logo

logo

logo

logo

logo

مبدأ سنوية الموازنة

مبدا سنويه موازنه

annual budget principle - principe de budget annuel



مبدأ سنوية الموازنة

مبدأ سنوية الموازنة

يوسف شباط

تعريف مبدأ سنوية الموازنة  
مبررات مبدأ سنوية الموازنة ختام السنة المالية
تطور مبدأ سنوية الموازنة بين الرفض والإيجاب استثناءات مبدأ سنوية الموازنة
بداية السنة المالية ومدة تحضيرها مبدأ سنوية الموازنة ومدة انسجامه مع السياسة العامة للدولة
 

وضع علم المالية مبادئ أساسية تكفل قيام الموازنة بالدور الذي بني عليه مفهومها، يتعلق بعضها بأصول تنظيم الموازنة على نحو يكفل حق الشعب ونوابه في الاطلاع عليها ومراقبتها بصورة دقيقة وسهلة ويتعلق بعضها الآخر بالمدة التي يجب أن تعد الموازنة من أجلها.

وقد نشأت هذه القواعد في ظل الدولة الليبرالية وتعاظمت أهميتها بصورة خاصة في القرن التاسع عشر، إذ كانت تعبر عن الأصول النظرية المالية التقليدية. وتختلف قيمة هذه المبادئ حسب الدول ويتطور مدى تطبيقها مع تطور مفهوم الموازنة حتى إن قيمة بعضها زالت أو أصبحت في طريق الزوال، بعد انتشار المذاهب السياسية والاجتماعية الحديثة التي نتج منها تداخل بين السياسة والاقتصاد والمالية العامة، وكان نتيجة ذلك أن أصبح تطبيق هذه المبادئ العامة والتقيد بها موضع خلاف كبير بين الفقهاء، فأصاب هذه المبادئ التقليدية تطور يساير المفهوم الجديد للمالية العامة وموازناتها بما يحقق الغاية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتوخاة من الموازنة وأهمها مبدأ سنوية الموازنة.

أولاً. تعريف مبدأ سنوية الموازنة:

يحدد هذا المبدأ المدة التي توضع لأجلها الموازنة وتنفذ خلالها، وأن تكون هذه المدة المحددة الآتية سنة واحدة، أي أن تحضر السلطة التنفيذية الموازنة لمدة سنة واحدة وأن تقرها السلطة التشريعية لمدة سنة واحدة، وأن تكون الأرقام التقديرية الواردة في صك الموازنة قابلة للتنفيذ خلال السنة المعينة.

وتعود الفكرة الأصلية لهذا المبدأ إلى نشوء الموازنة وتطورها تاريخياً، فالموازنة توضع في الأصل لمدة زمنية محددة مستقبلياً، فيأتي مبدأ السنوية ليتمم ذلك ويحدد هذه المدة بسنة واحدة.

وينجم عن هذا المبدأ النتائج الآتية:

> تقدير الإيرادات ونفقات الموازنة يكون لسنة واحدة فقط.

> الإجازة التي يمنحها ممثلو الشعب بالإنفاق والجباية صالحة لمدة سنة واحدة ويجب أن تجدد سنوياً.

> جميع الاعتمادات المتبقية في نهاية السنة والتي لم يتم استعمالها، تلغى.

ثانيا ًـ مبررات مبدأ سنوية الموازنة:

1ـ من الناحية السياسية:

إن المجالس التشريعية مؤتمنة من قبل الشعب على حقه الدستوري في إقـرار ومراقبـة جباية الأموال العامة، وإنفاقها، فيتوجب على هذه المجالس ألا تتخلى عن حقها هذا مدةً طويلة لتكون دائمة الاطلاع على المالية العامة، وعلى ما قد يطرأ عليها من تبدلات بين سنة وأخرى، وكما يقول الفقيه (ستورم): إن السنة هي أقصى مدة يستطيع المجلس النيابي التخلي فيها عن سلطته للحكومة، وأقصر مدة تستطيع الحكومة خلالها تنفيذ الموازنة، هذا عدا أن واجب إقرار الموازنة يجبر الحكومة على دعوة المجلس مرة كل سنة على الأقل فتبقى رقابة الشعب دائمة على أعمال الحكومة.

2ـ من الناحية الإدارية:

قد تبدو السنة أفضل مدة تستطيع خلالها أجهزة الدولة المختلفة تحضير الموازنـة وإقرارها، وتنفيذها، فعملية تحضير الموازنة تتطلب وقتاً يتجاوز ثلاثة أشهر، يضاف إلى ذلك ثلاثة أشهر أخرى لدراسة مشروع الموازنة وإقرارها من قبل السلطة التشريعية ومن ثم فإن ذلك كله يتطلب جهداً كبيراً، وتكرار هذا العمل في أزمنة متقاربة يعني إضاعة معظم أوقات الحكومة في إعداد الموازنة والانصراف عن القيام بمهماتها الأخرى، مما يفترض أن السنة هي الحد الأدنى الذي يمكن أن توضع البرامج خلاله وتنفذ الموازنة، فلو وضعت الموازنة لأقل من سنة لما استطاعت الحكومة أن تحقق هذه البرامج لضيق الوقت، ولو وضعت لأكثر من سنة لكان احتمال تبديل الحكومة وعدم إشرافها على البرامج الموضوعة من قبلها، داعياً لها للتراخي والإهمال في وضع الموازنة ويغلب ألا تكون مسؤولة عنها في المستقبل، وخاصة في الدول التي يكثر فيها تقلب الوزارت.

