logo

logo

logo

logo

logo

الأهلية في القانون

اهليه في قانون

capacity in law - capacité en droit

 الأهلية في القانون

الأهلية في القانون

أحمد عبد الدايم، فواز صالح

نوعا الأهلية

مراحل تطور الأهلية

عوارض الأهلية

موانع الأهلية

أحكام خاصة في الأهلية

 

تعذّ الأهلية La capacité من مسائل الأحوال الشخصية؛ إذ يتوقف عليها قدرة الشخص على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات من جهة، وعلى ممارسة الأعمال والتصرفات المتعلقة بهذه الحقوق والالتزامات على وجه يعتد به قانوناً.

وقد نظم أحكامَ الأهلية بصورة رئيسية قانونُ الأحوال الشخصية السوري، كما تضمن القانون المدني السوري الأحكام الأساسية في الأهلية بِعَدِّ الأهلية من أهم مميزات الشخصية.

أولاً ـ نوعا الأهلية:

الأهلية نوعان: أهلية وجوب وأهلية أداء.

1ـ أهلية الوجوب: يقصد بأهلية الوجوب صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وسميت بهذا الاسم لأنها تتعلق بما يجب للشخص من حقوق وما يجب عليه من التزامات.

يتبين من هذا التعريف أنّ لأهلية الوجوب عنصرين: عنصر إيجابي هو صلاحية الشخص لكسب الحقوق، أي صلاحيته لأن يكون صاحب حق ملكية أو انتفاع على عقار، وعنصر سلبي هو صلاحية الشخص للالتزام بالواجبات، أي صلاحيته لأن يكون مكلفاً بالتزام كما لو كان مديناً لآخر بمبلغ من المال أو ملتزماً القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.

وتعدّ أهلية الوجوب من أهم خصائص الشخصية، وهي تثبت للإنسان بمجرد ولادته وتلازمه طوال حياته. فمناط أهلية الوجوب هو الحياة الإنسانية، ولكن قد تبدأ أهلية الوجوب قبل الولادة، فللجنين أهلية وجوب، إلا أنها ليست كاملة كأهلية الشخص الموجود فعلاً، بل ناقصة.

2ـ أهلية الأداء: يقصد بأهلية الأداء صلاحية الشخص للقيام بالتصرفات القانونية بنفسه على وجه يعتد به قانوناً. وصلاحية الشخص لمباشرة الأعمال أو التصرفات القانونية بنفسه تعتمد في وجودها وفي مداها على ما يتوافر عند الشخص من إدراك وتمييز، ولذلك يكون مناط أهلية الأداء هو العقل والتمييز، أي وجود الإرادة الواعية المدركة.

فأهلية الأداء قد تكون معدومة أو ناقصة أو كاملة تبعاً لانعدام العقل والإدراك عند الشخص أو نقصهما أو اكتمالهما. ويترتب على ذلك إمكان تمتع الإنسان بأهلية الوجوب فقط دون أهلية الأداء، فيستطيع أن يكون صاحب حق أو مكلفاً بالتزام من دون أن يكون صالحاً لمباشرة التصرفات القانونية بنفسه.

ثانياًـ مراحل تطور الأهلية:

تمر الأهلية بمراحل متعددة تبعاً لمراحل نمو الإنسان وتطوره، ويمكن تقسيم المراحل الطبيعية التي يمر بها الإنسان في حياته إلى أربع مراحل: مرحلة الجنين، ثم مرحلة عدم التمييز، ثم مرحلة التمييز، وأخيراً مرحلة الرشد.

1ـ المرحلة الأولى: الجنين: يكون الإنسان في هذه المرحلة جنيناً في بطن أمه. والأهلية التي تثبت للجنين هي أهلية الوجوب الناقصة، ذلك أنّ مناط أهلية الوجوب كما ذكرنا هو الحياة الإنسانية، وهي ثابتة للجنين، ولكن بما أنّ الحياة فيه ناقصة مما استوجب منحه أهلية وجوب ناقصة حتى تكون منسجمة مع نقص الحياة فيه.

وأهلية الوجوب الناقصة تجعل الجنين أهلاً لثبوت بعض الحقوق له من دون أن تجعله أهلاً لتحمل أي التزام. وسبقت الإشارة إلى أنّ أهلية الوجوب تقوم على عنصرين هما: صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وصلاحيته لتحمل الالتزامات. فأهلية الوجوب التي تثبت للجنين لا تتضمن العنصر الثاني وهو صلاحية تحمل الالتزامات، بل تقتصر على العنصر الأول المتعلق بصلاحية اكتساب الحقوق. كما أنه حتى لهذا العنصر لا تثبت للجنين كل الحقوق، بل تثبت له فقط الحقوق الضرورية التي يقتضيها وضعه. والحقوق الضرورية التي يعدّ الجنين أهلاً لاكتسابها هي: النسب والإرث والوصية.

وأخيراً تجب الإشارة إلى أنّ الجنين ليس له أهلية أداء مطلقا؛ لأنّ أهلية الأداء تعني صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية بنفسه، وهذا غير ممكن عند الجنين.

