اضطراب دهون وكوليسترول
disorder of fat and cholesterol - trouble de graisse et de cholestérol



اضطرابات الدهون والكوليسترول

إياد عمر تنبكجي

فرط البروتينات الشحمية الوراثي المنشأ (العائلي)

العوامل المؤهبة للداء القلبي الوعائي

موجز تدبير مرضى الداء القلبي الإكليلي

 

 

 

فرط البروتينات الشحمية الوراثي المنشأ (العائلي)

 إن فرط البروتينات الشحمية العائلي آفة خِلْقية تزداد لدى المصابين به سويات الشحوم في المصل، وخصوصاً الكوليسترول وثلاثي الغليسريد بسبب جيني مورثي؛ مما يؤهب لحدوث مضاعفات قلبية وعائية مبكرة، مع ظهور أعراض وعلامات أخرى. إن كل التدابير العلاجية المتخذة عند هؤلاء المرضى- حتى في الأعمار المبكرة- من توصيات غذائية ونشاط فيزيائي وعقاقير خافضة للشحوم يجب أن تستمر طوال الحياة مع المراقبة المستمرة ومع تقييم الحالة الصحية للأقارب المُؤَهَّبين أيضاً. وفيما يلي ذكر ستة نماذج وراثية لاضطرابات الشحوم.

أولاً- فرط «الدقائق الكيلوسية» العائلي familial hyperchylomicronemia:

مرض وراثي نادر، لا يتمكن فيه البدن من التخلص من جسيمات الدقائق الكيلوسية من مجرى الدم، وبالتالي تحدث زيادة مفرطة في سوَّيات ثلاثي الغليسريد المصلية تصل إلى أعلى من 1000ملغ/دسل. وقد تتجاوز 7000ملغ/دسل في حالات قليلة، فيغدو مصل المريض في أنبوب الاختبار حليبياً أبيضَ قشدياً عياناًَ في أي وقت تم فيه أخذ عينة الدم حتى إن تجاوزت مدة الصيام ساعات طويلة، وليس أصفر رائقاً كما هو مألوف في وصف المصل السوي.

تظهر الأعراض باكراً خلال الطفولة وسني الشباب الأولى على شكل نوب ألم بطني معاود مع ضخامة كبد وطحال واندفاعات (أو طفح) صفراء قرنفلية على الجلد في مناطق المرفق والركبة و الأرداف والعجز والناحية الأمامية للساعد وخلف الذراع. وتدعى هذه الاندفاعات «طفح الأورام الصُّفْر» xanthoma، وهي رُسابات متكدسة من الدهون (ثلاثي الغليسريد خاصة)، وتتفاقم الأعراض عند تناول الدهن بالقوت. لايؤدي هذا الاضطراب إلى التصلب العصيدي غالباً؛ إلا أنه يمكن أن يسبب التهاب المُعثْكِلَة الشحمي بين الفينة والأخرى. يطلب من المصابين تجنب تناول كل أنواع الدهون المشبعة واللامشبعة.

ثانياً- فرط الكوليسترول العائلي:

يصيب هذا الداء الوراثي قرابة 1 من 500 من الناس، وتكون فيه سويات كوليسترول المصل مرتفعة. قد تظهر لدى المصابين أورام ُصفر على أوتار القدم والركبة والمرفق والأصابع، ونادراً ما تشاهد في عمر العاشرة. يمكن لهذه الآفة أن تسبب تطوراً سريعاً للتصلب العصيدي، والموت المبكر الذي يتبع داء القلب الإكليلي. ويشكو واحد من كل ستة أشخاص مصابين بالمرض هجمة (نوبة) قلبية في عمر الأربعين، كما يشكو اثنان من كل ثلاثة مرضى هجمة قلبية في عمر الستين. إن لدى النساء المصابات أيضاً عامل خطر قلبي وعائي، لكنه يتظاهر متأخراً؛ إذ تحدث نوبة قلبية في نحو مريضتين في عمر الستين من بين كل خمس نسوة مصابات.