3ـ من الناحية المالية والاقتصادية:

فإن السنة هي الوحدة الزمنية الكاملة التي تتقلب فيها الفصول الأربعة، بما يعتري ذلك من اختلاف في الإيرادات والنفقات، فإعداد الموازنات لسنة كاملة يكون أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الخطأ، فلو أعدت الموازنة لأقل من سنة، لكان التفاوت كبيراً جداً بين إيردات موازنة الربيع والصيف ونفقاتها وبين موازنة الخريف والشتاء، ولو أعدت لأكثر من سنة لكان الفاصل بين إعدادها وإنفاذها طويلاً إلى درجة يكثر فيها احتمال تغير الإيرادات والنفقات عما قدرت عليه كما يتوافق مبدأ السنوية مع تنظيم حسابات الأفراد والمؤسسات الخاصة مما يسهل عملية تحقيق الضرائب وجبايتها.

ثالثاً ـ تطور مبدأ سنوية الموازنة بين الرفض والإيجاب:

إن تطور وظائف الدولة وتدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية دفع بعض الكتاب إلى المطالبة بإلغاء مبدأ سنوية الموازنة، وذلك انطلاقاً من مفهوم مفاده: إذا كان هذا المبدأ ينسجم مع النفقات الإدارية الجارية التي تتوافق مع وظائف الدولة التقليدية، فإنه يتعارض مع النفقات الاستثمارية والإنتاجية التي تتولى الدولة الحديثة صرفها من أجل مشاريع إنتاجية ضخمة، كانت هي في الأصل تدخل في نطاق نشاط الأفراد والمؤسسات الخاصة، والتي يتجاوز تنفيذها أكثر من سنة، لذلك كانت هناك جملة من الاعتراضات التي وجهت لمبدأ سنوية الموازنة أهمها:

لا يساعد هذا المبدأ على تحقيق البرامج الاقتصادية والمالية الكبيرة في الدولة، إذ يمكن تنظيم النفقات الكلاسيكية لسنة واحدة من دون أي محظور، أما النفقات الكبيرة، كنفقات إقامة الجسور أو إنشاء خط حديدي تستغرق بضع سنوات، وهذا ما يحمل بعض الدول على تنظيم موازنات خاصة بها.

إن مبدأ سنوية الموازنة، يراعى فيه تعادلها الفوري السنوي من دون النظر إلى تعادلها في السنوات القادمة وتناسبها مع التوازن الاقتصادي العام، وهناك ارتباط وثيق الصلة بين الموازنة العامة، وحالة البلاد الاقتصادية. وقد أثبت علم الاقتصاد، أن الأحوال الاقتصادية في دولة من الدول تتموج صعوداً وهبوطاً بصورة دورية منتظمة تقريباً من حيث الازدهار، فتزدهر الحالة الاقتصادية حيناً وتخبو حيناً آخر، فتنمو أرباح المكلفين، وتنمو موارد الخزينة، أو تنكمش هذه الأرباح، فتتقلص موارد الخزينة.

ولكن هذه الحجج لم تؤد إلى إلغاء مبدأ سنوية الموازنة، وذلك لسبب عملي ألا وهو أن تقـدير النفقات والإيرادات لا يكون دقيقاً إذا تجاوزت الموازنة فترة السنة الواحدة، ومع ذلك فإن مفهوم الموازنة قد تطور على نحو شامل، فباتت الهياكل الاقتصادية والاجتماعية للدولة ومسألة الارتقاء بها لا على عاتق الموازنة وحدها، وإنما باتت الحكومة تتولى وضع خطة تنموية شاملة لفترة زمنية تتجاوز السنة، وقد تكون الموازنة السنوية داعمة لهذه الخطة وممولة لها في إطار تنفيذ البرامج الواردة في الخطة، وبذلك غدت الموازنة الجناح المالي للخطة التنموية، وقد صمد هذا المبدأ كونه عملياً وأكثر عقلانية ويتجاوب مع الوقائع، بعد أن باتت الطبيعة والإنسان يعملان وفق الدورة الزمنية السنوية ذاتها، لذلك فقد جرت دول العالم على اختلاف النظم الاقتصادية، على الأخذ بهذا المبـدأ في تشريعها الوضعي. وفي سورية قنن هذا المبدأ القانون المالي الأساسي في تعريفه للموازنة بقوله: إن موازنة الدولة العامة هي الخطـة الماليـة الأساسية السنوية، ونص عليه أيضاً في النظام الموحد للمؤسسات ذات الطابـع الاقتصادي.

رابعا. بداية السنة المالية ومدة تحضيرها:

لما كانت مناقشة الموازنة وإقرارها من قبل المجالس التشريعية من أكثر أعمال هذه المجالس أهمية، فإن كل حكومة تختار الفترة التي تناسبها من أجل تحضير الموازنة وإقرارها وتنفيذها، فالدولة الزراعية مثلاً يهمها أن تعرف حين إعداد موازناتها مدى وفرة الموسم الزراعي لتبني تقديراتها المالية على أساسه، والدولة التجارية والصناعية يهمها أن تعرف حركة الأسواق ومدى الإنتاج لتبني على أساسه تقديرات الموازنة.

