الاضطرابات الحسية وبعض متلازمات الألم
اضطرابات حسيه وبعض متلازمات الم
sensory disturbances and some pain syndromes - troubles sensoriels et certains syndromes de douleur
الاضطرابات الحسية وبعض متلازمات الألم
عدنان جلخي
تكون الأعراض الحسية من أحد نموذجين رئيسين
أنماط شائعة من الاضطرابات الحسية
الاضطرابات الحسية وبعض متلازمات الألم sensory disturbances and selected pain syndromes:
قد تفضي الآفات التي تصيب الجملة العصبية المحيطية إلى اضطرابات حسية. وتكون هذه الإحساسات تلقائية أو مثارة. وتُعرف الإحساسات الشاذة بشواش الحس paresthesia. فقد تؤدي أذية في أي بقعة من الجملة الحسية، إلى خلل في نقل التدفعات nerve impulses في الألياف العصبية. وتمتد الجملة الحسية من المستقبلات الحسية في المحيط إلى السبل الناقلة في الحبل الشوكي وجذع الدماغ؛ لتصل إلى مراكز الاستقبال في المهاد، فالقشرة الحسية من المخ. وتتضمن الجملة الحسية البقع الدماغية الأخرى التي تتحكم في نمط الارتكاس النفساني الملائم وشدته لما يُشعر به.
تكون الأعراض الحسية من أحد نموذجين رئيسين:
> أعراض إيجابية positive symptoms، كالتوخز tingling = pins and needles على سبيل المثال (الجدول 1). وتنجم عن فرط استثارة في الجملة الحسية، شأن ما يثار من توخز مؤلم عند ملامسة الجورب أو شرشف الفراش لقدمي مصاب باعتلال أعصاب محيطية، على سبيل المثال؛ أو عن خلل في معالجة processing التدفعات العصبية الصاعدة في الحبل الشوكي أو جذع الدماغ.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم1) تعاريف بعض مصطلحات الألم (بحسب الرابطة الدولية لدراسة الألم، 2011) |
> أعراض سلبية: وتدل على نقص نشاط في الجملة الحسية، مما يسبب الخدر (النَّمَل) numbness، قد يصفه المريض بألفاظ غير مألوفة كالإحساس "بموت الطرف" أو "خموده"، أو بـ "التلبيد"، أو بـ "الثقل". وقد يصف العليل المصاب ببطلان الحس العميق شعوره "بتورم الطرف" (دون وذمة حقاً ) أو "بإحساس عاصر في الطرف". وقد تضطراب المشية، أو تنقص المهارة اليدوية لتعذر تلمس الأشياء. كما قد يصاب بجروح أو حروق أو أذيات مفصلية متكررة دون الإحساس بالألم.
قد تجتمع الأعراض الحسية - السلبية منها والإيجابية - في المريض ذاته. فقد يشتكي إحساساً تلقائياً ومستمراً بالخدر في بقعة ما من الجسد، مع وجود إحساس مفرط بالألم عند لمسها لمساً خفيفاً، على سبيل المثال. وتكون الأعراض الحسية الإيجابية أشد إزعاجاً لصاحبها من الخدر (العرض السلبي) غالباً.
قد يكون اضطراب الحس عابراً لا شأن له، كالذي يصادف في ضغط عصب محيطي ضغطاً خارجياً مؤقتاً، أو في أثناء تخدير موضعي لإحدى الأسنان. وقد يكون الاضطراب معاوداً أو مستمراً، فيجب البحث عن سببه. وما مرد كل شواش حسي أذيهً عصبية ضرورة؛ فقد يثار التوخز بفرط التهوية أو بتعاطي بعض الأدوية مثلاً.
يكون التوخز العرض الأول لتأذي عصب ما أذية جزئية. وبتفاقم حجم الأذية؛ يُشعر بالخدر أيضاً. ولكن قد لا ينتبه العليل للخدر أحياناً في بعض اعتلالات الأعصاب المحيطية التي تتفاقم ببطء مطّرد. وقد لا يدرك وجودها إلا بعد الفحص الحكمي.