ترتكز المعالجة على حمية ناقصة الدهون المشبعة والكوليسترول معاً، مع خفض الوزن، وإيقاف التدخين، وضبط عوامل الخطر الأخرى المرافقة إن وجدت كالداء السكري وارتفاع ضغط الدم، مع الالتزام بممارسة الفعالية الفيزيائية المنتظمة. وتتطلب الإصابة بهذا الداء الوراثي عقاقير خافضة للشحوم طوال الحياة مع المراقبة.

 ثالثاً- فرط الشحميات العائلي المشترك:

آفة وراثية تكون فيها سويات الكوليسترول أو ثلاثي الغليسريد أو الاثنين معاً زائدةً في الدم، وتبلغ نسبة الإصابة 1-2% من الناس. ومن المعهود أن يبدأ ظهور ارتفاع سويات الشحوم في الدم في بداية العقد الرابع ؛ إلاّ أنه قد يظهر أيضاً في سني الشباب المبكر، ولاسيما عند المرضى المصابين أيضاً بزيادة الوزن أو المتعودين على قوت مفرط الدهون أو المصابين بالمتلازمة الاستقلابية.

ترتكز المعالجة على الحد من امتصاص الأمعاء للدهون والكوليسترول والسكر، مع مزاولة التمارين الرياضية المنتظمة وإنقاص الوزن. ويحتاج كثير من هؤلاء المصابين إلى العقاقير الخافضة للشحوم أيضاً مدى الحياة مع المراقبة.

رابعاً- شَوَه البروتينات الشحمية بيتا العائلي:

تكون فيه سويات كل من مجمل الكوليسترول وكوليسترول البروتين الشحمي منخفض الكثافة LDL وثلاثي الغليسريد زائدة بالدم، وتزيد هذه المكونات بسبب إنشاء فائض لجسيمات البروتين الشحمي الشديد انخفاض الكثافة VLDL في الكبد فتتراكم بالدم.

قد تظهر الأورام الصفر على جلد المرفق والركبة، كما يسبب هذا الاضطراب تطوراً باكراً للتصلب العصيدي الخطر؛ إذ قد تظهر في المرحلة المتوسطة من العمر شكاوى انسداد الشرايين الإكليلية والمحيطية، كما يسبب نقص معدل تدفق الدم في شرايين الساق الألم بالحركة (العرج المتقطع).

تعتمد المعالجة على تحقيق الوزن المطلوب والمحافظة عليه من دون تهاون، مع تحديد المتناوَل من الكوليسترول والدسم المشبعة والسكريات. كما يحتاج المصابون إلى تطبيق العقاقير المخفضة للشحوم مدى الحياة مع المراقبة. وحينما تتم متابعة المعالجة والالتزام بالتدابير المذكورة سابقاً تتناقص سويات الشحوم، وقد يتباطأ تطور التصلب العصيدي مع تراجع الأورام الصُّفْر على الجلد التي قد تختفي.

خامساً- فرط ثلاثي الغليسريد العائلي:

تكون سويات ثلاثي الغليسريد فيه زائدة في المصل، ويصيب هذا الاضطراب 1% من الناس تقريباً. وفي بعض حالات الإصابة العائلية بهذا الداء يظهر التصلّب العصيدي في سني الشباب من دون حدوث ذلك في الحالات الأخرى.

يمكن لإنقاص الوزن مع الامتناع التام عن تعاطي الخمور خفض سويات ثلاثي الغليسريد حتى الحدود السوية أحياناً. ويمكن اللجوء إلى الأدوية الخافضة للشحوم أيضاً لتحقيق الهدف. كما يجب ضبط السكر عند المرضى السكريين من المصابين بهذا الداء.

سادساً- فرط البروتينات الشَّحمية المختَلِط الوخيم:

وهو اضطراب نادر، تكون فيه سوية ثلاثي الغليسريد شديدة الارتفاع. ولايتمكن البدن في الأشكال الخطرة لهذا الاضطراب من تحقيق الاستقلاب الملائم لطرح الفائض من ثلاثي الغليسريد. أما في الإصابات المتوسطة فيمكن لسويات ثلاثي الغليسريد أن تغدو مرتفعة جداً، وذلك حين وجود آفات مرافقة أخرى كتناول الخمور وسوء ضبط السكر والقصور الكلوي.