ومن هنا نشأ اختلاف بين الدول في بدء السنة المالية في كل منها، فالأخذ بمبدأ سنوية الموازنة لا يعني أن تتوافق السنة المالية مع السنة الميلادية، وإنما يقتضي أن تكون مدة الموازنة اثني عشر شهراً، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هنالك تطابق بينهما، فقد ذهبت بعض الدول، مثل الاتحاد السوڤييتي السابق وفرنسا وبلجيكا ورومانيا ودول أمريكا اللاتينية، إلى عد بدء السنة الميلادية بداية السنة المالية، وذهبت دول أخرى إلى عد أول شهر تموز بداية للسنة المالية كما هو الحال في مصر، وتبدأ السنة المالية في دول أخرى في أول شهر نيسان، كما هو الحال في بريطانيا وبولونيا وألمانيا، كما تبدأ السنة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية في أول شهر تشرين الأول. وقد غيَّر المشرع السوري من بداية السنة المالية عدة مرات عديدة، ففي عام 1923 كانت السنة المالية تبدأ في كانون الثاني وفي عـام 1950 أصبحت تبدأ في تموز، وعادت مجـدداً إلى كانون الثاني عـام 1952، ولكن هذا التاريخ عدل مرة أخرى عام 1958 إلى أول تموز في عهد الوحدة السورية المصرية، ثم عادت السنة المالية تبدأ في كانون الثاني بانتهاء الوحدة في المرسوم التشريعي رقم 25 لعام 1962، كما أكد ذلك القانون المالي الأساسي رقم 92 لعام 1967 عندما نصت الفقرة (أ)، من المادة السادسة، أن توضع الموازنة العامة، وتعد نافذة لمدة سنة واحدة تبدأ في كانون الثاني من كل عام، وتنتهي في غاية كانون الأول منه. كما أكد ذلك القانون المالي الأساسي الجديد الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2006.

وكما أن بدء السنة المالية يختلف حسب الدول، فكذلك أيضاً مدة تحضير الموازنة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً لا تقل هذه المدة عن 8 أشهر، مما يعرض الموازنة لأخطاء كثيرة، ويزداد الأمر سوءاً في فرنسا لأن الحكومة تهيئ الموازنة قبل زمن نفاذها بمدة 14ـ15 شهراً.

أما في إنكلترا فهذه المساوئ تكاد تكون معدومة، فالحكومة تهيئ الموازنة في شهر كانون الثاني من كل سنة، وتقدمها للبرلمان في شهر شباط، فيناقشها ويقرها، قبل أول نيسان، وهو تاريخ بدء السنة المالية فيها.

خامساً ـ ختام السنة المالية:

تتولى الحكومة في أثناء السنة المالية، جباية إيراداتها من الضرائب والرسوم المختلفة المقدرة في موازنة تلك السنة وإنفاقها في الوجوه التي وضعت لها في الموازنة نفسها، ولكن كثيراً ما تعجز الدوائر المختصة عن جباية جميع الإيرادات وتسديد النفقات كافة خلال السنة المالية فالإيرادات قد تتأخر جبايتها لتقاعس الجباة أو لتهرب المكلفين أو لوجود خلاف على مقدار بعض الضرائب، أو التأخر في تسديد النفقات لمستحقيها بالنظر لتغيبهم عن البلاد أو تأخرهم عن المطالبة أو نقص في المعاملات الرسمية.

ويثير ختام السنة المالية مشكلات دقيقة من الناحية الفنية أكثر تعقيداً من موضوع تحديد بداية السنة المالية، وتتبع بعض الدول أسلوب حساب القطع فتختتم السنة المالية في آخر يوم منها، وتفضل دول أخرى اتباع أسلوب حساب الإتمام فتختتم السنة المالية بعد مرور فترة على نهايتها، ولا بد من دراسة ختام السنة المالية من خلال بيان هذين الأسلوبين.

1ـ أسلوب حساب القطع:

يقتضي هذا الأسلوب إغلاق حساب السنة المالية في آخر يوم منها، بحيث تسجل جميع الإيرادات والنفقات التي تمت جبايتها أو إنفاقها فعلاً خلال السنة المالية في حسابها، أما الإيرادات والنفقات التي لم تتم جبايتها أو إنفاقها فعلياً خلال مدة السنة المالية، فتسجل في حسابات السنة المالية التالية، فأسلوب حساب القطع يعتمد في تنظيم حسابات الموازنة على الوقت الذي صرفت فيه النفقة أو جبيت فيه الضريبة، ولا يضع في الحسبان السنة التي تعود لها النفقة أو الإيراد.

وهذه الطريقة لا تزال متبعة حتى الآن في إنكلترا، ويمتاز أسلوب حساب القطع بالبساطة والسهولة، فهو غير معقد، ويختتم السنة المالية في آخر يوم منها، كما تظهر نتائج حسابات الموازنة في وقت مبكر، مما يساعد على تقدير نفقات الموازنة التالية وإيراداتها من جهة وعلى سلامة مراقبة السلطة التشريعية لتنفيذ الموازنة من جهة أخرى.

أما مساوئ هذا الأسلوب فتحدد في النقاط التالية:

> تسجل في حسابات سنة مالية الإيرادات والنفقات العائدة والمترتبة على سنة أخرى، فيجمع من حيث الاستحقاق بين حسابات سنوات متعددة مما لا يقدم فكرة صحيحة عن مدى التنفيذ.

> يتيح للحكومة إظهار الموازنة متعادلة ظاهرياً، فإذا شعرت الحكومة عند اقتراب نهاية السنة المالية أن النفقات ستزيد على الإيرادات، قامت بتأجيل صرف بعض النفقات إلى السنة المالية التالية، فيتحقق توازن ظاهري بين الإيرادات والنفقات في حين تكون الموازنة في الحقيقة واقعة في العجز.

> لا يساعد على معرفة الوضع المالي الحقيقي للدولة وإنما يظهر حالة الصندوق في نهاية السنة المالية فقط.

2ـ أسلوب حساب الإتمام:

يقتضي هذا الأسلوب تسجيل الإيرادات ونفقات الموازنة العامة لحساب سنة الاستحقاق لا لحساب سنة التسديد، فتبدو العلاقة القانونية التي تربط بين نفقات وإيرادات الموازنة وسنة الاستحقاق التي وضعت من أجلها، فيظهر الحساب الختامي للموازنة جميع الالتزامات المترتبة على السنة المنتهية وجميع الحقوق العائدة لتلك السنة، ويدخل في حساب السنة المالية المعنية جميع النفقات المترتبة عليها، ولو دفعت في السنة المالية التالية وجميع الإيرادات المتحققة خلالها ولو تأخـر تاريخ تحصيلها إلى ما بعد نهاية السنة. وهذا ما يؤدي إلى تحديد السنة المالية بأكثر من اثني عشر شهراً، فتبقى حسابات السنة المالية 2008 مثلاً، مفتوحة إلى نهاية الشهر الثالث لعام 2009 فتسمى هذه الفترة الإضافية بالمدة المتممة ويطلق على هذه المدة تعبير الدورة المالية.

