين شدةَ شخير snoring العليل المزعج، مما يؤثر في نوعية نوم القرين والعلاقة الزوجية.
> البوال الليلي nocturia وسلس البول الليلي nocturnal enuresis.
> الصداع الصباحي وخلل جنسي sexual dysfunction.
> الشعور بالاختناق وضيق النفس والسعال الليلي.
> أعراض الجزر المريئي oesophageal reflux.
> فرط ضغط شرياني ومنه الأذية القلبية والسكتات الدماغية stroke.
> زيادة نسبة الحوادث في العمل أو قيادة الآليات.
تعالج حالات انقطاع النفس النومي عرضياً بتخفيف الوزن، وتجنب المهدئات والكحول، وبالاستعانة بجهاز ضخ الهواء القسري المستمر continuous positive airway pressure (CPAP). كما يجرى نادراً توسيع المجرى العلوي للتنفس جراحياً، وذلك بقطع أجزاء من اللهاة وشراع الحنك، لكن هذا التداخل قد يؤدي إلى الشرق بالريق والسوائل مع رجوعها عبر الأنف؛ والغصة بالطعام.
- 3فرط النعاس النهاري :excessive daytime sleepiness
أكثر سبب لفرط النعاس النهاري والنوم في ظروف غير ملائمة مصادفة؛ هو انقطاع النفس النومي الساد، وله أسباب أخرى مبينة في الجدول (4). وقد يؤدي فرط النعاس إلى نتائج سيئة كحوادث السير والعمل.
| |
(الجدول رقم4) أسباب فرط النعاس النهاري. |
من أسباب فرط النعاس والنوم ما يلي:
أ- النوم الانتيابي: يتظاهر في مرحلة المراهقة والشباب، وفيه يدخل العليل النومَ بسرعة كبيرة؛ بدءاً بمرحلة النوم الريمي لا بمرحلة النوم اللاريمي شأن الحال في النوم السوي. يتصف النوم الانتيابي سريرياً بعدة أمور:
> تعذر البقاء مستيقظاً؛ مع حدوث نوب من النوم نهاراً في ظروف غير اعتيادية (في أثناء الأكل أو التكلم على سبيل المثال) لا يمكن للعليل مقاومتها.
> الخَور (الونى الانفعالي) :cataplexy هو فقدان مفاجئ في مقوية العضل حين التعرض للانفعال (كالغضب أو الضحك)، قد تسقط صاحبها أرضاًإذا كان بوضعية الوقوف.
> الشلل النومي:sleep paralysis شلل عام مرعب ولكنه لا يشمل عضل التنفس أو حركة العينين. يحدث حين الدخول في النوم أو قبيل حدوث اليقظة التامة عند الاستيقاظ، تستمر هذه الحالة للحظات يخالها العليل مدة طويلة. وتجدر الإشارة إلى أن الشلل النومي ليس بالعرض الواسمpathognomic للنوم الانتيابي، بل إنه قد يصادف في بعضهم علة مرافقة للحرمان من النوم أو لاضطرابات نوم أخرى.
> هلاسات (هلوسات) نومية hypnagogic hallucinations مرعبة، بصرية غالباً. تحدث في أثناء الانتقال بين حالتي النوم واليقظة، وليس في مرحلة النوم الريمي.
لهذا الداء أساس جيني يؤدي إلى خلل في وظيفة الوطاء hypothalamus؛ إذ يرافق كل هذه الحالات تقريباً وجود زمرتيHLA-DQ1 وHLA-DR2 النسيجيتين، ولكن فائدة تحريها التشخيصية محدودة؛ نظراً لأن 10-35% من السكان عامة يحملون "الواسمات" الجينية لهذا الداء أيضاً.
ليس لهذا الداء علاج ناجع، لذا يركن إلى العلاج العرضي بحسب المظهر السريري الأكثر إزعاجاً للعليل؛ إذ يستجيب فرط النوم لـdexamphetamine أوmodafinil أو methylphenidate (ولها تأثيرات جانبية ضارة الصحة). وتستخدم مضادات الكآبة ثلاثية الحلقة لتلافي المظاهر الأخرى، وينصح المريض بتجنب قيادة الآليات أو القيام بالأعمال التي قد تعرضه أو تعرض سواه للخطر حين حدوث نوبة للنوم.