2ـ المرحلة الثانية: عدم التمييز: تبدأ هذه المرحلة من وقت الولادة وتنتهي ببلوغ الطفل سن التمييز. وقد حدد المشرع سن التمييز بسبع سنين، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة (47) من القانون المدني السوري على أنّ "كل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقد التمييز".

وتكتمل بالولادة أهلية الوجوب لدى الإنسان، لأنّ مناط أهلية الوجوب هو الحياة، وقد اكتملت له الحياة بولادته حياً، فيكون له بذلك أهلية وجوب كاملة. وأهلية الوجوب الكاملة تجعل الطفل غير المميز صالحاً لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، فتجعله أهلاً لأن يكون صاحب حق كأن يكون مالكاً لما يشترى له أو يوهب له، كما تجعله أهلاً لأن يكون مكلفاً بالتزام كأن يكون مديناً لغيره بثمن المبيع المشترى له أو بأجرة العقار المستأجر له. وتلازم أهلية الوجوب الكاملة التي تثبت بالولادة الإنسان في مختلف مراحل حياته من دون أن ينتقص منها أي شيء.

أما أهلية الأداء فتكون معدومة لدى الطفل غير المميز؛ لأنّ مناط أهلية الأداء هو التمييز، ويكون الطفل في هذه المرحلة فاقداً الإدراك والتمييز. ويترتب على انعدام أهلية الأداء لدى الطفل غير المميز انعدام صلاحيته لإجراء التصرفات القانونية بنفسه أياً كان نوعها.

وبناءً على ذلك تعد جميع تصرفات الطفل غير المميز باطلة ولا يرتب عليها القانون أي أثر، حتى لو كانت نافعة له نفعاً محضاً كقبول الهبة التي توهب له، وهذا ما نصت عليه المادة (111) من القانون المدني السوري "ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله، وتكون جميع تصرفاته باطلة".

وبما أنّ الطفل غير المميز لا يستطيع إجراء التصرفات القانونية بنفسه لانعدام أهلية الأداء لديه استلزم وجود شخص يباشر عنه هذه الأهلية ويقوم بإجراء التصرفات القانونية نيابة عنه، وهذه هي الولاية على المال.

وتكون الولاية على مال القاصر ـ وهو الذي لم يبلغ سن الرشد سواء أكان مميزاً أم عديم التمييزـ للولي وهو الأب أو الجد العصبي، وفي حال عدم وجود الأب أو الجد العصبي تتحول الولاية على المال إلى وصاية. وتكون الوصاية على مال القاصر للشخص الذي يختاره الأب أو الجد قبل وفاتهما ويسمى بالوصي المختار، فإذا لم يكن هناك وصي مختار فإنّ القاضي هو الذي يعين الوصي. وبناءً على ذلك، الوصي هو شخص غير الأب أو الجد العصبي يولى على مال القاصر إما بالاختيار من قبل الأب أو الجد وإما بالتعيين من قبل المحكمة.

3ـ المرحلة الثالثة: التمييز: وتبدأ هذه المرحلة من سن التمييز أي من سن السابعة حتى بلوغ سن الرشد وهي ثماني عشرة سنة. ويكون إدراك الإنسان وتمييزه في هذه المرحلة من الحياة وسطاً بين الانعدام والاكتمال؛ لذلك يثبت للصبي المميز ـ إضافة إلى أهلية الوجوب الكاملة التي كان يتمتع بها منذ ولادته ـ أهلية أداء ناقصة فيصبح عندئذٍ ناقص الأهلية؛ لأنّ أهلية الأداء ترتبط بالعقل والإدراك، وبما أنّه يثبت للصغير المميز في هذه المرحلة إدراك ناقص استوجب منحه أهلية أداء ناقصة.

وقد نصت المادة (112) من القانون المدني السوري على أنّه:

"1ـ إذا كان الصبي مميزاً كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً، وباطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً.

أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر فتكون قابلة للإبطال لمصلحة القاصر، ويزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد، أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقاً للقانون".

يتبين من هذا النص أنّ حكم تصرفات الصبي المميز يختلف باختلاف أنواع التصرفات القانونية التي يرغب في إجرائها. وتنقسم التصرفات القانونية إلى ثلاثة أنواع:

أ ـ تصرفات نافعة نفعاً محضاً: وهي التصرفات التي يترتب عليها اغتناء من يباشرها من دون مقابل يعطيه، فهي إذاً تعود على من يقوم بها بنفع محض، كقبول الإنسان للهبة. فيحق للصبي المميز إجراء مثل هذه التصرفات وتعدّ صحيحة متى صدرت عنه، إذ يعدّّ الصبي المميز بحكم كامل الأهلية، أي تكون له أهلية أداء كاملة لهذه التصرفات.

ب ـ تصرفات ضارة ضرراً محضاً: وهي التصرفات التي يترتب عليها افتقار من يباشرها من دون مقابل يأخذه، فهي إذاً تعود على من يقوم بها بضرر محض، كهبة الشخص لماله أو إبرائه لمدينه. ولا يستطيع الصبي المميز أن يباشر مثل هذه التصرفات، وتعدّ باطلة إذا صدرت عنه ولا يترتب عليها أي أثر قانوني إذ يعدّّ الصبي المميز بحكم عديم الأهلية أي كالصبي غير المميز لهذه التصرفات.