ولا بد من الإشارة إلى أن العمليات التي يتم إنجازها خلال المدة المتممة، تعد مراحل تكميلية لترتب الالتزام أو الحق، ولما كانت هذه العملية تتعلق بالإيرادات والنفقات فإن القواعد المطبقة بشأنها تكون على النحو التالي:

أ ـ من جهة الإيرادات: تسجل في حسابات السنة المنصرمة جميع الضرائب والرسوم التي تتحقق قبل انتهاء السنة المالية والتي تجبى خلال المدة المتممة.

ب ـ من جهة النفقات: إن النفقة تمر قبل أن تصرف فعلاً بأربع مراحل هي عقد النفقة، تصفية النفقة، الأمر بصرف النفقة، دفع النفقة.

فإذا أنجـزت الثلاث الأولى قبل انتهاء السنة المالية، وتم دفعها في المدة المتممة فتعد محسوبة على السنة المعنيـة بغض النظر عن تاريخ الدفع، وفي حالة إتمام المرحلتين الأولى والثانية، أي عقد النفقة وتصفيتها من دون صدور أمر الصرف، فعندئذٍ تعد المبالغ المستحقة ديوناً على الدولة ويخصص لها اعتمادات في موازنة السنة التالية، أما إذا تم عقد النفقة فقط في السنة المنتهية، فتعد النفقة غير مستحقة ولا بد من رصد اعتمادات جديدة لها في موازنة السنة الجديدة.

ومن مزايا أسلوب حساب الإتمام:

> أنه يظهر الصورة الحقيقة للوضع المالي للسنة المعنية على نحو أفضل من أسلوب حساب القطع.

> يسهّل إجراء مقارنة بين السنوات المالية المختلفة.

> التوازن المالي الذي يظهر في ختام السنة المالية هـو الحقيقي، إذ لا تأجيل في دفع النفقات إلى سنة تالية.

ومن مساوئ حساب الإتمام:

> يجبر الإدارة على مسك حساب سنتين ماليتين في وقت واحد في أثناء المدة المتممة، مما يشكل أعباء إدارية إضافية على الموظف المسؤول.

> يؤخر ظهور نتيجة الحساب الختامي، مما يفوّت على ممثلي الشعب فرصة مناقشة النتائج ويمنع من الاستفادة من أرقام الموازنة السابقة في وضع الأرقام التقديرية للموازنة المالية الجديدة.

> يشجع على التبذير والإسراف عن طريق الاستفادة من الاعتمادات المرصودة كافة، قبل انتهاء السنة المالية مما يمنع الوفر. ولا مندوحة من القول: إن أسلوب حساب الإتمام لا يمكن تطبيقه بنجاح في الدول النامية، لأنه يتطلب أجهزة على قدر عال من الكفاءة ويضيف أعباء إدارية كبيرة تعجز تلك الدول عن تحملها، إضافة إلى ذلك، فإن تلك الدول سائرة في طريق النمو، ولا بد من أن تراقب لحظة بلحظة وسنة بسنة الوضع المالي والاقتصادي لهذه الدولة من أجل تقويمه في الوقت المناسب، ومن ثم فإن أسلوب حساب القطع هو أفضل لهذه الدول، علماً أن أسلوب القطع، قد ينجح في بعض الدول المتقدمة إلى حد بعيد، لأن لدى شعوب هذه الدول وعياً ضريبياً متقدماً، فلا يفكر في التهرب من دفع التزاماته المالية للدولة أو التلكؤ بها مما يؤدي إلى حصول الدولة على حقوقها المالية كافة قبل انتهاء السنة المالية، وبالمقابل تقوم الدولة بدفع الاستحقاقات المترتبة عليها في موعدها، مما يسهل عملية قطع الحساب للموازنة العامة في موعدها المحدد تماماً بلا تأخير.

أما سورية فقد كانت تطبق أسلوب حساب القطع في الإيرادات والإتمام في النفقات حتى عام 1968 وبعد هذا التاريخ تم الأخذ بأسلوب حساب القطع لكل من الإيرادات والنفقات، وإن أغلب دول العام تأخذ بأسلوب حساب القطع. وقد أكد المشرع هذا الأسلوب في القانون المالي الأساسي رقم 92 لعام 1967، والقانون المالي الأساسي الجديد رقم 54/2006.

سادساً ـ استثناءات مبدأ سنوية الموازنة:

لم يطبق مبدأ سنوية الموازنة في يوم ما على نحو مطلق، فثمة دائماً استثناءات تشذ عن هذه القاعدة وتتطلبها طبيعة الحياة المالية أو السياسية أو الاقتصادية للدولة وفيما يلي أهم هذه الاستثناءات.

1ـ الموازنات الاثني عشرية (الاعتمادات الشهرية المؤقتة):

أ ـ معنى الموازنة الإثني عشرية:

بما أن الموازنة العامة هي إذن مسبق من السلطة التشريعية لصرف النفقات وجباية الإيرادات تعطى للسلطة التنفيذية ليتسنى للعاقد تنفيذها ويجب أن يصدر هذا الإذن قبل بدء السنة المالية التي ستطبق خلالها وأنه قد يتأخر منحها لسبب ما عن بدء السنة المالية مما يمكن معه توقف الحياة المالية في البلاد، ولما كانت هنالك نفقات لا تستطيع الحكومة تأجيلها، كرواتب الموظفين، لذلك لا بد من إيجاد طريقة تضمن استمرار الإنفاق على فعاليات الدولة، فتفوَّض الحكومة استثناء بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة على حساب الموازنة المقبلة ريثما يقرها البرلمان، وتسمى مثل هذه الاعتمادات المؤقتة (الموازنات الاثني عشرية).