أولاً- تعاريف:
الألم هو إدراك حسي انفعالي بغيض لأذية النسج أذية فعلية أو محتملة. وعلى الطبيب الكشف عن مصدر الألم ومعالجته. وللألم نماذج سريرية متعددة، وقد ترافقه علامات حكمية مختلفة. وكثرت مصطلحات الألم؛ مما أدى إلى الالتباس فيما بينها. لذا قامت الرابطة الدولية لدراسة الألم International Association for the Study of Pain عام 2011 بإعادة النظر في تلك التعاريف. في الجدولين (1 و 2) عرض لبعض منها. ومن الملاحظ أن معظمها يعود إلى اضطرابات الحس الجلدي. وتستند التعاريف إلى تعيين بعض الصفات لما يشعر به: أإحساس تلقائي هو أم مثار؟ ؛ ونوعية التنبه المثير للألم: أمؤلم حقاً حتى في الأصحاء كالوخز، أم هو غير مؤلم - كاللمس - على سبيل المثال؛ وعتبة الحس: أيشعر به بتنبيه خفيف الشدة أم بتنبيه قوي أو متكرر؟؛ وصفات الإحساس المثار؛ ومقدرة المريض على تعيين مقره (موضعه) بدقة. يطلق مصطلح "ضلال (شذوذ) الحس sensory perversion" على اضطراباته المختلفة؛ من نقص أو زيادة أو فساد.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم2) يوضح بعض مصطلحات الألم الأخرى، بحسب الرابطة الدولية لدراسة الألم (2011) |
ثانياً- التقييم:
تقيم المظاهر الحسية بالتدقيق في الأعراض التي يشكوها العليل، وما قد يرافقها من علامات حكمية شاذة يكشفها الفحص السريري. فالأعراض هي مشاعر مروية عما يشعر به العليل، مع الانفعال الذي تثيره. أما العلامات الحكمية؛ فهي دلائل مرئية. وهي غير دقيقة أيضاً لأسباب متعددة؛ لأنها تستند إلى رواية العليل أيضاً. وهي لا تظهر العلامات الشاذة إلا إذا تأذى ما لا يقل عن 50% من الألياف العصبية الحسية. كما يحد التداخل (التراكب) overlap في التوزعات الحسية للجذور المتجاورة وللأعصاب من شدة النقيصة deficit العصبية أيضاً.
-1 الأعراض:
تتظاهر الاضطرابات الحسية بواحد أو أكثر من الأعراض التالية، سبق التعرض لها:
> الخدر؛ لتوقف النقل في الألياف الحسية، ومنها بطلان الحس.
> شواشات الحس الأخرى، وتنجم عن خلل في نقل التدفعات العصبية. وقد يكون شواش الحس شديداً، مؤلماً؛ فيعرف بشواش الحس المؤلم .dysesthesia
> الألم، ويدل على فرط استثارة في الألياف المتخصصة بنقل حس الألم.
ينتبه في السيرة المرضية إلى ما هو مشار إليه في الجدول (3).
| ||
(الجدول رقم3) ما يستفسر عنه في الشكاوي الحسية |
ثمة أسباب ونماذج مختلفة للاضطرابات الحسية:
أ- أسباب غير عصبية للأعراض الحسية: يطلق ألم الاعتلال (ألم اعتلال المحور العصبي) neuropathic pain على الألم الناجم عن أذية في أي بقعة من المحور العصبي المتخصص في نقل الدفعات العصبية الحسية وإدراكها: أي من الأعصاب المحيطية حتى القشرة الجدارية المخية. أما الألم الذي ينشأ من النسج الأخرى، فيعرف بالألم نسيجي المنشأ nociceptive pain. وينجم عن تنبيه المستقبلات أو النهايات العصبية الحرة الموجودة في تلك النسج. وترافق ألم الاعتلال العصبي علاماتٌ عصبية شاذة غالباً، كبقع يضطرب الحس فيها، أو زوال المنعكسات، أو ضعف حركي، أو ضمور عضلي، أو تغيرات جلدية اغتذائية، أو اعتلال مفاصل عصبي المنشأ؛ على سبيل المثال.
