logo

logo

logo

logo

logo

الخطبة

خطبه

betrothment - fiançailles

 الخِطبة

الخِطبة

وهبة الزحيلي

معنى الخِطْبة وحكمتها وأنواعها وما يترتب عليها

الخطبة على الخطبة ومقومات الاختيار أو صفات المخطوبة

شروط المخطوبة: يشترط لإباحة الخطبة شرطان

رؤية المخطوبة والخلوة بها

العدول عن الخطبة

   

معنى الخِطْبة وحكمتها وأنواعها وما يترتب عليها:

الخِطْبة: هي إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة، وإعلام وليها بذلك إما مباشرة من الخاطب، وإما بوساطة أحد من أسرته. وحكمتها: تعرُّف كل من الخاطبين إلى الآخر، مما يتصل بالأخلاق والطبائع والميول، بالقدر المسموح به شرعاً.

وتكون الخطبة إما بإبداء الرغبة من الخاطب صراحة بقوله لوليها: أريد خطبة فلانة، وإما ضمناً بالتعريض أو القرينة بقوله: إنك جديرة بالزواج، أو يا حظ من يخطبك، أو إنني أبحث عن فتاة لائقة مثلك. والخطبة مجرد وعد بالزواج وليست زواجاً، فيظل كل من الخاطبين غريباً عن الآخر. نصت المادة (2) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أن: «الخطبة والوعد بالزواج وقراءة الفاتحة وقبض المهر، وقبول الهبة، لا تكون زواجاً».

الخطبة على الخطبة ومقومات الاختيار أو صفات المخطوبة:

يترتب على الخطبة التي تتم فيها الموافقة الصريحة، ويعلم بها الآخر تحريم التقدم لخطبة ثانية من الغير، فذلك يعدّ معصية تؤدي إلى المنازعة وإيذاء الخاطب الأول، وإثارة عداوته وحقده، وزرع الضغينة في نفسه، لكن إن عَدَل أحد الخاطبين عن الخطوبة، أو أذن الخاطب الأول لغيره بالتقدم للخطبة يجوز حينئذٍ التقدم لها، وهذا متفق عليه بين العلماء، لقول النبي r: «لا يخطب الرجل على خطبة الرجل، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له»[أخرجه أحمد والبخاري والنسائي عن عبد الله بن عمرy].

أما إن لم تتم الخطبة الأولى، وكان الأمر في حال مشاورة أو تردد فلا تحرم خطبة جديدة، إلا أن ذلك في رأي الحنفية مكروه، لإطلاق النص النبوي المذكور في النهي عن الخطبة على خطبة الآخر. وأباح جمهور الفقهاء الخطبة الثانية، لأن فاطمة بنت قيس خطبها ثلاثة، وهم معاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم بن حذافة، وأسامة بن زيد، بعد أن طلَّقها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بعد انقضاء عدتها منه، مما يدل على جواز تقدم أكثر من خاطب إذا لم تقبل المرأة خطبة أحد، ولم يعلم كل خاطب بتقدم أحد إلى الخطوبة.

ومقومات اختيار المرأة أو صفاتها في الأعراف والعادات: إما الثراء، وإما الجمال، وإما الحسب (هو الفعل الجميل للرجل وآبائه، أي السمعة العالية والشهرة)، وإما التدين، وهذا ما يتبين في حديث نبوي معروف هو: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» (أي التصقت بالتراب، وهو كناية عن الفقر والخسران، أي وقع لك ذلك إن لم تفعل) [حديث متفق عليه بين أصحاب الكتب السبعة: مسند أحمد والكتب الستة المشهورة]. وفي حديث آخر أصرح هو: «لا تنكحوا النساء لحسنهن، فلعله يُرْديهن، ولا لمالهن فلعله يطغيهن، وانكحوهن للدين، ولأمة سوداء خرقاء ذات دين أفضل»[أخرجه ابن ماجه والبزار والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً إلى النبيr]. والمراد أن ذات الدين تتميز بالأمانة والثقة والاستقامة وحسن الخلق ودوام الزواج، وإحسان العشرة لزوجها.

ومن المرجحات الشائعة: كون المرأة ولوداً بحسب المشهور في أسرتها، وبِكْراً، وحسيبة (أي نسيبة طيبة الأصل ليكون ولدها نجيباً) وجميلة، لأنها أقرب للعفة والمودة، والاقتصار على واحدة، تفادياً للظلم وعدم العدل بين النساء، والميل إلى إحداهن أكثر من الأخرى. ويكره الزواج بسيئة السمعة خلقاً أو سلوكاً أو مشهورة بالزنا.