ولا شك في أن أسلوب الاعتمادات الشهرية يعد طريقة لاستمرار تسيير المرافق العامة، وعـدم توقف فعالية الدولة ريثما تصدر الموازنة الجديدة بحيث تفتح هذه الاعتمادات لمدة أقل من سنة تتضمن تخصيص الاعتمادات اللازمة لتغطية النفقات التي لا يمكن تأجيلها حتى إقرار الموازنة، وذلك على أساس جزء من اثني عشر جزءاً من موازنة السنة المالية المنصرمة على حساب موازنة السنة المقبلة كما تتضمن الإذن بجباية الضرائب وفق الأسس القانونية المقررة سابقة، فيصبح الإنفاق بموجب اعتمادات شهرية مؤقتة خلال كل شهر من شهور السنة التي لم تصدر موازنتها، ليعود الإنفاق الحكومي عند صدور الموازنة إلى الطريقة الاعتيادية.

ويمكن توضيح ذلك في المثال المبين في الجدول (1).

المبالغ بآلاف الوحدات النقدية

الباب

البند

اعتماد السنة المالية السابقة (الصادرة موازنتها)

الاعتماد الاثني عشري

اعتماد السنة المالية السابقة (الصادرة موازنتها)

الاعتماد الاثني عشري

المسموح إنفاقه شهرياً (أيهما أقل)

1

11

12000

1000

18000

1500

1000

1

15

600

50

540

45

45

1

18

120

10

156

13

10

2

211

3000

250

2400

200

200

2

217

36000

3000

48000

4000

3000

2

224

24000

2000

24000

2000

2000

الجدول (1)

 

ب ـ الآثار السلبية لاعتماد أسلوب الموازنة الاثني عشرية:

تستعمل هذه الطريقة عادة للحد من إنفاق الجهات العامة في الدولة وضبطه في حدود فرضتها قوانين وأنظمة مالية تضمن استمرار العمل وعدم توقفه ريثما تصدر الموازنة الجديدة وهذا له تداعيات سلبية لعل أهمها:

(1) ـ استهلاك وقت أطول وإضافي نظراً لتأمين احتياجات الجهة العامة على دفعات أو أقساط.

(2) ـ تأخير إنجاز بعض الأعمال أو الخدمات لحين تراكم الاعتماد الاثني عشري الكافي لعقد النفقة.

(3) ـ تجميد الإيرادات وتأخير كل إصلاح مالي.

(4) ـ استمرار الجهة العامة على وضعها الذي كانت عليه من السنة السابقة من دون أي تطور.

(5) ـ تأخير تنفيذ الخطط الاقتصادية والاجتماعية عن أوقاتها المتوقعة والمخططة.

ج ـ بعض أحكام الموازنة الاثني عشرية (الموازنة الشهرية المؤقتة):

يتم الإنفاق في أثناء العمل بالموازنة الاثني عشرية في حدود جزء من اثني عشر جزءاً من اعتماد كل بند من بنود موازنة السنة السابقة أو الاعتماد المقترح في مشروع السنة الحالية أيهما أقل، مضافاً إليه رصيد الاعتماد غير المصروف خلال الأشهر السابقة من السنة المالية.

في ما عدا حالات معينة، مثل الإنفاق على بند أجور العاملين والتعويضات التي تتبع الأجر في جميع أحواله مثل التعويض العائلي والتدفئة وتعديل الأسعار وتعويض التفرغ العلمي؛ يبقى الإنفاق على هذه البنود شهرياً بما لا يتجاوز (1/ 12) من الاعتماد المخصص، حتى لو صدرت موازنة السنة المالية فإن الإنفاق يبقى ضمن هذا الحد، وسبب ذلك أن هذه النفقة إلزامية تتصف بالاستمرار والثبات بصفتها رواتب وتعويضات شهرية لا يمكن تأجيلها أو إلغاؤها مما يسبب عجزاً عند بدء السنة المالية التالية.

يستثنى من ذلك الإنفاق على بند المكافآت التشجيعية فإنه يكون في حدود الاعتماد الاثني عشري حتى في حال صدور الموازنة، مع إمكانية إضافة المبلغ غير المصروف على هذا البند من الاعتماد الاثني عشري للشهر السابق للاعتماد الاثني عشري للشهر الذي يليه.

د ـ حدود مسؤولية تجاوز الإنفاق الاثني عشري:

يتحمل مسؤولية تجاوز الإنفاق الاثني عشري المسؤول المالي في إدارة الشؤون المالية للجهات العامة (المدير المالي أو محاسب الإدارة) حسب الحال، وقد تفرض بحق المخالف عقوبة الغرامة المالية، أو الحجز الاحتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة، أو السجن في حال ثبوت سوء نيته أو إصراره على التجاوز.

وقد تستخدم الموازنة الاثنا عشرية أداة لضبط وضغط الإنفاق الحكومي لمنع زيادته قدر الإمكان إلا في حالات الضرورة، إذ يسمح بتجاوز الإنفاق الاثني عشري بعد موافقة مسبقة وخطية من الجهات الوصائية المختصة، مثل رئاسة مجلس الوزراء أو وزارة المالية.

فكان تأخير صدور الموازنة عاملاً مساعداً لهذا الغرض، يحقق وفراً مالياً يدوَّر للسنة المالية القادمة ويوزع من جديد.