ب- شواش الحس paresthesia: قد يشعر بشواش حس مؤلم في "الصورة الذهنية" لطرف مبتور. فيعرف بالألم الشبحي phantom limb؛ وبذلك يكون هلاساً مؤلماً. وقد يشعر بشواش الحس في توزع عصب محيطي واحد (اعتلال العصب الأحادي) mononeuropathy؛ أو في توزع جذر شوكي (اعتلال جذر أو جذور) radiculopathy؛ أو في نهايات الأطراف (اعتلال أعصاب متعدد) polyneuropathy ؛ أو في البدن تحت مستوى تشريحي ما من الحبل الشوكي، مع اضطراب الحس في الطرفين السفليين أو في الأطراف الأربعة؛ بحسب مكان العلة النخاعية الشوكية (اعتلال النخاع) myelopathy؛ وقد يشعر به في شق الوجه في جانب، وفي الشق المقابل من الجسد (فيعرف ببطلان حس الألم الشقي المتصالب) crossed hemianesthesia بأذية جذع الدماغ؛ و قد يصيب شق الجسد بكامله، كما في علل نصف الكرة المخية القشرية أو تحت القشرية.
قد يكون شواش الحس متقطعاً intermittent، فجائي البدء وقصير الأمد، ويكون قليل التواتر يعاود تلقائياً بانتظام (نوائبياً) episodic أو كثير التواتر، ويعاود بغير انتظام (انتيابياً) paroxysmal، كما يصادف في النوب الجزئية البسيطة simple partial seizures من النموذج الحسي الجسدي somatosensory؛ على سبيل المثال. وتنجم هذه الحالات عن آفة في القشرة الحسية في الفص الجداري من نصف الكرة المخية. وقد يبدأ الشعور بشواش الحس في بقعة من الجسد، ثم يزحف خلال ثوانٍ إلى أجزائه الدانية؛ بحسب تمثيلها القشري الدماغي (وتدعى بالنوب الجكسونية أو الزحف الجكسوني) Jacksonian seizures or Jacksonian march. فيبدأ الاضطراب - على سبيل المثال - في أصابع إحدى اليدين، ثم يمتد في الجانب الموافق من الجسد ليشمل الذراع، فالكتف، فالرِّجل، ومن ثم إلى الوجه.
قد يثير اللمس الخفيف شواش الحس في اعتلالات الأعصاب المحيطية، شأن ما يصادف بملامسة كسوة السرير لساقي العليل العاريتين. كما يشتد ألم الاعتلال عصبي المنشأ neuropathic pain ليلاً. ويثار ألم نقص الارتواء الشرياني المنشأ بالنشاط الجسدي؛ على نمط مغاير للألم وريدي المنشأ الذي يزداد بالوقوف المديد. ويكون ألم المفاصل على أشده صباحاً مع تيبس صباحي morning stiffness. وقد تصحب هذه النماذج من الألم بشواش الحس أيضاً.
قد يحرض ثني الرقبة أو حركة طرف شعوراً بتيار كهربائي يسري في الظهر إلى الفخذين والساقين؛ في التصلب المتعدد multiple sclerosis أو اعتلال النخاع myelopathy الرقبي. وهذه هي علامة لرْميت Lhermitte . وتنجم عن نزع ميالين الحبلين الخلفيين من الحبل الشوكي الرقبي.
ج- الخدر :numbnessهو الشعور الغريب الذي ينتاب المرء ببطلان الحس، فيصفه بـ"التلبيد أو التبليط". وقد يطلق بعض المرضى هذه اللفظة خطأ على الخلل الوظيفي في أي قطعة من الجسد. وقد يرافق بطلانَ الحس - أي الخدر - وجودُ فرط استثارة في بعض الألياف العصبية المتبقية، فيشعر بالتوخز أيضاً عند الملامسة numbness with pins and needles. وتجدر الإشارة إلى أن ما كل بطلان للحس "يدركه" العليل؛ فقد يبطل حس الألم في بعض اعتلالات الأعصاب المحيطية (كالجذام على سبيل المثال) أو في تجوف (تكهف) النخاع syringomyelia؛ من دون أن يعرف العليل ذلك، فيؤذي نفسه، أو يحرق أصابعه. وقد تتشوه مفاصله بالرضوض المتكررة (كالمرفق في تجوف النخاع؛ وعنق القدم في السكري؛ والركبة في الإفرنجي)، فتنجدع نهايات أطرافه (كما في الجذام) من دون الشعور بالألم.