شروط المخطوبة: يشترط لإباحة الخطبة شرطان

الشرط الأول: ألا يحرم الزواج بها شرعاً: بأن كانت من المحرَّمات على الرجل تحريماً مؤبداً كذوات الأرحام مثل الأخت والعمة والخالة والأخت رضاعاً، والأم المرضعة وبناتها وأولادها، أو تحريماً مؤقتاً بسبب المصاهرة كأم المرأة المدخول بها، وأخت الزوجة، أو في حال الزوجية كزوجة الغير في رابطة الزواج أو في أثناء العدة من طلاق رجعي أو بائن، على تفصيل يذكر في بحث العدة، أو بسبب الشرك (الوثنية) مثل النساء الملحدات، أو غير أهل الكتاب، لأن علاقة التحريم المؤبد تؤدي إلى الضرر بالأولاد وبالعلاقة الزوجية ذاتها، وعلاقة التحريم المؤقت تؤدي إلى النزاع والإفساد والإضرار وقطيعة الرحم.

ودليل تحريم الزواج بالمحارم: قول الله تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الأَخِ وَبَناتُ الأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمْ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمْ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً[[النساء 23] (الربيبة: بنت الزوجة من رجل آخر).

وتحريم الزواج بالنساء غير الكتابيات كالهنديات واليابانيات والصينيات والشيوعيات، لقول الله تعالى: ]وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ[[البقرة 221].

أما الكتابية (اليهودية والنصرانية) فيجوز الزواج بها، مع الكراهة، لقول الله عز وجل: ]الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ[[المائدة 5] (يطلق الأجر على المهر، حيث إن للمهر عشرة أسماء في اللغة العربية).

وتحريم الجمع بين المحارم: لحديث أبي هريرة قال: «نهى النبي r أن تُنكح المرأة على عمتها أو خالتها» [أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي] وأخرج أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة عن عيسى بن طلحة قال: «نهى رسول الله r عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة» وهذا لا اختلاف فيه بين أهل العلم، كما حكاه الترمذي، وحكاه الشافعي عن جميع المفتين، وقال: لا اختلاف بينهم في ذلك. وقال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافاً اليوم.

وخطبة المعتدة من حالات التحريم المؤقت، بأن تكون معتدة من زواج سابق، فيحرم باتفاق الفقهاء الخطبة الصريحة أو المواعدة للمعتدة مطلقاً، سواء أكانت العدة بسبب عدة الوفاة أم عدة الطلاق الرجعي أو البائن، لمفهوم قوله تعالى: ]لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً[ [البقرة 235].

وبيان حكم خطبة المعتدات يظهر فيما يأتي بإيجاز:

أ - إن كان سبب العدة وفاة الزوج جازت الخطبة بالتعريض والتلميح لا بالتصريح، باتفاق الفقهاء، لانتهاء الزوجية بالوفاة، فلا يكون في خطبتها اعتداء على حق الزوج ولا إضرار به، للآية السابقة.

ب - وإن كان سبب العدة هو الطلاق: فإن كان الطلاق رجعياً (وهو ما يمكن بعده مراجعة المرأة في العدة بعد الطلقة الأولى أو الثانية) حرمت الخطبة باتفاق الفقهاء، لأن لمن طلَّقها طلاقاً رجعياً الحق في مراجعتها في أثناء العدة، فتكون خطبتها اعتداء على حقه، فهي في حكم الزوجة. وإن كان الطلاق بائناً بينونة صغرى (بعد الطلقتين) أو كبرى (بعد الطلقات الثلاث) فتحرم الخطبة أيضاً في مذهب الحنفية، لأن لمطلِّقها في حال البينونة الصغرى أن يعقد عليها مرة أخرى قبل انقضاء العدة، وبعدها، فلو أبيحت خطبتها لكان في ذلك اعتداء على حقوقه ومنع له من العودة إلى زوجته، كالمطلقة الرجعية. وأما في حال البينونة الكبرى فتمنع الخطبة بطريق التعريض أو التصريح كيلا تكذب المرأة في الإخبار بانتهاء عدتها.

وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز خطبة المعتدة من طلاق بائن مطلقاً (بينونة صغرى أو كبرى) لعموم الآية السابقة: ]وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ[[البقرة 235].

وإذا عقد على المعتدة زواج في العدة، ودخل الزوج بها، كان الزواج باطلاً، ويفسخ باتفاق العلماء، لأن الله تعالى نهى عنه، لقوله تعالى: ]وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[[البقرة 2/228]، بل تحرم عليه حرمة مؤبدة في رأي الإمام مالك وأحمد والشعبي ، فلا يحل نكاحها أبداً، وبه قضى عمر y، لأنه استحل ما لا يحل، فعوقب بحرمانه، كالقاتل عمداً يعاقب بحرمانه من ميراث المقتول. وأجاز الحنفية والشافعية العودة إلى هذا الزواج بعد فسخ النكاح، وبعد انتهاء العدة، إذ لا دليل من القرآن والسنة والإجماع على هذا التحريم.