ج ـ تصرفات دائرة بين النفع والضرر: وهي التصرفات التي تحتمل بطبيعتها الربح والخسارة، فلا يترتب عليها افتقار محض ولا اغتناء محض؛ لأنها تقوم على أساس المعاوضة، حيث يعطي الشخص فيها مقابلاً لما يأخذ. وهذه التصرفات تشمل أعمال التصرف وأعمال الإدارة. ويقصد بأعمال التصرف تلك التي ترمي إلى تقرير حق عيني للغير على الشيء كالبيع، أما أعمال الإدارة فهي التي ترمي في الأصل إلى استغلال الشيء كالإيجار.

  وإذا باشر الصبي المميز هذه التصرفات فتكون قابلة للإبطال لمصلحة الصبي المميز نفسه، ومعنى ذلك أنّ هذه التصرفات تعد موجودة قانوناً ومنتجة لآثارها ولكنها مهددة بالإبطال. ويستطيع طلبَ الإبطال الوليُّ أو الوصي أو الصغير المميز نفسه بعد بلوغه سن الرشد. وإذا حكم بإبطال هذه التصرفات عدّت كأن لم تكن أصلاً، وعلى النقيض من ذلك تصبح هذه التصرفات صحيحة بصفة نهائية ولا يجوز طلب إبطالها إذا أجازها الصبي المميز نفسه بعد بلوغه سن الرشد، أو أجازها الولي أو الوصي أو المحكمة بحسب ما خوله القانون لكل منهم من سلطة القيام بالتصرف أو الإذن به.

ويلاحظ أنّ العبرة في كون التصرف دائراً بين النفع والضرر هو بأصل وضعه أي بطبيعته وليس بنتيجته، فعقد البيع هو بأصل وضعه من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، لأنه يحتمل بطبيعته الربح والخسارة، حتى لو كان ينطوي على نفع أو ضرر لمن يباشره.

ولكن يجب الإشارة إلى أنّ المشرع قد خرج عن المبدأ الذي يحدد مدى أهلية الصبي المميز لمباشرة التصرفات القانونية في حالتين استثنائيتين:

الحالة الأولى: وهي تتعلق بالصبي المميز الذي يؤذن له بتسلم أمواله لإدارتها. فقد نصت المادة (113) من القانون المدني السوري على أنه "إذا بلغ الصبي المميز الخامسة عشرة من عمره وأذن له بتسلم أمواله لإدارتها أو تسلمها بحكم القانون كانت أعمال الإدارة الصادرة منه صحيحة في الحدود التي رسمها القانون".

وقد أجازت المادة (164) من قانون الأحوال الشخصية السوري للقاضي أن يأذن للقاصر بعد بلوغه الخامسة عشرة وسماع أقوال الوصي بتسلم جانب من أمواله لإدارتها. وللقاصر المأذون مباشرة أعمال الإدارة وما يتفرع عنها كبيع الحاصلات وشراء الأدوات، ولا يجوز له بغير موافقة القاضي مزاولة التجارة ولا عقد الإجارة مدة تزيد على سنة، ولا أن يستوفي حقاً أو يوفي ديناً لا يتعلق بأعمال الإدارة.

ويعدّ القاصر المأذون له كامل الأهلية فيما أذن له القيام به، ولا يستطيع بعد ذلك أن يحتج بنقص أهليته لإبطال التصرفات التي كان قد أجراها في حدود الإذن الممنوح له.

الحالة الثانية: وهي تتعلق بالصبي المميز الذي يتولى إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص. فقد منحت المادة (169) من قانون الأحوال الشخصية للصبي المميز الذي بلغ الثالثة عشرة من عمره الحق في أن يتولى إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص، وأعمال الإدارة التي يقوم بها القاصر بهذا المال تعدّ صحيحة وغير قابلة للإبطال كتصرفات كامل الأهلية.

4ـ المرحلة الرابعة: الرشد: تبدأ هذه المرحلة لدى الإنسان ببلوغه سن الرشد وتستمر بقية حياته. وقد نصت المادة (46) من القانون المدني السوري على أنه:

كل شخص بلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية، ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.

وسن الرشد هي ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة".

فإذا أتم الشخص الثامنة عشرة من عمره عدّه القانون كامل التمييز والعقل. ولأن مناط أهلية الأداء هو العقل والتمييز كان لهذا الشخص أهلية أداء كاملة؛ إذ يستطيع إجراء جميع التصرفات القانونية بنفسه، سواء أكانت نافعة نفعاً محضاً أم ضارة ضرراً محضاً أم دائرة بين النفع والضرر.

وتحديد سن الرشد بسن معينة هي ثماني عشرة سنة إنما يقوم على أساس قرينة معينة هي أنّ الشخص في هذه السن قد اكتمل عقله وتمييزه. ولا يحتاج الإنسان بعد بلوغه سن الرشد إلى إثبات رشده واكتمال عقله وتمييزه حتى يستطيع التمتع بالأهلية الكاملة، بل يعدّّ كامل الأهلية حكماً بمجرد بلوغه هذه السن ما لم يكن قد طرأ عليه عارض من عوارض الأهلية.