د- الحس العميق: أما الاضطرابات الحسية التي تنجم عن بطلان الحس العميق للأوتار والعضل والمفاصل؛ فتتظاهر باضطراب التوازن والمشية. ويتفاقم الاضطراب في الظلمة أو بغمض العينين عند غسل الوجه. وهذا هو اختبار (أو علامة) رومبرغ :Romberg sign وهو تفاقُم اضطراب التوازن بغمض العينين مقارنة بفتحهما، لمقدرة البصر السليم على معاوضة بعض الحس العميق. أما اضطراب الحس العميق في الطرفين العلويين فيؤدي إلى ظهور حركات شبه كنعية pseudoathetoid عند مد الذراعين أمام الجسد.
-2 الفحص السريري:
ثمة ثلاثة نماذج من الاضطرابات الحسية التي قد يكشف الفحص السريري عنها:
أ- الحس السطحي: ويشمل حس الألم والحرارة واللمس الخفيف.
ب- الحس العميق: ويشمل حس الاهتزاز وحس الأوضاع position sense.
ج- الحس القشري :cortical sensation ويتضمن تمييز نقطتين مبتعدتين two-point discrimination؛ والتنبيه المتواقت ثنائي الجانب bilateral simultaneous stimulation (لتحري الانطفاء الحسي sensory extinction = عدم الانتباه الحسي (sensory inattention؛ وحس تمييز الأرقام كتابة على أنملة الإصبع (حس الأخاطيط) graphesthesia؛ وحس معرفة الأشياء لمساً stereognosis.
يترك تحري الاضطرابات الحسية حتى نهاية الفحص السريري؛ لأنه فحص غير دقيق ويستغرق وقتاً طويلاً؛ مما قد يجهد العليل. وهو - عدا ذلك - فحص غير موضوعي؛ لاعتماده الكلي على رواية العليل لما يشعر به أو يفوته، وعلى تعاونه الكامل أيضاً. ويعدل الفحص بحسب الموجودات السريرية الأخرى المرافقة، كزوال المنعكسات، والضعف الحركي، والضمور العضلي، والتغيرات الاغتذائية، وعلامة بابنسكي. إذ يستدل منها على مقر الأذية العصبية في الجملة العصبية المحيطية أو المركزية. وتقييم الموجودات بحسب شدة الاضطراب، وعتبة التنبيه، وصحة الإحساس بما يشعر به، وحس موضعه. ويقارن الحس بين الأجزاء الدانية والقاصية من الطرف ذاته، وبين القطعتين المتقابلتين من جانبي الجسد.
قد تكون شكاية العليل اضطراباً حسياً - ولاسيما الألم أو بطلانه - ارتكاساً وظيفياً تحويلياً functional conversion reaction.
ثالثاً- أنماط شائعة من الاضطرابات الحسية:
تتجه مقاربة الشكاية اضطراباً حسياً - بما فيها الألم - إلى إرجاعها إلى أحد المصادر التالية:
-1 الجملة العصبية المحيطية (الشكل 1- (أ) و (ب)).
-2 الجملة العصبية المركزية (الشكل1 (ج إلى و)).
-3 اضطراب وظيفي.
-4 أسباب غير عصبية المنشأ.