ولكن في المفهوم الإداري والاقتصادي الحديث عدّ الإنفاق الحكومي مقياساً لحسن تنفيذ الخطط المالية والبرامج الحكومية، وأصبح صدور الموازنة قبل بداية السنة المالية أمراً ضرورياً، والإنفاق الحكومي دليل صحة تنفيذ الخطط والبرامج المقترحة، وعدم الإنفاق دليلاً على التقصير في الأداء المالي والإداري للجهات العامة، أو سوء تخطيط وعدم دقة في وضع الخطط والبرامج، مما جعل المحاسبة تتم من خلال هذا المقياس، وسبباً لسؤال مختلف الجهات العامة عن سبب عدم إنفاقها كامل اعتماداتها المرصودة في موازنتها.

هـ ـ الموازنة الاثنا عشرية (الموازنة الشهرية المؤقتة) في سورية:

تصدر الموازنة العامة للدولة في الجمهورية العربية السورية بموجب قانون يصدره رئيس الجمهورية بعد إقراره في مجلس الشعب، وفي حال تأخر صدور قانون الموازنة عند بدء السنة المالية يصدر رئيس الجمهورية بناء على موافقة مجلس الشعب مرسوماً يتضمن العمل بالموازنة الشهرية المؤقتة بدءاً من مطلع السنة المالية ولحين صدور قانون موازنة السنة المالية الجارية؛ إذ يصدر وزير المالية بلاغاً بتعليماته التنفيذية لهذا المرسوم للعمل بموجبها في أثناء نفاذ الموازنة الاثني عشرية ومن أهم ما تتضمنه هذه التعليمات:

(1) ـ الصرف وفق اعتمادات السنة المالية السابقة على أساس جزء من اثني عشر جزءاً من الاعتماد النهائي المرصود لكل بند من بنود موازنة السنة المالية السابقة بعد مقارنته بالمبلغ المقدر في مشروع الموازنة التي لم تصدر بعد، أيهما أقل وبعد استبعاد النفقات غير المتكررة التي تم لحظها لغاية معينة فيها

(2) ـ السماح بتجاوز الإنفاق وفق الموازنة الاثني عشرية المؤقتة في حالات معينة وفق الآتي:

> دفع بدلات الإيجار: إذ سمحت بإنفاق حصة ثلاثة شهور مقدماً، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تجاوز الاعتماد الملحوظ لهذه الغاية في موازنة السنة السابقة أو الاعتماد المقترح في مشروع السنة الحالية أيهما أقل.

> التعاقد على اعتمادات نفقات الصيانة ونفقات الإعاشة: شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تجاوز الاعتماد الملحوظ لهذه الغاية في موازنة السنة السابقة أو الاعتماد المقترح في مشروع السنة الحالية أيهما أقل.

> صرف المساهمات والإعانات وبدلات الاشتراك المستحقة بصورة قانونية بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تجاوز الاعتماد الملحوظ لهذه الغاية في موازنة السنة السابقة أو الاعتماد المقترح في مشروع السنة الحالية أيهما أقل.

> تغطية نفقات ترفيع العاملين المستحقين للترفيع في بداية السنة المالية، وفي حدود المبالغ الناجمة عن الترفيع فقط.

> تغطية نفقات البعثات الخارجية وصرف رواتب الموفدين في حدود ربع الاعتماد المخصص لهذه الغاية في موازنة السنة السابقة أو الاعتماد المقترح في مشروع السنة الحالية أيهما أقل.

> السماح لمديريات الصحة في المحافظات بتجاوز الاعتماد الاثني عشري في بند الاستخدام بالتعاقد وبند التعويضات الناجمة عن طبيعة العمل وبما لا يتجاوز اعتمادات الباب الأول.

إلا أن هذا الأسلوب المؤقت يجب ألا يساء استخدامه فتصبح عادة مألوفة، كما هو الحال في سورية حتى عام (2000)، فعلى الرغم من أن بعضهم يعتقد أن هذا الأسلوب من شأنه الاقتصاد في الإنفاق العام إلا أنه يؤدي إلى الكثير من النتائج السلبية من الناحية السياسية والإدارية والمالية والاقتصادية.

لذلك يعد هذا الأسلوب أسلوباً اسثثنائياً يمكن اللجوء إليه في حالة تأخر السلطة التشريعية في إقرار الموازنة فقط. كما أكد ذلك القانون المالي الأساسي رقم 54/2006.

2ـ الاعتمادات الإضافية:

وهي اعتمادات ترصد إلى جانب الموازنة في الفترة اللاحقة للموازنة، لتدعم الموازنة وتضاف إليها لمواجهة ظروف استثنائية أو أخطاء تقديرية في الموازنة، لذا تضطر الحكومة إلى طلب تصحيح الأرقام الواردة في الموازنة التقديرية فتوافق السلطة التشريعية على هذه الطلبات عادة من دون صعوبة عند الضرورة لما تبقى من مدة نفاذ الموازنة، ومن ثم تشكل استثناء لمبدأ سنوية الموازنة، ويمكن تصنيفها في ثلاث زمر:

أولاً ـ الاعتمادات المنضمة: وهي تنضم إلى اعتمادات الموازنة عندما تكون هذه الأخيرة غير كافية.

ثانيا ًـ الاعتمادات الاستثنائية: وتفتح عندما تحتاج إلى مال لصرفه لأمر غير متوقع، كما في حالة الزلازل والبراكين.

ثالثاً ـ الاعتمادات المتممة: وهي تغطي التجاوز في الإنفاق المسموح به، وتعمد الحكومة إلى تغطيته باعتمادات متممة.

3ـ الموازنة الدورية:

وتقوم فكرة الموازنة الدورية على أساس توسيع الإطار الزمني لمدة الموازنة وجعله دورة اقتصادية كاملة، بدلاً من السنة، وتشكل استثناء لمبدأ سنوية الموازنة، كونها تمتد مدتها لأكثر من سنة.