ب- متلازمة كلايْن لڤين :Kleine-Levin تتصف بحدوث نوب طويلة قليلة التواتر من فرط النوم وشراهة للطعام، تستمر غالباً أياماً أو أسابيع، يمكن إيقاظ المريض من نومه، ولكنه قد يكون نزقاً أو عدوانيا، وقد يشعر بعضهم بالكآبة ويعاني توهاناً في الزمان والمكان وهلاسات. ولا يعرف الإمراض في هذه المتلازمة، وقد تكون العلة في الوطاء لتلازم فرط النوم مع فرط الأكل.
هي اضطرابات حركية أو سلوكية أو عصبية مستقلة غير مرغوب فيها، تحدث في أثناء النوم علة منفردة غالباً أو مرافقة اختلال النوم، وقد تصادف في أطوار النوم المختلفة الجدول (5).
| |||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم5) أخطال النوم المختلفة |
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الحركات الشاذة النومية المنشأ قد تشخص خطأً بالصرع، كـ:
< اضطرابات السلوك في النوم الريمي.
< سوء الوتار الاشتدادي الليلي.
< السير النومي و اضطرابات الاستفاقة من النوم اللا ريمي.
< اضطراب الحركة المنتظم (كضرب الرأس أو هزه من جانب إلى آخر).
بعض أخطال النوم:
أ- الرعب النومي أو الليلي:sleep terrors (= pavor nocturnus)هي نوب كثيرة المصادفة في الأطفال، تشاهد بين 4-12 عاماً من العمر غالباً. وتتصف بنوبة ليلية من الخوف الشديد، تحدث في مرحلة الاستفاقة من النوم اللاريمي، ويرافقها البكاء والصراخ وتسرع القلب والتنفس، كما يصاب الطفل بالتخليط الذهني والتوهان disorientation في أثنائها، ولا يتذكر الطفل النوبة صباحاً في الغالب.
قد تستمر هذه النوب بعد البلوغ، ولا تحتاج إلى المعالجة إلا إذا كانت كثيرة التواتر فتستعمل مركبات benzodiazepines فترة قصيرة.
ب- حركات الأطراف الدورية periodic limb movements ومتلازمة تململ الرجلين restless legs syndrome (أو متلازمة إكبوم :(Ekbom’s syndrome تتصف بشعور ملح بغيض لتحريك الأطراف، مما يؤدي إلى عناقيد clusters من الحركة منتظمة التواتر (كل 10-90 ثانية)، في الطرفين السفليين غالباً، أو في الطرفين العلويين أحياناً. وقد تستمر هذه الحركات فترة دقائق أو عدة ساعات؛ مما يؤخر بداية النوم، وقد تحدث حركات دورية في الأطراف في أثناء النوم أيضاً، كما قد يؤدي إلى فرط النعاس نهاراًً. لا يعرف سبب الحالة، فقد تكون علة ذاتية المنشأ، أو تالية لحالات أخرى كعوز الحديد أو الحمل، أو علة استقلابية كالقصور الكلوي على سبيل المثال، يعالج السبب إن عرف. أما الحالات غامضة السبب فتعالج عرضياً بالأدوية دوبامينية المفعول dopaminergic، أو بمركبات البنزوديازبين benzodiazipine، أو بالأدوية الأفيونية المفعول، أو بمضادات الاختلاج. ويستدل من كثرة الأدوية المستعملة لعلاج تلك الحالات على أن الفائدة منها محدودة.
ج- المشي النومي :sleep walkingيصيب 10% من الأطفال، بين 3-10 سنوات من العمر، وخاصة في عمر خمس سنوات؛ ولو مرة واحدة على الأقل. وقد يشاهد في الشباب أحياناً ولاسيما متى رافقته إحدى اضطرابات التنفس النومي أو تململ الرجلين. وتتفاقم الحالة بالحرمان من النوم وبالقلق.