الشكل (1) بعض أنماط الاضطرابات الحسية (أ) نمط الجورب والقفاز stocking and glove ، يشمل النواحي القاصية من الأطراف. يشاهد هذا النموذج في اعتلال الأعصاب المحيطية من النموذج المتناظر المعتمد على الطول symmetric length-dependent neuropathy.(ب) اعتلال أحادي العصب المتعدد mononeuritis multiplex الذي يصيب عدة أعصاب محيطية متعددة في آن واحد أو تباعاً.(ج) إصابة شق الجسد والرأس. يشاهد في أذية المهاد أو سبل الألياف الحسية في المحفظة الباطنة internal capsule .(د) إصابة شق الوجه والجانب المقابل من الجسد، المعروف بالنمط المتصالب crossed pattern ، المشاهد في أذيات جذع الدماغ التي تصيب الألياف الحسية للزوج القحفي الخامس (قبل تصالبها) مع الألياف الحسية من الجسد الصاعدة والتي سبق أن تصالبت.(هـ) متلازمة براون سيكوارد Brown-Sequard التي تنجم عن قطع عرضاني لنصف الحبل الشوكي، وتتأذى به الألياف الغليظة الصاعدة في الحبل الخلفي قبل التصالب، مع الألياف الدقيقة الصاعدة في السبيل الشوكي المهادي والتي سبق أن تصالبت.(و) توزع دِثار الكتفين المعلق suspended cape distribution الذي ينجم عن آفة مركزية في الحبل الشوكي تقطع الألياف الدقيقة التي تتصالب أمام القناة المركزية ضمن الحبل الشوكي، من دون أن تتأذى الألياف الحسية الصاعدة في الحبل الخلفي (التي تتصالب في أسفل جذع الدماغ)، والألياف الشوكية المهادية الصاعدة من مستوى تشريحي ذيلي الاتجاه (سبق تصالبها في الحبل الشوكي). |
-1 اعتلالات حسية عصبية المنشأ: neuropathic sensory disturbances
تنجم هذه الاضطرابات عن أذية في الجملة العصبية المحيطية أو المركزية. ولكل منهما نمطها التشريحي المميز؛ وصفاتها الزمنية الخاصة [الشكل (1) والجدولين (4) و(5)].
| |||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم4) نماذج من الاضطرابات الحسية من الجملة العصبية المحيطية | |||||||||||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||||||||||
(الجدول رقم5)أسباب شائعة للخدر من الجملة العصبية المركزية |
-2 اعتلالات حسية غير عصبية المنشأ: non- neurological sensory impairment
لا يرافق شواش الحس - المؤلم منه أو غير المؤلم - ألم المفاصل أو العضل أو الجلد أو النسيج تحت الجلدي أو الأحشاء، أو الألم المحول referred pain. ولا يشبه توزع الألم من هذه النسج نظيره من النسيج العصبي باستثناء الألم المحول الذي يشعر به في القطَّاع الجلدي dermatome (أو العضلي myotome أو الصقلي (sclerotome الموافق للتعصيب الجذري للنسيج المؤوف (الحشوي غالباً أو الصقلي أحياناً. وقد يكشف الفحص السريري وجود بقعة مؤلمة موضعياً (بعيدة عن العضو المؤوف) بالجس العميق أو بالتحريك (يدوياً) المنفعل manipulation ، فيعزى سبب الألم خطأ إليها.
-3 الخدر الوظيفي والخدر غير المعلل functional or unexplained numbness :
قد يكشف الفحص السريري تبايناً بين نمط الأعراض الحسية من جهة، وبين المبادئ التشريحية والفيزيولوجية من جهة أخرى، مما قد يوجه نحو تشخيص "خدر وظيفي أو غير عضوي المنشأ"، أو أنه نفساني المنشأ: هستيري (= تحويلي (conversion أو تمارض malingering. وتتصف الحالات غير العضوية بدلالة واحدة أو أكثر مما يلي:
> تغير فجائي شديد في الحس بين بقعة فاقدة للحس تماماً، وأخرى مجاورة لها، سوية تماماً، ودون تدرج ثمة. فتشريحياً هناك رقعة صغيرة من التراكب الحسي (تعرف بالمنطقة الحدودية (border zone ينقص الحس فيها ولا يغيب، تفصل بين فقدان الحس كلياً؛ وبين الصحيح كلياً.