وأهم العلامات السريرية لهذا الداء هي الترسبات الدهنية الكثيرة (أورام صفر) في جلد مقدم الساق وخلف الذراع، مع ضخامة الكبد والطحال والألم البطني، ونقص في حس اللمس يتلو حدوث الأذية العصبية. وتتفاقم الحالة بتناول المسكرات والدهون. كما يحدث التهاب المعثكلة على نحو مؤقت، وهو التهاب يحرضه تناول الدهون، وقد يصل إلى درجة خطرة مهددة لحياة المصاب.

يمكن لنظام حمية يحدد المتناول اليومي من الدهون بأقل من 50غ أن يقي من الأذية العصبية والتهاب المعثكلة؛ كما يساعد إنقاص الوزن والامتناع عن معاقرة الخمور على تلطيف حدة الأعراض والعلامات. وقد تكون العقاقير المنقصة للشحوم فعالة في هذا المجال، ومن الواجب المواظبة على تناولها مع استمرار المراقبة.

العوامل المؤهبة للداء القلبي الوعائي

إن العوامل المؤهبة للداء القلبي الوعائي، أو ما يسمى بعوامل الخطورة القلبية الوعائية هي مجموعة العوامل الوراثية أو المكتسبة التي تزيد من تطور العصيدة في الشرايين، ولاسيما الإكليلية والدماغية والسباتيين والأبهر والحرقفيين وشرايين الأطراف، مؤدية إلى زيادة معدل المَراضة والوَفيات بأسباب قلبية وعائية.

تصنيف عوامل الخطورة القلبية الإكليلية

يمكن أن تصنف هذه العوامل عملياً في:

1- عوامل خطورة يمكن تجنبها أو تخفيفها: ومثالها تدخين التبغ بكل أشكاله، وفرط مجمل كوليسترول المصل، وارتفاع الكوليسترول المنخفض الكثافة LDL، ونقص الكوليسترول المرتفع الكثافة HDL، وارتفاع الضغط الشرياني (الانقباضي < 135 ملم زئبق، والانبساطي < 85 ملم زئبق)، وزيادة الوزن أو السِّمْنة obesity، والخمول وقلة النشاط الفيزيائي، والداء السكريّ، وفرط الهوموسيستين في الدم، والشدة stress العاطفية، والهمّ النفسي، والأخماج وخصوصاً بالمُتَدَثِّرَات.

2- عوامل خطورة لا يمكن تجنبها: ومثالها تقدم العمر، ووجود قصة تصلب عصيدي عائلية بأعمار مبكرة، وجنس الذكورة إذ إن الذكور ولاسيما بعد سن الـ 45 معرضون لخطر أكبر من تعرض الإناث قبل سن الضهى، ويعزى ذلك إلى وجود سويات مرتفعة نسبياً من الإستروجين لديهن.

تؤلف محاولة ضبط عوامل الخطورة إجراءً مطلوباً بحزم، سواء لدى المرضى أم لدى الأصحاء، وسواء كان ذلك بتعديل نمط الحياة أم بمشاركة الأدوية الخافضة لشحوم الدم، أم بالتزام حزمة التدابير والنصائح والتعليمات اللازمة للمريض.

يزيد التدخين عموماً من سويات الكوليسترول المنخفض الكثافة وينقص من سويات الكوليسترول المرتفع الكثافة؛ إضافةً إلى أضرار التدخين الأخرى.

تُعرَّف السِّمْنة (البَدَانة) بأنها زيادة أكثر من 30% على الوزن المثالي وفق جداول الوزن والطول المعيارية المعروفة. أما إذا كانت الزيادة أقل من ذلك فتسمى «زيادة وزن».

إن السِّمنة البطنية أو المركزية أو الذكرية (التي تتوضع فيها كتلة الشحوم في البطن وتعطي الجسم شكل التفاحة) هي ذات أهمية خطرة تفوق خطورة السمنة الأنثوية أو السفلية (التي تتوضع فيها الشحوم أسفل مستوى السرّة في الأرداف والفخذين وتعطي الجسم شكل الإجاصة بسبب بقاء الخصر نحيلاً نسبياً)؛ لأن البطنيّة هي جزء من وصف المتلازمة الاستقلابية. ويجب ألاّ يزيد محيط البطن مروراً بالسُّرَّة على 102سم عند الذكور، وعلى 88سم عند الإناث. وهناك معايير أخرى متعددة لضوابط وزن الجسم تُراجع في مصادرها.