تعالج الحالة عرضياً بتجنب ما قد يفاقمها، وبحماية المريض من إيذاء نفسه في أثناء النوبة؛ كالسقوط من شاهق على سبيل المثال، وينصح بعدم إيقاظه من نومه وهو في هذه الحالة؛ لأن ذلك قد يسبب له تخليطاً ذهنياً أو صعوبة في العودة إلى النوم مرة أخرى. وعلى الأهل - عوضاً عن ذلك - مساعدته بلطف للرجوع إلى سريره. وقد يحتاج الأمر إلى إعطاء مركبات clonazepam في القلة.
د- الرعب الليلي (أو النومي): يصرخ العليل في أثناء النوبة ويبدو عليه الخوف ويرتجف، كما يصعب إيقاظه، وإن أمكن ذلك بدا عليه تخليط ذهني عابر. ولا يتذكر المريض صباحاً ما حدث ليلاً. لا يحتاج المريض إلى علاج غالباً، وتفيد مركبات الديازبام، إن لزم.
هـ- السلس البولي الليلي: ويعًّرف بأنه عدم استمساك البول في أثناء النوم. يحدث فيما لا يقل عن مرتين في الأسبوع، ويصادف في الذكور أكثر بقليل من الإناث بنسب تختلف باختلاف العمر وتتناقص بتقدمه، كما هو مبين في الجدول (6). وله نموذجان: أوليprimary: لا يحدث فيه استمساك البول ليلاً، وثانوي secondary: أي إن الاستمساك الكامل كان قد تحقق مدة ستة أشهر على الأقل، من ثم عاود ثانية عدة مرات أسبوعياً؛ لا بين الحين والآخر فقط.
| ||||||||||||
(الجدول رقم6)نسب مصادفة السلس البولي الليلي في الأعمار المختلفة في الغرب. وقد ترتفع هذه النسب لو شمل تعريف السلس البولي الليلي الحالات التي تحدث أحياناً فقط. |
لا يعد السلس البولي داءً؛ بل هو تفاوت variation في السيطرة على المصرة البولية، ويحصل في الثلث الأول من الليل غالباً؛ خلال الطور الثالث أو الرابع من مرحلة النوم اللا ريمي، وقد يحدث خلال مرحلة النوم الريمي (في نهاية الليل) أحياناً.
تؤهب للسلس البولي الليلي عوامل جينية ومرضية واجتماعية ونفسانية:
> استعداد جيني: كما ذكر يصادف السلس في 15% من الأطفال بعمر خمس سنوات على نحو عام. وترتفع إلى 40% إذا ما كان أحد الأبوين مصاباً بذلك في طفولته؛ وإلى 75% إذا كان الأبوان مصابين به في طفولتهما.
> جزء من التأخر العام في التطور الذهني.
> أن يكون مرافقاً لعلة حركية عصبية كالشوك المشقوق spina bifida أو الشلل الدماغي cerebral palsy، فيكون السلس نهارياً وليليا؛ مع سلس غائطي encopresis غالباً.
> الإمساك:constipation قد تؤدي معالجة الإمساك في الحالات المسببة للسلس الغائطي إلى شفاء 2/3 حالات السلس البولي الليلي، كما أن هذا الإمساك يسبب خمج السبيل البولي في 3% من الأطفال الذكور و 33% من الإناث.
> انسداد الطرق التنفسية مع حدوت الشخير.
> تزيد المشروبات التي تحتوي علىcaffeine و xanthenes (كالقهوة والشاي والكولا والشوكولا) الحالة سوءاً بفعلها المدر، ويجب ألا ينسى المفعول المدر للبطيخ أيضاً.
> هناك دلائل على أن تدريب الطفل الصغير على استعمال "القعّادة (النونية)" potty- training يقلل فرص حدوث السلس البولي الليلي.
> عوامل الشدة النفسانية كالافتراق عن الأم، أو قدوم مولود للأسرة، أو الرُهب من أترابه في المدرسة. وتؤثر العوامل النفسانية في الأطفال الكبار أكثر منها في الصغار وتسبب سلساً ثانوياً لا أولياً. وتجدر الإشارة إلى أن السلس بذاته يفضي إلى شدة نفسانية أكثر مما قد ينجم عنها.