> قد يرافق فقدان الحس الشقي غير العضوي؛ نقص الشم، والبصر والسمع في الشق ذاته.
> في حال نقص حس الأوضاع؛ يتعذر إدراك التغيرات الخفيفة في حس أوضاع المفاصل الصغيرة لليد أو للقدم، مع سلامة حس الأوضاع في المفاصل الدانية (في أرساغ القدمين أو اليدين أو الركبتين أو الوركين)؛ على نمط مغاير لما يشاهد في الحالات غير عضوية المنشأ.
> الادعاء بفقدان حسي شديد من دون وجود علامات لأذية جسدية مرافقة. إذ يسبب فقد حس الألم جروحاً أو كدمات أو حروقاً، تبقى جلية لأيام.
> نقص حس الاهتزاز في نصف العظم الجبهي مع سلامته في النصف الآخر، في الحالات الوظيفية.
ويجب التنويه أنه يجب إقامة تشخيص الارتكاس التحويلي conversion reaction (المعروف بالهستيريا أيضاً (أو التمارض؛ استناداً إلى معايير تشخيصية معتمدة، لا إلى غياب العلامات الفيزيائية التي تساند التشخيص. فقد يتأخر ظهور العلامات المرضية في المراحل الباكرة من التصلب المتعدد، وفي ارتشاح الجذور بخلايا ورمية، أو بالتهابها في داء المنطقة، على سبيل المثال؛ حين تكون الشكاية أعراضاً حسية أو ألماً يسبق ظهور العلامات.
-4 الآلام الجسدية المعممة :generalized pains
يراجع كثير من المرضى أطباء الأعصاب للشكاية أوجاعاً عضلية صقلية معممة؛ ظنّاً منهم بأنهم يعانون "التهاب أعصاب". يطلق الألم المعمم على الألم في منطقتين أو أكثر من الجسد. وهو - في الغالب - من منشأ غير عصبي (الجدول 6) .
| ||||
(الجدول رقم6)بعض أسباب ألم الجسد المعمم |
-5 الشكاوى الحسية المتعددة التوهمية:
وهي شكاوى كثيرة، تشمل أعراضاً جسدية في اختصاصات مختلفة، تتجلى كلها في آن واحد، أو يلحق بعضها بعضها الآخر. فيشكو العليل آلاماً مبهمة وضعفاً معماً وتعباً وأعراضاً غامضة مختلفة: عصبية وهضمية وقلبية. ولا يكشف الفحص السريري ولا الاستقصاءات المتعددة عن وجود علة عضوية مسببة. فهي توهمات delusions غير واقعية مزمنة، تشغل بال العليل، وتعكر صفو حياته. ويفاقم البحث الحثيث والدؤوب عن سبب عضوي للشكايات المتعددة من كثير من الأطباء؛ قناعة العليل الراسخة بأنه مصاب بداء خفي خطر، أخفق الطب والأطباء في اكتشافه. فينفق الكثير من المال والجهد في مراجعة الأطباء دون اقتناع. تنجم هذه الحالات عن عدة أسباب، هي في غالبها نفسانية المنشأ، ولا مجال للخوض فيها. يصادف تعدد الشكاوى في الحالات التالية:
أ- وجود حالة أو حالات عضوية؛ حقاً.
ب- الكآبة الشديدة major depression.
ج- القلق anxiety.
د- اضطراب تحويلي conversion disorder (الهستيريا الحادة) .
هـ- اضطراب الجسدنة somatization disorder (الهستيريا المزمنة).
و- الفصام schizophrenia مع توهمات.