السويات الطبيعية لكوليسترول المصل

إن عملية التصلب العصيدي بجدار الشريان هي عملية بطيئة ومستمرة تتطور رويداً رويداً عند كثير ممّن لديهم سويات متوسطة من الكوليسترول المنخفض الكثافة، فتجعلهم فعلياً معرضين لخطر تطور إصابة الشرايين الإكليلية مستقبلاً. وليست هناك سويات متفق عليها لمجمل كوليسترول المصل ولمستوى الكوليسترول الخفيض الكثافة. وهناك أصحاء لا يشكون مرض القلب الإكليلي ولديهم سويات مرتفعة من كوليسترول المصل والكوليسترول المنخفض الكثافة. وفي المقابل هناك من لديهم سويات مقبولة من الكوليسترول المنخفض الكثافة ومع ذلك فعندهم شكاوى قلبية - إكليلية بوجود عوامل خطر أخرى مرافقة.

إن القاعدة التي لا خلاف عليها هي أنه كلما نقص الكوليسترول الكلي كان أفضل، وكذلك الكوليسترول المنخفض الكثافة وسويات ثلاثي الغليسريد أيضاً، في حين كلما ازدادت سويات الكوليسترول المرتفع الكثافة كان أفضل. وتقترح بعض المراجع الأرقام الواردة في (الجدول1) على أنها الحدود المطلوبة في حالات العافية وكذلك لدى مريض الداء القلبي الوعائي:

دور كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة HDL chol.:

يعد نقص سويات البروتين الشحمي المرتفع الكثافة عامل خطورة لتصلب الشرايين والداء القلبي الوعائي؛ في حين ترتبط زيادة سوياته بخفض الخطورة. يمكن أن يشاهد الانخفاض الشديد في كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة وكذلك زيادته الشديدة بشكل عائلي (خلقي). إن لدى العائلات المنخفضة السويات خلقياً احتمالاً عالياً لحدوث نوب القلب مقارنة بعامة الناس الآخرين، في حين تميل العائلات الزائدة السويات إلى بلوغ عمر أطول وسطياً مع انخفاض تواتر نوب القلب.

تشاهد سويات أخفض لكوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة عند كل من المدخنين، والذين يكثرون من تناول الحلوى، وزائدي الوزن قليلاً، وقليلي الحركة (الخاملين)، ومرضى السكر من النمط II (غير المعتمد على الأنسولين).

تشاهد سويات أعلى لكوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة عند كل من نحيلي الأجسام، والذين يمارسون الرياضة بانتظام، والذين لا يدخنون، والإناث؛ إذ يزيد الإستروجين من معدلات كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة؛ وهذا ما يفسر زيادته لديهن قبل سن الضّهى مقارنةً بالذكور.

إن كل زيادة في معدل كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة بمقدار 1ملغ/دسل يُنقص عامل خطورة الداء القلبي بنسبة 2- 4%. ولذا من المطلوب دائماً أن تكون سويات هذا الكوليسترول عند الذكور أعلى من 40 ملغ/دسل، وعند الإناث قبل الضَّهى أعلى من 50 ملغ/دسل. وكلما ازداد عندهما كان أفضل. ومن الممكن زيادة سويات هذا الكوليسترول بترشيد نمط الحياة العلاجي عدة أسابيع، فإن لم تكفِ هذه المدة فلابدّ من الدعم بإضافة العقاقير اللازمة.

قياس نِسب مُركِّبات الكوليسترول

زائدة جداً

زائدة

الارتفاعات الحدية

القيم المتوقعة لعامة الناس

القيم المرغوبة لمرضى القلب الوعائي

نوع الشحوم في الدم

 

240 أو أكثر

200-239

أقل من 200

 

الكوليسترول الكلي

 

160 أو أكثر

130-159

أقل من 130

أقل من 100

كوليسترول البروتين الشحمي منخفض الكثافة

 

 

35 أو أكثر

أكثر من 40

كوليسترول البروتين الشحمي مرتفع الكثافة

1000 أو أكثر

400-1000

200-400

أقل من 200

أقل من 150

ثلاثي الغليسريد

(الجدول1) تصنيف سويات الشحوم الرئيسية في الدم

 

يمكن قياس نسبة تركيز مجمل كوليسترول المصل إلى نسبة كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة، وهي تساوي طبيعياً 5: 1؛ (أي 5 كوليسترول كلي مقابل 1 كوليسترول مرتفع الكثافة). وكلما نقصت كان أفضل، وكلما زادت وجهت نحو خطورة عالية للمرض القلبي الإكليلي. والهدف هو أن تكون النسبة أقل من 4.5.