والأصل في الشخص أن يكون كامل الأهلية، وبهذا قضت المادة (110) من القانون المدني السوري بقولها "كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون". فهذا النص يجعل كمال الأهلية لدى الشخص هو الأصل، ولا يعدّّ الشخص عديم الأهلية أو ناقصها إلا بمقتضى نص في القانون. وهذا المبدأ يفترض أنّ التصرفات القانونية التي يجريها الشخص قد صدرت عنه وهو كامل الأهلية، ويقع على عاتق من يدعي خلاف ذلك إثبات ما يدعيه.

وتعدّ أحكام الأهلية من النظام العام؛ فلا يجوز الاتفاق على إعطاء شخص أهلية لا تتوافر له بحكم القانون، أو الاتفاق على حرمانه من أهلية يتمتع بها قانوناً، أو الاتفاق على توسيعها أو تضييقها. وهذا ما تقضي به المادة (50) من القانون المدني السوري إذ تنص على أنّه "ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا التعديل في أحكامها".

فإذا اتفق شخص كامل الأهلية مع آخر على التنازل عن أهليته وعدّ تصرفاته القانونية التي يجريها باطلة أو قابلة لإبطال كان هذا الاتفاق باطلاً. وإذا باع شخص ناقص الأهلية عقاراً وتعهد للمشتري بعدم المطالبة بإبطال هذا البيع بعد بلوغه سن الرشد كان هذا التعهد باطلاً لأنه يعدّّ بمنزلة تعديل لأحكام الأهلية.

ثالثاً ـ عوارض الأهلية:

عوارض الأهلية هي أمور أو أوصاف يتعرض لها الشخص فتؤثر في تمييزه وبالتالي في أهليته. وهذه العوارض إما أن تؤدي إلى انعدام الأهلية كما في حالتي الجنون والعته، وإما تؤدي إلى الانتقاص من هذه الأهلية كما في حالتي السفه والغفلة.

1ـ الجنون والعته: الجنون هو اضطراب يصيب العقل فيجعل الشخص فاقد التمييز، أما العته فهو خلل يعتري العقل فيجعل الشخص قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير من دون أن يصل إلى مرتبة الجنون.

وقد سوّى القانون بين المجنون والمعتوه في الحكم وعدّ كلاً منهما فاقد الأهلية كالصبي غير المميز، وقد نصت على ذلك المادة (47) من القانون المدني السوري بقولها "لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون".

وتشترط المادة (115) من القانون المدني السوري لعدّ المجنون والمعتوه فاقدي الأهلية وبالتالي عدّ تصرفاتهما باطلة أن يكون التصرف قد صدر بعد صدور قرار الحجر عليهما وشهره. أما إذا صدر التصرف قبل شهر قرار الحجر فلا يكون باطلاً إلا في حالتين: إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد، أو كان الطرف الآخر على بينة منها.

أما المادة (200) من قانون الأحوال الشخصية السوري فتعدّ المجنون والمعتوه محجورين لذاتهما من دون حاجة إلى صدور قرار بالحجر عليهما، وبالتالي فإنّ تصرفاتهما تعد باطلة لمجرد حدوث الجنون أو العته وليس بدءاً من شهر قرار الحجر كما تشترط المادة (115) من القانون المدني.

وبما أنّ قانون الأحوال الشخصية قد صدر عام 1953 أي بعد صدور القانون المدني عام 1949 فإنّ المادة (200) من قانون الأحوال الشخصية هي التي يجب ترجيحها لأنها قد ألغت إلغاءً ضمنياً المادة (115) من القانون المدني.

2ـ السفه والغفلة: السفيه بحسب تعريف الفقرة الثالثة من المادة (200) من قانون الأحوال الشخصية، هو الذي يبذر أمواله ويضعها في غير مواضعها بإنفاقه ما يعدّ من مثله تبذيراً. أما المغفل فقد عرفته الفقرة الرابعة من المادة نفسها بأنه هو الذي تغلب عليه الغفلة في أخذه وعطائه ولا يعرف أن يحتاط في معاملته لبلاهته.

وقد سوّى القانون في الحكم بين السفيه والمغفل فعد كلاً منهما ناقص الأهلية كالصبي المميز. وهذا ما قضت به المادة (48) من القانون المدني السوري بقولها "كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيهاً أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقاً لما يقرره القانون".

لكن تشترط المادة (116) من القانون المدني السوري لعدِّ السفيه والمغفل ناقصي الأهلية ولخضوعهما للأحكام التي يخضع لها الصبي المميز أن يكون قد صدر قرار بالحجر عليهما، أما قبل صدور قرار الحجر فتكون جميع تصرفاتهما صحيحة وغير باطلة أو قابلة للإبطال إلا إذا كانت هذه التصرفات قد تمت نتيجة استغلال أو تواطؤ.

غير أنّ المشرع خرج على هذه القاعدة في حالتين:

الحالة الأولى: أجازت الفقرة الأولى من المادة (117) من القانون المدني للسفيه والمغفل إجراء تصرفين من التصرفات الضارة ضرراً محضاً وهما الوقف والوصية، بشرط أن تأذن المحكمة بذلك.