أ- متلازمة الألم الناحي المعقد :complex regional pain syndrome (CRPS)كانت تعرف سابقاً بالحثل الودي الانعكاسي reflex sympathetic dystrophy (RSD). وتشمل ما كان يطلق عليه ضمور سودِك Sudeck‘s atrophy ومتلازمة الكتف واليد shoulder- hand syndrome والحُراق causalgia. وتنجم إما عن أذية صريحة لعصب محيطي، فتعرف حينئذٍ بمتلازمة الألم الناحي المعقد نموذج I؛ وإما عن رض طفيف أو شديد في الطرف (لا يشمل العصب بالضرورة)، فيطلق عليها متلازمة الألم الناحي المعقد، نموذج II. تتصف هذه المتلازمة بالأمور المبينة في الجدول (7).
| |
(الجدول رقم6) المظاهر السريرية للألم الناحي المعقد |
وتتفاقم الحالة ما لم تعالج، فتمتد في الطرف، أو تشمل الناحية المماثلة من الطرف المقابل. ويؤدي قلة استعمال الطرف إلى تليف المفاصل، وضمور العضل، والتقفع contracture، وتخلخل العظام. ومما يوجه نحو تشخيص هذه المتلازمة التصوير الحراري thermography (انخفاض إشعاع الحرارة من الطرف لنقص ترويته)، والتصوير الشعاعي فتنقص كثافة العظام لنقص تمعدنها، وشذوذ في ومضان العظام bone scan. ويؤكد التشخيص بزوال الأعراض لعدة أسابيع بإحصار العصب nerve block؛ قبل معاودتها. وتعالج هذه الحالات بخزع الودي sympathectomy. أما الحالات المتقدمة؛ فلا تستجيب لهذه المعالجات؛ مما يستدعي تداخلات جراحية عصبية لتخفيف الألم، كتنبيه العمود الظهري من الحبل الشوكي dorsal root stimulation، على سبيل المثال؛ أو لزرع مضخة مورفين؛ أو لإعطاء المخدرات الفموية.
يجب أن يفكر في هذا التشخيص في حالات الألم غير المعلل. كما يجب التشجيع على تحريك الطرف في المراحل الباكرة من المرض، ومعالجته المعالجة المناسبة للحؤول دون تفاقمه، ولتلافي التأثرات النفسانية للألم الشديد المزمن (القلق والكآبة)، ومراجعة كثير من الأطباء من اختصاصات مختلفة قبل وضع التشخيص الصحيح.
ب- داء المنطقة Zona: ينجم عن ڤيروس الهربس النطاقي herpes zoster الذي يسبب الحماقَ chicken pox في الأطفال، وداء المنطقة في الراشدين الذين كانوا قد أصيبوا بالحماق من قبل بسبب استنشاط reactivation الڤيروس اللاطئ latent في عقد الجذور الخلفية في الناحية الظهرية أو القطنية للحبل الشوكي. فيظهر طفح حويصلي يعرف بين العامة بـ"زنار النار" shingles. وتزداد فرص الإصابة بداء المنطقة بتقدم العمر وفي المثبطين مناعياً.
تبدأ الأعراض بحكة أو نمل أو ألم؛ بتوزع جذري قبل ظهور الطفح. ويستمر الألم والطفح مدة 2-4 أسابيع. ويطلق مصطلح الألم تلو العقبولة postherpetic neuralgia إذا استمر الألم لأكثر من شهر بعد ظهور الطفح. وقد يستمر الألم عدة أشهر. وتشمل معالجة داء المنطقة مضادات الڤيروسات (acyclovir, valacyclovir, famciclovir) وتدبير الألم تلو العقبولة (بالأدوية ذات الفعل الأفيوني opioids؛ وبعض مضادات الكآبة ثلاثية الحلقة tricyclics، وبعض مضادات الاختلاج كـgabapentin أو pregabalin على سبيل المثال).
ج- احمرار الأطراف المؤلم :erythromelalgiaوهي حالات نادرة، غامضة السبب، يعتقد أنها ناجمة عن أذية الأوعية الدقيقة. تتظاهر بألم شديد لا يطاق في جلد أصابع القدمين غالباً (أو في إحداهما أحياناً)، يمتد إلى صدر القدمين. ويرافقه احمرار الجلد وسخونته. وقد يبدو الجلد عيانياً وكأنه قد أصيب بحرق شمسي. وتؤدي الأعراض الخفيفة إلى اضطراب المشية والوقوف والعمل. وقد يضطرب النوم أيضاً. وقد تكون الحالة من الشدة لدرجة تسبب إعاقة حركية. قد تتأذى أماكن أخرى من الجسد، فتصاب الساقان والذراعان والأذنان والأنف.