> من العوامل المؤهبة أو المحرضة وجود إزعاجات في أثناء النوم، والأم التي لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً عند الولادة، والأطفال بعد الأول في التسلسل، والأم المدخنة في المنزل عشر لفافات يومياً على الأقل، والأصول الإفريقية.
التدبير: يشمل عدة أمور:
- (1) إجراء تقييم الجملة العصبية سريرياً، وفحص البول لتحري الخمج والعناصر الشاذة فيه وكثافته.
- (2) طمأنة الأهل أن الحالة هي تأخر في النضوج النفساني الحركي عند الطفل، وأن هذا النضوج سيحدث تلقائياً بنسبة 15% بالسنة، وأن الطفل لا يبلل فراشه متعمداً بهدف إزعاج الأهل، وألا يؤنبوه على فعلته أو الهزء منه، فالشدة النفسانية ستزيد الطين بلة، وعليهم عوضاً عن ذلك تعزيز نجاحاته.
- (3) تجنب تناول كل ما من شأنه إدرار البول.
- (4) معالجة سلوكية تهدف إلى التدريب على السيطرة الإرادية على المثانة، بإحدى طريقتين:
< إحداث منعكس شرطي لدى الطفل بوضع حاسة (مِحَس، محساس) sensor في سرواله الداخلي ليلاً، تطلق جرس إنذار عندما يبتل؛ ولو بقطرة بول واحدة، فتوقظه ليكمل إفراغ مثانته في الحمام إرادياً. ويحتاج الأمر إلى عدة أشهر من التدريب؛ ثلاثة أشهر غالباً للحصول على نتائج جيدة تستمر على المدى الطويل.
< أما الطريقة الأخرى فتعتمد على تدريب المثانة لمدة أسبوعين. يطلب من الطفل أخذ كمية كبيرة من السوائل نهاراً بهدف زيادة الإدرار البولي؛ مع تأخير الاستجابة لإلحاح التبول. ستزداد تدريجياً سعة مثانته، وقدرته على تأخير تفريغها إرادياً.
إضافة إلى ذلك يقوم الأهل بإيقاظ الطفل كل ساعة ليذهب إلى المرحاض؛ للتعود على النهوض ليلاً لإفراغ مثانته، وهذه الطريقة من المعالجة السلوكية مجدية ودائمة أيضاً.
- (5) معالجة دوائية، وتشمل إعطاء أحد الأدوية مثل desmopressin المضاد للإبالة، وimipramine مضاد الكآبة، وله تأثير مضاد للفعل الكوليني ومضاد للإبالة أيضاً، وoxybutynin المضاد للفعل الكوليني. ويبدو أن هذه الأدوية فعالة طوال مدة العلاج بها فقط.
و- المعص العضلي النومي: هو تقلص عضلي تكززي tetanic مؤلم جداً، يصيب جزءاً من عضلة ما، وخاصة في عضل الربلة. يحدث في أثناء النوم غالباً، ولاسيما في الكهول والشيوخ. وقد يصادف إما ظاهرة منعزلة في معظم الحالات، وإما جزءاً من اضطراب استقلابي عام؛ كنقص الإماهة؛ أو اضطراب الشوارد؛ أو نقص نشاط الدرقية على سبيل المثال.
يعالج المعص أعراضياً symptomatically بتمطيط العضلة، وقد يفيد في تلافي حدوثه ليلاً إجراء تمارين رياضية نهاراً تمدد تلك العضلة. أما في الحالات كثيرة التواتر، فيلجأ إلى الاستعانة بمركبات الكينين quinine.
ز- الإجفال النومي sleep startle أو النفضات النومية hypnic jerks أو الرمع (الخلجان) العضلي النومي hypnagogic myoclonic twitches:هي حركات نفضية غير متناظرة في الأطراف، تحدث في بداية النوم، يخال المرء أنه يسقط من شاهق، وقد تطرد النوم فترة من الزمن، ولا تحتاج إلى العلاج. وتكمن أهميتها في أن بعض الأطباء قد يذهب إلى تشخيصها خطأً بأنها صرعية المنشأ، ولاسيما في المرضى المصابين بالصرع أيضاً.
- التصنيف : الجهاز العصبي - النوع : الجهاز العصبي - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 411 مشاركة :