الحالة الثانية: عدّت الفقرة الثانية من المادة (117) من القانون المدني "أعمال الإدارة الصادرة من المحجور عليه لسفه، المأذون له بتسلم أمواله صحيحة في الحدود التي رسمها القانون". ثم جاءت بعد ذلك المادة (201) من قانون الأحوال الشخصية فاعترفت بهذا الحق للسفيه والمغفل معاً حيث نصت على أنه "للقاضي أن يأذن بتسليم المحجور عليه للسفه أو الغفلة جانباً من أمواله لإدارتها وتسري عليه أحكام القاصر المأذون".

رابعاً ـ موانع الأهلية:

قد يكون الشخص كامل الأهلية ومع ذلك تقوم لديه ظروف تمنعه من مباشرة التصرفات القانونية بنفسه أو بمفرده، ولهذا يقرر القانون تعيين شخص يتولى عنه مباشرة هذه التصرفات أو يساعده على مباشرتها.

وهذه الظروف لا تستند إلى اضطراب في العقل أو إلى عدم اتزان في التصرفات وإنما تعدّ موانع تمنع الشخص من مباشرة أهليته، وبهذا المعنى هناك مانعان للأهلية: أولهما مانع طبيعي وهو وجود عاهة مزدوجة، وثانيهما مانع قانوني وهو الحكم بعقوبة جنائية.

1ـ وجود عاهة مزدوجة: نصت المادة (118) من القانون المدني السوري على أنه:

"1ـ إذا كان الشخص أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك.

ويكون قابلاً للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائياً بغير معاونة المساعد، إذا صدر التصرف بعد شهر قرار المساعدة".

فالشخص المصاب بعاهتين من هذه العاهات الثلاثة، وهي الصمم والبكم والعمى، ويتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته يجوز للمحكمة تعيين مساعد قضائي له حتى يعاونه في التصرفات التي تستوجب مصلحته مساعدته بها.

فهذا الشخص يعدّّ كامل الأهلية لأنّ إرادته سليمة، ولكن بسبب وضعه الذي يمنعه من الانفراد بمباشرة هذه الأهلية والتعبير عن إرادته تعبيراً صحيحاً كانت مهمة المساعد القضائي بمعاونة من تقررت مساعدته من خلال مشاركته في إبرام التصرفات التي تقررت فيها المساعدة. وهكذا لا يستطيع أي منهما الانفراد بإبرام هذه التصرفات، وإنما يجب أن تصدر منهما على نحو مشترك.

وإذا صدر ممن تقررت مساعدته تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة فيها بغير معاونة المساعد كان هذا التصرف قابلاً للإبطال متى صدر بعد شهر قرار المساعدة.

2ـ الحكم بعقوبة جنائية: تقضي المادة (50) من قانون العقوبات بأنّ كل محكوم عليه بالأشغال الشاقة أو بالاعتقال يكون خلال تنفيذ عقوبته في حالة الحجر، وكل عمل أو إدارة أو تصرف يقوم به المحكوم عليه ـ ما عدا الأعمال المتعلقة بممارسته لحقوقه الملازمة لشخصه ـ يعدّ باطلاً بطلاناً مطلقاً.

فالحكم بعقوبة جنائية يمنع المحكوم عليه خلال تنفيذ عقوبته من إجراء أي نوع من أنواع التصرفات القانونية، وإذا أجرى شيئاً منها تعدّ تصرفاته باطلة باستثناء التصرفات المتعلقة بالحقوق الملازمة لشخصه كالطلاق مثلاً. ويتولى أعمالَ الإدارة والتصرف عن المحكوم عليه وصيٌّ يعين وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بتعيين الأوصياء على المحجور عليهم.

وسبب انعدام الأهلية لدى المحكوم عليه بعقوبة جنائية لا يرجع إلى اضطراب ملكاته العقلية أو سوء إدارته لأمواله كما هو الحال في عوارض الأهلية عموماً، وإنما هو إجراء تأديبي يتفرع عن عقوبته الأصلية. وبالتأكيد فإنّ هذا الإجراء يحمل في طياته شيئاً من القسوة والمغالاة في عدّ المحكوم عليه بعقوبة جنائية في منزلة الصغير غير المميز والمجنون والمعتوه.

خامساً ـ أحكام خاصة في الأهلية:

1ـ الأهلية في المسؤولية التقصيرية: لا يكفي التعدي لقيام ركن الخطأ في المسؤولية التقصيرية، وإنما لا بد أن يكون من وقع منه التعدي مدركاً له، والإدراك يعني التمييز. فالشخص يعدّ مسؤولاً عن أعماله غير المشروعة ـ وفقاً لما جاء في المادة (165/1) من القانون المدني السوري ـ متى صدرت منه وهو مميز. والمميز هو من أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من العمر، وبالتالي لا يكون عديم التمييز بسبب السن مسؤولاً من حيث المبدأ عن أعماله غير المشروعة، وكذلك المجنون والمعتوه. ولا يسأل أيضاً من فقد وعيه ـ لأي سبب من الأسباب كالتخدير أو المرض أو التنويم المغناطيسي ـ عن أعماله غير المشروعة؛ وذلك لعدم توافر الإدراك لديه، وبالتالي عدم إمكان نسبة الخطأ إليه. ولكن يشترط في الحالات التي يفقد فيها الشخص وعيه ألا تكون راجعة إلى فعله، فإن كانت كذلك فيعدّ مسؤولاً في مثل هذه الحال، كمن يتعاطى المسكرات أو المخدرات طوعاً، ومن ثم يفقد وعيه وإدراكه، ويقدم على إلحاق الضرر بالغير. ويترتب على ذلك أنه يكفي أن يكون الشخص مميزاً وفقاً لنص المادة (165/1). أما عديم التمييز فلا يعدّ ـ من حيث الأصل ـ مسؤولاً عن أعماله غير المشروعة، ولكن يمكن أن يسأل عن هذه الأعمال على سبيل الاستثناء.