الشرط الثاني: ألا تكون المخطوبة مخطوبة سابقاً لخاطب آخر، لأنه لا تحل خطبة المخطوبة للحديث المتقدم: «لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب».

فإن فعل فزواجه عند الجمهور صحيح وعليه الإثم، ولا يفرق بين الزوجين، كالخطبة في العدة، لأن النهي ليس متوجهاً إلى العقد نفسه، بل إلى أمر خارج عن حقيقته، فلا يقتضي بطلان العقد.

وروي عن مالك وداود الظاهري: أنه لا يصح، لأنه نكاح منهي عنه، فكان باطلاً. والمعتمد عند المالكية: أنه إذا رفعت الحادثة لقاضٍ، وثبت عنده العقد على المخطوبة ببينة أو إقرار، وجب عليه فسخه قبل الدخول بطلقة بائنة.

رؤية المخطوبة والخلوة بها:

أباحت الشريعة تعرف المخطوبة من طريقين فقط:

الأول - إرسال امرأة قريبة أو غير قريبة يثق الخاطب بها، تنظر إليها، وتخبره بصفاتها، لما روى أنس بن مالك أنه y: «بعث أم سُليم إلى امرأة، فقال: انظري إلى عُرْقوبها، وشَمي معاطفها» أو «شمي عوارضها» (العرقوب: عصب غليظ فوق العقب، أي لمعرفة الدمامة أو الجمال في الرجلين. والعوارض: الأسنان التي في عرض الفم ما بين الثنايا والأضراس، والمراد: اختبار رائحة الفم، والمعاطف: ناحية العنق) [أخرجه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي، وفيه كلام، بلوغ المراد مع سبل السلام للصنعاني 3/113 والمشهور أنه مرسل] وللمرأة أن تفعل مثل ذلك بإرسال رجل ينظر إلى الخاطب، لتساوي المرأة والرجل فيما يعجب وما لا يعجب.

الثاني - النظر مباشرة للمخطوبة لتعرف حالة الجمال وخصوبة البدن، فينظر فقط إلى الوجه والكفين والقامة، لأن الوجه يدل على الجمال، والكفين يدلان على الخصوبة والنحافة، والقامة على الطول والقصر.

والبرهان على هذا: ما روى جابر بن عبد الله عن رسول الله r قال: «إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل» قال جابر: «فخطبتُ جارية فكنت أتخبأ له، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها» [أخرجه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات، وصححه الحاكم، بلوغ المرام مع سبل السلام: 3/112 وما بعدها].

وعن المغيرة بن شعبة: أنه خطب امرأة ، فقال النبي r: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يُؤْدَم بينكما» (أي يصلح ويؤلف بين الزوجين) [أخرجه الخمسة: أحمد وأصحاب السنن الأربعة، منتقى الأخبار مع نيل الأوطار 6/109].

وعن أبي حُميد (أو حميدة) قال: قال رسول الله r: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها، إذا كان إنما ينظر إليها لِخطبة، وإن كانت لا تعلم» [أخرجه أحمد عن موسى بن عبد الله عن أبي حميد، المرجع السابق 6/110].

ومقدار ما يباح النظر إليه في رأي أكثر الفقهاء: هو الوجه والكفان فقط، حيث يدل الوجه على الجمال أو ضده، لأنه مجمع المحاسن، والكفان يدلان على خصوبة البدن أو عدمها.

وأجاز أبو حنيفة رحمه الله النظر إلى قدميها، وأجاز الحنابلة النظر إلى ما يظهر عند ممارسة الأعمال وهي ستة أعضاء: الوجه، والرقبة، واليد، والقدم، والرأس، والساق، لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ولإطلاق الأحاديث السابقة: «انظر إليها».

والنظر - كما ذكر الشافعية - قبل الخطبة وأن يكون خفية بغير علم المرأة أو ذويها، مراعاة لكرامتها وكرامة أسرتها، وحصر المالكية كالشافعية النظر إلى الوجه والكفين، ولكن بعلم منها أو وليها، ويكره استغفالها.

والكلام معها كالنظر يكون للحاجة فقط، مرة أو أكثر.