يثار الألم أو يتفاقم بارتفاع حرارة الجو، ويخف أو يزول مؤقتاً بغسل القدمين بالماء البارد. ومن هنا سُمّي داء رينو المقلوب. ولكن يجب التنويه أن وضع القدمين في الماء المثلج على مدار الساعة قد يفضي إلى أذية لا عكوسة، فيتعطّن الجلد maceration، وتصاب أصابع القدم بالغنغرينة؛ مما يفضي إلى بترها. لذلك يوصى المرضى باستعمال المروحة الكهربائية عوضاً عن الثلج لتبريد الطرف.
لا تظهر بالفحص السريري علامات عصبية شاذة إلا حين يرافقها اعتلال أعصاب محيطية أحياناً. ويبقى النبض الشرياني المحيطي سوياً.
لا تعرف أسباب معظم حالات احمرار الأطراف المؤلم (احمرار الأطراف المؤلم الأولي)؛ وبعضها ينجم عن أدواء أخرى (احمرار الأطراف المؤلم التلوي)؛ ولاسيما أدواء النقي التكاثرية myeloproliferative disease (التي ترافقها كثرة الصفيحات، وتستجيب للعلاج بالأسبرين)؛ والأدواء المناعية (التي تعالج بالستيروئيدات)؛ وحاصرات الكلسيوم وبعض موسعات الأوعية؛ واعتلال الألياف العصبية الدقيقة. وقد تستجيب الحالات الأولية لمضادات الكآبة ثلاثية الحلقة ولجرعات كبيرة من المغنيزيوم، وهو مناهض طبيعي لقنوات الكلسيوم.
د- متلازمة تململ الساقين :restless leg syndrome هي شعور غريب بغيض مُلحّ لا يقاوم لتحريك الساقين على نحو متواصل. وقد يصفه العليل بأنه "دبيب" أو "شد" أو"سحب"، لا يصل إلى درجة الألم. ولا يرافقه إحساس حارق ولا نمل؛ شأن ما يشاهد في اعتلالات الأعصاب. يثار هذا الإحساس أو يتفاقم عند الخلود للراحة؛ ولاسيما ليلاً. وتخف حدته مؤقتاً بتحريك الساقين على نحو متواصل أو بالمشي؛ مما يحول دون النوم الهنيء. وهذه الحالات شائعة في الغرب؛ إذ إنها تصيب 10% من الناس من كل الأعمار؛ بدرجات متفاوتة الشدة. وبالإزمان قد يصاب الطرفان العلويان. ولا يتأثر الوجه ولا الجذع.
لا يعرف الإمراض في هذه المتلازمة. فقد تكون أسرية في بعض الحالات؛ وتلوية في بعضها الآخر. إذ قد تظهر في النساء للمرة الأولى في أثناء الحمل. وقد تشاهد في حالات فقر الدم، ونقص حديد المصل، والمرحلة الانتهائية للقصور الكلوي المعالج بالديال (الديلزة) dialysis، واعتلال الأعصاب المحيطية، وخلل الانتباه attention deficit.
تؤدي مقاومة ذلك الشعور المزعج إلى تفاقمه. وقد يفيد - إضافة إلى الحركات الفاعلة - التدليك والتمديد، وإعطاء بعض الأدوية كذات الفعل الدوباميني dopaminergic agents، والمهدئات، ومضادات الاختلاج، والمسكنات.
هـ- اللاجلوسية (تعذر الجلوس) :akathisiaتشبه متلازمة تململ الساقين؛ لكنها تشمل الجسد بكامله، ولا نظم يوماوياً circadian rhythm لها، ولا يرتاح العليل بالحركة. وقد يشاهد فيها حركة هزهزة الجسد rocking بكامله. وتنجم عن تعاطي مناهضات الدوبامين dopamine antagonists، وتستجيب للأدوية المضادة للفعل الكولينرجي anticholinergic.
- التصنيف : الجهاز العصبي - النوع : الجهاز العصبي - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 79 مشاركة :