2ـ مسؤولية عديم التمييز: الأصل في القانون المدني السوري انعدام مسؤولية عديم التمييز، ويشترط في ذلك أن يكون عدم التمييز تاماً، كما يشترط ألا يكون انعدام التمييز بخطأ منه، وأن يكون عديم التمييز هو المسؤول وحده عن خطأ غير مفترض. و نظراً لمجافاة هذا الحل للعدالة تدخل المشرع ونص استثنائياً على قيام مسؤولية عديم التمييز عن أعماله غير المشروعة. زد على ذلك أن عديم التمييز يمكن أن يكون مسؤولاً في بعض الحالات وفقاً للقواعد العامة.

أ ـ مسؤولية عديم التمييز الاستثنائية: تنص المادة (165/2) من القانون المدني السوري على ما يأتي: "ومع ذلك إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من هو مسؤول عنه، أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول جاز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل، مراعياً في ذلك مركز الخصوم". ويلاحظ أن المشرع لم يقم هذه المسؤولية على أساس الخطأ، وإنما تقوم هذه المسؤولية على أساس تحمل التبعة. ويتبين من نص هذه المادة أن مسؤولية عديم التمييز تمتاز بالخصائص الآتية:

(1)ـ مسؤولية استثنائية: لأنها تعدّ استثناءً على الأصل الذي قرره المشرع في المادة (165/1) من القانون نفسه، وهو أنه يكفي لقيام المسؤولية أن يكون الشخص مميزاً. وهي استثنائية؛ لأن الأصل في المسؤولية التقصيرية أن تقوم على الخطأ، ولكن مسؤولية عدم التمييز تقوم على تحمل التبعة استثناءً من هذا الأصل. وكانت مسؤولية عديم التمييز في القانون الفرنسي محل نقاش طويل، ففي القانون الفرنسي أيضاً كان يشترط أن يكون المسؤول مميزاً، وبالتالي كان عديم التمييز غير مسؤول وفقاً لأحكام المادتين (1382 و1383) من التقنين المدني الفرنسي. وكان القضاء الفرنسي يشترط أن يكون الجنون مطبقاً، وأن يكون موجوداً وقت ارتكاب الفعل غير المشروع، ومن ثم تدخل المشرع الفرنسي بموجب القانون رقم 5/68 تاريخ 3/1/1968 المتعلق بحماية عديمي الأهلية البالغين، الذي أضاف المادة (489ـ2) إلى التقنين المدني، وتنص هذه المادة على أن من سبب ضرراً للغير وهو تحت تأثير اضطراب عقلي يلتزم تعويضه. وثار السؤال سريعاً حول نطاق تطبيق هذا النص. والأمر المتفق عليه بين الفقهاء هو أن البالغ الذي يقوم بفعل تحت تأثير اضطراب عقلي لم يعدّ ذلك سبباً من أسباب انعدام المسؤولية، وبالتالي يعدّ هذا البالغ مسؤولاً حتى لو لم يكن قادراً على الإدراك. ولكن مسألة تطبيق هذا النص على القاصر المصاب باضطراب عقلي، أو الطفل غير المميز أثارت جدلاً واسعاً وانقساماً بين الفقهاء، فيرى بعضٌ منهم أن النص استثناء على الأصل، وبالتالي قرر عدم تطبيق هذا النص على القاصر المجنون أو الصبي غير المميز، فيبقى هؤلاء غير مسؤولين عن أفعالهم غير المشروعة؛ لأن النص ورد في الموضع المخصص لحماية البالغين عديمي الأهلية، ولم يفرضه المشرع مبدأ عاماً وارداً في الموضع المخصص للمسؤولية التقصيرية (المادة 1382 وما يليها). في حين أن بعضهم الآخر قال إن تفسير النص بهذا النحو الضيق يؤدي إلى عدم مسؤولية القاصر المجنون أو الصبي غير المميز، في حين يكون البالغ المجنون مسؤولاً، وبالتالي ذهب إلى تطبيق النص بوصفه مبدأ عاماً، وهذا ما قررته محكمة النقض الفرنسية (نقض فرنسي، الغرفة المدنية الأولى، 20/7/1976، مجموعة قرارات الغرفة المدنية الأولى لعام 1976، رقم 270. ومنشور أيضاً في المجلة الفصلية للقانون المدني 1976، ص 782، تعليق Durry).