ويحرم الخلوة بالمخطوبة أو معاشرتها بانفراد، لأنها ما تزال أجنبية عن الخاطب، فالخلوة حرام، لقوله r: «لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له، فإن ثالثهما الشيطان، إلا محرمٌ» [أخرجه أحمد والشيخان عن عامر بن ربيعة، المرجع السابق 6/111]. كذلك الانفراد بالمخطوبة في أماكن الملاهي والشوارع غير مستحسن.

وأما إبرام عقد الزواج فيستحسن تأخيره إلى وقت قريب من الزفاف، خشية استغلال هذه الفترة والوقوع في مشكلات معروفة.

العدول عن الخطبة:

الخطبة ليست عقد زواج، وإنما هي وعد بالزواج، كما تقدم، فيجوز العدول عن الخطبة من أي طرف، لأنه ما لم يوجد العقد فلا إلزام ولا التزام. نصت المادة (3) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه: «لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة».

ولا يترتب على انفساخ الخطبة أي أثر ما دام لم يحصل عقد، فيحق للخاطب استرداد ما قدَّم من مهر للمخطوبة، عيناً كان أو نقداً، فإن كان الشيء المقدم ما زال موجوداً استرده الخاطب بذاته، وإذا كان هالكاً أو مستهلكاً رجع بقيمته إن كان قيمياً، وبمثله إن كان مثلياً، أياً كان سبب العدول، من الخاطب أو المخطوبة، باتفاق الفقهاء.

نصت المادة (8) من قانون حقوق العائلة العثماني على أنه: «إذا امتنع أحد الزوجين - أي الخاطبين - أو توفي بعد الرضا بالزواج، فإن كان ما أعطاه الخاطب من أصل المهر موجوداً يجوز استرداده عيناً، وإن كان قد تلف يجوز استرداده بدلاً».

ونصت المادة (4) من القانون السوري على ما يأتي:

1- إذا دفع الخاطب المهر نقداً، واشترت المرأة به جهازها، ثم عدل الخاطب فللمرأة الخيار بين إعادة مثل النقد، أو تسليم الجهاز.

2- إذا عدلت المرأة فعليها إعادة مثل المهر أو قيمته.

دلت هذه المادة على التفرقة بين حالة كون العدول من جهة الخاطب في الفقرة الأولى، وبين حالة كون العدول من جهة المخطوبة في الفقرة الثانية.

أما هدايا الخطبة: فنصت المادة (3) من المادة السابقة على أنه: «تجري على الهدايا أحكام الهبة». وهذا الحكم مستمد من مذهب الحنفية، فللواهب (الخاطب) أن يرجع في هبته إلا إذا وجد مانع من موانع الرجوع بالهبة وهي سبعة: هلاك الشيء، أو استهلاكه، ووجود عقد الزواج، والزيادة المتصلة بالموهوب، وموت أحد العاقدين، وخروج الشيء من يد مالكه بالبيع وغيره، والعوض المشروط في العقد.

وأما التعويض عن الضرر المادي أو المعنوي الناجم عن فسخ الخطبة، كشراء الألبسة أو الأمتعة، أو ترك الوظيفة، أو تفويت خاطب آخر، أو إساءة السمعة بعد خطبة طال أمدها كأربع سنوات، فليس فيه اجتهاد فقهي قديم.

ويمكن القول حديثاً بمشروعية التعويض عملاً بقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، وإعمالاً لمبدأ أو نظرية التعسف في استعمال الحق التي سبق فقهاء المالكية والحنابلة إلى إقرارها والقول بها. ويؤيد ذلك ما استقر عليه القضاء المصري في قرار محكمة النقض سنة (1939م) وهو ما يلي:

1- الخطبة ليست بعقد ملزم.

2- مجرد العدول عن الخطبة لا يكون سبباً موجباً للتعويض.

3- إذا اقترن بالعدول عن الخطبة أفعال أخرى ألحقت ضرراً بأحد الخطيبين جاز الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية، أي الخطأ الذي سبب ضرراً بالغير. وهذا موافق لقواعد الشريعة الإسلامية.

مراجع للاستزادة:

- الحصكفي، الدر المختار (مطبعة البابي الحلبي، مصر 1307 هـ).

- محمد أمين بن عابدين، رد المحتار (مطبعة البابي الحلبي، مصر 1307 هـ).

- أبو البركات محمد بن أحمد الدردير، الشرح الصغير وحاشية الصاوي (دار المعارف، مصر 1392 هـ).

- محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج شرح المنهاج (مطبعة البابي الحلبي، مصر 1352هـ/ 1933م).

- أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، المغني، ط 3 (دار المنار، مصر 1367هـ).

- وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ط 4 (دار الفكر، دمشق 1422هـ/ 2002م).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 390
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58491649
اليوم : 64163