ثلاثي الغليسريد في المصل بوصفه عامل خطر قلبي وعائي:

ليس هناك علاقة مؤكدة لتأثير فرط ثلاثي الغليسريد وحده في الدم في تشكل اللويحة العصيدية في جدار الشريان؛ ولكن لابد من تأثير سيئ لفرط ثلاثي الغليسريد مع عوامل خطر أخرى مثل فرط الكوليسترول أو فرط البروتين الشحمي الخفيض الكثافة، أو الداء السكري أو فرط الضغط الشرياني، أو نقص البروتين الشحمي المرتفع الكثافة أو مقاومة الأنسولين أو غير ذلك. ومن الملاحظ أن لفرط ثلاثي الغليسريد أمكنة شريانية مختارة لتشكل العصيدة هي الشريان السباتي.

يُعامل فرط ثلاثي الغليسريد بتطبيق ترشيد نمط الحياة العلاجي أولاً؛ ومن ثم قد يُلجأ إلى العقاقير الخافضة للشحوم أيضاً للوصول إلى سويات أقل من 150 ملغ/دسل.

الهدف من خفض سويات الكوليسترول الكلّي والكوليسترول منخفض الكثافة في المصل:

إن الهدف الأول هو الوقاية من التصلب العصيدي وإبطاء تطوره، وبالتالي تأخير مضاعفاته ما أمكن؛ والتي منها حوادث نوب القلب والسكتات الدماغية.

تتألف اللويحة العصيدية من لُبٍّ شحمي وغطاء من البطانة. يكتنز اللب بالكوليسترول المُؤسَتر من جسيمات البروتين الشحمي المنخفض الكثافة مع خلايا بالعة تلتقمه وتُتْخم به فتسمى خلايا الرغوة. أما الغطاء فهو صف من خلايا البطانة الوعائية المتأذية، وشيئاً فشيئاً يتليف الغطاء ويرق ثخنه.

تُفرز الحفَّازات الخلوية (السيتوكينات) - وهي مجموعة عوامل كيمياوية فعالة وعائياً وخلوياً - من البالعات وخلايا البطانة وأرومات الليف واللمفاويات وغيرها، وتسبب تفاقم الآفة؛ إذ تتكاثر الألياف العضلية الملساء في القميص العضلي للشريان وتهاجر إلى ما تحت البطانة الوعائية التي يزداد تخرُّبها مع حدوث تقبض الأوعية، كما تحدث دارات معيبة متعددة أخرى في الموقع. ومن هنا تصنف أحداث العصيدة على أنها ظاهرة التهابية. وكلما ازداد ترسب الكوليسترول وكثرت خلايا الرغوة وازداد فرط التنسج بازدياد الخلايا تحت البطانة الوعائية ضعُف الغطاء وأصبح أكثر هشاشةً، وكبُرت اللويحة وبرزت ضمن اللمعة، وازداد انتباج الجدار ونقصت مرونته أكثر فأكثر (التصلب)، وتضيَّقت اللمعة وضعف جريانُ الدم؛ وبالتالي بدء ظهور أعراض نقص التروية ونقص أكسجة النسج والخلايا وعلاماتهما التي تلي التضيق. وهذا التطور هو الأبطأ عادة والأقل احتمالاً (15% من الحالات تقريباً)، ولكن هناك تطورات أكثر شيوعاً. قد يتسحج محيط اللويحة فتتجمع الصفيحات في الموضع وتلتصق لتطلق آلياتِ التخثر رويداً رويداً، وتُشكِّل الجلطة الدموية التي قد تصل إلى درجة تُضيِّق فيها اللمعة أكثر فأكثر وقد تسدها أيضاً.