(2)ـ مسؤولية احتياطية: لأنه لا يحق للمضرور الرجوع على عديم التمييز بموجب المادة (165/2) إلا إذا تعذر عليه الحصول على تعويض من شخص آخر غير عديم التمييز، وهو غالباً متولي الرقابة. فإذا وجد متولي الرقابة كان هو المسؤول، ويجب على المضرور الرجوع عليه، ويتعذر عليه الرجوع على عديم التمييز. أما إذا لم يكن هناك من يتولى رقابة عديم التمييز، أو أن متولي الرقابة كان معسراً، أو أنه استطاع أن يدفع المسؤولية عن نفسه، عندئذٍ يحق للمضرور الرجوع على عديم التمييز بالتعويض (المادة 165/2 مدني سوري).

(3)ـ مسؤولية جوازية: ترك نص المادة (165/2) أمر هذه المسؤولية للقاضي، فله أن يحكم بها أو لا، وذلك تبعاً للوضع المالي لعديم التمييز وكذلك للمضرور.

(4)ـ مسؤولية مخففة: لأن هذه المسؤولية لا تقوم على الخطأ، فليس من الضروري أن يكون التعويض كاملاً، وإنما يجب أن يكون عادلاً، ويراعي القاضي في ذلك مركز الخصوم، أي عديم التمييز المسؤول عن العمل غير المشروع والمضرور. فيمكن أن يحكم بتعويض كامل، وذلك إذا كان عديم التمييز ثرياً، وكان المضرور فقيراً جداً. وربما لا يحكم القاضي بأي تعويض إذا كان المضرور فاحش الثراء، وعديم التمييز مدقع الفقر. ويمكن أن يحكم بتعويض جزئي إذا كان عديم التمييز غنياً، ولكن ليس إلى حد الثراء الفاحش، وكان المضرور محتاجاً، ويخضع القاضي في تقديره للتعويض ـ مراعياً مركز الخصوم وفق أحكام المادة 165/2 مدني سوري ـ لرقابة محكمة النقض (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار رقم 8/ أساس 86، تاريخ 11/1/1969، مجلة «المحامون» لعام 1969، ص27).

ب ـ مسؤولية عديم التمييز وفقاً للقواعد العامة: يعدّ عديم التمييز مسؤولا في القانون السوري، في حالات عدة أهمها:

(1)ـ إذا كان انعدام التمييز بخطأ من الشخص نفسه، كمن يتناول بإرادته المسكرات والمخدرات، ومن ثم تفقده وعيه، ويُقْدم بعدئذٍ على إلحاق الضرر بالغير، فإنه يعدّ مسؤولاً مسؤولية كاملة عن تعويض ذلك الضرر.

(2)ـ يجوز نسبة الخطأ إلى عديم التمييز، وذلك من أجل قيام مسؤولية من يتولى رقابته، لا من أجل قيام مسؤوليته الشخصية.

(3)ـ يمكن أن يكون عديم التمييز مسؤولاً بوصفه متبوعاً أو حارساً للأشياء الحية أو غير الحية، وتكون مسؤوليته في مثل هذه الحالات مسؤولية كاملة.

(4)ـ يمكن نسبة الخطأ إلى عديم التمييز إذا كان في مكان المضرور لا في مكان المسؤول، وذلك من أجل تخفيف مسؤولية الفاعل في حال ما إذا اشترك إهمال عديم التمييز مع خطأ المسؤول في وقوع الضرر.

3ـ الأهلية في الإثراء بلا سبب: لم تشترط المادة (180) من القانون المدني السوري أي أهلية في المفتقر و المثري، إذ إنها ألزمت كل شخص ـ ولو كان غير مميز أثرى على حساب شخص آخر من دون سبب مشروع ـ التعويض عما لحق المفتقر من خسارة في حدود ما أثرى به. والسبب في ذلك أن مصدر الإثراء هو واقعة قانونية، ولا يلتزم المثري استناداً إلى إرادته أو إلى خطأ ارتكبه، وإنما يلتزم بمجرد تحقق واقعة الإثراء. ويقع على عاتق المدعي أو نائبه أو خلفه عبء الإثبات.

4ـ الأحكام الخاصة بالوفاء لناقص الأهلية في الدفع غير المستحق:

يعدّ الوفاء تصرفاً قانونياً، وبالتالي يتطلب أن يكون الدافع (الموفي) متمتعاً بالأهلية المناسبة لهذا التصرف، أما المدفوع له فالأصل أنه لا تشترط فيه أي أهلية، والسبب في ذلك أن التزامه الرد لا ينشأ عن الإرادة وبالتالي لا علاقة له بالأهلية، وإنما ينشأ عن واقعة مادية هي واقعة الإثراء. ولكن المشرع خرج عن هذا الأصل فيما يخص ناقص الأهلية، أياً كان سبب نقص أهليته، فنص في المادة (187) من القانون المدني السوري على أنه "إذا لم تتوافر أهلية التعاقد في من تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثرى به". وجاء نص هذه المادة مطلقاً، وبالتالي لا فرق في أن يكون القاصر حسن النية أو سيئ النية. والمقصود بعبارة "بالقدر الذي أثرى به" هو الإثراء الحقيقي، أي ما انتفع به فعلاً لا حكماً. ويترتب على ذلك نتائج مهمة، وهي: إذا كان ناقص الأهلية قد تسلم شيئاً معنياً ولا يستحقه، ثم هلك الشيء في يده أو تلف أو ضاع بسبب قوة قاهرة فلا يلتزم رد شيء للدافع؛ لأنه لم ينتفع بالشيء في مثل هذه الحال. أما إذا كان الهلاك والتلف والضياع بخطأ منه فيلتزم تعويض الدافع عن القدر الذي لحق به على أساس العمل غير المشروع المنصوص عليه في المادة (164) من القانون ذاته؛ لأن المادة (165) منه تكتفي بأن يكون المسؤول مميزاً. وإذا تبرع ناقص الأهلية بالشيء فلا يحق للدافع الرجوع عليه بشيء؛ لأن القاصر لم ينتفع بشيء.