وغايتها التوفيق بين سياسة توازن الموازنة وسياسة التثبيت فيحصل هذا التوازن في دورة اقتصادية تتوالى فيها فترة رخاء وفترة ركود، بدل السنة الواحدة. ويمكن بواسطة الموازنة الدورية التأثير في الحالة الاقتصادية، ففي فترة الرخاء الاقتصادي تحقق الموازنة وفراً يسد العجز الحاصل خلال فترة الركود، وقد طبقت فكرة الموازنة الدورية في بداية القرن الحالي في كل من بلجيكا وفنلندا والسويد وسويسرا، إلا أن هذه الفكرة أخفقت لأمور منها:

> حتى يمكن تطبيقها لا بد من معرفة الدورة الاقتصادية وأن تكون نظرية الدورات الاقتصادية صحيحة.

> لا بد من وجود تناظر بين فترة الرواج وفترة الركود.

> لا بد من أن تكون حساسية الإيرادات في أثناء الرواج مساوية حساسية النفقات التي تشكل عجزاً في أثناء الكساد.

هذه الأسباب أدت إلى إخفاق فكرة الموازنة الدورية وعدم الأخذ بها على الصعيد العملي.

4ـ الاعتمادات الدائمة (الثابتة):

وهي الاعتمادات التي تفتح لأكثر من سنة وتعد استثناء لقاعدة سنوية الموازنة، ففي إنكلترا مثلاً لا تعرض الحكومة في كل سنة جميع إيرادات الدولة ونفقاتها على السلطة التشريعية، لتقرها، وتأذن لها بتنفيذها، بل هنالك قسم غير قليل من الاعتمادات تأذن الحكومة بجبايته وإنفاقه لمدة حكم ملكي وتسمى الاعتمادت الثابتة.

وتشمل هذه الاعتمادت النفقات الملكية ومخصصات التقاعد المدني والعسكري ورواتب بعض الموظفين، كالمستشارين ورئيس مجلس النواب والمراقب العام، والقصد منها عدم إضاعة الوقت في إقرار بعض النفقات التي لا تتغير من سنة لأخرى، ولا يستغنى عنها مطلقاً، وهي إن عرضت على المجلس فسيوافق عليها حتماً، لذا تعد الحكومة مأذونة بجبايتها وإنفاقها ضمنياً إلا إذا عدلتها قوانين جديدة.

غيـر أن هذه الإجازة الضمنية لا تعني أن المجالس التشريعية محـرومة من مناقشة هذه الاعتمادات، بل لها مناقشتها وتعديلها في أي وقت.

واتبعت فرنسا الفكرة نفسها في ظل الجمهورية الخامسة، فأوجبت ما يسمى الخـدمات المقررة، وهي اعتمادات مخصصة لقيام الدولة بالوظائف والخدمات الأساسية التي لا مجال للشك في ضرورتها.

يمكن القول إن الاعتمادات الدائمة أضحت مفهوماً غير ذي جدوى في ظل تنامي الانتفاضات الديمقراطية وتعمقها في أوساط الشعب، فلا مجال لحجب هذه الاعتمادات عن ممثلي الشعب مهما كانت المسوغات، فرقابة الشعب يجب أن تكون شاملة لمالية الدولة بكل مستوياتها انطلاقاً من مبدأ أن يحكـم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه.

5ـ اعتمادات التعهد:

وهي اعتمادات تفتح لمدة أكثر من سنة، فتخصص لتنفيذ المشروعات الاستثمارية التي لا يمكن إنجازها خلال فترة تنفيذ الموازنة، بعد أن أصبحت الدولة تتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتضع الخطط والبرامج طويلة الأمد، فكان لا بد لها من إيجاد صيغة تسمح لها بالتعاقد على تنفيذ أعمال المشروع كافة وتخطي سنوية الموازنة.

للحكومة الحق في عقد نفقات تعادل هذا الاعتماد الإجمالي، وبعدها تقر السلطة التشريعية ما يمكن أن ينفق من هذا الاعتماد الإجمالي في كل سنة من السنين التي قدرت لإنهاء المشروع، وهو ما يسمى اعتماد الدفع المسموح بدفعه في موازنة كل سنة من أصل اعتماد التعهد المفتوح للمشروع بتمامه ولمدة سنوات، وأجاز المشرع السوري هذا الاستثناء في المادة (22) من القانون المالي الأساسي رقم 54/2006.

6ـ الاعتمادات المدورة:

إن تطبيق مبدأ سنوية الموازنة يفضي إلى إلغاء جميع الاعتمادات غير المستعملة وأرصدة الاعتمادات المتبقية إلا أن بعض الدول منها سورية كانت تجيز لوزارة الأشغال العامة والمواصلات ولوزارة الدفاع، تدوير هذه الاعتمادات إلى السنة المالية الجديدة، وفي ذلك استثناء لمبدأ سنوية الموازنة.

ولكن هذا النوع من الاعتمادات لم يعد موجوداً في التشريع السوري إذ نصت الفقرة /ح/ من المادة السادسة من القانون المالي الأساسي على أن تلغى في نهاية السنة المالية الاعتمادات غير المستعملة خلالها. إلا على سبيل الاستثناء.

ومع ذلك نصت بعض النظم الخاصة ببعض الهيئات العامة على تدوير الوفر كما هو الحال في هيئة الطاقة الذرية، وهيئة الموسوعة العربية.

سابعاً ـ مبدأ سنوية الموازنة ومدة انسجامه مع السياسة العامة للدولة

للموازنة العامة في الوقت الحالي أهمية كبيرة لا يمكن التغاضي عنها، فلم تعد وسيلة لجلب أكبر قدر من الإيرادات، والإقلال ما أمكن من النفقات، إنما أصبحت مرآة تعكس حقيقة البنى الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم عليها الدولة.