والتطور المفاجئ الأخطر هو أن يضعف المحيط فتنبثق اللويحة فجأة، وتتجمع الصفيحات مكانها وتطلق آليات تشكل الخثرة الدموية فتسد اللمعة فجأة مسببةً الانسداد التام للشريان والاحتشاء (التَموُّت) لما يليها من نسج. وقد تنطلق صِمّة مجتزأة منها في مجرى الدم فتسبب الانسداد في موضع آخر. وقد يضعف محيط العصيدة والجدار الشرياني فيحدث نزف ضمنه. وقد تتشكل أمُّ دمٍ خطرة ضمن جدار الشريان فتُضْعِفه وتنقص الوظيفة، وقد يتمزق الجدار بها فتسبب الموت المفاجئ.

تبين أن نقصان سويات كوليسترول البروتين الشحمي المنخفض الكثافة وزيادة كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة بأي وسيلة ممكنة يعاكس الأحداث المرضية السابقة للعصيدة على نحو ملموس، ويقدم منافعَ متعددة لمرضى الداء القلبي الوعائي على عدة مستويات، وهي تتضمن ما يلي:

أ- إنقاص تشكل لويحات الكوليسترول الجديدة في جدران الشرايين أو إيقافها.

ب- إنقاص كمية الكوليسترول ضمن اللويحات المتشكلة في جدران الشرايين.

ج - توسيع تضيقات لمعة الشرايين بإنقاص حجم اللويحات في الجدران.

د- الوقاية من حدوث «انبثاق لويحة الكوليسترول» بدعم استقرارها وثباتها (دعم محيطها).

هـ- إنقاص معدل حدوث النوب القلبية.

و- إنقاص معدل حدوث السكتات الدماغية.

إن المعايير ذاتها التي تؤخر حدوث التصلب العصيدي في الشرايين الإكليلية تنطبق على الشرايين السباتية والدماغية وتفيد فيها.

موجز تدبير مرضى الداء القلبي الإكليلي:

يجب تدبير عوامل الخطر القلبية الوعائية بوصفها طريقة معالجة عند المرضى، كما أنها مطلوبة أيضاً بوصفها وقاية هامة فاعلة عند الشباب والكهول غير المرضى عموماً. وتطبق التدابير اللازمة بحزم عن طريق محورين أساسيين هما: ترشيد نمط الحياة العلاجي، وإذا لم يفِ وحده بالغرض أضيف إليه التدبير الثاني، وهو العقاقير الخافضة للشحوم.

1- ترشيد نمط الحياة العلاجي:

يطبق عبر تدبيرين اثنين هما: ضبط القوت كماً ونوعاً، وتشجيع الجهد الفيزيائي وترك الخمول.

أ- ضبط نظام القوت كماً ونوعاً: تؤدي العوامل الوراثية أعظم دور في تحديد تراكيز شحوم الدم وكذلك تحديد وزن الجسم. كما يؤثر نموذج الشحوم المتناولة بالقوت في نموذج شحوم البروتينات الشحمية بالدم. ولكن هناك من العوامل القوتية والبيئية ما يخفض كوليسترول الدم، ويتم ذلك بالاستغناء عن بعض الحموض الدهنية المشبعة والاستعاضة عنها بحموض دهنية وحيدة اللاتشبع والمتعددة اللاتشبع في القوت؛ وهو الأمر الأكثر فائدة.

ومن ناحية أخرى يحوي زيت النخيل وزيت جوز الهند نسبةً عالية من الحموض الدهنية المشبعة، وهما شائعا الاستعمال في المأكولات الجاهزة؛ كما أن لسكر القصب sucrose ولسكر الفواكه fructose تأثيراً أعظم في زيادة شحميات الدم ولاسيما ثلاثي الغليسريد، علماً أن غالبية المأكولات الدسمة الجاهزة تحوي الكثير من الدهون المشبعة إضافة إلى الأصبغة الصناعية ذات التأثيرات المسرطنة البطيئة والمُنكهات الصناعية (الجدول 2)،