5ـ الأهلية في الفضالة:

أ ـ أهلية الفضولي: الفضالة هي واقعة قانونية، وبالتالي فإن جميع أعمال الفضالة هي أعمال مادية لرب العمل، حتى التصرفات القانونية التي يبرمها الفضولي باسمه أو باسم رب العمل، ولذا فإن الأهلية المطلوبة في الفضولي للقيام بهذه الأعمال هي أن يكون مميزاً؛ لأنه يشترط في الفضالة أن يتوافر لدى الفضولي قصد العمل لحساب الغير، هذا القصد يتطلب أن يكون الفضولي على الأقل مميزاً. وتختلف الأهلية التي يجب أن تتوافر في الفضولي تبعاً لما يلتزمه، فالتزامه المضي في العمل الذي قام به، والتزامه إخطار رب العمل بتدخله يكفي فيهما أن يكون الفضولي مميزاً. وإذا أخل الفضولي بأحد هذين الالتزامين يكون مسؤولاً مسؤولية تقصيرية عن الضرر الذي يلحق برب العمل. أما التزام بذل عناية الشخص العادي في القيام بالعمل، والتزام تقديم حساب فيتعلقان بحسن إدارة مال الغير، وبالتالي يشترط أن يكون الفضولي في هذين الالتزامين كامل الأهلية. ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتوافر في الفضولي أهلية التعاقد فلا يكون ـ طبقاً لما جاء في المادة (197) من القانون المدني السوري ـ مسؤولاً عن إدارته إلا بالقدر الذي أثرى به، ما لم تكن مسؤوليته ناشئة عن عمل غير مشروع، وبالتالي يكون رجوع رب العمل على الفضولي وفقاً لهذه المادة بموجب دعوى الإثراء بلا سبب. وكذلك يجب أن تتوافر في الفضولي أهلية التعاقد عندما يكون العمل الذي يقوم به تصرفاً قانونياً أبرمه الفضولي باسمه شخصياً لا باسم رب العمل.

ب ـ أما أهلية رب العمل: فتنص المادة (197/2) من القانون المدني السوري على أنه تبقى مسؤولية رب العمل كاملة حتى لو لم تتوافر فيه أهلية التعاقد، وبالتالي يمكن أن يكون رب العمل ناقص الأهلية أو عديم الأهلية، والسبب في ذلك أن مصدر التزامات رب العمل هو فعل نافع وليس إرادته. ولكن عندما يقوم الفضولي بإبرام تصرف قانوني باسم رب العمل فيجب أن تتوافر في رب العمل الأهلية القانونية المناسبة لإبرام هذا التصرف حتى تسري آثاره مباشرة عليه. ويمكن أن يكون رب العمل شخصاً طبيعياً، كما يمكن أن يكون شخصاً اعتبارياً.

مراجع للاستزادة:

 ـ أحمد الحجي الكردي، الأحوال الشخصية (المطبعة الجديدة، دمشق 1983).

ـ أحمد عيسى، فيصل العساف، المدخل إلى علم القانون (منشورات جامعة حلب، 2004).

ـ انطوان قسيس، المدخل للعلوم القانونية (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، حلب 1966).

ـ حمود غزال، عبد الكريم ظلاّم، مقدمة القانون، مركز التعليم المفتوح، الدراسات القانونية العملية (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، حلب 2004).

ـ حمود غزال، عبد الكريم ظلاّم، المدخل إلى علم القانون، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية (منشورات جامعة حلب، 2008).

ـ عبد المنعم فرج الصده، أصول القانون (دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1978).

ـ هشام القاسم، المدخل إلى علم القانون (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، 1995).

ـ توفيق حسن فرج، الأصول العامة للقانون، المدخل للعلوم القانونية والنظرية العامة للالتزام (بيروت، دون تاريخ).

ـ حسن كيرة، المدخل إلى القانون، القسم الثاني: النظرية العامة للحق (مكتبة مكاوي، بيروت 1977).

ـ مصطفى محمد الجمال وعبد الحميد محمد الجمال، النظرية العامة للقانون (الدار الجامعية، بيروت 1987).

- J. FLOUR, J. AUBERT -L.et E. SAVAUX, Les obligations, 2- Le fait juridique, (9 ème édition, Armand Colin, 2001).

- F. TERRÉ, PH.SIMLER et Y. LEQUETTE, Droit civil, Les obligations, (8ème édition, Dalloz, 2002).

- PH. LE TOUMEAU, Droit de la responsabilité et des contrats, (Dalloz 2004/2005).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 269
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1040
الكل : 58491804
اليوم : 64318