فسياسة التنمية التي تنتهجها الدولة جعلت كل ما يتخذ من إجراءات يسير في فلك واحد من دون تعارض ومنها الموازنة العامة.

ويتحقق الانسجام بين الموازنة العامة السنوية والسياسة العامة للدولة من خلال الاستثناءات التي ترد على مبدأ سنوية الموازنة، منها أسلوب الاعتمادات الشهرية (الموازنات الاثنا عشرية)، وهي طريقة ناجعة لاستمرار تسيير المرافق العامة، وعدم توقف فعالية الدولة، ريثما تصدر الموازنة الجديدة.

وكذلك اعتمادات التعهد، والاعتمادات المدورة من حيث المبدأ، لذلك لم يعد لاستثناءات مبدأ السنوية صدى إلا حيال الاعتمادات الاثنى عشرية واعتمادات التعهد والمخصصة لعقود الإيجار والصيانة والتوريدات وعقود العمل والاعتمادات الاستثمارية التي تتجاوز مدتها السنة المالية كما هو الحال في المادة (22) من القانون المالي الأساسي رقم 54 لعام 2006 في سورية، والاعتمادات المدورة لدى بعض الهيئات العامة.

فالموازنة هي الخطة التي تضعها الدولة للتدخل في الحياة الاقتصادية بوساطة النفقات والإيرادات العامة.

وهذا بلا أدنى شك ينسجم مع سياسة الدولة المتدخلة التي تسير عليها، فقد أصبح النشاط المخطط يسود مختلف فعاليات الدولة. والأمور المالية للدولة كلها تبنى على أساس التخطيط والموازنة وتعد الموازنة الأداة الرئيسة للتخطيط المالي، إذ تحرك عملية التمويل والإنفاق وتؤدي دوراً قيادياً في نظام الدولة المالي، فالموازنة أصبحت الخطة المالية التي تتحكم بخطط المؤسسات وتوجهها، أي إن الموازنة خطة مالية أساسية ترتبط بمختلف الخطط المالية فتوجهها وتتأثر بها وتعمل مجتمعة معها على تحقيق أهداف الدولة.

وهي في ذلك تنسجم مع السياسة العامة للدولة وتوجهاتها الاقتصادية من خلال عملية تحريكها لخطط المؤسسات والفعاليات في الدولة حتى عملية تخطيط الدخول.

مما تقدم يمكن القول إن الموازنة لم تعد جدولين أحدهما يضم الإيرادات، والآخر النفقات، من أجل تمويل ما تحتاج إليه الدولة من أموال، إنما أصبحت الموازنة العامة للدولة مرآة عاكسة للصورة الحقيقية للحكومة أمام الشعب، والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية حتى السياسية، سواء على الساحة المحلية الداخلية أو على الساحة الدولية الخارجية، فهي إذاً أداة لها تأثيرات مهمة وعميقة في حياة الأمة. فتؤثر سلباً أو إيجاباً في تشغيل اليد العاملة، وفي الادخار وفي الاستيراد والتصدير وفي الإنتاج والاستهلاك، ومستوى الأسعار، وإن هذا الدور الخطير الذي تؤديه الموازنة العامة نتج من التطور الجديد الذي طرأ على الوظيفة التقليدية للموازنة، فبعد أن كانت الموازنة في ظل الدولة الليبرالية تغطي الوظائف التقليدية للدولة من أمن وصحة وقضاء، أصبحت الموازنة بعد أن انقلب مفهوم الدولة الحارسة إلى الدولة الراعية لا تغطي الوظائف التقليدية فقط، وإنما باتت تؤدي دور المسؤول عن رفاهية الشعب وتقدمه اقتصادياً، وتمويل المشاريع الإنتاجية التي يمكن أن تضاهي المشاريع الفردية، هذا الدور بات حاسماً وفاعلاً في حياة الشعوب وفي توجهها في مختلف نواحي الحياة وهذا التطور ناجم بالدرجة الأولى عن التطور الشامل لعلم المالية.

ولا تقتصر الموازنة العامة على ذلك، إنما يجب أن تهتم بالمصلحة العامة، وتهيمن على النشاطات الاقتصادية وتتدخل في الحياة الاجتماعية، وتقوم بتوزيع الدخل بصورة عادلة بين الناس، وتستثمر ثروات الوطن، وفق المصلحة الوطنية، وتعمل على زيادة الإنتاج، والقضاء على البطالة، وهذا ما استدعى الأخذ ببعض استثناءاتها، ومنها استثناءات مبدأ السنوية السابق ذكرها.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ يوسف شباط، المالية العامة والتشريع المالي، ج2 (مديرية الكتب والمطبوعات، ط3، دمشق 2009).

ـ رشيد الدقر، علم المالية العامة (مطبعة الجامعة السورية، عام 1374هـ).

ـ عصام بشور، الأصول العلمية لتنظيم الموازنة، مديرية الكتب الجامعية، 1982ـ1983).

ـ محمد سعيد فرهود، مبادئ المالية العامة (مديرية الكتب والمطبوعات، حلب 1990).

ـ الفقرة (ب) من المادة /6/ من القانون المالي الأساسي الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /54/ لعام 2006م.

ـ حسن عواضة، المالية العامة (مطبعة النهضة العربية، ط6، بيروت 1983).

ـ محمد سعيد أحمد، الإدارة المالية والموازنة العامة للدولة (دار النهضة العربية، القاهرة 1978).

ـ قوانين الموازنة العامة للدولة في الجمهورية العربية السورية.

ـ بلاغات وزير المالية المتضمنة التعليمات التنفيذية لمراسيم العمل بالموازنة الاثني عشرية.


التصنيف : القانون المالي
النوع : القانون المالي
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 305
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58491639
اليوم : 64153