نسبة الدسم متعددة اللاتشبع%

نسبة الدسم أحادية اللا تشبع %  

نسبة الدسم المشبعة%

مصدر المادة الدسمة

19

60

21

زيت فستق العبيد

50 – 56.6

29.4

10 - 14

زيت الذرة

7

79

10 - 14

زيت الزيتون

61

24.3

14.7

زيت فول الصويا

61 – 69

18 - 27

6 - 12

زيت دوار الشمس

4

23

54

الزبدة

22

43

35

شحوم الدجاج

3

42

55

شحوم العجل

10

32

58

شحوم الماعز

33

20

19

شحوم سمك السردين

(الجدول2) النسب المئوية لتوزع الدسم في بعض الأطعمة نسبة لمجمل الدهون بالمادة المصدر

 

الألياف القوتية: تتألف الألياف القوتية من كل مكونات جدار الخلايا النباتية التي يصعب هضمها مثل السيلولوز وشبيه السيلولوز واللغنين، والصموغ والبكتينات والبنتوزانات. ويمكن للألياف أن تسهم جزئياً (لنحو 2-7%) من متطلبات الإنسان للطاقة، وهي تسبب التخمر القولوني وتنتج غازات مثل: CO2 و H2 وأحياناً CH4.

تفيد الألياف غير الذوابةٍ الغزيرة في القوت - مثل السيلولوز واللغنين في نخالة القمح- وظيفة الحركة التمعُّجية (الحَوية) للقولون؛ في حين يؤدي وجود ألياف ذوابة على نحو أكثر في البقول (الفول، الحمص، العدس)، والفاكهة مثل الصموغ والبكتينات إلى خفض كوليسترول الدم، ربما بسبب تعزيز ربط الحموض الصفراوية بالكوليسترول القوتي وطرحهما معاً للخارج. كما تنقص الألياف الذوابة من سرعة انفراغ المعدة وتقلل من ارتفاع سكر الدم التالي للوجبة الطعامية مع إنقاص لاحق في إفراز الأنسولين.

يساعد القوت الغني بالألياف على كبت النهم، ويولد حِساً بالامتلاء والشبع؛ كما يسبب احتباس الماء خلال مرور الطعام عبر الأمعاء منتجاً كمية براز أكبر وأكثر ليونةً. وإضافة إلى ذلك فهو يزيد الحركة التمعُّجية للأنبوب الهضمي ويزود بالفيتامينات والألياف الضرورية. وبالمحصلة السريرية، يخفض الدوام على القوت الغني بالألياف معدل وقوع داء الرتوج diverticulosis وسرطانة القولون، والداء الوعائي القلبي، والداء السكري.

تقدم أكسدة الشحوم قرابة ثلث الطاقة اليومية القوتية اللازمة للجسم. ولكن يبدو من اللازم مراعاة نسب توزع أنواع الدهون في القوت المتناول فيما بينها أيضاً، أي:

الدهون المشبعة: يجب ألا تزوّد بأكثر من 7-10% من مجمل الحاجة اليومية إلى الحريرات المتناولة بالقوت. وتزيد هذه الفئة من سويات الكوليسترول بالمصل أكثر من باقي النماذج.

الدهون أحادية اللاتشبع: يجب ألا تزوِّد بأكثر من20% من مجمل الحاجة اليومية إلى الحريرات في القوت.

الدهون عديدة اللاتشبع: يجب ألا تزوِّد بأكثر من 10% من مجمل الحاجة اليومية إلى الحريرات القوتية.

تُنقص الفئتان الأخيرتان من سويات الكوليسترول وكوليسترول البروتين الشحمي المنخفض الكثافة وثلاثي الغليسريد بالمصل، وتزيدان من كوليسترول البروتين الشحمي المرتفع الكثافة (الجدول 3).

المادة الغذائية الأساسية

نصيبها النموذجي من الطاقة المطلوبة%

السكريات

50 %

الشحوم

30%

البروتينات

15%

الألياف القوتية

5%

(الجدول3) توزع الحاجة التقريبية النموذجية للطاقة على مركبات القوت الأساسية

 

ب- مزاولة الرياضة والجهد الفيزيائي: ينصح بالمشي 30-60 دقيقة يومياً أو كل يومين حداً أدنى في الهواء الطلق بعيداً عن التلوث قدر الإمكان، أو السباحة أو ركوب الدراجة العادية. وينصح بممارسة أي نوع من أنواع الرياضة المتاحة ضمن إمكانات الفرد العادي أو المريض كالتمارين الخفيفة وغيرها.

فوائد ترشيد نمط الحياة للسليم والمريض:

يهدف تغيير نمط الحياة إلى درء عوامل خطر متنوعة مثل زيادة الوزن، والخمول ونقص النشاط الفيزيائي، والمتلازمة الاستقلابية، وزيادة سويات الكوليسترول المنخفض، وفرط ثلاثي الغليسريد، ونقص سويات الكوليسترول المرتفع الكثافة، والإسهام في ضبط الغلوكوز وفرط الضغط الشرياني بوجه فعال.

وتتجلى النتائج المرجوة في تحسن نشاط الفرد، والتأثير في مجمل الشحميات لمصلحة المريض كنقص إجمالي الكوليسترول والكوليسترول المنخفض الكثافة، وزيادة سويات الكوليسترول المرتفع الكثافة، ونقصان تركيب ثلاثي الغليسريد بسبب زيادة الحساسية للأنسولين على الأرجح. وبالمحصلة يمكن لهذا التغيير الجاد أن يُنقص من احتمال حدوث النوب القلبية والسكتات الدماغية بوساطة آليات عديدة.

2- العقاقير الخافضة للشحوم:

إن لم تكن تجربة ترشيد نمط الحياة وافية بالغرض تطبق العقاقير المناسبة. ويجب أن يشمل هذا الإجراء كبار السن كي تتاح لهم فائدة إنقاص الكوليسترول المنخفض الكثافة، مع الحذر من أذية العقاقير للكبد والكلى عند الطاعنين في السن.

آليات تأثير الأدوية الخافضة لشحوم الدم:

- حصر إعادة امتصاص الحموض الصفراوية في الدورة المعوية الكبدية، وهذا يزيد طرح الصفراء مع الفضلات، ويحرض انقلاب الكوليسترول في الكبد إلى حموض صفراوية لتعويض النقص الحاصل.

- لجم امتصاص الكوليسترول من الأنبوب الهضمي.

- لجم إنشاء الكوليسترول في مراحل مختلفة تؤدي إلى إنقاص مستويات الكوليسترول المنخفض الكثافة (بالستاتينات).

- تحويل التدفق الكبدي للحموض الدهنية الحرة من سبيل الأسترة والخزن إلى سبيل التقويض بالأكسدة.

- إنقاص تدفق الحموض الدهنية الحرة عن طريق تثبيط تحلل الشحم في النسيج الشحمي، ومن ثم تثبيط إنتاج الكبد للبروتين الشحمي الشديد انخفاض الكثافة VLDL (بحمض النيكوتينيك).

- زيادة تقويض البروتين الشحمي المنخفض الكثافة عن طريق مستقبلاته، ومنع تراكم جسيمات هذا البروتين المؤكسد في الجدر الشريانية وهي التي تعد العامل المعصِّد الأول (الجدول 4).

التأثير في شحوم الدم

زمرة العقاقير

التأثير الرئيس: خفض LDL

تأثير خفيف بزيادة HDL

تأثير خفيف بخفض الغليسريدات

الستاتينات

التأثير الرئيس: زيادة HDL

تأثير خفيف إلى متوسط بخفض الغليسريدات وكذلك LDL

حمض النيكوتينيك(نياسين)

التأثير الرئيس: خفض الغليسريدات

تأثير بزيادة HDL

تأثير بخفض LDL

الحمض الليفي

تأثير لطيف بخفض LDL

لاتأثير في الـ HDL والغليسريدات

حصر الحموض الصفراوية

تأثير لطيف بخفض LDL

لاتأثير في HDL والغليسريدات

تثبيط امتصاص الكوليسترول

خفض زائد لـ LDL  والغليسريدات

مشاركة حمض النيكوتينيك مع الستاتين

خفض LDL  بالجرعات الدنيا حين المشاركة

مشاركة الستاتين مع مثبطات الامتصاص

(الجدول4) زمر العقاقير الشائعة وتأثيرها في شحوم الدم

 

 

- التصنيف : قلبية - النوع : قلبية - المجلد : المجلد الثالث - رقم الصفحة ضمن المجلد : 284 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1